الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع لكل سؤال جواب في سورة «النجم»
«1»
إن قيل: الضلال والغواية واحدة، فما الحكمة في قوله تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (2) .
قلنا: قيل إن بينهما فرقا لأنّ الضلال ضدّ الهدى، والغيّ ضدّ الرّشد، وهما مختلفان مع تقاربهما. وقيل معناه: ما ضلّ في قوله ولا غوى في فعله، ولو ثبت اتحاد معناهما، لكان من باب التأكيد باللفظ المخالف، مع اتّحاد المعنى.
فإن قيل: لم قال تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (9) أدخل كلمة الشك، والشّكّ محال على الله تعالى؟
قلنا: «أو» هنا للتخيير لا للشّكّ، كأنّه قال سبحانه وتعالى: إن شئتم قدّروا ذلك القرب بقاب قوسين، وإن شئتم قدّروه بأدنى منهما. وقيل معناه:
بل أدنى. وقيل هو خطاب لهم بما هو معهود بينهم. وقيل هو تشكيك لهم لئلّا يعلموا قدر ذلك القرب، ونظيره قوله تعالى وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)[الصافات] والكلام فيهما واحد.
فإن قيل: قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20) .
من رؤية القلب لا من رؤية البصر، فأين مفعولها الثاني؟
قلنا: هو محذوف تقديره:
أفرأيتموها بنات الله وأنداده، فإنهم كانوا يزعمون أن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله عز وجل.
فإن قيل: لم قال الله تعالى: الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (20)
(1) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.
فوصف الثالثة بالأخرى، والعرب إنما تصف بالأخرى الثانية لا الثالثة، فظاهر اللفظ يقتضي أن يكون قد سبق ثالثة أولى، ثم لحقتها الثالثة الأخرى فتكون ثالثتان؟
قلنا: الأخرى نعت للعزّى تقديره:
أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة لأنها ثالثة الصنمين في الذكر، وإنما أخّر الأخرى رعاية للفواصل، كما قال سبحانه: وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (18)[طه] ولم يقل أخر رعاية للفواصل.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (28) ، أي لا يقوم مقام العلم، مع أنه يقوم مقام العلم في صورة القياس؟
قلنا: المراد به هنا الظّن الحاصل من اتّباع الهوى دون الظّنّ الحاصل من النظر والاستدلال ويؤيده قوله تعالى قبل هذا: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ [الآية 23] .
فإن قيل: لم قال تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (39) وقد صح في الأخبار وصول ثواب الصدقة والقراءة والحج وغيرها الى الميت؟
قلنا: فيه وجوه: أحدها ما قاله ابن عبّاس رضي الله عنهما أنها منسوخة بقوله تعالى: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: 21] ، معناه أنه أدخل الأبناء الجنّة بصلاح الآباء، قالوا وهذا لا يصح لأنّ الآيتين خبر، ولا نسخ في الخبر. الثاني: أن ذلك مخصوص بقوم إبراهيم وموسى (ع) ، وهو حكاية ما في صحفهم، فأمّا هذه الأمّة فلها ما سعت وما سعى لها.
الثالث أنه على ظاهره، ولكن دعاء ولده وصديقه وقراءتهما وصدقتهما عنه من سعيه أيضا، بواسطة اكتسابه للقرابة أو الصداقة أو المحبّة من الناس، بسبب التقوى والعمل الصالح.
فإن قيل: لم قال تعالى بعد تعديد النقم: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55) والآلاء هي النعم؟
قلنا: إنما قال سبحانه بعد تعديد النعم والنقم نعم، لما فيها من الزجر والمواعظ، فمعناه: فبأيّ نعم ربّك الدالّة على وحدانيته تشكّ يا وليد بن المغيرة.