الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونثرت له بطني، وإنّ له صبية صغارا، ان ضممتهم إليّ جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا وجعلت ترفع رأسها الى السماء، وتستغيث وتتضرّع، وتشكو الى الله، فنزلت الآيات الأربع من صدر سورة المجادلة. فقال رسول الله (ص) يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا، ثم تلا عليها الآيات. وقال لها (ص) مريه فليعتق رقبة، قالت يا رسول الله ليس عنده ما يعتق، قال فليصم شهرين متتابعين قالت والله إنه لشيخ ماله من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينا وسقا «1» من تمر، قالت: والله يا رسول الله ما ذاك عنده، فقال رسول الله (ص) :«فإنّا سنعينه بعرق من تمر» . قالت: يا رسول الله وأنا سأعينه بعرق آخر. قال الرسول: «قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدّقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا» ، قالت: ففعلت.
تلك قصة الظّهار، وهي تشير الى رعاية السماء لهذه الجماعة المؤمنة، ونزول الوحي يجيب عن أسئلتها ويحلّ مشاكلها، ويربّي نفوسها، ويهذّب أخلاقها، ويأخذ بيدها إلى الصراط القويم. وقد تضمّنت الآيات، إحاطة السميع البصير بكل صغيرة وكبيرة، واطّلاعه على جميع الأعمال وبينت أن المسارعة إلى ألفاظ الظّهار والطلاق منكر وزور وأنّ الزوجة غير الأم، فالأم حملت وأرضعت، وقد حرّم الله تعالى على الإنسان الزواج بأمه.
والزوجة أحلّ الله زواجها.
ثم رسم القرآن الكريم طريق الحل لمن بدرت منه بادرة بالظّهار، فقال لامرأته أنت عليّ كظهر أمي، ثم أراد أن يرجع عن ذلك، وأن يراجع زوجته فعليه أن يكفّر عن هذا الذنب، بتحرير رقبة فإن لم يجد، فبصوم ستين يوما، فإن لم يستطع، فعليه إطعام ستين مسكينا وفي ذلك نوع من التهذيب والتأديب، حتّى يضبط الناس أعصابهم ويحفظوا ألسنتهم في ساعة الغضب والتهوّر.
أهداف السورة
تبدأ السورة بهذه البداية الكريمة، وهي سماع الله العليّ القدير، شكوى امرأة فقيرة مغمورة، وقد استمع إليها
(1) . الوسق (بفتح الواو، وكسرها) : مكيلة معروفة.
جلّ جلاله من فوق سبع سماوات، وكان صوتها ضعيفا، لا يكاد يسمعه من يجلس بجوارها.
وفي البخاري والنسائي عن عائشة (رض) قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة خولة إلى رسول الله (ص) في جانب البيت ما أسمع ما تقول. فأنزل الله عز وجل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ [الآية 1] الى آخر الآيات الأربع من صدر السورة.
وفي [الآيتين 5- 6] توكيد أنّ الذين يحادّون الله ورسوله، وهم أعداء الجماعة المسلمة التي تعيش في كنف الله، مكتوب عليهم الكبت والقهر في الأرض، والعذاب المهين في الاخرة، مأخوذون بما عملوا، أحصاه الله عليهم، ونسوه هم وهم فاعلوه:
وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6) .
و [الآية 7] تؤكّد سعة علم الله سبحانه، وإحاطته بما في السماوات والأرض، واطّلاعه على السّر والنّجوى، ورقابته لكلّ صغير وكبير، ثمّ محاسبة الجميع بما قدّموا يوم القيامة والآية تخرج هذه المعاني في صورة عميقة التأثير، تترك القلوب وجلة، ترتعش مرّة وتأنس مرّة، وهي مأخوذة بمحضر الله الجليل: هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) .
وفي [الآيات 8- 10] يشهّر القرآن بموقف المنافقين، الذين يبيّتون الكيد والدّسّ للمؤمنين، ويهدّدهم بأنّ أمرهم مكشوف وأن عين الله مطّلعة عليهم ونجواهم بالإثم والعدوان، ومعصية الرسول مسجّلة، وسيحاسبون عليها، ويلقون جزاءهم، في جهنم وبئس المصير.
ثم تستطرد الآيات الى تربية المسلمين، وتهذيب نفوسهم بهذا الخصوص، فتنهاهم عن الحديث الخافت المحتوي على الإثم والعدوان، ومعصية الرسول (ص) وذلك يؤكد أنه كان بين جماعة المسلمين قوم لم يترسّخ الإيمان في قلوبهم، وكانوا يقلّدون المنافقين، في التّناجي بالهمز واللّمز، والإثم والمعصية، وكان القرآن الكريم يواكب هؤلاء جميعا، فيكشف المنافقين، ويرشد المسلمين وينزل الهدى والرحمة أجمعين.
و [الآيات 11- 13] استطراد في