الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البديع المنظم وراءه قوة عليا مبدعة، هي قوّته سبحانه الذي وعد الناس أن يجازيهم بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا، ووعده واقع لا محالة.
وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (7) الحبك بضمتين جمع حبيكة وهي الطريق ومدار الكواكب. والمراد الطرائق التي هي مسير الأجرام السماوية من نجوم وكواكب، يقسم الله عزّ وعلا بالسماء المتّسقة المحكمة الترتيب، بما فيها من نجوم وكواكب تسلك طريقها مسرعة في مجراتها العظيمة بنظام دقيق وإبداع شامل، على أن المشركين يخوضون في حديث باطل وقول متناقض مضطرب، فصنع الله محكم، وعمل الكافرين باطل مضطرب، فتراهم حينا يقولون عن النبي (ص) إنّه شاعر، وتارة يقولون: ساحر، ومرة ثالثة يقولون: مجنون. وهذا دليل على التخبط وفساد الرأي.
وقد رسمت السورة صورة الكافرين يذوقون عذاب جهنم ويقال لهم: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) .
أي تعرضوا لعذاب النار وقد كنتم تستعجلون مجيئه، استهزاء بأمره واستبعادا لوقوعه.
وعلى الضفّة الاخرى، وفي الصفحة المقابلة، يرتسم مشهد آخر لفريق آخر، فريق مستيقن بالآخرة، مستيقظ للعمل الصالح، فريق المتقين الذين أدّوا حقوق الله سبحانه بالصلاة وقيام الليل، وأدّوا حقوق الناس بالزكاة والصدقة.
آيات الله في الأرض والسماء
تشير الآية 20 الى آثار قدرة الله في خلق الأرض، فيقول سبحانه: وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) . وإذا تأمّلنا مضمون هذه الآية، وجدنا أنّ هذا الكوكب الذي نعيش عليه معرض هائل لآيات الله وعجائب صنعته، هذه الأرض تكاد تنفرد باستعدادها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته، ولو اختلّت خصيصة واحدة من خصائص الأرض الكبيرة جدا لتعذر وجود هذا النوع من الحياة عليها. ولو تغيّر حجمها صغرا أو كبرا، لو تغيّر وضعها من الشمس قربا أو بعدا، لو تغيّر حجم الشمس ودرجة حرارتها، لو تغير ميل الأرض على محورها هنا أو هنا، لو
تغيّرت حركتها حول نفسها أو حول الشمس سرعة أو بطئا، لو تغيّر حجم القمر أو بعده عنها، لو تغيّرت نسبة الماء الى اليابس فيها زيادة أو نقصا
…
لو
…
لو
…
لو، الى آلاف الموافقات العجيبة المعروفة والمجهولة التي تتحكم في صلاحيتها لاستقبال هذا النوع من الحياة وحضانته، أليست هذه آية، أو آيات معروضة في هذا المعرض الالهي؟
«وتنوع مشاهد هذه الأرض ومناظرها، حيثما امتدّ الطرف، وحيثما تنقلت القدم، وعجائب هذه المشاهد التي لا تنفد: من واد وجبل، ووهاد وبطاح، وبحار وبحيرات، وأنهار وغدران، وقطع متجاورات، وجنّات وأعناب، وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان
…
وكل مشهد من هذه المشاهد تتناوله يد الإبداع والتغيير الدائبة التي لا تفتر عن الإبداع والتغيير» .
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) خلق الله الإنسان، ونفخ فيه من روحه، وشق له السمع والبصر وزوّده بالحواس المتعددة، ووسائل الإدراك المختلفة.
«وحيثما وقف الإنسان يتأمّل عجائب نفسه، التقى أسرارا تدهش وتحيّر:
تكوين أعضائه وتوزيعها، وظائفها وطريقة أدائها لهذه الوظائف، عملية الهضم والامتصاص، عملية التنفّس والاحتراق، دورة الدم في القلب والعروق، الجهاز العصبي وتركيبه وإدارته للجسم، الغدد وإفرازها وعلاقتها بنمو الجسد وانتظامه، تناسق هذه الأجهزة كلّها وتعاونها وتجاوبها الكامل الدقيق، وكل من هذه تنطوي تحتها عجائب وفي كل عضو وكل جزء من عضو خارقة تحيّر الألباب» .
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (22) .
فبيد الله الخلق والرزق والهدى والضلال، وأرزاق السماء تشمل الأرزاق المادية والمعنوية.
وفي السماء أسباب أقواتكم، فالظواهر الفلكية، وجريان الشموس والكواكب وتوابعها، واختلاف الليل والنهار، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وبثّ فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخّر بين السماء والأرض، كل هذه الظواهر ذلّلها الله لخدمة الإنسان، فليس الرزق موقوفا