الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبولها، ومنها الهدايا المحرم قبولها وقد يباح بذلها، ومنها الهدايا المباح بذلها وقبولها، فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الهدايا المحرم بذلها للموظف وقبوله لها:
هذه الهدايا: ما يقدمها المهدي للموظف بعد ترشيحه للوظيفة، أو توليه لها؛ لقصد استمالة قلب الموظف في غير الحق حالاً أو مستقبلاً؛ وذلك ليقدمه هو أو من يشفع له على غيره، أو ليغض الطرف عنه فيما اشترطته جهة عمله، أو ليموه أو يخفي الحقيقة إن كان محققًا، أو ليحكم له بباطل إن كان حاكمًا كقاض ونحوه.
فهذه في ظاهرها قد تكون هدية، لكنها في باطنها رشوة ألبست ثوب الهدية، فيحرم على المهدي بذلها، ويحرم على الموظف قبولها، ويشتد تحريمها عليه إن علم بقصد المهدي (1).
وهي حرام في حق جميع الموظفين: الحاكم والقاضي
(1) ينظر: الهداية وفتح القدير 7/ 371 والحاوي الكبير 16/ 283 والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4/ 140 ومغني المحتاج 4/ 392 والمغني 14/ 58، 59 والنية وأثرها في الأحكام الشرعية 2/ 260 وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص75.
والعمدة ومديرو الدوائر ومشايخ الأسواق والحرف والبلدان ومباشرو الأوقاف وغيرهم من الموظفين.
لكنها في حق الحاكم والقاضي أعظم جرمًا من غيرهما (1)؛ لأنها للحاكم والقاضي؛ لأجل ولايتهما، وهي من مناصب النبوة، فلا تقابل بعوض. والهدية لهم تحدث تهمة تهين بمناصبهم، وتخل بهيباتهم، وتئول للخيانة فيهم وفي أتباعهم؛ فتختل المصالح (2).
والحاكم منزلته عظيمة؛ فهو المؤمل بعد الله تعالى لدى رعيته في إسعادهم: بإقامة العدل، ونبذ الظلم، ونشر الأمن. فتنزهه عن هدايا رعيته وتعامله المالي معهم؛ أمر مطلوب شرعًا؛ فعن أبي الأسود المالكي (3) عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما عدل والٍ اتجر في رعيته» (4).
(1) فتح القدير 7/ 272 ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي 8/ 243 وفتاوى السبكي 1/ 215.
(2)
الذخيرة 10/ 79، 80 وينظر: الفتاوى الفقهية الكبرى 4/ 294، 295.
(3)
لم أر تعريفًا به. وذكره الذهبي بلا تعريف به. ميزان الاعتدال 4/ 491.
(4)
الحاكم في الكنى. الجامع الصغير: 7941 وقال السيوطي: حديث ضعيف. وقال الذهبي: قال أبو أحمد الحاكم: (ليس حديثه بالقائم) وذكر الحديث المذكور. ميزان الاعتدال 4/ 491.
والقضاة هم أمل الأمة، ومؤتمنوها في حفظ الحقوق والدفاع عنها، وهم القدوة لغيرهم من الموظفين في إنجاز الأعمال والإخلاص فيها؛ لما شرفهم الله تعالى من علم الشرع، والحكم بين الناس، والتوقيع فيه عن الشارع الحكيم (1).
والهدية للحاكم والقاضي من أحد المتخاصمين فيها إيذاء للخصم الآخر؛ بكسر قلبه، وذريعة للرشوة في الحكم عليه؛ لميل النفوس لمن أهدى إليها، فيندرج هذان - الحاكم والقاضي - في الذين اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً (2)؛:
قال الماوردي (3): «قضاة الأحكام، فالهدايا في حقهم أغلظ مأثمًا وأشد تحريمًا؛ لأنهم مندوبون لحفظ الحقوق على أهلها دون أخذها، يأمرون فيها بالمعروف، وينهون فيها عن المنكر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) ينظر: فتاوى السبكي 1/ 216 وإعلام الموقعين 1/ 36 - 39.
(2)
الهداية 7/ 275 وشرح العناية 7/ 273 والذخيرة 10/ 80 ومغني المحتاج 4/ 392 والمغني 14/ 58، 59.
(3)
أبو الحسين علي بن محمد الماوردي البصري الشافعي، ولد 364هـ، له مصنفات كثيرة، منها: الحاوي الكبير، والأحكام السلطانية، توفي 450هـ، مقدمة تحقيق الحاوي الكبير.
الراشي والمرتشي في الحكم» (1) فخص الحكم بالذكر؛ لاختصاصه بالتغليظ» (2) وروي عن مسروق (3): «القاضي إذا أكل الهدية أكل السحت، وإذا قبل الرشوة بلغ به الكفر» (4).
والأصل في الهدايا للموظفين تحريم بذلها وقبولها (5) فإن كان للشخص حق مرتبط إنجازه بموظف، ولا يستطيع الوصول إليه إلا بدفع مال لهذا الموظف، فصبره وعدم دفعه أولى. فإن أبى الموظف إلا الدفع، فإنه يحرم على الموظف مماطلة صاحب
(1) الترمذي: 1336 وقال: «حسن صحيح» سنن الترمذي 5/ 16 وتقدم تخريجه بدون لفظ: «في الحكم» .
(2)
الحاوي الكبير 16/ 286 وينظر: الذخيرة 10/ 80. ولفظ الحاوي وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن الله» وما ذكرته، هو في سنن الترمذي، وتقدم.
(3)
لم أقف على المراد به، ولعله ابن الأجدع؛ فهو المشهور، ابن مالك أبو عائشة الإمام العَلَم، مخضرم وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ت62هـ. ينظر: تقريب التهذيب 2/ 242، 243 وسير أعلام النبلاء 4/ 63 - 69.
(4)
أخبار القضاة 1/ 53. ومعنى: قبول الرشوة يبلغ الكفر. قيل: إن استحلها. وقيل: إنها طريق وسبب موصل إليه، كما قيل: المعاصي بريد الكفر. مغني المحتاج 4/ 392.
(5)
ينظر: ما سيأتي من كلام الغزالي في الهدية الأولى من هدايا القسم الثاني.
الحق، وقبوله ما يدفعه إليه تجاهه؛ لأنه مرتشٍ.
أما البذل له من صاحب الحق، فللفقهاء في جوازه قولان:
الأول: يجوز البذل؛ لأن الباذل يدفع به الظلم عن نفسه، وهو جائز؛ لاستنقاذه حقه بذلك كما يستنقذ الرجل أسيره، وإليه ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
والثاني: يحرم البذل؛ لعموم حديث: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي (1).
تنبيه: ومن هذه الهدايا المحرمة بذلاً وقبولاً؛ ما يقدمه أصحاب المحلات التجارية والمستشفيات ونحوها لموظفيها؛ مقابل قيامهم بتغيير صلاحية المنتج، أو أسماء الشركات، أو طلب تحاليل من المرضى، أو ترويج أدوية (2).
(1) فتح القدير 7/ 255 وحاشية الرهوني على شرح الزرقاني 7/ 313 ومواهب الجليل 6/ 121 ونهاية المحتاج 8/ 243 والحاوي الكبير 16/ 283 والمغني 14/ 60 وسبل السلام 4/ 250 ونيل الأوطار 10/ 259 - 261.
وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص55 - 62، وتقدم تخريج حديث:«لعن الراشي» .
(2)
ينظر: ما سيأتي ص68.