الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث
التصرف في الهدايا المباح بذلها للموظف والمنهي هو عن قبولها
سبق أن هذا النوع من الهدايا قد يكون باذلها معذورًا؛ لأنه يبذلها للموظف: إما على وجه الحياء منه؛ لقيامه بعمل مباح له. وإما استعطافًا له؛ كي يقوم بحق هو له، وهذا قصد قد يعذر به، فيباح له البذل. لكنه لا يبيح للموظف الأخذ.
وحينئذ يختلف تصرف الموظف في هذه الهدايا باختلاف قصد المهدي من بذلها للموظف، وله حالتان:
الحالة الأولى: أن يقصد بالهدية إكرام الموظف
هذه الهدية تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هدية مبذولة للموظف بعد قضائه حاجة المهدي.
هذه الهدية: للشافعية فيها وجهان:
الوجه الأول: ترد على باذلها؛ لأنها هدية فاسدة.
الوجه الثاني: يجوز للموظف قبولها، ويجب عليه مكافأة
صاحبها بأعلى منها أو مثلها من ماله الخاص. فإن لم يكافئه، وجب عليه ردها إلى مهديها، أو دفعها لجهة عمله؛ ولا يستأثر بها الموظف لنفسه؛ لأنها بذلت تطوعًا لنائب المسلمين (1):
قال الشافعي: «وإن أهدي له
…
فكانت تفضلاً عليه، أو شكرًا لحسن في المعاملة، فلا يقبلها، وإن قبلها كانت في الصدقات، لا يسعه عندي غيره. إلا أن يكافئه عليه بقدرها عليها، فيسعها أن يتمولها» (2).
القسم الثاني: هدية مبذولة ممن لا حاجة له في جهة عمل الموظف، أو إلى موظف لا علاقة له بحاجة المهدي في جهة عمله.
يختلف التصرف في هذه الهدية باختلاف الموظف، وهو ضربان:
الضرب الأول: أن يكون الموظف سلطانًا، وحينئذ إن كانت الهدية ممن لا يريد وظيفة في الدولة، ولا مجازاة
(1) الحاوي الكبير 3/ 158 وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص185، 191.
(2)
الأم 2/ 58، 59.
السلطان على جميل قام به. فهذه هدية لجاه السلطنة، فللسطان قبولها، والمكافأة عليها. فإن لم يرد المكافأة عليها، فوجهان:
الوجه الأول: يقبلها لبيت المال؛ لأن جاه السلطنة لكافة المسلمين.
الوجه الثاني: يردها على المهدي؛ لأن المهدي خص السلطان بها؛ لجاه السلطنة، وهو بالمسلمين، ولا يجوز للسلطان أن يستأثر بشيء وصل إليه بجاه المسلمين (1).
الضرب الثاني: أن يكون الموظف غير سلطان، فإن كافأ مهديها بمثلها، حلت له، وكانت معاوضة. وإن لم يكافئه عليها، لم تكن رشوة، ولم يجب عليه الرد، وإنما عرّض نفسه للتهمة. لكن هل يقر ولي الأمر الموظف عليها؟ فيه ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: يقره ولي الأمر ولا يسترجعها منه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر ابن اللتبية رضي الله عنه على الهدية، ولم يسترجعها منه.
(1) الحاوي الكبير 16/ 284.
الوجه الثاني: ترد لبيت المال؛ لأنها بسببه. إلا إذا رأى الإمام الإذن بأخذها، فيجوز.
الوجه الثالث: إن كان للموظف رَزَق، وضعت في بيت المال، وإلا أذن ولي الأمر للموظف بأخذها كلها، أو قدر حاجته مما لم تف به أجرته (1).
وأرجح هذه الأوجه: ثانيها؛ لما في الرد لبيت المال من سد باب رغبة الموظفين في الهدايا إليهم، ولعدم معارضة هذا الوجه لتقرير النبي صلى الله عليه وسلم لابن اللتبية رضي الله عنه.
الحالة الثانية: أن يقصد بهذه الهدية استعطاف الموظف في قيامه بعمل مباح للمهدي أو دفع ظلم عنه، وهي غالبًا تكون قبل إنهاء الغرض.
هذه الهدية يحرم على الموظف قبولها، وينبغي عليه أن يبين للمهدي: أن هذه الهدية لا يحل له قبولها؛ لأن ما يقوم به من عمل، هو واجب عليه، ومن طبيعة عمله، وأنه سيحقق غرضه في حدود ما يستطيعه من نظام العمل.
(1) المصدر نفسه 16/ 285.
لكن إن كان أخذها، فليتصرف فيها بما سبق في الهدية المحرم بذلها وأخذها.