الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَقِيَتْهُ من جِهَة الْحسن بن سهل إِلَى أَن أُسر هُوَ وَمُحَمّد بن محمّد بن زيد سنة مِائَتَيْنِ فَقَتَلَ الحَسَنُ بنُ سهل أَبَا السَّرَايَا ووجّه بمحمّد بن محمّد بن زيد إِلَى الْمَأْمُون وَهُوَ بخراسان
3 -
(سريّ السَّقطِي)
سريّ بن المغلِّس أَبُو الْحسن السَّقطِي أحد رجال الطَّرِيقَة وأرباب الْحَقِيقَة كَانَ أوحد زَمَانه فِي الْوَرع وعلوم التَّوْحِيد وَهُوَ خَال الْجُنَيْد وأستاذه وَهُوَ تلميذ مَعْرُوف الْكَرْخِي يُقَال إِنَّه كَانَ فِي دكانه فَجَاءَهُ يَوْمًا مَعْرُوف وَمَعَهُ صبيّ يَتِيم فَقَالَ لَهُ اكسُ هَذَا الْيَتِيم قَالَ السّري فكسوته ففرح بِهِ مَعْرُوف وَقَالَ بَغَضَ الله إِلَيْك الدُّنْيَا وَكُلٌّ مَا أَنا فِيهِ من بَرَكَات مَعْرُوف
وَقَالَ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة أَنا فِي الاسْتِغْفَار من قولي مرّةً الْحَمد لله قيل لَهُ وَكَيف ذَلِك قَالَ وَقع بِبَغْدَاد حريق فاستقبلني وَاحِد وَقَالَ نجا حانوتك فقلتُ الْحَمد لله فَأَنا نادم من ذَلِكَ الْوَقْت حَيْثُ أردْتُ لنَفْسي خيرا من دون النَّاس وَقَالَ الْجُنَيْد دخلت يَوْمًا عَلَى خَالِي السريّ وَهُوَ يبكي فَقلت مَا يبكيك قَالَ جَاءَتْنِي البارحة الصبيّة فَقَالَت يَا أَبَت هَذِهِ لَيْلَة حارّة وَهَذَا الْكوز أعلقه هَهُنَا ثُمَّ إنّه حَملتنِي عَيْنَايَ فَرَأَيْت جَارِيَة من أحسن خلق الله تَعَالَى قَدْ نزلت من السَّمَاء
فَقلت لمن أَنْت فَقَالَت لمن لَا يشرب المَاء المبردّ فِي الكيزان وتناولت الْكوز وَضربت بِهِ الأَرْض قَالَ الْجُنَيْد فَرَأَيْت الخزف المكسور لَمْ يرفعْهُ حَتَّى عَفا عَلَيْهِ التُّرَاب وتوفيّ السرّ)
سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ وحدّث عَن الفضيل بن عِيَاض وهُشيم وَأبي بكر بن عَيَّاش وَجَمَاعَة أَتَت عَلَيْهِ ثَمَان وَتسْعُونَ سنة مَا رُئي مُضْطَجعا إِلَّا فِي علّة الْمَوْت فَقَالَ الفرخاني عَن الْجُنَيْد
وَقَالَ السريّ صلّيتُ لَيْلَة وردي ومددُ رجْلي فِي الْمِحْرَاب فنوديت يَا سريّ كَذَا تجَالس الْمُلُوك فضممْتُ رجْلي ثُمَّ قلت وعزّتك وجلالتك لَا مددْتُها وَابْنه إِبْرَاهِيم بن الأسريّ قريب الْحَال من أَبِيه
3 -
(لبرفّاء الشَّاعِر)
السريّ بن أَحْمد بن السريّ الْكِنْدِيّ الرفّاء الشَّاعِر الْمَشْهُور كَانَ فِي صباه يرفو يطرّز فِي دكّان بالموصل وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يتولّع بالأدب وَالشعر حتّى مهر
وَقصد سيف الدولة بن حمدَان وَأقَام عِنْده بحلب ثُمَّ وَقع بَينه وَبَين الخالديّان هجاء وَآل الْأَمر بَينهم إِلَى أَن قطع سيف الدولة رسمه فانحدر إِلَى بَغْدَاد ومدح الْوَزير المهلَّبي وَغَيره من الرؤساء فراح عِنْدهم فلمّا قدم الخالديّين بَغْدَاد بَالغا فِي أذيّته بكلّ مُمكن حَتَّى عدم الْقُوت فَجَلَسَ ينْسَخ وَيبِيع شعره وادّعى عَلَيْهِمَا سَرقَة شعره وَشعر غَيره وَكَانَ مغرى بنسخ ديوَان كشاجم وَهُوَ إِذْ ذَاكَ ريحَان تِلْكَ الْبِلَاد وَالسري يذهب مذْهبه وَكَانَ يدسّ فِيمَا يَكْتُبهُ من شعره أحسن شعر الخالديّينِ ليزِيد فِي حجم مَا ينسخه وَينْفق سوقه ويُغلي شعره ويغضّ مِنْهُمَا وَكَانَ
السريّ شَاعِرًا مطبوعاً كثير الافتنان فِي الْوَصْف والتشبيه وَلَمْ يكن لَهُ رُوَاء وَلَا منظر وَلَا يحسن من الْعُلُوم غير نظم الشّعْر وَجمع شعره قبل وَفَاته وتوفيّ فِي حُدُود الستّين وَالثَّلَاث مائَة فَقيل سنة نَيف وستّين وَقيل اثْنَتَيْنِ وستّين وَقيل أَربع وَمن شعر الرفّاء من الطَّوِيل
(وبِكْرٍ شِرَبْناها عَلَى الْورْد بُكرَةً
…
فَكَانَت لَنَا وِرداً إِلَى بُكرّةِ الغَدِ)
(إِذا قَامَ مُبْيَضّ اللِباس يديرها
…
توهّمته يسعَى بِكُمّ مُوَدَّدِ)
قلت مثله قَول الآخر من المتقارب
(كَأَنَّ المديرَ لَهَا باليمينِ
…
إِذا قَامَ للسقْيِ أَو باليَسارِ)
(تدرع ثوبا من الياسمين
…
لَهُ فَردُكُمٍّ مِن الجلّبارِ)
وَقَوْلِي أَنا أَيْضا من أَبْيَات من الطَّوِيل)
(وساقٍ لَنَا فِي كَفّه ورُضابه
…
ووجْنِتِهِ واللَحْظ أَربع أكؤُسِ)
(إِذا حثها أَبْصَرْتَ أبْيَضَ ثَوبِه
…
لَهُ نِصْفُ كُمٍّ من سناها مورّسِ)
وَمن شعر السريّ الرفّاء ممّا قَالَه فِي دير الشَّيَاطِين من الْبَسِيط
(عصى الرشادَ وَقَدْ ناداه من حينٍ
…
وراكضُ الغَيَّ فِي تِلْكَ الميادينِ)
(مَا حنّ شَيْطَانه العاتي إِلَى بَلَدٍ
…
إِلَّا ليَقربَ من دير الشياطينِ)
(وفِتيَةِ زَهَرُ الآدابِ بَينهم
…
أبهى وأنضر من زَهْر البساتينِ)
(مَشوا إِلَى الراح مشي الرخّ وَانْصَرفُوا
…
والراح يمشي بهم مَشْي الفرازينِ)
(فَصُرِّعوا بَيْنَ أعطان الهياكِلِ فِي
…
تِلْكَ الْجنان وأقمار الدواوينِ)
(حتّى إِذا نطق الناقوس بينهمُ
…
مُزَنَّرُ الخَصِرْ روميّ القرابينِ)
(يرى المدامةَ دِيناً حبّذا رَجُلٌ
…
يعُدُّ لَذَّةَ دُنْيَاهُ من الدينِ)
(فَحَثَّ أقداحها بيض السوالف فِي
…
حُمرِ الغلائلِ فِي خُضر الرياحينِ)
(كأنّها وَبَيَاض المَاء يقرعها
…
وَرْدٌ تصافحه أوْراقُ نسرينِ)
قَالَ الخالديّان قَدْ نازعه فِي أَبْيَات مِنْهَا جماعةٌ من شعرائنا لمّا بلغ السّري الرفّاء أنّ الخالدّيين يُريدَان الْعود إِلَى بَغْدَاد فِي أَيَّام المهلّبي كتب إِلَى أبي الخطّاب الْمفضل بن ثَابت الصَّابِئ من الْكَامِل
(بَكَرَتْ عَلَيْكَ مُغيرةُ الْأَعْرَاب
…
فأحفظ ثِيابَك يَا أَبَا الخطابِ)
(وَرَدَ العِراقَ ربيعةٌ بن مُكَدَّمٍ
…
وعُتيبةُ بنُ الْحَارِث بن شِهابِ)
(أفعندنا شَكٌّّ بأنهّما هما
…
فِي الفَتْكِ لَا فِي صِحّةِ الأنْسابِ)
(جلبا إِلَيْك الشعرّ مِن أوْطانِهِ
…
جَلْبَ التجارِ طرائفَ الأجلابِ)
(فبدائعُ الشُّعَرَاء فِيمَا جهّزا
…
مقرونةٌ ببدائعِ الكُتابِ)
(شَنّا عَلَى الْآدَاب أقْبَحَ غارةٍ
…
جَرَحَتْ قُلوبَ محاسِنِ الآدابِ)
(فحذارِ مِن حَرَكاتِ صِلَّيْ قَفرةٍ
…
وحَذارِ مِن حَرَكاتِ لَيْشَي عابِ)
(لَا يَسْلُبانِ أَخا الثَراءِ وإنمّا
…
يَتَنَاهَبانِ نَتَائِجَ الألْبابِ)
(إنْ عَزَّ مَوجودُ الكَلامِ عَلَيْهِمَا
…
فَأَنا الَّذِي وَقَفَ الكًلامُ بِبابي)
(أَو يَهْبطا مِنْ ذلّتي فَأَنا الَّذِي
…
ضِرُبتْ عَلَى الشَرَفِ الرفيعِ قبابي)
)
(كم حاوَلا أمَدي فطال عَلَيْهِمَا
…
أَن يُدرِكا إِلَّا مَطارَ تُرابي)
(عَجزا وَلنْ يقف العبيد إِذا جَروا
…
يَوْم الرِّهَان مَواقِف الأربابِ)
(وَلَقَد حَميتُ الشعرَ وَهْوَ لِمَعْشَرٍ
…
رمم سِوى الأسماءِ والألقابِ)
(وضربتُ عَنهُ المدّعين وإنمّا
…
عَنْ حَوْزَةِ الْآدَاب كانَ ضرابي)
(فغدت نبيط الخالدية تَدعِي
…
شعري وترفل فِي حبير ثِيَابِي)
(قَومٌ إِذا قصدُوا الملوكَ لِمَطْلَبٍ
…
نُفِضَتْ عمائِمُهُم عَلَى الأبْوابِ)
(مِنْ كُلِّ كَهْلٍ نستطير سِبالُه
…
لَوْنَينِ بَينَ أنامِلِ البوّابِ)
(مُغْضٍ عَلَى ذلّ الحِجابِ يرُدُّهُ
…
دَامِي الجَبين تجهُّمُ الحُجابِ)
(ومُفَوَّهين تَعَرَّضا لجرايتي
…
فَتَعَرَّضَتْ لَهُما صُدورُ حِرابي)
(نظرا إِلَى شِعْري يَرُوقُ فترّبا
…
مِنه خُدودَ كواعبِ أتْرابِ)
(شِرَباهُ فَاعْتَرَفا لَهُ بِعُذوبةٍ
…
وَلَرُبَّ عذبٍ عادَ سَوْطَ عَذابِ)
(فِي عارَةٍ لَمْ تَنْثَلِم فِيهَا الظِبا
…
ضَرْباً وَلَمْ تَنْدَ القنا بِخِضّابِ)
(تُرِكَتْ غرائبُ مَنطِقي فِي غُربَةٍ
…
مَسْبِبَّة لَا تَهتَدِي لإبابِ)
(جرحى وَمَا ضرُبَتْ بِحَدِّ مُهَنّدٍ
…
أسرى وَمَا حُمِلَتْ عَلَى أقْتابِ)
(لَفْظٌ صَقَلْتُ مُتونَه فكأنّه
…
فِي مُشرِقاتِ التَزْمِ درُّ سَحابِ)
(وكأنمّا أجْريت فِي صَفَحاتِهِ
…
حُرَّ اللُجينِ وخالصَ الزريابِ)
(أعْرَبْتُ فِي تَحْبيره فُروَاتُهُ
…
فِي نُزهةٍ مِنهُ وَفِي استِغْرابِ)
(وقطعتُ فِيهِ سبيبةً لن تشتغل
…
عَنْ حُسنِهِ بِصِبىً وَلَا بتَصابي)
(وَإِذا تَرَقْرَقَ فِي الصَّحِيفَة مَاؤُهُ
…
عَبِقَ النسيم فَذَاك مَاء شَبَابِي)
(يُصغي اللَبيبُ لَهُ فيَقْسِمُ لُبّه
…
بَينَ التعجُّبِ مِنْهُ والإعْجابِ)
(جدٌّ يَطير شاعة وفُكاهَةٌ
…
تستعطِفُ الأحْبابَ للأحْبابِ)
(أعزِزْ عليّ بأنْ أرى أشلاءَه
…
تَدْمَى بِظُفْرِ للعَدوّ ونابِ)
(أَفِنٍ رَماهُ بغارةٍ مأفونَةِ
…
باعَتْ ظِباءَ الرّوم فِي الْأَعْرَاب)
وَهِي طَوِيلَة وَهَذَا مِنْهَا كَاف وَلَهُ كتاب المحبّ والمحبوب والمسوم والمشرو وَكتاب الديرة وَمن شعر السّري الرفّاء من السَّرِيع)
(وَكَانَتْ الإبْرةُ فِيمَا مَضى
…
صِيَانة وَجْهي وأشْعاري)
(فأصْبَحَ الرِزقُ بِهَا ضيفاً
…
كأنَّه من ثُقْبِها جارِ)
وَمِنْه من الْكَامِل
(يَلْقَى النَدَى برقيق وجهٍ مُسفِرٍ
…
فَإِذا التقى الْجَمْعَانِ عادَ صَفيقا)
(رَحبُ المنازلِ مَا أَقَامَ فإنْ سرَى
…
فِي حجِفل ترك الفضاء مضيقا)
وَمِنْه من الْكَامِل
(أَلْبَستَني نِعَماً رأيتُ بِهَا الدُجى
…
صُبْحاً وكُنتُ أرَى الصَباحَ بهيما)
(فغَدوتُ يحَسُدني الصَديقُ وقَبْلَها
…
قَدْ كَانَ يَلْقاني العدوُّ رحِيما)
وَمِنْه من الوافر
(بنفسي من أجودُ لَهُ بنفسي
…
ويَبْخلُ بالتحيّة والسلامِ)
(وحَتْفِي كامِنٌ فِي مُقْلَتَيهِ
…
كمُونَ المَوْتِ فِي حَدّ َالحُسامِ)
اجْتمع الشُّعَرَاء الشُّيُوخ فِي دهليز سيف الدولة كالنامي والصنوبري وَمن الناشئين كالببغاء والخالديّين والسريّ الرفّاء فتذاكروا الشّعْر وأنشدوا قصيدة أبي الطيّب من الطَّوِيل فَدَيْنَكَ من رَبعٍ وَإِن زدتنا كرْبَا واسنحسن الْجَمَاعَة قَوْله من الطَّوِيل
(نزلنَا عَن الأكوار نمشي كَرَامَة
…
لمن بانَ عَنهُ أنْ نُلِمَّ بِهِ رَكْبا)
فَقَالَ السريّ لَوْلَا أنْكم بعد هَذَا إِذا سَمِعْتُمْ مَا قلته ادّعيتم أنّني سرقْتُهُ مِنْهُ لأمسكْتُ ثُمَّ أنْشد لاميّةً فِيهَا من الْكَامِل
(نُحفى وننزل وَهوَ أعْظَمُ حُرمةً
…
مِن أنْ يُدالَ برِاكبٍ أَو ناعِلِ)
فحكموا لَهُ بِالزِّيَادَةِ فِي قَوْله نحفى وننزل