الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْإِسْلَام فهرب ثُمَّ أسلم وَخَافَ من القاهر فَمضى إِلَى خُرَاسَان وَعَاد وتوفيّ بِبَغْدَاد مُسلما بعلّة الذرب سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وَكَانَ يكنّى أَبَا سعيد وَمن تصانيفه رِسَالَة فِي تأريخ مُلُوك السريانيّين رِسَالَة فِي الاسْتوَاء رِسَالَة فِي سُهَيْل رِسَالَة إِلَى بجكم رِسَالَة إِلَى ابْن رائق رِسَالَة إِلَى أبي الْحسن عليّ بن عِيسَى الرسائل السلطانيّة رِسَالَة فِي النُّجُوم رِسَالَة فِي شرح مَذْهَب الصابئة رِسَالَة فِي قسْمَة الْجُمُعَة عَلَى الْكَوَاكِب السَّبْعَة رِسَالَة فِي الْفرق بَيْنَ المترسّل والشاعر رِسَالَة فِي أَخْبَار آبَائِهِ وأجداده وسلفه إصْلَاح كتاب أفلاطون فِي الْأُصُول الهندسيّة مقَالَة فِي الأشكال ذَوَات الخطوط المستقيمة الَّتِي تقع فِي الدائرة وَعَلَيْهَا استخراجه الشَّيْء الْكثير من الْمسَائِل الهندسيّة إِصْلَاحه فِي المثلّثات ونَقَلَ إِلَى العربيّ نواميس هرمس والسور والصلوات الَّتِي يصليّ بِهَا الصابئون
3 -
(رَاشد الدّين الْإِسْمَاعِيلِيّ)
سِنَان بن سلمَان بن محمّد أَبُو الْحسن رَاشد الدّين الْبَصْرِيّ كَبِير الإسماعيليّة وَصَاحب الدعْوَة النزاريّة كَانَ أديباً فَاضلا عَارِفًا بالفلسفة وشيئاً من الْكَلَام وَالشعر وَالْأَخْبَار أحلّ لِقَوْمِهِ وَطْء المحرّمات من أمّهاتهم وأخواتهم وبناتهم وَأسْقط عَنْهُم صَوْم رَمَضَان وَهلك بحصن الْكَهْف سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَكَانَ رجلا عَظِيما خفيّ الكيد بعيد الهمّة عَظِيم المخاريق ذَا قدرَة عَلَى الإواء وخديعة الْقُلُوب والعقول وكتمان السرّ واستخدام الطغام والغفلة
خدم رُؤَسَاء الإسماعيلية بِالْمَوْتِ وراض نَفسه وَقَرَأَ كيراً من كتب الفلاسفة والجدل والمغالط مثل رسائل إخْوَان الصفاء وَمَا شاكلها من الفلسفة الإقناعيّة المشوقة غير المبرهنة وَبنى بِالشَّام حصوناً لهَذِهِ الطَّائِفَة بَعْضهَا مستجدّ وَبَعضهَا كَانَ قَدِيما احتال فِي تحصيليها وتحصينها وتوعير مسالكها ودام لَهُ الْأَمر بِالشَّام نيفاً وَثَلَاثِينَ سنة وسيرّ إِلَيْهِ دَاعِي دعاتهم من المَوت جماعاً ليقتلوه خوفًا من استبداده بالرياسة عَلَيْهِ وَكَانَ سِنَان يقتلهُمْ ويخدع بَعضهم ويثنيه عمّا جهّز فِيهِ
قَالَ سِنَان نشأتُ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَ وَالِدي من مقدّميها وَوَقع هَذَا الحَدِيث فِي قلبِي وَجرى لي مَعَ إخوتي أَمر أحوجني إِلَى الإنصراف فَخرجت بِغَيْر زَاد وَلَا ركُوب وتوصّلت إِلَى المَوت)
فدخلتها وَبهَا الكيا محمّد وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ أَحدهمَا الْحسن وَالْآخر الْحُسَيْن فأقعدني مَعَهُمَا فِي الْمكتب وساواني بهما وَبقيت حَتَّى مَاتَ وَولي ابْنه الْحسن فانفذني إِلَى الشَّام فَخرجت مثل خروجي من الْبَصْرَة وَلَمْ أقَارِب بَلَدا إِلَّا فِي الْقَلِيل وَكَانَ قَدْ أَمرنِي بأوامر وحمّلني رسائل فَنزلت بالموصل فِي مَسْجِد التمارين وسرت مِنْهَا إِلَى الرقّة وَكَانَ معي رِسَالَة لبَعض الرفاق فزوّدني واكترى لي بَهِيمَة إِلَى حلب وَلَقِيت آخَرَ وأوصلته رِسَالَة فاكترى لي وأنفذني إِلَى الْكَهْف وَكَانَ الْأَمر أَن أقيم بِهَذَا الْحصن فأقمت حَتَّى توفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَكَانَ صَاحب الْأَمر متوليّ بعده الأخواجة عليّ بن مَسْعُود وَبِغير نصّ إلاّ بالأتّفاق ثمّ اتّفق الرئيس أَبُو مَنْصُور أَحْمد ابْن الشَّيْخ والرئيس فَهد فانفذا من قَتله فجَاء الْأَمر من
الْمَوْت بقتل قَاتله وَإِطْلَاق فَهد وَمَعَهُ وصيّةً وَأمر أَن يَقْرَأها على الْجَمَاعَة وَهُوَ عهد عهدناه إِلَى الرئيس نَاصِر الدّين سِنَان وأمرناه بقرَاءَته عَلَى سَائِر الرفاق أعاذكم الله جميعَ الإخوان من اخْتِلَاف الآراء واتّباع الْأَهْوَاء إِذْ ذَاكَ فتْنَة الأوّلين وبلاء الآخرين وَفِيه عِبْرَة للمعتبرين وَمن تبرّأ من أَعدَاء الله وأعداء وليّة ودينة عَلَيْهِ مُوالَاة أَوْلِيَاء الله والاتحّاد بالوحدة سنّةِ جَامع الْكَلم كَلمه الله والتوحيد وَالْإِخْلَاص لَا إِلَه إلاّ الله عُروةِ الله الوثقى وحبله المتين أَلا فتمسّكوا بِهِ واعتصموا عبّاد الله الصَّالِحين فَلهُ صَلَاح الأوّلين وفلاح الآخرين اجْمَعُوا آراءكم لتعليم شخصٍ معَّينٍ بنصّ من الله ووليّه فتلقّوا مَا يُلقيه إِلَيْكُم من أوامره ونواهيه بِقبُول فَلَا وربّ الْعَالمين لَا تؤمنون حَتَّى تحكموه فِيمَا شجر بَيْنكُم ثُمَّ لَا تَجدوا فِي أَنفسكُم حرجاً ممّا قضى وتسلموا تَسْلِيمًا فَذَلِك الِاتِّحَاد بِهِ بالوحدة الَّتِي هِيَ أَيَّة الحقّ المنجِية من المهالك المؤدية إِلَى السَّعَادَة السرمدّية إذْ الْكَثْرَة عَلامَة الْبَاطِل المؤدّية الشقاوة المخزية وَالْعِيَاذ بِاللَّه من زَوَاله وبالواحد من إلهة شتّى وبالوحدة من الْكَثْرَة بالنصِّ والتعليم من الأدواء والأهواء الْمُخْتَلفَة وبالحقّ من الْبَاطِل وبالآخرة الْبَاقِيَة من الدُّنْيَا الملعونة الملعون مَا فِيهَا إِلَّا مَا أُريد بِهِ وَجه الله ليَكُون علمكُم وعملكم خَالِصا لوجهه الْكَرِيم يَا قوم إنمّا دنياكم ملعبة لأَهْلهَا فتووّدوا مِنْهَا لِلْأُخْرَى وَخير الزَّاد التَّقْوَى إِلَى أَن قَالَ أطِيعُوا أميركم وَلَو كَانَ عبدا حبشيّاً وَلَا تزكّوا أَنفسكُم انْتهى وَكَانَ سِنَان أعرج بِحجر وَقع عَلَيْهِ من الزلزلة الكائنة فِي أيّام نور الدّين فَاجْتمع أَصْحَابه إِلَيْهِ وَقَالُوا نقتلك لترجع إِلَيْنَا صَحِيحا فإنّا نكره أَن تكون فِينَا أعرج فَقَالَ اصْبِرُوا عَليّ لَيْسَ)
وأمّا الدعْوَة النزاريّة فَهِيَ نِسْبَة إِلَى نزار بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه معدّ بن الظَّاهِر عليّ بن الْحَاكِم العبيدي وَكَانَ نزار قَدْ بَايع لَهُ أَبوهُ وبثّ الدعاة لَهُ فِي الْبِلَاد مِنْهُم صبّاح الدعْوَة وَكَانَ ذَا سمت ووقار ونسك وذلق فَدخل الشَّام والسواحل فَلم يتمّ لَهُ مُرَاد فتوجّه إِلَى بِلَاد الْعَجم وتكلّم مَعَ أهل الْجبَال والغتم والجهلة وَقصد قلعة أَلَموت وَهِي حَصِينَة وَأَهْلهَا ضِعَاف الْعُقُول فُقَرَاء وَفِيهِمْ قوّة فَقَالَ لَهُم نحنُ قوم زهّاد نعْبد الله فِي هَذَا الْجَبَل ونشتري مِنْكُم نصف هَذِهِ القلعة بسبعة آلَاف دِينَار فباعوه إيّاها وَأقَام بِهَا هُوَ وجماعته فلماّ قوي استولى عَلَى الْجَمِيع وَبلغ عدّة قومه ثَلَاث مائَة ونيفاً واتّصل بمَاِك تِلْكَ النَّاحِيَة أنّ هَهُنَا قوما يفسدون عقائد النَّاس وهم فِي تزيّد فجَاء إِلَيْهِم وَنزل عَلَيْهِم وَأَقْبل عَلَى سكره ولذّاته فَقَالَ رجل من قوم صبّاح اسْمه عليّ اليعقوبي أَي شَيْء لي عنْدكُمْ إِن أَنا كفيتكم مؤونة هَذَا العدّو قَالُوا نذكرك فِي تسابيحنا قَالَ فَنزل من القلعة لَيْلًا وَقسم النَّاس أَربَاعًا فِي نواحي الْعَسْكَر ورتّب مَعَهم طبولاً وَقَالَ إِذا سَمِعْتُمْ الصَّباح فاضربوا الطبول ثُمَّ انتهز الفرصة من عزّة الْملك وهجم عَلَيْهِ فَقتله فصاح أَصْحَابه فَقتل الخواصّ عليّاً وَضرب
أُولَئِكَ بالطبول فأرجفوا الْجَيْش وهجموا عَلَى وُجُوههم وَتركُوا الْخيام وَمَا فِيهَا فنقلوا الْجَمِيع إِلَى القلعة وَصَارَ لَهُم أَمْوَال وَسلَاح واستفحل أَمرهم
وأمّا نزار فخافت عمّته مِنْهُ فعاهدت أَعْيَان الدولة عَلَى قَتله وتولىّ أَخُوهُ الْأَمر وَصَارَ أهل الألَموت يدعونَ لنزار وَأخذُوا قلعةً أُخْرَى وتسرع أهل الْجَبَل من الأعجام إِلَى الدُّخُول فِي دعوتهم وباينوا المصريّين لكَوْنهم قتلوا نزاراً وبنوا قلعةً ثَالِثَة واتّسعت بِلَادهمْ وأظهروا شغل الهجوم بالسكاكين عَلَى الْمُلُوك سُنّة اليعقوبي فارتاع مِنْهُم الْمُلُوك وصانعوهم بالتحف والهدايا وبعثوا دَاعيا من دعاتهم فِي الْخمس مائَة أَو مَا بعْدهَا إِلَى الشَّام يعرف بِأبي محمّد فَملك بعد أُمُور جرت لَهُ قلاعاً من جبل السُماق وَكَانَتْ فِي يَد النصيريّة وَقَامَ بعده سِنَان هَذَا ولمّا طَال انْتِظَار نزار عَلَى الْقَوْم الَّذين دعاهم صبّاح قَالَ إنّه بَيْنَ أعداءٍ وبلادِ شاسعة وَلَا يُمكنهُ السلوك وَقَدْ عزم عَلَى الْقدوم خفيّة فِي بطن حَامِل وَيَجِيء سالما ويستأنف الْولادَة فرضوا بذلك ثُمَّ إنّه أحضر جَارِيَة مصريّةً قَدْ أحبلها وَقَالَ قَدْ اختفى فِي بطن هَذِهِ فَأخذُوا بعظّمونها ويتخشّعون فَولدت ولدا فسمّاه حسنا)
فلمذا تسلطن خوارزم شاه محمّد بن تكش وفخم أمره قصد بِلَادهمْ وَقَدْ حكم عَلَيْهِم بعد الصبّاح ابْنه محمّد ثُمَّ بعده الْحسن بن محمّد بن صبّاح فَرَأى الْحسن من الحزم التظاهر بِالْإِسْلَامِ وَذَلِكَ فِي سنة سبع وستّ مائَة فادّعى أنّه رأى عليّاً فِي النّوم وَقَدْ أمره بِإِعَادَة شعار الْإِسْلَام من الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْأَذَان وَتَحْرِيم الْخمر وَقَالَ لِقَوْمِهِ أَلَيْسَ الدّين لي قَالُوا بلَى قَالَ فَتَارَة أرفع التكاليف وَتارَة أضعها فأطاعوه فَكتب بذلك إِلَى بَغْدَاد والنواحي وَأدْخل بِلَاده الْفُقَهَاء والمؤذنين وَجَاء رَسُوله ونائبه صَحبه رَسُول الْخَلِيفَة الْملك الظَّاهِر إِلَى حلب بِأَن يقتل النَّائِب الأوّل وَيُقِيم هَذَا النَّائِب لَهُ عَلَى القلاع الَّتِي لَهُم بِالشَّام فأكرمهم الظَّاهِر وخلصوا بإظهارهم الإسلامَ من خوارزم شاه وَمن شعر سِنَان الْمَذْكُور من السَّرِيع
(ألجأني الدهرُ إِلَى معشرٍ
…
مَا فيهِم للخير مستمتعُ)
(إِن حدّثوا لَمْ يُفهِموا سَامِعًا
…
أَو حُدِّثوا مَجّوا وَلَمْ يسمعوا)
(تقدّمي أخّرني فيهِم
…
مَنْ ذَنْبُه الْإِحْسَان مَا يصنعُ)
قَالَ كَمَال الدّين ابْن العديم أَنْشدني بهاء الدّين الْحسن بن إِبْرَاهِيم بن الخشّاب قَالَ أَنْشدني شيخ من الإسماعيليّة قَالَ أَنْشدني سِنَان لنَفسِهِ من السَّرِيع
(مَا أكثَر الناسَ وَمَا أقلّهم
…
وَمَا أقلّ فِي الْقَلِيل النُجَبا)
(لَينَهُمُ إِذْ يَكُونُوا خُلِقوا
…
مهذّبين صحبوا مهذّبا)
وَكتب إِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين يُوسُف بن أيّوب جَوَابا من الْبَسِيط
(يَاذَا الَّذِي بِقراع السيفِ هدَّدَني
…
لَا قَامَ مصرع جنبٍ أَنْت تصرعُهُ)
(قَامَ الحمامُ إِلَى الْبَازِي يهدِّدُه
…
وكشرّتْ لأُسِود الغابِ أضبُعُهُ)
(أضحى يسدّ فَم الأفعى بإصبعه
…
يَكْفِيهِ مَاذَا تلاقي مِنْهُ إصْبَعُهُ)
فوقفنا عَلَى تَفْصِيله وجمله وَعلمنَا مَا تهدّدنا بِهِ من قَوْله وَعَمله وَيَا لله الْعجب من ذُبَابَة تظنّ بأذن فيل ولبعوضةٍ تعدّ فِي التماثيل قَدْ قَالَهَا من قبلك قوم آخَرُونَ فدمّرنا عَلَيْهِم وَمَا كَانُوا يصنعون أللحقّ تدحضون وللباطل تستنصرون وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أيّ مُنْقَلب ينقلون وَلَئِن صدر قَوْلك فِي قطع رَأْسِي وقلعِك لقلاعي من الْجبَال الرواسِي وَتلك أمانّي كَاذِبَة وخيلات غير صائبة فإنّ الْجَوَاهِر لَا تَزُول بالأعراض كَمَا أنّ الْأَرْوَاح لَا تضمحلّ بالأمراض وَإِن عدنا إِلَى الظَّوَاهِر وعدلنا عَن البواطن فلّنا فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة مَا أوذي نبيّ مَا)
أوذي وَقَدْ علمت مَا جرى عَلَى عترته وشيعته وَالْحَال مَا حَال وَالْأَمر مَا زَالَ وَالله الْحَمد فِي الْآخِرَة وَالْأولَى وَقَدْ علمْتُم ظَاهر حَالنَا وكيفيّة رجالنا وَمَا يتمنّونْه من الْفَوْت ويتقرّبون بِهِ إِلَى حِيَاض الْمَوْت وَفِي الْمثل أَو للبطّ تُهدّد بالشطّ فهيتي للبلى أسباباً وتدرذع للرزايا دلبابا فلأظهرنّ عَلَيْكَ مِنْك وَتَكون كالباحث عَن حتفه بظلفه وَمَا ذَاكَ عَلَى الله بعزيز فَإِذا وقفت عَلَى كتَابنَا هَذَا فَكُن لأمرنا بالمرصاد وَمن حالك عَلَى اقتصاد واقْرأ أوّل النَّحْل أَو آخر صَاد
وَقَالَ كَمَال الدّين ابْن العديم قَالَ نجم الدّين ابْن إِسْرَائِيل قَالَ أَخْبرنِي الْمُنْتَخب ابْن دفترخوان قَالَ أَرْسلنِي صَلَاح الدّين إِلَى سِنَان زعيم الإسماعيليّة حِين وَثبُوا عَلَى صَلَاح الدّين فِي المرّة الثَّالِثَة بِدِمَشْق وَمَعِي القطب النَّيْسَابُورِي وَأرْسل مَعنا تخويفاً وتهديداً فَلم يجبهُ بل كتب فِي الطرّة عَلَى كتاب صَلَاح الدّين وَقَالَ لَنَا هَذَا جوابكم جَاءَ الْغُرَاب إِلَى الْبَازِي يهدده الأبيات الثَّلَاثَة ثمّ قَالَ لَنَا إنّ صَاحبكُم يحكم عَلَى ظواهر جنده وَأَنا أحكم عَلَى بواطن جندي وَدَلِيله مَا تشاهد الْآن ثُمَّ دَعَا بِعشْرَة من صبيان القاعة وَكَانَ عَلَى حصنه المنيف فاستخرج سكّيناً وَأَلْقَاهَا إِلَى الخَنْدَق وَقَالَ من أَرَادَ هَذِهِ فليُلقِ نَفسه خلفهَا فتبادروا خلفهَا وتباً أَجْمَعِينَ فتقطّعوا فعدنا إِلَى السُّلْطَان صَلَاح الدّين وعرّفناه الْحَال فَصَالحه وَقَالَ الشَّيْخ قطب الدّين فِي تأريخه إنّ سِنَانًا سيرّ رَسُولا إِلَى صَلَاح الدّين رحمه الله وَأمره أَن لَا يُؤْذِي رسَالَته إلاّ خلْوَة ففتّشه صَلَاح الدّين فَلم يجد مَعَه مَا يخافه فأخلى لَهُ الْمجْلس إلاّ نَفرا يَسِيرا فَامْتنعَ من أَدَاء الرسَالَة حَتَّى يخرجُوا فَأخْرجهُمْ كلّهم سوى مملوكّين فَقَالَ هَات رِسَالَتك فَقَالَ أمرتُ أَن لَا أقولها إِلَّا خلْوَة قَالَ هَذَانِ مَا يخرجَانِ فَإِن أردْت أَن تذكر رِسَالَتك وإلاّ قُم قَالَ فلِمَ لَا يخرج هذَان قَالَ لأنّهما مثل أَوْلَادِي فَالْتَفت الرَّسُول إِلَيْهِمَا وَقَالَ لَهما إِذا أمرتكما عَن مخدومي بقتل هَذَا السُّلْطَان هَل تقتلانه فقلا نعم وجذبا سيفيهما فبهت السُّلْطَان وَخرج الرَّسُول وَأَخذهمَا مَعَه وجنح صَلَاح الدّين إِلَى الصُّلْح وَدخل فِي مرضاته