الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَضَحِك مِنْهُ وَترك المَال لَهُ
3 -
(الحيص بيص)
سعد بن محمّد بن سعد بن صَيْفِي شهَاب الدّين التَّمِيمِي الْمَعْرُوف بحيص بيص أَبُو الفوارس وَكَانَ فَقِيها شَافِعِيّ الْمَذْهَب تَفَقَه بالريّ عَلَى القَاضِي محمّد بن عبد الْكَرِيم الْوزان وَتكلم فِي الْخلَافَة إلاّ أَنه غلب عَلَيْهِ الْأَدَب والنطم وأجاد فِيهِ وَلَهُ رسائل بليغة أثنى عَلَيْهِ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ فِي الذيل وحدّث بِشَيْء من مسموعاته وقُرئ عَلَيْهِ ديوانه وَأخذ النَّاس عَنهُ أدباً وفضلاً كَبِيرا من أخبر النَّاس بأشعار الْعَرَب ولقائهم وَكَانَ فِيهِ نيه وتعاظم وَلَا يُخَاطب النَّاس إلاّ بالْكلَام الْعَرَبِيّ وَكَانَتْ لَهُ حِوَالَة بِمَدِينَة الحلّة فتوجّه إِلَيْهَا وَكَانَتْ عَلَى ضَامِن الْحلقَة فسيرّ غُلَامه إِلَيْهِ فَلم يعرّج عَلَيْهِ وَشتم أستاذه فَشَكَاهُ إِلَى وَالِي الحلّة وَكَانَ يَوْمئِذٍ ضِيَاء الدّين مهلهل بن أبي الْعَسْكَر الجاواني فسيرّ مَعَه بعض غلْمَان الْبَاب ليساعده فَلم يقنع أَبُو الفوارس مِنْهُ بذلك فَكتب إِلَيْهِ يعاتبه وَكَانَتْ بَينهمَا مودّة مَا كنتُ أَحسب أنّ صَحبه السنين ومودّتها يكون مقدارها فِي النُّفُوس هَذَا الْمِقْدَار بل كنت أظنّ أنّ الْخَمِيس الجحفل لَو زل عرضا لقام بنصري)
من آل أبي الْعَسْكَر حماة غلب الرّقاب فَكيف بعامل سُوَيقةٍ وضامنِ حُلَيلةٍ وَيكون جوابي فِي شكواي أَن يُنفَّذ إِلَيْهِ خويدمٌ يعاتبه وبأخذ مَا قبله من الْحق لَا وَالله من الْبَسِيط
(إنّ الأُسُودَ الغاب همّتها
…
يَوْم الْكَرِيمَة فِي المسلوب لَا السلبِ)
وَبِاللَّهِ أقسم وَنبيه وَآل بَيته لَئِن لَمْ نُعِمْ لي حُرْمةً تتحدَّثُ بِهَا نسَاء الحلّة فِي أعراسهن ومناجاتهنّ لَا أَقَامَ وليّك بحلّتك هَذِهِ وَلَو أَمْسَى بالجسر أَو بالقناطر هبني خسرت حمر النعم أفأخسر أبيّتي واذلاّه واذلاّه وَالسَّلَام وَكَانَ يلبس زيّ الْعَرَب ويتقلّد سيف وَيحمل خَلفه الرمْح وَيَأْخُذ نَفسه بمأخذ الْأُمَرَاء ويتبادى فِي كَلَامه فَقَالَ فِيهِ أَبُو الْقَاسِم بن الْفضل وَقيل الرئيس عليّ بن الْأَعرَابِي من الْخَفِيف
(كم تُبادِي وَكم تُطَوْل طرطو
…
رَكَ مَا فِيك شَعرةٌ من تميمِ)
(فَكُلِ الضّبَّ واقرض الحنظَلَ الآخ
…
ضّرَ واشْرَب مَا شئتَ بَوْل الظليمِ)
لَيْسَ ذَا وَجه من يضيف وَلَا يقري وَلَا يدْفع الْأَذَى عَن حريمِ
فلمّا بلغت الأبيات أَبَا الفوارس قَالَ من الْخَفِيف لَا تَضَعْ من عظيمِ قدرٍ وَإِن كنت مُشاراً إِلَيْهِ بالتعْظيمِ
(فالشريف الْكَرِيم بِنَقص قدرا
…
بالتجرّي عَلَى الشريف الكريمِ)
وَلَعُ الْخمر بالعُقولِ رمى الْخمر بتنجيسها وبالتحريمِ وَعمل فِيهِ خطيب الحُويرة الْبُحَيْرِي من الْكَامِل
(لسنا وحقّك حيص بِي
…
ص من الْأَعْرَاب فِي الصميمِ)
وَلَقَد كذبتُ عَلَى بحير كَمَا كذبتَ عَلَى تميمِ وَإِنَّمَا قيل لَهُ حَيْصَ بَيْصَ لِأَنَّهُ رأى العامّة يَوْمًا فِي حَرَكَة مزعجة وَأمر شَدِيد فَقَالَ مَا للنَّاس فِي حيص بيص فَبَقيَ ذَلِكَ لقباً لَهُ الْعَرَب تَقول وَقع النَّاس فِي حيص بيص إِذا كَانُوا فِي شدّة واختلاط وسمّوا ابْنه هرج مرج وسمّوا ابْنَته دخل خرج قَالَ ابْن خلّكان قَالَ الشَّيْخ نصر الله بن مجلّي مشارف المخزن وَكَانَ من الثِّقَات أهلِ السنّة رَأَيْت فِي الْمَنَام عليّ بن أبي طَالب فَقلت لَهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ تفتحون مكّة فتقولون من دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن ثُمَّ يتمّ عَلَى ولدك الْحُسَيْن يَوْم الطفّ مَا تمّ فَقَالَ لي أما سَمِعت أَبْيَات ابْن صَيْفِي فِي هَذَا فعلت لَا فَقَالَ اسمعها مِنْهُ ثمّ استيقظتُ فبادرت إِلَى دَار حيص بيص فَخرج إليّ فَذكرت لَهُ الرُّؤْيَا)
فشهق وأجهش بالبكاء وَحلف بِاللَّه إِن كَانَتْ خرجت من فمي أَو خطّي إِلَى أحد وَإِن كنت نظمتها إلاّ فِي لَيْلَتي هَذِهِ ثمّ إِنَّه أَنْشدني من الطَّوِيل
(مَلَكْنا فَكَانَ العَفْوُ مِنّا سَجيّةُ
…
ولّما ملكتم سَالَ بالدّم أبطَحُ)
(وحلّلتُمُ قتل الأسارّى وطالما
…
غَدَونا عَلَى الأسرى نَمُنُّ ونصفحُ)
(وحَسبُكُمُ هَذَا التَّفَاوُت بَيْننَا
…
وكلّ إِنَاء بِالَّذِي فِيهِ ينضحُ)
وتوفيّ الحيص بيص سنة أَربع وَسبعين وَخمْس مائَة وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن عمره يَقُول وَأَنا أعيش مجاوفةً وَكَانَ يزْعم أنّه من ولد أَكْثَم بن صَيْفِي حَكِيم الْعَرَب وَلَمْ يتْرك أَبُو الفوارس عقباً وَمن شعره من الوافر
(إِذا شُورِكْتَ فِي حالٍ بدُونٍ
…
فَلَا يغشاك عارٌ أَو نفورُ)
(تشارك فِي الْحَيَاة بِغَيْر خُلفٍ
…
اْرِسْطاليسُ وَالْكَلب العقورُ)
وَمِنْه من الْخَفِيف
(مِنّهُ الدُونِ فِي الرّقاب حبالُ
…
محُصَاتٌ كَأحْبُلِ الخُناقِ)
(غيرَ أنّ التَحنيقَ مُردٍ وَهَذَا
…
ألَمٌ مَعَ الدَّهْر باقِ)
(فَإِذا أخْفَقَ الرجاءُ من الدو
…
نِ فأكْرِمْ بِذاكَ من إخفاقِ)