الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوحي ضرورة اجتماعية:
خلق الله الإنسان وجعله مفطورا على حب الاجتماع، يألف ويؤلف، وتلتقي كلمة الإنسان مع كلمة الأنس في الاشتقاق اللغوي تأكيدا لهذا المعنى، فلفظ الأنس والإنسان والائتناس بينها تقارب في المعنى والاشتقاق، ويلتقي معهم الفعل أنس ويأنس ويأتنس ولكنها تدور حول معنى الاجتماع البشري الذي يتحقق به وفيه كل هذه المعاني الإنسانية، فحب الاجتماع البشري خاصية إنسانية؛ ولهذا نجد علماء الاجتماع يعرفون الإنسان بأنه كائن اجتماعي.
ونزلت الأديان السماوية لتثبت بمبادئها هذا المعنى النبيل وتعمل على تنميته وشيوعه بين بني البشر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .
وفي الآثار النبوية: "إن الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف""رواه مسلم" و "المؤمن إلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" والرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على أن
يعلم أمته مفاتيح القلوب التي تشيع بها المحبة بين المسلمين وينتشر الود والتراحم، فقال صلى الله عليه وسلم: $"ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله قال: "أفشوا السلام بينكم""رواه مسلم والترمذي".
والاجتماع البشري لا بد أن ينشأ عنه -ضرورة- اختلاف في الأهواء والرغبات، وتعارض في المصالح، والنفوس البشرية بطبعها فيها حب الأثرة، وحب الرياسة، وحب العلو في الأرض، ومن سنن الله في كونه أن يوجد فيه الشيء وضده، فيوجد الغني وبجانبه الفقير، والصحيح وبجانبه المريض، والضعيف وبجانبه القوي، والعالم والجاهل، وغير ذلك من الأضداد التي تقتضيها سنة التدافع البشري، ولا بد أن تنتج هذه المتضادات اختلافا في الآراء والمقاصد والغايات، وتتعدد وجهات النظر وتتصارع الأفكار، كل فريق يبحث عن مصلحته قبل الفريق الآخر، وهذا أمر واقع ومشاهد في جميع المجتمعات، قد يسميه البعض بصراع الطبقات كما في بعض المذاهب الاقتصادية كالماركسية مثلا، فهو واقع يعيشه المرء. ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التدافع البشري باعتباره سنة من سنن الله في الاجتماع البشري، قال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود: 118] .
كما أشار القرآن أيضا إلى أن هذه السنة ماضية في الاجتماع البشري إلى قيام الساعة، تقتضيها طبيعة العمران والاجتماع البشري
قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: 251] .
وقال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] .
وهذا التدافع هو أحد مظاهر التجمع البشري في كل عصر، وفي كل بيئة.
وفي وسط هذا الاجتماع البشري المزدحم بالمتناقضات، فالمصالح متضاربة والأهواء والرغبات متعارضة، والتفاوت كبير بين مستويات الفقر والغنى والصحة والمرض والضعف والقوة، ولا بد لهذه المتضادات من ضابط يحكم حركتها؛ لتكون في خير المجتمع كله، فلا تكون لحساب طبقة أو فئة على حساب أخرى. لا بد من ضوابط تنتظم بها العلاقات المتبادلة بين هذه المتضادات ولا بد أن تكون هذه الضوابط متعالية على الأغراض الشخصية أو الطبقية ليتحقق بها الخير لكل الطبقات، ولتسعد بها كل فئات المجتمع، وليس في مكنة البشر أن يضعوا هذه الضوابط المتعالية عن كل هذه الشبهات؛ لأن ذلك ليس من طبائع البشر. ولقد أثبت التاريخ والواقع المعاصر أن كل قانون تضعه طبقة اجتماعية حاكمة، فإنه يهدف دائما إلى تحقيق مصالحها على حساب الطبقات الأخرى، وكم شقيت طبقات
في المجتمعات البشرية لتسعد طبقات أخرى باسم القانون، وكم قضى أناس سواد ليلهم يفترشون الثرى ويلتحفون العرى ليهنأ غيرهم باسم القانون وكم
…
وكم عانت المجتمعات البشرية من ويلات القوانين التي يضعها البشر. ولذلك كان لا بد لهذه الضوابط التي تحكم حركة المجتمع أن تكون من مصدر فوق مستوى الشبهات، فوق مستوى الأهواء والمصالح الطبقية أو الفئوية، وهذا لا يتحقق أبدا إلا إذا كان مصدر هذه الضوابط متعاليا عن أهواء البشر وأغراضهم، وذلك لا يتأتى إلا من الوحي الإلهي، وما سنه البشرية من تشريعات لتنظيم جلب المصالح ودرء المفاسد للناس جميعا، فإن مقاصد الشريعة وأهدافها الكبرى تدور كلها حول هذين الغرضين: جلب المصالح ودرء المفاسد لكل الناس، والفرد والمجتمع على سواء. وفي ضوء هذه المقاصد الشرعية تتحدد علاقة الأفراد والجماعات، وتنتظم علاقة الفرد بالمجتمع، والحاكم بالمحكوم: الرجل والمرأة، العالم والمتعلم، الغني والفقير، القوي والضعيف، وبعبارة جامعة تنتظم في ضوئها شبكة العلاقات الاجتماعية لتتوجه حركة المجتمع كله لتحقيق الأهداف الكبرى التي تهدف إليها مقاصد الشريعة، وتسعى إلى تحقيقها في المجتمع.
لقد فشلت القوانين الوضعية في تحقيق هذه المقاصد في المجتمعات، وينبغي أن ننبه هنا إلى أن المقاصد الكلية للشريعة إذا
كانت تأخذ الصفة الدينية إلا أنها في حقيقتها وضعت لتحقيق مصالح المجتمع الإنساني كما سبق أن أشرنا، فهي مقاصد اجتماعية أضفى عليها الشرع صفة القداسة الدينية بنسبتها إلى الشرع لتستقر قداستها في قلوب المؤمنين لتصير هدفا وغاية يحرص الجميع على تحقيقها من منطلق إيمانه بالعقيدة الدينية، فتكون ممارستها عنوانا على إيمان صاحبها والالتزام بها.
إنه لا منقذ للبشرية من الاضطراب الذي تعيشه إلا في الاعتقاد في أوامر الوحي ونواهيه، والأخذ بها والعمل بمقتضاها، على مستوى الفرد والجماعة وأنظمة الحكم. لقد كثرت التشريعات وتعددت القوانين، ومع ذلك فإن الجرائم في زيادة مطردة كما وكيفا، ومظاهر الفساد تموج بها حركة المجتمع في كل جوانبه، والسبب في ذلك كله يرجع إلى عدم المصداقية التي تستمد منها القوانين هيبتها.
إن الوحي السماوي يستمد هيبته من نزاهة مصدره، ويكتسب ثقة المؤمن من يقين المؤمن واعتقاده بعدالة المصدر وقداسته عن الغرض والهوى. إن إيمان المسلم واعتقاده في ربه ينعكس في سلوكه التزاما بأوامر الله ونواهيه، إن العقيدة الصحيحة هي التي تخلق في المؤمنين نوعا من الرقابة الذاتية على المرء في سلوكه والتزامه، فيكون هو رقيبا بنفسه على نفسه حين يغيب عنه الرقباء تحقيقا لمعنى الإحسان الذي أشار إليه الرسول في الحديث الصحيح حين قال:"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
"رواه الخمسة إلا البخاري". وفي مثل هذا المستوى، تتجسد مسئولية المؤمن عن ضبط سلوكه وحياته كلها بضوابط الشرع أمرا ونهيا، فلا يحتاج إلى رقابة خارجية، وفي هذا المستوى أيضا تتجسد مسئولية المؤمن عن نفسه، وعن مجتمعه. إن ضوابط المجتمع وأهدافه تتحقق كلها في حراسة هذه العقيدة الراسخة في القلب المؤمن بها، وتتجاوز هذه الضوابط دائرة الجائز والممكن اجتماعيا لتأخذ حكم الحلال والحرام دينيا؛ لارتباطها بهذه العقيدة، ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يربط هذه العلاقات الإنسانية بضوابطها الشرعية ويجعلها دليلا على الإيمان وجودا وعدما، وكم من الأحاديث النبوية التي تجسد لنا هذا المعنى وتربطه بالإيمان ربطا محكما على مستوى علاقات الأفراد والجماعات: قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده""رواه الترمذي والنسائي"، وقال: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث
…
وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" "أخرجه البخاري".
"والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: "من بات شبعان وجاره جائع، وهو يعلم".
"من كان يؤمن بالله، واليوم الآخر فلا يؤذ جاره" أخرجه البخاري ومسلم".
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه""رواه الخمسة إلا أبا داود".
"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
…
" الحديث "رواه البخاري، ومسلم".
"ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا""رواه الترمذي وأحمد".
"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا""رواه أبو داود".
"إماطة الأذى عن الطريق صدقة""رواه مسلم".
"من غشنا فليس منا""رواه مسلم والترمذي وأبو داود".
"عدلت شهادة الزور الشرك بالله""رواه أحمد والترمذي وأبو داود".
"لن يدخل الجنة عاق لوالديه".
"لن يدخل الجنة قاطع رحم""أخرجه البخاري".
"الكلمة الطيبة صدقة".
"لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له""رواه أحمد".
أرأيت كيف ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المستوى الراقي من المعاملات بأصل العقيدة وهو الإيمان.
إن إيمان المرء بهذا المستوى من العلاقات الإنسانية الراقية يستمد قداسته من سمو الاعتقاد وقوة اليقين بالله، من امتلاء القلب خشية لله ورسوله، من نور الإيمان الذي أضاء حياة المؤمن بهدي الوحي فانعكس على المجتمع كله بهذه العلاقات الإنسانية، دون أن يفرضها قانون أو يشرعها سلطان أو يحرسها سيف السلطان، بل إن حارسها الوحيد هو عقيدة المؤمن في الله ورسوله.
وعلى مستوى الحكم ورعاية المجتمع، نجد نصوص الوحي تضيء للإنسان طريق العدل الذي به تستقر الممالك وتزدهر الحضارات وتنضبط حركة المجتمع، قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] .
{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] .
{فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 48] .
{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ} [المائدة: 8] .
{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] .
{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] .
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] .
وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قالها ثلاثا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال:"الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس ثم قال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور" وما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. وقال صلى الله عليه وسلم:
"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر""رواه الترمذي".
وقال في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم""رواه ابن ماجه".
وعلى مستوى بناء الأسرة المسلمة.
نجد قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد كبير".
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي""رواه ابن ماجه".
"خياركم خياركم لنسائهم""رواه الترمذي".
"تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس".
"تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسَبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك""رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي".
"لا يخطب الرجل على خِطْبة أخيه""رواه البخاري ومسلم".
ونجد قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19] .
هذه نماذج قليلة امتلأت بها كتب السنة النبوية شرحا وتوضيحا لما جاء في القرآن الكريم من ضوابط لحركة المجتمع المسلم الذي يعيش في نور من هدي النبوة، وكلها تتعلق بتنظيم العلاقات الاجتماعية على مستوى الفرد والجماعة لتتحقق بها مصالح الأمة وتدفع عنها مضارها، يلتزم بها المسلم من منطلق إيمانه بالله فيكون المؤمن الفرد هو المسئول عن تطبيقها وهو الحارس عليها أمام نفسه وأمام الله، ولا يحتاج في ذلك إلى رقيب من خارج نفسه؛ لأنه الأمين عليها.
وهذا الاعتقاد هو الذي يعطي لهذه الضوابط قيمتها ومكانتها، وإذا لم يكن للقانون الذي يحكم المجتمع رصيد عقائدي في القلب فلا تكون له هيبة ولا ثقة فيه. وهذا هو الفارق الأساسي بين القوانين
الوضعية والأوامر الإلهية؛ لأن كل قانون يستمد هيبته من مكانة واضعه وصاحبه، ولعل ما يعيشه المجتمع المعاصر من فساد واضطراب يرجع في الكثير من جوانبه إلى خلل القوانين التي تحكم المجتمع.
إن مسئولية المسلم عن أوامر الوحي ذات شقين، يتمثل الشق الأول منهما في كون الإنسان مطالبا أولا بتطبيقها على نفسه وتنفيذ ما جاء فيها، ومطالبا ثانيا بحماية هذه الأوامر وحراستها من العبث بها، "فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"، و "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل""رواه مسلم في كتاب الإيمان".
وتستمد مسئولية الإنسان عن هذين المستويين قوتها عن مسئوليته من قوة الاعتقاد ويقين الإيمان، فتصونها قداسة العقيدة عن العبث بها أو الإهمال فيها أو التفريط في تنفيذها، وإذا تطرق الخلل أو الإهمال إلى هذه المبادئ فإن ذلك ينال من صحيح الاعتقاد، وكمال الإيمان.
وهذا ما تفتقده دساتير البشر، وقوانين الاجتماع.
إن شبكة العلاقات الاجتماعية لو تأسست على هذه المبادئ العقائدية، فإنها تجعل من المجتمع كله أفرادا وجماعات حراسا على
هذه المبادئ، فليس هناك طرف مسئول وآخر غير مسئول، فالكل راع والكل مسئول، وكل حسب طاقته، فتشيع المسئولية في المجتمع كله؛ لأن الكل في سفينة واحدة كما شبه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:"مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا".
وقال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] .
ومن الملاحظ في الآية الكريمة والحديث النبوي أن المسئولية الاجتماعية ليست خاصة بطرف دون آخر، ولا بفرد دون فرد، وإنما هي مسئولية جماعية لأن السفينة واحدة، فإن عرفت غرقت بكل من فيها وإن نجت فإنها تنجو بكل من فيها. وتربية الإحساس بروح الجماعة والمسئولية عنها لا تنهض بها الدساتير ولا القوانين الوضعية، وإنما تتولد وتنمو في النفوس من قوة الاعتقاد ونور اليقين.