الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
الفصل السّابع: الولاية في النكاح على الأرقّاء
المبحث الأول: ثبوت الولاية في النكاح عليهم
.
إنّ الرّق سبب لثبوت ولاية المالك على مملوكه إجماعًا، سواء أكان المملوك ذكرًا أم أنثى، صغيرًا أم كبيرًا، وقد دلّ على ثبوت الولاية في النِّكاح على الأرقّاء كلٌّ من الكتاب، والسنة، والمعقول، والإجماع.
أ- فأمّا الدليل على ذلك من الكتاب فهو:
أولاً: قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} 1.
فقوله تعالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُم} خطاب للأسياد المالكين، لتزويج عبيدهم وإمائهم، كما أنَّ صدر الآية خطاب للأولياء بتزويج مولياتهم الحرائر2.
ثانيًا: قوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِن} 3.
فقد دلّت هذه الآية على أنَّ نكاح الإماء مشروط بإذن أهلهنَّ، أي أربابهنَّ المالكين لهنَّ، وهذه الآية وإن كانت في تزويج الإماء خاصّة إلاّ أن
1 سورة النور آية رقم (32) .
2 انظر أحكام القرآن لابن العربي (3/1378) ، والقرطبي (12/240) . وأحكام القرآن للجصاص (3/321) .
3 سورة النساء آية رقم (25) .
حكمها شامل للعبيد الذكور أيضًا للآية السابقة، وللحديث الآتي مع وجود السبب، وهو الرّق فيهما1.
ب- وأمَّا الدَّليل من السُّنَّة فهو:
أوّلاً: ما رواه عبد الله بن محمد بن عقيل2 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيّما عبد تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر". رواه أحمد وأبو داود والترمذي والدرامي وعبد الرزاق والحاكم والبيهقي والطيالسي وغيرهم. ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن ابن عمر بدل جابر وقيل صوابه: عن جابر كرواية غيره3. والله أعلم.
1 انظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/400) ، والقرطبي (5/141) ، والجصاص (2/165) ، وتفسير الفخر الرازي (10/61- 62) ، وروح المعا ني للآلوسي (5/9-10) .
2 هو: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد، المدني، صدوق في حديثه لين. ويقال تغير بآخره، روى له البخاري تعليقًا، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. اهـ.
انظر التقريب (1/447-448) . وتهذيب التهذيب (6/13-15) .
3 تخريجه:
1-
أحمد: (16/156) ترتيب المسند للساعاتي. نكاح. باب "لا نكاح إلا بوليّ، وما جاء في تزويج العبد بغير إذن سيده".
2-
أبو داود: (6/92 عون المعبود) . نكاح، باب نكاح العبد بغير إذن مواليه.
3-
الترمذي: (4/249- 250) تحفة) ، (من طريقين قال في أحدهما حديث حسن. وفي الآخر حسن صحيح) نكاح. باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده.
4-
ابن ماجه (1/630) نكاح. باب تزويج العبد بغير إذن سيده.
(عن ابن عمر بدل جابر ونقل محققه عن زوائده تحسينه) .
وقال الترمذي وغيره: إنه لا يصحّ: أي ذكر ابن عمر في هذا الإسناد بل الصَّواب جابر. انظر الترمذي مع التحفة (4/250) وإرواء الغليل (6/352) .
5-
الدارمي: (2/75 مع تخريجه) . نكاح. "باب في العبد يتزوج بغير إذن سيده".
6-
عبد الرزاق (7/242) . طلاق. باب نكاح العبد بغير إذن سيده.
7-
الحاكم (2/194) نكاح/وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقرَّه الذهبي.
8-
البيهقي (7/127) ، نكاح. باب نكاح العبد بغير إذن مالكه.
9-
الطيالسي (2/308) . نكاح. باب ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده.
وانظر كتب التخريج التاليه: نصب الراية (3/203-204) 0 التلخيص الحبير (3/189) .
إرواء الغليل (6/351-353) .
قال الترمذي- رحمه الله: والعمل علي هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنَّ نكاح العبد بغير إذن سيده لا يجوز، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما" اهـ1.
ثانياً: ما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل". رواه أبو داود، وابن ماجه.
1 الترمذي مع تحفة الأحوذي (4/250) .
ورواه أيضًا الدارمي من طريق ابن ماجه، والبيهقي من طريق أبي داود. والصحيح وقفه على ابن عمر، كما قاله أبو داود وغيره، وأمَّا المرفوع فهو ضعيف1.
ج- وأمَّا الدَّليل من الآثار المروية عن الصحابة:
فمنها ما روى عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما:
1-
فأمَّا عمر بن الخطاب فقد أخرج عبد الرزاق في مصنّفه عن الثوري، عن رجل كان أجيرًا لسالم بن عبد الله. عن سالم قال: قال عمر ابن الخطاب: إذا نكح العبد بغير إذن مواليه فنكاحه حرام، وإذا نكح بإذن مواليه فالطلاق بيد من يستحلُّ الفرج" أهـ2.
ولكن في إسناد هذا الأثر الرجل المجهول، وهو أجير سالم. والله أعلم.
1 تخريجه:
1-
أبو داود: (6/92 عون المعبود) . نكاح. باب نكاح العبد بغير إذن سيده.
2-
ابن ماجه: (1/630) . نكاح. باب تزويج العبد بغير إذن سيده.
3-
الدارمي: (2/75) . نكاح. باب في العبد يتزوج بغير إذن سيده.
4-
البيهقي: (7/127) نكاح. باب نكاح العبد بغير إذن مالكه.
وانظر من كتب التخريج: نصب الراية (3/204) . والتلخيص الحبير (3/189) ، وإرواء الغليل (6/352-353) .
2 المصنف لعبد الرزاق (7/142) الطلاق. باب نكاح العبد بغير إذن سيده. وقد تقدم (7/241منه) وأشار إليه كل من البيهقي (7/127) . وابن حزم (9/467المحلى) . والقرطبي في تفسيره (5/142) .
2-
وأمَّا ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه فقد تقدّم قريبًا ما قيل
في حديثه المرفوع من أنَّ الصحيح وقفه عليه.
ومن ذلك أيضًا: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الله بن عمر1 عن نافع "أنَّ ابن عمر ضرب غلامًا له الحدّ، تزوَّج بغير إذنه، وفرَّق بينهما"2.
ومن طريق آخر: عن معمر3 عن أيوب4. عن نافع "أنَّ ابن عمر وجد عبدًا له نكح بغير إذنه، ففرَّق بينهما، وأبطل صداقه، وضربه حدًّا"5.
وقال أيضًا: أخبرني موسى بن عقبه6 عن نافع "أنَّ ابن عمر كان
1 هو: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
العمري، المدني، ضعيف. روى له مسلم والأربعة اهـ. انظر ترجمته في التقريب (1/434-435) ، وتهذيب التهذيب (5/326-328) .
2 مصنف عبد الرزاق (7/243) . طلاق. باب نكاح العبد بغير إذن سيده.
3 هو معمر بن راشد. تقدمت ترجمته (1/ص 124) .
4 هو أيُّوب السَّخْتِياني كما صرَّح به ابن حزم بعد هذا بقليل. وتقدمت ترجمته ص (1/285) .
5مصنف عبد الرزاق (7/243) . طلاق. باب نكاح العبد بغير إذن سيده.
6 هو: موسى بن عقبه بن أبي عيّاش- بتحتانية ومعجمة- الأسدي مولى آل الزبير. ثقة، فقيه، إمام في المغازي. روى له أصحاب الكتب الستة. انظر التقريب (2/286) . وتهذيب التهذيب (10/360-362) .
يرى نكاح العبد بغير إذن سيده زنى، ويرى الحدَّ عليه، وعلى التي نكح إذا أصابها، إذا علمت أنَّه عبد، ويعاقب الذين أنكحوه"1.
وقد ذكر هذه الآثار ابن حزم في المحلَّى من طريق عبد الرزاق.
وزاد عليها من طريق حماد بن سلمه2 عن أيوب السَّخْتِياني عن نافع عن ابن عمر قال: "إذا تزوّج العبد بغير إذن سيِّده جلد الحدّ، وفرِّق بينهما، وردّ المهر إلى مولاه، وعزّر الشهود الذين زوَّجوه" ثم قال: وهذا مسند في غاية الصحة عن ابن عمر رضي الله عنهما" اهـ3.
د- وأمّا دليله من المعقول:
فإن كلاً من العبد والأمة مملوك رقبة ومنفعة لسيِّده، وللمالك التصرّف في ملكه بما يصلحه، والنِّكاح من جملة تلك المصالح. والله أعلم.
هـ- وأمَّا الإجماع:
فقد قال القرطبي: "أجمع علماء المسلمين على أنَّه لا يجوز نكاح
العبد بغير إذن سيِّده"4.
1 مصنف عبد الرزاق (7/243) . طلاق. باب نكاح العبد بغير إذن سيده.
2 حماد بن سلمه تقدمت ترجمته (1/188) .
3 المحلى (9/267) . وانظر القرطبي (5/241) .
4 تفسير القرطبي (5/141) .
وحكاه ابن قدامة أيضًا في العبد والأمة على السَّواء1. وإن كان
كلام القرطبي شاملاً للذَّكر والأنثى؛ لأنَّ العبد اسم جنس للملوك. والله أعلم.
ومحلُّ الإجماع على عدم الجواز إنَّما هو إذا لم يأذن له سيِّده أو يجيز.
أمَّا مع الإذن أو الإجازة فسيأتي قريبًا ما فيه من الخلاف. والله أعلم.
1 المغني مع الشرح الكبير (7/399، 409-410) .