المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: الولاية في النكاح بالوصية - الولاية في النكاح - جـ ٢

[عوض بن رجاء العوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل السّابع: الولاية في النكاح على الأرقّاء

- ‌المبحث الأول: ثبوت الولاية في النكاح عليهم

- ‌المبحث الثَّاني: تزويج الأسياد أرقّاءهم

- ‌المبحث الثَّالث: تزويج الأرقّاء أنفسَهم

- ‌المبحث الرّابع: إجبار الأرقّاء على النّكاح

- ‌المبحث الخامس: خيار الأمة إذا عَتَقَتْ تحت زوج

- ‌الفصل الثامن: أسباب الولاية في النكاح

- ‌تمهيد: في بيان المقصود بأسباب الولاية في النِّكاح في هذا الفصل

- ‌المبحث الأوّل: في الولاية في النِّكاح بسبب القرابة

- ‌المبحث الثَّاني: الولاية في النِّكاح بالوَلَاء

- ‌المبحث الثاَّلث: ولاية السلطان في النّكاح

- ‌المبحث الرَّابع: الولاية في النِّكاح بالكفالة

- ‌المبحث الخامس: الولاية فى النِّكاح بالإسلام

- ‌المبحث السادس: الوكالة عن الوليّ في النكاح

- ‌المبحث السَّابع: الولاية في النِّكاح بالوصيّة

- ‌الفصل التاسع: شروط الوليّ في النكاح

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأوّل: اشتراط الذكوريّة في وليِّ النِّكاح

- ‌المبحث الثَّاني: اشتراط البلوغ في وليِّ النكاح

- ‌المبحث الثَّالث: اشتراط العقل في وليّ النِّكاح

- ‌المبحث الرَّابع: اشتراط الحرّيّة في وليّ النِّكاح

- ‌المبحث الخامس: اشتراط الإسلام فى وليّ النِّكاح

- ‌المبحث السادس: اشتراط العدالة في وليِّ النِّكاح

- ‌المبحث السّابع: اشتراط الرُّشْد في وليّ النكاح

- ‌المبحث الثَّامن: اشتراط كون الوليّ حلالاً

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث السابع: الولاية في النكاح بالوصية

‌المبحث السَّابع: الولاية في النِّكاح بالوصيّة

وأمّا وصيّ الوليّ فهو: من عهد إليه الوليُّ بتزويج مَوْلِيَّته بعد مماته. فالوصيّ: نائب عن الوليّ كالوكيل، إلاّ أنَّ وكيل الوليّ نائب عنه في حياته، ووصيّ الوليّ: نائب عن الوليّ بعد مماته، ووكيل الوليِّ تصحّ نيابته اتِّفاقًا، وأمّا وصيّ الولي ففي نيابته خلاف بين العلماء على أقوال، خلاصتها ثلاثة:

القول الأوّل: أنِّ الولاية في النكاح لا تستفاد بالوصيَّة.

وهذا مذهب الحنفية والشافعية والظاهرية وإحدى الروايتين المشهورتين عن الإمام أحمد رحمهم الله1.

القول الثَّانى: أنّها تستفاد بالوصيَّة: وهو مذهب المالكية وأظهر الروايتين المشهورتين عن الإمام أحمد رحمه الله. قال صاحب (الإنصاف)

1 انظرللحنفية: الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/79- 80) ، والبحر الرائق وحاشيته منحة الخالق (3/153) ، وتبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه (2/126) وفتح القدير (3/287-288) ، وأحكام القرآن للجصاص (2/53) .

وللشافعية: الأم للشافعي (5/19-20) ، وروضة الطالبين (6/315) ، وتكملة المجموع الثانية (15/ 400)، وللظاهرية: المحلي (9/464) .

وللحنابلة: المغني (7/354) ، والإنصاف (8/ 85-86) والمبدع (7/40- 41) وكشاف القناع (5/58) والإفصاح (2/112) .

ص: 187

فيها: "هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب"1.

والقول الثَّالث: أنَّ الولاية في النّكاح تستفاد بالوصيّة إن لم يكن للمرأة عصبة تلي تزويجها، وأمّا مع وجود العصبة فلا. -وهذه- رواية ثالثة2 عن الإمام أحمد، اختارها أبو عبد الله بن حامد3.

الأدلة:

(أ) أدلّة من منع الولاية في النكاح بوصيّة الوليّ.

استدلَّ من منع صحة وصيّة الوليّ بتزويج مولِيَّته بما يلي:

أوّلاً: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: توفي عثمان بن مظعون فترك ابنة له من خويلة بنت حكيم ابنة أميّة بن حارثة بن الأوقص قال: وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون قال عبد الله: وهما خالاي، قال فخطبت إلى قدامة بن عثمان بن مظعون فزوّجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة- يعنى إلى أمّها- فأرغبها في المال فحطَّت إليه، وحطّت الجارية إلى هوى أمّها فأبيا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له قدامة بن

1 انظر للمالكية: المدو نة (2/146) وبداية المجتهد (2/10) وقوانين الأحكام لابن جزى (222) . والخرشي والعدوي (3/177-178) ، والشرح الكبير مع الدسوقي (2/223) . وللحنابلة نفس المصادر السابقة جميعها.

2 المغني (7/354 الإنصاف (8/86) والمبدع (7/41) .

3 هو: الحسن بن حامد بن عليّ بن مروان البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه، من مصنفاته الجامع وشرح الخرقي وغيرهما، توفي راجعاً من الحج سنة 403 هـ. انظر: الأعلام (2/201) ، ومعجم المؤلفين (3/214) ، وطبقات الحنابلة (2/171-77) .

ص: 188

مظعون: يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إليّ فزوّجتها ابن عمتها عبد الله بن عمر فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنّها امرأة وإنّما حطّت إلى هوى أمّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هي يتيمة ولا تُنْكَح إلاّ بإذنها، فانتزعت منِّي والله بعد أن ملكتها، فزوّجوها المغيرة بن شعبة ". رواه أحمد بهذا اللفظ، ورواه أيضًا الدارقطني والحاكم والبيهقي، وروى ابن ماجه طرفًا منه موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنه1.

فقالوا: إن هذا الحديث صريح في منع الولاية في النكاح بالوصيّة؛ إذ لو كانت جائزة لأجاز النّبيُّ صلى الله عليه وسلم وصيّة عثمان بن مظعون إلى أخيه قدامة بن مظعون بتزويج ابنته2.

ولكن الاستدلال بهذا الحديث على منع الولاية في النّكاح بالوصيّة غير ظاهر، وذلك أنَّ الوصيّ في هذا الحديث هو عمّها، فلو بطلت وصيّة أخيه إليه لم تبطل ولايته عليها بعصوبة النَّسب، والنبيّ صلى الله عليه وسلم لم يتعرَّض- في هذا الحديث- لإبطال حقِّه في الولاية، وإنّما أبطل حقّه في إجبارها على من لا ترضاه، وهو صريح قوله صلى الله عليه وسلم:"هي يتيمة ولا تُنْكَح إلاّ بإذنها". وعلى هذا فإن كانت ابنة عثمان بن مظعون كبيرة مكلّفة فالأمر واضح- على أقوال أهل العلم- في البكر البالغ أنّه لا يجبرها أبٌ ولا غيره فوصيّه من باب أولى.

1 تقدم تخريجه (1/389) .

2 انظر التكملة الثانية للمجموع (15/400-401) .

ص: 189

وأمّا إن كانت صغيرة فالأمر باستئذانها في هذا الحديث دالّ على أنّها قد بلغت سنًّا يمكن لها فيه أن تنظر لنفسها في اختيار زوجها، ولادليل على عدم اعتبار إذن من لم تبلغ مطلقًا، بل الصحيح اعتباره، وقد تقدَّم في تزويج الصغيرة اليتيمة من قال باختياره من المحقِّقين، كابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم رحمهما الله تعالى1.

وبهذا يتَّضح أنَّ الاحتجاج بهذا الحديث على منع ولاية الوصيّ في النكاح مبنيّ على القول بأنَّ للأب تزويج البكر مطلقًا بدون إذنها، والوصيّ قائم مقام الأب فلو صحت الوصيَّة لما ردّ صلى الله عليه وسلم تزويج قدامة بن. مظعون ابنة أخيه التي أوصى بتزويجها إليه، وهذا إلزام ليس بلازم، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تزويج النساء بدون إذنهنَّ، ولافرق في هذا بين أب ولا غيره، وعلى هذا فلا دليل في هذا الحديث على إثبات الوصيّة ولا نفيها. والله أعلم.

ثانيًا: عموم أدلّة إثبات الولاية في النكاح، مثل: حديث "لا نكاح إلا بوليّ "، "وأيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل-ثلاثًا".

والوصيّ أجنبي من المرأة فلا يسمَّى وليًّا فيكون عقده باطلاً2.

ثالثًا: أن ولاية النكاح تنتقل شرعًا بعد موت الموصي إلى غيره، من الأولياء، فلم يجز أنَّ يوصي بها إلى غير مستحقّها كالحضانة3.

1 تقدم (1/411) .

2 انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/53) . والبحر الزخار (4/55) .

3 انظرالمغني والشرح الكبير (7/354 والشرح 440- 441) ، والمبدع (7/41) .

ص: 190

رابعًا: ولأنّها ولاية نكاح؛ فلم يجز الوصيّة بها كولاية الحاكم1.

خامسًا: أنَّ الوليّ أجنبيّ من المرأة، فلا ينظر لها كنظر الوليّ من طلب الكفاءة ونحوها؛ إذ لا يلحقه عار ولا ضرر بوضعها في غير كفئها2.

وقد يجاب عن هذا بأنَّ الأب أو غيره من الأولياء لا يوصي عليها إلا من يثق بنظره وأمانته وحسن اختياره.

سادسًا: أن ولاية الموصي قد انقطعت بموته، ولها من يستحقّها شرعًا بدون وصيّته، ففي نقلها إلى الأجنبي إسقاط لحقِّ من يستحقُّها شرعًا، وتمليك ممن لا يملكها إلى من لا يستحقُّها3.

سابعًا: أنَّ الوصيّ أجنبي غير وارث، والولاية في النكاح مستحقّة بالميراث4.

وهذا التعليل يتّجه على مذهب الإمام أبي حنيفة في قوله: كلُّ من استحقَّ الميراث - فرضًا أو تعصيبًا- استحقَّ الولاية، ولذلك صحَّ عنده ولاية النِّساء في النِّكاح وقرابتهنَّ من ذوي الأرحام، وأمَّا مذهب الجمهور

1 انظرالمصادرالسابقة.

2 انظرالمصادرالسابقة.

3 انظر: الجصاص (2/53) ، والمغني (7/354) والتكملة الثانية للمجموع

(15/400) .

4 انظر: الجصاص (2/53) .

ص: 191

فالولاية مستحقَّة بالإرث بالتعصيب خاصة، إلاّ الابن ففيه من الخلاف ما سبق بيانه.

فالقول بأنَّ الولاية مستحقّة بالميراث مطلقًا غير مسلّمة، وإنّما ذكرتها حصرًا لما أمكن من أدلّة القول بمنع ولاية الوصيِّ في النكاح. والله أعلم.

ب: وأمّا أدلّة من أجاز الولاية فى النّكاح بالوصيَّة فهي كالتالي:

أوّلاً: أنَّها ولاية ثابتة شرعًا للولي، فجازت وصيته بها، كما جازت وصيّته في ولاية المال1.

وأُورد على هذا الفرق بين ولاية النكاح وولاية المال، فالبضع إلى الأولياء، وأمَّا المال فللأوصياء2.

ثانيًا: أنَّ للولِّي أن يستنيب فيها غيره في حياته فيقوم نائبه مقامه بعد

موته كذلك3.

ومعنى هذا أنّه تصحُّ وصيَّته، كما تصحُّ وكالته، ولكن أُورد على هذا الفرق بين الوصيَّة والوكالة في النكاح، فولايته قد انقطعت بموته، وانتقلت إلى غيره، بخلاف وكالته حيًّا ووصيَّته في المال.

1 انظر المغني (7/354) وكشاف القناع (5/58) . والمبدع (7/40) .

2 انظر الكافي لابن عبد البر (1/431) وأحكام القرآن للجصاص (2/53) .

3 انظر المغني (7/354) وكشاف القناع (5/58) . والمبدع (7/40) .

ص: 192

ج- وأمّا من فصّل في صحَّة الولاية في النِّكاح بالوصيّة فمنعها إذا كان للمرأة عصبة وأجازها عند عدم العصبة؛ فذلك لأنَّ الوصيَّة بنكاح النِّساء مع وجود أوليائهنَّ فيه إسقاط لحقِّهم، بخلاف ما إذا لم يوجد لهنّ أولياء؛ إذ ليس فيه إسقاط لحقِّ أحد، ويبقى الشأن فيمن يحسن النظر للمرأة التي لا وليَّ لها1.

وهذا القول له وجه قويّ من النظر فيما يظهر لي وذلك لما يلي:

أوّلاً: أنَّ القول بالوصيّة في إنكاح النِّساء إلى الأجانب مع وجود أوليائهنَّ يتعارض مع مفهوم أحاديث اشتراط الولاية في النكاح، كحديث "لا نكاح إلا بوليٍّ". والوصيّ لا يدخل في مسمَّى الوليِّ قطعًا2.

ثانيًا: أنَّ ولاية النكاح ليست ولاية نظر محضة، كولاية المال، بل هي بالإضافة إلى ذلك لحكم أخرى، كدفع المعرَّة عن النَّسب، ومجرَّد إقدام الأجنبيِّ على تزويج المرأة بدون إذن أوليائها الأحياء فيه معرّة عليهم، وأمّا حقُّ الميت في الولاية فالظاهر أنّه انقطع بموته.

وهذا القول لا يتعارض مع ولاية الحاكم؛ فإنَّ الحاكم ليس بوليٍّ حقيقة، وإنَّما هو قائم مقام الوليِّ ضرورة، لعدمه، كما يدلُّ عليه حديث:

1 انظر المغني والشرح الكبير (7/354 والشرح441) ، وكشاف القناع 5/58، والمبدع (7/40) .

2 انظر كلام الشافعي في منع ولاية الوصي في الأم (5/19-20) .

ص: 193

"السلطان وليّ من لا وليّ لها". مع أنَّ وصيّ الوليّ يكون أوفر نظرًا لها من الحاكم. والله أعلم بالصَّواب.

"تتمّة في ولاية الوصيّ "

تقدَّم أنَّ القول بصحة وصيَّة الولي بتزويج مولِيَّته هو قول المالكية، والمشهور من مذهب الحنابلة، إلا أنَّ هناك مسائل خلاف واتفاق بينهم، يجدر التنبيه إليها استكمالاً للبحث، فمن ذلك:

أوّلاً: يتفقون على أنَّ وصيَّ النكاح يقوم مقام من وصَّاه من الأولياء؛ وعليه فللوصي ما للوليّ، كتزويج البكر البالغ بدون إذنها، وكذلك الصغيرة والمجنونة أو عدمه.

ثانياً: يختلفون في الوليِّ الذي تصحّ منه الوصية في النكاح، فعند المالكية هو الأب خاصّة، دون سائر الأولياء، وعند الحنابلة كلُّ من ثبتت ولايته صحَّت وصيَّته وينزل منزلة من وصّاه1.

ثالثًا: للوصيّ أن يوصي، أو يوكلِّ فيما أوصي له به عند المالكية، وأمَّا عند الحنابلة فروايتان: قيل: إنَّ أظهرهما: صحَّة ذلك أيضًا، والأخرى: المنع2.

رابعاً: الوصيُّ على نكاح الصبِّي الصغير، كالوصي على نكاح الأنثى الصغيرة، وهو المذهب عند الحنابلة، وهنا يتفقون مع المالكية على

1 انظر: المصادر السابقة في أول هذا المبحث، وما سبق في تزويج الصغير (1/430) .

2 انظر: المصادر السابقة.

ص: 194

أنَّه لا وصيَّة لغير الأب، بناء على أنّه لا يزوّج الصغير إلاّ الأب دون سائر الأولياء، والوصيُّ إنّما هو قائم مقام من وصّاه1.

والرواية الأخرى للحنابلة: أنّه يزوّج الصغير كلُّ وصيّ، سواء أكان وصيّ نكاح، أم وصيّ مال، أم نحو ذلك، وهو اختيار القاضي وابن تيميَّة رحمهما الله2.

وهذا هو الأظهر- فيما يظهر لي- فإنَّ ولاية النكاح على الذكر ولاية نظر محضة؛ إذ لا يلحق الأولياء غضاضة بتزويج غيرهم له، بل ربَّما فخروا به، وهذا بخلاف الأمر في الأنثى. والله أعلم.

خامسًا: تصحُّ الوصيَّة بولاية النكاح إلى العبد والأنثى عند المالكية، ولكن لا يباشران العقد بأنفسهما، بل يوكّلان غيرهما ممن تصحُّ مباشرته له 3.

وأمَّا مذهب الحنابلة فلم أقف على نصّ صريح في هذا بالجواز ولا بالمنع، ولكن قياس مذهبهم المنع، لقولهم: إنّه يشترط في وكيل الوليِّ ما يشترط في الوليِّ نفسه، وباب الوكالة والوصيَّة عندهم واحد - أعني على الرواية المشهورة بصحة الوصية بالولاية في النكاح - وأمَّا على رواية المنع فالأمر ظاهر. والله أعلم.

1 انظر: المصادر السابقة.

2 انظر: المصادر السابقة.

3 انظر للمالكية: المدونة (2/158) ، والخرشي والعدوي (3/187-188) ، الشرح الكبير (2/230) ، المواق مع الحطاب (3/438) ، الزرقاني (3/181) ، منح الجليل (2/26) ، وبلغة السالك والشرح الصغير (1/360) .

ص: 195

"خلاصة هذا الفصل"

إنّ خلاصة ما سبق تفصيله في هذا الفصل من أسباب الولاية في النّكاح على الحرّة يمكن تلخيصه في النقاط التالية:

أولاً: إن أسباب الولاية على الحرة في النكاح يمكن حصرها في سبعة أسباب هي:

(1)

القرابة.

(2)

الولاء.

(3)

الكفالة.

(4)

الإسلام.

(5)

السلطان.

(6)

الوكالة من الوليِّ.

(7)

الوصيَّة من الوليِّ.

ثانيًا: إنَّ بعض هذه الأسباب تثبت بها الولاية أصالة، وبعضها نيابة عن الأصيل، فالأسبالب الأصلية خمسة:

(1)

القرابة.

(2)

الولاء.

(3)

الكفالة.

(4)

السلطان.

(5)

الإسلام.

وسببان بالنيابة وهما:

ص: 196

(1)

الوكالة.

(2)

الوصيَّة.

ثالثًا: إنَّ محلَّ الاتفاق في هذه الأسباب في أربعة مواضع:

ثلاثة أصلية هي:

(1)

عصبات النَّسب.

(2)

عصبات الولاء بالعتق.

(3)

السلطان.

وواحد بالنيابة: وهو الوكالة.

وأمَّا محلُّ الخلاف ففي خمسة مواضع: أربعة في الأسباب الأصلية وهي:

(1)

قرابة ذوي الأرحام.

(2)

والولاء بالموالاة.

(3)

والكفالة.

(4)

والإسلام.

وواحد بالنيابة: وهو الوصيَّة من الوليِّ.

رابعًا: مذاهب الفقهاء في ترتيب هذه الأسباب على النحو التالي:

أ- مذهب الشافعية والظاهرية وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين المشهورتين عن الإمام أحمد: أنَّ ولاية النكاح على الحرة تثبت بالأسباب الأربعة المتفق عليها لا غير وهي: ثلاثة أسباب أصلية هي على الترتيب:

ص: 197

(1)

عصبات النَّسب.

(2)

ثم عصبات الولاء بالعتق.

(3)

ثم السلطان.

والسَّبب الرَّابع المتَّفق عليه هو الثابت بالنيابة عن الوليِّ وهو: الوكالة

عن الوليِّ. ووكيل كلِّ وليِّ يقوم مقامه، وفي درجته من الترتيب.

ب- والرواية الثانية عن الإمام أحمد والتي عليها المذهب، هي تلك الأسباب المتفق عليها، وتزيد سبباً واحداً بالنيابة: وهو الوصيَّة، فوصيُّ كلِّ وليٍّ يقوم مقامه، كوكيله.

ج- مذهب المالكية: أنَّ ولاية النِّكاح تثبت بسبعة أسباب: خمسة أصلية وهي:

(1)

عصبات النسب.

(2)

ثم عصبات الولاء بالعتق.

(3)

ثم الكفالة.

(4)

ثم السلطان.

(5)

ثم الإسلام.

وسببان بالنيابة عن الوليِّ: وهما:

(1)

الوكالة.

(2)

والوصيَّة. إلاّ أنّه لا وصيَّة هنا لغير الأب.

ص: 198

وقد سبق أنَّ الترتيب بين الأولياء غير لازم، بل هو مستحب على المشهور عندهم، كذلك الأسباب في الأظهر1، إذا لم يكن هناك وليٌّ مجبر، وهو الأب في ابنته البكر أو الصغيرة مطلقًا، وكذلك وصيّة وقد قدَّمنا أنَّ الرَّاجح2 من مذاهب الفقهاء، هو اشتراط الترتيب بين الأولياء، كما هو مذهب الجمهور، كما أنَّ الراجح3 أنَّه لا وصيَّة لأب، ولا لغيره من الأولياء، طالما وجد هناك وليٌّ يستحقُّ الولاية أصالة با لعصوبه. والله أعلم.

وأمَّا الولاية العامة بالإسلام، فإن لم يوجد وليٌّ خاصّ ولا حاكم فقد تقدَّم أنَّ هذا لا ينفرد به المالكية دون غيرهم؛ إذ هو ضرورة لا محيد عنها.

وأمَّا مع وجود الوليِّ الخاصّ فقد تقدم أنَّه لا ولاية لأحد مع وجود الوليِّ الخاصّ، وأنَّه لا فرق بين دنيئة وشريفة في هذا.

د- مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله: هو أنَّ الولاية في النكاح تثبت بخمسة أسباب: أربعة أصلية، وواحد بالنيابة، أمَّا الأصلية:

(1)

فالقرابة مطلقًا- أي عصبة أو ذوي أرحام.

(2)

والولاء بالعتق.

1 انظر: المدونة (2/143-145) ، وشرح الحطاب على مختصر خليل (3/432) .

2 انظر: (2/133) .

3 انظر: (2/193) .

ص: 199

(3)

والولاء بالموالاة.

(4)

وا لسلطان.

وأمَّا السبب الخامس بالنيابة فهو: الوكالة، إلا أنَّه لا يلزم هنا أن يكون وكيل وليّ، بل قد يكون وكيل المرأة نفسها بناء على مشهور مذهبه أنَّها تزوّج نفسها.

وقد تقدَّم في فصل "الولاية على الحرّة المكلّفة" أنَّ الرَّاجح هو اشتراط الولاية على النِّساء مطلقًا في نكاحهنَّ، وأن حقَّهنَّ الرضى دون العقد، فالرضى لهنَّ والعقد لأوليائهنَّ إن كن من الحرائر المكلّفات.

وأمَّا أحقّيَّة ذكور ذوي الأرحام في الولاية فله وجه قويّ من النظر، سبق بيانه بشرطه، وهو عدم وجود العصبة مطلقًا، لا من النَّسب ولا من السبب أي الولاء بالعتق.

وأما مولى الموالاة: فشرط ولايته عند أبي حنيفة رحمه الله عدم وجود العصبة مطلقًا أيضًا أو ذوي الأرحام.

وترتيب هذه الأسباب عند أبي حنيفة رحمه الله كالتالي:

عصبات النسب، ثم عصبات الولاء بالعتق، ثم ذوي الأرحام ذكورًا وإناثًا، ثم مولى الموالاة، ثم السلطان1.

وأمَّا الوكيل فهو في درجة من وكله، وقائم مقامه. والله أعلم.

1 انظر: فتح القدير والعناية (3/285-286) .

ص: 200

"خاتمة هذا الفصل"

إذا لم يكن للمرأة وليٌّ ولا سلطان، فمن يزوِّجها؟

تقدَّم أنَّ الولاية على المرأة في النكاح شرط من شروط صحة النكاح، وأنَّه لا نكاح لها إلاّ بولي أو سلطان، ولكن قد لا يوجد - أحيانًا- وليٌّ ولا سلطان، فما الحكم حينئذ؟

إنّ هذه ضرورة تقدَّر بقدرها، ولا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها، والفقهاء لم يهملوا هذا التقدير على ندرته، فقد نصّ الشافعية- مع أنَّ مذهبهم أكثر المذاهب احتياطًا في هذا الباب- نصّوا على أنَّه يزوِّجها رجل عدل بإذنها، وفي اشتراط كونه مجتهدًا خلاف وتفصيل، اختار النووي رحمه الله عدم اشتراطه، وحمل بعضهم قول النووي على حالة السفر مع فقد القاضي، وذهب بعضهم إلى صحة ذلك حتى مع وجود الحاكم؛ لأنَّ هذا الرَّجل يكون محكَّمًا، والمحكَّم كالحاكم – على الصحيح من مذهبهم – إلاّ أنَّ المعتمد عدم صحة ذلك مع وجود الحاكم1.

وكذلك قال الحنابلة إنَّه يزوِّجها رجل عدل للضرورة؛ لأنَّ اشتراط الوليِّ هنا، كاشتراط الوليِّ من النَّسب في حقِّ من لا مناسب لها2.

1 انظر: للشافعية: مغني المحتاج (3/147) ، وتحفة المحتاج (7/237) ، ونهاية المحتاج

(6/224) .

2 انظر للحنابلة: المغني (7/ 352) ، والإنصاف (8/ 71) ، وكشاف القناع (5/52) .

ص: 201

وأمَّا المالكيَّة: فقد سبق قولهم في الولاية العامّة، وهي عندهم فرض كفاية على كلِّ مسلم ذكر، في حقِّ كلِّ مسلمة حرَّة1.

وإذا عضل السلطان فهو كعدمه، بل قيل: إنَّه لو امتنع من التزويج

إلا بدفع مال لا يحتمل كان عاضلاً أيضًا2 والله أعلم.

1 وراجع الولاية بالإسلام للمالكية (ص 178 وما بعدها) .

2 انظر: نهاية المحتاج (6/ 224-225) ، وكشاف القناع (5/52) ، والمبدع (7/33) ، وشرح منتهى الإرادات (3/18) ، والاختيارات الفقهية (ص205) ، والشرح الكبير مع الدسوقي (2/225) .

ص: 202