المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: خيار الأمة إذا عتقت تحت زوج - الولاية في النكاح - جـ ٢

[عوض بن رجاء العوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل السّابع: الولاية في النكاح على الأرقّاء

- ‌المبحث الأول: ثبوت الولاية في النكاح عليهم

- ‌المبحث الثَّاني: تزويج الأسياد أرقّاءهم

- ‌المبحث الثَّالث: تزويج الأرقّاء أنفسَهم

- ‌المبحث الرّابع: إجبار الأرقّاء على النّكاح

- ‌المبحث الخامس: خيار الأمة إذا عَتَقَتْ تحت زوج

- ‌الفصل الثامن: أسباب الولاية في النكاح

- ‌تمهيد: في بيان المقصود بأسباب الولاية في النِّكاح في هذا الفصل

- ‌المبحث الأوّل: في الولاية في النِّكاح بسبب القرابة

- ‌المبحث الثَّاني: الولاية في النِّكاح بالوَلَاء

- ‌المبحث الثاَّلث: ولاية السلطان في النّكاح

- ‌المبحث الرَّابع: الولاية في النِّكاح بالكفالة

- ‌المبحث الخامس: الولاية فى النِّكاح بالإسلام

- ‌المبحث السادس: الوكالة عن الوليّ في النكاح

- ‌المبحث السَّابع: الولاية في النِّكاح بالوصيّة

- ‌الفصل التاسع: شروط الوليّ في النكاح

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأوّل: اشتراط الذكوريّة في وليِّ النِّكاح

- ‌المبحث الثَّاني: اشتراط البلوغ في وليِّ النكاح

- ‌المبحث الثَّالث: اشتراط العقل في وليّ النِّكاح

- ‌المبحث الرَّابع: اشتراط الحرّيّة في وليّ النِّكاح

- ‌المبحث الخامس: اشتراط الإسلام فى وليّ النِّكاح

- ‌المبحث السادس: اشتراط العدالة في وليِّ النِّكاح

- ‌المبحث السّابع: اشتراط الرُّشْد في وليّ النكاح

- ‌المبحث الثَّامن: اشتراط كون الوليّ حلالاً

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس: خيار الأمة إذا عتقت تحت زوج

‌المبحث الخامس: خيار الأمة إذا عَتَقَتْ تحت زوج

إذا كان للأمة زوج فعتقت تحته فهو إمَّا أن يكون عبدًا أو حرّاً حينذاك.

فإن كان عبدًا فقد أجمع أهل العلم على ثبوت حقِّها في الخيار؛ فإن شاءت فسخت نكاحها منه، وإن شاءت بقيت على ما كانت عليه، فإذا اختارت البقاء معه لم يكن لها بعد ذلك حقّ في الفسخ؛ لأنّها أسقطت حقّها بنفسها.

والأصل في ثبوت الخيار للأمة حديث (بَرِيرَة) الصحيح، المشهور، حيث كانت أمة فأعتقت فخيّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها فاختارت نفسها1.

فقد قالت عائشة رضي الله عنها: كان في بَرِيرَة2 ثلاث سنن: عتقت فخيّرت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الولاء لمن أعتق"، ودخل

1 انظر: المغني لابن قدامة (7/591) .

2 بَرِيرَة- بفتح الموحدة وكسر الراء وإسكان التحتية، فراء ثانية، فهاء تأنيث، بزنة فعيلة، من البرير، وهو ثمر الأراك، قيل اسم أبيها: صفوان، وأنّ له صحبة، وقيل: كانت نبطيّة، وقيل: قبطية، وقيل: حبشية، مولاة عائشة، وكانت تخدمها قبل أن تشتريها. كذا في شرح الزرقاني للموطأ (3/180)، وانظر ما ذكره أيضًا من الخلاف في مواليها قبل ذلك في نفس الصفحة. وانظر ترجمتها في: الإصابة (4/251-252) ، والاستيعاب (4/249- 250) ، وطبقات ابن سعد (8/256- 261) .

ص: 37

رسول الله صلى الله عليه وسلم وبُرْمَة على النَّار فقرّب إليه خبز وأُدْمٍ1 من أُدْمِ البيت فقال: ألم أر البُرْمَة2 على النَّار؟ فقيل: لحم تُصدِّق به على بَرِيرَة، وأنت لا تأكل الصدقة، قال:"هو عليها صدقة، ولنا هديّة". وهذا الحديث رواه الأئمة: ما لك، وأحمد، والستة، والدارمي، وابن الجارود، والطحاوي، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم3 من طرق شتَّى وبألفاظ متقاربة تتَّفق

1 الأُدْم: بضم الهمزة وإسكان الدال المهملة- هو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان.

انظر: النهاية في غريب الحديث (1/31) .

2 البُرْمَة- بضم الموحدة وإسكان الراء- قال ابن الأثير: هي القدر مطلقًا. وجمعها: بِرام- (أي بكسر الباء) - وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن، وقد تكررت في الحديث اهـ. النهاية في غريب الحديث (1/121) .

3 تخريجه:

1-

مالك: (3/180 مع شرح الزرقاني) طلاق، باب ما جاء في الخيار.

2-

أحمد: (المسند 6/42، 46، 115، 170، 172، 175، 186، 209) .

3-

البخاري: بهذا اللفظ في كتاب الطلاق من الصحيح، باب الحرَّة تحت العبد (9/138الفتح) وفي مواضع أخر كثيرة منها في كتاب الطلاق، باب (9/410 الفتح) ، وهنا أطال ابن حجر في شرحه وتعداد فوائده.

4-

مسلم: (10/146-147 نووي) العتق، "باب بيان أنَّ الولاء لمن أعتق".

5-

أبو داود: (6/315 عون المعبود) طلاق، باب في المملوكة تعتق تحت حرّ أو عبد، وباب من قال حرًّا (6/316) وباب متى يكون الخيار (6/318) .

6-

الترمذي: (4/317-318 تحفة) الرضاع، باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج.

7-

النسائي: (6/162) طلاق، باب خيار الأمة، وباب خيار الأمة تعتق وزوجها حرٌّ (6/163منه) ، وباب خيار الأمة تعتق وزوجها مملوك (6/164) .

8-

ابن ماجه: (1/670- 671) طلاق، باب الأمة إذا أعتقت.

9-

الدارمي: (2/91مع تخريجه) طلاق، باب في تخيير الأمة تكون تحت العبد فتعتق.

10-

ابن الجارودي: (ص 247 مع تخريجه) طلاق.

11-

الطحاوي: (3/82 شرح معاني الآثار) نكاح، باب الأمة تعتق وزوجها حرٌّ، هل لها الخيار؟.

12-

الدارقطني: (3/288- 292) نكاح.

13 البيهقي: (7/220وما بعدها) ، باب الأمة تعتق وزوجها عبد، (7/223وما بعدها) باب من زعم أن زوج بَرِيرَة كان حرًّا يوم أعتقت.

وانظر كتب التخريج التالية:

نصب الراية (3/204-208) ، والتلخيص الحبير (3/202-203) ، وإرواء الغليل (6/272- 278، 320) .

ص: 38

جميعها على ثبوت خيار بَرِيرَة من زوجها، وتختلف في كون زوجها حرّاً أو عبدًا يوم أُعتقت، وبعضها أطول من بعض، وهو حديث له شأنه عند الفقهاء والمحدّثين حتى إن بعض المحدّثين قد أفرده بالتأليف وهو حقيق بذلك1.

وأمّا إن كان زوج الأمة حرّاً حين عتقت: فقد اختلف أهل العلم في ثبوت الخيار لها تحت زوجها الحرّ على قولين مشهورين:

1 انظر: شرح الزرقاني على الموطأ (3/180)، وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة بَرِيرَة: قد جمع بعض الأئمة فوائد هذا الحديث فزادت على ثلاث مائة، ولخصتها في فتح الباري.

انظر: الإصابة (4/252) ، وفتح الباري (9/411-416) .

ص: 39

القول الأوّل: أنّه لا خيار لها، وبه قال جمهور العلماء من المحدّثين والفقهاء، ومنهم الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد في القول المشهور عنه الذي عليه أصحابه1.

والقول الثَّاني: أنّه لها الخيار، وهو مذهب الحنفية، وروى عن بعض التابعين، وهو أيضًا مذهب ابن حزم الظاهري، ورواية عن الإمام أحمد2.

سبب الخلاف:

وسبب اختلاف العلماء في هذا يرجع إلى أمرين:

أوّلهما: اختلاف الرِّوايات عن عائشة رضي الله عنها في زوج بَرِيرَة حين أُعتقت: أكان حرًّا أم عبدًا؟

وثانيهما: المعنى المعلَّل به ثبوت الخيار للأمة،،أي تنقيح المناط، أهو ملك الأمة نفسها بالعتق؟ أم عدم كفاءة زوجها العبد لها بعد أن أصبحت حرَّة؟ أم غير ذلك؟. وإليك بيان ذلك بالتفصيل:

1 انظر: بداية المجتهد (2/40) ، وقوانين الأحكام الشرعية لابن جزي (ص 241-242) ، والإفصاح لابن هبيرة (2/134) ، والمغني لابن قدامة (7/591) ، والمهذب للشيرازي - (2/51-52) ، والمنهاج ومغني المحتاج (3/210) .

2 انظر للحنفية: الهداية وفتح القدير والعناية (3/402-403) وتبيين الحقائق (2/166-167)، والبحر الرائق (3/115) ولأحمد: المغني لابن قدامة (7/591)، وزاد المعاد (5/169) . ولابن حزم: المحلى (10/152) .

ص: 40

السبب الأوّل:

أمّا السبب الأوّل: وهو اختلاف الرِّوايات عن عائشة رضي الله عنها في زوج بَرِيرَة أكان عبدًا أم حرًّا يوم عتقت، فقد روى حديث عائشة هذا في تخيير بَرِيرَة حين عتقت ثلاثة نفر هم:

القاسم بن محمد "ابن أخيها"، وعروة بن الزبير "ابن أختها"،

والأسود بن يزيد1.

فأمّا القاسم فعنه روايتان:

إحداهما: أنَّ زوج بَرِيرَة كان عبدًا، رواها أحمد ومسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدرامي، والبيهقي، والدارقطني2.

والثَّانية: رواية شعبة. عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة. وفي هذه الرواية شكَّ عبد الرحمن بن القاسم حيث قال:"وزوجها حرٌّ أو عبد؟ قال شعبة: سألت عبد الرحمن عن زوجها؟ قال: لا أدري" هذا لفظ البخاري.

1 هو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، مخضرم، ثقة، مكثر، فقيه، روى له أصحاب الكتب الستة.

انظر: التقريب (1/77) ، وتهذيب التهذيب (1/342-343) .

2 انظر التخريج السابق: أحمد (المسند6/115، 180، 209) ومسلم (10/146 نووي) ، وأبو داود (6/316 عون المعبود) النسائي (6/165) ، ابن ماجه (1/671) ، الدارمي (2/91) ، الدارقطني (3/291- 292) ، البيهقي (7/220) .

ص: 41

وعند غير البخاري: "قال عبد الرحمن: كان زوجها حرًّا- أي بالجزم ثم قال شعبة: سألت عبد الرحمن عنها فقال: لا أدري". وهذه الرواية عن القاسم رواها: أحمد، والبخاري، ومسلم، والنسائي، والبيهقي1.

وأمَّا عروة بن الزبير: فلم تختلف روايته عن عائشة رضي الله عنها أنَّ زوج بَرِيرَة كان عبدًا، ولفظه: قالت: "وكان زوج بَرِيرَة عبداً فخيَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها، ولو كان حرًّا لم يخيِّرها". رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن الجارود، والطحاوي، والدارقطني والبيهقي2.

إلاّ أنَّ النسائي قال: "قال عروة: ولو كان حرًّا ما خيَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن حجر: قال الدارقطني في العلل: "لم يختلف على عروة أنّه كان عبدًا"3.

1 انظر: التخريج السابق: أحمد: (المسند6/172) ، والبخاري (5/203الفتح) ، ومسلم (10/146 نووي) والنسائي (6/165) ، والبيهقي (7/220) .

2 انظر التخريج السابق: مسلم (10/146نووي) ، وأبو داود (6/315 عون المعبود) ، والترمذي (4/317 تحفة) والنسائي (6/165) ، وابن الجارودي (ص 247) ، والطحاوي (3/82) ، والدارقطني (3/289- 292) ، والبيهقي

(7/221) .

3 فتح الباري (9/410) .

ص: 42

وأمّا ما رواه ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ إلى هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت:"كان زوج بَرِيرَة حرًّا1، فقال الحافظ ابن حجر: إنَّ هذا غلط، ونصُّ كلامه: "قلت: وقع لبعض الرُّواة غلط؛ فأخرج قاسم بن أصبغ في مصنفه، وابن حزم من طريقه قال: أنبأنا أحمد ابن يزيد المعلم، حدثنا موسى بن معاوية، عن جرير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة:"كان زوج بَرِيرَة حرًّا، هذا وهم من موسى، أو من أحمد، فإنّ الحفّاظ من أصحاب هشام، ومن أصحاب جرير، قالوا: كان عبدًا، منهم إسحاق بن راهويه، وحديثه عند النسائي، وعثمان بن أبي شيبة وحديثه عند أبي داود، وعلي بن حجر وحديثه عند الترمذي، وأصله عند مسلم وأحال به على رواية أسامة، عن هشام، وفيه أنَّه كان عبدًا" اهـ2.

وأمَّا ما رواه الأسود بن يزيد: عن عائشة رضي الله عنها، فلم تختلف روايته عنها أنَّ زوج بَرِيرَة كان حرًّا". رواه أحمد والستة إلا مسلمًا، ورواه الدارمي، والطحاوي، والدارقطني والبيهقي3.

1 المحلى لابن حزم (10/154-155) .

2 فتح الباري (9/410) .

3 انظر التخريج السابق: أحمد (المسند 6/42، 170،175، 186) ، والبخاري (9/10 فتح) ، وأبو داود (6/316 عون المعبود) ، والترمذي (4/317 تحفة) ، والنسائي (6/163) ، وابن ما جه (1/670) ، والدارمي (2/91) ، والطحاوي (3/82) ، والدارقطني (3/290)، والبيهقي (7/223-224) وقال: قد روينا عن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن، كلهم عن عائشة رضي الله عنها أنَّ زوج بَرِيرَة كان عبدًا (7/224) .

ص: 43

وبناء على هذا الاختلاف في الرِّوايات عن عائشة رضي الله عنها في حال زوج بَرِيرَة يوم أعتقت أكان عبدًا أم حرّاً؟ فقد اختلف العلماء في تصحيح تلك الرِّوايات جميعها، أو ترجيح بعضها على بعض، فمنهم من حكم لها بالصِّحة جميعها وجمع بينها، ومنهم من رجَّح رواية أنّه كان عبدًا، ومنهم من رجّح رواية أنّه كان حرًّا. وقد انتصر كلُّ ذي وجهة لوجهته بكلام يطول ذكره، ويصعب حصره في مثل هذا المقام، وحسبنا من كلِّ ذلك خلاصته.

فممَّن ذهب إلى طريقة الجمع بين تلك الرِّوايات: الطحاوي، وابن حزم الظاهري. وحجَّتهم أنَّ طريقة الجمع مقدّمة على طريقة الترجيح متى أمكن ذلك، والجمع هنا ممكن؛ وذلك بحمل رواية أنّه كان عبدًا على حاله قبل عتق زوجته، وحرًّا يوم عتقها، فمن قال: كان عبدًا حكى حاله السابقة، ومن قال كان حرّاً حكى حاله يوم عِتْق زوجته، وذلك أنَّ الرِّق تعقبه الحُرِّية بخلاف الحُرِّية فلا يعقبها رِقّ1.

ونوقش هذا الجمع بأنَّ بعض الرِّوايات الصحيحة صريحة في أن زوج بَرِيرَة كان عبدًا يوم أعتقت، وأنَّ القول بأنَّه كان حرًّا ليس من قول

1 انظر: شرح معاني الآثار (3/83) ، والمحلى (10/156) ، وقد أطال في بحث هذه المسألة فليراجعها من شاء.

ص: 44

يشاهد الواقعة كما سيأتي1

وأمَّا من ذهب إلى ترجيح رواية أنَّه كان عبدًا، فهم جمهور المحدّثين ومنهم الإمام أحمد، والبخاري، وابن حجر.

فأمّا الإمام أحمد فنقل عنه قوله: إنّما يصحُّ أنّه كان حرًّا عن الأسود وحده، وما جاء عن غيره فليس بذاك، وصحَّ عن ابن عباس وغيره أنَّه كان عبداً، ورواه علماء المدينة، وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصحّ، وإذا عتقت الأمة تحت الحرِّ فعقدها المتَّفق على صحَّته لا يفسخ بأمر مختلف فيه"2 اهـ.

وأمَّا البخاري فقد أورده في صحيحه من قول الأسود حيث قال:

قال الأسود: وكان زوجها حرًّا. ثم قال البخاري: وقول الأسود منقطع، وقول ابن عباس:"رأيته عبدًا أصحّ"3 اهـ.

ومعنى قول البخاري: منقطع: أي مدرج من كلام الأسود، وليس من كلام عائشة رضي الله عنها -كما قاله الحافظ ابن حجر وغيره4.

1 وانظر أيضاً: فتح الباري (9/410) ، (12/39-40) .

2 نيل الأوطار (6/173) ، وشرح الزرقاني على الموطأ (3/181) .

3 انظر: فتح الباري (12/41) كتاب الفرائض، باب ميراث السائبة، وحديث ابن عباس المشار إليه في كلام البخاري وأحمد سيأتي تخريجه في آخر هذا المبحث إن شاء الله تعالى.

4 انظر البخاري مع فتح الباري (12/40)، وانظر: إرواء الغليل (6/276) .

ص: 45

1.

وذكره مرَّة من قول الحكم2، ولفظه: "قال الحكم: وكان زوجها حرًّا. ثم قال البخاري: وقول الحكم مرسل3 اهـ.

أي غير مسند إلى عائشة رضي الله عنها4.

وأمّا الحافظ ابن حجر: فقد بسط القول في بيان طرق هذا الحديث ثم قال: فدلّت تلك الرِّوايات المتَّصلة التي قدَّمتها آنفًا على أنَّه من قول الأسود، أو من دونه، فيكون من أمثلة ما أدرج في أول الخبر، وهو نادر؛ فإنَّ الأكثر أن يكون في آخره، ودونه أن يقع في وسطه، وعلى تقدير: أنَّه كان موصولاً فترجَّح رواية من قال "عبدًا" بالكثرة، وأيضا فآل المرء أعرف بحديثه، فإن القاسم ابن أخي عائشة، وعروة ابن أختها، وتابعهما غيرهما فروايتهما أولى من رواية الأسود، فإنَّهما أقعد بعائشة، وأعلم بحديثها، والله أعلم. ويترجّح أيضًا بأنَّ عائشة كانت تذهب إلى أنَّ الأمة إذا أعتقت تحت الحرّ لا خيار لها، وهذا بخلاف ما رواه العراقيون عنها،

1 انظر البخاري مع فتح الباري (12/40)، وانظر: إرواء الغليل (6/276) .

2 هو: راوي هذا الحديث عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها. (انظر: فتح الباري 12/39-40) .

وهو الحكم بن عُتَيْبة- بالمثناة ثم الموحدة مصغَّرًا- أبو محمد الكندي الكوفي، ثقة ثبت فقيه، إلاّ أنه ربَّما دلس، روى له أصحاب الكتب الستة.

انظر: التقريب (1/192) ، وتهذيب التهذيب (2/432-434) .

3 انظر: البخاري مع فتح الباري (12/39) الفرائض، باب الولاء لمن أعتق.

4 انظر: فتح الباري (12/40) .

ص: 46

فكان يلزم على أصل مذهبهم أن يأخذوا بقولها، ويدعوا ما روي عنها، لا سيَّما وقد اختلف النقل عنها. اهـ1.

ثم أجاب الحافظ عن قول من قال: إنه "عبدًا" باعتبار ما كان بقوله: "وادّعى بعضهم أنّه يمكن الجمع بين الرِّوايتين بحمل قول من قال "كان عبدًا" على اعتبار ما كان، ثم أعتق؛ فلذلك قال من قال "كان حرًّا" ويردّ هذا الجمع ما تقدَّم من قول عروة: كان عبدًا ولو كان حرًّا لم تخيَّر". وأخرجه الترمذي بلفظ "أنَّ زوج بَرِيرَة كان عبدًا أسود يوم أعتقت"، فهذا يعارض الرِّواية المتقدِّمة عن الأسود، ويعارض الاحتمال المذكور احتمال أن يكون من قال "حرًّا" أراد ما آل إليه أمره وإذا تعارضا إسنادًا واحتمالاً احتيج إلى الترجيح، ورواية الأكثر يرجَّح بها، وكذلك الأحفظ، وكذلك الألزم، وكلُّ ذلك موجود في جانب من قال "كان عبدًا"2 اهـ.

1 فتح الباري (9/411، وانظر نحو هذا في: نيل الأوطار (6/173-174) ، وشرح الزرقاني على الموطأ (4/181) ، وتحفة الأحوذي (4/317-320) ، وعون المعبود (6/315-317) .

2 فتح الباري (9/411)، وانظر: نيل الأوطار (6/173-174) ، وشرح الزرقاني على الموطأ (3/181) ، وتحفة الأحوذي (4/317-320) ، وعون المعبود (6/315- 317) .

ص: 47

وأمَّا من ذهب إلى ترجيح كونه حرًّا: فهو ابن الهمام الحنفي في فتح القدير حيث قال: "هذا الحديث رواه عن عائشة ثلاثة: الأسود، وعروة، والقاسم، فأمَّا الأسود فلم يختلف فيه عن عائشة أنَّه كان حرًّا، وأمّا عروة فعنه روايتان1 صحيحتان: إحداهما: "أنّه كان حرًّا"، والأخرى "أنّه كان عبدًا"، وأمّا عبد الرحمن بن القاسم2 فعنه روايتان صحيحتان: إحداهما: "أنّه كان حرًّا"، والأخرى: "الشك"3.

1 كذا قال هنا، ومثله ابن القيم في زاد المعاد (5/168) .

وقد تقدم قول الدارقطني: إنّه لم يختلف على عروة أنَّ زوج بَرِيرَة كان عبدًا اهـ (انظر ما تقدم ص42) ولم أقف على رواية أخرى عن عروة أنَّ زوج بَرِيرَة كان حرًّا إلاّ الرواية التي ذكرها ابن حزم من طريق ابن أصبغ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن زوج بَرِيرَة كان حرًّا. وقد تقدم قول الحافظ ابن حجر: إنّها غلط؛ بسبب وهم بعض رواتها؛ لمخالفتها لروايات أصحاب هشام، وكذلك أصحاب جرير الراوي عن هشام، والله أعلم. (انظر ما تقدم ص43) . وقد نقل الشوكاني في نيل الأوطار هذه العبارة عن ابن القيم وقال: وقد عرفت مما سلف ما يخالف هذا. اهـ (6/173) .

2 كان المناسب هنا لكلامه السابق أن يقول: "وأمّا القاسم"، ولعلّه قد سبق ذهنه إلى من وقع منه الشك حقيقة وهو عبد الرحمن وليس أباه.

3 تقدَّم أن القاسم عنه روايتان: إحداهما: "أنه كان عبدًا" وهذه أصحّ وأشهر؛ لكثرة رواتها، والثانية:"أنّه كان حرًّا"، وهذه رواية شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، وهذه هي التي فيها الشك، فمرة جزم بأنَّه حرٌّ، ومرَّة قال: لا أدري. ولا شك في إمامة شعبة، حتى وإن خالفه الأكثر، ولكن علَّة هذه الرواية شك عبد الرحمن بن القاسم، وهذا ما نص عليه شعبة نفسه.

انظر ما تقدم (ص41) .

ص: 48

ثم قال: "والذي لا مردّ له من الترجيح أنَّ رواية "كان حرًّا" أنصّ من "كان عبدًا" لما قلنا، وتثبت زيادة، فهي أولى، وأيضًا فهي مثبتة، وتلك نافية للعلم، بأنّه كان حالته الأصلية الرّقّ، والنافي هو المبقيها، والمثبت هو المخرج عنها"1 اهـ.

وتعقّبه صاحب (تحفة الأحوذي) بقوله: "اعلم أنَّ روايات كون زوج بَرِيرَة عبدًا لها ترجيحات عديدة على روايات كونه حرًّا، ذكرت بعضًا منها فيما تقدّم، والباقي مذكورٌ في فتح الباري والنيل، والإمام ابن الهمام قد عكس القضيَّة بوجوه عديدة كلّها مخدوشة، ولولا مخافة طول الكلام لبيّنت ما فيها من الخدشات"2 اهـ.

وبهذا العرض المستفيض بالنِّسبة للمباحث الفقهية، والموجز بالنِّسبة لعلم الرِّجال والحديث، والذي أردت به بيان اختلاف الرواة عن عائشة رضي الله عنها في صفة زوج بَرِيرَة، أكان حرًّا أم عبدًا يوم أُعتقت، وبيان مواقف العلماء من تلك الروايات، فلا يخفى ما بين كلِّ وجهة وأخرى من تفاوت في تصحيح تلك الروايات وتوجيهها، ومحلُّ الحكم الشافي في ذلك كتب الرِّجال والحديث.

1 انظر: فتح القدير لابن الهمام (3/402) .

2 انظر: تحفة الأحوذي (4/320) ، ونيل الأوطار (6/173) .

ص: 49

وفيما تقدَّم من تخريجه والإحالة عليه كفاية بحمد الله.

والمختار من هذه الأقوال: هو قول أئمة الحديث: أنَّ زوج بَرِيرَة كان عبدًا يوم أُعتقت، فهم أهل الشأن والاختصاص، وحسبنا حكمهم في ذلك، وحسبنا أيضًا شهادة من رأى زوج بَرِيرَة يوم أعتقت رأي العين، ووصف لنا حاله وهو يبكي وراءها في سكك المدينة، وهو ابن عباس رضي الله عنهما ونصّ حديثه عند البخاري:"كان زوج بَرِيرَة عبدًا أسود يقال له "مُغِيث"1 عبدًا لبني فلان2، كأنّي أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة".

وفي لفظ آخر للبخاريِّ أيضًا: "أنَّ زوج بَرِيرَة كان عبدًا يقال له مُغِيث كأنّي أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته،

1 مُغِيث- بضم أوله وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم مثلثة-، وقيل: بفتح المهملة وتشديد التحتانية، وآخره موحدة، والأول أثبت، وبه جزم ابن ماكولا، كذا في فتح الباري (9/408) .

وانظر: ابن ماكولا (7/276) .

2 قيل: كان عبدًا لبني المغيرة، وفي رواية لآل المغيرة من بني مخزوم، وقيل: مولى أحمد بن جحش، وفي رواية عبدًا لآل أبي أحمد. وقيل: مولى بني مطيع. قال الحافظ: والأول أثبت لصحة إسناده، ويبعد الجمع؛ لأنَّ بني مغيرة من آل مخزوم كما في رواية هشيم، وبني جحش من أسد بن خزيمة، وبني مطيع من آل عدي بن كعب، ويمكن أن يدَّعى أنه كان مشتركاً بينهم على بعده، أو انتقل. انظر: فتح الباري (9/408) . وانظر ترجمته في الإصابة (3/451-452) ، والاستيعاب (3/453 مع الإصابة) .

ص: 50

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو راجعتِه؟ " قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: "إنّما أنا شافع"، قالت: لا حاجة لي به".

ورواه أيضًا: أحمد، وأبو داود والترمذي، وابن ماجه، والد ارمي، وابن الجارود، والطحاوي، والدارقطني، والبيهقي1.

ورواه أيضًا ابن سعد في الطبقات ولفظه كما في (إرواء الغليل) : "كان زوج بَرِيرَة يوم خيرت مملوكًا لبني المغيرة يقال له مُغِيث

2". ثم

1 تخريجه:

1-

أحمد: (المسند1/215، 281، 361) .

2-

البخاري: (9/406-408 الفتح) طلاق، باب خيار الأمة تحت العبد، وباب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في زوج بَرِيرَة.

3-

أبو داود: (6/313-315 عون المعبود) طلاق، باب في المملوكة تعتق تحت حرٍّ أو عبدٍ.

4-

الترمذي: (4/319 تحفة) الرضاع، باب ما جاء في الأمة تعتق ولها زوج.

5-

ابن ماجه: (1/671) طلاق، باب خيار الأمة إذا أعتقت.

6-

الدارمي: (2/91) طلاق، باب تخيير الأمة تكون تحت العبد فتعتق.

7-

ابن الجارود: (ص 247) طلاق.

8-

الطحاوي (3/82-83) الطلاق، باب الأمة تعتق وزوجها حرّ، هل لها

الخيار أو لا؟.

9-

الدارقطني: (3/293- 294) .

10-

البيهقي: (7/221وما بعدها) نكاح، باب الأمة تعتق وزوجها عبد.

2 انظر: الطبقات لابن سعد (8/260) .

ص: 51

قال الألباني: وإسناده صحيح. وفيه حجّة قاطعة على إبطال ما ذهب إليه الطحاوي وتبعه ابن1 التركماني من تصحيح رواية كونه "حرًّا"، والجمع بينهما وبين الرِّوايات القائلة بأنّه كان عبدًا: بأنّه كان حرًّا آخر الأمر في وقت ما خُيِّرت به بَرِيرَة، عبدًا قبل ذلك؛ فإنَّ رواية ابن سعد هذه صريحة في أنّه كان عبدًا في الوقت المذكور، فبطل الجمع المزعوم، وثبت شذوذ رواية الأسود المتقدّمة"2 اهـ.

السَّبب الثَّاني:

وأمّا السَّبب الثَّاني لاختلاف الفقهاء في ثبوت الخيار للأمة فهو تنقيح مناط إثبات الخيار لها، بقطع النَّظر عن زوج بَرِيرَة، أكان عبدًا أم حرًّا؟ وللعلماء فيه ثلاثة مذاهب:

أوّلها: أنّه زوال الكفاءة بين العبد والحرّ؛ فإنَّ الأمة بعد أن عتقت قد كملت بالحرّيّة فهي تستنكف أن تبقى تحت عبد، بخلاف ما إذا عتقت

1 انظر: الجوهر النقي لابن التركماني مع البيهقي (7/224) .

2 إرواء الغليل للألباني (6/277) .

ورواية ابن سعد هذه لا تختلف عن لفظ الترمذي، إلاّ أن في رواية ابن سعد هذه "كان مملوكًا" بدل "كان عبدًا"، ونصّ رواية الترمذي إن زوج بَرِيرَة كان عبدًا أسود لبني المغيرة يوم أعتقت بَرِيرَة، والله لكأنّي به في طرق المدينة ونواحيها، وإنّ دموعه لتسيل على لحيته. يترضاها لتختاره فلم تفعل" هذا حديث حسن صحيح. اهـ (4/319 تحفة) .

وقد تقدم في كلام الحافظ معزواً إلى الترمذي (انظر ص47) .

ص: 52

تحت حرّ فقد تساوت معه في الحرّيّة، فهي كالكتابية تسلم تحت زوجها المسلم. وهذا مذهب الجمهور1.

ونوقش هذا القول: بأنَّ الكفاءة إنّما تعتبر في الابتداء لا في الدَّوام2.

ثانيها: أنّها ملكت نفسها بالعتق، فلا فرق في ثبوت الخيار بين أن يكون زوجها حرًّا أو عبدًا، وهذا أقوى حجّة لمن أثبت الخيار للأمة إذا أعتقت تحت حرٍّ.

فقالوا: إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لبَرِيرَة: خيَّرتك لأنَّ زوجك عبد، وإنّما خيّرها فوافق أنّ زوجها كان عبدًا3.

بدليل ما روى في بعض ألفاظ حديث بَرِيرَة هذا نحو: "قد ملكت نفسك فاختاري"4.

وفي لفظ: "قد ملكت بُضْعك فاختاري"، وفي لفظ:"قد عتق معك بُضْعك" وفي لفظ: "اذهبي فقد عتق معك بُضْعك"5.

وقال ابن القيِّم رحمه الله: "إنَّ هذا التعليل هو أرجح المآخذ الثَّلاث

1 انظر: المغني لابن قدامة (7/592) ، وزاد المعاد لابن القيم (6/169) .

2 انظر: زاد المعاد لابن القيم (6/169) ، وفتح القدير لابن الهمام (3/402) .

3 انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (3/83) .

4 انظر: زاد المعاد لابن القيم (5/170) ، ونيل الأوطار (6/172) .

5 انظر هذه الألفاظ الثلاثة في فتح القدير لابن الهمام (3/403) .

ص: 53

وأقربها إلى أصول الشرع وأبعدها عن التناقض

1".

وقد ذكر قبل هذا: أنَّ مبنى الرِّوايتين عن الإمام أحمد إنّما هو في تحقيق مناط ثبوت الخيار، لا في الاختلاف في زوج بَرِيرَة أكان عبدًا أم حرًّا"2.

ثالثها: زيادة ملك الزوج عليها؛ فقد ملك عليها طلقة ثالثة لم يملكها بالعقد، وهذا تعليل لبعض الحنفيّة3.

ونوقش هذا التعليل: بأنّه ضعيف جدًا؛ فإنَّ للزوج ألَاّ يفارقها البتَّة ويمسكها حتى يفرق الموت بينهما، إذ إنّه عقد للعمر، فلا أثر لملكه عليها طلقة واحدة، مع أنَّ هذا مبنيٌّ على أنَّ الطلاق معتبر بالنِّساء، والصحيح أنّه معتبر بمن يملك الطلاق وهو الزوج4.

الرَّاجح:

والذي يظهر لي- والله أعلم- أنَّ ثبوت الخيار للمعتَقة تحت حرٍّ لا يخلو من نظر لما يلي:

1 انظر: زاد المعاد (5/170) .

2 نفس المصدر (5/169)، وانظر: الاختيارات لابن تيمية (ص223) ، وفتح القدير لابن الهمام (3/403) .

3 زاد المعاد (5/169) ، وفتح القدير (3/403) .

4 نفس المصدرين السابقين.

ص: 54

أوّلاً: أنَّ الحجّة في تخيير المعتقة هو حديث بَرِيرَة، وهو إنّما تقوم به الحجّة بعد ثبوت أنَّ زوجها كان حرًّا يوم أُعتقت، وقد عرفنا أنَّ الصحيح خلافه، وعلى هذا فقياس من عتقت تحت حرٍّ على من عتقت تحت عبد قياس مع الفارق بين الحرِّيَّة والرّقّ؛ فإنّه لا يخفى ما تشعر به الحرّة من النقص، والمذلّة تحت زوجها المملوك، بخلاف ما إذا كان زوجها حرًّا؛ فإنها تكون قد تساوت معه في الحرّيّة.

ثانيًا: أنّه ليس في حديث بَرِيرَة عموم، أو علّة منصوصة، فيعمل بعموم نصِّه أو علّته، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: إذا أعتقت الأمة فلها الخيار؛ ليشمل أزواج المعتَقات سواء أكانوا أحرارًا أم عبيدًا بقطع النظر عن واقعة الحال، بل كلُّ ما فيه أنّه صلى الله عليه وسلم خيّر بَرِيرَة، وكان زوجها عبدًا على الصحيح، وقال لها:"إن شئت أن تستقرِّى تحت هذا العبد، وإن شئت فارقْتِيه"1 رواه الدارقطني. وفي لفظ: "إن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد

" رواه أحمد والدارقطني- وهذا لفظه- والبيهقي2.

ودلالة هذا اللفظ على التعليل بعبودية زوجها أظهر من دلالة لفظ "ملكت نفسك فاختاري" أو: "ملكتِ بُضْعك فاختاري" على إثبات الخيار لها مطلقًا، ولو كان زوجها حرًّا لملّكها بُضْعها على فرض صحّة

1 الدارقطني: (3/288) .

2 أحمد: (المسند6/180)، والدارقطني:(3/289)، والبيهقي:(7/220) .

ص: 55

رواية "ملكت بُضْعك فاختاري". مع أننا لا نشكُّ أنّ بَرِيرَة قد ملكت نفسها وبُضْعها حين عتقت تحت زوجها العبد، أمّا غيره فغير لازم.

ثالثًا: أنَّ الأصل عدم الخيار، والرَّافع لهذا الأصل مختلف فيه، والتمسك بالأصل هنا هو الأحوط للنِّكاح المتَّفق على صحَّته، كما قال الإمام أحمد رحمه الله:"العقد صحيح؛ فلا يفسخ بالمختلف فيه، والحرّ فيه اختلاف، والعبد لا اختلاف فيه"1 اهـ والله أعلم.

1 انظر: المغني (7/592) ، وقد تقدم (ص45)

ص: 56