الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: الوكالة عن الوليّ في النكاح
إنّ الوكالة عقد شرعيّ، يصحّ في كلِّ ما تدخله النيابة شرعًا؛ فيقوم الوكيل مقام من وكّله1.
والذي يهمّنا في هذا المبحث منها: هو وكيل الوليّ، وهو: من استنابه الوليّ في تزويج مولِيَّته في حياته. فيقوم مقام الوليّ فيما وكِّل فيه في حضرة الوليّ وغيابه، ويثبت له ما يثبت للوليّ من الإجبار أو عدمه، وإنّما أخَّرته عن أسباب الولاية السابقة- مع أنَّ الوكيل في درجة من وكّله- لأنَّ تلك أسباب يملك بها الشخص الولاية على غيره شرعًا، بدون واسطة، بخلاف الوكيل فهو إنّما يستمدّ ولايته ممن وكّله من الأولياء.
ومن الأدلّة على ثبوت الوكالة في النّكاح مطلقًا.
1- ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنّه وكّل أبا رافع في تزويجه ميمونة رضي الله عنها ". وهذا الحديث رواه الإمام مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار فزوّجاه ميمونة بنت الحارث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة
1 انظر في معنى الوكالة ودليلها: فتح القدير لابن الهمام (7/499) ، وشرح الخرشي (6/68) وكشاف القناع (3/461) والمغني (5/201) ومغنى المحتاج (2/217) والتكملة الثانية للمجموع (14/92-94) .
قبل أن يخرج"1. وهذا إسناد صحيح ولكنّه مرسل كما في إرواء الغليل للألباني2. وسيأتي له مزيد تخريج في آخر البحث3.
2-
ولما روي أنَّه صلى الله عليه وسلم "وكّل عمرو بن أميّة الضمري في تزويجه أمّ حبيبة رضي الله عنها" رواه الحاكم والبيهقي4 وإسناده ضعيف5.
3-
ولأنَّ النِّكاح عقد معاوضة فجاز فيه التوكيل كالبيع6.
1 الموطأ مع شرح الزرقاني (2/272) ، الحج. باب نكاح المحرم.
2 انظر إرواء الغليل (6/252) .
3 انظر آخر مبحث من الفصل التاسع. وهو نكاح المحرم (260) .
4 تخريجه:
1-
الحاكم (4/22) كتاب معرفة الصحابة من المستدرك.
2-
البيهقي (7/139) . نكاح. باب الوكالة في النكاح.
5 في إسناد الحاكم: محمد بن عمر: وهو الواقدي. وهو متروك كما في التقريب (2/194) وانظر تهذيب التهذيب (9/363-368) . إلاّ أن له متابعًا عند البيهقي يتقوَّى به، ومع هذا فكلا الإسنادين مرسل عن محمد بن علي قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أميّة الضمري إلى النجاشي
…
) . ومحمد بن علي هذا: هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه المعروف بأبي جعفر الباقر، ثقة فاضل. مات سنة مائة وبضع عشرة، وقيل مولده سنة 56 هـ وقيل 45 هـ وقيل سنة 60 هـ. وحديثه عند أصحاب الكتب الستة وواضح أنَّه لم يدرك ذلك الزمن ولا أسنده عن صحابي. والله أعلم.
انظر ترجمته في التقريب (2/192) . وتهذيب التهذيب (9/350-352) .
وانظر من كتب التخريج: إرواء الغليل (6/253،5/282) والتلخيص الحبير
(3/57) .
6 انظر المغني لابن قدامة (7/353) .
وأمّا توكيل الوليّ على وجه الخصوص فلم أجد فيه نصّا ولا أثرًا عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، إلاّ ما روي أنَّ رجلاّ من العرب ترك بنته عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: إذا وجدت كفؤًا فزوّجه إيّاها ولو بشراك نعله، فزوّجها عمر بن الخطاب من عثمان بن عفان- رضي الله عنه فهي أمُّ عمرو بن عثمان "1 قال ابن قدامة - مستدلاًّ بهذا الأثر على التوكيل المطلق في النكاح- قال: واشتهر ذلك فلم ينكر" اه2
ومع هذا فإنَّ الوكالة عقد مجمع على صحته في الحقوق التي تدخلها النيابة شرعًا، والنكاح منها، وفي عموم أدلّة الوكالة مطلقًا، أو التوكيل في النكاح خاصَّة ما يغنى عن التنصيص على خصوص توكيل الوليِّ3، ولم
1 قال الألباني في تخريج منار السبيل: "لم أقف عليه"(6/254) .
2 انظر: المغني لابن قدامة (7/353) . ولم يعزه ابن قدامة، ولا غيره من الحنابلة لأحد.
3 انظر في هذا: مبحث الوكالة في النكاح في المصادر التالية:
الحنفية: الهداية وفتح القدير والعناية (5/305 وما بعدها) . والدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/95) .
وللمالكية: الكافي لابن عبد البر (1/425) وقوانين الأحكام الشرعية لابن جزي
(224)
. والشرح الكبير للدردير (2/231) .
وللشافعية: المنهاج ومغنى المحتاج (3/157-158) وتحفة المحتاج (7/ 261-
264) . ونهاية المحتاج (6/242-244) وروضة الطالبين (7/ 72-73) . وللحنابلة: المغني (7/352-354) . والإنصاف (8/83) وكشاف القناع (5/56-57) .
أر خلافاً للعلماء في صحة توكيل الولِّي، إلاّ أنَّه اشتهر عن الشافعية أنَّ الوليّ لا يوكِّل إلاّ بإذن المرأة المعتبر إذنها، على الصحيح عندهم، وهذا إذا لم يكن أبًا أو جدًّا معلّلين ذلك بأنَّ غير الأب والجدّ إنّما يملك التزويج بالإذن1. ومع أن هذا القول لا يعارض القول بصحّة توكيل الوليّ غيره في الأصل فهو مردود بالاتفاق على صحة توكيل الحاكم بدون إذن المرأة2، وبأن الولاية لا تتوقف أصلاً على إذن المرأة، بل هى ثابتة عليها شرعًا بدون إذنها، وإنَّما الذي يتوقَّف على إذنها لزوم العقد لها، سواء أكان العاقد وليّها أو وكيله3.
وعلى هذا فالوليّ يملك التوكيل فيما ثبت له من الولاية شرعًا، فحيث جاز للوليّ الإجبار كان ذلك جائزًا لوكيله، وحيث منع من الإجبار امتنع وكيله، فلا يملك الوكيل ما لا يملكه الأصيل، والولاية حقٌّ للولِّي، والإذن حقٌّ للمرأة، وتوكيل الولِّي في حقّه لا يسقط حقّها، ولا يتوقَّف على رضاها. والله أعلم.
1 انظر للشافعية نفس المصادر السابقة.
2 انظر المغني والشرح الكبير (7/353 والشرح 439) .
3 انظر المغني والشرح الكبير (7/353 والشرح 439) .
حكم التوكيل من حيث الإطلاق والتقييد.
وأمّا صفة توكيل الوليِّ من يزوّج مولِيَّته في حياته فهذا إن كان توكيلاً معيّنًا كأن يعيّن له الخاطب صحّ التوكيل، وليس للوكيل أن يتعدّى ما عيّن له اتِّفاقًا.
وأمَّا إن كان توكيلاً مطلقاً، كأن يقول له: وكَّلتك في تزويجها بمن شئت، أو بمن ترضاه، فقد اختلف العلماء في صحَّة ذلك على قولين:
أوّلهما: صحة ذلك أيضًا وهو مذهب الجمهور. واستدلّ لهم ابن قدامة بما روي أنَّ رجلاً من العرب ترك ابنته عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: إذا وجدت لها كفؤًا فزوّجه إيّاها ولو بشراك نعله، فزوّجها عمر من عثمان بن عفان رضي الله عنه فهى أم عمرو بن عثمان1. قال ابن قدامة:"واشتهر ذلك فلم ينكره منكر". ولأنَّه إذن في النكاح فجاز مطلقًا كإذن المرأة، أو عقد فجاز التوكيل فيه مطلقًا كالبيع "2 اه.
وثانيهما: أنَّه لا يصحّ. وهو أحد القولين للشافعية. إلاّ أنَّ الأظهر صحَّته، سواء كان الوليُّ مجبرًا أم غير مجبر، إلاّ أن غير المجبر مقيّد بصفة إذن المرأة فإن أذنت مقيّدًا لم يتجاوزه، وإن أطلقت الإذن له أن يطلق التوكيل في الأصحّ.
1لم أجد له تخريجًا. كما سبق التنبيه عليه قريباً (ص 183) .
2 المغني (7/353) .
وعلى هذا فإذا كان التوكيل مطلقاً فالمشهور في كتب المذاهب أنّه مقيّد بحسن النظر للمرأة في الكفاءة وغيرها، حتى قال بعض الشافعية: إنَّه لا يزوّجها- حينئذ- بكفء وقد خطبها من هوأكفأ منه، ولا بمهر المثل مع بذل أكثر منه1.
ومما تقدَّم يظهر رجحان القول بصحة التوكيل المطلق، كما يصحُّ المقيّد، وكذلك وجوب احتياط الوكيل للمرأة في الكفاءة وغيرها.
أمَّا صحّة التوكيل المطلق: فلأنَّ للنَّاس مقاصد في الإطلاق، كما لهم مقاصد في التقييد، ولا دليل على المنع.
وأمَّا وجوب الاحتياط للمرأة عند إطلاق التوكيل فهذا لا ينبغي أن يكون محلَّ خلاف؛ لأنَّ الإطلاق ينصرف إلى ما تعارف عليه النَّاس من طلب الكفاءة والمهر وحسن النظر، كما هو الشأن في الولي شرعًا، فكذلك وكيله، ولا نظر- غالبًا- في تزويجها بغير كفء، أو مع بخسها حقِّها في المهر، ونحوه من المقاصد الحسنة التي تعين على استقرار النكاح ولا تتعارض مع مقاصده الأصليَّه، إلاّ أن ترضى المرأة ووليّها بغير الكفء، أو ترضى المرأة بأقلِّ من مهر المثل؛ لأنَّه خالص حقِّها دون وليّها على الصحيح، فلا معنى حينئذ لإلزام الوكيل بما أسقطه صاحب الحقِّ. والله أعلم.
1 انظر في هذا المبحث نفس المصادر السابقة في التوكيل في النكاح.
وكذلك: الهداية وفتح القدير (3/314) . والكافي لابن عبد البر (2/123) وقوانين الأحكام لابن جزى (356) .