المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: تزويج الأرقاء أنفسهم - الولاية في النكاح - جـ ٢

[عوض بن رجاء العوفي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل السّابع: الولاية في النكاح على الأرقّاء

- ‌المبحث الأول: ثبوت الولاية في النكاح عليهم

- ‌المبحث الثَّاني: تزويج الأسياد أرقّاءهم

- ‌المبحث الثَّالث: تزويج الأرقّاء أنفسَهم

- ‌المبحث الرّابع: إجبار الأرقّاء على النّكاح

- ‌المبحث الخامس: خيار الأمة إذا عَتَقَتْ تحت زوج

- ‌الفصل الثامن: أسباب الولاية في النكاح

- ‌تمهيد: في بيان المقصود بأسباب الولاية في النِّكاح في هذا الفصل

- ‌المبحث الأوّل: في الولاية في النِّكاح بسبب القرابة

- ‌المبحث الثَّاني: الولاية في النِّكاح بالوَلَاء

- ‌المبحث الثاَّلث: ولاية السلطان في النّكاح

- ‌المبحث الرَّابع: الولاية في النِّكاح بالكفالة

- ‌المبحث الخامس: الولاية فى النِّكاح بالإسلام

- ‌المبحث السادس: الوكالة عن الوليّ في النكاح

- ‌المبحث السَّابع: الولاية في النِّكاح بالوصيّة

- ‌الفصل التاسع: شروط الوليّ في النكاح

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأوّل: اشتراط الذكوريّة في وليِّ النِّكاح

- ‌المبحث الثَّاني: اشتراط البلوغ في وليِّ النكاح

- ‌المبحث الثَّالث: اشتراط العقل في وليّ النِّكاح

- ‌المبحث الرَّابع: اشتراط الحرّيّة في وليّ النِّكاح

- ‌المبحث الخامس: اشتراط الإسلام فى وليّ النِّكاح

- ‌المبحث السادس: اشتراط العدالة في وليِّ النِّكاح

- ‌المبحث السّابع: اشتراط الرُّشْد في وليّ النكاح

- ‌المبحث الثَّامن: اشتراط كون الوليّ حلالاً

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثالث: تزويج الأرقاء أنفسهم

‌المبحث الثَّالث: تزويج الأرقّاء أنفسَهم

إنّ إنكاح الأرقاء يختلف صحَّة وبطلانًا باعتبارين:

أوّلهما: إذن المالك لمملوكه أو عدمه.

ثانيهما: ذكورة المملوك أو أنوثته كما تقدَّم في المالك.

وعلى هذا فالأمة لا تُنْكِح نفسها- عند الجمهور- مطلقًا، أذن لها وليُّها أم لم يأذن لها.

فأمَّا مع الإذن؛ فلأنَّها امرأة؛ ولا ينعقد النكاح بعبارة المرأة، وأمَّا مع عدم الإذن؛ فلعموم أدلّة الولاية على المرأة في النّكاح مطلقًا.

ولقوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِن} 1 فهذا شرط في صحَّة النِّكاح، وأيّ مملوك نكح بدون إذن وليّه فنكاحه باطل؛ لا تلحقه الإجازة.

وقال الحنفية: إن أذن لها مالكها، فنكاحها صحيح2.

وإن لم يأذن لها فهو موقوف على إجازة مالكها كعقد الفضولي3.

وروى عن الإمام مالك نحو قول الحنفية هذا إن لم تباشره الأمة بنفسها أو عقدته لها امرأة4.

1 سورة النساء آية رقم (25) .

2 انظر أحكام القرآن للجصاص (2/165) . وروح المعاني للآلوسي (5/9-10) .

3 انظر الكنز والبحر الرائق (3/147-148) . وتبيين الحقائق (2/132) .

4 انظر الكافي لابن عبد البر (1/448) .

ص: 20

فأمّا صحَّته عند الحنفية بإذن مالكها فالأنَّ للمرأة عندهم عبارة صحيحة في النِّكاح.

ولقوله تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِن} . فإنَّ ظاهرها اشتراط إذن المالك، وإذا أذن المالك للأمة في إنكاحها نفسها، أو أذن لامرأة في إنكاح أمته فهو داخل في عموم الآية1.

وقد ضعف الآلوسي وجهة الحنفية هذه فقال: "ادَّعى بعض الحنفية أنَّ الآية تدلُّ على أنَّ للإماء أن يباشرن العقد بأنفسهنَّ؛ لأنّه اعتبر إذن الموالى لا عقدهم، واعترض بأن عدم الاعتبار لا يوجب اعتبار العدم؛ فلعلَّ العاقد يكون هو المولى، أو الوكيل، فلا يلزم جواز عقدهنّ كما لا يخفى" اهـ2.

وأمَّا صحَّة عقد الأمة بإجازة سيِّدها- عند الحنفية- فلأنَّه عقد صدر من أهله مضافًا إلى محلّه، ولا ضرر في انعقاده، فينعقد موقوفًا على إجازة المولى له أو ردّه3.

هذا خلاصة وجهة كلا الفريقين، وظاهر أنّ سبب الخلاف يرجع إلى أمرين:

الأوّل: انعقاد النّكاح بعبارة النِّساء، وقد اخترنا أنّه لا يصحُّ.

1 انظر أحكام القرآن للجصاص (2/166) .

2 انظر روح المعاني للآلوسي (5/10) .

3 انظر الهداية وفتح القدير (3/307 وما بعدها) .

ص: 21

الثَّاني: صحة النكاح بالإجازة. وهذا مبنى على صحَّة عقد الفضولي إذا أجازه المولى أو المالك، وفيه خلاف للفقهاء، وليس هذا موضع بيانه.

والذي يظهر لي - والله أعلم -: أنَّ النِّكاح إذا صدر من غير وليٍّ أو مالك أو من يقوم مقامهما فهو باطل؛ لا يكون بالإجازة صحيحاً؛ لأن غير أولئك لا حقَّ لهم في عقدة النكاح أصلاً، فتقع تصرفاتهم في حقِّ غيرهم لغوًا، كما هو مذهب الشافعي رحمه الله، وقد تقدَّم الفرق بين عقد الوليِّ وعقد الفضوليِّ، في مسألة إذا أنكح الوليُّ من يعتبر إذنها بغير إذنها1. والله أعلم.

وأمَّا إنكاح العبد نفسه فقد أجمع العلماء على صحَّة إنكاحه نفسه

بإذن سيِّده2. وعلى أنَّه لا ينفذ له نكاح بغير إذن سيِّده3

وذلك لما رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "أيُّما عبد تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر"4.

وكذلك ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً "إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل"5.

فإنَّ مفهوم هذين الحديثين صحَّة نكاحه بنفسه إذا أذن له مولاه.

1 راجع آخر فصل استئذان "الحرّة المكلّفة".

2 القرطبي 5/142

3 نفس المصدر (5/141) .

4 تقدم تخريجه (ص7) .

5 تقدم تخريجه (ص8) .

ص: 22

وأيضًا فإنَّ العبد مكلّف، يصحّ طلاقه، وله عبارة صحيحة في النِّكاح، وإنّما منع لحق سيِّده، فإذا أذن له سيِّده جاز له ذلك، كالحرِّ1.

وأمَّا إن لم يأذن له مولاه فقد اختلف الفقهاء في صحَّة نكاحه على ثلاثة أقوال:

الأوّل: أنَّ نكاح العبد بغير إذن سيِّده باطل، ولا يصح بإجازة السيِّد. وهذا مذهب الشافعية، وأظهر الروايتين عن الحنابلة، وبه قال ابن حزم الظاهري2.

الثَّاني: أنَّه موقوف على إجازة السيِّد. وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والرِّواية الثَّانية عن الإمام أحمد3.

1 انظر المغني لابن قدامة (7/402) . وانظر الأم (5/41-42) . وروضة الطالبين (7/101) والمنهاج ومغني المحتاج (3/172) . والموطأ مع شرح الزرقاني (3/155) . والكافي لابن عبد البر (1/448) .

2 انظر للشافعية: المنهاج ومغني المحتاج (3/171) . وروضة الطالبين (7/101) والأم (5/41-42)، وللحنابلة: المغني (7/410) ولابن حزم المحلى (9/467-468) .

3 انظر للحنفية: الهداية وفتح القدير والعناية (3/) . وتبيين الحقائق (2/132) . والبحر الرائق (3/147-148) . وللمالكية: الموطأ مع الزرقاني (3/155) والمنتقى على الموطأ (3/337-338) . والكافي لابن عبد البر (1/447-448) . والشرح الكبير (242-243) .

ولأحمد: المغني لابن قدامة (7/410) .

ص: 23

الثَّالث: أنَّه صحيح. وهذا القول قد عزاه بعض شراح الحديث لداود الظاهري1.

الأدلّة:

فأمّا من أبطل نكاح العبد بغير إذن سيِّده ولم ير جوازه بالإجازة فقد استدلّ بما يلي:

1-

حديث جابر المتقدم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّما عبد تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر"2.

فقالوا: لقد حكم هذا الحديث على العبد إذا نكح بغير إذن سيِّده أنّه عاهر، والعاهر الزَّاني، والزِّنى باطل، وإذا وقع العقد باطلاً لم يكن بالإجازة صحيحاً3.

وقد أجيب عنه: بأنّه يكون عاهرًا إذا لم تحصل الإجازة، كما أنَّ تسميته عاهرًا مجاز لا حقيقة؟ بدليل أنّه لا يرجم إذا زنى، ولا يكون عاهرًا بمجرَّد العقد4.

1 انظر سبل السلام (3/123) . ونيل الأوطار (6/171) وعون المعبود (6/92.

2 تقدم تخريجه (ص7) .

3 انظر: سبل السلام (3/123- 124) ونيل الأوطار (6/171) وتحفة الأحوذي (4/249) . وعون المعبود (6/92) وبلوغ الأماني شرح المسند (16/156) .

4 انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/166) . وسبل السلام (3/124) .

ص: 24

إلاّ أنَّ القول بالإجازة لا تلزم الشَّافعي ومن وافقه، ممن لا يقول بالإجازة أصلاً، مع أنَّ الإجازة خلاف ظاهر الحديث1.

وأمّا أنّ العبد لا يرجم إذا زنى؛ فلدليل آخر، وأمَّا أنه لا يسمّى عاهرًا إذا لم يطأ، فذلك ليس دليلاً على صحَّة عقده، وأمّا إذا وطئ ففي تسميته زانيًا خلاف، وإسقاط الحدّ عنه - عند من قال إنّه زان - للشبهة، كالجهل بالحكم ونحوه، وممن قال بأنّ العبد إذا نكح بغير إذن سيِّده زان، ابن عمر رضي الله عنه، وقال به من الفقهاء أبو ثور، وابن حزم وغيرهما2.

2-

حديث ابن عمر السابق "إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل" فهذا الحديث- إنَّ صحّ رفعه فهو مفسِّر لحديث جابر رضي الله عنه، وصريح في إبطال نكاح العبد بغير إذن سيِّده.

وأمّا إن كان موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنه أي من قوله- فإنَّ له حكم الرَّفع؛ إذ إنَّ مثله لا يقال بالاجتهاد، وقد اشتهر عن ابن عمر رضي الله عنه أنّه يرى أنَّ نكاح العبد بغير إذن سيِّده زنى، وأنَّه يحدُّ فيه كما تقدَّم3.

1 انظر سبل السلام (3/124) .

2 انظر تفسير القرطبي (5/141) . والمحلى (9/467) . ونيل الأوطار (6/171) .

3 تقدم (ص11 وما بعدها) .

ص: 25

وأمّا من جعل نكاح العبد بغير إذن سيِّده موقوفًا على إجازة السيِّد - وهم الحنفية والمالكية - فهذا بناء على صحَّة النِّكاح بالإجازة. وهذا ظاهر على أصل مذهب الحنفية في إجازة عقد الفضولي إذا كان للعقد مجيز، وحجَّتهم في ذلك: أنَّه عقد صدر من أهله مضافًا إلى محلّه، ولا ضرر في انعقاده، فينعقد موقوفاً حتى إذا رأى المجيز المصلحة فيه نفذه1، وقياسًا على صحَّة إجازة المرأة نكاحها إذا زوّجها وليّها بغير إذنها، كما جاء في حديث الفتاة التي زوّجها أبوها وهي كارهة، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أعلم: أللنِّساء من الأمر شيء أم لا؟ 2. وقد تقدَّم تخريجه3

وأمّا المالكيَّة فقد قال الباجي في توجيه مذهبهم هذا: لأنّه عقد باشره من يصحُّ عقده، وإنّما فيه الخيار للسيِّد؛ لتعلُّق حقّه بمنافعه، والخيار إذا ثبت بالشرع دون الشرط لم يمنع صحَّة النِّكاح، كخيار الرَّد بالعُنّة والجذام، والبرص، والجنون"4.

وقد أشار بعض الفقهاء إلى أنَّ هناك فرقًا بين مذهب الحنفية والمالكيَّة في هذه المسألة وهو: أنَّ عقد العبد بغير إذن مولاه غير نافذ عند

1 انظر الهداية وفتح القدير والعناية (3/308) ، والبحر الرائق (3/148) وتبيين الحقائق (2/132) .

2 انظر تبيين الحقائق (2/132) .

3 تقدم (1/177) .

4 انظر المنتقى للباجي (3/338) .

ص: 26

الحنفية، ولكنَّه عقد نافذ عند المالكيَّة؛ ولذلك يحتاج إلى الفسخ بطلقة عند المالكيَّة دون الحنفية1.

وهذا فرقٌ مهمٌّ ينبغي ملاحظته في كلِّ ما يشبه هذه المسألة؛ فإنَّ المالكيَّة يستعملون عبارة الخيار والفسخ كثيرًا في المسائل التي يستعمل فيها الحنفية عبارة الوقف والإجازة. والله أعلم.

وأمّا ما نُسِب2 إلى داود الظاهري من أنَّ نكاح العبد بغير إذن سيِّده صحيح.

فقيل: هذا بناء على أصله وهو: أنَّ النِّكاح فرض عين - عنده- وفروض العين لا تفتقر إلى الإذن.

قال الشَّوكاني: "وهو قياس في مقابلة النَّصِّ"3. واعتذر له الصنعاني في سبل السلام بأنَّه ربَّما لم يثبت لديه الحديث"4.

1 انظر الكافي لابن عبد البر (1/448) . والمنتقى للباجي (3/338) .

وتبيين الحقائق (2/132) ومغني المحتاج (3/171) ونيل الأوطار (6/171) .

2 يلاحظ أنَّ القرطبي قد عدّ داود الظاهري من جملة من قال بأنّ نكاح العبد بغير إذن سيّده باطل، وهذا يخالف ما عزاه إليه كثير من شراح هذا الحديث على أنّ ابن حزم، لم ينصَّ صراحة على مذهب داود في هذه المسألة على خلاف عادته. والله أعلم. انظر تفسير القرطبي (5/141) .

3 نيل الأوطار (6/171) .

4 سبل السلام (3/123) .

ص: 27

هذا خلاصة ما قيل في توجيه مذاهب الفقهاء في نكاح العبد بغير إذن سيِّده. والذي يظهر لي- والله أعلم- أنَّ أرجحها هو القول الأوّل: وهو أنََّّ نكاح العبد بغير إذن سيِّده باطل؛ لا تلحقه الإجازة.

وأمّا قياسه على خيار الفسخ بالعيب، فهو قياس مع النَّصِّ، ومثله فاسد الاعتبار.

وأمّا قياسه على عقد الفضولي، فالخلاف في صحَّته مشهور، وقد اخترنا أنَّ أيّ نكاح لم يعقده الوليّ أو المالك، أو من يقوم مقامهما فهو باطل، لا يكون بالإجازة صحيحاً.

وأمّا قياسه على إجازة المرأة لنكاح عقده وليّها بدون إذنها، فهو قياس مع الفارق بين نكاح عقده من يملك عقدته وبين نكاح عقده من ليس له حقّ في عقده، كما تقدَّم بيان ذلك في مسألة "إذا أنكحت المرأة المعتبر إذنها بغير إذنها"1. والله أعلم.

1 انظر آخر فصل استئذان الحرّة المكلفة (1/ص 359 وما بعدها) .

ص: 28