الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: اشتراط العدالة في وليِّ النِّكاح
أوّلاً: هل العدالة وعدم الفسق بمعنى واحد؟ أو أنَّ بينهما فرقًا؟
إنَّ كون الوليِّ عدلاً من الصفات الحميدة الباعثة على ملازمة التقوى، فالوليُّ العدل في دينه المجانب لأسباب الفسق مؤتمن على تحصيل الخاطب الكفء الصالح في دينه لمن له عليها الولاية، وذلك لميله إلى أمثاله من أهل الصلاح والتقوى، وهذا بخلاف ما إذا كان الوليُّ فاسقًا غير عدل في دينه فهو إلى الميل إلى أمثاله من أهل الفسوق والمجون أقرب، وبهذا تعظم مصيبة المرأة به في دينها، وكلُّ مصيبة دون ذلك تهون، ولذلك قيل:1 إنَّ الوليَّ إذا كان فاسقًا متهتِّكاً غير مبال بما تنسب إليه وليّته فلا ولاية له عليها اتفاقاً، وهذا مما لا ينبغي أن يكون محلَّ خلاف. وإنَّما الخلاف في ولاية الفاسق الذي لديه شيء من الأنفة على صيانة عرضه، والحرص على طلب الحظّ لمن كانت له عليها الولاية. وقبل الشروع في بيان مذاهب الفقهاء في اشتراط العدالة في وليِّ النكاح ينبغي التنبيه إلى ملحظ لبعض الفقهاء في معنى العدالة وعدم الفسق، وهو:
1 انظر فتح القدير لابن الهمام (3/285) وحاشية ابن عابدين (3/77) ومنح الجليل
(2/24) .
هل العدالة وعدم الفسق بمعنى واحد؟ أو أن بينهما فرقًا؟
إنّ التفريق بينهما للشَّافعية، فالمشهور عندهم أنَّ الشرط هو عدم الفسق، لا تحقّق العدالة، ولا يلزم من كون الوليِّ غير فاسق أن يكون عدلاً.
وأمّا غير الشافعية ومنهم أصحاب المذاهب الثلاثة فالعدالة والفسق عندهم ضدَّان هنا؛ فالعدالة شرط، والفسق مانع، ولا واسطة بينهما، وعلى هذا فلا فرق بين قولنا: يشترط في الوليِّ أن يكون عدلاً، وقولنا: يشترط ألاّ يكون فاسقاً.
ووجهة الشافعية في التفريق بينهما: أنَّ الفسق يتحقَّق عندهم بارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة، ولم تتغلَّب طاعات صاحبه على معاصيه.
وأمَّا العدالة: فهي ملكة تحمل على ملازمة التقوى، وبين العدالة والفسق واسطة يدل عليها: أنَّ الصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم ولم تصدر منهما كبيرة، ولم تحصل لهما تلك الملكة، لا يوصفان بعدالة ولا فسق1.
والمتأمّل لمعنى العدالة وعدم الفسق لا يعدم فرقاً بينهما، إلاّ أنّه فرق اصطلاحيّ، ولا مشاحّة في ذلك، وإنّما ذكرته لبيان المراد من إطلاق
1 انظر للشافعية في هذا المعنى: مغني المحتاج (3/155) وتحفة المحتاج (7/256) ونهاية المحتاج (6/239) .
العدالة، أو عدم الفسق عند الفقهاء في هذا المبحث وما أشبهه. والله أعلم.
والمراد بالعدالة أو عدم الفسق هو: وجود العدالة، أو انتفاء الفسق
ظاهرًا لا باطنًا على الصحيح. وعلى هذا فيكتفى بمستور الحال1.
وقيل: بل تشترط العدالة، أو انتفاء الفسق، ظاهرًا وباطنًا، ولا يخفى صعوبة تحقيق ذلك باطناً. والله أعلم2.
ثانياً: مذاهب الفقهاء فى ولاية الفاسق.
وأمَّا مذاهب الفقهاء في ولاية الفاسق فيمكن حصرها بالتتبُّع في التَّالي:
أوّلاً: أنّه لا ولاية لفاسق في النكاح مطلقًا.
وهذا هو المعتمد في مذهب الشافعية3، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وعليها المذهب4.
1 انظر للحنابلة: الإنصاف (8/74) وكشاف القناع (5/54)، والمبدع (7/35) . وللشافعية: مغني المحتاج (3/155) وتحفة المحتاج (7/256) ، ونهاية المحتاج
(6/239) .
2 نفس المصادر السابقة.
3 انظر الإفصاح لبيان مذهب الشافعي وبقية الأئمة الأربعة (2/115)، وانظر من كتب الشافعية: المنهاج ومغني المحتاج (3/155) وتحفة المحتاج (7/255) . ونهاية المحتاج (6/238) . وروضة الطالبين (7/64) ، وتكملة المجموع الثانية (16/158-159) .
4 انظر: المغني (7/357) والإنصاف (8/73- 74) والمبدع (7/35) ، وكشاف القناع (5/54) .
ثانيًا: صحَّة ولايته في النِّكاح. وهذا مذهب الحنفية والمالكية، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد وقول للشافعية قيل: إنَّ الفتوى عليه عند أكثر المتأخِّرين1.
إلاّ أن المشهور من مذهب المالكية أنَّ عدم الفسق شرط كمال، وهل المراد به عندهم تقديم العدل الأبعد على الفاسق الأقرب؟ أو تقديم العدل على الفاسق المساوي له في الرتبة؟ ظاهر كلام شراح المختصر أن المراد الثَّاني2. وكأنَّ هذا- أعني كون عدم الفسق شرط كمال- تفسير لما يروى في المذهب من الاختلاف في صحّة ولاية الفاسق3. والله أعلم.
ثالثًا: أنَّه إن كان الفاسق لو سلب الولاية لانتقلت منه إلى حاكم فاسق صحت ولايته، وإلاّ فلا.
1 انظر للحنفية: بدائع الصنائع (3/1348) . وفتح القدير (3/285) .
وللمالكية: الخرشي والعدوي (3/187) والشرح الكبير والدسوقي (2/ 230) والمواق والحطاب (3/438) ومنح الجليل (2/24) والفواكه الدواني (2/ 22) وشرح الباجي للموطأ (3/272) . وللشافعية والحنابلة: المصادر السابقة.
2 انظر نفس المصادر السابقة للمالكية.
3 انظر مثلاً: الحطاب (3/438) قوانين الأحكام لابن جزي (224) .
وبهذا أفتى الغزالي من الشافعية وقال: "ولا سبيل إلى الفتوى بغيره؛ إذ قد عمّ الفسق البلاد والعباد، وقال النووي: وهذا الذي قاله حسن وينبغي أن يكون العمل به، واختاره ابن الصلاح1 في فتاويه.
وقال الأذرعي2: ليس هذا مخالفة للمشهور عن العراقيين والنصِّ والحديث، بل ذلك عند وجود الحاكم المرضيِّ العالم الأهل، وأمَّا غيره من الجهلة والفسِّاق فكالعدم، كما صرَّح به الأئمة في الوديعة وغيرها"اهـ3.
وقد عقّب عليه الشربيني4 الخطيب بقوله: "والأوجه إطلاق المتن- (يعني عدم ولاية الفاسق مطلقاً) - لأن الحاكم يزوِّج للضرورة، وقضاؤه
1 ابن الصلاح: هو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح شافعي محدّث مفسر فقيه أصولي نحوي عارف بالرجال مشارك في علوم عديدة المتوفى سنة 643 هـ. انظر ترجمته في الأعلام (4/369) ، ومعجم المؤلفين (6/257) وطبقات الشافعية للسبكي (5/137-142) .
2 الأذرعي: هو أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد أبو العباس شهاب الدين الأذرعي فقيه شافعي ولد بأذرعات بالشام، له تصانيف كثيرة في فقه الشافعية، توفي سنة 783 هـ. انظر ترجمته في الأعلام (1/117) ومعجم المؤلفين (1/210-211) .
3 انظر جميع النص المتقدم في مغنى المحتاج (3/155) . وانظر أيضاً تحفة المحتاج (7/255) ونهاية المحتاج (6/239) ، وروضة الطالبين (7/64) .
4 الخطيب الشربيني: هو محمد بن أحمد الشربيني الشافعي المعروف بالخطيب الشربيني صاحب مغني المحتاج في شرح المنهاج للنووي، توفي سنة 977 هـ.
انظر ترجمته في الأعلام (6/234) ومعجم المؤلفين (8/269) .
نافذ" اهـ1.
رابعاً: أنَّه يلي إن كان مجبرًا. وهذا قول للشافعية2، والمقصود بالمجبر عندهم: الأب والجدّ فيما لهما إجباره، كالصغيرة والبكر.
خامساً: أنّه يلي إن لم يكن مجبرًا، عكس الأول. وهو قول لهم أيضًا3.
سادساً: أنّه يلي إن كان فسقه بغير شرب الخمر، وهو قول لهم أيضًا4.
سابعاً: أنّه يلي إن كان متستِّرًا غير معلنٍ بفسقه، وهو قول لهم أيضا5.
الأدلّة:
أ- أدلّة القول بعدم ولاية الفاسق.
استدلّ القائلون بعدم ولاية الفاسق بما يلي:
أوّلاً: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "لا نكاح إلا بوليٍّ مرشد
1 مغني المحتاج له (3/155) .
2 انظر كل هذه الأقوال في روضة الطالبين (7/64) ، وانظر كذلك التكملة الثانية للمجموع (16/159) .
3 نفس المصدرين السابقين.
4 نفس المصدرين السابقين.
5 نفس المصدرين السابقين.
وشاهدي عدل" رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما1.
وفي لفظ للدارقطني والبيهقي: "لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل، وأيُّما امرأة أنكحها وليٌّ مسخوط عليه فنكاحها باطل"2.
وفي لفظ ثالث للبيهقي: "لا نكاح إلاّ بولي أو سلطان، فإن أنكحها سفيه أو مسخوط عليه فلا نكاح له"3.
وقد نقل عن الشافعي رحمه الله قوله: "والمراد بالمرشد في الحديث العدل"4، أي أنَّ الفاسق غير رشيد.
ولكن نوقش هذا الحديث من جهة إسناده ودلالته على هذا.
1 تخريجه:
1-
الدارقطني (3/ 221- 222) . نكاح.
2-
البيهقي (7/112) نكاح. آخر باب لا نكاح إلا بولي"، عن طريق الشافعي موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنه (7/124) باب لا نكاح إلا بولي مرشد من طرق مرفوعاً وموقوفاً..
وانظر من كتب التخريج: إرواء الغليل (6/239- 240،251) ، والتلخيص الحبير
(3/186) ونصب الراية (3/188) .
2 الدارقطني (3/222) والبيهقي (7/124) .
3 البيهقي (7/124) .
4 انظر: مغني المحتاج (3/155) .
فأمَّا الإسناد فالصحيح فيه أنّه موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما، كما رواه البيهقي من طريق الشافعي وغيره1، وأمَّا المرفوع فضعيف، كما قاله الدارقطني والبيهقي وغيرهما2.
وأمَّا عدم دلالته على اشتراط العدالة سواء أكان مرفوعاً أم موقوفاً؛ فلاحتماله أن يكون المراد به غير العاقل3، ولكن بقيَّة ألفاظ هذا الأثر دالّة على أنَّ المراد "بالمرشد" هنا نوع خاصٌّ من العقلاء، وأصرحها لفظ "فإن أنكحها سفيه أو مسخوط عليه". فهذا ظاهر الدلالة على أنّه قصد "بالمرشد" هنا نوعاً خاصّاً من العقلاء لا تحمد تصرفاتهم. والله أعلم.
ثانيًا: ما رواه أبو بكر البرقاني4 بإسناده إلى جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلاّ بولي مرشد وشاهدي عدل"، كذا
1 البيهقي: (7/112، 124) .
2 انظر: الدارقطني (3/222) ، والبيهقي (7/124) ، وما تقدم من كتب التخريج.
3 انظر بدائع الصنائع (3/1349) .
4 هو الحافظ أبو بكر: أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي المعروف بالبرقاني المتوفى سنة 425 هـ. صنف التصانيف ومنها مستخرج على الصحيحين، ومسند ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري وأيوب وغيرهما. كذا في معجم المؤلفين بتصرف (2/74) ، وانظر الأعلام
(1/205) والرسالة المستطرقة في علوم السنة المشرفة للكتاني (24) ، وتذكرة الحفاظ (3/1074-1076) .
في المغني لابن قدامة وغيره من كتب الحنابلة1 ولم أقف له على تخريج، فإن صحّ فهو شاهد لما سبق عن ابن عباس رضي الله عنهما.
ثالثاً: ولأنَّ ولاية النِّكاح ولاية نظر، فلا تثبت لفاسق، كولاية المال2.
رابعاً: ولأنَّ الفسق عيب قادح في الشهادة فكذلك الولاية3.
ب- وأمَّا أدلّة القول بصحَّة ولاية الفاسق فهي:
أوّلاً: عموم قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} 4، وهذا خطاب للأولياء بدون فرق بين عدل وفاسق5. كذا قيل، ولكن لا يلزم من عدم التفصيل في الآية صحّة ولاية الفاسق؛ وإلاّ لأبطلت جميع الشروط في الوليِّ مع أنَّ بعضها ثابت بالإجماع - كالعقل- بحجّة عدم ذكرها في الآية؛ فإنّه ليس في الآية ما يدلّ على شيء منها سوى الذكوريّة باعتبار الخطاب للمذَّكر، وقد نازع في اشتراطه من استدلّ بها هناكالحنفية.
1 المغني والشرح الكبير (7/357 والشرح 426) . والمبدع (7/35) .
2 انظر المهذب للشيرازي (2/37) والمغني (7/357) والمبدع (7/35) .
3 انظر: مغني المحتاج (3/155) وبدائع الصنائع (3/1348) .
4 سورة النور آية رقم (32) .
5 انظر بدائع الصنائع (3/1348) والتكملة الثانية للمجموع (16/159) .
ثانيًا: أنَّ الفسقة لم يمنعوا من التزويج في العصور المفضَّلة، ولا فيما بعدها1.
بل قد يدَّعَى الإجماع على ذلك كما قال الكاساني: "ولنا إجماع الأمّة أيضًا، فإنَّ الناس عن آخرهم عامّهم وخاصّهم من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يزوّجون بناتهم من غير نكير من أحد"2.
ثالثًا: ولأنَّ الفاسق يلي نكاح نفسه، فثبت له الولاية على غيره كالعدل3.
وردّ بالفرق بين تزويجه نفسه وولايته على غيره؛ فإنَّ غاية ما في تزويجه نفسه أن يضرَّ بها، ويحتمل في حقِّ نفسه ما لا يحتمل في حقّ غيره؛ ولهذا يقبل إقراره على نفسه ولا تقبل شهادته لها4.
رابعاً: ولأنَّ سبب الولاية القرابة، وشرطها النظر، والفاسق قريب ناظر، والفسق لا يقدح في تحصيل النظر، ولا في الدَّاعي إليه وهو الشفقة5.
ولذا قيل: إنَّ الوازع الطبعيّ أقوى من الوازع الشَّرعيِّ6.
1 انظر: مغني المحتاج (3/155) ونهاية المحتاج (6/239) .
2 بدائع الصنائع (3/1348) .
3 انظر: المغني (7/357) والمبدع (7/ 35) وبدائع الصنائع (3/1348) .
4 انظر مغني المحتاج (3/155) .
5 انظر المغني (7/357) ، وبدائع الصنائع (3/1348) .
6 انظر مغني المحتاج (3/155) ونهاية المحتاج (6/239) .
خامساً: ولأنَّ الكافر يملك تزويج ابنته الكافرة، والمسلم أعلى منه قدرًا وإن كان فاسقاً، فأولى أن يملك تزويج ابنته ونحوها من قريباته1.
ولكن في هذا نظر: فإنَّ الكافر إن كان فاسقاً في دينه فالخلاف في ولايته على ابنته موجود، وإن كان عدلاً في دينه لم يقدح فيه كفره لتساويه معها في ذلك. والله أعلم.
ج- وأمَّا دليل القول الثَّالث: وهوما أفتى به الغزالي واستحسنه النووي واختاره غيرهما من الشافعية وهو القول بصحَّة ولاية الفاسق إذا كان منعه يؤدّي إلى رفع النكاح إلى حاكم فاسق، فقد تقدَّم توجيهه وهو: أنّه لا سبيل إلى غيره في هذه الحال؛ لعموم الابتلاء بكثرة الفسّاق، وتقدَّم ما قيل من أنَّ هذا لا يتنافى مع منع ولاية الفاسق؛ لأنَّ محلَّ النزاع إذا كان الحاكم عدلاً، وأمّاً الحاكم الفاسق فوجوده كعدمه، ولكنَّ الصحيح أنَّ الحاكم لا يشترط فيه العدالة؛ لأنَّ حكمه للضَّرورة، كما يدلّ عليه قول الخطيب الشربيني السابق2 والله أعلم.
د- وأمَّا دليل بقيّة الأقوال للشافعية فلم أجد لأكثرها توجيهًا، وفي توجيه بعضها نظر، وكلّها وجهة نظر لأصحابها لا تخفى وجهتها.
فمن قال: إنّ الفاسق يلي إن كان مجبراً، فلعلّه لاحظ شفقة الأب والجدّ أكثر من غيرهما.
1 انظر التكملة الثانية للمجموع (16/159) .
2 انظر ما تقدم قريباً (ص243) .
ومن عكس القضيَّة فقال يلي إن لم يكن مجبراً، فقد قيل في توجيه ذلك: إنَّ الوليَّ المجبر يزوّج بالولاية، والولاية ينافيها الفسق، بخلاف غير المجبر فهو يزوّج بالإذن فهو كالوكيل"1.
وفي هذا نظر من وجهين:
أولهما: ضعف القول بإجبار الأب، أو الجدّ، للبكر الحرّة المكلّفة. وثانيهما: أنَّ كون الولِّي يزوِّج بالإذن لا يخرجه عن كونه وليًّا، فإنَّ الإذن لا تثبت به الولاية، بل الولاية ثابتة قبل إذنها وبعده.
وأمّا من منع ولاية الفاسق إن كان سبب فسقه شرب الخمر، فلعلّه لاحظ ما عرف به حالة أصحاب هذه المعصية من سقوط مروءتهم، وقلَّة غيرتهم، وكثرة مصيبتهم بفقدان عقولهم.
وأمّا من منع ولاية الفاسق المجاهر بمعصيته دون المستتر بها فهذا له وجهة نظرظاهرة؛ فإنَّ الفاسق حين لايبالي بظهورمعصيته يعظم ضرره وتسقط مروءته ولا يؤتمن على عرضه، بخلاف المستتر، فطالما أنَّه يستحي من معصيته؛ فإنَّه يرجى فيه بقيّة من خير، وقد تقدم في أوّل هذا المبحث ما قيل: من أنَّ محلَّ الخلاف هو في الفاسق الذي له نوع من المروءة، وليس المتهتك الماجن، فهذا لا ينبغي أن تكون له ولاية على أحد. والله أعلم.
1 انظر: التكملة الثانية للمجموع (16/159) .
ومن عكس القضيَّة فقال يلي إن لم يكن مجبراً، فقد قيل في توجيه ذلك: إنَّ الوليَّ المجبر يزوّج بالولاية، والولاية ينافيها الفسق، بخلاف غير المجبر فهو يزوّج بالإذن فهو كالوكيل"1.
وفي هذا نظر من وجهين:
أولهما: ضعف القول بإجبار الأب، أو الجدّ، للبكر الحرّة المكلّفة. وثانيهما: أنَّ كون الولِّي يزوِّج بالإذن لا يخرجه عن كونه وليًّا، فإنَّ الإذن لا تثبت به الولاية، بل الولاية ثابتة قبل إذنها وبعده.
وأمّا من منع ولاية الفاسق إن كان سبب فسقه شرب الخمر، فلعلّه لاحظ ما عرف به حالة أصحاب هذه المعصية من سقوط مروءتهم، وقلَّة غيرتهم، وكثرة مصيبتهم بفقدان عقولهم.
وأمّا من منع ولاية الفاسق المجاهر بمعصيته دون المستتر بها فهذا له وجهة نظرظاهرة؛ فإنَّ الفاسق حين لايبالي بظهورمعصيته يعظم ضرره وتسقط مروءته ولا يؤتمن على عرضه، بخلاف المستتر، فطالما أنَّه يستحي من معصيته؛ فإنَّه يرجى فيه بقيّة من خير، وقد تقدم في أوّل هذا المبحث ما قيل: من أنَّ محلَّ الخلاف هو في الفاسق الذي له نوع من المروءة، وليس المتهتك الماجن، فهذا لا ينبغي أن تكون له ولاية على أحد. والله أعلم.
1 انظر: التكملة الثانية للمجموع (16/159) .
التنازل عن حقّهم في ولاية أنكحة نسائهم، ولذلك اضطرَّ كثير1 من الشافعية إلى الفتوى بصحة ولاية الفسّاق خلافاً للمعتمد من مذهبهم؛ معلّلين ذلك بالضرورة والحاجة، وعموم البلوى بكثرة الفسّاق. والله المستعان.
4-
أنَّ غالب أمر الفسّاق الحرص على النظر لمَوْلِيَّاتهم؛ لما جبلوا عليه من دفع العار عنهم، ولذلك قيل: إنَّ الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشَّرعيِّ.
وإذا صحّ هذا فينبغي القول بصحة تقديم العدل مطلقًا على الفاسق، سواء أكان مساويًا له في درجة، القرابة أم أبعد منه؛ وذلك لأنَّه لا يستوي في دين الله عدل وفاسق في درجة واحدة فضلاً عن أن يقدَّم فاسق على عدل؛ ولما في ولاية العدل للنكاح من تحقيق المصالح الدينيّة التي هي أعلى
المصالح قدراً وأهمّها خطراً، وأشرفها مقاماً، فتقديم العدل لشرفه ومكانته في دين الله، وصحَّة عقد الفاسق لعدم نهوض الدليل على بطلانه، مع أنَّ الأصل صحَّة عقد الوليِّ. والله أعلم.
1 انظر ما قاله ابن حجر الهيتمي في شرح المنهاج المسمى بتحفة المحتاج (7/255) .
محلُّ الخلاف في ولاية الفاسق.
ينبغي أن يعلم أنَّ ما تقدَّم من خلاف في ولاية الفاسق لا يشمل ولاية السلطان في النِّكاح على الصحيح المعتمد عند من اشترط العدالة في وليّ النكاح1. والله أعلم.
1 انظر للشافعية: مغني المحتاج (3/155) ، وتحفة المحتاج (7/256) ، ونهاية المحتاج
(6/239) .
وللحنابلة: الإنصاف (8/74) . والمبدع (7/35) وكشاف القناع (5/54) .
إلاّ أن الشافعية ذكروا هنا: أنّ السلطان يلي نكاح بناته كبنات غيره بالولاية العامة. وعلى هذا فلا يزوج السلطان الفاسق بناته وفيه وليٌّ خاصّ أولى من السلطان. (نفس المصادر السابقة) .