الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج
قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} .... الآية.
قال السدي في قول الله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} ؛ قال: "ذاك حين يخرجون على الناس".
قال ابن كثير: "وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال ". انتهى.
وقد جاء ذكر خروج يأجوج ومأجوج في عدة أحاديث تقدم ذكرها.
منها حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: «اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ " قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات (فذكر) : الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم واللفظ له، وأهل السنن. وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".
ومنها حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " «لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، والدجال، والدخان، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تحشر الذر والنمل» .
رواه: الطبراني، وابن مردويه، والحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ومنها حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وفيه:«فبينما هو كذلك؛ إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله» ..... الحديث.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي:"هذا حديث غريب حسن صحيح".
وزاد الترمذي في روايته ومسلم في رواية له بعد قوله: «لقد كان بهذا مرة ماء» : «ثم يسيرون، حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس،»
وزاد أحمد بعد قوله: «فتطرحهم حيث شاء الله عز وجل» : "قال ابن جابر: فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي عن كعب أو غيره؛ قال: فتطرحهم بالمهبل. قال ابن جابر: فقلت: يا أبا يزيد! أين المهبل؟ قال: مطلع الشمس".
وفي رواية الترمذي: " «فتحملهم، فتطرحهم بالمهبل، ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين» .
وقد روى ابن ماجه هذه الزيادة مفردة، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين» .
وقد روى ابن عساكر في "تاريخه" حديث النواس مختصرا، وقال فيه بعد ذكر نزول عيسى وقتل الدجال:«فبينما هم فرحون لما هم فيه؛ خرجت يأجوج ومأجوج، فيوحى إلى المسيح: إني قد أخرجت عبادا لي لا يستطيع قتلهم إلا أنا، فأحرز عبادي إلى الطور. فيمر صدر يأجوج ومأجوج على بحيرة الطبرية، فيشربونها، ثم يقبل آخرهم، فيركزون رماحهم، فيقولون: لقد كان هاهنا مرة ماء، حتى إذا كانوا حيال بيت المقدس؛ قالوا: قد قتلنا من في الأرض، فهلموا نقتل من في السماء، فيرمون نبلهم إلى السماء، فيردها الله مخضوبة بالدم، فيقولون: قد قتلنا من في السماء، ويتحصن ابن مريم وأصحابه، حتى يكون رأس الثور خيرا من مائة دينار اليوم» .
ومنها حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وفيه:«فبينما هم كذلك؛ إذ أخرج الله يأجوج ومأجوج، فيشرب أولهم البحيرة، ويجيء آخرهم وقد أنشفوه، فما»
«يدعون فيه قطرة، فيقولون: ظهرنا على أعدائنا، قد كان هاهنا أثر ماء. فيجيء نبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم وأصحابه وراءه، حتى يدخلوا مدينة من مدائن فلسطين يقال لها: لد، فيقولون: ظهرنا على من في الأرض، فتعالوا نقاتل من في السماء.
فيدعو الله نبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فيبعث الله عليهم قرحة في حلوقهم، فلا يبقى منهم بشر، فيؤذي ريحهم المسلمين، فيدعو عيسى صلوات الله عليه وعليهم، فيرسل الله عليهم ريحا، فتقذفهم في البحر أجمعين» .
رواه: الحاكم، وابن منده في "كتاب الإيمان"، وابن عساكر. وقال الحاكم:" صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي. وقال ابن كثير في "النهاية":"قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في إسناد ابن منده: هذا إسناد صالح". قال ابن كثير: "وفيه سياق غريب وأشياء منكرة".
ومنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها. فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها. فردوا أمرهم إلى عيسى، فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحد إلا الله، وفيما عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج ومعي قضيبان، فإذا رآني؛ ذاب كما يذوب الرصاص. قال: فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الشجر والحجر يقول: يا مسلم! إن تحتي كافرا؛ فتعال فاقتله.
قال: فيهلكهم الله، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم؛ فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيطؤون بلادهم، فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرون على ماء إلا شربوه.
قال: ثم يرجع الناس يشكونهم، فأدعو الله عليهم، فيهلكهم ويميتهم، حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم، وينزل الله المطر، فيجترف أجسادهم، حتى يقذفهم في البحر، ففيما عهد إلي ربي عز وجل أن ذلك إذا كان كذلك: أن الساعة كالحامل المتم، لا»
«يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها ليلا أو نهارا» .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن جرير، والحاكم وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وزاد ابن ماجه والحاكم فيه: "قال العوام - وهو ابن حوشب أحد رواته -: فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله عز وجل، ثم قرأ:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} .
ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفا في ذكر الملحمة الكبرى بين المسلمين والروم وخروج الدجال على إثر ذلك ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وفيه:"فبينما هم كذلك؛ إذ سمعوا صوتا قال: فتحت يأجوج ومأجوج، وهو كما قال الله تعالى: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} ، فيفسدون الأرض كلها، حتى إن أوائلهم ليأتي النهر العجاج، فيشربونه كله، وإن آخرهم ليقول: قد كان هاهنا نهر، ويحاصرون عيسى ومن معه ببيت المقدس، ويقولون: ما نعلم في الأرض أحدا إلا ذبحناه، هلموا نرمي من في السماء. فيرمون، حتى ترجع إليهم سهامهم في نصولها الدم قليلا، فيقولون: ما بقي في الأرض ولا في السماء. فيقول المؤمنون: يا روح الله! ادع عليهم بالفناء، فيدعو الله عليهم، فيبعث النغف في آذانهم فيقتلهم في ليلة واحدة، فتنتن الأرض كلها من جيفهم، فيقولون: يا روح الله! نموت من النتن. فيدعو الله، فيبعث وابلا من المطر، فجعله سيلا، فيقذفهم كلهم في البحر....." الحديث.
رواه ابن عساكر في "تاريخه".
وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما عن زينب بنت جحش رضي الله عنها؛ قالت: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج»
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه. وفي رواية لأحمد: قالت: «دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاقد بأصبعيه السبابة بالإبهام، وهو يقول: " ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل موضع الدرهم". قالت: فقلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال صلى الله عليه وسلم: "نعم؛ إذا كثر الخبث» .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": " (الخبث) ؛ بفتح المعجمة والموحدة ثم مثلثة: فسروه بالزنى وبأولاد الزنى، وبالفسوق والفجور، وهو أولى؛ لأنه قابله بالصلاح.
قال ابن العربي: فيه البيان بأن الخير يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه، وكذلك إذا غير عليه، لكن حيث لا يجدي ذلك، ويصر الشرير على عمله السيئ، ويفشو ذلك ويكثر، حتى يعم الفساد، فيهلك حينئذ القليل والكثير، ثم يحشر كل أحد على نيته، وكأنها فهمت من فتح القدر المذكور من الردم أن الأمر إن تمادى على ذلك؛ اتسع الخرق؛ بحيث يخرجون، وكان عندها علم أن في خروجهم على الناس إهلاكا عاما لهم". انتهى.
وعن أم حبيبة رضي الله عنها؛ قالت: «استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج -وحلق بيده عشرا-". قالت: قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا وفينا الصالحون؟ قال: "نعم؛ إذا كثر الخبث» .
رواه ابن حبان في "صحيحه". وقد رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه؛ من حديث أم حبيبة عن زينب بنت جحش رضي الله
عنها؛ كما تقدم ذكره، فلعل ذكر زينب سقط من طريق ابن حبان. والله أعلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه "وعقد وهيب بيده تسعين"» .
متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
ووهيب المذكور هو وهيب بن خالد الباهلي، أحد رواة هذا الحديث.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويل للعرب من شر قد اقترب؛ فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه "وعقد عشرة"". قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم؛ إذا كثر الخبث» .
رواه الطبراني.
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قال ابن الأثير: " (تشكر) ؛ أي: تسمن وتمتلئ شحما، يقال: شكرت الشاة؛ بالكسر، تشكر شكرا؛ بالتحريك: إذا سمنت وامتلأ ضرعها لبنا". انتهى.
وعن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا كل نبي قد أنذر أمته الدجال»
…
الحديث، وقد تقدم إيراده بطوله من رواية الحاكم في (باب قصة المؤمن مع الدجال) ، وقد رواه أحمد بن منيع بنحو رواية الحاكم، وزاد بعد هلاك الدجال: قال: «فيمكثون في الأرض ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يفتح يأجوج ومأجوج، فيهلكون من في الأرض؛ إلا من تعلق بحصن، فلما فرغوا من أهل الأرض؛ أقبل بعضهم على بعض، فقالوا: إنما بقي من في الحصون ومن في السماء، فيرمون بسهامهم، فخرت منغمرة دما، فقالوا: قد استرحتم ممن في السماء وبقي من في الحصون، فحاصروهم حتى اشتد عليهم الحصر والبلاء، فبينما هم كذلك؛ إذ أرسل الله عليهم نغفا في أعناقهم، فقصمت أعناقهم، فمال بعضهم على بعض موتى، فقال رجل منهم: قتلهم الله رب الكعبة. قالوا: إنما يفعلون هذا مخادعة، فنخرج إليهم، فيهلكونا كما أهلكوا إخواننا. فقال: افتحوا لي الباب. فقال أصحابه: لا نفتح. فقال: دلوني بحبل. فلما نزل؛ وجدهم موتى، فخرج»
عطية العوفي ضعيف، ولكن لحديثه هذا شاهد مما قبله وما بعده.
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" مختصرا، والحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية الترمذي قال: «فوالذي نفس محمد بيده؛ إن دواب الأرض تسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم» . وفي رواية الحاكم قال: «والذي نفس محمد بيده؛ إن دواب الأرض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا وتسكر سكرا من»
«لحومهم» .
قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" في الكلام على هذا الحديث: فيه أن فيهم أهل صناعة وأهل ولاية وسلاطة ورعية تطيع من فوقها، وأن فيهم من يعرف الله ويقر بقدرته ومشيئته، ويحتمل أن تكون تلك الكلمة تجري على لسان ذلك الوالي من غير أن يعرف معناها، فيحصل المقصود ببركتها.
وقد أخرج عبد بن حميد من طريق كعب الأحبار نحو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال فيه:"فإذا بلغ الأمر؛ ألقى الله على بعض ألسنتهم: نأتي إن شاء الله غدا، فنفرغ منه".
وأخرج ابن مردويه من حديث حذيفة رضي الله عنه نحو حديث أبي هريرة، وفيه:"فيصبحون وهو أقوى منه بالأمس، حتى يسلم رجل منهم حين يريد الله أن يبلغ أمره، فيقول المؤمن: غدا نفتحه إن شاء الله، فيصبحون، ثم يغدون عليه فيفتح...." الحديث، وسنده ضعيف جدا. انتهى.
وعن أبي الزعراء؛ قال: كنا عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فذكر عنده الدجال، فقال عبد الله بن مسعود:"تفترقون أيها الناس لخروجه ثلاث فرق: فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات؛ يقاتلهم ويقاتلونه، حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام". قال عبد الله: "ويزعم أهل الكتاب أن المسيح ينزل فيقتله، ثم يخرج يأجوج ومأجوج، فيمرحون في الأرض، فيفسدون فيها (ثم قرأ عبد الله {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} ؛ قال:) ثم يبعث الله عليهم دابة مثل هذا النغف، فتلج في أسماعهم ومناخرهم، فيموتون منها، فتنتن الأرض منهم، فيجأرون إلى الله، فيرسل ماء يطهر الأرض منهم......" الحديث.
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه"، ووافقه الذهبي في موضع من "تلخيصه"، وقال في موضع آخر: "ما احتجا بأبي الزعراء ".
باب
أن يأجوج ومأجوج من سلالة آدم
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم! يقول: لبيك ربنا وسعديك. فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار. قال: يا رب! وما بعث النار؟ قال: من كل ألف (أراه قال:) تسعمائة وتسعة وتسعين. فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد". فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يأجوج ومأجوج تسع مائة وتسعة وتسعين، ومنكم واحد» ..... الحديث.
متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «قرأ: {يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} ؛ قال: "ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله عز وجل لآدم: قم فابعث من ذريتك بعثا إلى النار. فقال: من كم يا رب؟ قال: من ألف تسع مائة وتسعة وتسعون وينجو واحد". فشق ذلك على المسلمين، وعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أبصر ذلك في وجوههم: "إن بني آدم كثير، ويأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنه لا يموت منهم رجل حتى يرثه لصلبه ألف رجل؛ ففيهم وفي أشباههم جنة لكم» .
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه عثمان بن عطاء الخراساني، وهو متروك، وضعفه الجمهور، واستحسن أبو حاتم حديثه".
قلت: وحديث أبي سعيد يشهد لهذا الحديث ويقويه.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنهم لو أرسلوا على الناس؛ لأفسدوا عليهم معايشهم، ولن يموت منهم أحد؛ إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا، وإن من ورائهم ثلاث أمم: تاويل، وتاريس، ومنسك» .
رواه: أبو داود الطيالسي، والطبراني في "الكبير" و"الأوسط" من طريقه. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات". ورواه أيضا عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في "البعث". قال ابن كثير: "هذا حديث غريب، وقد يكون من كلام عبد الله بن عمرو من الزاملتين".
قلت: وسيأتي بعضه موقوفا على عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وذلك يقوي ما قاله ابن كثير رحمه الله تعالى.
ويؤيد رفعه ما رواه ابن حبان في "صحيحه" عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى.
ويأتي فيه أيضا عدة أحاديث تدل على أن يأجوج ومأجوج من ذرية آدم، وفي آخرها أثر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما صريح في ذلك. والله أعلم.
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" في ذكر يأجوج ومأجوج: "هم ذرية آدم بلا خلاف نعلمه، ثم استدل على ذلك بحديث أبي سعيد الذي ذكرنا". قال: "ثم هم من ذرية نوح؛ لأن الله تعالى أخبر أنه استجاب لعبده نوح في دعائه على أهل الأرض بقوله: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} ، وقال تعالى:{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} ، وقال تعالى:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}
ومن زعم أن يأجوج ومأجوج خلقوا من نطفة آدم حين احتلم، فاختلطت بالتراب، فخلقوا من ذلك، وأنهم ليسوا من حواء؛ فهو قول حكاه الشيخ أبو زكريا النواوي في "شرح مسلم " وغيره، وضعفوه، وهو جدير بذلك؛ إذ لا دليل عليه، بل هو مخالف لما ذكرناه من أن جميع الناس اليوم من ذرية نوح بنص القرآن، وهكذا من زعم أنهم على أشكال مختلفة وأطوال متباينة جدا؛ فمنهم من هو كالنخلة السحوق، ومنهم من هو في غاية القصر، ومنهم من يفترش أذنا من أذنيه ويتغطى بالأخرى؛ فكل هذه أقوال بلا دليل ورجم بالغيب بغير برهان".
قلت: وقد ورد في ذلك حديث ضعيف سيأتي في باب كثرة يأجوج ومأجوج إن شاء الله تعالى.
قال ابن كثير: "والصحيح أنهم من بني آدم، وعلى أشكالهم وصفاتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن» ، وهذا فيصل في هذا الباب وغيره". انتهى.
وقد روى الحاكم في "مستدركه" عن سعيد بن المسيب: أنه قال: "ولد نوح عليه الصلاة والسلام ثلاثة: سام وحام ويافث، فولد سام العرب وفارس والروم، وفي كل هؤلاء خير، وولد حام السودان والبربر والقبط، وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج".
ورواه البزار في "مسنده" من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولد لنوح سام وحام ويافث، فولد لسام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد ليافث يأجوج ومأجوج والترك والسقالبة ولا خير فيهم، وولد لحام القبط والبربر والسودان» .
في إسناده محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي عن أبيه، وكلاهما ضعيف.
قال ابن كثير: "والمحفوظ عن سعيد من قوله، وهكذا روي عن وهب بن منبه مثله". انتهى.
باب
ما جاء في كثرة يأجوج ومأجوج
قد تقدم في الباب قبله ثلاثة أحاديث تدل على عظم كثرتهم.
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فتفاوت بين أصحابه السير، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بهاتين الآيتين:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}
…
إلى قوله: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} ، فلما سمع ذلك أصحابه؛ حثوا المطي، وعرفوا أنه عند قول يقوله، فقال:"هل تدرون أي يوم ذلك؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذلك يوم ينادي الله فيه آدم، فيناديه ربه، فيقول: يا آدم! ابعث بعث النار. فيقول: أي رب! وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة". فيئس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بأصحابه؛ قال:"اعملوا وأبشروا؛ فوالذي نفس محمد بيده؛ إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه؛ يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم وبني إبليس". قال: فسري عن القوم بعض الذي يجدون. قال: "اعملوا وأَبشروا؛ فوالذي نفس محمد بيده؛ ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والترمذي، والنسائي، والحاكم في "مستدركه"، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح"، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
رواه: ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان في "صحيحه".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وأصحابه عنده: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}
…
إلى آخر الآية، فقال:"هل تدرون أي يوم ذلك؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم؟ قال: "ذلك يوم يقول الله عز وجل: يا آدم! قم فابعث بعثا إلى النار. فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة". فشق ذلك على القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعملوا وأبشروا؛ فإنكم بين خليقتين لم يكونا مع أحد إلا كثرتاه؛ يأجوج ومأجوج، وإنما أنتم في الأمم كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة، أمتي جزء من ألف جزء» .
رواه: ابن أبي حاتم، والبزار. قال الهيثمي:" ورجاله رجال الصحيح؛ غير هلال بن خباب، وهو ثقة".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن يأجوج ومأجوج أقل ما يترك أحدهم لصلبه ألفا من الذرية، وإن من ورائهم أمما ثلاثا: منسك»
«وتاويل وتاريس، لا يعلم عددهم إلا الله» .
رواه ابن حبان في "صحيحه".
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج، فقال:«يأجوج أمة ومأجوج أمة، كل أمة أربع مائة ألف أمة، لا يموت الرجل حتى ينظر إلى ألف ذكر بين يديه من صلبه، كل قد حمل السلاح". قلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: "هم ثلاثة أصناف؛ فصنف منهم أمثال الأرز". قلت: وما الأرز؟ قال: "شجرة بالشام، طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هؤلاء الذين لا يقوم لهم حيل ولا حديد، وصنف منهم يفترش بأذنه ويلتحف بالأخرى، لا يمرون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم؛ أكلوه، مقدمتهم بالشام، وساقتهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية» .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه يحيى بن سعيد العطار، وهو ضعيف".
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري": "أخرجه ابن عدي، وابن أبي حاتم، والطبراني في "الأوسط"، وابن مردويه، وهو من رواية يحيى بن سعيد العطار عن محمد بن إسحاق عن الأعمش، والعطار ضعيف جدا، ومحمد بن إسحاق: قال ابن عدي: ليس هو صاحب المغازي، بل هو العكاشي. قال: والحديث موضوع. وقال ابن أبي حاتم: منكر".
قال الحافظ ابن حجر: "لكن لبعضه شاهد صحيح، أخرجه ابن حبان من حديث ابن مسعود، ثم ذكر حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي تقدم ذكره قبل حديث حذيفة رضي الله عنه، وهو شاهد لما ذكر في حديث حذيفة رضي الله عنه من كثرة يأجوج ومأجوج، وأما ما ذكر فيه من اختلاف أشكالهم
وصفاتهم؛ فليس له شاهد صحيح؛ فلا يعول عليه، والصحيح ما قاله ابن كثير رحمه الله تعالى: أنهم من بني آدم، وأنهم على أشكالهم وصفاتهم. والله أعلم".
وسيأتي النص على صفاتهم التي هي من صفات بني آدم في حديث ابن حرملة عن خالته في الباب الذي بعد هذا الباب إن شاء الله تعالى.
رواه ابن جرير.
وعن أوس بن أوس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن يأجوج»
رواه النسائي.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: "يأجوج ومأجوج يمر أولهم بنهر مثل دجلة، ويمر آخرهم، فيقول: قد كان في هذا النهر مرة ماء، ولا يموت رجل؛ إلا ترك ألفا من ذريته فصاعدا، ومن بعدهم ثلاث أمم: تاويس، وتاويل، وناسك "أو منسك"".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه أنه ذكر يأجوج ومأجوج؛ قال: "وما يموت الرجل منهم حتى يولد له من صلبه ألف، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عدتهم إلا الله عز وجل: منسك، وتاويل، وتاويس".
رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "إن الله عز وجل جزأ الخلق عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء الملائكة وجزءا سائر الخلق، وجزأ الملائكة عشرة أجزاء، فجعل تسعة أجزاء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وجزءا لرسالته، وجزأ الخلق عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء الجن وجزءا بني آدم، وجزأ بني آدم عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزءا سائر الناس".
رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه نحو الرواية الأولى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
رواه عبد بن حميد. قال الحافظ ابن حجر: "وسنده صحيح".
باب
ما جاء في قتال يأجوج ومأجوج
رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجالهما رجال الصحيح".
(الشعاف) : الشعور.
باب
أن الحرب لا تضع أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج
«حتى تقوم الساعة، ولا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج» .
رواه: الإمام أحمد، وابن سعد، والبخاري في "تاريخه"، والنسائي، والطبراني، وابن مردويه.
باب
ما جاء في بقاء الحج بعد خروج يأجوج ومأجوج
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:«ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج» .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري. ورواه عبد بن حميد بزيادة، ولفظه:«إن الناس ليحجون ويعتمرون ويغرسون النخل بعد خروج يأجوج ومأجوج» .
فصل
وقد اختلفت أقوال العصريين في يأجوج ومأجوج
:
فبعضهم ينكرون وجودهم بالكلية، وينكرون وجود السد الذي جعله ذو القرنين بينهم وبين الناس!
ومستندهم في ذلك ما يزعمه بعض الدول في هذه الأزمان أن السائحين منهم قد اكتشفوا الأرض كلها، فلم يروا يأجوج ومأجوج، ولم يروا سد ذي القرنين.
وهذا في الحقيقة تكذيب بما أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عن السد ويأجوج ومأجوج، والتكذيب بما أخبر الله به في كتابه كفر وظلم، والدليل على ذلك:
قول الله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} .
وقوله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} .
والتكذيب بما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة كفر أيضا؛ لأن تكذيبه فيما أخبر به ينافي الشهادة بأنه رسول الله، ويلزم عليه تكذيب قول الله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} .
قال القاضي عياض في كتابه "الشفاء": "اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبهما أو جحده أو حرفا منه أو آية أو كذب به أو بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك؛ فهو كافر عند أهل العلم بإجماع.
قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ". انتهى.
وقال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه "المسائل الكافية في بيان وجوب صدق خبر رب البرية" ما نصه: "السد حق ثابت، ولا ينفتح ليأجوج ومأجوج إلا قرب الساعة، فمن قال بعدم وجود سد على وجه الأرض، ومستنده في ذلك قول الكشافين من النصارى، وأنهم لم يعثرون عليه؛ يكفر، وقد وقع للشيخ عبد الرحمن قاضي المرج مع متصرف بني غازي؛ فإنه قال في جمع عظيم: إنه لا سد في الأرض موجود؛ لإخبار السائحين في الأرض من النصارى. فقام الشيخ عبد الرحمن إليه أمام الحاضرين، وقال: كفرت؛ تصدق الكشافين وتكذب رب العالمين! ثم تدارك المتصرف نفسه، وقال: إنما قلت ذلك على طريق الحكاية عنهم، ولست معتقدا ذلك".
قال الكافي: "ولا يكون قول الكشافين شبهة تنفي عنه الكفر؛ لأنه لو كان إيمانه ثابتا؛ لما ترك قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم المستحيل عليهما الكذب
وتبع قول من لا دين له". انتهى.
وبعض العصريين يزعمون أن يأجوج ومأجوج هم جميع دول الكفر المتفوقين في الصناعات الحديثة، وقد رأيت هذا القول الباطل في بعض مؤلفات المتكلفين من العصريين، وهذا القول قريب من القول الأول، وقد صرح الشيخ محمد بن يوسف الكافي بتكفير من قال به؛ كما سيأتي في كلامه قريبا إن شاء الله تعالى.
ووجه القول بتكفير من قال به أنه يلزم عليه تكذيب ما أخبر الله به في كتابه عن السد، وأنه قد حال بين يأجوج ومأجوج وبين الخروج على الناس، وأن يأجوج ومأجوج ما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا، وأنه إذا جاء وعد الرب تبارك وتعالى أي: في آخر الزمان، إذا دنا قيام الساعة -؛ جعله دكاء، فخرجوا على الناس، وذلك بعدما ينزل عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام إلى الأرض، ويقتل الدجال، وقد جاء ذلك صريحا في عدة أحاديث صحيحة تقدم ذكرها.
وفي هاتين الآيتين أبلغ رد على زعم أن يأجوج ومأجوج هم دول الإفرنج أو غيرهم من دول المشرق والمغرب الذين لم يزالوا مختلطين بغيرهم من الناس، ولم يجعل بينهم وبين الناس سد منيع يحول بينهم وبين الخروج على الناس.
وقد قال الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي في كتابه "المسائل الكافية في بيان وجوب صدق خبر رب البرية" ما نصه: "المسألة الثانية والثلاثون: يأجوج ومأجوج هم أناس بالغون في الكثرة عددا لا يعلمه إلا الله
تعالى، ولا يستطيع أحد مقاومتهم عند خروجهم من السد لكثرتهم، وهم مفسدون في الأرض كما أخبر الله تعالى عنهم، وهم الآن محازون عن غيرهم بالسد الذي بناه ذو القرنين، وخروجهم علامة على قيام الساعة، فمن قال واعتقد أن يأجوج ومأجوج هم أوربا؛ يكفر؛ لتكذيبه الله تعالى في خبره:{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} .
قال حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} : فحينئذ يخرجون، وهم؛ يعني: يأجوج ومأجوج، {مِنْ كُلِّ حَدَبٍ} : من كل أكمة ومكان مرتفع، ينسلون: يخرجون، {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} : دنا قيام الساعة عند خروجهم من السد.
وأخرج ابن جرير عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: "لو أن رجلا اقتنى فلوا بعد خروج يأجوج ومأجوج؛ لم يركبه حتى تقوم الساعة". انتهى.
وقد تقدم حديث الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في خروج الدجال، وفيه:«ثم يجيء عيسى ابن مريم عليهما السلام من قبل المغرب مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة» .
رواه: الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح".
وتقدم أيضا حديث حذيفة رضي الله عنه، وفيه:«قلت: يا رسول الله! فما بعد الدجال؟ قال: " عيسى ابن مريم ". قلت: فما بعد عيسى ابن مريم؟»
«قال: "لو أن رجلا أنتج فرسا؛ لم يركب مهرها حتى تقوم الساعة» .
رواه ابن أبي شيبة.
وتقدم أيضا حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه «أن يأجوج ومأجوج يخرجون بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتل الدجال، وأن عيسى وأصحابه يدعون عليهم، فيهلكهم الله تعالى» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن جرير، والحاكم، وصححه هو والذهبي.
وتقدم أيضا حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه «أن عيسى عليه الصلاة والسلام يدعو على يأجوج ومأجوج فيهلكهم الله تعالى» .
رواه: الحاكم، وابن منده، وابن عساكر، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي.
وفي هذه الأحاديث دليل على أن خروج يأجوج ومأجوج يكون قريبا من قيام الساعة؛ كما هو منصوص عليه في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} ، ومن قال بخلاف هذا؛ فقوله باطل مردود.
ومن أغرب أقوال العصريين ما زعمه طنطاوي جوهري في "تفسيره" أن يأجوج ومأجوج هم التتار الذين خرجوا على المسلمين في أثناء القرن السابع من الهجرة وما بعده، ولو كان الأمر على ما زعمه هذا المتخرص المتأول لكتاب الله
تعالى على غير تأويله؛ لكان الدجال قد خرج في أول القرن السابع من الهجرة قبل خروج التتار على المسلمين، ولكان عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام قد نزل من السماء وقتل الدجال قبل خروج التتار، ولكان سد ذي القرنين قد دك في ذلك الزمان، ولكان أوائل التتار قد شربوا بحيرة طبرية وآخرهم لم يجدوا فيها ماء، ولكانوا قد حصروا نبي الله عيسى وأصحابه حتى دعا عليهم فأرسل الله عليهم النغف في رقابهم فأصبحوا فرسى كموت نفس واحدة، ولكانت الساعة قد قامت منذ سبعة قرون؛ لما تقدم في حديث الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «ثم يجيء عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة» ، وتقدم في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة
…
(فذكر الحديث في خروج الدجال وقتله وخروج يأجوج ومأجوج ودعاء عيسى عليهم فيهلكهم الله، ثم ذكر عن عيسى عليه الصلاة والسلام أنه قال:) ففيما عهد إلي ربي عز وجل أن ذلك إذا كان كذلك أن الساعة كالحامل المتم لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها ليلا أو نهارا»
…
، وتقدم في «حديث حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: قلت: يا رسول الله! فما بعد الدجال؟ قال: " عيسى ابن مريم ". قلت: فما بعد عيسى ابن مريم؟ قال: "لو أن رجلا أنتج فرسا؛ لم يركب مهرها حتى تقوم الساعة» .
وإذ لم يقع شيء من الأمور العظام التي ذكرنا؛ فمن أبطل الباطل وأقبح الجهل والتخرص واتباع الظن ما جزم به طنطاوي جوهري في قوله: "إن يأجوج ومأجوج هم التتار الذين خرجوا على المسلمين في أثناء القرن السابع وما بعده".
وقد تبعه على باطله وجهله صاحب "دليل المستفيد على كل مستحدث جديد" فزعم أن التتار هم أوائل يأجوج ومأجوج، وزعم في موضع آخر من كتابه أن يأجوج ومأجوج قد تفرقوا في الأرض وصاروا دولا في آسيا وأوربا وأمريكا.
وقد تقدم عن الشيخ محمد بن يوسف الكافي التونسي أنه صرح بتكفير من قال بهذا القول.
ومن المعلوم أن دول آسيا وأوربا وأمريكا لم تزل في أماكنها منذ زمان طويل، وأنه ليس بينهم وبين غيرهم سد من حديد يمنعهم من الخروج والاختلاط بغيرهم من الناس! فصفة يأجوج ومأجوج لا تنطبق على شيء من الدول المعروفة الآن.
وقد تقدم في عدة أحاديث صحيحة أن يأجوج ومأجوج إنما يخرجون بعد نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتل الدجال، وأنهم لا يمكثون بعد خروجهم على الناس إلا مدة يسيرة، ثم يدعو عليهم نبي الله عيسى، فيهلكهم الله جميعا كموت نفس واحدة؛ فهم بلا شك أمة عظيمة، قد حيل بينهم وبين الخروج على الناس بالسد الذي بناه ذو القرنين، وهذا السد لا يندك إلا إذا دنا قيام الساعة؛ كما أخبر الله بذلك في كتابه العزيز.
وأما كون السائحين في الأرض لم يروا يأجوج ومأجوج ولا سد ذي القرنين؛ فلا يلزم منه عدم السد ويأجوج ومأجوج؛ فقد يصرف الله السائحين عن رؤيتهم ورؤية السد، وقد يجعل الله بينهم وبين الناس بحرا لا يطاق اجتيازه، أو غير ذلك من الموانع التي تمنع من رؤيتهم ورؤية السد، والله على كل شيء قدير.
والواجب على المسلم الإيمان بما أخبر الله به في كتابه عن السد ويأجوج ومأجوج وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولا يجوز للمسلم أن يتكلف ما لا علم له به، ولا يقول بشيء من أقوال المتكلفين المتخرصين، بل ينبذها وراء ظهره، ولا يعبأ بشيء منها.