المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما جاء في نزول عيسى إلى الأرض - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - جـ ٣

[حمود بن عبد الله التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌بابما جاء في شيعة الدجال وأتباعه

- ‌بابفي أول من يفزعهم الدجال

- ‌بابالترغيب في سكنى المدينة إذا خرج الدجال

- ‌بابما جاء في قتال الدجال

- ‌بابفي‌‌ تعيين الموضع الذي يقتل فيه الدجال

- ‌ تعيين الموضع الذي يقتل فيه الدجال

- ‌باب‌‌ما جاء في نزول عيسى إلى الأرض

- ‌ما جاء في نزول عيسى إلى الأرض

- ‌بابأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقراء السلام على المسيح

- ‌بابأن المسيح يحكم بالشريعة المحمدية

- ‌بابما جاء في خروج يأجوج ومأجوج

- ‌بابما جاء في خروج الدابة من الأرض

- ‌بابفضل العبادة في آخر الزمان

- ‌بابما جاء في ترك الحج

- ‌بابما جاء في رفع البيت

- ‌بابما جاء في هبوب الريح الطيبة

- ‌بابما جاء في كثرة المطر وقلة النبات

- ‌بابما جاء في كثرة الروم في آخر الزمان

- ‌بابفيمن تقوم عليهم الساعة

- ‌بابما جاء في نداء المنادي بين يدي الصيحة

- ‌باب‌‌النفخ في الصور

- ‌النفخ في الصور

- ‌فصلفي صفة الجنة والترغيب فيها وصفة أهلها

- ‌فصلفي صفة النار والترهيب منها وصفة أهلها

الفصل: ‌ما جاء في نزول عيسى إلى الأرض

‌باب

‌ما جاء في نزول عيسى إلى الأرض

وقد أخبر الله بذلك في آيتين من القرآن، وأشار إليه في آية ثالثة:

أما الآية الأولى؛ فهي قول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ أي: قبل موت عيسى عليه الصلاة والسلام على القول الصحيح، اختاره ابن جرير وابن كثير رحمهما الله تعالى، وهو قول أبي هريرة، ورواية سعيد بن جبير والعوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وبه قال أبو مالك والحسين وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.

وروى ابن جرير بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ قال: "قبل موت عيسى ابن مريم ".

وروى الحاكم في "مستدركه" عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ قال: "خروج عيسى ابن مريم صلوات الله عليه".

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وروى أبو بكر الآجري في "كتاب الشريعة" عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: " {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ يعني: أنه سيدركه أناس من أهل الكتاب حين يبعث عيسى ابن مريم عليه السلام فيؤمنوا به {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} ".

وسيأتي حديث أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا.... الحديث، وفيه: قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم:

ص: 93

{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} : موت عيسى ابن مريم، ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات.

رواه ابن مردويه.

وروى ابن جرير من طريق أبي رجاء عن الحسن: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ قال: "قبل موت عيسى، والله إنه لحي الآن عند الله، ولكن إذا نزل؛ آمنوا به أجمعون".

وروى أبو بكر الآجري في "كتاب الشريعة" عن أبي مالك في قول الله عز وجل: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ قال: "ذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه السلام، لا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا آمن به".

وروى ابن أبي حاتم من طريق جويرية بن بشير؛ قال: "سمعت رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد! قول الله عز وجل {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ قال: قبل موت عيسى، إن الله رفع إليه عيسى، وهو باعثه قبل يوم القيامة مقاما يؤمن به البر والفاجر".

وفي معنى هذه الآية ما سيأتي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله قال مخبرا عن المسيح: «ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام» ، وقوله في الحديث الآخر:«وحتى تكون السجدة واحدة لله رب العالمين» ، وقوله في حديث أبي أمامة رضي الله عنه:«وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله» ، رواه ابن ماجه وغيره، وتقدم في (باب ما جاء في فتنة الدجال) ؛ فهذه الأحاديث تؤيد القول الصحيح أن المراد قبل موت عيسى. والله أعلم.

وأما الآية الثانية؛ فهي قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة والأعمش:(وإنه لَعَلَمٌ للساعة) ؛ بفتح اللام والعين؛

ص: 94

أي: أمارة وعلامة على اقتراب الساعة.

قال مجاهد: "أي: آية للساعة خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة".

وروى: الإمام أحمد، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم في "مستدركه"؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما:{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ؛ قال: "هو خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة".

قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وقد روي مرفوعا كما سأذكر إن شاء الله تعالى.

وروى ابن جرير من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ؛ قال: "نزول عيسى ".

وروى عبد بن حميد عن أبي هريرة رضي الله عنه: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ؛ قال: "خروج عيسى، يمكث في الأرض أربعين سنة، تكون تلك الأربعون كأربع سنين؛ يحج ويعتمر".

وروى عبد بن حميد أيضا وابن جرير عن مجاهد: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} : خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة.

وروى عبد بن حميد وابن جرير أيضا عن الحسين: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ؛ قال: "نزول عيسى ".

وروى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} ؛ قال: "نزول عيسى علم للساعة".

وهكذا روي عن أبي العالية وأبي مالك وعكرمة والضحاك وغيرهم.

ص: 95

وأما الآية الثالثة؛ فهي قول الله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} .

قال مجاهد: "حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام".

ذكره ابن كثير في "تفسيره"؛ قال: "وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال» .

قلت: هذا الحديث رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم؛ عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، وتقدم ذكره في (باب فتنة الدجال) .

وقال البغوي: "معنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر، حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام".

وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال» .

قلت: هذا الحديث رواه أبو داود من حديث أنس رضي الله عنه، وتقدم ذكره في (باب قتال الدجال) .

وروى الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن مجاهد في قوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} ؛ قال: "حتى يخرج عيسى ابن مريم عليه السلام، فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة، وتأمن الشاة من الذئب، ولا تقرض فأرة جرابا، وتذهب العداوة من الناس كلها، ذلك ظهور الإسلام على الدين كله، وينعم الرجل المسلم حتى تقطر رجله دما إذا وضعها".

ص: 96

وروى عبد بن حميد أيضا عن سعيد بن جبير: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} ؛ قال: "خروج عيسى ابن مريم عليه السلام".

وروى: الإمام أحمد بإسناد صحيح، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:«يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى ابن مريم إماما مهديا وحكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها» .

وقد تقدم حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه في خروج الدجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وفيه:"وتضع الحرب أوزارها".

رواه: ابن ماجه، وابن خزيمة، والحافظ الضياء المقدسي.

فصل

وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وقد تقدم في (باب ما جاء في الآيات الكبار) حديثان في ذلك:

أحدهما: حديث حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه؛ قال: «اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ ". قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: (فذكر) الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم واللفظ له، وأهل

ص: 97

السنن. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

الثاني: حديث وائلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر نحو حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه.

رواه: الطبراني، وابن مردويه، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي على ذلك.

وتقدم في ذكر ابن صياد حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفيه «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ائذن لي فأقتله يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يكن هو؛ فلست صاحبه، إنما صاحبه عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام» .... الحديث.

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

وتقدم في (باب قصة المؤمن مع الدجال) حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه:"وينزل عيسى ابن مريم، فإذا رآه - يعنى الدجال - ووجد ريحه؛ ذاب كما يذوب الرصاص".

رواه مسدد موقوفا. قال البوصيري: "ورواته ثقات".

وتقدم في (باب ما جاء في فتنة الدجال) خمسة أحاديث في ذلك:

أولها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم (فذكر الحديث، وفيه:) ثم ينزل عيسى ابن مريم، فينادي من السحر، فيقول: يا أيها الناس! ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني. فينطلقون؛ فإذا هم بعيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله. فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم. فإذا صلى صلاة الصبح؛ خرجوا»

ص: 98

«إليه". قال: "فحين يراه الكذاب؛ ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه، فيقتله، حتى إن الشجر والحجر ينادي: يا روح الله! هذا يهودي. فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وروى ابن خزيمة طرفا منه في "كتاب التوحيد"، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه الحاكم مختصرا وصححه، وقال الذهبي:"على شرط مسلم ".

ثانيها: حديث النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه؛ قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة.... فذكر الحديث بطوله، وفيه: "فبينما هو كذلك؛ إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه؛ قطر، وإذا رفعه؛ تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه؛ إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة (ثم ذكر خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم بسبب دعاء عيسى وأصحابه عليهم

إلى أن قال:) ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس»

الحديث.

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي:"هذا حديث غريب حسن صحيح".

ص: 99

ثالثها: حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه.... فذكر الحديث بطوله، وفيه: فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: "هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح؛ إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل؛ فإنها لك أقيمت. فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف؛ قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب. فيفتح، ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال؛ ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب اللد الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي؛ إلا أنطق الله ذلك الشيء لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق؛ إلا قال: يا عبد الله المسلم! هذا يهودي فتعال اقتله". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيكون عيسى ابن مريم عليه السلام في أمتي حكما عجلا وإماما مقسطا؛ يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتفر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة؛ فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس»

ص: 100

«بالدريهمات". قالوا: يا رسول الله! وما يرخص الفرس؟ قال: "لا تركب لحرب أبدا". قيل له: فما يغلي الثور؟ قال: "تحرث الأرض كلها» ..... الحديث.

رواه: ابن ماجه، وابن خزيمة، والحافظ الضياء المقدسي.

رابعها: حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إن الدجال خارج.... (الحديث، وفيه:) فيلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يجيء عيسى ابن مريم عليهما السلام من قبل المغرب مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والطبراني. قال الهيثمي:"رجاله رجال الصحيح".

قوله: "من قبل المغرب"؛ أي: مغرب أهل المدينة، وهو الشام، والله أعلم.

خامسها: حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أهبط الله تعالى إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال

(الحديث، وفيه:) ثم ينزل عيسى ابن مريم مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم على ملته إماما مهديا وحكما عدلا، فيقتل الدجال» .

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر".

وتقدم في (باب قتال الدجال) حديثان في ذلك:

أحدهما: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيدرك رجل من أمتي عيسى ابن مريم ويشهدون قتال الدجال» .

رواه: الترمذي في كتاب "العلل"، وابن خزيمة، والحاكم، والطبراني.

ص: 101

الثاني: حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه: أنه قال: «الدجال يخرج في بغض من الناس وخفة من الدين وسوء ذات بين، فيرد كل منهل، فتطوى له الأرض طي فروة الكبش، حتى يأتي المدينة، فيغلب على خارجها، ويمنع داخلها، ثم جبل إيلياء، فيحاصر عصابة من المسلمين، فيقول لهم الذي عليهم: ما تنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تلحقوا بالله أو يفتح لكم، فيأتمرون أن يقاتلوه إذا أصبحوا، فيصبحون ومعهم عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، ويهزم أصحابه، حتى إن الشجر والحجر والمدر يقول: يا مؤمن! هذا يهودي عندي؛ فاقتله» .

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في "تلخيصه":"على شرط البخاري ومسلم ".

قلت: وله حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.

وتقدم في (باب قتال الدجال) حديثان في ذلك:

أحدهما: حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم يسلط على قتل الدجال إلا عيسى ابن مريم عليه السلام» .

رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده".

الثاني: حديث مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يقتل ابن مريم الدجال بباب لد» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والترمذي، وابن حبان في "صحيحه". وقال الترمذي:"هذا حديث صحيح". قال: "وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عتبة وأبي برزة وحذيفة بن أسيد وأبي هريرة وكيسان

ص: 102

وعثمان بن أبي العاص وجابر وأبي أمامة وابن مسعود وعبد الله بن عمرو وسمرة بن جندب والنواس بن سمعان وعمرو بن عوف وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم".

وعن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده؛ ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها» . ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} .

رواه الشيخان. وقد رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والترمذي، وابن ماجه مختصرا. وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".

ورواه ابن مردويه ولفظه: «"يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا؛ يقتل الدجال، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويفيض المال، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين".» قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} ؛ موت عيسى ابن مريم. ثم يعيدها أبو هريرة ثلاث مرات.

وعن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لينزلن ابن مريم حكما عادلا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال؛ فلا يقبله أحد» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو بكر الآجري في "كتاب الشريعة".

وعن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:

ص: 103

«يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى ابن مريم إماما مهديا وحكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها» .

رواه: الإمام أحمد بإسناد صحيح، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه.

وعن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وإني أولى الناس بعيسى ابن مريم؛ لأنه لم يكن نبي بيني وبينه، وإنه نازل؛ فإذا رأيتموه؛ فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، عليه ثوبان ممصران، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمانة على الأرض، حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون» .

رواه: الإمام أحمد وهذا لفظه، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وابن جرير، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وأبو بكر الآجري في "كتاب الشريعة". وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وفي رواية أبي داود السجستاني وابن جرير والآجري: "ويقاتل الناس على الإسلام". وعند الآجري: "ويهلك الله في إمارته"؛ بدل: "زمانه"؛ في الموضعين كليهما. وعند الحاكم في أوله: "إن روح الله عيسى ابن مريم نازل فيكم، فإذا رأيتموه؛ فاعرفوه". وعند أحمد في رواية أخرى وأبي داود الطيالسي: "ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه".

ص: 104

وعن زياد بن سعد عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ينزل عيسى ابن مريم إماما عادلا وحكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويرجع السلم، وتتخذ السيوف مناجل، وتذهب حمة كل ذات حمة، وتنزل السماء رزقها، وتخرج الأرض بركتها، حتى يلعب الصبي بالثعبان فلا يضره، ويراعي الغنم الذئب فلا يضرها، ويراعي الأسد البقر فلا يضرها» .

رواه الإمام أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

(المناجل) : جمع منجل، وهو الآلة التي يقطع بها الحشيش ويحصد بها الزرع. قال ابن الأثير:"ومنه الحديث: "وتتخذ السيوف مناجل": أراد أن الناس يتركون الجهاد ويشتغلون بالحرث والزراعة". وكذا قال ابن منظور في "لسان العرب"؛ قال: "ومنه قيل للحديدة ذات الأسنان: منجل، والمنجل ما يحصد به". انتهى.

وقوله: "وتذهب حمة كل ذات حمة": (الحمة) ؛ بالتخفيف: السم؛ أي: ينزع سم كل دابة ذات سم، وقد تقدم تفسيره في حديث أبي أمامة الطويل في ذكر خروج الدجال.

وقد صحف أبو عبية هذا الحرف تصحيفا عجيبا، فقال في تعليقه على "النهاية" لابن كثير في (ص 169) ما نصه: " (الجمة) : الشعر المجموع في مقدم الرأس، ولعل المراد بإذهاب جمة كل ذات جمة: هو تخليص المجتمع من تصفيفات الشعر المختلفة التي تربط بالفتيات العيون الرغيبة والنفوس الشهوانية

(إلى أن قال:) وشمل الحديث رؤوس أولئك الفتيان المتأنثين المتخنثين المتخنفسين...." إلى آخر كلامه في هذا المعنى البعيد كل البعد عما ذكر في هذا الحديث.

وغفل أبو عبية عن قوله في هذا الحديث: "حتى يلعب الصبي بالثعبان

ص: 105

فلا يضره"، وغفل أيضا عما في حديث أبي أمامة الطويل، وهو في النسخة التي علق عليها من (ص 111) إلى (ص 115) ، وفيه: "وتنزع حمة كل ذات حمة، حت يدخل الوليد يده في في الحية؛ فلا تضره".

وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه مرفوعا: «"طوبى لعيش بعد المسيح، يؤذن للسماء في القطر، ويؤذن للأرض في النبات، حتى لو بذرت حبك في الصفا؛ لنبت، وحتى يمر الرجل على الأسد؛ فلا يضره، ويطأ على الحية؛ فلا تضره، ولا تشاح، ولا تحاسد، ولا تباغض".»

رواه: أبو نعيم، وأبو سعيد النقاش في "فوائد العراقيين".

«وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال لي:"ما يبكيك؟ ". قلت: يا رسول الله! ذكرت الدجال فبكيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن يخرج الدجال وأنا حي؛ كفيتكموه، وإن يخرج الدجال بعدي؛ فإن ربكم عز وجل ليس بأعور، إنه يخرج في يهودية أصبهان، حتى يأتي المدينة، فينزل ناحيتها، ولها يؤمئذ سبعة أبواب، على كل نقب منها ملكان، فيخرج إليه شرار أهلها، حتى يأتي فلسطين باب لد، فينزل عيسى عليه السلام، فيقتله، ثم يمكث عيسى عليه السلام في الأرض أربعين سنة إماما عدلا وحكما مقسطا ".

» رواه: الإمام أحمد بإسناد جيد، وابن حبان في "صحيحه".

وعن عاصم بن كليب عن أبيه؛ قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: أحدثكم ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق: «إن الأعور الدجال مسيح الضلالة يخرج من قبل المشرق في زمان اختلاف من الناس وفرقة، فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض في أربعين يوما، الله أعلم ما مقدارها، الله أعلم ما مقدارها (مرتين) ، وينزل عيسى ابن مريم، فيؤمهم، فإذا»

ص: 106

«رفع رأسه من الركعة؛ قال: سمع الله لمن حمده؛ قتل الله الدجال، وأظهر المؤمنين» .

رواه ابن حبان في "صحيحه".

ورواه البزار بنحوه، وزاد بعد قوله:"الله أعلم ما مقدارها": "فيلقى المؤمنون شدة شديدة، ثم ينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء، فيؤم الناس، فإذا رفع رأسه من ركعته؛ قال: سمع الله لمن حمده؛ قتل الله المسيح الدجال، وظهر المؤمنون"، فأحلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال: (إنه لحق، وأما أنه قريب، فكل ما هو آت قريب".

قال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح غير علي بن المنذر وهو ثقة". وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "أخرجه البزار بسند جيد".

وعن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا؛ قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله؛ لا نخلي بينكم وبين إخواننا. فيقاتلونهم، فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون؛ إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم! فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاؤوا الشام؛ خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف؛ إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله؛ ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه؛ لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته» .

ص: 107

رواه مسلم.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة". قال: "فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله هذه الأمة» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم.

وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون للمسلمين ثلاثة أمصار: مصر بملتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام، فيفزع الناس ثلاث فزعات، فيخرج الدجال في أعراض الناس، فيهزم من قبل المشرق، فأول مصر يرده المصر الذي بملتقى البحرين، فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول: نشامه ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ومع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان، وأكثر تبعه اليهود والنساء، ثم يأتي المصر الذي يليه، فيصير أهله ثلاث فرق: فرقة تقول: نشامه وننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم بغربي الشام، وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعثون سرحا لهم، فيصاب سرحهم، فيشتد ذلك عليهم، وتصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد، حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله، فبينما هم كذلك؛ إذ نادى مناد من السحر: يا أيها الناس! أتاكم الغوث؛ ثلاثا، فيقول بعضهم لبعض: إن هذا لصوت رجل شبعان، وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم: يا روح الله! تقدم صل. فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض، فيتقدم أميرهم فيصلي، فإذا قضى صلاته؛ أخذ عيسى حربته، فيذهب نحو الدجال؛ فإذا رآه الدجال؛ ذاب كما يذوب الرصاص، فيضع حربته بين ثندوته، فيقتله،»

ص: 108

«وينهزم أصحابه؛ فليس يومئذ شيء يواري منهم أحدا، حتى إن الشجرة لتقول: يا مؤمن! هذا كافر، ويقول الحجر: يا مؤمن! هذا كافر» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال الهيثمي:"وفيه علي بن زيد، وفيه ضعف، وقد وثق، وبقية رجالهما رجال الصحيح". وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بنحوه.

وعن أبي حازم الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران: أحدهما نار تأجج في عين من رآه، والآخر ماء أبيض، فإن أدركه منكم أحد؛ فليغمض وليشرب من الذي يراه نارا؛ فإنه ماء بارد، وإياكم والآخر؛ فإنه فتنة، واعلموا أنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من يكتب ومن لا يكتب، وأن إحدى عينيه ممسوحة عليها ظفرة، وأنه يطلع من آخر أمره على بطن الأردن على ثنية أفيق، وكل واحد يؤمن بالله واليوم الآخر ببطن الأردن، وأنه يقتل من المسلمين ثلثا، ويهزم ثلثا، ويبقى ثلث، فيحجز بينهم الليل، فيقول بعض المؤمنين لبعض: ما تنتظرون أن تلحقوا بإخوانكم في مرضاة ربكم؟! من كان عنده فضل طعام؛ فليعد به على أخيه، وصلوا حين ينفجر الفجر، وعجلوا الصلاة، ثم أقبلوا على عدوكم، فلما قاموا يصلون؛ نزل عيسى ابن مريم صلوات الله عليه وإمامهم يصلي بهم، فلما انصرف؛ قال: هكذا أفرجوا بيني وبين عدو الله (قال أبو حازم: قال أبو هريرة رضي الله عنه: فيذوب كما تذوب الإهالة في الشمس. وقال عبد الله بن عمرو: كما يذوب الملح في الماء) ، وسلط الله عليهم المسلمين، فيقتلونهم، حتى إن الشجر والحجر لينادي: يا عبد الله! يا عبد الرحمن! يا مسلم! هذا يهودي فاقتله، فيفنيهم الله، ويظهر المسلمون، فيكسرون الصليب، ويقتلون الخنزير، ويضعون الجزية، فبينما»

ص: 109

«هم كذلك؛ إذ أخرج الله يأجوج ومأجوج، فيشرب أولهم البحيرة ويجيء آخرهم وقد أنشفوها فما يدعون فيها قطرة، فيقولون: ظهرنا على أعدائنا، قد كان هاهنا أثر ماء، فيجيء نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وراءه حتى يدخلوا مدينة من مدائن فلسطين يقال لها: لد، فيقولون: ظهرنا على من في الأرض، فتعالوا نقاتل من في السماء. فيدعو الله نبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك، فيبعث الله عليهم قرحة في حلوقهم، فلا يبقى منهم بشر، فيؤذي ريحهم المسلمين، فيدعو عيسى صلوات الله عليه عليهم، فيرسل الله عليهم ريحا، فتقذفهم في البحر أجمعين» .

رواه: الحاكم، وابن منده في "كتاب الإيمان"، وابن عساكر، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي.

وقال ابن كثير في "النهاية": "قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في إسناد ابن منده: هذا إسناد صالح". قال ابن كثير: "وفيه سياق غريب وأشياء منكرة".

وقد زعم أبو عبية أن هذا حديث خرافة؛ قال: "ولو صح الإسناد عند الذهبي؛ فإن المتن غير صالح بمبناه ولا بمعناه، ورضي الله عن الإمام ابن كثير حيث رفضه".

والجواب أن يقال: قد صحح هذا الحديث الحاكم، وأقره الذهبي، وهو من حفاظ الحديث ونقاده، ولبعضه شواهد مما تقدم من الأحاديث الصحيحة. وعلى هذا؛ فقدح أبي عبية فيه مردود؛ لأنه قدح بغير حجة.

وقد أخطأ أيضا في زعمه أن ابن كثير رحمه الله تعالى قد رفض هذا الحديث؛ لأن ابن كثير لم يقل ما يدل على رفضه، وإنما قال: فيه سياق غريب وأشياء منكرة، وهذا لا يدل على أنه مرفوض عنده، ولا على أنه قد استنكر كل ما جاء فيه.

ص: 110

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال، ممسوح العين اليسرى، كأنها عين أبي تحي - لشيخ من الأنصار -، وإنه متى خرج؛ فإنه يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه؛ فليس ينفعه صالح من عمل سلف، ومن كفر به وكذبه؛ فليس يعاقب بشيء من عمله سلف، وإنه سيظهر على الأرض كلها؛ إلا الحرم المقدس، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس، فيزلزلون زلزالا شديدا، فيصبح فيهم عيسى ابن مريم، فيهزمه الله وجنوده، حتى إن جذم الحائط وأصل الشجرة لينادي: يا مؤمن! هذا كافر يستتر بي؛ فتعال اقتله". قال: "ولن يكون ذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم وتساءلون بينكم: هل كان نبيكم صلى الله عليه وسلم ذكر لكم منها ذكرا، وحتى تزول جبال عن مراسيها، ثم على إثر ذلك القبض» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن خزيمة، وابن حبان، والطبراني، والحاكم وهذا لفظه، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علم لي بها، فردوا أمرهم إلى عيسى، فقال: أما وجبتها؛ فلا يعلم بها أحد إلا الله، وفيما عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج ومعي قضيبان، فإذا رآني؛ ذاب كما يذوب الرصاص. قال: فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الشجر والحجر يقول: يا مسلم! إن تحتي كافرا؛ فتعال فاقتله. قال: فيهلكهم الله، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم؛ فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، هم من كل حدب ينسلون، فيطؤون بلادهم، فلا يأتون على شيء؛ إلا أهلكوه،»

ص: 111

«ولا يمرون على ماء؛ إلا شربوه. قال: ثم يرجع الناس يشكونهم، فأدعو الله عليهم، فيهلكهم ويميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم، وينزل الله المطر فيجترف أجسادهم حتى يقذقهم في البحر؛ ففيما عهد إلي ربي عز وجل أن ذلك إذا كان كذلك: أن الساعة كالحامل المتم، لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادها ليلا أو نهارا» .

رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وابن جرير، والحاكم، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وقال معمر في "جامعه" عن الزهري: أخبرني عمرو بن أبي سفيان الثقفي: أخبرني رجل من الأنصار عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال، فقال: " يأتي سباخ المدينة، وهو محرم عليه أن يدخل نقابها، فتنتفض المدينة بأهلها نفضة أو نفضتين، وهي الزلزلة، فيخرج إليه منها كل منافق ومنافقة، ثم يولي الدجال قبل الشام، حتى يأتي بعض جبال الشام، فيحاصرهم، وبقية المسلمين يومئذ معتصمون بذروة جبل من جبال الشام، فيحاصرهم الدجال، نازلا بأصله، حتى إذا طال عليهم البلاء؛ قال رجل من المسلمين: يا معشر المسلمين! حتى متى أنتم هكذا وعدو الله نازل بأصل جبلكم؟! هل أنتم إلا بين إحدى الحسنيين: بين أن يستشهدكم الله، أو يظهركم، فيتبايعون على الموت بيعة يعلم الله أنها الصدق من أنفسهم، ثم تأخذهم ظلمة لا يبصر امرؤ فيها كفه. قال: فينزل ابن مريم، فيحسر عن أبصارهم وبين أظهرهم رجل عليه لأمته، فيقولون: من أنت يا عبد الله؟ فيقول: أنا عبد الله ورسوله وروحه وكلمته عيسى ابن مريم، اختاروا بين إحدى ثلاث: بين أن يبعث الله على الدجال وجنوده عذابا من السماء، أو يخسف بهم الأرض، أو يسلط عليهم سلاحكم ويكف سلاحهم عنكم. فيقولون: هذه يا رسول الله أشفى لصدورنا ولأنفسنا؛ فيومئذ ترى اليهودي العظيم الطويل»

ص: 112

«الأكول الشروب لا تقل يده سيفه من الرعدة، فينزلون إليهم، فيسلطون عليهم: ويذوب الدجال حين يرى ابن مريم كما يذوب الرصاص، حتى يأتيه (أو: يدركه) عيسى فيقتله» .

قال الحافظ ابن كثير بعد إيراده في "النهاية": "قال شيخنا الحافظ الذهبي: هذا حديث قوي الإسناد". انتهى.

قلت: وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر، وهذا لفظ عبد الرزاق.

وعن النعمان بن سالم؛ قال: سمعت يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي؛ قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وجاءه رجل فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به؛ تقول إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا؟ فقال: سبحان الله (أو: لا إله إلا الله، أو كلمة نحوها) ! لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيا أبدا، إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما يحرق البيت ويكون ويكون، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في أمتي، فيمكث أربعين، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما، فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه، فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل؛ لدخلته عليه حتى تقبضه". قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دارٌّ رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا". قال: "وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله". قال: "فيصعق ويصعق الناس، ثم»

ص: 113

«يرسل الله (أو قال: ينزل الله) مطرا كأنه الطل (أو الظل؛ نعمان الشاك) ، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى؛ فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس! هلم إلى ربكم، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} . قال: ثم يقال: أخرجوا بعث النار. فيقال: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين. قال: فذاك يوم يجعل الولدان شيبا، وذلك يوم يكشف عن ساق» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي.

وعن عبد الله بن عمرو أيضا رضي الله عنه: "أن رجلا قال له: أنت الذي تزعم أن الساعة تقوم إلى مائة سنة؟ قال: سبحان الله! وأنا أقول ذلك؟! ومن يعلم قيام الساعة إلا الله؟! إنما قلت: ما كانت رأس مائة للخلق منذ خلقت الدنيا؛ إلا كان عند رأس المائة أمر. ثم قال: يوشك أن يخرج ابن حمل الضأن. قيل: وما ابن حمل الضأن؟ قال: رومي أحد أبويه شيطان، يسير إلى المسلمين في خمس مائة ألف برا، وخمس مائة ألف بحرا، حتى ينزل بين عكا وصور، ثم يقول: يا أهل السفن! اخرجوا منها. ثم أمر بها فأحرقت، ثم يقول لهم: لا قسطنطينية لكم ولا رومية حتى يفصل بيننا وبين العرب. قال: فيستمد أهل الإسلام بعضهم بعضا، حتى تمدهم عدن أبين على قلصاتهم، فيجتمعون، فيقتتلون، فتكاتبهم النصارى الذين بالشام، ويخبرونهم بعورات المسلمين، فيقول المسلمون: الحقوا؛ فكلكم لنا عدو حتى يقضي الله بيننا وبينكم. فيقتتلون شهرا، لا يكل لهم سلاح ولا لكم، ويقذف الصبر عليكم وعليهم.

قال: وبلغنا أنه إذا كان رأس الشهر؛ قال ربكم: اليوم أسل سيفي فأنتقم من أعدائي وأنصر أوليائي. فيقتتلون مقتلة ما رئي مثلها قط، حتى ما تسير الخيل إلا على الخيل، وما يسير الرجل إلا على الرجل، وما يجدون خلقا يحول بينهم وبين القسطنطينية ولا رومية، فيقول أميرهم: لا غلول اليوم، من أخذ اليوم

ص: 114

شيئا؛ فهو له. قال: فيأخذون ما يخف عليهم، ويدعون ما ثقل عليهم، فبينما هم كذلك؛ إذ جاءهم أن الدجال قد خلفكم في ذراريكم، فيرفضون ما في أيديهم، ويقبلون، ويصيب الناس مجاعة شديدة، حتى إن الرجل ليحرق وتر قوسه فيأكله، وحتى إن الرجل ليحرق جحفته فيأكلها، حتى إن الرجل ليكلم أخاه، فما يسمعه الصوت من الجهد، فبينما هم كذلك؛ إذ سمعوا صوتا من السماء: أبشروا؛ فقد أتاكم الغوث. فيقولون: نزل عيسى ابن مريم. فيستبشرون، ويستبشر بهم، ويقولون: صل يا روح الله! فيقول: إن الله أكرم هذه الأمة؛ فلا ينبغي لأحد أن يؤمهم إلا منهم، فيصلي أمير المؤمنين بالناس.

قيل: وأمير الناس يومئذ معاوية بن أبي سفيان؟ قال: لا. ويصلي عيسى خلفه؛ فإذا انصرف عيسى؛ دعا بحربته، فأتى الدجال، فقال: رويدك يا دجال يا كذاب! فإذا رأى عيسى وعرف صوته؛ ذاب كما يذوب الرصاص إذا أصابته النار، وكما تذوب الألية إذا أصابتها الشمس، ولولا أنه يقول رويدا؛ لذاب حتى لا يبقى منه شيء، فيحمل عليه عيسى، فيطعن بحربته بين ثدييه، فيقتله، ويتفرق جنده تحت الحجارة والشجر، وعامة جنده اليهود والمنافقون، فينادي الحجر: يا روح الله! هذا تحتي كافر؛ فاقتله. فيأمر عيسى بالصليب فيكسر، والخنزير فيقتل، وتضع الحرب أوزارها، حتى إن الذئب ليربض إلى جنب الغنم ما يغمزها، وحتى إن الصبيان ليلعبون بالحيات ما تنهشهم، وتملأ الأرض عدلا، فبينما هم كذلك؛ إذ سمعوا صوتا قال: فتحت يأجوج ومأجوج، وهو كما قال تعالى:{وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} ، فيفسدون الأرض كلها، حتى إن أوائلهم ليأتي النهر العجاج، فيشربونه كله، وإن آخرهم ليقول: قد كان هاهنا نهر. ويحاصرون عيسى ومن معه ببيت المقدس، ويقولون: ما نعلم في الأرض أحدا إلا ذبحناه، هلموا نرمي من في السماء، فيرمون، حتى ترجع إليهم سهامهم في نصولها الدم قليلا، فيقولون: ما بقي في الأرض ولا في السماء.

ص: 115

فيقول المؤمنون: يا روح الله! ادع عليهم بالفناء. فيدعو الله عليهم، فيبعث النغف في آذانهم، فيقتلهم في ليلة واحدة، فتنتن الأرض كلها من جيفهم، فيقولون: يا روح الله! نموت من النتن. فيدعو الله، فيبعث وابلا من المطر، فجعله سيلا، فيقذفهم كلهم في البحر، ثم يسمعون صوتا، فيقال: مه! قيل: غزي البيت الحصين. فيبعثون جيشا، فيجدون أوائل ذلك الجيش، ويقبض عيسى ابن مريم، ووليه المسلمون وغسلوه وحنطوه وكفنوه وصلوا عليه وحفروا له ودفنوه، فيرجع أوائل الجيش والمسلمون ينفضون أيديهم من تراب قبره، فلا يلبثون بعد ذلك إلا يسيرا حتى يبعث الله الريح اليمانية. قيل: وما الريح اليمانية؟ قال: ريح من قبل اليمن، ليس على الأرض مؤمن يجد نسيمها إلا قبضت روحه. قال: ويسرى على القرآن في ليلة واحدة، ولا يترك في صدور بني آدم ولا في بيوتهم منه شيء إلا رفعه الله، فيبقى الناس ليس فيهم نبي وليس فيهم قرآن وليس فيهم مؤمن. قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: فعند ذلك أخفي علينا قيام الساعة، فلا ندري كم يتركون، كذلك تكون الصيحة. وقال: لم تكن صيحة قط إلا بغضب من الله على أهل الأرض. قال: وقال تعالى: {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} . قال: فلا أدري كم يتركون كذلك؟ "

رواه ابن عساكر، ونقله عنه صاحب "كنز العمال"، ولبعضه شواهد كثيرة من وجوه متعددة.

وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وينزل عيسى ابن مريم عليه السلام» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم.

ص: 116

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون، على الحق ظاهرين، حتى ينزل عيسى ابن مريم» .

رواه ابن عساكر في "تاريخه".

وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينزل الدجال المدينة، ولكنه بين الخندق، وعلى كل نقب منها ملائكة يحرسونها، فأول من يتبعه النساء، فيؤذونه، فيرجع غضبان حتى ينزل الخندق؛ فعند ذلك ينزل عيسى ابن مريم» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير عقبة بن مكرم بن عقبة الضبي، وهو ثقة".

وعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وقال البخاري في "التاريخ الكبير": قال هشام بن خالد: أخبرنا الوليد بن مسلم؛ قال: حدثني ربيعة بن ربيعة؛ قال: حدثني نافع بن كيسان عن أبيه؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ينزل عيسى ابن مريم بشرقي دمشق عند المنارة البيضاء» .

وذكر الحافظ ابن حجر في "الإصابة" أن ابن السكن والطبراني وابن منده أخرجوه من طريق ربيعة بن ربيعة عن نافع بن كيسان عن أبيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق» ، وكذا أخرجه الربعي في "فضائل الشام"، وتمام في "فوائده"؛ من طريق هشام بن خالد عن الوليد بن مسلم عن ربيعة، ورجاله ثقات. انتهى.

ص: 117

قلت: وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر هذا الحديث في "الاستيعاب"، وذكر أن إسناده صالح.

وروى تمام وابن عساكر عن عبد الرحمن بن أيوب بن نافع بن كيسان عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينزل عيسى ابن مريم عند باب دمشق عند المنارة البيضاء لست ساعات من النهار في ثوبين ممشقين كأنما ينحدر من رأسه اللؤلؤ» .

(الثوب الممشق) : هو الثوب المصبوغ بالمغرة.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في «قوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} . قال: "نزول عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة» .

رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقد روي موقوفا وتقدم ذكره.

وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: «إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسألون عن الخير وكنت أسأل عن الشر مخافة أن أدركه.... فذكر الحديث، وفيه: قلت: يا رسول الله! فما بعد دعاة الضلالة؟ قال: "خروج الدجال". قلت: يا رسول الله! وما يجيء الدجال؟ قال: "يجيء بنار ونهر، فمن وقع في ناره؛ وجب أجره وحط وزره". قلت: يا رسول الله! فما بعد الدجال؟ قال: " عيسى ابن مريم ". قلت: فما بعد عيسى ابن مريم؟ قال: "لو أن رجلا أنتج فرسا؛ لم يركب مهرها حتى تقوم الساعة» .

رواه: ابن أبي شيبة، وابن عساكر في "تاريخه".

وعنه رضي الله عنه؛ قال: قلت: يا رسول الله! الدجال قبل أو عيسى ابن

ص: 118

مريم؟ قال: «الدجال، ثم عيسى ابن مريم، ثم لو أن رجلا أنتج فرسا؛ لم يركب مهرها حتى تقوم الساعة» .

رواه نعيم بن حماد في "الفتن".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الهند:«يغزو الهند منكم جيش، يفتح الله عليهم حتى يأتوا بملوكهم مغللين بالسلاسل، يغفر الله ذنوبهم، فينصرفون حين ينصرفون، فيجدون ابن مريم بالشام» .

رواه نعيم بن حماد.

وعن ثوبان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم عليه السلام» .

رواه: الإمام أحمد، والنسائي، والطبراني، والحافظ الضياء المقدسي.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لن تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى ابن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها» .

رواه النسائي وغيره.

وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف تهلك أمة أنا أولها، والمهدي وسطها، وعيسى ابن مريم آخرها؟ ولكن بين ذلك نهج أعوج ليسوا مني ولا أنا منهم» .

رواه رزين وهو مرسل.

وعن جبير بن نفير مرسلا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليدركن الدجال قوما مثلكم»

ص: 119

«أو خيرا منكم، ولن يخزي الله أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها» .

رواه: ابن أبي شيبة، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين".

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير أمتي أولها وآخرها، وفي وسطها الكدر، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها» .

رواه الحكيم الترمذي.

وعن عروة بن رويم مرسلا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير هذه الأمة أولها وآخرها: أولها فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخرها فيهم عيسى ابن مريم، وبين ذلك ثبج أعوج، ليس منك ولست منهم» .

رواه أبو نعيم في "الحلية".

وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الكافية الشافية".

ولقد أتى أثر بأن الفضل في ال

طرفين أعني أولا والثاني

والوسط ذو ثبج فأعوج هكذا

جاء الحديث وليس ذا نكران

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: "ينزل عيسى ابن مريم؛ فإذا رآه الدجال؛ ذاب كما تذوب الشحمة، فيقتل الدجال، ويتفرق اليهود، فيقتلون، حتى إن الحجر يقول: يا عبد الله المسلم! هذا يهودي؛ فتعال فاقتله".

رواه ابن أبي شيبة.

وروى عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن أيوب أو غيره عن ابن سيرين؛ قال: "ينزل ابن مريم عليه لأمته وممصرتان بين الأذان والإقامة، فيقولون له: تقدم. فيقول: بل يصلي بكم إمامكم، أنتم أمراء بعضكم على

ص: 120

بعض".

وروى عبد الرزاق أيضا عن معمر؛ قال "كان ابن سيرين يرى أنه المهدي الذي يصلي وراءه عيسى ".

وروى عبد الرزاق أيضا عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه يرويه؛ قال: "ينزل عيسى ابن مريم إماما هاديا ومقسطا عادلا، فإذا نزل؛ كسر الصليب، وقتل الخنزير، ووضع الجزية، وتكون الملة واحدة، ويوضع الأمن في الأرض، حتى إن الأسد ليكون مع البقر تحسبه ثورها، ويكون الذئب مع الغنم تحسبه كلبها، وترفع حمة كل ذات حمة، حتى يضع الرجل يده على رأس الحنش فلا يضره، وحتى تفر الجارية الأسد كما يفر ولد الكلب الصغير، ويقوم الفرس العربي بعشرين درهما، ويقوم الثور بكذا وكذا، وتعود الأرض كهيئتها على عهد آدم، ويكون القطف (يعني: العنقاد) يأكل منه النفر ذو العدد، وتكون الرمانة يأكل منها النفر ذو العدد".

وروى عبد الرزاق أيضا عن معمر عن زيد بن أسلم عن رجل عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم إماما مقسطا، وتسلب قريش الإمارة، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، وتوضع الجزية، وتكون السجدة واحدة لرب العالمين، وتضع الحرب أوزارها، وتملأ الأرض من الإسلام كما تملأ الآبار من الماء، وتكون الأرض كفاثور الورق - يعني: المائدة -، وترفع الشحناء والعداوة، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، ويكون الأسد في الإبل كأنه فحلها".

وهذه الآثار لها حكم الرفع؛ لأنها لا تقال من قبل الرأي، وإنما تقال عن توقيف، ولها شواهد كثيرة مما تقدم من الأحاديث الصحيحة وما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ص: 121