المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بابالترغيب في سكنى المدينة إذا خرج الدجال - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - جـ ٣

[حمود بن عبد الله التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌بابما جاء في شيعة الدجال وأتباعه

- ‌بابفي أول من يفزعهم الدجال

- ‌بابالترغيب في سكنى المدينة إذا خرج الدجال

- ‌بابما جاء في قتال الدجال

- ‌بابفي‌‌ تعيين الموضع الذي يقتل فيه الدجال

- ‌ تعيين الموضع الذي يقتل فيه الدجال

- ‌باب‌‌ما جاء في نزول عيسى إلى الأرض

- ‌ما جاء في نزول عيسى إلى الأرض

- ‌بابأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقراء السلام على المسيح

- ‌بابأن المسيح يحكم بالشريعة المحمدية

- ‌بابما جاء في خروج يأجوج ومأجوج

- ‌بابما جاء في خروج الدابة من الأرض

- ‌بابفضل العبادة في آخر الزمان

- ‌بابما جاء في ترك الحج

- ‌بابما جاء في رفع البيت

- ‌بابما جاء في هبوب الريح الطيبة

- ‌بابما جاء في كثرة المطر وقلة النبات

- ‌بابما جاء في كثرة الروم في آخر الزمان

- ‌بابفيمن تقوم عليهم الساعة

- ‌بابما جاء في نداء المنادي بين يدي الصيحة

- ‌باب‌‌النفخ في الصور

- ‌النفخ في الصور

- ‌فصلفي صفة الجنة والترغيب فيها وصفة أهلها

- ‌فصلفي صفة النار والترهيب منها وصفة أهلها

الفصل: ‌بابالترغيب في سكنى المدينة إذا خرج الدجال

‌باب

الترغيب في سكنى المدينة إذا خرج الدجال

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على فلق من أفلاق الحرة ونحن معه، فقال:«نعمت الأرض المدينة إذا خرج الدجال» .... الحديث.

رواه: الإمام أحمد في "المسند"، وابنه عبد الله في كتاب "السنة" من طريقه، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

باب

في دعاوى الدجال

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته ما يحذرنا الدجال؛ قال:«إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: أنا ربكم، ولن تروا ربكم حتى تموتوا»

الحديث.

رواه: ابن ماجه، وابن خزيمة، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، والحاكم في "المستدرك"، والحافظ الضياء المقدسي، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

باب

أن الدجال آخر الكذابين وأعظمهم فتنة

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وإنه والله؛ لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الأعور الدجال» .

ص: 31

رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين يدي الساعة كذابون، منهم صاحب اليمامة، ومنهم صاحب صنعاء العنسي، ومنهم صاحب حِمْيَر، ومنهم الدجال، وهو أعظمهم فتنة» .

رواه: الإمام أحمد، والبزار، وابن حبان في "صحيحه". قال الهيثمي:"وفي إسناد البزار عبد الرحمن بن مغراء، وثقه جماعة، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة، وهو لين".

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونن قبل يوم القيامة المسيح الدجال وكذابون ثلاثون أو أكثر» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى.

وفي رواية: «ليكونن قبل المسيح الدجال كذابون ثلاثون أو أكثر» .

ورواه الطبراني ولفظه: قال: «بين يدي الساعة الدجال، وبين يدي الدجال كذابون ثلاثون أو أكثر ". قلنا: ما آيتهم؟ قال: "أن يأتوكم بسنة لم تكونوا عليها يغيرون بها سنتكم ودينكم، فإذا رأيتموهم؛ فاجتنبوهم وعادوهم» .

باب

الأمر بالتفل في وجه الدجال

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته ما يحذرنا الدجال؛ قال:«إنه يبدأ فيقول: أنا نبي، ثم يثني فيقول:»

ص: 32

«أنا ربكم، ولن تروا ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، من لقيه؛ فليتفل في وجهه» .

رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "كتاب السنة"، ورواته ثقات، ورواه الطبراني والحاكم في "مستدركه"، وقالا فيه:«فمن لقيه منكم؛ فليتفل في وجهه، وليقرأ فواتح سورة أصحاب الكهف»

الحديث.

قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

باب

في قصة المؤمن مع الدجال

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال، فكان فيما حدثنا: قال: «يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس (أو: من خير الناس) ، فيقول له: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله حديثه، فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته؛ أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. قال: فيقتله، ثم يحييه، فيقول حين يحييه: والله؛ ما كنت فيك قط أشد بصيرة مني الآن. قال: فيريد الدجال أن يقتله؛ فلا يسلط عليه» .

رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والإمام أحمد، والشيخان. زاد عبد الرزاق:"قال معمر: وبلغني أنه يجعل على حلقه صفيحة من نحاس، وبلغني أنه الخضر الذي يقتله الدجال ثم يحييه".

ص: 33

ورواه مسلم أيضا من حديث أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال، فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فتلقاه المسالح؛ مسالح الدجال، فيقولون له: أين تعمد؟ فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج". قال: "فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء. فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه". قال: "فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن؛ قال: يا أيها الناس! هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قال: "فيأمر الدجال به، فيشبح، فيقول: خذوه وشجوه. فيوسع ظهره وبطنه ضربا". قال: "فيقول: أوما تؤمن بي؟ ". قال: "فيقول: أنت المسيح الكذاب ". قال: "فيؤمر به، فيؤشر بالمئشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه". قال: "ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم؛ فيستوي قائما". قال: "ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة ". قال: "ثم يقول: يا أيها الناس! إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس". قال: "فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى تَرْقُوَتِه نحاسا، فلا يستطيع إليه سبيلا". قال: "فيأخذ بيديه ورجليه، فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين» .

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة "فتح الباري": "حديث أبي سعيد في قصة الدجال: "فيخرج إليه رجل هو خير الناس يومئذ ": ذكر إبراهيم ابن سفيان الراوي عن مسلم أنه يقال: إنه الخضر، وكذا حكاه معمر وجماعة، وهذا إنما يتم على رأي من يدعي بقاء الخضر، والذي جزم به البخاري وإبراهيم الحربي وآخرون من محققي الحديث خلاف ذلك ". انتهى.

ص: 34

ورواه: عبد بن حميد، وأبو يعلى، والبزار؛ من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لم يكن نبي إلا قد أنذر الدجال قومه، وإني أنذركموه: إنه أعور، ذو حدقة جاحظة لا تخفى، كأنها نخاعة في جنب جدار، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، ومعه مثل الجنة ومثل النار، فجنته غبراء ذات دخان، وناره روضة خضراء، وبين يديه رجلان ينذران أهل القرى، كلما خرجا من قرية؛ دخل أوائلهم، ويسلط على رجل لا يسلط على غيره، فيذبحه، ثم يضربه بعصاه، ثم يقول: قم. فيقوم، فيقول لأصحابه: كيف ترون؟ ألست بربكم؟ فيشهدون له بالشرك، فيقول الرجل المذبوح: يا أيها الناس! إن هذا المسيح الدجال الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله؛ ما زادني هذا فيك إلا بصيرة. فيعود أيضا، فيذبحه، ثم يضربه بعصاه، فيقول له: قم. فيقوم، فيقول لأصحابه: كيف ترون؟ ألست بربكم؟ فيشهدون له بالشرك. فيقول المذبوح: يا أيها الناس! إن هذا المسيح الدجال الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله؛ ما زادني قتله هذا إلا بصيرة. فيعود فيذبحه الثالثة، فيضربه بعصا معه، فيقول: قم. فيقوم، فيقول لأصحابه: كيف ترون؟ ألست بربكم؟ فيشهدون له بالشرك، فيقول المذبوح: يا أيها الناس! إن هذا المسيح الدجال الذي أنذرناه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما زادني هذا فيك إلا بصيرة. فيعود ليذبحه الرابعة، فيضرب الله على حلقه بصفيحة نحاس؛ فلا يستطيع ذبحه» .

قال أبو سعيد: كنا نرى ذلك الرجل عمر بن الخطاب؛ لما نعلم من قوته وجلده.

قال الهيثمي: "فيه الحجاج بن أرطاة، وهو مدلس، وعطية ضعيف وقد وثق".

وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث عطية، وفيه زيادات كثيرة، ومغايرة في بعض الألفاظ، ولفظه: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا كل نبي قد أنذر أمته الدجال، وإنه يومه هذا قد»

ص: 35

«أكل الطعام، وإني عاهد عهدا لم يعهده نبي لأمته قبلي، ألا إن عينه اليمنى ممسوحة الحدقة جاحظة فلا تخفى، كأنها نخاعة في جنب حائط، ألا وإن عينه اليسرى كأنها كوكب دري، معه مثل الجنة ومثل النار، فالنار روضة خضراء، والجنة غبراء ذات دخان، ألا وإن بين يديه رجلين ينذران أهل القرى، كلما دخلا قرية؛ أنذرا أهلها، فإذا خرجا منها؛ دخلها أول أصحاب الدجال، ويدخل القرى كلها؛ غير مكة والمدينة حرما عليه، والمؤمنون متفرقون في الأرض، فيجمعهم الله له، فيقول رجل من المؤمنين لأصحابه: لأنطلقن إلى هذا الرجل؛ فلأنظرن أهو الذي أنذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟ ثم ولى، فقال له أصحابه: والله؛ لا ندعك تأتيه، ولو أنا نعلم أنه يقتلك إذا أتيته؛ خلينا سبيلك، ولكنا نخاف أن يفتنك. فأبى عليهم الرجل المؤمن إلا أن يأتيه، فانطلق يمشي، حتى أتى مسلحة من مسالحه، فأخذوه، فسألوه: ما شأنك وما تريد؟ قال لهم: أريد الدجال الكذاب. قالوا: إنك تقول ذلك؟ قال: نعم. فأرسلوا إلى الدجال: إنا قد أخذنا من يقول كذا وكذا فنقتله أو نرسله إليك؟ قال: أرسلوه إلي. فانطلق به، حتى أتي به الدجال، فلما رآه؛ عرفه لنعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الدجال: ما شأنك؟ فقال العبد المؤمن: أنت الدجال الكذاب الذي أنذرناك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال له الدجال: أنت تقول هذا؟ قال: نعم. قال له الدجال: لتطيعني فيما أمرتك وإلا شققتك شقتين. فنادى العبد المؤمن، فقال: أيها الناس! هذا المسيح الكذاب، فمن عصاه؛ فهو في الجنة، ومن أطاعه؛ فهو في النار. فقال له الدجال: والذي أحلف به؛ لتطيعني أو لأشقنك شقتين. فنادى العبد المؤمن، فقال: أيها الناس! هذا المسيح الكذاب، فمن عصاه؛ فهو في الجنة، ومن أطاعه؛ فهو في النار. قال: فمد برجله، فوضع حديدته على عجب ذنبه، فشقه شقتين. فلما فعل به ذلك؛ قال الدجال لأوليائه: أرأيتم إن أحييت هذا لكم؛ ألستم تعلمون أني ربكم؟ قالوا: بلى". قال عطية:»

ص: 36

«فحدثني أبو سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضرب أحد شقيه أو الصعيد عنده، فاستوى قائما، فلما رآه أولياؤه؛ صدقوه وأيقنوا أنه ربهم، وأجابوه، واتبعوه. قال الدجال للعبد المؤمن: ألا تؤمن بي؟ قال له المؤمن: لأنا الآن أشد فيك بصيرة من قبل. ثم نادى في الناس: ألا إن هذا المسيح الكذاب، فمن أطاعه؛ فهو في النار، ومن عصاه؛ فهو في الجنة. فقال الدجال: والذي أحلف به؛ لتطيعني، أو لأذبحنك، أو لألقينك في النار. فقال له المؤمن: والله؛ لا أطيعك أبدا. فأمر به، فأضجع". قال: فقال لي أبو سعيد: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثم جعل صفيحتين من نحاس بين تراقيه ورقبته". قال: وقال أبو سعيد: ما كنت أدري ما النحاس قبل يومئذ. "فذهب ليذبحه، فلم يستطع، ولم يسلط عليه بعد قتله إياه". قال: فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأخذ بيديه ورجليه، فألقاه في الجنة، وهي غبراء ذات دخان، يحسبها النار؛ فذلك الرجل أقرب أمتي مني درجة". قال: فقال أبو سعيد: ما كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحسبون ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى سلك عمر سبيله. قال: ثم قلت له: فكيف يهلك؟ قال: الله أعلم. قال: فقلت: أخبرت أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام هو يهلكه. فقال: الله أعلم؛ غير أنه يهلكه الله ومن اتبعه. قال: قلت: فماذا يكون بعده؟ قال: حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم أنهم يغرسون بعده الغروس، ويتخذون من بعده الأموال. قال: قلت: سبحان الله! أبعد الدجال يغرسون الغروس ويتخذون من بعده الأموال؟! قال: نعم، حدثني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

قال الحاكم: "هذا أعجب حديث في ذكر الدجال، تفرد به عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولم يحتج الشيخان بعطية". قال الذهبي في "تلخيصه": "عطية ضعيف".

ص: 37

وقد زعم أبو عبية في عنوان وضعه في (ص116) من "النهاية" لابن كثير مترجما به على حديث أبي سعيد المتفق على صحته - وهو المذكور في أول الباب -: أنه يجب صرفه عن ظاهره إلى التأويل.

وهذا ظاهر في تكذيبه لقصة المؤمن مع الدجال، مع ثبوتها في "الصحيحين"، بل إنه ينكر خروج الدجال بالكلية؛ كما سيأتي ذكر ذلك عنه بعد الأحاديث الواردة في قتل الدجال إن شاء الله تعالى.

ثم تكلم أبو عبية على حديث أبي الوداك عن أبي سعيد رضي الله عنه في حاشية (ص118) ، وتكلم أيضا في (ص134) على حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما المذكور بعد روايات حديث أبي سعيد وبعد حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه بما يقتضي إنكار ما جاء في الحديثين من قتل الدجال للرجل المؤمن ثم إحيائه.

ومن بلغ به الأمر إلى إنكار ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الشك فيه؛ فهو بلا شك لم يحقق شهادة أن محمدا رسول الله؛ لأن من لازم تحقيقها تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من الغيوب الماضية والآتية.

قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} .

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه.... فذكر الحديث، وفيه:«وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة، فيقتلها، وينشرها بالمنشار، حتى يلقى شقتين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا؛ فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربا غيري، فيبعثه الله، ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله وأنت عدو الله، أنت الدجال، والله، ما كنت قط أشد بصيرة بك مني اليوم» .

رواه: ابن ماجه، وابن خزيمة، والحافظ الضياء المقدسي.

ص: 38

زاد ابن ماجه: قال أبو الحسن الطنافسي: فحدثنا المحاربي: حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة» . قال: قال أبو سعيد: ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله.

وقد رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال فيه:"وإنه يسلط على نفس من بني آدم، فيقتلها ثم يحييها، وإنه لا يعدو ذلك، ولا يسلط على نفس غيرها".

قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال في الدجال: «ما شبه عليكم منه؛ فإن الله عز وجل ليس بأعور، يخرج، فيكون في الأرض أربعين صباحا، يرد منها كل منهل؛ إلا الكعبة وبيت المقدس والمدينة، الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، ومعه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار، معه جبل من خبز ونهر من ماء، يدعو رجلا، فلا يسلطه الله إلا عليه، فيقول: ما تقول في؟ فيقول: أنت عدو الله، وأنت الدجال الكذاب. فيدعو بمنشار، فيضعه حذو رأسه، فيشقه حتى يقع على الأرض، ثم يحييه، فيقول: ما تقول؟ فيقول: والله؛ ما كنت أشد بصيرة مني فيك الآن، أنت عدو الله الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فيهوي إليه بسيفه، فلا يستطيعه، فيقول: أخروه عني» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفهم".

وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه؛ قال: «أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقيق، حتى إذا كنا على الثنية التي يقال لها: ثنية الحوض، التي بالعقيق؛ أومأ بيده قبل المشرق، فقال: "إني لأنظر إلى مواقع عدو الله المسيح، إنه يقبل»

ص: 39

«حتى ينزل من كذا، حتى يخرج إليه غوغاء الناس، ما من نقب من أنقاب المدينة؛ إلا عليه ملك أو ملكان يحرسانه، معه صورتان: صورة الجنة وصورة النار، معه شياطين يشبهون بالأموات، يقولون للحي: تعرفني؟ أنا أخوك أو أبوك أو ذو قرابة منه، ألست قد مت؟ هذا ربنا فاتبعه، فيقضي الله ما يشاء منه، ويبعث الله رجلا من المسلمين، فيسكته، ويبكته، ويقول: أيها الناس! لا يغرنكم؛ فإنه كذاب، ويقول باطلا، وليس ربكم بأعور. فيقول: هل أنت متبعي؟ فيأبى، فيشقه شقتين، ويعطى ذلك، ويقول: أعيده لكم. فيبعثه الله عز وجل أشد ما كان له تكذيبا وأشده شتما، فيقول: أيها الناس! إن ما رأيتم بلاء ابتليتم به وفتنة افتتنتم بها، إن كان صادقا؛ فليعدني مرة أخرى، وإلا؛ هو كذاب. فيأمر به إلى هذه النار، وهي صورة الجنة، فيخرج قبل الشام» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف جدا".

وعن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه؛ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة..... فذكر الحديث، وفيه:«ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك» ..... الحديث.

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي:"هذا حديث غريب حسن صحيح".

وعن جنادة بن أبي أمية؛ قال: أتيت رجلا من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، فقلت له: حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، ولا تحدثني عن غيرك، وإن كان عندك مصدقا. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنذرتكم فتنة الدجال، فليس من نبي إلا أنذره قومه أو أمته، وإنه آدم، جعد، أعور عينه»

ص: 40

«اليسرى، وإنه يمطر المطر، ولا ينبت الشجر، وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها، ولا يسلط على غيرها، وإنه معه جنة ونار، ونهر ماء وجبل خبز، وإن جنته نار وناره جنة، وإنه يلبث فيكم أربعين صباحا، يرد فيها كل منهل؛ إلا أربع مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، والطور، ومسجد الأقصى، وإن شكل عليكم أوش به؛ فإن الله عز وجل ليس بأعور» .

رواه الإمام أحمد بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: "يسلط الدجال على رجل من المسلمين، فيقتله، ثم يحييه، ثم يقول: ألست بربكم؟ ألا ترون أني أحيي وأميت؟ والرجل ينادي: يا أهل الإسلام! بل هو عدو الله الكافر الخبيث، إنه والله لا يسلط على أحد بعدي".

رواه ابن أبي شيبة.

وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "إن الدجال إذا خرج؛ يخرج من نحو المشرق، فيكثر جنوده ومسالحه، فلا يخلص إليه إلا من قال: أنا وافد، فيجيء رجل، فيقول: أنا وافد، فإذا رآه الدجال؛ قال: ابن آدم! ألست تعلم أني ربك؟ قال: لا؛ أنت عدو الله الدجال. قال: فإني قاتلك. قال: وإن قتلتني. قال: فيأخذ المنشار، فيضعه بين ثنته، فيشقه شقتين، ثم يقول لمن حوله: كيف إذا أنا أحييته؟ قالوا: فذاك حين نتيقن أنك ربنا". قال: "فيحييه". قال: "فيقول له: ابن آدم! زعمت أني لست ربك؟ قال: ما كنت قط أشد بصيرة مني فيك الآن. قال: إني ذابحك. قال: وإن ذبحتني ". قال: "فيريد ذبحه، فلا يستطيع ذبحه، فيقول من يحييه: إن كنت صادقا؛ فلتذبحني. فعند ذلك يرتاب فيه

ص: 41

جنوده، وينزل عيسى ابن مريم، فإذا رآه، ووجد ريحه؛ ذاب كما يذوب الرصاص ".

رواه مسدد موقوفا. قال البوصيري: "ورواته ثقات".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال في الدجال: "هو أعور ممسوح العين اليمنى، يسلطه الله على رجل من هذه الأمة، فيقتله، ثم يضربه فيحييه، ثم لا يصل إلى قتله، ولا يسلط على غيره".

رواه: إسحاق بن بشر، وابن عساكر في "تاريخه".

باب

ما جاء في فتنة الدجال

تقدم في (باب صفة الدجال) عدة أحاديث في ذلك:

منها: حديث أبي قلابة عن هشام بن عامر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن رأس الدجال من ورائه حُبُك حُبُك، فمن قال: أنت ربي؛ افتتن، ومن قال: كذبت؛ ربي الله، عليه توكلت؛ فلا يضره (أو قال: فلا فتنة عليه) » .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

ومنها حديث أبي قلابة أيضا عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بنحو حديث هشام بن عامر رضي الله عنه.

رواه الإمام بإسنادين، كل منهما صحيح على شرط الشيخين.

ومنها حديث حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدجال»

ص: 42

«أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة وجنته نار» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه.

ومنها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال، وأنا أحذركم الدجال: إنه أعور، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه الكاتب وغير الكاتب، معه جنة ونار؛ فناره جنة وجنته نار» .

رواه: البزار، والطبراني. قال الهيثمي:"وفيه خنيس بن عامر ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا".

وقد رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في "مسنده" عن يحيى بن بكير عن خنيس بن عامر عن أبي قبيل عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه.

قال ابن كثير في "النهاية": "قال شيخنا الحافظ الذهبي: تفرد به خنيس، وما علمنا به جرحا، وإسناده صحيح ".

قلت: قد ذكر البخاري وابن أبي حاتم خنيس بن عامر، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقالوا جميعا:"هو المعافري "، زاد ابن حبان:"من أهل مصر"، وذكروا جميعا أنه يروي عن أبي قبيل، وروى عنه يحيى بن بكير، وعلى هذا؛ فإسناده حسن إن شاء الله، وقد يقال: إنه صحيح؛ كما قاله الذهبي رحمه الله.

ومنها حديث أبي الوداك؛ قال: قال لي أبو سعيد: هل يقر الخوارج بالدجال؟ فقلت: لا. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني خاتم ألف نبي وأكثر، ما بعث نبي يتبع؛ إلا قد حذر أمته الدجال، وإني قد بين لي من أمره ما لم يبين لأحد، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وعينه اليمنى عوراء جاحظة ولا تخفى، كأنها نخامة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري، معه»

ص: 43

«من كل لسان، ومعه صورة الجنة خضراء يجري فيها الماء، وصورة النار سوداء تدخن» .

رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "فيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي في رواية، وقال في أخرى: ليس بالقوي، وضعفه جماعة".

وقد علق أبو عبية على هذا الحديث في (ص121) من "النهاية" لابن كثير، فزعم أنه ليس مع الدجال جنة ولا نار على الحقيقة، وإنما ذلك إشارة إلى ما يتوفر للدجاجلة دعاة الباطل ونصراء الهوى من القوى المادية التي تفتن ضعاف النفوس.

والجواب أن يقال: قد تضافرت الأحاديث الدالة على أن الدجال يكون معه جنة ونار.

وفي "الصحيحين" وغيرهما أن معه ماء ونارا؛ فناره ماء وماؤه نار.

وفي "الصحيحين" أيضا أنه يجيء معه بمثال الجنة والنار.

وفي "صحيح مسلم" وغيره أنه يكون معه جنة ونار؛ فناره جنة وجنته نار.

وهذا مما يثبته أهل السنة والجماعة، ويرده أهل البدع والضلالة وأتباعهم.

وأما قول أبي عبية: إن ذلك إشارة إلى ما يتوفر لدعاة الباطل من القوى المادية التي تفتن ضعاف النفوس؛ فهو من التأويل الباطل وتحريف الكلم عن مواضعه.

وتقدم أيضا حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه قال في الدجال: «يخرج حين يخرج من بلدة يقال لها: أصبهان، من قرية من قراها يقال لها: رستقاباد، يخرج حين يخرج على مقدمته سبعون ألفا عليهم السيجان، معه نهران: نهر من ماء ونهر من نار، فمن أدرك منكم ذلك، فقيل»

ص: 44

«له: ادخل الماء؛ فلا يدخل؛ فإنه نار، وإذا قيل له: ادخل النار فليدخلها؛ فإنها ماء» .

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" في حديثها الطويل. قال الهيثمي: "وفيه سيف بن مسكين، وهو ضعيف جدا".

وتقدم أيضا في (باب قصة المؤمن مع الدجال) حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: «ومعه مثل الجنة ومثل النار، فجنته غبراء ذات دخان، وناره روضة خضراء» .... الحديث.

رواه: عبد حميد، وأبو يعلى، والبزار، والحاكم.

وتقدم فيه أيضا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال في الدجال: «ومعه جنة ونار؛ فناره جنة، وجنته نار، معه جبل من خبز ونهر من ماء» ......".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفهم ".

وتقدم فيه أيضا حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الدجال: «معه صورتان: صورة الجنة وصورة النار، معه شياطين يشبهون بالأموات، يقولون للحي: تعرفني؟ أنا أخوك أو أبوك أو ذو قرابة منه، ألست قد مت؟ هذا ربنا فاتبعه، فيقضي الله ما شاء» .... " الحديث.

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف جدا".

وتقدم أيضا حديث جنادة بن أبي أمية عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنذرتكم فتنة الدجال، فليس من نبي إلا أنذره قومه أو أمته، وإنه آدم، جعد، أعور عينه اليسرى، وإنه يمطر المطر»

ص: 45

«ولا ينبت الشجر، وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها، ولا يسلط على غيرها، وإن معه جنة ونار ونهر ماء وجبل خبز، وإن جنته نار وناره جنة» .

الحديث رواه الإمام بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين، وفي رواية:«تسير معه جبال الخبز وأنهار الماء» .

وتقدم فيه أيضا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: «يسلط الدجال على رجل من المسلمين، فيقتله، ثم يحييه، ثم يقول: ألست بربكم؟ ألا ترون أني أحيي وأميت» .... الحديث.

رواه ابن أبي شيبة.

وعن ربعي بن حِراش عن حذيفة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه قال في الدجال: «إن معه ماء ونارا؛ فناره ماء بارد، وماؤه نار؛ فلا تهلكوا» .

قال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه: الإمام أحمد، والشيخان.

وفي رواية لهم عن ربعي بن حراش عن عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري؛ قال: انطلقت معه إلى حذيفة بن اليمان، فقال له عقبة: حدثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال. قال: «إن الدجال يخرج، وإن معه ماء ونارا، فأما الذي يراه الناس ماء؛ فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس نارا؛ فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم؛ فليقع في الذي يراه نارا؛ فإنه ماء عذب طيب» . فقال عقبة: وأنا قد سمعته؛ تصديقا لحذيفة.

وفي رواية لأحمد ومسلم عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأنا أعلم بما مع الدجال من الدجال: معه نهران يجريان: أحدهما رأي العين ماء أبيض، والآخر رأي العين نار تأجج،»

ص: 46

«فإما أدركن أحدا منكم؛ فليأت النهر الذي يراه نارا، وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه؛ فليشرب؛ فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين اليسرى، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .

وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بزيادة، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أعلم بما مع الدجال منه، نهران: أحدهما نار تأجج في عين من رآه، والآخر ماء أبيض، فإن أدركه منكم أحد؛ فليغمض، وليشرب من الذي يراه نارا؛ فإنه ماء بارد، وإياكم والآخر؛ فإنه الفتنة، واعلموا أنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه من يكتب ومن لا يكتب، وأن إحدى عينيه ممسوحة عليها ظفرة» ..... الحديث، وسيأتي بتمامه في ذكر نزول عيسى عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى.

قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه". ورواه: ابن عساكر في "تاريخه"، وابن منده في "كتاب الإيمان"؛ بنحوه. قال ابن كثير بعد إيراده في "النهاية":"قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: هذا إسناد صالح" انتهى.

وفي رواية لأحمد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأنا أعلم بما مع الدجال منه: إن معه نارا تحرق، ونهر ماء بارد، فمن أدركه منكم؛ فلا يهلكن به، ليغمض عينيه وليقع في التي يراها نارا؛ فإنها ماء بارد» .

وفي رواية لمسلم وأبي داود عن ربعي بن حراش؛ قال: "اجتمع حذيفة وأبو مسعود رضي الله عنهما، فقال حذيفة:«لأنا بما مع الدجال أعلم منه: إن معه نهرا من ماء ونهرا من نار، فأما الذي ترون أنه نار؛ ماء، وأما الذي ترون أنه ماء؛ نار، فمن أدرك ذلك منكم، فأراد الماء؛ فليشرب من الذي يراه أنه نار؛ فإنه سيجده ماء» . قال أبو مسعود: هكذا سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" في الكلام على قوله: "فناره ماء

ص: 47

بارد وماؤه نار": "هذا كله يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي، فإما أن يكون الدجال ساحرا، فيخيل الشيء بصورة عكسه، وإما أن يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارا، وباطن النار جنة، وهذا الراجح، وإما أن يكون ذلك كناية عن النعمة والرحمة بالجنة وعن المحنة والنقمة بالنار، فمن أطاعه، فأنعم عليه بجنته؛ يؤول أمره إلى دخول نار الآخرة، وبالعكس، ويحتمل أن يكون ذلك من جملة المحنة والفتنة، فيرى الناظر إلى ذلك من دهشته النار، فيظنها جنة، وبالعكس". انتهى.

وأرجح هذه الاحتمالات ما رجحه الحافظ، والله أعلم.

وعن سبيع - وهو ابن خالد - عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر (فذكر الحديث، وفيه:) قال: «ثم يخرج الدجال ". قال: قلت: فبم يجيء به معه؟ قال: "بنهر (أو قال: ماء ونار) ، فمن دخل نهره؛ حط أجره ووجب وزره، ومن دخل ناره؛ وجب أجره وحط وزره". قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: "لو أنتجت فرسا؛ لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده جيد. وقد رواه أبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، والحاكم بنحوه، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه؛ إنه أعور، وإنه يجيء معه بمثال الجنة والنار؛ فالتي يقول إنها الجنة هي النار، وإني أنذركم به كما أنذر به نوح قومه» .

متفق عليه.

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه؛ قال: «ما سأل أحد النبى صلى الله عليه وسلم عن»

ص: 48

«الدجال أكثر مما سألته. قال: وما سؤالك؟ قال: قلت: إنهم يقولون: معه جبال من خبز ولحم ونهر من ماء. قال: "هو أهون على الله من ذلك» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه، واللفظ لمسلم.

قال القاضي عياض: "معناه: هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيمانا، ويرتاب الذين في قلوبهم مرض؛ فهو مثل قول الذي يقتله: "ما كنت أشد بصيرة مني فيك"، لا أن قوله: " هو أهون على الله من ذلك ": أنه ليس شيء من ذلك معه، بل المراد: أهون من أن يجعل شيئا من ذلك آية على صدقه، ولا سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره، يقرؤها من قرأ ومن لا يقرأ، زائدة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه". انتهى.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: كنت في الحطيم مع حذيفة رضي الله عنه، فذكر حديثا، ثم قال:«لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، وليكونن أئمة مضلون، وليخرجن على إثر ذلك الدجالون الثلاثة» . قلت: يا أبا عبد الله! قد سمعت هذا الذي تقول من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم؛ سمعته، وسمعته يقول:«يخرج الدجال من يهودية أصبهان، عينه اليمنى ممسوحة، والأخرى كأنها زهرة تشق الشمس شقا، ويتناول الطير من الجو، له ثلاث صيحات يسمعهن أهل المشرق وأهل المغرب، ومعه جبلان: جبل من دخان ونار، وجبل من شجر وأنهار، ويقول: هذه الجنة، وهذه النار» .

رواه الحاكم وصححه، وتعقبه الذهبي، فقال:"منكر"، وذكر من تكلم فيه من رجاله.

وعن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته، هو أعور عينه»

ص: 49

«اليسرى، بعينه اليمنى ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر، يخرج معه واديان: أحدهما جنة، والآخر نار؛ فناره جنة، وجنته نار، معه ملكان من الملائكة يشبهان نبيين من الأنبياء، لو شئت سميتهما بأسمائهما وأسماء آبائهما، واحد منهما عن يمينه والآخر عن شماله، وذلك فتنة، فيقول الدجال: ألست بربكم؟ ألست أحيي وأميت؟ فيقول له أحد الملكين: كذبت. ما يسمعه أحد من الناس إلا صاحبه، فيقول له: صدقت. فيسمعه الناس، فيظنون أنما يصدق الدجال، وذلك فتنة، ثم يسير حتى يأتي المدينة، فلا يؤذن له فيها، فيقول: هذه قرية ذلك الرجل، ثم يسير حتى يأتي الشام، فيهلكه الله عز وجل عند عقبة أفيق» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر".

قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان": (أفيق) ؛ بالفتح ثم الكسر وياء ساكنة وقاف: قرية من حوران في طريق الغور في أول العقبة المعروفة بعقبة أفيق، والعامة تقول: فيق، ينزل في هذه العقبة إلى الغور، وهو الأردن، وهي عقبة طويلة ميلين". قال:"ومنها يشرف على طبرية وبحيرتها". انتهى.

وسيأتي في عدة أحاديث صحيحة أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام يقتل الدجال عند باب اللد، والعمدة على ما جاء في الأحاديث الصحيحة لا على ما جاء في هذا الحديث. والله أعلم.

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم، وله أربعون ليلة يسيحها في الأرض؛ اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم، وله حمار يركبه، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا،»

ص: 50

«فيقول للناس: أنا ربكم، وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: كافر، ك ف ر مهجاة، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، يرد كل ماء ومنهل؛ إلا المدينة ومكة حرمهما الله عليه وقامت الملائكة بأبوابهما، ومعه جبال من خبز، والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران، أنا أعلم بهما منه، نهر يقول الجنة، ونهر يقول النار، فمن أدخل الذي يسميه الجنة؛ فهو في النار، ومن أدخل الذي يسميه النار؛ فهو في الجنة، ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس، ومعه فتنة عظيمة؛ يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس، لا يسلط على غيرها من الناس، ويقول: أيها الناس! هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل؟ قال: فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم، فيحاصرهم، فيشتد حصارهم، ويجهدهم جهدا شديدا، ثم ينزل عيسى ابن مريم، فينادي من السحر، فيقول: يا أيها الناس! ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني! فينطلقون؛ فإذا هم بعيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله! فيقول: ليتقدم إمامكم فيصل بكم؛ فإذا صلى صلاة الصبح؛ خرجوا إليه. قال: فحين يراه الكذاب؛ ينماث كما ينماث الملح في الماء، فيمشي إليه، فيقتله، حتى إن الشجرة والحجر ينادي: يا روح الله! هذا يهودي؛ فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وروى ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" طرفا منه، وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه الحاكم في "مستدركه" مختصرا، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي في "تلخيصه":"على شرط مسلم ".

وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه؛ قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة؛ فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه؛»

ص: 51

«عرف ذلك فينا، فقال: "ما شأنكم؟ ". قلنا: يا رسول الله! ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: "غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم؛ فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم؛ فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم؛ إنه شاب قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم؛ فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ إنه يخرج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا: يا عباد الله! فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما: يوم كسنة ويوم كشهر، ويم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة؛ أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم، فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرا وأسبغه ضروعا وأمده خواصر، ثم يأتي القوم، فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك! فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك؛ إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين، واضعا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه؛ قطر، وإذا رفعه؛ تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه؛ إلا مات، ونفسه ينتهي حيث طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد؛ فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة؛ فبينما هو كذلك؛ إذا أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث»

ص: 52

«الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض؛ فلا يجدون في الأرض موضع شبر؛ إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك؛ فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك؛ إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، ورواية أبي داود مختصرة، وقال الترمذي:"هذا حديث غريب حسن صحيح".

وفي روايته ورواية ابن ماجه: «إنه شاب قطط عينه قائمة» .

وزاد الترمذي في روايته ومسلم في رواية له بعد قوله: "لقد كان بهذه مرة ماء": «ثم يسيرون، حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم»

ص: 53

«إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما» .

وزاد أحمد بعد قوله: «فتطرحهم حيث شاء الله عز وجل» : "قال ابن جابر: فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي عن كعب أو غيره؛ قال: فتطرحهم بالمهبل. قال ابن جابر: فقلت: يا أبا يزيد! وأين المهبل؟ قال: مطلع الشمس".

وفي رواية الترمذي: «فتحملهم فتطرحهم بالمهبل، ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين» .

وروى ابن ماجه هذه الزيادة في حديث مفرد سيأتي في ذكر يأجوج ومأجوج إن شاء الله تعالى.

قال ابن الأثير: " (الزلفة) ؛ بالتحريك، وجمعها زلف: مصانع الماء، أراد أن المطر يغدر في الأرض، فتصير كأنها مصنعة من مصانع الماء. وقيل: الزلفة: المرآة، شبهها بها لاستوائها ونظافتها. وقيل: الزلفة: الروضة. ويقال بالقاف أيضا". انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "والمراد أن الماء يعم جميع الأرض، فينظفها، حتى تصير بحيث يرى الرائي وجهه فيها". انتهى.

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه، فكان من قوله أن قال:

«إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم؛ فأنا حجيج لكل مسلم، وإن يخرج من بعدي؛ فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل»

ص: 54

«مسلم، وإنه يخرج من خلة بين الشام والعراق، فيعيث يمينا ويعيث شمالا، يا عباد الله! فاثبتوا؛ فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي، إنه يبدأ فيقول: أنا نبي! ولا نبي بعدي، ثم يثني فيقول: أنا ربكم! ولا ترون ربكم حتى تموتوا، وإنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإنه مكتوب بين عينيه: كافر؛ يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب. وإن من فتنته أن معه جنة ونارا؛ فناره جنة وجنته نار، فمن ابتلي بناره؛ فليستغث بالله، وليقرأ فواتح الكهف، فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم. وإن فتنته أن يقول لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك؛ أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني! اتبعه؛ فإنه ربك. وإن من فتنته أن يسلط على نفس واحدة، فيقتلها، وينشرها بالمنشار، حتى يلقى شقتين، ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا؛ فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربا غيري، فيبعثه الله، ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله، أنت الدجال، والله؛ ما كنت بعد أشد بصيرة بك مني اليوم» .

قال أبو الحسن الطنافسي: فحدثنا المحاربي: حدثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة» .

قال: قال أبو سعيد: والله؛ ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب حتى مضى لسبيله.

قال المحاربي: ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع؛ قال: «وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت. وإن من فتنته أن يمر بالحي، فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت. وإن من فتنته أن يمر بالحي، فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت»

ص: 55

«فتنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت وأعظمه وأمده خواصر وأدره ضروعا. وأنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقب من نقابهما؛ إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلتة، حتى ينزل عند الضريب الأحمر، عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه، فتنفي الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد، ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص". فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: "هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح؛ إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص؛ يمشي القهقرى ليتقدم عيسى ليصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصل؛ فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف؛ قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب، فيفتح، ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال؛ ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب اللد الشرقي، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي؛ إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة؛ إلا الغرقدة؛ فإنها من شجرهم لا تنطق؛ إلا قال: يا عبد الله المسلم! هذا يهودي؛ فتعال اقتله". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن أيامه أربعون سنة؛ السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة، يصبح أحدكم على باب المدينة؛ فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي. فقيل له: يا رسول الله! كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال، ثم صلوا". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيكون عيسى ابن مريم عليه السلام في أمتي حكما عدلا وإماما»

ص: 56

«مقسطا؛ يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده في الحية؛ فلا تضره، وتفر الوليدة الأسد؛ فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة؛ فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة؛ تنبت نباتها بعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس بالدريهمات ". قالوا: يا رسول الله! وما يرخص الفرس؟ قال: "لا تركب لحرب أبدا". قيل له: فما يغلي الثور؟ قال: "تحرث الأرض كلها. وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله؛ فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله؛ فلا تنبت خضراء؛ فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت؛ إلا ما شاء الله". قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: "التهليل، والتكبير، والتسبيح، والتحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطعام» .

رواه: ابن ماجه، وابن خزيمة، والحافظ الضياء المقدسي في "المختارة"، واللفظ لابن ماجه. وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" طرفا من أوله، ورواته ثقات. وساق أبو داود إسناده، وأحال بلفظه على حديث النواس بن سمعان، ورجاله ثقات.

وروى الطبراني والحاكم بعضه، وقالا فيه: "وإن أيامه أربعون يوما؛ يوم

ص: 57

كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، يوم كالأيام، وآخر أيامه كالسراب؛ يصبح الرجل عند باب المدينة، فيمسي قبل أن يبلغ بابها الآخر". قالوا: وكيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: "تقدرون فيها كما تقدرون في الأيام الطوال".

قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

قال أبو عبد الله - وهو ابن ماجه -: سمعت أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعت عبد الرحمن المحاربي يقول: ينبغي أن يدفع هذا الحديث إلى المؤدب حتى يعلمه الصبيان في الكتاب.

وقد تكلم أبو عبية في حديث أبي أمامة رضي الله عنه كعادته السيئة في التهجم على الأحاديث الثابتة بغير دليل، فقال في حاشية (ص115) من "النهاية" لابن كثير ما نصه:"كيف يعلم صبيان المسلمين مثل هذا القول الذي لا يمكن تصديقه وهو منسوب زورا إلى الرسول عليه السلام؟! ".

والجواب أن يقال: حديث أبي أمامة رضي الله عنه حديث صحيح كما تقدم بيان ذلك، وعلى هذا؛ فالزور في الحقيقة هو كلام أبي عبية فيه بغير حق، وإذا كان أبو عبية مستهينا بالأحاديث الثابتة لا يعبأ بها ولا يرى باطراحها بأسا؛ فأهل السنة والجماعة على خلاف ما هو عليه؛ يتلقونها بالقبول والتسليم، ويعظمون شأنها، ويؤمنون بما جاء فيها، ويعلمون أنه حق وصدق. وقد تقدم كلام الإمام أحمد وغيره في ذلك في أول الكتاب؛ فليراجع.

والإيمان بما جاء في الأحاديث الصحيحة عنوان على تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله، كما أن اطراحها وعدم الإيمان بما جاء فيها عنوان على عدم تحقيق الشهادة بالرسالة.

قوله: "وتنزع حمة كل ذات حمة": قال أهل اللغة: " (الحمة) ؛

ص: 58

بالتخفيف: السم ". قال ابن الأثير: "وقد تشدد، وأنكره الأزهري، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة؛ لأن السم منها يخرج". قال:"ومنه حديث الدجال: "وتنزع حمة كل دابة"؛ أي: سمها". انتهى.

وقد صحف أبو عبية (الحمة) ، وسيأتي التعقيب عليه في (باب نزول عيسى إلى الأرض) إن شاء الله تعالى.

قوله: "وتفر الوليدة الأسد فلا يضرها": قال ابن الأثير: "هو من فررت الدابة أفرها فرا: إذا كشفت شفتها لتعرف سنها". انتهى.

قوله: "وتكون الأرض كفاثور الفضة": قال الجوهري: " (الفاثور) : الخوان يتخذ من الرخام ونحوه". وقال ابن الأثير: " (الفاثور) : الخوان، وقيل: هو طست أو جام من فضة أو ذهب، ومنه قيل لقرص الشمس: فاثورها". وقال ابن منظور في "لسان العرب": " (الفاثور) : عند العامة: الطست أو الخوان، يتخذ من رخام أو فضة أو ذهب ". انتهى.

والمعنى في الحديث أن الأرض تكون نظيفة مما يصيبها من المطر العظيم الذي لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، وأنها تشبه في نظافتها الطست أو الخوان من الفضة.

وقد تقدم في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن المطر يغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، وتقدم تفسير الزلفة بأنها مصنعة الماء، وقيل: المرآة، وقيل: الروضة، والمعنى في الحديثين متقارب، والله أعلم.

وقد صحف أبو عبية (الفاثور) بـ: (العاثور)، فقال في حاشية (ص114) من "النهاية" لابن كثير ما نصه:" (العاثور) : المهلكة من الأرض، ولعل المراد أن الأرض تتشابه وتخفى صواها ومعالمها فلا يهتدي بها السائر فيها". انتهى كلامه، وهو خطأ ظاهر وتصحيف عجيب؛ فلا يغتر به.

ص: 59

وعن جبير بن نفير عن أبيه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: «إن يخرج وأنا فيكم؛ فأنا حجيجه، وإن يخرج ولست فيكم؛ فكل امرئ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم، ألا وإنه مطموس العين، كأنها عين عبد العزى بن قطن الخزاعي، ألا وإنه مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مسلم، فمن لقيه منكم؛ فليقرأ بفاتحة الكهف، يخرج من بين الشام والعراق، فعاث يمينا وعاث شمالا: يا عباد الله! اثبتوا (ثلاثا) ". فقيل: يا رسول الله! فما مكثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما: يوم كالسنة، يوم كالشهر، ويوم كالجمعة، وسائر أيامه كأيامكم". قالوا: يا رسول الله! فكيف نصنع بالصلاة يومئذ صلاة يوم أو نقدر؟ قال: "بل تقدرون» .

رواه: الطبراني، والحاكم، وابن عساكر، وهذا لفظ الحاكم، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وزاد الطبراني في روايته: قيل: يا رسول الله! فما سرعته في الأرض؟ قال: "كالسحاب استدبرته الريح". قال الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن صالح، وقد وثق، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات".

وقد روى البزار طرفا من أوله. قال الهيثمي: "وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وقد وثق، وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح ".

وعن الحسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إن الدجال خارج، وهو أعور عين الشمال، عليها ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويقول للناس: أنا ربكم! فمن قال: أنت ربي؛ فقد فتن، ومن قال: ربي الله حي لا يموت؛ فقد عصم من فتنته، ولا فتنة بعده عليه ولا عذاب، فيلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يجيء عيسى ابن مريم عليهما السلام من قبل المغرب، مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملته، فيقتل»

ص: 60

«الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة» .

رواه: الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والطبراني.

قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".

وعن ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة؛ قال: شهدت يوما خطبة لسمرة بن جندب، فذكر في خطبته حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي في غرضين لنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر؛ اسودت حتى آضت كأنها تنومة. قال: فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد؛ فوالله؛ ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثا. قال: فدفعنا إلى المسجد؛ فإذا هو بارز. قال: ووافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الناس، فاستقدم، فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا، ثم ركع كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ذلك، فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، فسلم، فحمد الله وأثنى عليه وشهد أنه عبد الله ورسوله، ثم قال: " أيها الناس! أنشدكم بالله إن كنتم تعلمون أني قصرت عن شيء من تبليغ رسالات ربي عز وجل لما أخبرتموني ذاك، فبلغت رسالات ربي كما ينبغي لها أن تبلغ، وإن كنتم تعلمون أني بلغت رسالات ربي؛ لما أخبرتموني ذاك". قال: فقام رجال، فقالوا: نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك. ثم سكتوا، ثم قال: "أما بعد؛ فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وإنهم قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى، يعتبر بها عباده، فينظر من يحدث له منهم توبة، وايم الله؛ لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقون في أمر دنياكم وآخرتكم، وإنه والله؛ لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا، آخرهم الأعور الدجال، ممسوح»

ص: 61

«العين اليسرى، كأنها عين أبي تحي (لشيخ حينئذ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة رضي الله عنها ، وإنه متى يخرج؛ فإنه سوف يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه؛ لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه؛ لم يعاقب بشيء من عمله (وقال حسن الأشيب: بسيئ من عمله سلف) ، وإنه سيظهر (أو قال: سوف يظهر) على الأرض كلها؛ إلا الحرم وبيت المقدس، وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس، فيزلزلون زلزالا شديدا، ثم يهلكه الله تبارك وتعالى وجنوده، حتى إن جذم الحائط (أو قال: أصل الحائط. وقال حسن الأشيب: وأصل الشجرة) لينادي (أو قال: يقول) : يا مؤمن (أو قال: يا مسلم) ! هذا يهودي (أو قال: هذا كافر) ، تعالى فاقتله". قال: "ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتساءلون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا؟ وحتى تزول جبال عن مراتبها، ثم على إثر ذلك القبض» . قال: ثم شهدت خطبة لسمرة ذكر فيها هذا الحديث، فما قدم كلمة ولا أخرها عن موضعها.

رواه: الإمام أحمد واللفظ له، وأبو يعلى، وابن خزيمة، والطبراني في "الكبير"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقال الهيثمي:"رجاله رجال الصحيح؛ غير ثعلبة بن عباد، وثقه ابن حبان ".

قال: "ورواه البزار ببعضه، وقال فيه: "فمن اعتصم بالله، فقال: ربي الله حي لا يموت؛ فلا عذاب عليه، ومن قال: أنت ربي؛ فقد فتن ". وفي رواية ابن حبان: "ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أمورا عظاما، يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتساءلون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا". وفي رواية الحاكم: "وحتى تزول جبال عن مراسيها".

وقد علق أبو عبية في (ص125) من "النهاية" لابن كثير على قوله في

ص: 62

هذا الحديث: "وإنه متى يخرج؛ فإنه سوف يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه؛ لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه؛ لم يعاقب بشيء من عمله".

قال أبو عبية: "من مبادئ الإسلام المقررة أن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، ورد دعوة مدعي الألوهية أمر بدهي، لا يقتضي محو كل الذنوب وستر كل العيوب".

والجواب عن هذا من وجهين:

أحدهما: أن يقال: إن كلام أبي عبية هذا ظاهر في رد قول النبى صلى الله عليه وسلم ومعارضته بالشبهة التي رآها بعقله، ومن سلك هذا المسلك الذميم؛ فهو ممن يشك في تحقيقه لشهادة أن محمدا رسول الله؛ لأن معناها طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح أن من آمن بالدجال وصدقه لم ينفعه صالح من عمله سلف، ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله، والنبى صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق، فوجب الإيمان بقوله، وترك الاعتراض عليه بمجرد الآراء والتخرصات والظنون الكاذبة.

الوجه الثاني: أن فتنة الدجال هي أعظم فتنة تكون في الدنيا؛ كما سيأتي ذلك منصوصا عليه في عدة أحاديث صحيحة.

وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم في "مستدركه"؛ عن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع بالدجال؛ فلينأ عنه، فوالله؛ إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات» .

ص: 63

قال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرط مسلم "، وأقره الذهبي في "تلخيصه".

وإذا كان الدجال بهذه الصفة المخوفة؛ فلا شك أن الكفر به وتكذيبه لا يصدر إلا من مؤمن قوي الإيمان، ومن كان كذلك؛ فغير مستنكر أن تكفر أعماله السيئة كلها، ولا يعاقب بشيء منها.

وأما الإيمان به وتصديقه؛ فهو كفر، ومن كفر بعد الإيمان؛ حبط عمله، ولم ينفعه صالح من عمله سلف.

قال الله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وعن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فذكر الدجال؛ فقال:«إن بين يديه ثلاث سنين: سنة تمسك السماء ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله، فلا يبقى ذات ضرس ولا ذات ظلف من البهائم إلا هلكت، وإن أشد فتنته أن يأتي الأعرابي، فيقول: أرأيت إن أحييت لك إبلك؛ ألست تعلم أني ربك؟ قال: فيقول: بلى. فتمثل الشياطين له نحو إبله كأحسن ما تكون ضروعا وأعظمه أسنمة". قال: "ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه، فيقول: أرأيت إن أحييت لك أباك وأحييت لك أخاك؛ ألست تعلم أني ربك؟ فيقول: بلى. فتمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه". قالت: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، ثم رجع. قالت: والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم به. قالت: فأخذ بلحمتي الباب، وقال: مهيم أسماء؟ قالت: قلت: يا رسول الله! لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال. قال: "إن يخرج وأنا حي؛ فأنا حجيجه، وإلا؛ فإن ربي خليفتي»

ص: 64

«على كل مؤمن ". قالت أسماء: يا رسول الله! إنا والله لنعجن عجينتنا فما نختبزها حتى نجوع؛ فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال: "يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس» .

رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والإمام أحمد من طريقه. وإسناده حسن.

وفي رواية لأحمد؛ قال: «يكفي المؤمنين عن الطعام والشراب يومئذ التكبير والتسبيح والتحميد» ، وإسناده حسن أيضا.

وعنها رضي الله عنها: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني أصحابه يقول: «أحذركم المسيح وأنذركموه، وكل نبي قد حذره قومه، وهو فيكم أيتها الأمة، وسأجلي لكم من نعته ما لم تجلي الأنبياء قبلي لقومهم، يكون قبل خروجه سنون خمس جدب، حتى يهلك كل ذي حافر". فناداه رجل، فقال: يا رسول الله! فبم يعيش المؤمنون؟ قال: "بما تعيش به الملائكة. وهو أعور، وليس الله بأعور، بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب، أكثر من يتبعه اليهود والنساء والأعراب، يرون السماء تمطر وهي لا تمطر، والأرض تنبت وهي لا تنبت، ويقول للأعراب: ما تبغون مني؟ ألم أرسل السماء عليكم مدرارا، وأحيي لكم أنعامكم شاخصة ذراها، خارجة خواصرها، دارة ألبانها؟ وتبعث معه الشياطين على صورة من مات من الآباء والإخوان والمعارف، فيأتي أحدهم إلى أبيه وأخيه وذي رحمه، فيقول: ألست فلانا؟ ألست تعرفني؟ هو ربك؛ فاتبعه، يعمر أربعين سنة: السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كاحتراق السعفة في النار، يرد كل منهل؛ إلا المسجدين". ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فسمع بكاء الناس وشهيقهم، فرجع، فقام بين أظهرهم، فقال: "أبشروا؛ فإن يخرج وأنا»

ص: 65

«فيكم؛ فالله كافيكم ورسوله، وإن يخرج بعدي؛ فالله خليفتي على كل مسلم» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه شهر بن حوشب، ولا يحتمل مخالفته للأحاديث الصحيحة: أنه يلبث في الأرض أربعين يوما، وفي هذا أربعين سنة، وبقية رجاله ثقات". وقد رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "كتاب السنة" بنحوه مختصرا، وإسناده صحيح.

وعن أسماء بنت عميس رضي الله عنها: أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل عليها لبعض حاجته، ثم خرج، فشكت إليه الحاجة، فقال:«كيف بكم إذا ابتليتم بعبد قد سخرت له أنهار الأرض وثمارها، فمن اتبعه؛ أطعمه وأكفره، ومن عصاه؛ حرمه ومنعه". قلت: يا رسول الله! إن الجارية لتجلس عند التنور ساعة لخبزها فأكاد أفتتن في صلاتي؛ فكيف بنا إذا كان ذلك؟ قال: "إن الله يعصم المؤمنين يومئذ بما عصم به الملائكة من التسبيح، إن بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أهبط الله تعالى إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال، وقد قلت فيه قولا لم يقله أحد قبلي: إنه آدم، جعد، ممسوح عين اليسار، على عينه ظفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويقول: أنا ربكم، فمن قال: ربي الله؛ فلا فتنة عليه، ومن قال: أنت ربي؛ فقد افتتن، يلبث فيكم ما شاء الله، ثم ينزل عيسى ابن مريم مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم على ملته، إماما مهديا، وحكما عدلا، فيقتل الدجال» . فكان الحسن يقول: ونرى أن ذلك عند الساعة.

ص: 66

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر".

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال عدو الله ومعه جنود من اليهود وأصناف الناس، معه جنة ونار ورجال يقتلهم ثم يحييهم، معه جبل من ثريد ونهر من ماء، وإني سأنعت لكم نعته: إنه يخرج ممسوح العين، في جبهته مكتوب كافر، يقرؤه كل من كان يحسن الكتاب ومن لا يحسن، فجنته نار وناره جنة، وهو المسيح الكذاب، ويتبعه من نساء اليهود ثلاثة عشر ألف امرأة، فرحم الله رجلا منع سفيهه أن يتبعه، والقوة عليه يومئذ القرآن؛ فإن شأنه بلاء شديد، يبعث الله الشياطين من مشارق الأرض ومغاربها، فيقولون له: استعن بنا على ما شئت. فيقول: نعم؛ انطلقوا فأخبروا الناس أني ربهم، وأني قد جئتهم بجنتي وناري، فينطلق الشياطين، فيدخل على الرجل أكثر من مائة شيطان، فيتمثلون له بصورة والده وولده، وإخوته ومواليه ورفيقه، فيقولون: يا فلان! أتعرفنا؟ فيقول لهم الرجل: نعم، هذا أبي وهذه أمي وهذه أختي وهذا أخي، فيقول الرجل: ما نبؤكم؟ فيقولون: بل أنت فأخبرنا ما نبؤك؟ فيقول الرجل: إنا قد أخبرنا أن عدو الله الدجال قد خرج. فتقول له الشياطين: مهلا؛ لا تقل هذا؛ فإنه ربكم يريد القضاء فيكم، هذه جنة قد جاء بها ونار، ومعه الأنهار والطعام؛ فلا طعام إلا ما كان قبله إلا ما شاء الله، فيقول الرجل: كذبتم؛ ما أنتم إلا شياطين، وهو الكذاب، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدث حديثكم، وحذرناه وأبناءنا به؛ فلا مرحبا بكم، أنتم الشياطين وهو عدو الله، وليسوقن عيسى ابن مريم حتى يقتله، فيخسؤوا فينقلبوا خاسئين". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أحدثكم هذا لتعقلوه وتفقهوه وتفهموه وتعوه، فاعملوا عليه وحدثوا به من خلفكم، وليحدث الآخر الآخر؛ فإن فتنته أشد الفتن» .

ص: 67

رواه نعيم بن حماد في "كنز العمال"، وفيه سويد بن عبد العزيز متروك.

قلت: لم يتفق على تركه، بل قال دحيم:"ثقة، وكانت له أحاديث يغلط فيها". وقال نعيم بن حماد وعلي بن حجر: " (كان هشيم يحسن أمره ويثني عليه خيرا". وحديثه هذا فيه نكارة، ولبعضه شواهد مما تقدم.

باب

أن فتنة الدجال أعظم الفتن في الدنيا

قد تقدم في الباب قبله ثلاثة أحاديث في ذلك:

أولها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم

(الحديث، وفيه:) ومعه فتنة عظيمة» .

رواه: الإمام أحمد بإسناد صحيح، وابن خزيمة، والحاكم وصححه، وقال الذهبي:"على شرط مسلم ".

ثانيها: حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه: عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال» ..... الحديث.

رواه: ابن ماجه، وابن خزيمة، والحاكم، والحافظ الضياء المقدسي، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

ثالثا: حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أهبط الله تعالى إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال» ...... الحديث.

ص: 68

رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر".

وعن هشام بن عامر رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم.

وفي رواية لأحمد؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله؛ ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أعظم من الدجال» .

وفي رواية له أخرى؛ قال: سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «ما بين خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أكبر من فتنة الدجال» .

ورواه الحاكم، ولفظه:«ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أكبر عند الله من الدجال» .

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما كانت فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال» ..... الحديث.

رواه: الإمام أحمد في "المسند"، وابنه عبد الله في "كتاب السنة" من طريقه، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: ذكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال، ولن ينجو أحد مما قبلها؛ إلا نجا منها، وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال» .

ص: 69

رواه الإمام أحمد، والبزار. قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح".

ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم، فذكر الدجال، فقال:«لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال، إنها ليست من فتنة صغيرة ولا كبيرة إلا تتضع لفتنة الدجال، فمن نجا من فتنة ما قبلها؛ نجا منها، وإنه لا يضر مسلما، مكتوب بين عينيه كافر؛ بهجاوة: ك ف ر» .

وعن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نجا من ثلاث؛ فقد نجا (ثلاث مرات) : موتي، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه". قال الهيثمي:"ورجال أحمد رجال الصحيح؛ غير ربيعة بن لقيط، وهو ثقة". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من نجا منها؛ فقد نجا: من نجا عند موتي؛ فقد نجا، ومن نجا عند قتل خليفة يقتل مظلوما وهو مصطبر يعطي الحق من نفسه؛ فقد نجا، ومن نجا من فتنة الدجال؛ فقد نجا» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه إبراهيم بن يزيد المصري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

وعن حسان بن عطية أحد ثقات التابعين: أنه قال: "لا ينجو من فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل وسبعة آلاف امرأة".

رواه أبو نعيم في "الحلية" في ترجمة حسان المذكور. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وسنده حسن صحيح إليه". قال: "وهذا لا يقال من

ص: 70

قبل الرأي، فيحتمل أن يكون مرفوعا أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب ". انتهى.

باب

أن فتنة الدجال آخر الفتن

عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده؛ لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان؛ إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه؛ آمن به في قبره".

ذكره ابن كثير في "تاريخه" عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة.

ورواه: ابن أبي شيبة مختصرا، وابن عساكر في تاريخه مطولا؛ بنحو ما ذكرنا.

باب

ما جاء في أيام الدجال

قد تقدم في (باب فتنة الدجال) أحاديث في ذلك:

منها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في خفقة من الدين وإدبار من العلم، وله أربعون ليلة يسيحها في الأرض: اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه» .

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح. وروى ابن خزيمة طرفا منه في "كتاب التوحيد "، وإسناده صحيح. ورواه الحاكم مختصرا وصححه، وقال الذهبي في "تلخيصه":"على شرط مسلم".

ص: 71

ومنها حديث النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه؛ قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة..... الحديث، وفيه: قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم". قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي:"هذا حديث غريب حسن صحيح".

ومنها حديث جبير بن نفير عن أبيه رضي الله عنه؛ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال.... الحديث، وفيه: فقيل: يا رسول الله! فما مكثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما؛ يوم كالسنة، ويوم كالشهر، ويوم كالجمعة، وسائر أيامه كأيامكم". قالوا: يا رسول الله! فكيف نصنع بالصلاة يومئذ صلاة يوم أو نقدر؟ قال: "بل تقدروا» .

رواه: الطبراني، والحاكم، وابن عساكر، وقال الحاكم:"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي على ذلك.

ومنها حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فكان أكثر خطبته ذكر الدجال؛ يحدثنا عنه.... الحديث، وفيه:«وإن أيامه أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، ويوم كالأيام وآخر أيامه كالسراب، يصبح الرجل عند باب المدينة فيمسي قبل أن يبلغ بابها الآخر ". قالوا: وكيف نصلي يا رسول الله في تلك الأيام القصار؟ قال: "تقدرون فيها كما تقدرون في الأيام الطوال» .

رواه: الطبراني، والحاكم؛ بهذا اللفظ. وقال الحاكم: "صحيح على

ص: 72

شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

ورواه ابن ماجه، وقال فيه:«وإن أيامه أربعون: السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة؛ يصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي". فقيل له: يا رسول الله! كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ قال: "تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال، ثم صلوا» .

وقد تقدم في (باب قصة المؤمن مع الدجال) حديث جنادة بن أبي أمية عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أنذرتكم فتنة الدجال

(الحديث، وفيه:) وإنه يلبث فيكم أربعين صباحا» .

وفي رواية: «وإنه يمكث في الأرض أربعين صباحا، يبلغ فيها كل منهل، ولا يقرب أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد المدينة، ومسجد الطور، ومسجد الأقصى» .

رواه الإمام أحمد بأسانيد صحيحة على شرط الشيخين.

وتقدم فيه أيضا حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال في الدجال: «يخرج، فيكون في الأرض أربعين صباحا: الشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه من لم أعرفهم".

وتقدم في (باب حراسة مكة والمدينة من الدجال) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على المنبر.... فذكر حديث الجساسة، وزاد فيه:"هو المسيح، تطوى له الأرض في أربعين يوما".

رواه أبو يعلى بإسنادين. قال الهيثمي: "رجال أحدهما رجال الصحيح".

ص: 73

وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر المسيح الدجال: «إني سأقول لكم فيه كلمة.... (الحديث، وفيه:) يسيح الأرض أربعين يوما، يرد كل بلد؛ غير هاتين المدينتين، المدينة ومكة، حرمهما الله عليه، يوم من أيامه كالسنة، ويوم كالشهر، ويوم كالجمعة، وبقية أيامه كأيامكم هذه، لا يبقى إلا أربعين يوما» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه زمعة بن صالح، وهو ضعيف".

وتقدم بتمامه في (باب حراسة مكة والمدينة من الدجال) .

وتقدم في (باب من أين يخرج الدجال) حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج أعور الدجال مسيح الضلالة قبل المشرق في زمن اختلاف من الناس وفرقة، فيبلغ ما شاء الله أن يبلغ من الأرض في أربعين يوما، الله أعلم ما مقدارها، الله أعلم ما مقدارها (مرتين) ، فيلقى المؤمنون منه شدة شديدة» ..... الحديث.

رواه: ابن حبان في "صحيحه"، والبزار. قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح؛ غير علي بن المنذر، وهو ثقة". وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "أخرجه البزار بسند جيد".

وسيأتي هذا الحديث بتمامه في ذكر نزول عيسى عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى.

وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة: السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاضطرام السعفة في النار» .

ص: 74

رواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، والإمام أحمد من طريقه هكذا مختصرا، ورواه الطبراني في حديث طويل تقدم في (باب فتنة الدجال) . قال الهيثمي:"وفيه شهر بن حوشب، ولا يحتمل مخالفته للأحاديث الصحيحة أنه يلبث في الأرض أربعين يوما وفي هذا أربعين سنة، وبقية رجاله ثقات ".

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج الدجال في أمتي، فيمكث أربعين، لا أدري: أربعين يوما، أو أربعين شهرا، أو أربعين عاما» .... الحديث.

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي.

وسيأتي بتمامه في ذكر نزول عيسى عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى.

وقد اختلفت أحاديث هذا الباب في مدة مكث الدجال في الأرض؛ ففي أكثرها والصحيح منها أنه يمكث في الأرض أربعين يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا هذه. وفي حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها: أنه يمكث في الأرض أربعين سنة: السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كاضطرام السعفة في النار. ونحوه ما في رواية ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عدم الجزم في الأربعين بأنها أيام أو أشهر أو أعوام، ولعل هذا قبل أن يتبين له صلى الله عليه وسلم أنها أربعون يوما.

والعمدة في هذا على ما في حديث النواس بن سمعان وما وافقه من الأحاديث الصحيحة: أنها أربعون يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كسائر الأيام قبله وبعده. والله أعلم.

ص: 75