الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الثَّالِث
عصر المرابطين 484 - 540 هـ/1092 - 1145 م
.
الأندلس ولاية مرابطية:
في الوقت الذي كانت فيه الأندلس تعيش عصر دويلات الطوائف المتنازعة فيما بينها 422 - 484 هـ/1031 - 1092 م، كانت منطقة المغرب الأقصى (مقر دولة المرابطين) تتقاسمها عدة دويلات يمكن إرجاعها إلى أربع قوى وهي:
1 -
قبائل غمارة من الشمال وموطنها جبال الريف.
2 -
إمارة برغواطة ومقرها إقليم تامسنا (عاصمتها مدينة شالة).
3 -
الإمارات الزناتية وهي: إمارة بني خزرون في درعة وسجلماسة، وإمارة بني زيري في فاس، وإمارة بني يفرن في سلا وتادلا، وإمارة بني توالي (يخفش) في منطقة فازاز في منطقة الأطلس الأوسط.
4 -
مجموعة البجليين في منطقة السوس ومجموعة الوثنيين في نواحي الأطلس الكبير (1).
وفي الوقت الذي أوجد فيه داعية المرابطين الديني عبد الله بن ياسين قوة سياسية من الملثمين (المرابطين) خلال الأعوام 429 - 444 هـ، قامت هذه القوة خلال الفترة 444 هـ- 476 هـ بالقضاء على إمارات المغرب الأقصى المتنازعة ووحدتها سياسياً، قد دخلت هذه الدولة الفتية في علاقات متشابكة مع إمارة بني حماد في الجزائر، وإمارة بني زيري في تونس، ومع إمارات الطوائف بالأندلس وهي موضع البحث (2).
(1) السامرائي، خليل، " علاقات المرابطين مع إمارات المغرب الأقصى "، ص 127 - 129.
(2)
حسن أحمد محمود، تيام دولة المرابطين، ص 327.
تميز عصر دويلات الطوائف في الأندلس بالحروب المستمرة بين ملوك هذه الدويلات، كما تميز أيضاً بتبعية أغلبية أمراء الطوائف لملوك الإمارات الإسبانية في الشمال وأخص ولاءهم لألفونسو السادس ملك قشتالة، الذي اتخذ صوراً وأشكالاً مختلفة.
وعلى الرغم من سياسة الولاء هذه، إلا أنها لم تجد نفعاً، فقد كان هدف ألفونسو السادس إسقاط هذه الدويلات الواحدة بعد الأخرى، وكان هدفه الأول مدينة طليطلة قلب الأندلس، فسيطر عليها عام 478 هـ/1085 م بالتعاون مع جيوش إسبانية وأوروبية، واتخذها عاصمة لدولته، ومركزاً يشن منها الغارات المتكررة على مدن الأندلس المجاورة (3).
إزاء هذا المصاب الجلل، تزعم صالح العلماء والفقهاء في الدعوة إلى توحيد الأندلس، من أجل رد كيد ألفونسو السادس، ووضع حد لمطامعه التوسعية على حساب الأراضي الأندلسية، إلا أن هذه الدعوة لم تأتِ بالنتيجة المطلوبة، أمام الانهيار النفسي لأكثر ملوك الطوائف (4)، فاتجهت أنظار الشعب وصالح العلماء وبعض الأمراء صوب المغرب الأقصى، باتجاه القوة الفتية التي ظهر كيانها السياسي وهي دولة المرابطين.
بعد سقوط مدينة طليطلة بيد الإسبان عام 478 هـ، ازداد عبث الإسبان في سائر أنحاء الأندلس، فقرر أمراء الطوائف -وعلى رأسهم المعتمد به عباد أمير إشبيلية- دعوة المرابطين من أجل رد خطر الإسبان، فجاءت هذه الدعوة بعد ثلاثة أشهر من سقوط مدينة طليطلة (5).
إن فترة تحول الأندلس إلى ولاية مرابطية مرت بالمراحل الآتية:
1 -
الجهاد المشترك بين المرابطين وملوك الطوائف ضد الممالك الإسبانية 479 - 483 هـ.
كانت الخطوة الأولى التي اتخذها أمير المرابطين يوسف بن تاشفين في هذا المجال هي العبور بقواته إلى الأندلس في ربيع الأول من عام 479 هـ/حزيران 1086 م
(3) السامرائي، علاقات المرابطين، ص 126 وبعدها.
(4)
السامرائي، " الدعوة إلى توحيد الأندلس في أيام الطوائف "، ص 82 وبعدها.
(5)
ابن الخطيب: أعمال الأعلام؛ ص 245 - لين بول، العرب في إسبانيا، ص 165.
من أجل نصرة أهل الأندلس، والإعداد لإرجاع مدينة طليطلة إلى دولة الإسلام (6).
رحب ملوك الطوائف بهذه الخطوة، وساهموا بقواتهم من أجل الجهاد في سبيل الله، وإنقاذ الأندلس من خطر الإسبان. وبعد أن وحدوا الجهود سارت القوات المشتركة صوب سهل الزلاقة شمالي بطليوس بروح جهادية عالية. تمني النفس بالنصر أو الاستشهاد في سبيل الله (7).
وفي الوقت نفسه كان ألفونسو السادس محاصراً مدينة سرقسطة قاعدة مملكة بني هود، فلما وصلت إلى مسامعه هذه الاستعدادات الإسلامية، ترك حصار سرقسطة وسار بقواته صوب بطليوس بعد أن أرسل صريخة إلى دول أوروبا التي سارعت بإرسال الإمدادات إليه (8). وبعد استعدادات عسكرية من الطرفين، وقعت معركة الزلاقة في يوم الجمعة، 12 رجب من عام 479 هـ/تشرين الأول 1086 م، انهزمت فيها قوى الإسبان والأروبيين، وطعن ألفونسو السادس ملك قشتالة وهرب مع شلة من جنوده صوب مدينة طليطلة. وكانت معركة الزلاقة مع المعارك المهمة في بلد الأندلس، استبشاراً للمسلمين في العدوتين، على الرغم من عدم استرجاع مدينة طليطلة من سيطرة الإسبان (9).
بعد معركة الزلاقة رجع يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعد أن ترك حاميات مرابطية في الأندلس تساعد القوات الأندلسية في التصدي لهجمات الإسبان التي بدأت تشن غاراتها على الأندلس انتقاماً لهزيمتها في الزلاقة.
وفي الوقت نفسه ازداد عبث الإسبان الموجودين في حصن الييط في شرقي الأندلس، والذين كرروا هجماتهم على مدن لورقة ومرسية، فاستنجد المعتمد بن عباد، وبعض فقهاء الأندلس بأمير المرابطين يوسف به تاشفين مرة أخرى، فعبر إلى الأندلس ثانية في ربيع الأول من عام 481 هـ/1088 م وسار صوب حصن الييط، بعد أن توافدت
(6) ابن الكردبوس، تاريخ الأندلس، ص 90 - ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 100.
(7)
النباهي، المرقبة العليا، ص 97 - عنان، دول الطوائف، ص 321 - الحجي، التاريخ الأندلسي، ص 404.
(8)
ينظر، ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 94 (وطبعة أخرى ص 146)، الناصري، الاستقصا، ج 2، ص 32 - الطيبي، " واقعة الزلاقة "، ص 18. Piddl، The Cid، P: 217
(9)
ينظر، ابن عذاري، البيان، ج 4، ص 130 - المراكشي، المعجب، ص 195 - الحلل الموشية، ص 52 - 53 السامرائي، علاقات المرابطين، ص 179 وبعدها.
إليه جيوش أمراء الطوائف (10). شددت القوات الإسلامية الحصار على هذا الحصن لمدة أربعة أشهر، وقد أعيتها مناعة الحصن وحلول فصل الشتاء، فانسحبت هذه القوات صوب مدينة لورقة (11). وخلال هذه الفترة استعان الإسبان المحاصرون في الحصن بملكهم ألفونسو السادس الذي أنجدهم مسرعاً وخلصهم من الخطر بعد أن دك أسوار الحصن، وانسحب صوب طليطلة لا يلوي على شيء، لأنه كان يخشى أن تتكرر هزيمة الزلاقة (12).
تخلصت القوات الإسلامية من خطر حصن الييط دون الدخول في معركة حاسمة، ورجع يوسف بن تاشفين إلى المغرب بعد أن ترك حاميات مرابطية بالأندلس تتصدى لهجمات الإسبان وبخاصة في الشرق. وكان من نتائج عبور أمير المرابطين إلى الأندلس اكتشاف الخلافات العميقة بين ملوك الطوائف، التي توحدها ظاهرياً مخاطر الإسبان، إلا أنه سرعان ما تعود هذه الخلافات من جديد، بالإضافة إلى التعاون السري بين بعض ملوك الطوائف وألفونسو السادس ملك قشتالة. فكان على يوسف بن تاشفين أن ينسحب من ميدان المعركة ويترك الأندلس فريسة للإسبان، أو أن يعتمد على نفسه وقواته فقط لمواصلة الجهاد، ويتطلب هذا الأمر خلع ملوك الطوائف (13).
2 -
خلع ملوك الطوائف وتوحيد الأندلس تحت سيادة المرابطين:
قرر أمير المرابطين يوسف بن تاشفين خلع أمراء الطوائف، والاعتماد على نفسه في مواجهة خطر الإسبان، وقد دفعه إلى هذا العمل عدة أمور:
أ - الخلافات الشديدة والمنازعات بين ملوك الطوائف، وقد فشلت جميع جهود يوسف بن تاشفين في إزالة هذه الخلافات (14).
ب - الموقف الحرج الذي أحاط بالقوات المرابطية الموجودة في بلد الأندلس، حيث قطع ملوك الطوائف الميرة والتموين عن هذه القوات، فأحرج مركزها، فساء هذا
(10) ينظر، ابن الخطيب، الحلل الموشية، ص 54 - 55 أشباخ، تاريخ الأندلس، ص 90 - عنان، دول الطوانف، ص 335.
(11)
ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 99 (وطبعة أخرى ص 153) - ابن عذاري، البيان، ج 4، ص 143.
(12)
ابن الخطيب، الحلل الموشية، ص 57.
(13)
السامرائي، علاقات المرابطين، ص 191 - 192.
(14)
الأمير عبد الله، كتاب التبيان، ص 89.
الأمر يوسف بن تاشفين (15).
ج - قدم المرابطون تضحيات كبيرة في سبيل إنقاذ بلد الأندلس من الخطر الإسباني في معارك الزلاقة وحصن الييط. وقد اعتبر ملوك الطوائف هذه التضحيات أموراً فرضتها الأخوة الإسلامية، وبذلك عاد هؤلاء الملوك إلى منازعاتهم، كما عادوا إلى التعاون مع ملوك الإسبان والارتماء في أحضانهم، بل تطور الأمر إلى الكيد لقوات المرابطين الموجودة في بلد الأندلس (16).
بعد أن اطمأن يوسف بن تاشفين إلى الأسباب التي تمكنه من خلع ملوك الطوائف، عزز هذا الأمر بصفة شرعية حيث أفتى الفقهاء بالأمر. وكان أهل الأندلس يدركون أن الانتصار في معركة الييط لم يكن بالمستوى الجهادي المطلوب، وقد أكد الفقهاء لعامة الشعب أن الخصومات بين ملوك الطوائف هي السبب في ذلك كله (17).
عزز يوسف بن تاشفين موقفه حيال خلع ملوك الطوائف من ناحيتين:
الأولى: الحصول على فتاوى فقهاء المشرق الإسلامي أمثال الغزالي والطرطوشي، قد وصلت فتاواهم إليه عام 493 هـ، وقد بدأ فعلاً بخلع ملوك الطوائف منذ عام 483 هـ.
والثانية: الحصول على تأييد فقهاء الأندلس وعامة الناس الذين أكثروا من شكواهم إليه بعد العبور الثاني، وكشفوا ليوسف بن تاشفين النقاب عن سوء ومكر ملوك الطوائف، وحرضوه على خلعهم، وكان على رأس هؤلاء الفقهاء (أبو جعفر بن القليعي) قاضي قرطبة، الذي عبر إلى المغرب وأخبر أمير المرابطين ببعض الأمور التي تتعلق بملوك الطوائف وبخاصة الأمير عبد الله بن بلقين ملك غرناطة (18).
تضافرت العوامل التي اعتمدها أمير المرابطين في خلع ملوك الطوائف فعبر بقواته إلى الأندلس في أوائل عام 483 هـ. ولم يبدأ بعزل ملوك الطوائف، بل بدأ بمحاربة الإسبان ليقطع أي اتصال لهم مع حلفائهم من ملوك الطوائف (19). فسار يوسف بن
(15) ابن الخطيب، الحلل الموشية، ص 57 - ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 187.
(16)
ابن الكردبوس، تاريخ الأندلس، ص 104.
(17)
علي أدهم، المعتمد بن عباد، ص 270.
(18)
الأمير عبد الله، كتاب التبيان، ص 320، ص 487 - ابن الخطيب، أعمال، ج 3/ 250.
(19)
ينظر، ابن الأثير، الكامل، ج 10، ص 189 - النويري، نهاية الأرب، ج 22؛، ص 182 - محمود، قيام دولة المرابطين، ص 302.
تاشفين بقواته صوب مدينة طليطلة عاصمة مملكة قشتالة وشدد حولها الحصار، ووصل في زحفه إلى مدن الحدود مما يلي شمالي طليطلة، ثم حاصر مدينة قلعة رباح الواقعة على الطريق المؤدية إلى مملكة قشتالة (20).
تصدى لهذا الزحف المرابطي ألفونسو السادس ملك قشتالة فانسحبت القوات المرابطية دون أن تدخل في معركة حاسمة مع الإسبان، ولم تشترك القوات الأندلسية في هذه الحملة، مما أدى إلى تذمر يوسف بن تاشفين، إضافة إلى أن ملوك الطوائف أحسوا بنوايا يوسف بن تاشفين نحوهم فباتوا يترقبون الأمور الجسام (21).
عاد أمير المرابطين بقواته من أحواز طليطلة صوب الجنوب، بعد أن قطع الصلة بين ملوك الطوائف والإسبان ليضع بداية النهاية لملوك الطوائف.
القضاء على ممالك الطوائف 483 - 509 هـ
ثمة ظاهرتان يمكن ملاحظتهما في هذا الموضوع:
الأولى: -
إن أكثر ممالك الطوائف سيطرت عليها القوات المرابطية نتيجة تعاون ملوكها مع الإسبان وموقفهم المضاد للمرابطين، ولهذا سيطرت القوات المرابطية على هذه الممالك تباعاً:
فسيطرت على مملكة غرناطة عام 483 هـ/1090 م، وعلى مملكة إشبيلية عام 483 - 484 هـ/1091 م، وعلى مملكة المرية عام 484 هـ/1091 م، وعلى مملكة مرسية عام 484 هـ/1091 م وعلى مملكة بطليوس عام 488 هـ/1095 م، وعلى إمارة البونت عام 496 هـ/1103 م، وعلى إمارة شنتمرية الشرق (سهلة بني رزين) عام 497 هـ/1104 م، وعلى مملكة سرقسطة عام 503 هـ/1110 م. وقد تمت هذه السيطرة بعد جهود كبيرة قامت بها القوات المرابطية في مقاومة الخطر الإسباني المساعد لملوك الطوائف أولاً، وبمقاومة ملوك الطوائف الذين تصدوا للقوات المرابطية ثانياً (22).
(20) ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 99 وطبعة أخرى ص 153 - أشباخ، تاريخ الأندلس، ص 93.
(21)
عنان، دول الطوانف، ص 340 - محمود، قيام دولة المرابطين، ص 303.
(22)
السامرائي، علاقات المرابطين، ص 97 - 244.
الثانية: -
إن بعض ممالك الطوائف مثل مملكة بلنسية ومملكة الجزائر الشرقية دخلتها القوات المرابطية لإنقاذها من خطر هجمات الإسبان، أي أن هذه الممالك هي التي طلبت العون من المرابطين فبعد أن كانت مملكة بلنسية مسرحاً لهجمات الإسبان 479 - 495 هـ وخاصة هجمات السيد الكمبيادور (فارس قشتالي مغامر)، الذي عاث في المنطقة فساداً، وأرهق أهلها، وتصدى للقوات المرابطية خلال هذه الفترة الطويلة.
وبعد موت الكمبيادور عام 492 هـ/1099 م تعاونت زوجته خمينا مع ألفونسو السادس من أجل التصدي للقوات المرابطية التي دخلت المدينة عام 495 هـ/1102 م بعد إرهاق شديد فوجدوها أطلالاً دارسة (23). أما الجزائر الشرقية (البليار) فقد تعرضت لهجمات الأساطيل الإسبانية والإيطالية في عام 508 هـ/1114 م، وبعد مقاومة عنيفة دخلت هذه الأساطيل أهم جزرها وهي جزيرة ميورقة وعملت فيها الخراب والدمار. فاستعان أهل الجزائر الشرقية بالمرابطين الذين أنجدوهم بأسطول بحري دخل الجزائر في عام 509 هـ/ 1116 م وبذلك تدخل الجزائر الشرقية في حوزة المرابطين (24).
جهاد المرابطين للممالك الإسبانية 483 - 542 هـ:
كانت الممالك الإسبانية المعاصرة لهذه الفترة هي:
أ - مملكة قشتالة وليون 483 - 542 هـ وكان أشهر ملوكها:
1 -
ألفونسو السادس 458 - 502 هـ/1065 - 1109 م.
2 -
أوراكة ابنته 502 - 520 هـ/1065 - 1126 م.
3 -
ألفونسو السابع (السليطين) 520 - 552 هـ/1126 - 1157 م.
يبدو لنا من استعراض الروايات التاريخية التي تناولت المعارك العسكرية بين المرابطين ومملكة قشتالة وليون خلال هذه الفترة، أن هذه المعارك مرت في مرحلتين:
المرحلة الأولى 483 - 523 هـ:
في هذه المرحلة كان التفوق العسكري للجيوش المرابطية التي بادرت بالهجوم
(23) حسين، الحياة العلمية في مدينة بلنسية، ص 128 - 140.
(24)
السامرائي، " الجزائر الشرقية "، ص 179 - 182 - محمود علي مكي، " وثائق مرابطية جديدة "، ص 185 - 186 - سالم، تاريخ البحرية الإسلامية، ص 244.
على مدينة طليطلة عاصمة قشتالة وأحوازها، فاسترجعت بعض المدن والحصون المحيطة بها، كما انتصرت القوات المرابطية على القوات القشتالية في معركة حاسمة وهي معركة اقليش الواقعة شرقي طليطلة في عام 501 هـ/1108 م حيث انهزمت فيها القوات الإسبانية وقتل قائدها الأمير (سانشو) ابن ألفونسو السادس. وبعد هذا الانتصار كررت القوات المرابطية هجومها على مدينة طليطلة وأوشكت أن تسترجعها إلى دولة الإسلام وبخاصة في عام 507 هـ/1114 م.
المرحلة الثانية 523 - 542 هـ:
بعد أن خسرت القوات المرابطية في معركة القلاعة عام 523 هـ أمام هجمات قوات مملكة أرغون الإسبانية (سنذكرها فيما بعد)، بدأت قوات مملكة قشتالة بتكرار الهجوم المستمر على مدن الأندلس بقيادة ملكها الطموح (السليطين)، ويبدو لنا أن القوات القشتالية اتخذت لها عدة محاور، من أهمها:
أ - محور قرطبة، حيث قامت القوات الإسبانية بمهاجمة قرطبة وأحوازها عدة مرات في عام 524 هـ/1130 م، وفي عام 528 هـ/1133 م وفي عام 536 هـ/1142 م، وفي عام 538 هـ/1143.
ب - محور إشبيلية، قامت القوات القشتالية بمهاجمة إشبيلية والمدن المجاورة لها في عام 526 هـ/1132 م، وفي عام 536 هـ/1142 م وعام 538 هـ/1143 م.
ج - محور بطليوس وغربي الأندلس، قامت هذه القوات بهجومها عام 528 هـ/ 1134 م، وفي عام 532 هـ/1137 م، وفي عام 536 هـ/1142 م.
وبلغ من شدة هجوم القوات القشتالية، أنها وصلت إلى أحواز مدن قرطبة وإشبيلية وألقت الرعب في نفوس أهلها، ولا ينكر دور القوات المرابطية في هذه الفترة التي كرست جل استعدادتها العسكرية من أجل التصدي للقوات الإسبانية، وكانت القوات المرابطية في أغلب الأحيان تنتزع النصر من القوات القشتالية انتزاعاً، وفي بعض الأحيان خسرت المعارك وفقدت خيرة رجالها وقادتها. ومما عرقل مساعي المرابطين الجهادية هذه، نشاط الموحدين في عدوة المغرب وبداية سيطرتهم على أهم المدن والحصون المرابطية، وكذلك بسبب الثورات المتعاقبة التي قامت في بلد الأندلس وتهدف إلى تخليص الأندلس من الحكم المرابطي (25).
(25) السامرائي، علاقات المرابطين، ص 250 - 276.
ب - مملكة البرتغال 483 - 542 هـ:
ملوكها خلال هذه الفترة:
1 -
الأمير هنري البرجوني (الرنك) زوج تيريزا ابنة ألفونسو السادس وتوفي في عام 505 هـ/1112 م.
2 -
تيريزا: الوصية على عرش ابنها (ألفونسو هنريكيز) 505 - 522 هـ/1112 - 1128 م.
3 -
ألفونسو هنريكيز (ابن الرنك) 522 - 553 هـ/1128 - 1158 م. إن جهاد المرابطين مع مملكة البرتغال مر في مرحلتين:
المرحلة الأولى: 483 - 533 هـ:
ففي هذه المرحلة اتخذت القوات المرابطية من مدينة بطليوس قاعدة عسكرية تخرج منها الحملات الجهادية صوب الشمال إلى أراضي مملكة البرتغال، فاستطاعت القوات المرابطية استرجاع بعض المدن المهمة من سيطرة الإسبان ومن أهمها مدن: يابرة واشبونة م وشنترين وذلك في عام 505 هـ/1112 م، ومدينة قلمرية وذلك في عام 511 هـ/1117 م (26).
المرحلة الثانية 533 - 542 هـ:
بعد الصلح الذي تم بين ملك قشتالة (السليطين) وملك البرتغال (ابن الرنك) عام 533 هـ/1139 م وجه ملك البرتغال جهوده من أجل السيطرة على بعض القواعد الأندلسية القريبة من حدود إمارته. فتصدى للقوات المرابطية في غربي الأندلس وانتصر عليها في موقعة (أوريك) على ضفة نهر التاجة. كما استغلت إمارة البرتغال ثورة أهل الأندلس على المرابطين، فسيطرت على مدن شنترين وباجة وماردة واشبونة، أي إنها استرجعت معظم المدن التي استردها المرابطون في المرحلة الأولى (27).
ج - مملكة برشلونة 483 - 542 هـ:
وأشهر ملوكها فى هذه الفترة:
1 -
رامون برنجير الثاني 468 - 485 هـ/1076 - 1092 م.
(26) ينظر، المراكشي، المعجب، ص 228 - 232 - ابن عذاري، البيان ج 4، ص 64 - عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 81.
(27)
ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص 106 - عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 527.
2 -
رامون برنجير الثالث 485 - 525 هـ/1092 - 1131 م.
3 -
رامون برنجير الرابع 525 - 557 هـ/1131 - 1162 م (28).
واصلت مملكة برشلونة الإسبانية توسعها على حساب أراضي الثغر الأعلى (مملكة سرقسطة) منذ عام 483 هـ/1090م، حيث سيطرت على مدينة طركونة، وفق حملة صليبية باركها البابا أوربان الثاني (29). وقد حاولت القوات المرابطية عدة مرات استرجاع ثغر طركونة وبرشلونة، حيث أرسلت القوات المرابطية البرية في عام 495 هـ/1102 م وفي عام 508 هـ/1115 م إلى برشلونة وتوغلت في أراضيها، إلا أنه كان نصراً محدوداً وخسر المرابطون خيرة رجالهم في هذه الحملات (30). كما أرسلت حملات مرابطية بحرية إلى منطقة برشلونة، وأسرت الكثير من أهلها وبخاصة (الربرتير) -الذي دخل في خدمة المرابطين فيما بعد- وذلك في عام 511 هـ/1117 م (31). وبعد سقوط المرية بيد الإسبان عام 542 هـ شجعهم الأمر على غزو مدينة طرطوشة، التي كان لها أهمية عند الإسبان باعتبارها أعظم ثغور الشمال الشرقي البحرية، كما كانت مأوى المسلمين المجاهدين الذين كثيراً ما كانوا يرابطون في هذا الثغر، ويكررون هجماتهم على مملكة برشلونة وأرغون وشواطئ فرنسا، حتى اعتقدت الممالك الإسبانية أن المسلمين بطرطوشة ربما يستطيعون إسقاط مملكة برشلونة ومملكة أرغون، بل ربما يستطيعون أن يرجعوا سرقسطة إلى عهدها الإسلامي (32).
لهذا ركزت مملكة برشلونة على مدينة طرطوشة، فهاجمتها بقوات إسبانية وأوروبية باركها البابا، فسيطرت عليها عام 543 هـ/1148 م (33).
د - مملكة أرغون 483 - 542 هـ:
وأشهر ملوك هذه المملكة الإسبانية:
1 -
بيدرو الأول 489 - 499 هـ/1096 - 1105 م.
(28) ابن القطان، نظم الجمان، ص 219 (حاشية) - ابن الكردبوس، تاريخ الأندلس، من 100 (حاشية 3).
(29)
عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 116.
(30)
السلاوي، الاستقصا، ج 2، ص 58 - مؤنس، " الثغر الأعلى "، ص 112.
(31)
ابن عذاري، البيان، ج 4، ص 66 - ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 193.
(32)
علام، الدولة الموحدية بالمغرب، ص 176.
(33)
ابن الخطيب، الإحاطة، ج 2، ص 126 - الحجي، التاريخ الأندلسي، ص 441.
2 -
ألفونسو الأول المحارب 499 - 529 هـ/1105 - 1134 م.
3 -
دون راميرو الراهب (أخ المحارب) 529 - 532 هـ/1134 - 1137 م.
4 -
رامون برنجير الرابع ملك برشلونة 525 - 557 هـ.
ورث عرش أرغون بعد أن تنازل الراهب عن هذا العرش إلى صهره ملك برشلونة ولذا لقب ملك برشلونة هذا (كونت برشلونة وأمير أرغون)(34).
ومما يلاحظ في هذا المجال أن ألفونسو السابع (السليطين) ملك قشتالة فرض نوعاً من الهيمنة والسيطرة على بقية أمراء الممالك الإسبانية. فقد اعترف ملك أرغون (الراهب راميرو 529 - 532 هـ) بأنه يحكم أرغون في ظل ملك قشتالة، وأعلن الاعتراف نفسه ملك النافار، كما أعلن رامون برنجير الرابع ملك برشلونة الاعتراف نفسه (35).
وكرر هذا الملك محاولاته من أجل استرجاع أهم قواعد الثغر الأعلى فبدأ منذ عام 503 هـ/1110 م يهاجم سرقسطة قاعدة الثغر الأعلى والمدن الأخرى، فقام بمحاولتين في عام 504 هـ/1111 م من أجل السيطرة على سرقسطة ففشل (36).
ونتيجة لسقوط بيت المقدس بيد الأوروبيين عام 492 هـ/1099 م، عبرت قوات أوروبية إلى إسبانيا وبدأت تعاون ملك أرغون من أجل استرداد أهم المدن الأندلسية، فبدأ ألفونسو المحارب بمحاصرة مدينة تطيلة عام 511 هـ/1117 م واحتلها، وبذلك انهار الخط الدفاعي لمدينة سرقسطة. وفي عام 512 هـ/1118 م شدد الحصار على مدينة سرقسطة، تساعده قوات أوروبية، واستمر هذا الحصار زهاء سبعة أشهر، وحاصر الإسبان المدينة اقتصادياً إلى جانب الهجمات المتكررة عليها. ففي رمضان من عام 512 هـ/1118 م دخل ألفونسو المحارب وحلفاؤه المدينة، وحول مسجدها الجامع إلى كنيسة سميت بكنيسة (لاسيو Laseo) ، واتخذ من مدينة سرقسطة عاصمة لمملكة أرغون الإسبانية. وبسقوط سرقسطة أصبحت قواعد الثغر الأعلى الأخرى مهددة أمام زحف ألفونسو المحارب، الذي سيطر على مدينة روطة المنيعة في العام نفسه. ثم سيطر في عام 513 هـ/1120 م على مدينة طرسونة، كما فرض سيطرته على مدينة قلعة أيوب وكانت أمنع ما تبقى من معاقل الثغر الأعلى (37).
(34) السامرائي، علاقات المرابطين، ص 289.
(35)
أشباخ، تاريخ الأندلس، ص 176 - السامرائي، علاقات المرابطين، ص 290.
(36)
ابن عذاري، البيان، ج 4 ص 54 - عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 74.
(37)
ينظر، أرسلان، الحلل السندسية، ج 1، ص 105 - السامرائي، علاقات، ص 294 - 300.
وإزاء هذه الانتصارات المتلاحقة التي أحرزها ألفونسو المحارب، ازداد نشاطه العسكري في السيطرة على المعاقل المنيعة في منطقة الثغر الأعلى، ففي عام 514 هـ/ 1120 م انتصر على القوات المرابطية في معركة قتندة، في حيز دروقة من عمل سرقسطة، واستشهد من المسلمين الآلاف ومن بينهم العديد من الفقهاء والعلماء (38). كما قام ملك أرغون ألفونسو المحارب بحملته المدمرة عام 519 - 520 هـ والتي اخترق بها بلد الأندلس من أقصاه إلى أقصاه متحدياً المسلمين فيها ومتعاوناً مع بعض معاهدي الإسبان الذين سهلوا له هذه المهمة، وكانت هذه الحملة، حملة تَحد كشفت عن ضعف الدفاع في الأندلس، وأن خطط المرابطين منذ نكبة سرقسطة وقتندة لم تكن كفيلة بصد عدوان الإسبان، كما كشفت عن مبلغ خطر المعاهدين الإسبان الذين نعموا بالسلام والأمن في ظل الحكم العربي بالأندلس (39).
ومن المعارك الأخرى المهمة التي انتصر فيها ألفونسو المحارب على القوات المرابطية هي معركة القلاعة عام 323 هـ/1129 م الواقفة في شرقي الأندلس، وفتحت الأبواب أمام شدة الهجمات الإسبانية على مدينة بلنسية وما جاورها من الحصون (40).
بعد أن تجاوز ألفونسو المحارب خلافاته مع ملك قشتالة (السليطين) عام 524 هـ/ 1130 م، جهز قواته صوب ما تبقى من قواعد الثغر الأعلى، وكان هدفه الاستيلاء على لاردة وافراغة ومكناسة، ثم الاستيلاء على ثغر طرطوشة. فهاجم مدينة مكناسة عام 527 هـ/1133 م وسلمت أمورها للملك الإسباني، ثم زحف نحو مدينة إفراغه فتصدت له القوات المرابطية، ودارت تحت أسوار هذه المدينة معركة من أعنف المعارك في هذه الفترة انتصر بها المرابطون لأول مرة، ضد ملك أرغون في رمضان من عام 528 هـ/17 تموز 1134 م، وبعد هذه المعركة مات ألفونسو المحارب بأيام. وقد كان لنصر المرابطين في إفراغة صدى عميق في سائر أنحاء الأندلس، حيث أعادت للمرابطين سمعتهم العسكرية، ولو أنهم لم يستغلوا هذا النصر ويزحفوا إلى سرقسطة من أجل إرجاعها إلى دولة الإسلام (41).
(38) ينظر، ابن الآبار، المعجم، ص 7 (رقم 3) - ابن عبد الملك المراكشي، الذيل والتكملة، ج 6، ص 219 (رقم 640) - ابن بشكوال، الصلة، ص 144 (رقم 330).
(39)
السامرائي، علاقات، ص 304 - 308.
(40)
ابن القطان، نظم الجمان، ص 111 - عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 541 - 542 (باب الوثائق).
(41)
ينظر، ابن القطان، نظم الجمان، ص 223 - الحمبري، الروض المعطار، ص 25 - السامرائي، علاقات، ص 315 - 318.
أما بقية مدن الثغر الأعلى مثل لاردة وإفراغة وأقليش فقد سقطت بيد الإسبان عام 544 هـ/1149 م (42).
ومن خلال استعراض جهاد المرابطين للممالك الإسبانية نلاحظ ما يأتي:
1 -
تزعم ألفونسو السادس ملك قشتالة جبهة الإسبان ضد المرابطين إلى وفاته عام 501 هـ، ثم تزعمها ألفونسو الأول المحارب، وبعد وفاته عام 528 هـ تزعمها ألفونسو السابع ملك قشتالة. أي وجود الملك الإسباني القوي حسب مقتضيات الأمور.
2 -
اتسمت المعارك المتبادلة بين الجانب المرابطي والإسباني بعنفها وقوتها، وقد عزز كل جانب معاركه بروح دينية عالية تزعمها رجال الدين من الطرفين، من أجل إحراز النصر وكسب المعركة.
3 -
على الرغم من الروح الجهادية العالية التي تمتع بها الجيش المرابطي في الأندلس، وانتصاراته في معارك مهمة ضد الإسبان، إلا أن هذا الجيش لم يستطع استرجاع أية مدينة أندلسية مهمة سيطر عليها الإسبان خلال مراحل الصراع، ابتداءً من مدينة طليطلة، ومروراً بغربي الأندلس وإلى منطقة الثغر الأعلى.
4 -
أثقلت الحروب الجهادية هذه كاهل الجيوش المرابطية في الأندلس، وفقدت خيرة قادتها، مما أضعف هذه الجيوش فيما بعد، والتي انشغلت في مقاومة ثورة أهل الأندلس، وحركة المهدي في عدوة المغرب، مما شجع الإسبان على مواصلة توسعهم على حساب بلد الأندلس، والسيطرة تباعاً على أهم قواعده (43).
الأندلس ولاية موحدية 540 - 620 هـ/1145 - 1223 م:
تضافرت عوامل متعددة في إضعاف المرابطين سواء في شمال أفريقية أو في الأندلس، ولعل ضعف الأمراء الذين تولوا الحكم بعد علي بن يوسف بن تاشفين (500 - 537 هـ) كان في مقدمة الأسباب، بالإضافة إلى ظهور نشاط الموحدين في عدوة المغرب، هذا النشاط الذي مر في مرحلتين:
الأولى:
مرحلة أبي عبد الله محمد بن تومرت، وقد بدأت هذه المرحلة من عام 515 هـ إلى
(42) ابن الآبار، التكملة، ج 1، ص 76 - ابن الخطيب، أعمال، ص 259.
(43)
السامرائي، علاقات، ص 322 - 323.
عام 524 هـ. وقد أسس محمد بن تومرت دعوة على أساس ديني قوامها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أساس قبلي وهو الصراع بين القبائل البربرية قبيلة لمتونة (المرابطين)، وقبيلة هرغة من مصمودة (الموحدين). واتخذ محمد بن تومرت حصن (تينملل) مقراً له ولدعوته، وحاولت القوات المرابطية في هذه المرحلة السيطرة على هذا الحصن ففشلت (44).
الثانية:
مرحلة عبد المؤمن بن علي 524 - 543 هـ والتي توجت بسقوط دولة المرابطين، وقيام دولة الموحدين، وذلك من خلال معارك دامية يطول شرحها (45).
وفي الأندلس منيت الفوات المرابطية بهزائم متكررة أمام القوات الإسبانية، واستطاعت الممالك الإسبانية استرداد أهم المدن والقواعد الأندلسية تباعاً، كما وضحنا ذلك. إضافة إلى قيام بعض حركات التمرد ضدهم والتي عرفت باسم حركات المريدين وبخاصة في الجنوب الغربي من الأندلس، ومثل هذه الحركات، وبأهداف مختلفة قامت في شرقي الأندلس، وفي وسط وجنوب الأندلس. ويتبين لنا من خلال دراسة هذه الحركات التي قامت بين الأعوام 539 - 541 هـ، وهي سنة عبور الموحدين إلى الأندلس، أن أكثر ثوار الأندلس ضد المرابطين هم من الفقهاء والقضاة وأعلام الأدب، وهذا يعود إلى المركز والنفوذ اللذين تمتعوا بهما في ظل دولة المرابطين، حتى تركزت فيهم عناصر الزعامة المحلية، فلما بدأ سلطان المرابطين بالأفول كما ذكرنا، قام هؤلاء الفقهاء والعلماء بحركاتهم من أجل استرداد سلطانهم القومي، إلا أن معظم هذه الحركات تم القضاء عليها إما بواسطة القوات المرابطية الموجودة في ولاية الأندلس، أو بانضواء قادتها تحت لواء الدولة الموحدية (46).
أ - عبور الموحدين إلى الأندلس:
كان أول جيش أرسله الموحدون إلى الأندلس في عام 541 هـ وذلك من أجل إزالة
(44) ينظر، ابن عذاري، البيان، ج 4، ص 68 - ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 228 - علام، الدولة الموحدية، ص 72 وما بعدها - عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 184.
(45)
السامرائي، علاقات، ص 508 وما بعدها.
(46)
ينظر، المراكشي، المعجب، ص 277 وما بعدها - علام، الدولة الموحدية، ص 146 وما بعدها السامرائي، علاقات، ص 324 وما بعدها.
ما بقي فيها للمرابطين من سلطان، ومن أجل القضاء على الزعامات المحلية التي ظهرت في الأندلس في خاتمة حكم المرابطين. ولعل في مقدمة الأسباب التي دفعت الموحدين إلى ذلك، الحفاظ على كيان الإسلام في بلد الأندلس، إضافة إلى الحفاظ على كيانهم في عدوة المغرب من هجوم مرابطي محتمل من الأندلس. ومما شجعهم على التطلع لبلد الأندلس أيضاً الدعوات الرسمية والشخصية التي تلقوها من العلماء والحكام المحليين الذين رحبوا بقدوم الموحدين، وفي مقدمتهم: علي بن عيسى بن ميمون قائد الأسطول في مدينة قادس، والثائر ابن حمدين القاضي زعيم ثورة قرطبة، والثائر أبو الغمر بن عزون زعيم ثورة مدينة شريش على المرابطين وغيرهم كثير (47).
على أثر ذلك قرر عبد المؤمن بن علي إرسال ثلاثة جيوش إلى الأندلس عبرت في عام 541 هـ/1146 م وسيطرت على مدن الجنوب مثال طريف والجزيرة الخضراء، كما أعلن أهل شريش ولاءهم للموحدين، وقد سماهم الموحدون تقديراً لذلك (السابقون الأولون)(48).
ثم زحفت القوات الموحدية إلى غربي الأندلس، فسيطرت على مدن لبلة وبطليوس وشلب وباجة ويابرة بكل سهولة حيث أعلن حكامها الولاء للوافد الجديد. إلا أن المدينة المهمة التي امتنعت على الموحدين في غربي الأندلس، والتي شددوا عليها الحصار براً وبحراً هي مدينة إشبيلية، إلا أن القوات الموحدية اقتحمتها في شهر شعبان من عام 541 هـ/1147 م بعد أن أبيدت بعض القوات المرابطية فيها (49).
إلا أن معظم مدن غربي الأندلس -ما عدا شريش- تمردت على الحكم الموحدي، وكان هذا التمرد بزعامة مدينة اشبيلية التي انهزمت منها القوات الموحدية.
ولما وصلت هذه الأنباء إلى عبد المؤمن بن علي في عدوة المغرب، أرسل جيشاً جديداً إلى الأندلس أعاد السيطرة على معظم مدن غربي الأندلس (50). واستطاعت الجيوش الموحدية السيطرة على مدينة قرطبة، بعد تفاهم وتعاون مع حاكم قرطبة (يحيى بن غانية المرابطي) الذي فضل التعاون مع الموحدين من أجل التخلص من خطر الإسبان
(47) أبو رميلة، علاقات الموحدين، ص 196 وما بعدها.
(48)
الناصري، الاستقصا ص 104 - أشباخ، تاريخ الأندلس، ص 222.
(49)
ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص 47 - الناصري، الاستقصا. ج 2، ص 105.
(50)
ينظر، ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 234 - علام، الدولة الموحدية، ص 184 - عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 329.
وبالذات ملك قشتالة، فدخلت القوات الموحدية قرطبة في عام 543 هـ/1148 م (51).
ومن قرطبة أخذت القوات الموحدية ترسل سراياها إلى المدن والحصون المجاورة في وسط الأندلس، فسيطرت على مدينة أبدة وبياسة، وسيطرت بعض السرايا الأخرى على حصن شلير وأركش وبرشانة (52). وقام صاحب مالقة (أبو الحكم بن حسون)، الذي كان يخشى هجمات بقايا القوات المرابطية القريبة منه، ويخشى كذلك الخطر الموحدي الزاحف، فتعاون مع الجند الإسبان لرد هذه المخاطر، لكن سكان المدينة ثاروا عليه فقتلوه في عام 547 هـ/1152 م، وبعدها دخلت القوات الموحدية مدينة مالقة (53).
وبقيت مدينة غرناطة آخر معاقل المرابطين في الأندلس، فحاول يحيى بن غانية المرابطي إقناع حاكم غرناطة المرابطي (ميمون بن بدر اللمتوني) بالاستسلام للموحدين، فامتنع ميمون بشدة. وفي هذه الفترة مات يحيى بن غانية في عام 343 هـ/1148 م، واستمر ميمون حاكم غرناطة في عناده إلى عام 551 هـ 1156 م فنزل عن مدينة غرناطة للموحدين بعد أن حصل على الأمان من زعيم الموحدين الخليفة عبد المؤمن بن علي (54).
انتهز الإسبان ثورة أهل الأندلس على المرابطين، فاستولوا على مدينة المرية في عام 542 هـ/1147 م، وأصرت القوات الموحدية بعد سيطرتها على مدن وسط الأندلس على استرجاع هذه المدينة البحرية المهمة، فجهزت قواتها البرية وأساطيلها البحرية وحاصرت المدينة بقيادة أبي سعيد والي غرناطة الموحدي، وهو ابن الخليفة عبد المؤمن، وبعد حصار دام سبعة أشهر فتح الموحدون المدينة ودخلوها في أواخر عام 552 هـ/1157 م بعد أن فشلت جهود الممالك الإسبانية وأعوانها من القوات الأوروبية في استرجاع المدينة (55).
(51) ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 191 - زيني دحلان، الفتوحات الإسلامية، ج 1، ص 319 - الناصري، الاستقصا، ج 2، ص 105.
(52)
ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 126 (وطبعة أخرى ص 193) - ابن أبي دينار، المؤنس، 111 - أشباخ، تاريخ الأندلس، ص 229 - أبو رميلة، علاقات، ص 103.
(53)
ابن الخطيب، أعمال، ص 255 - عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 319.
(54)
ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 235 - الناصري، الاستقصا، ج 2، ص 106 - علام، الدولة الموحدية، ص 187.
(55)
المراكشي، المعجب، ص 211 - زيني دحلان، الفتوحات، ج 1، ص 320 - مراجع الغناي، قيام دولة الموحدين، ص 115.
ب - علاقات الموحدين السياسية بالإمارات الأندلسية المستقلة:
1 -
علاقة الموحدين مع ابن مردنيش أمير شرقي الأندلس:
استطاع أبو عبد الله محمد بن سعد بن محمد بن سعد بن مردنيش الجذامي بالولاء (وهو من المولدين)(56)، بالتعاون مع إبراهيم بن أحمد بن مفرج بن همشك (المقطوع الأذن)، الاستقلال في منطقة شرقي الأندلس، وعزز هذا الأمر بالتعاون مع الممالك الإسبانية وبعض الدول الأوروبية، ففي عام 543 هـ/1148 م عقد معاهدة صلح مع جمهورية بيزا مدتها عشر سنوات، وكذلك مع جمهورية جنوه، وجرت الهدايا المتبادلة بينه وبين ملك انكلترا، وبسبب هذا التعاون لقبه البابا بـ (صاحب الذكر الحميد)، وعرف أيضاً باسم الملك (57).
أوجدت معاهدة تطيلة التي عقدت بين ملك قشتالة وملك أرغون عام 545 هـ/ 1151 م والتي اتفق الملكان فيها على تقسيم بلاد الأندلس، فكان نصيب ملك أرغون شرقي الأندلس والاستيلاء عليها يشترط أن يتولى حكم مدينتي مرسية وبلنسية بصفته تابعاً لملك قشتالة، حالة من الذعر عند ابن مردنيش الذي أسرع إلى عقد محالفات مع هذين الملكين تعهد بأن يدفع خمسين ألف مثقال ذهباً سنوياً إلى كل منهما (58).
ونتيجة لارتماء ابن مردنيش في أحضان الإسبان، ثار عليه أهل شرقي الأندلس وبخاصة أهل لورقة وبلنسية، واستطاع ابن مردنيش القضاء عليها، مما أغضب هذا الأمر الدولة الموحدية التي كانت لها علاقة بالثوار، ولهذا أرسل الخليفة عبد المؤمن رسالة إلى ابن مردنيش حول هذا الأمر (59). وبعد ذلك أخذ ابن مردنيش يغزو بلاد الأندلس التابعة للموحدين بغية الاستيلاء عليها، ففي عام 554 هـ/1160 م سار بقواته من مرسية بالتعاون مع قوات إسبانية، فسيطر على مدينة جيان ثم واصل سيره إلى مدينة قرطبة فشدد عليها الحصار ولم تقع بيده لصمود أهلها وواليها (60).
(56) ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 232، حاشية 1.
(57)
ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 109، حاشية 1 - مراجع الغناي، قيام دولة الموحدين، ص 119.
(58)
ابن الخطيب، أعمال، ص 260 - الإحاطة، ج 2، ص 124 - A History Medieval Spain. P:232.
(59)
كنون، النبوغ المغربي، ج 2، ص 101 - 103.
(60)
ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 116.
ثم واصل سيره إلى مدينة إشبيلية فحاصرها ثلاثة أيام، ففشل في السيطرة عليها لقوة المقاومة أيضاً (61)، وفي عام 555 هـ/1160 م بعث ابن مردنيش جيشاً بقيادة إبراهيم بن همشك للاستيلاء على قرطبة، فحاصرها ولاقت الأمرَّين من هذا الحصار، وقتل واليها بسبب كمين دبر له، إلا أن أهلها أحسنوا الدفاع عنها، وبعدها سار ابن همشك إلى مدينة قرمونة فاستولى عليها بالتعاون مع أحد زعمائها المدعو عبد الله بن شراحيل (62). وحاول ابن همشك السيطرة على إشبيلية فشدد عليها الحصار، وأنزل بها أفدح الخسائر، مما دعى واليها السيد أبا يعقوب يوسف أن يستنجد بوالده الخليفة عبد المؤمن. وكانت الخطوة الأولى التي قام بها عبد المؤمن بهذا الصدد هو المباشرة فوراً ببناء قاعدة حربية في جبل طارق عرفت باسم مدينة الفتح، انجز بناءها في شهر ذي القعدة من عام 555 هـ/1160 م وبعد الإنجاز عبر الخليفة عبد المؤمن إلى الأندلس واجتمع هناك بزعماء الموحدين والأندلسيين، وقبيل رجوعه أمر قواده بمواصلة غزو ابن مردنيش وقتاله (63).
فكانت أول مدينة استرجعها الموحدون من ابن مردنيش وحليفه ابن همشك هي مدين قرمونة وذلك في مطلع عام 557 هـ/1161 م (64).
عزز الموحدون قواتهم في مدن إشبيلية وقرطبة، فأصبح من العسير السيطرة عليهما من قبل قوات ابن مردنيش وحليفه، إلا أن الحليف ابن همشك سار صوب غرناطة وبالتعاون مع يهود المدينة ودخلها، فتحصن الموحدون في قصبتها واستمروا في مقاومة الغزاة، وفي الوقت نفسه بعثوا صريخهم إلى الخليفة عبد المؤمن، وكذلك استنجد ابن همشك بحليفه ابن مردنيش، فسارت قوات الطرفين إلى غرناطة فكان اللقاء في مرج الرقاد (بظاهر غرناطة) فحلت الهزيمة بالموحدين وذلك في عام 557 هـ. ونكل ابن همشك بأهل غرناطة وأسرى الموحدين أبشع تنكيل (65) ولما بلغت أخبار معركة مرج الرقاد الخليفة عبد المؤمن أرسل جيشاً كبيراً عبر إلى الأندلس وعهد بقيادته إلى ابنه أبي
(61) ابن عذاري، البيان الموحدي، ص 40.
(62)
أبو رميلة، علاقات الموحدين، ص 115.
(63)
عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 377 - 386.
(64)
مراجع الغناي، قيام دولة الموحدين، ص 128.
(65)
ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 188 - 193 - ابن الخطيب، أعمال، ص 261 - 263 الإحاطة، ج 1، ص 300 - 301 - علام، الدولة الموحدية، ص 195 - ابن عذاري، البيان الموحدي، ص 50.
يعقوب يوسف، اتجه صوب غرناطة من أجل استرجاعها. وفي الوقت نفسه سار ابن مردنيش -بعد أن وصلت إليه أنباء عبور هذا الجيش- صوب غرناطة لنجدة حليفه ابن همشك تعاونهُ قوات إسبانية، فعسكر قبالة غرناطة يفصله نهر حدرة عن حليفه. وبعد أن شحذت همم الموحدين هاجموا غرناطة في رجب من عام 557 هـ/1162 م انهزم فيها ابن همشك وقتل الكثير من قواته، فدخلت القوات الموحدية المدينة منتصرة، ولم يستطع ابن مردنيش تقديم المساعدات لحليفه، وكان يرى بأم عينيه هزيمة الحليف الذي لاحقته القوات الموحدية فأوقعت بقواته الخسائر الكبيرة (66).
عزم الموحدون على غزو بلاد ابن مردنيش والقضاء عليه، فكانت الخطوة الأولى التي اتخذوها في هذا المجال: أولاً نقل العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة، وثانياً تحصين مدينة غرناطة، وثالثاً عبر الخليفة عبد المؤمن إلى الأندلس في ربيع الأول من عام 558 هـ/1163 م. ولكن هذه الأمور تعثرت بوفاة الخليفة الموحدي فجأة في جمادى الآخرة من العام نفسه 558 هـ، وظهر الخلاف بين أولاده حول أمر الخلافة ولم يحل هذا الخلاف حتى عام 563 هـ، فاستفاد ابن مردنيش من هذه الأحوال، وسار بقواته صوب غرناطة، إلا أن القوات الموحدية تصدت له، فرجع ابن مردنيش منسحباً إلى بلاده (67).
وصلت إمدادات إضافية من المغرب إلى الأندلس، فسارت القوات الموحدية صوب بلاد ابن مردنيش في عام 560 هـ/1165 م فاتحة الحصون والقلاع الواقعة في الطريق، فوصلت إلى مشارف مدينة لورقة. فلما وصلت هذه الأخبار إلى ابن مردنيش خشي سقوط لورقة بيد الموحدين، فسار بقواته تعاونهُ فرقة من الإسبان صوب لورقة، والتي ارتد عنها الموحدون الذين ساروا صوب مرسية، فأسرع إليها ابن مردنيش، فكان اللقاء بين الطرفين في ذي الحجة من عام 560 هـ/تشرين الأول 1165 م، في معركة فحص الجلاب، فانهزم ابن مردنيش وانسحب إلى مرسية، فلحقه الموحدون وشددوا عليه الحصار، ثم انسحبوا دون أن تقدم لنا الروايات تعليلاً لذلك (68).
(66) ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 199 - 201 - علام، الدولة الموحدية، ص 196 - ابن عذاري، البيان الموحدي، ص 52 - 53.
(67)
ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 205، ص 269 - 270 - مراجع الغناي، قيام دولة الموحدين، ص 136 - 137.
(68)
ابن عذاري، البيان الموحدي، ص 63 - 65 - ابن صاحب الصلاة، المن، ص 272 - 280 - عنان، عصر، ص 16 - 17 - مراجع الغناي، قيام دولة الموحدين، ص 140.
وفي عام 562 هـ/1167 م قام والي غرناطة الموحدي بالسيطرة على بعض حصون ابن مردنيش أمثال حصن لبسة قرب وادي أش، وحصن بسطه، كما ألحق هذا الوالي هزائم متكررة بقوات ابن مردنيش وحلفائه الإسبان (69).
بدأ الضعف والوهن يدب في إمارة ابن مردنيش، وذلك بسبب: تذمر الرعية منه والتي أثقلها بالضرائب لسد وإشباع رغبات الفرق الإسبانية التي اعتمد عليها، مما جلبت له عداوة كبار قواده، إضافة إلى سوء العلاقات بين ابن مردنيش وصهره يوسف بن هلال، وإبراهيم بن همشك، فقامت الحروب والمنازعات فيما بينهما، فكان من نتائجها انضمام إبراهيم بن همشك إلى الموحدين (70).
استمرت الحروب أكثر من سنة بين الحليفين السابقين، وإزاء اشتداد هجمات ابن مردنيش، استغاث ابن همشك بالموحدين حتى عبر بنفسه إلى عدوة المغرب يطلب العون منهم، فأعانوه لما رأوا صدق عزمه. وعبر إبراهيم بن همشك مع القوات الموحدية التي عبرت إلى الأندلس لقتال ابن مردنيش في عام 566 هـ/1171 م، والتي استقرت في قرطبة، ثم واصلت سيرها إلى بلاد ابن مردنيش، ويممت صوب مرسية، بعد أن استولت على الحصون والقلاع الواقعة في الطريق بما فيها مدينة لورقة التي استنجدت بالموحدين، وجزيرة شقر كذلك، كما خرجت طاعة المرية على ابن مردنيش وأعلنت الولاء والطاعة للموحدين (71).
خلال هذا الوقت كانت القوات الموحدية محاصرة لمدينة مرسية وأذاقت ابن مردنيش الأمرَّين. ولما عبر الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف إلى الأندلس في عام 566 هـ/1171 م ونزل بإشبيلية، ذهب إليه أخوه السيد أبو حفص قائد الجيوش الموحدية المحاصرة لابن مردنيش وجلب معه الأعيان والولاة الذين أعلنوا الولاء للموحدين.
انتهز ابن مردنيش هذا الأمر فهاجم جزيرة شقر محاولاً استرجاعها إلا أنه فشل أمام ضربات واليها، فرجع إلى مرسية يعاني من مرضه الذي مات فيه عام 567 هـ (72). وتولى
(69) أبو رميلة، علاقات، ص 126 - 127 - عنان، عصر، ص 29 - 30.
(70)
أبو رميلة، ص 127 - 131 - ابن عذاري، البيان الموحدي، ص 83.
(71)
ابن صاحب الصلاة، المن، ص 406 - 407.
(72)
ابن صاحب الصلاة، المن، ص 407 - 409 - مراجع الغناي، قيام دولة الموحدين، ص 147 - ينظر ابن الخطيب، أعمال، ص 262 - الإحاطة، ج 2، ص 127 - ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 268 - المراكشي، المعجب، ص 249 - عنان، عصر، ص 53.
الأمر من بعده ابنه أبو القمر هلال الذي دخل في طاعة الموحدين بعد أن رأى بأن لا جدوى للعصيان (73).
2 -
علاقة الموحدين مع بني غانية أمراء الجزائر الشرقية:
ينتمي بنو غانية حكام الجزائر الشرقية (البليار) إلى قبيلة مسوفة الصنهاجية، واشتهر منهم يحيى ومحمد أولاد علي المسوفي، أحد رجالات أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، وسموا بهذا الاسم نسبة إلى أمهم غانية، وهو تقليد مرابطي معروف (74).
وتولى يحيى ومحمد أعمالاً إدارية في الأندلس، واشتهر منهما محمد بن غانية الذي بعثه أمير المسلمين علي بن يوسف إلى الجزائر الشرقية لإصلاح ما فسد من أمورها على يد الوالي المرابطي وأنور بن أبي بكر اللمتوني، وذلك في عام 520 هـ/ 1126 م (75).
عاصر محمد بن علي المسوفي المعروف بابن غانية أفول نجم المرابطين في عدوة المغرب والأندلس، وقيام دولة الموحدين التي ورثت المرابطين في حكم بلاد العدوتين، فعزز ابن غانية حكمه في هذه الجزائر النائية واستمر ولاؤه للمرابطين ولدولة بني العباس، وأصبحت جزائره ملجأ للفارين من فلول لمتونة والمرابطين الذين لقوا الرعاية والأمان في ظل حكم هذه الأسرة، واستمر محمد بن غانية يحكم الجزائر الشرقية إلى عام 550 هـ/1155 م (76).
خلف محمد بن غانية أربعة أولاد، وهم عبد الله وإسحاق والزبير وطلحة، فبعد منازعات بين هؤلاء الأخوة استطاع إسحاق أن يحكم هذه الجزر، واستمر على سياسة أبيه في استقبال فلول لمتونة الوافدين عليه (77). واعتمد إسحاق بن غانية على أسطول قوي، حسبت له الممالك الإسبانية وجمهوريات جنوه وبيزا والبندقية ألف حساب ودفع ملوكها الأموال الطائلة لهذا الأمير وعقدوا معه المعاهدات لضمان تحرك أساطيلهم
(73) أبو رميلة، علاقات، ص 139 - 142 - ابن عذاري، البيان الموحدي، ص 95.
(74)
العبادي، دراسات في تاريخ المغرب والأندلس، ص 331.
(75)
المراكشي، المعجب، ص 268 - ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 242.
(76)
مراجع الغناي، سقوط دولة الموحدين، ص 172 - عنان، دولة الإسلام، عصر المرابطين والموحدين، ص 145.
(77)
أبو رميلة، علاقات، ص 145 - 146.
التجارية بحرية في حوض البحر المتوسط، وذلك في عام 572 هـ/1177 م (78).
كان بنو غانية في الجزائر الشرقية يشعرون بالأمان خلال قتال ابن مردنيش للموحدين، ولكن بعد وفاة ابن مردنيش وسيطرة الموحدين على شرقي الأندلس عام 567 هـ/1172 م، شعر إسحاق بن غانية بالخطر فأخذ في مصانعة الموحدين والتودد إليهم بإرسال الهدايا الثمينة إلى حكامهم (79).
ثم بعث الموحدون كتبهم إلى إسحاق بن غانية في عام 578 هـ/1183 م يدعونه فيها إلى الدخول في طاعتهم، فامتنع عن ذلك بعد مشاورات طويلة مع أتباعه. ولما استشهد في عام 579 هـ/1184 م خلفه ابنه علي في الحكم، الذي استغل الظروف السيئة التي مرت بها دولة الموحدين والمتمثلة في فشل قواتهم أمام مدينة شنترين ومقتل خليفتهم أبي يعقوب يوسف (558 - 580 هـ) في عام 580 هـ/1184 م، ومبايعة الأمير الجديد أبي يوسف يعقوب بن يوسف الملقب بالمنصور (580 - 595 هـ)، وانشقاق بني عبد المؤمن على أنفسهم وامتناع بعضهم عن البيعة للأمير الجديد، فشجعت هذه الظروف علي بن إسحاق بن غانية على التمرد على دولة الموحدين، بل وأكثر من ذلك شحن قواته البحرية وقرر مهاجمة مدينة بجاية قاعدة الحكم في المغرب الأوسط (80).
هناك جملة أسباب دفعت علي بن إسحاق إلى مهاجمة بجاية: منها معرفة أهل الجزائر الشرقية بأحوال هذه المدينة وأهلها بسبب التبادل بينهما (81)، ومنها الدعوات الكثيرة التي تلقاها أمير الجزائر الشرقية من أعيان هذه المدينة يدعونه فيها إلى القدوم (82)، ومنها الخطط التي رسمها علي بن إسحاق والتي أملته بالتعاون مع خصوم الموحدين في المنطقة وهم: طوائف العرب من بني هلال، ورياح الذين قضى الموحدون على ثورتهم عام 576 هـ/1181 م، ثم الاعتماد على معونة بني حماد أصحاب بجاية الذين قضى الموحدون على ملكهم، بالإضافة إلى الاعتماد على بني مطروح في
(78) المراكشي، المعجب؛ ص 269 - عنان، دولة الإسلام، عصر المرابطين والموحدين، ص 146 - 147.
(79)
أبو رميلة، علاقات، ص 147.
(80)
ينظر، الحميري، الروض المعطار، ص 190 - ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 243 - مراجع الغناي، سقوط دولة الموحدين، ص 177.
(81)
الغبريني، عنوان الدراية، ص 24.
(82)
المراكشي، المعجب؛ ص - 270.
طرابلس، وعلى قراقوش التقوي مملوك صلاح الدين الأيوبي (83).
سار الأمير علي بن إسحاق بالأسطول الذي يقوده رشيد الرومي، ونزل بجاية فسيطر عليها بسهولة لخلوها من وسائل الدفاع، وذلك في عام 580 هـ - 581 هـ/1184 - 1185 م (84).
تصدى والي بجاية الموحدي (أبو الربيع سليمان) للقوات الغازية، فانهزم أمامها إلى تلمسان فتحصن بها تحسباً للظروف (85).
وسار علي بن إسحاق بقواته فاتحاً المدن المهمة أمثال: مليانة ومازونة وأشير والقلعة، وامتنعت عليه مدينة قسنطينة. وقطع علي بن غانية الخطبة للموحدين في البلاد التي استولى عليها، وأمر بالدعاء للخليفة العباسي الناصر لدين الله (575 - 622 هـ)(86).
ولما علم الخليفة الموحدي المنصور (580 - 595 هـ) جهز جيشاً برياً قوياً وعهد قيادته إلى ابن عمه السيد أبي زيد بن أبى حفص، وجهز الأسطول البحري الذي خرج من سبتة معاوناً الجيش البري وفق خطة حربية واحدة (87).
استطاعت الجيوش الموحدية المشتركة استرجاع المدن التي استولى عليها ابن غانية تباعاً، ودمرت الأسطول البحري وأسرت قائده رشيداً الرومي وذلك في عام 581 هـ/ 1185 م، فهرب علي بن إسحاق وأخوه يحيى وأعوانهما إلى جوف الصحراء فعجز الموحدون عن اللحاق بهم (88).
وصل بنو غانية إلى منطقة الواحات ببلاد الجريد وكسبوا ود قبائل العرب من بني رياح وبني جشم بالعطايا والهبات، وفي هذه الأثناء بلغ علي بن إسحاق بن غانية نزول شرف الدين قراقوش بقواته الغز بلدة الحامة في جهات طرابلس، فراسله من أجل التعاون بينهما لرفع راية بني العباس هناك، واتفقا على تقسيم البلاد التي يستوليان عليها سوية، فالبلاد الواقعة غربي بونة أي المغربين الأوسط والأقصى من حق علي بن
(83) عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 148 - 149 - أبو رميلة، علاقات، ص 150.
(84)
ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 243 - مراجع الغناي، سقوط دولة المرحدين، ص 177 - 178.
(85)
ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص 206.
(86)
الغبريني، عنوان الدراية، ص 15، ص 24 - ابن خلدون، العبر ج 6، ص 191، ص 243 - المراكشي، المعجب، ص 272 - أبو رميلة، علاقات، ص 152 - 154.
(87)
مراجع الغناي، سقوط دولة الموحدين، ص 181.
(88)
أبو رميلة، علاقات، ص 155.
إسحاق بن غانية، وأما البلاد الواقعة شرقي بونة فمن حق قراقوش، وكان هذا الاتفاق في عام 581 هـ/1185 م (89).
وبعد هذا الاتفاق حاول علي بن إسحاق السيطرة على البلاد التي أصبحت من ضمن حقه، فهاجم مدينة أشير واستولى عليها، إلا أن القوات الموحدية استرجعت المدينة بعد مقتل قائد الجيش المهاجم (90). ثم سار علي بن غانية إلى مدينة توزر فاستولى عليها بعد عناء وذلك في عام 582 هـ/1186 م (91)، ثم قصد جزيرة باشر وهي بالقرب من تونس فاستولى عليها، ثم حاصر مدينة تونس، ولكن يبدو أن علي بن غانية قد فشل في الاستيلاء عليها، فقصد في عام 582 هـ مدينة قفصة فحاصرها واستولى عليها بمعاونة أهلها (92).
وفي الوقت نفسه استولى قراقوش بمعاونة بعض العرب من بني ذياب على جبل نفوسة ثم سار يساعدهُ مسعود بن زمام شيخ بني رياح وسيطر على طرابلس وما جاورها (93).
وبعد ذلك انضم قراقوش بقواته إلى قوات علي بن إسحاق بن غانية فقصدوا بلاد أفريقية (دولة تونس) فملكوها جميعاً ما عدا مدينتي تونس والمهدية لقوة تحصيناتهما، وبعدها تلقب علي بن غانية بلقب أمير المسلمين وأقام الدعوة للخلافة العباسية في هذه البلاد (94)، واتبع ذلك سفارة ابنه وكاتبه عبد البر إلى بغداد فلقيا الترحاب من الخليفة الناصر الذي طلب بدوره من صلاح الدين الأيوبي أن يناصر بني غانية في أعمالهم (95).
رأى الخليفة المنصور الموحدي أن أمر بني غانية وحليفهم قراقوش بلغ درجة كبيرة من الخطورة، فسار بقواته في عام 582 هـ/1186 م صوب تونس، وبعد أن استراح فيها بدأ بإرسال قواته لمقاتلة بني غانية المرابطين قرب مدينة قفصة، فأوقع بنو غانية هزيمة منكرة بالقوات الموحدية التي رجعت فلولها مدحورة إلى تونس، وذلك في عام 583 هـ/
(89) ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 191، ص 243 - A.Bell، Les Benou Ghanya، P: 56 - 57.
(90)
عنان، عصر المرابطين والموحدين، ص 154.
(91)
أبو رميلة، علاقات، ص 157.
(92)
ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص 212.
(93)
أبو رميلة، علاقات، ص 157.
(94)
ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص 211 - ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 192.
(95)
سعد زغلول " العلاقة بين صلاح الدين والمنصور الموحدي " مجلة كلية آداب الإسكندرية، ج 6 - 7، لسنة 1952 - 1953، ص 95 - 96.
1187 م (96)، وعرفت هذه المعركة بمعركة سهل عمرة (97).
كان لهزيمة سهل عمرة وقع مؤثر في نفس الخليفة المنصور الموحدي الذي سار بنفسه من تونس في رجب من عام 583 هـ/1187 م واتجه جنوباً صوب القيروان، ومن هناك بعث كتاباً إلى ابن غانية وحلفائه ينذرهم بوجوب الدخول في الطاعة، فلم يكتف علي بن غانية بعدم رد الجواب بل اعتقل أيضاً سفير الخليفة الموحدي (98).
بعدها سار المنصور بقواته صوب الحمة فنشبت المعركة بين الطرفين في شعبان من عام 583 هـ/1187 م وانتهت هذه المعركة بهزيمة ابن غانية وحليفه قراقوش، حيث استطاع خليفة الموحدين دخول قابس فسيطر على اتباع قراقوش وماله من ذخائر ومتاع، فأرسلها جميعاً إلى مراكش (99). ثم سار الخليفة المنصور صوب مدينة توزر ففتحها ثم دخل مدينة قفصة وأرجعهما إلى الطاعة، ثم رجع إلى مدينة تونس (100).
نتيجة انتصار خليفة الموحدين هذا، خذل قراقوش وابن زيان زعيم الغز حليفهم ابن غانية، فراسلوا خليفة الموحدين طالبين العفو منه والدخول في طاعته. وبعدها سار المنصور لضرب قبائل العرب التي تعاونت مع ابن غانية فألحق بهم الهزائم وهجّر زعماء الخلاف وأتباعهم إلى بلاد المغرب الأقصى، وبعد أن رتب أمور تونس غادرها إلى مراكش في عام 584 هـ/1188 م (101). وفي العام نفسه 584 هـ/1188 م مات علي بن إسحاق بن غانية بعد أن فشل في الاستيلاء على بلاد الجريد (102). وتولى الأمر أخوه يحيى بن إسحاق بن غانية الذي بدأ ولايته بالحرب مع قراقوش، الذي أعلن العصيان على الموحدين أولاً، ومن ثم سيطر على بعض المناطق التي كانت تحت سيطرة علي بن إسحاق بن غانية ثانياً (103).
(96) مراجع الغناي، المرجع السابق، ص 218 - عنان، المرجع السابق، ص 161.
(97)
ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص 212 - المراكشي، المعجب، ص 273 - Bell، op. Cit، P: 77- 78.
(98)
أبو رميلة، علاقات، ص 161.
(99)
محمد المرزوقي، قابس، ص 183 - Bell، op. Cit، P: 82
(100)
المراكشي، المعجب، ص 273 - ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 244 - الناصري، الاستقصا، ج 2، ص 144 - ابن الأثير، الكامل، ج 11، ص 212.
(101)
أبو رميلة، علاقات، ص 163 - جوليان، تاريخ أفريقيا الشمالية، ج 2، ص 149.
(102)
المراكشي، المعجب، ص 273 - الحميري، الروض المعطار، ص 191.
(103)
محمد المرزوقي، قابس، ص 189.
تصدى يحيى بن غانية لقراقوش فهزمه في موضع محسن بالقرب من طرابلس، ثم سار ابن غانية صوب طرابلس ودخلها عنوة، بعد أن وصلته إمدادات عسكرية من أخيه عبد الله حاكم ميورقة، وأسر حاكم طرابلس ياقوت مولى قراقوش الذي بقي أسيراً في ميورقة إلى أن دخلها الموحدون (104)، ثم سار ابن غانية صوب قابس وشدد الحصار عليها فدخلها عنوة في عام 591 هـ/1195 م (105).
خلال عصر الخليفة الموحدي أبي عبد الله محمد الناصر (595 - 610 هـ) تجددت الحروب بين الموحدين وابن غانية في إفريقية خلال 595 - 597 هـ بعد أن سيطر ابن غانية على أكثر بلاد افريقية، حيث سار السيد أبو الحسن بن السيد أبي حفص بقواته لملاقاة ابن غانية فأصيب بالهزائم المنكرة، وأجبرت فلوله على الفرار، وكان ذلك بالقرب من مدينة قسنطينة (106).
وفي الوقت نفسه تنافس يحيى بن إسحاق بن غانية وأحد قادة الموحدين المدعو ابن عبد الكريم على مدينة المهدية، فاستطاع ابن غانية السيطرة عليها بعد مفاوضات ومناورات طويلة ذهب ابن عبد الكريم وولده ضحية هذا الأمر (107). واستكمل ابن غانية سيطرته على إفريقية، فسيطر على مدينة باجة ثم دخلت مدينة بسكرة وبونة في طاعته (108). ثم سار ابن غانية بعد ذلك صوب مدينة تونس في عام 599 هـ/1203 م ودخلها بعد حصار طويل، وقبض على السيد أبي زيد وأعوانه (109)، ثم سار صوب جبل نفوسة فأرجعه إلى الطاعة بعد إعلان أهله العصيان (110)، وبذلك أصبح ابن غانية سيد إفريقية بلا منازع وخطب فيها لبني العباس في بغداد (111).
وخلال حروب بني غانية في بلاد إفريقية حصلت أمور في الجزائر الشرقية غيرت موازين القوى فيها، ففي عام 581 هـ/1186 م استطاع قائد الخليفة الموحدي المنصور علي بن الربرتير الذي كان معتقلاً في جزيرة ميورقة (الخليفة الموحدي أرسل سفيره علي
(104) ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 194 - عنان، المرجع السابق، ص 195.
(105)
أيضاً، ج 6، ص 194 - محمد المرزوقي، قابس، ص 192.
(106)
ينظر، المراكشي، المعجب، ص 314 - ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 246.
(107)
الوزير السراج، الحلل السندسية، ص 255 Bell، op. Cit، P111.
(108)
ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 195 - عنان، المرجع السابق، ص 255.
(109)
ابن أبي دينار، المؤنس، ص 115 - الوزير السراج؛ المرجع السابق، ص 256.
(110)
أبو رميلة، علاقات، ص 172.
(111)
ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 248.
هذا إلى الجزائر الشرقية يدعو أهلها إلى الطاعة. فسجنه بنو غانية هناك) أن ينتهز غياب معظم أمراء بني غانية في أفريقية فيتصل ببعض الجنود المسيحيين المرتزقة الذين كانوا في خدمة بني غانية والراغبين في العودة إلى بلادهم، فوعدهم بتحقيق ذلك، فقام معهم بانقلاب ضد حكم بني غانية، وانضم إليهم حاكم الجزيرة السابق محمد بن إسحاق بن غانية الذي كان أخوته قد خلعوه واعتقلوه بالجزيرة، فأقامه الثوار حاكماً على الجزيرة باسم الموحدين ثم عاد علي بن الربرتير إلى مراكش بعد أن سرح الجند المسيحيين وأعادهم إلى بلادهم حسب الوعد (112). على أن نفوذ الموحدين على جزيرة ميورقة لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما علم بنو غانية في أفريقيا بأخبار هذا الإنقلاب فسارع الأمير عبد الله بن غانية بالرجوع إلى الجزيرة عن طريق صقلية، واستطاع عبد الله دخول الجزيرة ففر أخوه محمد إلى الأندلس حيث ولاه الموحدون حكم مدينة دانية (113). وفي الوقت نفسه حاول الخليفة المنصور إنقاذ جزيرة ميورقة. فأرسل الأسطول إليها إلا أن زمام الأمور كان قد أفلت من يده، وبخاصة وأن أسطول ملك أراجون الإسباني بيدرو الثاني تدخل لصالح أهل ميورقة (114).
إلا أن جزيرتي يابسة ومنورقة وقعتا تحت سيطرة الموحدين في عام 583 هـ/1187 م وبقيت كبرى الجزر ميورقة خارجة عن طاعة الموحدين (115)، وحاول عبد الله بن غانية استرجاع هاتين الجزيرتين فلم يفلح (116).
ولما استفحل أمر بني غانية في إفريقية، أدركت الدولة الموحدية أن القضاء عليهم في إفريقية، يجب أن يسبقه القضاء على مركز قوتهم في جزيرة ميورقة، لأن هذه الجزيرة كانت بمثابة المورد الذي يغذي بني غانية في إفريقية بالرجال والعتاد، لذلك رأى الخليفة الموحدي الناصر لدين الله (595 - 610 هـ) أن استقرار نفوذ الموحدين في إفريقية لن يستتب إلا إذا استولى على جزيرة ميورقة قاعدة بني غانية، ولهذا صمم على السيطرة عليها (117).
(112) مراجع الغناي، سقوط دولة الموحدين، ص 215 - عنان، المرجع السابق، ص 157 - العبادي، في تاريخ المغرب والأندلس، ص 360.
(113)
أبو رميلة، علاقات، ص 175.
(114)
العبادي، المرجع السابق، ص 361.
(115)
عنان، المرجع السابق، ص 158.
(116)
أبو رميلة، علاقات، ص 177.
(117)
العبادي، المرجع السابق، ص 367 - مراجع الغناي، المرجع نفسه، ص 228.
ففي عام 599 هـ/1203 م خرجت الأساطيل الموحدية من ثغر دانية فنزلت جزيرة يابسة ومنها هاجمت جزيرة ميورقة، فدخلتها بعد عناء كبير، وقتل عبد الله بن غانية على يد رجل من الأكراد يعرف باسم عمر المقدم (118)، وبذلك دخلت الجزائر الشرقية في طاعة الموحدين (119). ثم بعد ذلك تفرغ الخليفة الموحدي لقتال بني غانية في بلاد إفريقية فسيّر إليهم الجيوش في عام 601 هـ/1204 م والتي قادها بنفسه ويعاونها الأسطول البحري، وخلال الأعوام من 601 هـ إلى عام 631 هـ (وهي السنة التي مات فيها يحيى بن إسحاق بن غانية) بدأت رياح المعارك تهب في غير صالح بني غانية في بلاد إفريقية، فاستطاعت الجيوش الموحدية استرجاع مدن إفريقية تباعاً من أيدي بني غانية بعد أن ألحقت بهم الهزائم المتكررة (120).
3 -
علاقة الموحدين مع محمد بن هود بالأندلس:
كان محمد بن هود أول من ثار على الموحدين في الأندلس، فهو سليل أسرة بني هود أصحاب مملكة سرقسطة. سيطر المرابطون عليها عام 503 هـ/1110 م وانتزعوها من عماد الدولة بن أبي جعفر بن هود، ثم انتهز ابنه سيف الدولة فرصة ثورة الأندلسيين على المرابطين سنة 539 هـ/1145 م فقام بثورة على المرابطين، كما ساعد الثوار الآخرين حتى أصبح أميراً على شرقي الأندلس، ثم استشهد عام 540 هـ/1146 في موقعة البسيط ضد الإسبان.
لم تشترك أسرة بني هود بعد هذا التاريخ في الأعمال السياسية أو العسكرية خلال فترة طويلة من عصر الموحدين. فلم يشتهر منهم أحد إلا هذا (محمد بن هود) الذي قام بالثورة على الموحدين سنة 625 هـ/1228، فقد اشتهر منذ عام 614 هـ/1217 م بعد استرجاعه حصن شنفيرة من الإسبان في شرقي الأندلس (121).
عزز محمد بن هود حركته ببعض الخرافات التي سمعها من البعض لتبرير الثورة ضد الموحدين (122)، وانضم إليه طوائف من الجند وبعض عصابات اللصوص؛ وبدأ
(118) المراكشي، المعجب، ص 315.
(119)
أبو رميلة، علاقات، ص 179 - 180.
(120)
ينظر: ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 197 - الزركشي، تاريخ الدولتين، ص 14 - 19 - الناصري، الاستقصا، ج 2، ص 204 - أبو رميلة، علاقات، ص 181 - 192 - Bell، Op. Cit، P:172.
(121)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 248 - 252 - الحميري، الروض المعطار، ص 116.
(122)
ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 279.
حركته في رجب عام 625 هـ/1228 م متخذاً من حصن الصخور -الصخيرات- مقراً له، ويقع هذا الحصن على نهر شقورة بالقرب من مرسية، ومنى نفسه واتباعه بأنه سيمتلك كل الأندلس، وأنه سيعيد الدعوة للخلافة العباسية (123).
بدأ محمد بن هود أول أعماله بالسيطرة على مدينة مرسية وقبض على واليها الموحدي، فخطب محمد بن هود (سمى نفسه المتوكل على الله) لنفسه وللخليفة العباسي في بغداد المستنصر بالله (623 - 640)(124)، رافعاً الأعلام السود شعار العباسيين (125).
أدرك الموحدون خطورة هذا الأمر فسار إليه والي بلنسية ولكن حلت به الهزيمة فعاد إلى شاطبة، ومنها بعث صريخه إلى خليفة الموحدين المأمون (621 - 629 هـ) الموجود في إشبيلية يطلب منه العون. سار المأمون بقواته صوب مرسية، وألحق الهزيمة بابن هود، ثم رجع المأمون إلى إشبيلية في أوائل عام 626 هـ/1229 م، وعجل العبور إلى مراكش لاضطراب أمرها، وترك أمر ابن هود يزداد قوة (126).
أعلنت مدن شرقي الأندلس ولاءها لابن هود، كما أعلنت مدينة إشبيلية طاعتها له، وبعدها سار محمد بن هود وراء الخليفة المأمون، فوجده في جزيرة طريف يهم بالعبور إلى المغرب، فقامت بينهما معركة في رمضان من عام 626 هـ/1229 م عرفت بموقعة طريف، انهزم فيها المأمون ونجا بعبوره إلى المغرب فاستولى ابن هود على جبل الفتح والجزيرة الخضراء (127).
نتيجة هذا الأمر دخلت معظم قواعد الأندلس في طاعة ابن هود، وألحق أهل الأندلس الأذى والضرر بجند الموحدين، ولم يبق فيها خارج طاعته غير مدينتي بلنسية ولبلة (128). وفي الوقت نفسه أعلنت بعض المدن في عدوة المغرب ولاءها لمحمد بن هود أمثال مدينة سبتة ومدينة رباط الفتح، كما أن رسائل طوائف من عرب الخلط في
(123) ابن الخطيب، الإحاطة، ج 2، ص 129 - الحميري، الروض المعطار، ص 118.
(124)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 309 - ينظر، ابن عذاري، البيان الموحدي، ص 269.
(125)
ابن سعيد، المغرب في حلى المغرب، ص 271.
(126)
ابن الخطيب، الإحاطة، ج 2، ص 130 - الناصري، الاستقصا، ج 2 ص 208 - عنان، المرجع السابق، ص 392 - أبو رميلة، علاقات، ص 196.
(127)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 303 (حاشية رقم 1) - ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 280 - Scott، Moorish Empire Vol، 2، P:348.
(128)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 296 - أبو رميلة، علاقات، ص 200.
المغرب ومراكش تعلن ولاءها له، وذلك من عام 629 هـ/1232 م في بداية عهد الخليفة الرشيد الموحدي (629 - 640 هـ)(129).
وعزز محمد بن هود هذا الأمر بالتقليد العباسي لشرعية حكمه، فوصله في عام 629 هـ أو في عام 631 هـ/1234 م كتاب الخليفة العباسي المستنصر يحمله إلى الأندلس حسن الكردي الملقب بالكمال فقرأت رسالة الخليفة على الناس في غرناطة حيث كان محمد بن هود موجوداً (130).
عزز هذا الكتاب أمر ابن هود في الأندلس حتى أن المتمردين عليه رجعوا إلى طاعته بعد وصول هذه الرسالة العباسية، فقد رجع إلى طاعته محمد بن يوسف بن نصر الذي ثار على ابن هود عام 629 هـ/1232 م واستقل في مدينة جيان ودعا للأمير أبي زكريا الحفصي أمير إفريقية (131).
في بداية أمر المتوكل محمد بن هود قام بصد هجمات الممالك الإسبانية على قواعد الأندلس، إلا أنه عندما انهزم عام 627 هـ/1230 م أمام قوات الفونسو التاسع ملك ليون، تكالبت عليه بقية الممالك الإسبانية، فرأى المتوكل بن هود بأن لا قِبل له في مجاهدة الإسبان فقرر عقد معاهدات الصلح مع ملوك ليون وقشتالة (132).
ففي سنة 632 هـ/1235 م عقد الصلح مع ملك قشتالة مقابل أموال طائلة يدفعها ابن هود، إلا أن هذا الصلح لم يلزم ملك قشتالة فاستولى في العام التالي 633 هـ/1236 م على مدينة قرطبة ولم يستطع ابن هود إنقاذها (133).
توفي محمد بن هود عام 635 هـ/1237 م، فخلفه في الحكم ابنه الواثق بالله محمد بن هود الذي خلع طاعة العباسيين وخطب للحفصيين بأفريقية (134).
(129) ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 279 - 280 - ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 254 - 255 - الناصري، الاستقصا، ج 2، ص 219.
(130)
عنان، المرجع السابق، ص 411 - 412.
(131)
ابن خلدون؛ العبر، ج 6، ص 170.
(132)
أبو رميلة، علاقات، ص 205.
(133)
ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 183. Scott، op. Cit، 2، 360
(134)
أبو رميلة، علاقات، ص 206.
4 -
علاقة الموحدين بأبي جميل زيان:
من سلالة يوسف بن سعد بن مردنيش أمير شرقي الأندلس في أواخر عهد المرابطين وأوائل عهد الموحدين. وقد استخدم الموحدون ابناء آل مردنيش في حكم الولايات وقيادة الأساطيل بعد سيطرتهم على الأندلس (135).
كان يحكم بلنسية في أواسط عام 620 هـ/1224 م أمير موحدي هو أبو زيد عبد الرحمن من سلالة عبد المؤمن، وكان فرناندو الثالث ملك قشتالة إذ ذاك يعتبر بلنسية جزءاً من كورة طليطلة ومن ثم فهي من حصة مملكة قشتالة. ولهذا فقد تصدى للهجوم عليها، فأحس أبو زيد بضعفه أمام ملك قشتالة، فدخل في طاعته، وفي الوقت نفسه كانت لخايمة الأول ملك أرغون الأطماع نفسها، فخاف منه أبو زيد واتفق معه على أن يقدم له خمس خراج بلنسية ومرسية كجزية سنوية. فكان هذا الأمر من أهم أسباب قيام محمد بن يوسف بن هود في مرسية، وثار على أبي زيد في بلنسية أبو جميل زيان وطرده منها (136).
سار أبو جميل زيان بقواته فاستولى على مدينة دانية، وكذلك سيطر على جنجالة في عام 626 هـ/1229 م، واعترف بطاعته أبناء عمومته في جزيرة شقر وشاطبة، لكنهما ما لبثا أن خلعا طاعة ابن عمهما، وبايعا محمد بن هود (137). ومعنى ذلك فقد استفحل الخلاف بين محمد بن هود وبين أبي جميل زيان (138). لجأ السيد أبو زيد الموحدي إلى ملك أرغون الإسباني يستمد منه العون لاسترداد مدينتي بلنسية ومرسية، فوافق الملك الإسباني على ذلك لقاء غلات كثيرة يقدمها أبو زيد له. سار أبو زيد بالقوات الإسبانية صوب بلنسية ومرسية إلا أن الظروف لم تكن مواتية له، فرجع إلى أرغون وشرح الأمر لحليفه الملك الإسباني وطلب أن يكون تابعاً له، فأعطاه الملك الإسباني بعض الحصون، وأشارت بعض الروايات أن السيد أبا زيد اعتنق المسيحية هناك (139).
وخلال السنوات من عام 630 هـ - 631 هـ/1233 م إلى عام 636 هـ/1238 م شدد
(135) ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 272.
(136)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 304 (حاشية) - أبو رميلة، علاقات، ص 207 - 209.
(137)
ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 280.
(138)
عنان، المرجع السابق، ص 395.
(139)
ينظر، ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 305، ج 1، ص- 3 - 31 - ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 167 - عنان، المرجع السابق، ص 398.
ملك أرغون خايمة الأول الحصار على مدينة بلنسية، فسيطر أولاً على أهم حصونها، ثم سار صوب بلنسية تساعده قوات أوروبية، وقد صمد أبو جميل زيان طيلة الوقت لصد هذا الهجوم الإسباني غير أنه لم يفلح في النهاية، كما لم تفلح القوات الحفصية القادمة من تونس بحراً أن تقدم له المساعدات، فسقطت بلنسية بيد ملك أرغون عام 636 هـ وترك أبو جميل زيان المدينة ورحل إلى جزيرة شقر واتخذها مركزاً لحكمه، وبعدها قطع الخطبة للعباسيين وخطب للحفصيين في إفريقية (140).
إلا أن أبا جميل زيان لم يمكث طويلاً في شقر حيث أخرجه منها أحد قواد ملك أرغون الإسباني، فسار أبو جميل زيان إلى مدينة دانية فاتخذها مقراً لحكمه، وفي عام 636 هـ/1239 م سار أبو جميل زيان إلى مرسية وسيطر عليها وحكمها باسم الحفصيين أمراء إفريقية، (141).
قلد الحفصيون الأمير زيان ولاية شرقي الأندلس، إلا أنه لم يتمتع طويلاً بهذه الولاية، لأن الواثق بالله محمد بن هود خلعه عنها في أواخر عام 637 هـ/1240 م وأعلن ولاءه للحفصيين (142).
وفي الوقت نفسه لم يستطع ابن هود الصمود أمام هجمات ملك قشتالة الفونسو بن فرناندو الثالث، الذي يطمع بالسيطرة على مدينة مرسية، فأعلن ابن هود تبعيته لهذا الملك الإسباني واعترف بأنه يحكم مرسية بصفته تابعاً لملك قشتالة (143).
5 -
علاقة الموحدين بابن نصر:
هو محمد بن يوسف بن الأحمر الأنصاري يرجع نسبه إلى سعد بن عبادة سيد الخزرج، اشتهرت أسرته بقيادة الجند في ناحية أرجونة من أعمال ولاية جيان (144).
ونظراً لكثرة هجمات الممالك الإسبانية على قواعد المسلمين أولاً، ولعجز محمد بن هود في صد هذا العدوان، تطلع السكان إلى قيادة محمد بن يوسف بن الأحمر في حصن أرجونة واعتبروه المنقذ والقائد المنتظر الذي سيخلص البلاد من خطر
(140) ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 285 - أبو رميلة، علاقات، ص 211 - 212.
(141)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 310 - ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 170، ج 6، ص 285 - عنان، المرجع السابق، ص 457.
(142)
ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 285.
(143)
Altamira، A History of Spain، P:173.
(144)
الحميري، الروض المعطار، ص 12 - المقري، أزهار الرياض، ج 1، ص 167.
الإسبان (145).
فأعلن ابن نصر ثورته في عام 629 هـ/1232 م في حصن أرجونة، فدخلت في طاعته وادي أش وبسطة وشريش وجيان وقرطبة وقرمونة. وتسمى ابن نصر على ذلك بأمير المسلمين وخطب للخلافة العباسية منافساً في ذلك لابن هود (146).
أدرك ابن هود مدى خطورة قيام ابن نصر ودخول بعض البلاد في طاعته، فقد اعتبره ابن هود خارجاً عنه من ناحية، ومزاحماً له في حكم الأندلس من ناحية أخرى.
فقامت بينهما الحروب وحلت الهزيمة بابن هود ثلاث مرات آخرها في عام 633 هـ أو عام 634 هـ (147).
بدأت دولة ابن نصر بالاتساع على أثر وفاة ابن هود في عام 635 هـ/1238 م، فأول المدن المهمة التي دخلت في طاعته مدينة غرناطة في هذا العام نفسه (148).
وفي العام نفسه سيطر ابن نصر على مدينة المرية، وفي عام 636 هـ/1239 م أعلنت مدينة مالقة الولاء والطاعة لابن نصر (149).
في عام 637 هـ/1240 م قطع ابن نصر الخطبة للعباسيين، وخطب للموحدين في مراكش، على عهد الخليفة الموحدي الرشيد (629 - 640 هـ)، ولما توفي الرشيد عام 640 هـ/1243 م قطع ابن نصر الخطبة للموحدين، وخطب للحفصيين في إفريقية (150).
واستمر ابن نصر يدعو للحفصيين حتى عام 647 هـ/1249 م، فقطعها عنهم وهي سنة وفاة الأمير الحفصي أبي زكريا، وتسمى ابن نصر بعدها بأمير المسلمين (151).
لم يستطع ابن نصر الوقوف في وجه الإسبان أو رد غزواتهم المتواصلة على
(145) ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 278 - المقري، نفح الطيب، ج 2، ص 97، ابن خلدون، العبر، ج 7، ص 190.
(146)
ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 182 - ابن الخطيب، الإحاطة، ج 2، ص 94، 95 - ينظر، ابن عذاري، البيان الموحدي، ص 279.
(147)
ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 279.
(148)
ابن الخطيب، الإحاطة، ج 2، ص 98 - 99.
(149)
أبو رميلة، علاقات، ص 216.
(150)
ابن الخطيب، الإحاطة، ج 2، ص 95 - 97 - عنان، المرجع السابق، ص 432.
(151)
ابن خلدون، العبر، ج 7، ص 190 - ابن الخطيب، اللمحة البدرية، ص 36 - الإحاطة، ج 2، ص 99.
الأندلس، فعقد الصلح مع ملك قشتالة فرناندو الثالث في عام 643 هـ/1246 م، وجاء فيه: أن يتنازل ابن نصر لملك قشتالة عن مدينة جيان وأحوازها، وأن يعترف ابن نصر بالولاء والطاعة لملك قشتالة وأن يدفع له مائة وخمسين ألف دينار، وأن يعاونه في حروبه ضد أعدائه، وأن يشهد اجتماع مجلس قشتالة النيابي بصفته من الأمراء التابعين للملك الإسباني (152).
(152) أشباخ، تاريخ الأندلس، ص 430 - 434 - عنان، المرجع السابق ص 433 - Altamira، op. Cit، P:173.
جهاد الموحدين للممالك الإسبانية
أشهر الممالك الإسبانية المعاصرة لدولة الموحدين في الأندلس هي:
1 -
مملكة قشتالة، وأشهر ملوكها حتي قيام مملكة غرناطة.
أ- السليطين (ألفونسو السابع) ابن الكونت ريموند البرجوني حكم قشتالة وليون
تحت إشراف أمه أوراكة ابنة ألفونسو السادس 520 - 552 هـ/1126 - 1157 م.
وبعد عصره انقسمت مملكة قشتالة وليون فكان لكل منها حكم مستقل:
أ - قشتالة، وأشهر ملوكها بعد السليطين:
1 -
شانجة الثالث 552 - 553 هـ/1157 - 1158 م.
2 -
ألفونسو الثامن (النبيل) 553 - 611 هـ/1158 - 1214 م.
3 -
فراندة الثالث 611 - 650 هـ/1214 - 1252 م حكم قشتالة وأضيفت إليه ليون كذلك.
4 -
ألفونسو العاشر (العالم) 650 - 681 هـ/1252 - 1282 م.
ب - ليون، وأشهر ملوكها بعد السليطين:
1 -
فراندة الثاني (الملقب الببوج) 552 - 584 هـ/1157 - 1188 م.
2 -
ألفونسو التاسع بن الببوج 584 - 628 هـ/1188 - 1230 م.
ثم دخلت مملكة ليون تحت سيطرة مملكة قشتالة كما هو موضح أعلاه.
2 -
مملكة البرتغال:
1 -
ألفونسو بن الرنك 553 - 581 هـ/1158 - 1185 م.
2 -
شانجة الأول 581 - 608 هـ/1185 - 1211 م.
3 -
ألفونسو الثاني 608 - 620 هـ/1211 - 1223 م.
وجاء بعده شانجة الثاني وألفونسو الثالث.
3 -
مملكة أرغون وبرشلونة:
بعد أن اعتزل ردمير الراهب الحكم عام 531 هـ/1137 م انتقل حكم أرغون إلى رامون برنجي الرابع ملك برشلونة الإسباني 525 - 557 هـ/1162 م كما بينا أعلاه ويأتي بعده:
1 -
ألفونسو الثاني 557 - 593 هـ/1162 - 1196 م.
2 -
بطرة الثاني (الكاثوليكي) 593 - 610 هـ/1196 - 1213 م.
3 -
جايمش الأول (الغازي) 610 - 675 هـ/1213 - 1276 م.
جهاد الموحدين للممالك الإسبانية
ورث الموحدون دولة المرابطين في مجاهدة الممالك الإسبانية هذه، وكان أول عمل قام به عبد المؤمن بن علي (المتوفى عام 558 هـ/1163 م) لهذا الغرض هو بناء مدينة الفتح على سفح جبل طارق والتي كمل بناؤها في عام 555 هـ/1160 م لكي تكون معسكراً موحدياً في الأندلس تنطلق منه الجيوش لمجاهدة الإسبان (153).
وبعد أن افتتح عبد المؤمن هذه المدينة رجع إلى المغرب بعد أن وفر حامية قوية من الموحدين والأندلسيين، وجعل غرناطة مركزاً دفاعياً قوياً، كما نقلت العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة سنة 557 هـ. ثم بدأ عبد المؤمن يجهز الجيوش لرد عدوان الممالك الإسبانية، وسار بها من مراكش إلى مدينة الرباط (رباط الفتح)، ولكن عبد المؤمن مرض ومات في عام 558 هـ كما ذكرنا، وتولى الأمر من بعده أبو يعقوب يوسف (558 - 580 هـ) الذي أمر هذه الجيوش بالرجوع إلى بلادها حتى يتخذ قراراً جديداً. في عام 560 هـ عبرت حملة عسكرية موحدية إلى الأندلس لتعزيز دفاعات بعض المناطق ضد هجمات الممالك الإسبانية، كما حدث صدام مسلح مع محمد بن سعد بن مردنيش في
(153) ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 147.
مرسية، والذي كانت له صلات ودية مع عدد من ملوك إسبانيا، حيث بلغ عدد المرتزقة الإسبان في جيشه. في لقاء له مع الجيش الموحدي، ما يقرب من (13) ألف مقاتل، وكان النصر في هذا اللقاء للموحدين وعرفت هذه المعركة بفحص الجلاب على بعد 12 كم جنوبي مدينة مرسية، وتوفي ابن مردنيش بعد ذلك (154).
خلال هذه الأحداث كان ملك البرتغال ألفونسو بن الرنك وبعض المغامرين يهددون الحصون الإسلامية في غربي الأندلس، ففي عام 542 هـ/1147 م استطاع ملك البرتغال بالتعاون مع قوات صليبية من الإنجليز والألمان والهولنديين، متجهين نحو المشرق، أن يستولي على مدينة لشبونة، ثم استولى على مدينة شنترين. وفي عام 555 هـ/1160 م استولى على قصر أبي دانس (قصر الفتح)(155).
وفي الوقت نفسه قام مغامر برتغالي يسمى (العلج جراندة الجليقي) فاستولى على بعض مدن غربي الأندلس (156).
عبرت قوات موحدية إلى الأندلس للحد من خطر الممالك الإسبانية، واستطاع الموحدون في الأندلس من عقد معاهدة صلح مع فراندة الثاني (الببوج - الأحمق أو الكثير اللعاب) ملك ليون، إلا أنه خرق هذه المعاهدة وهاجم قواعد الأندلس عام 570 هـ/1174 م فردت القوات الموحدية والأندلسية على هذا الأمر بأن هاجمت مدينة لذريق الليوني وتسميها الرواية الإسلامية باسم (السبطاط)(157).
عبر الخليفة الموحدي أبو يعقوب إلى الأندلس عام 566 هـ وبقي فيها زهاء خمسة أعوام إلى عام 571 هـ يحارب الممالك الإسبانية، إلا أنه لم يجن ثماراً طيبة ولم يحرز النصر الكبير، وبعدها عاد إلى مراكش. فجدد الإسبان هجومهم على الأندلس فقام ملك قشتالة ألفونسو الثامن بمهاجمة الأراضي الأندلسية، فتصدت له القوات الموحدية قرب طلبيرة عام 578 هـ (158). وبعدها عبر الخليفة الموحدي إلى الأندلس في عام 580 هـ واتجه صوب مدينة شنترين ونازلها في عدة معارك، إلا أن الخليفة أبا يعقوب أمر
(154) ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 258 - 260 - ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 272 - 273.
(155)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 272 - الحجي، التاريخ الأندلسي، ص 461.
(156)
ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 274 - عنان، المرجع السابق، ج 2، ص 26 - 43.
(157)
المراكشي، المعجب، ص 400، ص 453 - ابن صاحب الصلاة، المن بالإمامة، ص 219 - 220.
(158)
عنان، المرجع السابق، ج 2، ص 93 - 100.
بالانسحاب فجأة قبل افتتاحها، ثم أصيب في المعركة وتوفي بعد قليل في ربيع الآخر من عام 580 هـ/تموز 1184 م.
تولى الخلافة ابنه ولقب بالمنصور (580 - 595 هـ). وبعد أن نظم أمور دولته عبر إلى الأندلس عام 586 هـ/1190 م وذلك لرد اعتداءات ملك البرتغال الجديد شانجة الأول الذي سيطر على مدينة شلب الأندلسية بمعاونة القوات الصليبية وكان ذلك في عام 585 هـ/1189 م (159). استطاع خليفة الموحدين بعد معارك جهادية عنيفة من استرجاع مدينة شلب وقصر الفتح (قصر أبي دانس) وذلك في عام 587 هـ/1191 م، ورجع بعدها إلى عدوة المغرب (160).
في عهد ملك قشتالة ألفونسو الثامن (النبيل) عقد مع الموحدين معاهدة أمدها خمس سنين (586 - 591 هـ)(161). فلما انتهت مدة المعاهدة بدأ ملك قشتالة بمهاجمة الأراضي الإسلامية، فعبر إليه المنصور الموحدي بجيوش كبيرة فكان اللقاء قرب حصن الارك قرب مدينة قلعة رباح في عام 591 هـ/1195 م فأحرز الموحدون النصر الكبير وافتتحوا حصن الارك ولحقت هزيمة منكرة بالقشتاليين (162). وبعد هذه المعركة عقدت هدنة بين الطرفين ابتداءً من عام 594 هـ/1198 م ولمدة عشر سنوات أو أكثر (163).
في عام 595 هـ توفي الخليفة المنصور، فخلفه ابنهُ الناصر لدين الله (595 - 610 هـ) الذي كانت سنه دون العشرين. بدأ الفونسو الثامن في عام 606 هـ/1209 م -قبل انتهاء أجل الهدنة- مهاجمة الأراضي الأندلسية، وعاونه في ذلك بطرة الثاني ملك أرغون، فبعث أهل الأندلس بصريخهم إلى خليفة الموحدين الذي جهز جيوشه وعبر إلى الأندلس عام 607 هـ/1211 م، فالتقى الناصر بألفونسو الثامن عند حصن العقاب عام 609 هـ/ 1212 م وكانت تساعده جيوش صليبية تولى البابا (انوصان الثالث) إعدادها، وانتهى اللقاء
(159) الحجي، التاريخ الأندلسي، ص 462 - 463.
(160)
الحلة السيراء، ج 2، ص 272 - 273 - الذيل والتكملة، ج 5، ص 191 - المراكشي، المعجب، ص 356.
(161)
ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 7، ص 4 - الحجي، المرجع السابق، ص 463.
(162)
ينظر المراكشي، المعجب، ص 352 وبعدها - الحميري، الروض المعطار، ص 12 - 13 - المقري، نفح الطيب، ج 4، ص 381 - عنان، المرجع السابق، ج 2، ص 211 - 214 - الحجي، التاريخ الأندلسي، ص 484 - 490.
(163)
المراكشي، المعجب، ص 360 - المقري، نفح الطيب، ج 4، ص 382 - عنان، المرجع السابق، ج 2، ص 234، ص 288.
بهزيمة جيش الناصر وتشتت قوة الموحدين (164)، ثم عاد الناصر إلى مراكش حيث توفي عام 610 هـ/1213 م، ربما كمداً من نتيجة الهزيمة في معركة العقاب التي عُدت نذيراً بانحلال الدولة الموحدية (165).
خلف الناصر ابنه أبو يعقوب الملقب بالمستنصر بالله (610 - 620 هـ)، الذي عقد معاهدة سلم مع ملك قشتالة الجديد (فراندة الثالث)، ولكن الأندلس خسرت في هذه المرة بعض المدن، منها قصر الفتح (قصر أبي دانس) التي سيطر عليها ملك البرتغال (ألفونسو الثالث) بمساعدة أساطيل ألمانية وذلك في عام 614 هـ (166).
توفي المستنصر فجأة دون عقب عام 620 هـ/1224 م وخلفه أبو محمد عبد الواحد عم أبي المستنصر الذي خلع بعد عدة أشهر، وتمت مبايعة عبد الله الملقب بالعادل (621 - 624 هـ) ثم تلته بيعة أخيه المأمون (624 - 629 هـ) ثم بيعة ابنه الرشيد (629 - 640 هـ)(167). هذا التبدل السريع في تنصيب الخلفاء تبعه اعتداء ملوك إسبانيا على الأراضي الأندلسية وسيطرتهم على كثير من المدن والحصون، حيث قام ملك قشتالة فردلند الثالث بقسط وافر في هذا المجال، كما أن هذا الأمر أدى إلى ظهور زعامات محلية في عدوة المغرب أهمها:
1 -
في المغرب الأقصى ظهرت دولة بني مرين وكان المؤسس لهذه الدولة الأمير عبد الحق بن محيو (توفي عام 614 هـ). اتخذ ملوكها فاس ومراكش عواصم لهم.
2 -
في المغرب الأوسط، استقل بنو زيان، أعلن زعيمهم يغمراسن بن زيان الاستقلال في تلمسان عام 633 هـ.
3 -
في المغرب الأدنى استقل بنو حفص بزعامة (عبد الله بن عبد الواحد بن أبي حفص) حوالي عام 623 هـ (168).
كما أن أخطار هذا الضعف انعكس على الوجود الموحدي في بلد الأندلس، ففي
(164) ينظر، المراكشي، المعجب، ص 399 - الحميري، الروض المعطار ص 137 - ابن الخطيب، الإحاطة، ج 1، ص 383 - المقري، نفح الطيب، ج 4، ص 383 - عنان، المرجع السابق، ج 2، ص 313 - الحجي، المرجع السابق، ص 490 - 497.
(165)
الحجي، المرجع السابق، ص 464.
(166)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 273، ص 295 - التكملة، ج 2، ص 596 (رقم 1577).
(167)
ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 265 - 270 - الإحاطة، ج 1، ص 141، ص 409.
(168)
ابن خلدون، العبر، ج 7، ص 154، ص 349 - الناصري، الاستقصا، ج 3، ص 6.
عام 627 هـ/1230 م سقطت جزيرة ميورقة بيد ملك أرغون (جايمش بن بطرة) الذي عاونته جيوش أوروبية من إيطاليا وفرنسا (169). أما جزيرة اليابسة فسقطت بعد أختها الكبرى بسنوات قليلة (170). ولكن جزيرة منورقة لم تسقط إلا بعد حوالي ستين سنة، أي في عام 686 هـ/1287 م بيد القوات الارغونية (171).
هذا الأمر المضطرب في الأندلس أدى إلى ظهور زعامات محلية أدت إلى قيام مملكة غرناطة بزعامة بني الأحمر، وفي المدة ما بين ضعف الدولة الموحدية وقيام مملكلة غرناطة (نحو عام 635 هـ أو بعدها) سقطت عدة حواضر أندلسية بيد الممالك الإسبانية (172).
أولى الحواضر المهمة الأندلسية التي سقطت هي مدينة قرطبة وذلك في عام 633 هـ/1236 م حيث دخلتها القوات القشتالية بزعامة ملكها فراندة بن الفنش (فرناندو الثالث)(173). وخلال الأعوام من 631 هـ/1233 م إلى عام 636 هـ/1238 م تعرضت مدينة بلنسية إلى هجمات ملك أرغون جايمش الأول الملقب بالغازي وساعدته جيوش أوروبية باركها البابا (جريجوري التاسع)، واستطاع حاكم بلنسية أبو جميل زيان أن يقاوم هذا الهجوم الصليبي فترة من الزمن، إلا أن المدينة سقطت أمام شدة الحصار، ولم تنفع استغاثاته لأمراء عدوة المغرب (174).
تلا ذلك سقوط عدد من المدن القريبة مثل: جزيرة شُقر في أواخر عام 639 هـ (175)، ومدينة دانية في عام 641 هـ (176)، ومدينة جيان في عام 643 هـ (177)، ومدينة
(169) ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 318، التكملة، ج 1، ص 155 - 156 رقم (400) - المقري، نفح الطيب، ج 4، ص 469 - ابن الخطيب، الإحاطة، ج 1، ص 383.
(170)
عنان، المرجع السابق، ج 2، ص 408.
(171)
ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 276 - 277.
(172)
الحجي، المرجع السابق، ص 471 - 472.
(173)
ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 332 - الإحاطة، ج 1، ص 551.
(174)
ينظر؛ ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 127، ص 303 - التكملة، ج 1، ص 121 ص 900، ص 901 - ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 273 - الحجي، المرجع السابق، ص 473 - 479.
(175)
المقري، نفح الطيب، ج 4، ص 472.
(176)
ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 303.
(177)
ابن الخطيب، الإحاطة، ج 1، ص 383، ص 551، ج 2، ص 99.
شاطبة في عام 644 هـ (178)، ومدينة مرسية في عام 664 هـ (179)، أما مدينة إشبيلية فسقطت بيد ملك قشتالة (فرناندو الثالث) عام 646 هـ/1248 م وذلك بعد أعمال حربية استمرت لعدة سنوات، وحصار طويل دام حوالي سنة ونصف (180).
هكذا سقطت بيد ملوك الإسبان ومن ساعدهم من الصليبيين عدد من قواعد الأندلس في هذه المدة التي عاصرت نهاية الدولة الموحدية، إلا أن المسلمين في الأندلس استطاعوا الحفاظ على بعض المناطق في جنوبي البلاد، حيث قامت مملكة غرناطة، وبالإمكان تسميتها بالأندلس الصغرى، بعد انهيار الأندلس الكبرى (181).
(178) ابن الآبار، الحلة السيراء، ج 2، ص 303.
(179)
أيضاً، ج 1، ص 63، ج 2، ص 316 - التكملة، ج 2، ص 652، ص 656 - ابن خلدون العبر، ج 4، ص 365.
(180)
ينظر، ابن الآبار، التكملة، ج 2، ص 903 (رقم 2121)، ج 1، ص 124 (رقم 311) - الحميري، الروض المعطار، ص 22 - المقري، نفح الطيب، ج 4؛ ص 472 - 473 - ابن أبي زرع، الذخيرة، ص 73.
(181)
الحجي، المرجع السابق، ص 483.