المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الخامسالمسلمون بعد سقوط غرناطة (الموريسكيون) - تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة

- ‌البَابُ الأَوَّلفتح العرب لإسبانيا واستقرارهم فيها

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلمقدمة في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إسبانيا قبيل الفتح العربي

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيفتح العرب لإسبانيا

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثالنشاط الحربي للعرب في شمال إسبانيا والتوغل في فرنسا

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعاستقرار العرب واستيطانهم في إسبانيا

- ‌البَابُ الثَّانِيعهد الإمارة في الأندلس

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلدخول عبد الرحمن بن معاوية الأندلس وتأسيس الإمارة الأموية

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيأعمال الأمراء الأمويين في تثبيت السلطة والاستقرار

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثعلاقة الدولة العربية الإسلامية مع الإمارات الإسبانية في الشمال

- ‌البَابُ الثَّالِث" عصر الخلافة

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلتولية عبد الرحمن الناصر

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيالأخطار الخارجية الأندلس والممالك الإسبانية الشمالية:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثالمظاهر الحضارية

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعالأندلس بعد وفاة الناصر

- ‌البَابُ الرَّابِع [[سقوط الخلافة وفكرة عن دويلات الطوائف]]

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلسقوط الخلافة

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيفكرة عامة عن أهم دويلات الطوائف

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثعصر المرابطين 484 - 540 هـ/1092 - 1145 م

- ‌الفَصْلُ الرَّابِععصر مملكة غرناطة (الأندلس الصغرى)

- ‌الفَصْلُ الخَامِسالمسلمون بعد سقوط غرناطة (الموريسكيون)

- ‌البَابُ الخَامِسحضارة العرب في الأندلس

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلتاريخ الفكر العربي في الأندلس

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيالنظم السياسية العربية في الأندلس

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثأثر الحضارة العربية في الأندلس على أوروبا

الفصل: ‌الفصل الخامسالمسلمون بعد سقوط غرناطة (الموريسكيون)

‌الفَصْلُ الخَامِس

المسلمون بعد سقوط غرناطة (الموريسكيون)

الدكتور خليل إبراهيم السامرائي.

لم تنته مصيبة المسلمين في الأندلس بزوال سلطانهم السياسي ورحيل سلطانهم إلى المغرب، بل حلت بهم مصيبة أكبر، حيث نقض الملكان الكاثوليكيان العهد. ووضعا خطة إبادة للمسلمين الباقين في الأندلس لعقيدتهم الدينية، فشكلا محاكم التفتيش التي تتعقب من يؤدي شعائرالإسلام بأية صورة، فكان من جراء ذلك أن أظهر عدد من المسلمين المسيحية وأبطنوا الإسلام، وأطلق على هؤلاء اسم (المورسكيون Los Moriscos) أي المسلمون الصغار. وبقي المسلمون هؤلاء يقاومون الاضطهاد ما يزيد على القرن من الزمان دفاعاً عن عقيدتهم وكيانهم (43).

أول ظاهرة ملفتة للنظر بعد رحيل السلطان أبي عبد الله الصغير إلى عدوة المغرب، بدأ مسلمو الأندلس بالهجرة من الأندلس إلى المغرب كما جاء في شروط التسليم التي سهلت لهم هذه المهمة وهي: أن الملكين الإسبانيين ملزمان بتوفير السفن لنقل مسلمي الأندلس إلى المغرب مجاناً ولمدة ثلاث سنوات، وبعدها يدفع من يريد العبور دوبلاً واحداً عن كل شخص (الدوبل عملة ذهبية إسبانية قديمة تساوي عشر بزيتات)(المادة السابعة من المعاهدة). فأول من هاجر أهل مالقة الذين نزحوا إلى باديس (مدينة ساحلية تقع في شمال المغرب، اندثرت ويقع مقابلها جزيرة صغيرة باسمها)، وخرج أهل المرية ونزلوا مدينة تلمسان، ونزل أهل الجزيرة الخضراء في طنجة، واستقر أهل رندة وبسطة وحصن مرتيل في تطوان وأحوازها. وهاجر أهل دانية إلى تونس والقيروان والجزائر،

(43) الحجي، أندلسيات، ج 2، ص 168 - 169 - عنان، " قصة كاتب مورسكي " مجلة العربي، العدد، 131، ص 52 - عنان، " تستور بلد الموريسكيين " مجلة العربي، العدد 156، ص 138.

ص: 304

وخرج أهل لوشة وبعض سكان غرناطة وأهل مرشانة وسكنوا بين مضارب قبيلة غمارة، ونزل أهل برجة وأندرش ما بين طنجة وتطوان، ونزل أهل مدينة شريش ويليش مدينة سلا، وخرج ما بقي من أهل غرناطة ونزلوا بجاية ووهران وسوسة وسفاقس وقابس، وخرج أهل القلعة إلى مدينة أغادير، وهناك آخرون من سكان الأندلس استقروا في الإسكندرية وغيرها من مدن المشرق (44).

صدرت الأوامر بتعميم مضمون معاهدة التسليم على الأمراء والوزراء والقادة والرهبان والرعية، وأُصدر مرسومٌ يهدد كل من يجرؤ على المساس بما تضمنته هذه المعاهدة. وقد ذيل هذا التوكيد بتوقيع الملكين وتوقيع نجلهما الأمير، وحشد كبير من الأمراء وأشراف الدولة وأحبارها. وأدى الملك فرديناند والملكة إيزابيلا وسائر من حرروا الشروط القسم بدينهم وأعراضهم، أن يصونوا المعاهدة إلى الأبد، وعلى الصورة التي انتهت إليها.

من خلال شروط المعاهدة يتبين لنا بأنها كفلت للمسلمين حريتهم ولغتهم وشعائرهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم، باستثناء حمل الأسلحة.

ولكن الذي يبدو أن الملكين الإسبانيين لم يكونا صادقين فعلاً. حيث بدأ تعصبهم ونقضهم للمواثيق منذ دخولهم غرناطة 2/كانون الثاني 1492 م، إذ صدرت الأوامر بإحراق كميات كبيرة من الكتب العربية، لكي يسهل على الإسبان إبعاد المسلمين عن مصادر عقيدتهم ومن ثم القضاء عليهم بسرعة (45).

ومن أول الخطوات التي رسمتها الملكة إيزابيلا المتعصبة من أجل تنفيذ سياسة التنصير القسري للمسلمين، أنها اعتمدت على مجموعة من الأحبار والرهبان، ومنحتهم مناصب في البلاط الملكي، فكان من أخطرهم (الأب خمنيس) مطران طليطلة.

وإذا كانت الممالك الإسبانية قد اضطهدت المدجنين (المسلمون الذين ظلوا على دينهم) خلال استردادها القواعد الأندلسية قبل سقوط غرناطة، إلا أنه بعد السقوط أصبح الأمر أكثر خطورة فحرموا من حمل السلاح، وفرضت عليهم الضرائب القادمة خلال 1495 - 1499 م دون غيرهم من السكان.

(44) حتاملة، محنة مسلمي الأندلس، ص 75 - 76 - عنان، نهاية الأندلس، ص 311.

(45)

حتاملة، التنصير القسري، ص 60 - عنان، نهاية الأندلس، ص 316 - عنان " تراث الأندلس الفكري " مجلة العربي، العدد 99، ص 106.

ص: 305

منذ اللحظة الأولى لدخول الإسبان غرناطة، تم توزيع مساحات شاسعة من الأراضي على النبلاء الإسبان، فأصبح ملاكوها المسلمون أتباعاً للنبلاء هؤلاء. وفي عام 1498 م أجريت عملية عزل العناصر الإسلامية عن المجتمع الإسباني، ووضعوا في أماكن معينة، ليسهل السيطرة عليهم والقضاء عليهم في حالة الثورة (46).

كانت نتيجة هذه السياسة التعسفية التي رافقها إحراق خمنيس للكتب العربية وجعلها أثراً بعد عين أن تأججت نار الثورة بين المسلمين. وفي الوقت نفسه عين الأب خمنيس رئيساً لديوان مجمع قضاة الإيمان الكاثوليكي (محاكم التفتيش)، والتي تأسست في إسبانيا منذ القرن الثالث عشر الميلادي (47). ولقد أقام الملكان الكاثوليكيان محاكم التفتيش أولاً في إشبيلية عام 1480 م وفي جميع المدن الأندلسية التي سيطروا عليها، وكانت هذه المحاكم سلاحاً فتاكاً بيد الكنيسة تسحق به كل من لم يذعن لأوامرها (48).

فكان من نتائج سياسة خمنيس التعسفية قيام عدة ثورات أهمها:

1 -

ثورة البيازين في غرناطة عام 1499 م/904 هـ:

كانت صدور المسلمين تغلي كالمراجل نتيجة نقض الإسبان لعهودهم ومواثيقهم، وتفجرت ثورتهم عندما اعتدى أحد رجال الشرطة وخادم للأب خمنيس على فتاة مسلمة في حي البيازين في غرناطة، فهاجموا المعتدين، ففر الخادم وقبضوا على رجل الشرطة فقتلوه. ومن ثم سارت جموع الثوار إلى دار الأب خمنيس الواقع قرب قصر الحمراء للقضاء عليه، لعلمهم بأن هذه الحادثة هي من تخطيطه. واختار الثوار أربعين رجلاً منهم يمثلون حكومة موريسكية مستقلة عن الإسبان.

احتمى خمنيس في بيت حاكم مدينة غرناطة الإسباني (الكونت دي تنديا) مستغلاً المحبة والاحترام بين هذا الحاكم والموريسكيين. أغلق الثوار الطرقات أمام الحملات العسكرية التي أرسلتها السلطات ورموها بالحجارة، واستنجدت السلطات بمطران غرناطة (الأب تالا فيرا) الذي يحظى باحترام الموريسكيين فهدأ من ثورة الموريسكيين واقتنعت حكومتهم بأقواله، والتي لا تعدو مجرد الوعود لأن مطران غرناطة وغيره يعملون أولاً وآخراً لصالح المسيحية والممالك الإسبانية.

(46) حتاملة، التنصير القسري، ص 65.

(47)

عبد العظيم رمضان " محاكم التفتيش " مجلة العربي، العدد 258، ص 48.

(48)

حتاملة، التنصير القسري، ص 66 - 68 - عنان، نهاية الأندلس ص 323، ص 329.

ص: 306

حاولت السلطات تهدئة أهالي حي البيازين بأساليب ماكرة، منتظرة الفرصة الملائمة للقضاء عليهم. وفي الوقت نفسه هربت حكومة الموريسكيين (حكومة الأربعين) من غرناطة إلى إقليم البشرات خشية التنكيل بهم أو ملاحقتهم من قبل السلطات.

وبعد إخماد هذه الثورة عام 1499 م قرر ملك غرناطة الإسباني تأسيس محاكم التفتيش في غرناطة، والتي تتبعت المسلمين بالتعميد، كما منعت أي موريسكي من الدخول إلى غرناطة حتى لا يختلط بأهلها فيثير فيهم روح الثورة. كما حُرم على المسلمين اللجوء إلى الكنائس لعلها تخفف عنهم عقوبة الإعدام.

ولم يبق أمام هؤلاء الموريسكيين سوى اللجوء إلى المعاقل المنيعة في رؤوس الجبال ومن هناك يشنون الغارات على القوات الإسبانية التي كانت تلاحقهم باستمرار وتبيد مجموعات كبيرة منهم.

إضافة إلى ذلك أصدر الملكان في 20/تموز/1501 م أمراً يحرم على الموريسكيين ممارسة أي عمل يمت إلى عقيدتهم ولغتهم بصلة، مما دفع الكثير من الموريسكيين إلى الالتحاق بإخوانهم في رؤوس الجبال (49).

2 -

ثورة البشرات عام 1501 م/906 هـ:

كان من نتائج ثورة الموريسكيين في محلة البيازين في غرناطة، أن ثار إخوانهم في منطقة البشرات الواقعة في جنوبي غرناطة. فأرسلت الحكومة الإسبانية حملة عسكرية للقضاء على هذه الثورة، قادها (الكونت تنديا) -القائد الذي قام بالدور نفسه في ثورة البيازين- وغيره، ففي طريقها كانت تمر على القرى فتجدها مقفرة من رجالها الأشداء الذين التحقوا بثوار البشرات، فتحرق القرى بعد قتل النساء والأطفال والشيوخ.

ولحق بهذه الحملة الملك الإسباني فردينداد وبعض قواده، الذين احتلوا بعض القرى والحصون في الطريق مثل (وادي لكوين) ومدينة (لانخرون) و (لوشار) و (قونقه) و (اندرش) ولقيت الحملة الإسبانية مقاومة عنيفة من الموريسكيين الذين دافعوا عن مدنهم ببسالة (50).

(49) حتاملة، التنصير القسري، ص 77 - 79 - الحجي، المرجع السابق، ص 572 - عنان، نهاية الأندلس، ص 323.

(50)

ينظر، فهمي هويدي، " في بلاد الموريسيك غرباء الأندلس " مجلة العربي، العدد 228، ص 71.

ص: 307

ومن مدينة المرية خرجت حملة إسبانية أخرى تجاه البشرات، فأوقعت هذه الحملات الخسائر الكثيرة بالموريسكيين وأخذت الكثير منهم كرهائن. وفي عام 1502 م كانت الثورات قد أُخمدت عموماً في جميع أراضي البشرات وما جاورها، واضطهد الإسبان الموريسكيين اضطهاداً لا نظير له، فنسفوا مساجدهم، وقتلوا نساءهم وأطفالهم وتعرضوا لحرب إبادة مكشوفة، لأن الموريسكيين في نظر الإسبان مجرد عبيد ورقيق.

وأخيراً وضع الموريسكيون المغلوبون على أمرهم أمام أحد الخيارين: إما التنصير القسري، أو التهجير خارج إسبانيا، وانسحب هذا الأمر إلى مدجني قشتالة وليون (51).

ونتج عن هذه الأحداث، تحويل مسجد غرناطة إلى كنيسة، وكذلك حول مسجد البيازين إلى كنيسة ومدرسة سميت (كنيسة المخلص). وفي مدينة غرناطة نُصِّر قسراً أكثر من خمسين ألف شخص، كما أجبر مسلمو الأندلس على لبس السراويل والقبعات، وأجبروا على ترك لغتهم وتقاليدهم وأسمائهم العربية، وحملوا على اعتناق المسيحية، واستعمال اللغة والتقاليد والأسماء الإسبانية (52).

وعلى الرغم من كل وسائل العنف والإرهاب التي استعملتها السلطات ومحاكم التفتيش في تنصير الموريسكيين، إلا أنهم استمروا في ممارسة شعائر دينهم بصورة سرية فكانوا يؤدون فروض الصلاة سراً في بيوتهم، وكانوا يغلقون بيوتهم يوم الأحد موهمين السلطات بأنهم ذهبوا إلى الكنيسة، وعندما يتم تعميد أطفالهم في الكنائس يبادرون إلى غسلهم بعد رجوعهم إلى بيوتهم مباشرة، وكانوا يعقدون حفلات الزواج على الطريقة الإسلامية سراً بعد إجراء الاحتفال العلني في الكنيسة. ولهذا أصبحت تعاليم الإسلام وممارساته تقاليد موروثة، يتوارثها الأبناء عن الآباء جيلاً بعد جيل في حلقات مغلقة، لها صفة المجالس السرية. وقد تعرض بعض هذه الأسر إلى الاضطهاد والإبادة بسبب زلة لسان من صبي يعيش حالة الإزدواجية (53).

وبعد فشل ثورات الموريسكيين في داخل إسبانيا، أرسلوا استغاثتهم إلى إخوانهم المسلمين لعلهم يساندونهم في محنتهم، ومن هذه الصرخات:

1 -

بعثوا باستغاثتهم إلى عدوة المغرب، لأن المغرب أقرب البلاد الإسلامية لهم، إلا أن الحالة السياسية المفككة للمغرب في هذه الفترة منعته عن إرسال النجدات إلى

(51) حتاملة، التنصير القسري، ص 83 - 86.

(52)

حتاملة، التنصير القسري، ص 86 - عنان، نهاية الأندلس، ص 328 وبعدها.

(53)

حتاملة، التنصير القسري، ص 111 - 112.

ص: 308

الأندلس، كما كان سابقاً.

2 -

أرسل الموريسكيون إستغاثتهم الأولى إلى السلطان بايزيد الثاني سلطان العثمانيين (1481 - 1512 م)، واتفق هذا السلطان مع السلطان المملوكي في مصر قايتباي (1468 - 1496) على إرسال أسطول بحري لنجدتهم عن طريق صقلية (54). إلا أن ظروف السلطانين السيئة حالت دون إرسال مثل هذا الأسطول، فاكتفى السلطان بايزيد بإرسال كتاب إلى الملكين الكاثوليكيين، بعد ثورة البيازين عام 1499 م، لم يكن له أي أثر يذكر. ومع ذلك استنجد به الموريسكيون مرة أخرى، فكانت استغاثتهم على شكل قصيدة مؤثرة مطلعها (55):

سلام كريم دائم متجدد

أخص به مولاي خير خليفة

ويبدو أن تاريخ هذه الاستغاثة كان بعد عام 1501 م، ولم يحرك السلطان العثماني ساكناً، وذهبت الاستغاثة الموريسكية في مهب الريح.

3 -

أرسل الموريسكيون استغاثتهم إلى الملك الأشرف قانصوه الغوري (1501 - 1516 م) سلطان دولة المماليك البرجية في مصر، وأوضحوا له ما وصلت إليه حالهم من إكراه على الارتداد، وانتهاك للحرمات. ودعوه ليتوسط لدى الملكين لكي يحترما معاهدات الاستسلام، ويوقفا الأعمال البربرية ضدهم. فأرسل سلطان مصر وفداً لملكي إسبانيا، بأنه سيجبر المسيحيين المقيمين في بلاده على الدخول في الإسلام بالقوة، إذا لم يحترم الملكان الإتفاقيات المعقودة بينهم وبين مسلمي الأندلس.

أرسل الملكان الإسبانيان وفداً إلى مصر في عام 1501 م يتزعمه رئيس كاتدرائية غرناطة، والذي استطاع أن يغرر بسلطان مصر ويوحي له بأن الموريسكيين في حالة جيدة، ومعاملتهم حسنة، وأن لهم الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الإسبان.

ولم يتابع سلطان مصر الأمر لأنه كان مشغولاً بحركات السلطان سليم الأول، وذهب قانصوه الغوري ضحية لهجوم سليم الأول على بلاد الشام في معركة مرج دابق عام 1516 م (56).

(54) علي محمد حمودة، تاريخ الأندلس السياسي، ص 302 - عنان، نهاية الأندلس، ص 324 - عنان، " تستور بلد الموريسكيين " مجلة العربي، العدد 156، ص 138.

(55)

انظر القصيدة، المقري، أزهار الرياض، ج 1، ص 109 - 115.

(56)

حتاملة، التنصير القسري، ص 99 - 100.

ص: 309

وعندما خابت الآمال التي كان يعلقها مسلمو الأندلس على إخوانهم في الدين في بلاد المغرب والمشرق، لم يبق أمامهم سوى خيارات ثلاث هي: الموت أو التنصير القسري، أو الهجرة القسرية خارج البلاد.

فضل الكثير منهم البقاء في بلادهم، والقبول بالأمر الواقع، والتنصير القسري -ولو بالظاهر- حيث صعب عليهم مفارقة الأوطان العزيزة. وهناك فريق آخر أبت عليه عزة الإسلام أن يعيش ذليلاً، أو متنصراً، فترك البلاد وهاجر إلى مصر وبلاد الشام وبلاد عدوة المغرب، وقسم منهم ذهب مع الرحلات الاستكشافية إلى أمريكا الوسطى والجنوبية.

ولم يكتف الملكان الإسبانيان بتنصير وتهجير الموريسكيين. بل لاحقوهم إلى دار هجرتهم وبخاصة بلاد المغرب العربي التي تعرضت مدنه -التي سكنها الموريسكيون- لغارات الإسبان البحرية (57).

(57) حتاملة، التنصير القسري، ص 100 - 103 - عنان، نهاية الأندلس، ص 384 وبعدها - عنان، " تستور بلد الموريسكيين " مجلة العربي، العدد 156، ص 139، ص 141.

ص: 310