الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الرَّابِع
عصر مملكة غرناطة (الأندلس الصغرى)
635 - 897 هـ/1238 - 1492 م.
الدكتور خليل إبراهيم السامرائي.
استمرت الدولة الموحدية في المغرب تواجه القوى الناهضة حتى عام 668 هـ/ 1261 م حيث ورثتها دولة بني مرين. أما في الأندلس فقد ضعفت القوات الموحدية أمام هجمات الممالك الإسبانية، وسقطت أهم حواضر الأندلس بيد الإسبان، لذا رأى أهل الأندلس أنه لا بد لهم من القيام بعمل دفاعي يحفظ لهم ما بقي من بلدهم، ولهذا ظهرت زعامات محلية أندلسية منها زعامة أبي عبد الله محمد بن يوسف بن نصر المعروف بابن الأحمر والملقب بالشيخ والغالب بالله، فقامت مملكة غرناطة، التي عمرت ما يزيد على قرنين ونصف، وتوالى على حكمها خلال ذلك ما يربو على عشرين حاكماً (سلطاناً)، وقد تمتع كثير من هؤلاء السلاطين بصفات جيدة وقدرات ممتازة (1).
مؤسس هذه المملكة محمد بن يوسف بن الأحمر (635 - 671 هـ/1238 - 1272 م)، وقد بينا ظروف قيام إمارته في الفصل السابق. ومملكة غرناطة تشمل ثلاث ولايات كبيرة: ولاية غرناطة في الوسط، وولاية المرية في الشرق، وولاية مالقة في الجنوب (2). وهذه هي المنطقة التي استطاع بنو الأحمر الاحتفاظ بها ما يقارب قرنين ونصفاً من الزمان. وكان لهذا الصمود أسباب على الرغم من تحالف الممالك الإسبانية وتعاهدها على إسقاط مملكة غرناطة، وفي طليعة هذه الأسباب:
(1) الحجي، التاريخ الأندلسي، ص 563 وبعدها.
(2)
ابن الخطيب؛ الإحاطة، ج 1، ص 115 - 119 - عنان، نهاية الأندلس، ص 55.
1 -
بعد مملكة غرناطة عن متناول أيدي الممالك الإسبانية، فهي محصورة في الزاوية الجنوبية لشبه جزيرة الأندلس، كما أن موقعها هذا سهل عليها الاتصال بعدوة المغرب، طالبة العون منهم كلما اشتد عليها الضغط الإسباني، وكانت الدولة المرينية أكبر عون لهذه المملكة الأندلسية.
2 -
دربت مملكة غرناطة سكانها على حمل السلاح والتهيؤ باستمرار لملاقاة العدو (3)، كما أضيفت إلى هذه القوة، قوة الوافدين إلى مملكة غرناطة، وهم المسلمون الفارون أمام هجمات الممالك الإسبانية، فبعد سقوط الحواضر الأندلسية بيد الإسبان لجأ الكثير من مقاتلة هذه المدن إلى مملكة غرناطة واعتبروها ملاذاً لهم أمام هذه المخاطر فأضافوا قوتهم إلى قوة سكان المملكة المحاربين.
3 -
لا ينكر دور عامل الجهاد في سبيل الله الذي التزم به سكان هذه المملكة، في صمود هذه المملكة لفترة طويلة أمام هجمات الإسبان، فعامل الجهاد هو الذي فتح الأندلس من قبل، وهو دوماً يحميها من الخطر الإسباني الزاحف (4).
علاقة مملكة غرناطة مع الممالك الإسبانية:
أهم الممالك الإسبانية المعاصرة لمملكة غرناطة هي:
1 -
مملكة قشتالة:
بعد خلع ألفونسو العاشر (العالم) سنة 681 هـ/1282 م ورثه ابنه:
أ - شانجة الرابع الملقب بالباسل، وعقد هذا معاهدة سلام مع مملكة غرناطة (681 - 695 هـ/1282 - 1295 م).
ب - فردلند الرابع (695 - 712 هـ/1295 - 1312 م).
ج - ألفونسو الحادي عشر وكان طفلاً وضع تحت الوصاية، (712 - 751 هـ/ 1312 - 1350 م) وفي عهده حدث اللقاء الهائل بين المسلمين بقيادة شيخ الغزاة أبي سعيد عثمان بن أبي العلاء، وبين جند قشتالة وأعوانهم، فهزمت القوات الإسبانية وذلك في عام 718 هـ/1318 م. ولما بلغ ألفونسو الحادي عشر أشده قام بنشاط واسع في مهاجمة الأراضي الإسلامية، وكان منها وقعة طريف عام 741 هـ، وهو الذي حاصر جبل طارق
(3) ابن الخطيب، اللمحة البدرية، ص 40.
(4)
ينظر، الحجي، التاريخ الأندلسي، ص 519 - 523.
وفشل في إسقاطه وفشا الوباء في جيشه فتوفي عام 751 هـ.
د - بطرة الأول الملقب بالقاسي 751 - 769 هـ/1350 - 1369 م وعلى بطرة الأول وفد ابن خلدون في إشبيلية سفيراً لملك غرناطة محمد الخامس في عام 765 هـ/ 1363 م، وبعد مقتله جاء:
هـ - هنري الثاني (إنريق) 769 - 780 هـ/1369 - 1379 م.
و - يوحنا الأول 780 - 792 هـ/1379 - 1390 م.
ز - إنريق (هنري الثالث) 792 - 809 هـ/1390 - 1406 م.
ح - يوحنا الثاني 809 - 858 هـ/1406 - 1454 م.
ط - إنريق (هنري الرابع) الملقب بالعاجز 858 - 879 هـ/1454 - 1474 م.
ي - إيزابيل 879 - 910 هـ/1474 - 1504 م.
وكانت ايزابيل قد تزوجت سنة 874 هـ/1469 م ابن عمها فراندة الذي ورث عرش أرغون باسم فراندة الخامس (5).
2 -
مملكة أرغون:
لما توفي جايمش الأول عام 675 هـ/1276 م خلفه:
أ - بطرة الثالث 675 - 684/ 1276 - 1285 م.
ب - ألفونسو الثالث 684 - 690 هـ/1285 - 1291 م.
ج - جايمش الثاني 690 - 727 هـ/1291 - 1327 م.
د - ألفونسو الرابع 727 - 736 هـ/1327 - 1336 م.
هـ - بطرة الرابع 736 - 789 هـ/1336 - 1387 م.
و - يوحنا الأول 789 - 798 هـ/1387 - 1395 م.
ز - مرتين الأول 798 - 813 هـ/1395 - 1410 م.
ح - فراندة الأول 813 - 818 هـ/1410 - 1416 م.
ط - ألفونس الخامس 818 - 846 هـ/1416 - 1442 م.
(5) ينظر: ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 335 - عنان، نهاية الأندلس، ص 180 - الحجي، التاريخ الأندلسي، ص 526، ص 528.
ي - يوحنا الثاني 846 - 884 هـ/1442 - 1479 م.
ك - فراندو الخامس 884 - 921 هـ/1479 - 1516 م.
تزوج ابنة عمه إيزابيل ملكة قشتالة، فبوحدة هذه الممالك الإسبانية تسقط غرناطة عام 898 هـ/1492 م.
كان محمد بن يوسف بن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة يحاول تجنب التصادم مع الممالك الإسبانية، وتمادى أحياناً في ذلك إلى درجة مهينة (6).
وفي عام 660 هـ/1261 م قامت مملكة قشتالة بمهاجمة مملكة غرناطة، إلا أن قوات بني الأحمر بمساعدة المجاهدين من المغرب ردت كيد المعتدي، فأثار هذا الأمر حفيظة ملك قشتالة ألفونسو العاشر الذي ضاعف الهجوم فسيطر على عدة حصون، فاستغاث بنو الأحمر بأهل المغرب وتونس، فوصلت بعض الإمدادات إلى طريف (7).
ونظراً لتعاون ألفونس العاشر ملك قشتالة مع جايمش الأول ملك أرغون واللذين سيطرا على مدينة مرسية وحاصرا غرناطة بعد ذلك أولاً، ونظراً للخلافات الأسرية في عائلة بني الأحمر ثانياً، عقد ملك غرناطة الصلح مع ألفونسو العاشر عام 665 هـ/ 1276 م، وتنازل عن مدينة شريش وعدد من الحصون (9)، هذا الإنهيار الجديد حرك مشاعر أبي البقاء صالح بن شريف الرندي فأطلق قصيدته المشهورة في رثاء الأندلس (10):
لكل شيء إذا ما تم نقصان
…
فلا يغرُّ بطيب العيش إنسان
قبيل وفاة ابن الأحمر عام 671 هـ/1272 م كرر ألفونسو العاشر هجومه على حصون مملكة غرناطة، فطلب ابن الأحمر العون من السلطان المريني يعقوب بن عبد الحق الملقب بالمنصور، لكن النجدة لم تصل إلا بعد وفاة ابن الأحمر، فوصلت أيام محمد الثاني الملقب بالفقيه (671 - 701 هـ)(11).
(6) ينظر، فرحات، غرناطة، ص 26 وبعدها.
(7)
ابن الخطيب، الإحاطة، ج 2، ص 98.
(8)
ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 172 - فرحات، غرناطة، ص 29 - 30.
(9)
عنان، نهاية الأندلس، ص 49.
(10)
انظر، الذيل والتكملة، ج 4، ص 136 (رقم 263) - المقري، أزهار الرياض، ج 1، ص 47 - نفح الطيب، ج 4، ص 486.
(11)
الحجي، المرجع السابق، ص 536.
أرسل السلطان المريني الجيوش التي عبرت إلى جزيرة طريف في شهر ذي الحجة عام 673 هـ/1275 م، ثم لحق بها السلطان في شهر صفر من عام 674 هـ، فنظم أمورها وأعدها لملاقاة القشتاليين، فكانت معركة استجة في ربيع الأول عام 674 هـ/1175 م بين الجيوش الأندلسية والمرينية التي يقودها السلطان المريني، وجيوش قشتالة بقيادة الأمير الدون نونيودي لار (12) صهر ملك قشتالة ألفونسو العاشر، فحازت جيوش المسلمين النصر وتشتت الجيش القشتالي وقتل قائده، ثم إن السلطان المريني المنصور ذهب إلى الجزيرة الخضراء للإستراحة ليعود بعدها إلى أراضي قشتالة. كما حاصر مدينة إشبيلية التي طلبت الأمان والصلح فأجابهم إلى ذلك وعاد إلى الجزيرة الخضراء، ومنها عبر إلى المغرب في أواخر رجب عام 674 هـ، وبعد أن ترك في الجزيرة الخضراء ثلاثة آلاف فارس لمعاونة مملكة غرناطة في رد هجمات مملكة قشتالة (13).
عاد سلطان المرينيين فعبر الأندلس عام 677 هـ/1278 م وتوغل في أراضي مملكة قشتالة، ثم عاد إلى عدوة المغرب. وبعدها بدأ ملك غرناطة يتوجس من السلطان المريني، فتحالف محمد الثاني الفقيه مع ملك قشتالة الفونسو العاشر الذي أنزل قواته في الجزيرة الخضراء (14).
أرسل السلطان المنصور ابنه الأمير أبا يعقوب في أسطول كبير في أوائل عام 678 هـ/1279 م، فاصطدم مع الأسطول القشتالي الذي انهزم واضطرت قواته إلى ترك الجزيرة الخضراء، ثم بعث السلطان المريني إلى ابن الأحمر يطلب منه التفاهم والتعاون لصد الأخطار الإسبانية. فعقد التحالف الذي بموجبه أصبحت مدينة مالقة لبني مرين لتكون قاعدةً للقوات المرينية التي تعبر إلى الأندلس (15).
وقعت خلافات أسرية في مملكة قشتالة بين ألفونسو العاشر وابنه شانجة الرابع، وذلك في عام 681 هـ/1282 م، فعبر السلطان المريني إلى الأندلس للمرة الثالثة مستغلاً
(12) تسميه الرواية الإسلامية باسم دننه - ذونونة، ابن الخطيب، الإحاطة، ج 1، ص 565 - ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 316، ص 321.
(13)
ينظر، ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 370، ص 393 - ج 7، ص 396 وبعدها - المقري، نفح الطيب، ج 1، ص 449 - ج 4، ص 385 - عنان، نهاية الأندلس، ص 100 - فرحات، غرناطة، ص 33 - ابن أبي زرع، الذخيرة السنية، 148 وما بعدها.
(14)
فرحات، غرناطة، ص 34 - ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 329 وما بعدها.
(15)
الحجي، المرجع السابق، ص 539. أيضاً، ص 331، ص 335.
هذه الظروف ومساعداً بعضهم على البعض الآخر (16).
توفي الفونسو العاشر طريداً عام 683 هـ/1284 م فانفرد ابنه شانجة الرابع في حكم قشتالة. وعبر السلطان المريني للمرة الرابعة إلى الأندلس في صفر من عام 684 هـ، واشتبك مع جيوش قشتالة في البر والبحر فانتصر عليها، فرغب شانجة الرابع في طلب الصلح، فأرسل وفداً من الأحبار إلى السلطان المريني ووضعت شروط الصلح (17).
كان من نتائج الود والتفاهم بين مملكة غرناطة والمرينيين أن عبرت مجموعة من المجاهدين إلى الأندلس للمرابطة فيها، ليكونوا على أهبة الاستعداد لمجاهدة الممالك الإسبانية، عُرفت هذه المجموعة بـ " مشيخة الغزاة " ورئيسها باسم (شيخ الغزاة) وهي من المناصب العسكرية التي أُنشئت في هذه الفترة، وتولى بنو العلاء (من أقارب السلطان المريني) قيادة المشيخة، وتولى رئاسة المشيخة عبد الله بن أبي العلاء حتى استشهد في عام 693 هـ، فكانت بعد ذلك لأخيه أبي سعد عثمان بن أبي العلاء (18).
توفي السلطان المريني المنصور عام 685 هـ/1285 م في الأندلس، بعد حياة حافلة بالجهاد، وورث حكم المرينيين ابنه أبو يعقوب يوسف، وكان له دور كبير في مجاهدة الممالك الإسبانية إلى جانب أمراء مملكة غرناطة وبخاصة إلى جانب محمد الفقيه الذي جنح أحياناً إلى مهادنة ملوك الإسبان، وأحياناً تعاون معهم ضد بني مرين (19).
توفي محمد الفقيه وورثه ابنه السلطان محمد الثالث المخلوع 701 - 708 هـ/1302 - 1309 م، فبدأ أمره بمصالحة المرينيين أولاً، وبمحاربة مملكة قشتالة ثانياً التي عقدت معه هدنة أمدها ثلاث سنوات (20)، وبعد خلعه تولى أمر غرناطة السلطان نصر بن محمد 708 - 713 هـ/1309 - 1314 م، فتقرب هذا السلطان إلى المرينيين فأعاد إليهم مدينة سبتة وزوج إحدى شقيقاته إلى أبي الربيع المريني، وفي عهده أرسل فراندة الرابع ملك قشتالة
(16) ينظر، ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 338، ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 333 - الإحاطة، ج 1، ص 564 - المقري، نفح الطيب، ج 5، ص 120 - أزهار الرياض، ج 1، ص 61 - عنان، نهاية الأندلس، ص 81، 105 - 107.
(17)
ابن الخطيب، الإحاطة، ج 1، ص 563 - ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 393 - عنان، نهاية الأندلس، ص 106 - ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 358 - 363.
(18)
ابن خلدون، العبر، ج 7، ص 771 - ابن الخطيب، الإحاطة، ج 2، ص 16، ص 38 - المقري، نفح الطيب، ج 1، ص 453 - ج 4، ص 385 - عنان، نهاية الأندلس، ص 107.
(19)
ينظر، فرحات، غرناطة، ص 36 - ابن أبي زرع، روض القرطاس، ص 373 - 374، ص 380.
(20)
ابن خلدون، العبر، ج 6، ص 228 - فرحات، غرناطة، ص 37.
جنده إلى جبل طارق ومدينة المرية بمعاونة ملك أرغون خايمي الثاني، بالرغم من المعاهدة القائمة بينه وبين سلطان غرناطة، وقعت قرب المرية معركة قادها عثمان بن أبي العلاء شيخ الغزاة ضد جند أرغون الذين أُصيبوا بهزيمة منكرة، إلا أن جبل طارق بعد الحصار الشديد لها أرغمت على التسليم (21).
أُرغم نصر على التنازل عن عرش غرناطة عام 713 هـ ليتولى أمرها إسماعيل الأول 713 - 725 هـ/1314 - 1325 م الذي اشتهر بالعدل والعفة (22)، واهتم بأمر الجهاد. وحين قام القشتاليون بمهاجمة الأراضي الإسلامية استنجد إسماعيل ببني مرين وسلطانهم أبي سعيد، الذي رفض المساعدة لعدم استجابة إسماعيل لمطالب معينة (23).
زحف الجيش القشتالي على غرناطة بجيش كبير بقيادة (دون بطرة ودون خوان) الوصيين على ملك قشتالة الفونسو الحادي عشر، وسارت معهم قوات إنكليزية ذات نزعة صليبية، فوقعت المعركة في ربيع الثاني عام 718 هـ/مارس 1318 م قرب مدينة غرناطة وكان قائد الجيش الإسلامي شيخ الغزاة أبا سعيد عثمان بن أبي العلاء الذي أحرز النصر ورد كيد الأعداء (24).
بعد اغتيال إسماعيل الأول عام 725 هـ خلفه ولده محمد الرابع 725 - 733 هـ/ 1325 - 1333 م، وفي عهده استطاع مسلمو غرناطة بالتعاون مع بني مرين من استعادة جبل طارق عام 733 هـ/1333 م بعد أن سيطر عليه الجيش القشتالي منذ عام 709 هـ (25).
أما نهاية محمد الرابع فلم تكن أفضل من نهاية أبيه، فاغتيل أيضاً فخلفه أخوه يوسف الأول 733 - 755 هـ/1333 - 1354 م الذي كان من أبرع ملوك بنى الأحمر، وفي عهده حدثت معركة بحرية في عام 740 هـ انهزم فيها المسلمون، واشتركت فيها قوات من قشتالة وأرغون والبرتغال، وبارك البابا هذه الحملة، ودخلت جيوشهم مملكة غرناطة (26).
(21) ابن الخطيب، اللمحة البدرية، ص 75 - الحجي، المرجع السابق، ص 541.
(22)
فرحات، غرناطة، ص 40.
(23)
الحجي، المرجع السابق، ص 541.
(24)
ينظر، ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 373 - ج 7، ص 520 - ابن الخطيب، الإحاطة، ج 1 ص 389 - المقري، نفح الطيب، ج 1، ص 449 - 450 - ج 5، ص 510 - عنان، نهاية الأندلس، ص 118، ص 171 - فرحات، غرناطة، ص 41.
(25)
ابن الخطيب، اللمحة البدرية، ص 93 - 94 - فرحات، غرناطة، ص 42.
(26)
الحجي، المرجع السابق، ص 543.
استنجد سلطان بني الأحمر بالأخوة المرينيين فعبر سلطانهم إلى الأندلس، ووقعت معركة بين الطرفين في جمادى الأولى من عام 741 هـ/تشرين الأول 1340 م استعمل المسلمون فيها المدافع التي تقذف النيران (27). لكن المسلمين خسروا المعركة وعاث الإسبان فساداً في المعسكر الإسلامي وغنموا ما فيه، ووقعت هذه المعركة قرب طريف ولذا عرفت بوقعة طريف (28). وعلى أثرها عقد السلطان المريني أبو الحسن الصلح مع بطره الأول ملك قشتالة، ووضعا قواعد لافتكاك الأسرى الذين كان من بينهم ابن السلطان (أبو عمر تاشفين)(29).
وفي عام 750 هـ/1349 م سار ملك قشتالة ألفونسو الحادي عشر بقواته وحاصر جبل طارق، ولكن الوباء فشا في جيشه، وذهب ملك الإسبان ضحيته، فاضطر جيشه، بعد قرابة سنة من بدء الحصار، إلى ترك الحصار والانسحاب، فتخلصت مدينة جبل طارق من الخطر (30).
استمرت مملكة قشتالة على سياستها من العبث في أراضي مملكة غرناطة ناقضة العهود، ولكن صلحاً عقد بين مملكة غرناطة وبين ملك أرغون بيدرو الرابع (31).
بعد اغتيال يوسف الأول عام 755 هـ/1354 م مرت مملكة غرناطة بوضع مضطرب توالى على عرشها أمراء ضعاف لم يكونوا بمستوى المسؤولية، قد خلع بعضهم أكثر من مرة. كما وحَّدت الممالك الإسبانية جهودها من أجل استصفاء مملكة غرناطة وتوزيع تركتها فيما بينهم، وبارك البابا هذه الخطوة، إلا أنها تعثرت فترة من الزمن.
وفي الوقت نفسه عقد صلح بين مملكة غرناطة وبين الممالك الإسبانية أرغون وقشتالة، كالصلح الذي عقده السلطان محمد السادس (الغني بالله) 795 - 810 هـ/1393 - 1408 م
(27) عنان، نهاية الأندلس، ص 127.
(28)
ينظر، ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 375 - ابن الخطيب، اللمحة البدرية، ص 106 - المقري، نفح الطيب، ج 1، ص 452 - ج 5، ص 14 - 15، ص 413 - عنان، نهاية الأندلس، ص 128 - فرحات، غرناطة، ص 44.
(29)
التعريف بابن خلدون، ص 50 - المقري، نفح الطيب، ج 5، ص 413.
(30)
ابن خلدون، العبر، ج 4، ص 394، ج 7، ص 632، ص 776 - ابن بطوطة، الرحلة، ص 665 - ابن الخطيب، أعمال الأعلام، ص 335 - ابن الخطيب، ريحانة الكتاب، ج 1، ص 140.
(31)
ابن الخطيب، كناسة الدكان، ص 103 - 105، ص 164 - 165 - الحجي، المرجع السابق، ص 549.
مع ملك قشتالة (32).
وفي عهد يوسف الثالث 810 - 820 هـ/1408 - 1417 م جدد الهدنة مع مملكة قشتالة لمدة سنتين، وبعدها رفض القشتاليون تجديد الهدنة، فسيطروا على بعض الحصون وأصبح هذا السلطان تابعاً لهم (33).
تبع يوسف الثالث عدة أمراء اختلفت قدراتهم بين القوة والضعف، وفي عهدهم دخلت مملكة غرناطة في حروب جهادية مع مملكة قشتالة الإسبانية خسرت فيها غرناطة بعض القواعد والحصون المهمة.
وكان سقوط مدينة جبل طارق بيد القشتاليين في عام 867 هـ/1462 م على عهد السلطان سعد بن إسماعيل 858 - 868 هـ/1454 - 1464 م قاصمة الظهر لمسلمي غرناطة، حيث حال هذا الأمر دون وصول الإمدادات من عدوة المغرب إلى الأندلس، هذه الإمدادات التي بدأت بالضعف منذ بداية ضعف الدولة المرينية التي سقطت عام 869 هـ/1464 م، وحلت محلها دولة فتية هي دولة بني وطاس، ولكنها لم تكن في مستوى الدولة المرينية من حيث تقديم الإمدادات إلى الأندلس (34).
اتحدت مملكتا قشتالة وأرغون في عام 884 هـ/1479 م على أثر الزواج الذي تم بين فراندة الخامس ملك أرغون وايزابيلا ملكة قشتالة في عام 874 هـ. فبعد هذا الاتحاد بدأت مفاوضاتهم مع مملكة غرناطة حيث طلبا من سلطانها أبي الحسن علي 868 - 887 هـ/1464 - 1482 م شروطاً ثقيلة، رفضها السلطان الغرناطي، ففتح الباب أمام المناوشات المتبادلة (35). فهاجم فراندة الخامس ملك أرغون غرناطة، واستولت قواته على مدينة الحمة (الحامة) الواقعة جنوب غربي غرناطة، فأمعنت في أهلها قتلاً، وذلك في المحرم من عام 887 هـ/1482 م، ثم زحف هذا الملك إلى مدينة لوشة وحاصرها، ولكن حاميتها استبسلت في الدفاع عنها وردت الغزاة على أعقابهم (36).
تولى حكم غرناطة أبو عبد الله الصغير ولايته الأولى 887 - 888 هـ/1482 - 1483 م
(32) فرحات، غرناطة، ص 52.
(33)
فرحات، غرناطة، ص 52 - 53 - الحجي، المرجع السابق، ص 549.
(34)
فرحات، المرجع السابق، ص 55 - 56.
(35)
فرحات، المرجع السابق، ص 58.
(36)
عنان، نهاية الأندلس، ص 202 - الآثار الباقية، ص 335 - فرحات، المرجع السابق، ص 60 - حتاملة، محنة مسلمي الأندلس، ص 22.
الذي خاض معركة حامية ضد جيوش قشتالة فهزمهم، ثم قاد جيشاً آخر فاتجه نحو قرطبة، وانتصر في عدة معارك، إلا أنه أُسر في معركة عند قلعة اللسانة وأخذ أسيراً، وتولى أمر غرناطة والده أبو الحسن علي 888 - 890 هـ/1483 - 1485 م. ثم أطلق سراح أبي عبد الله الصغير عام 890 هـ/1485 م بعد توقيع اتفاق لصالح قشتالة. وتولى أمر غرناطة أبو عبد الله الزغل 890 - 892 هـ/1485 - 1487 م ثم عاد أبو عبد الله الصغير مرة ثانية إلى عرشه 892 - 897 هـ/1487 - 1491 م. وخلال هذه الأحداث هاجمت القوات القشتالية مدينة لوشة مرة أخرى فدخلتها في عام 891 هـ بشروط لصالح قشتالة، ثم قامت حروب أسرية بين العم (الزغل) وابن أخيه (أبي عبد الله الصغير) انتهت بتقسيم مملكة غرناطة (37).
بدأ ملك قشتالة يشدد ضرباته على المدن الأندلسية الباقية ويرهقها بالحصار، وكان يخرب ما حول مدينة غرناطة من أجل التهيؤ لدخولها. وأثناء ذلك عقد الزغل عام 895 هـ/1489 م معاهدة مع ملك قشتالة، فترك الأندلس إلى الجزائر (38).
وبعد سقوط الحصون والمدن الأندلسية بيد الإسبان لم يبق سوى غرناطة، فأرسل الإسبان إلى السلطان أبي عبد الله يطلبون إليه تسليم غرناطة وفقاً لشروط معينة، فجمع السلطان أعوانه وأجمعوا على الرفض (39).
وفي ربيع عام 897 هـ/نيسان 1491 م حاصر الملكان الإسبانيان مدينة غرناطة، وأنشأ المحاصرون مخيماً تحول إلى مدينة أسموها (سانتافي/الإيمان المقدس). وقد خرج مقاتلو غرناطة عدة مرات لشل مخططات الإسبان وإفشالها، وكان على رأسهم موسى بن غسان الذي نسجت حوله الأساطير (40). ودام الحصار سبعة أشهر صمد خلالها الغرناطيون، وفشلت كل محاولات الاقتحام المتكررة. ومع بداية شهر محرم من عام 897 هـ/أواخر عام 1491 م ونتيجة اليأس وانتشار الجوع والمرض، اجتمع أعيان المدينة واتفقوا على تسليمها، ما عدا القائد موسى الذي رفض القرار، وخرج من الاجتماع مغاضباً واختفى أثره، ثم أُرسل الوزير أبو القاسم بن عبد الملك للمفاوضة،
(37) ينظر، المقري، نفح الطيب، ج 4، ص 523 - 529 - فرحات، المرجع السابق، ص 62 - حتاملة، محنة مسلمي الأندلس، ص 27، ص 33.
(38)
المقري، نفح الطيب، ج 4، ص 522.
(39)
حول حصار غرناطة، ينظر، المقري، نفح الطيب، ج 4، ص 523 - 529.
(40)
فرحات، المرجع السابق، ص 63 - 64.
وتم التوقيع على معاهدة التسليم في 25/كانون الأول 1491 م أي يوم عيد الميلاد - أما شروط التسليم فوردت في وثيقة مشهورة وأهم ما جاء فيها: -
1 -
إطلاق الأسرى المسلمين في قشتالة.
2 -
تأمين المسلمين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
3 -
احتفاظ المسلمين بشرعيتهم وقضائهم ونظمهم بإشراف حاكم إسباني.
4 -
تأمين حرية الدين والشعائر والحفاظ على المساجد والأوقاف.
5 -
أن لا يدخل مسيحي في مسجد أو دار مسلم.
6 -
أن يسير المسلم في ديار الإسبان آمناً لا يحمل علامة مميزة.
7 -
أن يجتاز إلى أفريقيا من يشاء من المسلمين في سفن ملك الإسبان لمدة ثلاث سنوات من دون مقابل.
8 -
أن لا يقهر مسلم أو مسلمة على التنصر.
9 -
أن يعامل الحاكم الإسباني المسلمين بالرفق والعدل.
10 -
أن يوافق البابا على الوثيقة (41).
أما السلطان أبو عبد الله فقد اتفق أن يغادر المدينة إلى منطقة البشرات، حيث يعطى ضياعاً يعيش فيها، ويكون في طاعة ملك قشتالة، كما اتفق أن تقدم غرناطة خمسمائة من أعيانها ضمانة للطاعة، وقد أقسم الملكان على الوثيقة من أجل أن يطمئن المسلمون بذلك، ولكن تلك العهود نقضت فيما بعد.
فتحت المدينة أبوابها فجر الثاني من كانون الثاني 1492 هـ/ثاني ربيع الأول 897 هـ، فدخل نفر من القادة القشتاليين وتسلموا مفتاح المدينة من أبي عبد الله الصغير.
وفي الصباح دخل الجند غرناطة يقود طليعتها الكونت (دي تنديلا) الذي عين فيما بعد حاكماً لغرناطة، ورفعوا فوق برج الحمراء صليباً فضياً كبيراً وبقربه علم قشتالة وعلم القديس يعقوب (شنت ياقب)، ثم دخل الملكان الحمراء ظافِرَيْن.
وفي اليوم نفسه غادر السلطان أبو عبد الله قصره ومعه أهله واتجه إلى منطقة البشرات يذرف دموعه حسرة وألماً على الملك الضائع. وبعد مضي أشهر قليلة على
(41) فرحات، المرجع السابق، ص 64 - 65 - حتاملة، محنة مسلمي الأندلس، ص 55 - 56 - التنصير القسري، ص 19 وبعدها.
إقامته في منطقة البشرات، أدرك أبو عبد الله أن تلك الحياة الذليلة لا تليق به، فغادر الأندلس إلى عدوة المغرب واستقر في مدينة فاس وتوفي عام 940 هـ/1534 م (42).
(42) ينظر، المقري - نفح الطيب، ج 4، ص 529 - أزهار الرياض، ج 1، ص 68 - عثمان الكعاك، موجز التاريخ العام للجزائر، ص 375 حتاملة، محنة مسلمي الأندلس، ص 69 - 74 - فرحات المرجع السابق، ص 64 - 68 - عنان، نهاية الأندلس؛ ص 257، ص 273، ص 287.