المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابعاستقرار العرب واستيطانهم في إسبانيا - تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدِّمَة

- ‌البَابُ الأَوَّلفتح العرب لإسبانيا واستقرارهم فيها

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلمقدمة في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إسبانيا قبيل الفتح العربي

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيفتح العرب لإسبانيا

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثالنشاط الحربي للعرب في شمال إسبانيا والتوغل في فرنسا

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعاستقرار العرب واستيطانهم في إسبانيا

- ‌البَابُ الثَّانِيعهد الإمارة في الأندلس

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلدخول عبد الرحمن بن معاوية الأندلس وتأسيس الإمارة الأموية

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيأعمال الأمراء الأمويين في تثبيت السلطة والاستقرار

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثعلاقة الدولة العربية الإسلامية مع الإمارات الإسبانية في الشمال

- ‌البَابُ الثَّالِث" عصر الخلافة

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلتولية عبد الرحمن الناصر

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيالأخطار الخارجية الأندلس والممالك الإسبانية الشمالية:

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثالمظاهر الحضارية

- ‌الفَصْلُ الرَّابِعالأندلس بعد وفاة الناصر

- ‌البَابُ الرَّابِع [[سقوط الخلافة وفكرة عن دويلات الطوائف]]

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلسقوط الخلافة

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيفكرة عامة عن أهم دويلات الطوائف

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثعصر المرابطين 484 - 540 هـ/1092 - 1145 م

- ‌الفَصْلُ الرَّابِععصر مملكة غرناطة (الأندلس الصغرى)

- ‌الفَصْلُ الخَامِسالمسلمون بعد سقوط غرناطة (الموريسكيون)

- ‌البَابُ الخَامِسحضارة العرب في الأندلس

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلتاريخ الفكر العربي في الأندلس

- ‌الفَصْلُ الثَّانِيالنظم السياسية العربية في الأندلس

- ‌الفَصْلُ الثَّالِثأثر الحضارة العربية في الأندلس على أوروبا

الفصل: ‌الفصل الرابعاستقرار العرب واستيطانهم في إسبانيا

‌الفَصْلُ الرَّابِع

استقرار العرب واستيطانهم في إسبانيا

لقد سارت عملية استقرار العرب في إسبانيا جنباً إلى جنب مع الفتح العربي الإسلامي، حيث كان كل من طارق بن زياد وموسى بن نصير يتركان حاميات عربية وبربرية في المناطق المفتوحة شكلت نواة للمستقرين المسلمين في إسبانيا. وعندما عاد الفاتحان إلى المشرق، ظل جنودهما في المناطق المحررة، كل حسب رغبته. وكان هؤلاء يتألفون بالدرجة الأولى من العشائر العربية والبربرية التي رافقت طارق وموسى.

وقد أطلقوا على أنفسهم اسم البلديين، لأنهم عدوا أنفسهم المالكين الحقيقيين للبلاد، فهم أهل البلد وفاتحوها. وهناك مجموعة أخرى من العرب دخلت الأندلس بعد فترة وجيزة من الفتح، تتألف من العشائر الشامية التي عبرت من شمال أفريقيا على أثر تمرد البربر في المغرب. وقد سمي هؤلاء بالشاميين، أو بطالعة بلج بن بشر القشيري، الذي كان يتزعمهم في عبورهم إلى الأندلس.

وإذا ما استثنينا المستقرين الأوائل أو البلديين، والقادمين من الشاميين، فإن عدد العرب الذين دخلوا الأندلس بعد الفتح كان قليلاً. ويتكون هؤلاء من بعض الأفراد الذين عبروا بصورة منفردة، ومن الحرس الذين رافقوا الوالي الحر بن عبد الرحمن الثقفي، وكان عددهم نحو أربعمئة رجل. وكذلك عبر بعض الرجال برفقة ولاة آخرين، مثل السمح بن مالك الخولاني، وأبو الخطار الكلبي.

البلديون:

وهؤلاء، كما أسلفنا، هم الفاتحون الذين تغلبوا على دولة القوط الغربيين، واستقروا مباشرة في الأراضي المفتوحة، وبشكل خاص، على امتداد الطريق التي سلكها

(1) انظر: ابن عبد الحكم، ص 206؛ ابن عذاري؛ 2/ 11، 12، 15؛ فتح الأندلس، ص 17؛ المقري: 1/ 276، 290.

ص: 64

كل من طارق بن زياد وموسى بن نصير أثناء فتوحاتهما لشبه الجزيرة الآيبيرية (1). ولم يستقر هؤلاء البلديون تبعاً لترتيبات وضعها موسى بن نصير، بل جاء استقرارهم تبعاً للصدفة، وفي المناطق التي مرت بها الحملات العربية الإسلامية. وفي الحقيقة تختلف الروايات في الإجراءات التي اتخذها موسى بن نصير لتقسيم الأراضي المفتوحة في الأندلس، فمنها ما يؤيد أنه قسم البلاد بعد اكتمال الفتح، فاحتفظ بحصة الخلافة من الأراضي، وهي الخمس، ووزع الباقي بين جنوده. ويقال أيضاً إنه خصص العديد من السبي ليزرعوا أراضي الخمس ويبقوا فيها. وكان على هؤلاء أن يدفعوا ثلث محصولهم للمسلمين، وأصبحوا يُسمون بالأخماس، وكذلك عُرف أبناؤهم ببني الأخماس. أما بالنسبة للمسيحيين الذين اعتصموا في المعاقل المنيعة، والمناطق الجبلية، فقد أقرهم موسى على ممتلكاتهم، وديانتهم، شريطة أن يدفعوا الجزية للمسلمين. وسميت الأراضي التي ظلت بحوزة هؤلاء باسم أرض الشمل أو أرض الصلح (2). وهناك روايات أخرى لا تشير إلى تقسيم موسى لكل أراضي البلاد، بل إنه لم يتمكن إلا من إنجاز تقسيم أجزاء محدودة من الأندلس بسبب عودته السريعة إلى المشرق (3). ويمكن أن نعتمد على هذه الروايات ونأخذ بها، لأنها تتفق مع الوقت القصير الذي صرفه موسى في الأندلس. ولقد رأينا فعلاً أن موسى عقد معاهدة مع أهالي ماردة خوَّلته حق الاستيلاء على ممتلكات الذين قتلوا، والهاربين إلى جليقية. ومن الواضح أن قسماً من جيش موسى استقر في هذه الأراضي المهجورة. ومن المحتمل جداً، أن بقية أتباع موسى فعلوا الشيء نفسه واستقروا في العديد من الأماكن الأخرى، سواء تم عقد معاهدات مع أهلها أم لم يتم ذلك، وبشكل خاص، في جنوب إسبانيا، ووادي نهر الوادي الكبير، ووادي نهر آنة، وبعض الأماكن الأخرى في المناطق الشمالية التي تم فتحها عنوة. أما في شرق إسبانيا، فقد عقد عبد العزيز بن موسى معاهدة الصلح مع حاكم المنطقة القوطي تدمير، فانتظم بموجبها استقرار العرب وعلاقاتهم مع السكان النصارى في المنطقة. وقد استسلمت مناطق أخرى إلى المسلمين بموجب معاهدات صلح، مثل مدينة وشقة Huesca (4) . ووافق أهالي البلاد في هذه المناطق على دفع الجزية، وتسليم قسمٍ من أراضيهم للمسلمين ليستقروا فيها (5).

(2) الغساني، المصدر السابق، ص 100؛ الرسالة الشريفية، ص 199.

(3)

الغساني، ص 101.

(4)

انظر: العذري، ص 65 - 67؛ الحِمْيَري، ص 195.

(5)

الغساني (برواية الرازي) ص 104.

ص: 65

وهكذا استقر البلديون في الأندلس، ووافقت الخلافة الأموية على هذا الاستقرار، بل إن الخليفة الوليد بن عبد الملك، منح، من خمس الخلافة، إقطاعات أخرى لأولئك الذين لم يكونوا راضين عما أصابهم من أراضٍ في الأندلس. وعندما أصبح عمر بن عبد العزيز خليفة في دمشق (99 - 101هـ/717 - 719 م) اهتم كثيراً بشؤون المسلمين في الأندلس. ولقد حاول في أول الأمر -تبعاً للسياسة التي سار عليها في المشرق- أن يأمر بالانسحاب الكامل من البلاد. ولما أدرك صعوبة تحقيق مثل هذا الأمر، وجه جل اهتمامه إلى الاعتناء بشؤونها الداخلية. فعين من قبله مباشرة والياً جديداً، وأوصاه أن ينهي المهمة التي ابتدأها موسى بن نصير، وهي تقسيم الأرض، من أجل أن يُحدّد خمس الخلافة. وعندما وصل الوالي الجديد، السمح بن مالك الخولاني، إلى الأندلس مع بعض أتباعه، رفض البلديون أن يسمحوا لأي من هؤلاء القادمين الجدد أن يشاركوهم في أراضيهم. وتوجه وفد منهم إلى دمشق يشكون إلى الخليفة، ويهددون بإخلاء الأندلس، لو حاول أتباع السمح بن مالك الاستقرار في أراضيهم. ولقد حل الخليفة هذه المشكلة، بأن منح أتباع السمح أراضٍ من حصة الخلافة. وأصبح هذا الإجراء، هو الطريقة المثلى لإسكان الجماعات الصغيرة من العرب التي تدخل إلى الأندلس فيما بعد (6).

استمر السمح بن مالك في إنجاز مهمة تقسيم الأرض، فابتدأ بقرطبة ونواحيها محدداً أحد القصور التي تقع جنوبي المدينة ليكون جزءاً من خمس الخلافة. ولكن روايات أخرى تذكر أن قرطبة كانت قد قسمت في عهد موسى بن نصير، وأن هذه المنطقة التي تقع جنوبيها بالذات، اعتبرت، إضافة إلى مناطق أخرى، ضمن حصة الخلافة (7). وبناء على أوامر من الخليفة عمر بن عبد العزيز، حول السمح بن مالك المنطقة الواقعة جنوب قرطبة إلى مقبرة عامة للمسلمين (8). وتذكر المصادر أن السمح أرسل رجالاً ليقوموا بمهمة تقسيم الأراضي في مناطق متعددة أخرى، ولكن لا تتوفر معلومات إضافية عن طبيعة هذه المهام أو نتائجها، ويذكر ابن القوطية، أن الخليفة عمر، أرسل إلى جانب السمح بن مالك رجلاً آخر يدعى جابر، ليتولى مسؤولية تقسيم

(6) المصدر نفسه، ص 101 - 102؛ الرسالة الشريفية، ص 202 - 203؛ وانظر: عبد الواحد طه، الفتح والاستقرار، ص 214.

(7)

الرسالة الشريفية، ص 201 - 202، 204؛ أخبار مجموعة، ص 21.

(8)

ابن عذاري: 2/ 26؛ الرسالة الشريفية، ص 207.

ص: 66

الأرض (9). وهذا إجراء محتمل جداً، وتوجد عليه أدلة وسوابق في أماكن أخرى من الدولة العربية. ففي العراق على سبيل المثال، عين الخليفة سليمان بن عبد الملك، صالح بن عبد الرحمن، ليمثله ويتولى مسؤولية الخراج والضرائب، من أجل إحكام السيطرة على الشؤون المالية للولاية وحفظها لصالح الخلافة (10). وعلى أية حال، فقد توقفت عملية تقسيم الأرض في الأندلس، نظراً لوفاة الخليفة عمر بن عبد العزيز (101 هـ/719 م) وكذلك وفاة عامله السمح بن مالك الذي استشهد في معركة قرب مدينة طولوشة عام 102 هـ/720 م، كما أسلفنا في الفصل الثالث. وظلت وضعية الأرض، وسيادة البلديين دون تغير حتى وصول الشاميين، وولاية أبي الخطار الكلبي، حين تطلبت الظروف إيجاد أراضٍ جديدة لاستقرار القادمين الجدد من القبائل الشامية.

لقد كان البلديون يتألفون بشكل عام من رجال العشائر العربية الذين ينتمون إلى مختلف القبائل اليمنية، ومع ذلك، فقد كانت قلة منهم تنتمي إلى عشائر أخرى من مضر وربيعة. وفيما يأتي محاولة للتعرف على نماذج من هؤلاء البلديين ومناطق سكناهم واستقرارهم في الأندلس.

يُعد الأنصار أو المدنيون من أشهر العشائر التي رافقت حملة موسى بن نصير، وقد توزعوا بعد الفتح في مختلف أماكن شبه الجزيرة الآيبيرية، ولكن مناطق استقرارهم الرئيسة، أو منازلهم، كما كانت تسمى، كانت تقع في منطقة سرقسطة (11). وكان من هؤلاء أسر معروفة من الأوس والخزرج، من أشهرهم أحفاد سعد بن عبادة، أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد استقر هؤلاء بالقرب من سرقسطة، وفي مناطق أخرى من الأندلس، مثل شذونة، وقرطبة (12). كما سكن جماعة منهم في شرق الأندلس، في منطقة شارقة Jerica ( في محافظة قسطليون الحالية)، وكان لهم قلعة تسمى بقلعة الأشراف (13). ويرجع حكام غرناطة، آخر الممالك الإسلامية في الأندلس، في أصلهم

(9) تاريخ افتتاح الأندلس، ص 12 - 13.

(10)

الطبري، تاريخ الرسل والملوك. نشر: دي غويه، ليدن، 1879 - 1901؛ 2/ 1306 - 1307.

(11)

الأنصاري، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، تحقيق: محمد بن شريفة، بيروت، بدون تاريخ، قدا: 1/ 223؛ الإحاطة: 1/ 182.

(12)

ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، القاهرة، 1962، ص 365 - 366.

(13)

ابن الآبار، التكملة لكتاب الصلة، نشر عزة العطار، القاهرة، 1955 - 1956: 1/ 44، 423، 2/ 551 - 512.

ص: 67

إلى شجرة نسب الأسرة التي تنتمي إلى قيس بن سعد بن عبادة، وقد سكن هؤلاء بالأصل في منطقة أرجونة في محافظة جيان الحالية (14).

واستقر مدنيون آخرون من الأوس والخزرج في مناطق مختلفة من شبه الجزيرة، من هؤلاء بنو خبيب، وبنو قطين الذين استقروا في قرية قرب قبرة Cabra، التي تبعد نحو سبعين كيلومتراً جنوب غربي قرطبة (15). ومن الأماكن الأخرى التي اختارها الأنصار للسكن، قلعة رباح Castillo de Calatrava la Vieja، ووادي الحجارة Guadalajara وشلب Silves جنوبي البرتغال الحالية (16).

وقد تركز الأزد في منطقة تدمير في محافظة مرسية Murcia الحالية. وكان أحد زعمائهم الكبار، يعيش بن عبد الله الأزدي، أحد القادة المرافقين لعبد العزيز بن موسى، والذي شهد على معاهدة الصلح التي عقدت بين المسلمين وتدمير Theodemir (17) . وسكن بنو دوس، وهم فرع في الأزد، في تدمير أيضاً، وكان من أشهرهم قوم يعرفون ببني هارون (18). واستقر أزديون آخرون في مناطق أخرى مثل بني وهيب في لورة Illora ثم اشبيلية، وبني المهلب بن أبي صفرة في شون Jun قرب غرناطة، وفي منطقة أخرى قرب جيان (19).

أما رجال القبائل من غافق، فقد استقروا على طول الطريق التي سلكتها حملة موسى بن نصير، مثل الجزيرة الخضراء، وشذونة في الجنوب، وسرقسطة في الشمال الشرقي (20). ولكن تجمعات سكناهم الرئيسة كانت في مناطق اشبيلية، وقرطبة وإلى حد ما في طليطلة والبيرة. وكان إقليم الشرف Aljarafe، الذي يقع إلى الغرب من اشبيلية، موطناً للعديد من الغافقيين. ومن هؤلاء عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي والي الأندلس

(14) ابن الخطيب، الإحاطة: 1/ 377، 2/ 13؛ المقري، نفح الطيب 1/ 294، 447.

(15)

جمهرة الأنساب، ص 363؛ الحميري، ص 149 - 150؛ ابن عذاري: 2/ 34.

(16)

جمهرة الأنساب، ص 341؛ الأنصاري، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، 1964، 6/ 33 - 34؛ ابن سعيد، المغرب في حلى المغرب، تحقيق: شوقي ضيف، القاهرة، 1964: 2/ 26.

(17)

العذري، ص 5.

(18)

جمهرة الأنساب، ص 383.

(19)

التكملة لكتاب الصلة، نشر الأركون، ص 360؛ التكملة، ط القاهرة: 1/ 368، الإحاطة: 1/ 129، 320، 2/ 293؛ المقري: 1/ 293.

(20)

ابن الفرضي، تاريخ علماء الأندلس، القاهرة، 1966، ق 1، ص 323، 300، ق 2، ص 169 - 170؛ التكملة، ط القاهرة، 1/ 199 - 200.

ص: 68

الذي استشهد في معركة بلاط الشهداء، وقد استمر أعقابه في العيش غربي اشبيلية على ضفة نهر الوادي الكبير (21).

وهناك منطقة أخرى لاستقرار عشيرة غافق تقع إلى الشمال من قرطبة (22). وإلى الشمال الغربي من هذا المكان كان يقع حصن يدعى بحصن غافق مما يشير إلى استقرار عدد كبير من هذه العشيرة، وقد برز من هؤلاء قاضيان مشهوران في عهد الإمارة، وهما سعيد بن سليمان الغافقي، وسليمان بن أسود الغافقي (23). ومن المناطق الأخرى لاستقرار هذه العشيرة، قرية الغافقيين قرب طليطلة (24)، وقرية الملاّحة La Mala جنوبي غرناطة التي كانت تشتهر بكونها منجماً للملح (25).

ومن القبائل اليمنية الأخرى التي رافقت حملة موسى بن نصير لخم وجذام.

وينتمي إلى القبيلة الأولى التي استقرت في مناطق مختلفة، مثل شرق الأندلس واشبيلية، أيوب بن حبيب اللخمي، ابن أخت موسى بن نصير، الذي أصبح والياً على الأندلس بعد مقتل عبد العزيز بن موسى. وقد استقر في اشبيلية، ولكن بعض أحفاده انتقلوا إلى كورة رية (محافظة مالقة الحالية)(26). ويبدو أن قادة عديدين من هذه العشيرة كانوا بمعية موسى بن نصير أثناء مجيئه إلى الأندلس، منهم بشر بن قيس اللخمي الذي وقع على معاهدة الصلح مع تدمير (27)، وعبد الرحمن بن كثير اللخمي، الذي اختاره أهل الأندلس لتولي النظر في الأحكام بعد وفاة الوالي ثوابة بن سلامة الجذامي (28)، وعبد الرحمن بن علقمة اللخمي الذي أصبح حاكماً على أربونة في أثناء ولاية عبد الملك بن قطن الفهري، ولعب دوراً مهماً في الصراع مع بلج بن بشر القشيري (29).

أما عشيرة جذام، فقد استقرت في تدمير، وقلعة رباح (30)، والثغر الأعلى. وقد

(21) ابن القوطية، ص 13 - 76؛ جمهرة الأنساب، ص 229.

(22)

المصدر نفسه، ص 328 - 329.

(23)

ابن القوطية، ص 59، 72؛ الخشني، قضاة قرطبة وعلماء أفريقية، نشر: عزت العطار، القاهرة، 1952، ص 92 - 94؛ ابن الفرضي، ق 1، ص 158 - 162.

(24)

التكملة، ط الطاهرة: 1/ 319. انظر أيضاً: الخشني، قضاة قرطبة، ص 18.

(25)

التكملة، ط القاهرة: 2/ 609 - 610؛ الأنصاري: 6/ 431 فما بعدها؛ الإحاطة: 1/ 129.

(26)

ابن القوطية، ص 12.

(27)

العذاري، ص 5.

(28)

ابن عذاري، البيان المغرب: 2/ 35.

(29)

ابن القوطية، ص 16 - 17؛ أخبار مجموعة، ص 43 - 44؛ ابن عذاري، 2/ 32.

(30)

جمهرة الأنساب، ص 420 - 421؛ المقري: 1/ 296.

ص: 69

استقر بنو هود، الذين حكموا سرقسطة في عصر ملوك الطوائف، في المنطقة الأخرى وهم ينتمون إلى هود الجذامي، الذي هو الداخل الأول من هذه العشيرة إلى الأندلس، وسكنت جماعات أخرى من بني هود في كورة البيرة في إقليم غني سمي باسمهم إقليم بني هود (31).

أما عشيرة معافر، فتعد من أولى العشائر العربية التي استقرت في الأندلس. وقد جاءت هذه العشيرة مع حملة طارق بن زياد، وكانت بقيادة عبد الملك بن أبي عامر المعافري، الذي لعب دوراً بارزاً في افتتاح الجزيرة الخضراء وحصن قرطاجنة. وقد استقر هو وأتباعه في الجزيرة الخضراء، وبعد ذلك انتشر أعقابه في البلاد، ومنهم الوزير المشهور والحاجب ابن أبي عامر المنصور (32). وينتمي إلى عشيرة معافر أسر عريقة أخرى في الأندلس، مثل بنو جحاف في بلنسية، وبنو منخل في جيان (33)، وبنو شراحيل في قرطبة (34). وكانت إحدى القرى التي تقع إلى الجنوب من إشبيلية تعد من أهم أماكن استقرار هذه العشيرة، وقد سميت باسمها "قرية كنتش معافر"(35). ويبدو أن هؤلاء جاؤوا بعد الفتح، وأُقطعوا أراضي من خمس الخلافة. ويدل على ذلك أن كلمة "كنتش" ما هي إلا تحريف للكلمة اللاتينية Quintus (Quinto بالاسبانية) التي تستعمل للدلالة على الخمس من ممتلكات أو مزارع الفرد (36).

وقد ضمت حملة موسى بن نصير مجموعة من رجال القبائل الذين ينتمون إلى عشيرة تجيب، وكانوا بقيادة قادة من أمثال سليمان بن قيس التجيبي الذي شهد على معاهدة الصلح مع تدمير (37). وقد سكن عدد كبير من هذه العشيرة في منطقة الثغر

(31) العذري، ص 90؛ ابن عذاري 3/ 221 فما بعدها، ابن سعيد: 2/ 219.

(32)

ابن الآبار، الحلة السيراء، تحقيق: حسين مؤنس، القاهرة، 1963: 1/ 268؛ التكملة، ط.

القاهرة: 1/ 359؛ ابن عذاري: 2/ 256 - 257.

(33)

جمهرة الأنساب، ص 419.

(34)

ابن القوطية، ص 53، 58؛ ابن سعيد: 1/ 43؛ الأنصاري: 4/ 105.

(35)

ابن القوطية، ص 64؛ ابن الفرضي، ق 1، ص 18.

(36)

F. J. Simonet، Glosario de voces ibericas Y latinas usadas entre los mozarabes.

Amsterdam، 1967، reprint of Madrid edition 1888، pp. 474-476.

وللاطلاع على المزيد من هذه المصطلحات الخاصة بالاستقرار، ودلالاتها، انظر؛ عبد الواحد طه، الفتح والاستقرار، ص 203 - 210، 223.

(37)

العذري، ص 5.

ص: 70

الأعلى في الشمال الشرقي، الذي أصبح الموطن الرئيس لتجيب في الأندلس، لا سيما سرقسطة، ودروقة، وقلعة أيوب (38). وقد برز من هؤلاء عميرة بن المهاجر وأخيه عبد الله بن المهاجر، وأصبح الأول حاكماً على مدينة برشلونة لمدة سنتين في أثناء الفترة المبكرة التي أعقبت الفتح (39). واستطاع بنو صمادح، الذين ينتمون إلى الأسرة نفسها، السيطرة على مدينة وشقة وما حولها (40). كما عاش بنو سلمة التجيبيون في هذه المدينة أيضاً (41).

وهناك عشائر يمنية أخرى استقرت في الأندلس، مثل خولان، الذين استقروا في كورة الجزيرة الخضراء حيث كان لهم قلعة تسمى بقلعة خولان خثعم (42)، حيث كانت شذونة موطناً رئيساً لاستقرارهم (43). أما بجيلة، فقد كان موطنها بالقرب من مدينة أربونة (44). وقد عاش عدد كبير من المراديين في قرطبة ومناطقها، حيث كان لهم غربي المدينة حصن يعرف باسمهم (45). وسكن الجد الأعلى لبني مزين، الذين ينتمون إلى عشيرة أود في أكشونبة Faro Ocsonaba جنوبي البرتغال الحالية، وقد استمرت هذه الأسرة بالعيش في هذه المنطقة واستطاعت أن تنفرد بحكمها في عصر الطوائف، حيث اتخذت من مدينتي باجة وشلب قاعدة لها (46). واستقرت منذ زمن الفتح أعداد كبيرة من عشيرة يحصب في القلعة الملكية التي أصحبت تعرف باسم قلعة يحصب (في محافظة جيان الحالية)(47).

وتعد عشيرة بليّ من العشائر القضاعية التي استقرت في الأندلس ضمن جماعة البلديين. وكان من زعماء هذه العشيرة زياد بن عذرة البلوي الذي شارك في عملية

(38) المصدر نفسه، ص 22؛ خليل السامرائي، الثغر الأعلى، ص 286، 291 - 292.

(39)

جمهرة الأنساب، ص 430 - 431؛ ابن الآبار، الحلة السيراء، تحقيق حسين مؤنس، القاهرة، 1963، 2/ 78 - 79.

(40)

جمهرة الأنساب، ص 431؛ العذري، ص 73، 84.

(41)

المصدر نفسه، ص 27، 57، 60.

(42)

جمهرة الأنساب، ص 418؛ المقري: 1/ 296.

(43)

جمهرة الأنساب، ص 392؛ المقري: 1/ 296.

(44)

جمهرة الأنساب، ص 390.

(45)

ياقوت، معجم البلدان: 1/ 92؛ ابن سعيد: 1/ 232؛ المقري: 11/ 295.

(46)

ابن حيان، المقتبس، تحقيق، محمود علي مكي، بيروت، 1975، ص 79؛ ابن عذاري: 3/ 192 - 193.

(47)

جمهرة الأنساب، ص 406؛ التكملة، ط. القاهرة: 1/ 211.

ص: 71

اغتيال عبد العزيز بن موسى (48). وقد استقرت هذه العشيرة إلى الشمال الغربي من قرطبة في مكان سُمي بلّي على اسمهم يقع في فحص البلوط، الذي كان يشتهر بموارده الغنية؛ لا سيما البلوط والزئبق (49). واستقرت عشيرة خشين القضاعية في أماكن مختلفة لا سيما في الجنوب، حيث كان لهم مكان يسمى بجزء خشين (50). أما عشيرة عذرة، فكان موطنها الرئيس في ولاية Dalias في محافظة المرية الحالية (51)، وفي الثغر الأعلى، لا سيما في سرقسطة (52). وكان لهذه العشيرة مناطق وقرى بالقرب من المرية من أهمها جزء زغيبة بن قطبة وياسين بن يحيى العذريين (53)، وقرية عذرة (54). وإلى هذه العشيرة ينتمي الجغرافي العربي المعروف، أحمد بن أنس العذري، صاحب كتاب ترصيع الأخبار وتنويع الآثار.

أما البلديون من مضر فكانوا ينتمون إلى عشائر مختلفة، مثل هذيل الذين استقروا في أوريولة Orihuela في محافظة مرسية الحالية (55)، وفي سرقسطة ومناطق أخرى من الشمال الشرقي (56). وكذلك تميم، الذين استقروا في اشبيلية وفي منطقة قرب طلبيرة إلى الغرب من طليطلة، تسمى زبارقة، نسبة إلى الزبرقان بن بدر، إحدى شخصيات تميم المشهورة (57).

وكان بعض زعماء قريش من أهم المضريين الذين رافقوا حملة موسى بن نصير، وتولوا فيها مناصب قيادية مهمة. وينتمي هؤلاء إلى فهر، وزهرة، وعبد الدار، وعدي ابن كعب، وسهم، وغيرها من أمهات العشائر القرشية. ولقد أنجبت فهر اثنين من أشهر ولاة الأندلس، وهما عبد الملك بن قطن الفهري، ويوسف بن عبد الرحمن الفهري، وقد استقر الثاني في البيرة، ثم انتقل إلى قرطبة حينما أصبح والياً للبلاد (58). وبرز من

(48) ابن عذاري: 2/ 24.

(49)

جمهرة الأنساب، ص 443، الحميري، ص 142.

(50)

العذري، ص 120.

(51)

جمهرة الأنساب، ص 450.

(52)

المصدر نفسه، ص 450؛ التكملة، ط. القاهرة: 1/ 365.

(53)

العذري، ص 90.

(54)

الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، نشر دوزي ودي غويه، ليدن، 1866، ص 198.

(55)

المقري (برواية ابن غالب): 1/ 1291.

(56)

ابن الفرضي، ق 1، ص 128؛ الضبي، بغية الملتمس، ص 261.

(57)

جمهرة الأنساب، ص 219.

(58)

ابن عذاري: 2/ 36 - 37؛ المقري (برواية الرازي)؛ 3/ 25.

ص: 72

ذرية الأول أسر كبيرة في الأندلس، أشهرها بيت الجد الأعيان في اشبيلية ونبلة (59).

أما بنو زهرة، فقد دخل منهم عبد الجبار بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، الذي كان على قيادة ميسرة جيش موسى بن نصير في أثناء فتح الأندلس، وهو أول من استقر في مدينة باجة في جنوب البرتغال، وسكنت ذريته في هذه المدينة، وفي بطليوس، واشبيلية (60). كما استقرت جماعات أخرى من زهرة أيضاً في سرقسطة في الشمال الشرقي (61).

ودخل الأندلس من بني عبد الدار، رجل شهير يدعى عامر بن عمرو بن وهب العبدري، الذي اتخذ مسكنه غربي قرطبة، قرب إحدى بواباتها التي سميت باسمه، باب عامر. وقد عاش أحفاده في منطقة سرقسطة فى قرية يقال لها قربلان (62). وتشير بعض المصادر إلى استقرار بعض الأفراد من عشيرة عدي بن كعب، الذين ينتمون إلى ذرية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان موطن هؤلاء الأول، هو طليطلة (63).

ومن البلديين أيضاً عشائر متفرقة من قيس، أشهرها فهم، التي كان لها موطن بالقرب من طليطلة يدعى (الفهميون)(64). وكذلك سُليّم، الذين استقروا في بلفيق في محافظة المرية (65). وبعض من أفراد عبس وذبيان، حيث سكن قسم من العبسيين في أبذة Ubeda في محافظة جيان الحالية (66). أما البلديون من قبائل ربيعة، فقد كانوا قلة، ومن أشهرهم جماعة سعدون الربعي، الذي رافق حملة عبد العزيز بن موسى إلى تدمير، وشهد على وثيقة الصلح مع قائدها القوطي، وربما سكن هو وعشيرته في هذه المنطقة (67).

(59) التكملة، ط. القاهرة 2/ 542 - 543؛ ابن سعيد: 1/ 340؛ المقري: 1/ 291، 3/ 18.

(60)

جمهرة الأنساب، ص 132، المقري: 1/ 290، 3/ 11، 64، التكملة، ط. القاهرة: 1/ 179.

(61)

الحميدي، ص 200؛ ابن الفرضي، ق 1، ص 108، 290.

(62)

ابن القوطية، ص 23، 26، جمهرة الأنساب، ص 126 - 127؛ فتح الأندلس، ص 46.

(63)

جمهرة الأنساب، ص 154! أخبار مجموعة، ص 101، 105؛ ابن عذاري: 2/ 53.

(64)

ياقوت: 4/ 381.

(65)

الإحاطة: 2/ 143؛ التكملة، ط. القاهرة: 1/ 166.

(66)

انظر: عبد الواحد طه، الفتح والاستقرار، ص 238.

(67)

العذري، ص5.

ص: 73

الشاميون:

وهؤلاء بالأصل من القبائل العربية التي كانت ساكنة في بلاد الشام، أرسلها الخليفة الأموي، هشام بن عبد الملك، إلى شمال أفريقيا للقضاء على تمرد البربر هناك. وكان هؤلاء الشاميون بقيادة كلثوم بن عياض القشيري، ويبلغ عددهم نحو ثلاثين ألف رجل.

وقد استطاع البربر أن يهزموهم، ويقتلوا قائدهم كلثوم مع العديد من القواد الآخرين في معركة بقدورة بالقرب من نهر سبو (124 هـ/741 م). أما الناجون من الشاميين، فقد توجهوا بقيادة بلج بن بشر، ابن أخي كلثوم، إلى جهة المغرب، حيث دخلوا مدينة سبتة وتحصنوا فيها. وقد حاصرهم البربر لمدة بضعة أشهر، وخربوا المناطق المحيطة بالمدينة، وأقفروا ما حولها مسيرة يومين، حتى كاد بلج وأتباعه الذين كانوا يبلغون نحو عشرة آلاف رجل، أن يهلكوا من قلة موارد العيش. وأصبحت حالتهم في سبتة تعيسة للغاية، فاضطروا إلى أكل دوابهم، وأضحوا على شفا الموت جوعاً (68).

وكانت الأندلس في تلك الأثناء يحكمها الوالي عبد الملك بن قطن الفهري. وقد التمس بلج بن بشر عدة مرات من عبد الملك بن قطن، أن يسمح له ولرجاله بالعبور إلى الأندلس، ولكن الأخير امتنع عن السماح للقادمين الجدد بالدخول، ورفض طلب بلج، وكان عبد الملك بن قطن وكبار رجال البلديين، يخشون من دخول الشاميين واحتمال قيام بلج بن بشر بإبعاد عبد الملك عن ولاية الأندلس، التي كانوا يعدونها، كما أسلفنا، بلدهم الخاص بهم، ولا يسمحون باستقرار عشرة آلاف رجل آخر في أراضيهم التي افتتحوها بأنفسهم. وهكذا رفض عبد الملك بن قطن كل التماسات أهل الشام، كما منع إرسال أية تموينات إليهم، وعاقب بقسوة أولئك الذين تجرأوا على شحن الأطعمة للشاميين (69).

لكن تطور الأحداث في الأندلس ذاتها، اضطر عبد الملك بن قطن إلى تغيير رأيه. فقد أثرت أحداث شمال أفريقيا على الأندلس، وقام البربر بالتمرد على العرب في هذه الولاية أيضاً. وعندما فشلت قوات عبد الملك الخاصة بالقضاء على هذا التمرد، أيقن أنه لا خيار له من أجل التغلب على البربر، إلا بالسماح بدخول الشاميين إلى الأندلس. فعقد معهم اتفاقاً، كان على الشاميين بموجبه أن يسلموا إليه عشرة

(68) أخبار مجموعة، ص 35، 37؛ ابن عذاري: 1/ 55 - 56، ج 2، ص 30؛ المقري: 3/ 20.

(69)

أخبار مجموعة، ص 38؛ المقري: 3/ 20.

ص: 74

رهائن من كل جند لضمان مغادرتهم الأندلس خلال سنة واحدة، بعد أن يكونوا قد هزموا البربر. وبالمقابل فقد تعهد عبد الملك بنقلهم أثناء عودتهم إلى شمال أفريقيا في مجموعة واحدة، دون أن يفصلهم، أو يعرضهم لخطر البربر في شمال أفريقيا. فعبر بلج ورجاله، واستطاعوا أن ينتصروا بسرعة على البربر في الأندلس، ثم رفضوا أن يغادروا البلاد. ومن هنا فقد قام صراع مرير بين المستقرين الأوائل، أو البلديين، وبين الشاميين، استمر حتى وصول والٍ جديد للأندلس، هو أبو الخطار الحسام بن ضرار الكلبي، سنة 125 هـ/742 م.

لقد كان على علي بن أبي الخطار أن يعمل على إيجاد جو مناسب لاستقرار الشاميين في البلاد، ولم تكن هذه المهمة سهلة، لأن قرطبة كانت قد ازدحمت كثيراً، والبلديون يطالبون بانسحاب الشاميين وإخراجهم من البلاد، ولحل هذه المشكلة قرر أبو الخطار أن يمنح الشاميين إقطاعات من الأرض، في مناطق لم يستقر فيها البلديون بعد، تقع في كور معينة من الأندلس، وبهذا يتمكن الشاميون من الاستقرار تحت إمرة زعمائهم، وأن يكونوا جاهزين للجهاد والخدمة في الجيش العربي وقت الحاجة (70).

وقد جرى توزيع الشاميين واستقرارهم في الأندلس على غرار تجمعاتهم السابقة في بلاد الشام، أي نظام الجند. وقد تحرى أبو الخطار أن يكون استقرار كل مجموعة في مكان يحمل بعض التشابه للجند الأصلي الذي كانت تنتمي إليه في بلاد الشام. ومن هنا، فقد استقر جند دمشق في البيرة، وجند حمص في اشبيلية ونبلة، وجند قنسرين في جيان، ووزع جند فلسطين بين شذونة والجزيرة الخضراء، وجند الأردن في رية (محافظة مالقة الحالية)، أما جند مصر، فقد قسم إلى قسمين، وزع الأول على أكشونبة Ocsonaba (Faro) ، وباجة في جنوب البرتغال الحالية، والثاني في تدمير (محافظة مرسية الحالية)(71). أما أولئك الشاميون الذين سكنوا في مناطق مختلفة مع البلديين، قبل ترتيبات الاستقرار التي وضعها أبو الخطار، فقد بقوا في أماكنهم الأولى، ولهذا سموا بالشاذة، لأنهم شذوا في أماكن استقرارهم عن بقية إخوانهم الشاميين (72).

وباستثناء كورة تدمير، لا تتوفر لدينا معلومات تشير إلى أن أياً من أماكن الاستقرار

(70) الإحاطة (برواية ابن حيان):1/ 102 - 103.

(71)

انظر: ابن القوطية، ص 20؛ أخبار مجموعة، ص 46، ابن عذاري: 2/ 33؛ الإحاطة: 1/ 102 - 104.

(72)

المصدر نفسه: 1/ 104.

ص: 75

هذه قد تم الاستيلاء عليها نتيجة معاهدات صلح عقدت بين العرب وأهل البلاد. ولكن يبدو من الواضح في زمن الوالي أبي الخطار، أن السكان المحليين كانوا يمتلكون معظم هذه المناطق. وكان البلديون، بطبيعة الحال، قد افتتحوا بعض هذه المناطق عنوة، ولكن من المحتمل جداً أن السكان المحليين استمروا في الاحتفاظ ببقية هذه الأراضي.

ويعود هذا إلى قلة عدد المسلمين الفاتحين الأوائل، وإلى حصانة مواقع بعض هذه الأماكن. ولكن وصول الشاميين غير ميزان القوى في البلاد لصالح المسلمين، ومن هنا فلم تكن هناك مشكلة أمام أبي الخطار لإنهاء اتفاقية عبد العزيز - تدمير في منطقة مرسية، ولتوزيع أجزاء من الأراضي التي كانت ما تزال بيد السكان المحليين على الجنود الشاميين في الكور المذكورة أعلاه، والتي أصبحت منذ ذلك الوقت تسمى بالكور المجندة. وكانت تنظيمات أبي الخطار تنص أن يكون للشاميين ثلثا الأراضي والمزارع التي يستقرون فيها، ويبقى الثلث الآخر للسكان المحليين الذين استمروا في الزراعة والعمل على ازدهار قراهم وأراضيهم (73).

لم يكن الشاميون مطالبين بالقيام بأية التزامات أخرى ما عدا الخدمة في الجيش، والاستعداد للجهاد عند الحاجة. وكانوا معفين من أداء العشور على الأراضي التي يقيمون عليها، بينما كان يتوجب على البلديين، وبقية المسلمين الآخرين دفع هذه الضريبة. وفي العهود اللاحقة، أثناء فترة الإمارة وعصر الخلافة، حصل الشاميون على امتيازات أخرى على حساب البلديين، الذين ابتدأوا يفقدون بالتدريج سيادتهم الأولى منذ دخول الشاميين إلى الأندلس (74). وكان هؤلاء الشاميون يتألفون من ثمانية آلاف عربي، ونحو ألفين من الموالي. وينتمي العرب إلى مختلف عشائر اليمن وقيس ومضر وربيعة. أما الموالي فكانوا ينتمون إما إلى أصول بيزنطية، أو بربرية وشمال افريقية. وقد أصبح هؤلاء الموالي الذين دخلوا مع الشاميين يُسمّون بالموالي الشاميين، بينما أطلق على الآخرين الذين دخلوا مع البلديين اسم الموالي البلديين. وبما أن الكثير من موالي المجموعة الأولى كانوا على اتصال وثيق بالأسرة الأموية الحاكمة، فقد عرفوا أيضاً باسم موالي بني أمية (75). وقد تركز استقرار هؤلاء الموالي في كورتي البيرة وجيان، ومما يدل

(73) انظر: الحميري، ص 36؛ الإحاطة: 1/ 102، 103، 107.

(74)

المصدر نفسه: 1/ 104 - 105.

(75)

انظر: ابن حيان، المقتبس، تحقيق: محمود علي مكي، ص 196، 197،

ابن الآبار، الحلة السيراء، 1/ 201؛ أخبار مجموعة، ص 66، 70، 71، 82، 86، 87، 91، 92.

ص: 76

على كثرة عددهم في كورة البيرة، إطلاق اسمهم على أحد وديانها الذي كان يعرف باسم وادي بني أمية (76).

أما بالنسبة إلى العشائر العربية الشامية، فقد استقر العديد منها في كورة البيرة، وبشكل خاص القيسيين. ومن هؤلاء، عشائر محارب، وهوازن، وغطفان، وكعب بن عامر، وقشير، ونمير، ومرّة، وفزارة، وسليم (77). كما استقر أيضاً في منطقة البيرة بعض الأفراد الذين ينتمون إلى قبائل مضرية وربيعيّة، ولكن عددهم لم يكن كثيراً. أما أهم القبائل اليمنية التي استقرت في البيرة وما يجاورها، فهي قبيلة همدان، التي كان بحوزتها إقليم كامل سمي بإقليم همدان، الذي يقع بالقرب من غرناطة (78). وقد استقرت بعض الجماعات التي تنتمي إلى غسان أيضاً في منطقة البيرة، حيث كانت لهم قرية تدعى بقرية غسان (79). كما استقر قسم من هؤلاء أيضاً في منطقة أخرى تدعى بوادي آش (80).

لقد كانت القبائل اليمنية تشكل أغلبية جند حمص وفلسطين والأردن، ومن هنا فقد كان تركزها كبيراً في كل من إشبيلية، ونبلة، وشذونة، ورية (81). وتعد عشيرة لخم من أشهر العشائر اليمنية التي استقرت في كل من إشبيلية وشذونة والجزيرة الخضراء (82). وإلى هذه العشيرة ينتمي آل عباد الذين سيطروا على إشبيلية في عصر دول الطوائف (83). وبرزت من هذه العشيرة أيضاً أسر كبيرة لعبت دوراً مهماً في تاريخ منطقة إشبيلية وقرمونة، مثل بنو حجاج، وبنو مسلمة (84).

وكانت كلب العشيرة القضاعية الرئيسة في جند حمص، واستقر أفرادها في إشبيلية

(76) العذري، ص 92.

(77)

جمهرة الأنساب، ص 265، 280، 290؛ أخبار مجموعة، ص 65؛ الحلة السيراء: 1/ 154 - 155؛ التكملة، ط. القاهرة: 1/ 253، 337، 2/ 572؛ الإحاطة: 1/ 127، 135، 162 - 163، المقري: 1/ 292.

(78)

العذري، ص 90.

(79)

الإحاطة: 1/ 128.

(80)

ابن القوطية، ص 22.

(81)

أخبار مجموعة، ص 83.

(82)

جمهرة الأنساب، ص 424.

(83)

المصدر نفسه، ص 424؛ الحلة السيراء: 2/ 34 - 35؛ ابن عذاري: 3/ 193 - 195.

(84)

ابن القوطية، ص 6؛ جمهرة الأنساب، ص 424 - 425.

ص: 77

ونبلة ومورور، وبالقرب من المدور، حيث كان لهم منطقة تدعى بوادي الكلبيين (85).

أما عشائر حضرموت، فكانت تتركز في منطقة الشرف، غربي إشبيلية (86). كما استقر قسم منهم أيضاً في منطقة قرمونة التي تبعد نحو ثلاثين كيلومتراً إلى الشرق من إشبيلية. ويعد خالد بن عثمان بن هانئ، الذي يدعى أيضاً باسم خلدون، من كبار شخصيات حضرموت في قرمونة، وإليه ينتسب المؤرخ العربي المشهور ابن خلدون (87). ومن العشائر اليمنية الأخرى الشهيرة في منطقة إشبيلية، عشيرة يحصب التي كان يتزعمها أبو الصباح يحيى بن يحيى اليحصبي. وكان هذا يعد أيضاً شيخاً لكل العشائر اليمنية في غرب الأندلس، وقد اتخذ مسكنه في قرية تسمى مورة، وتقع في منطقة الشرف (88).

وكانت كلاب من أشهر العشائر القيسية التي استقرت في كورة جيان. ومن قادتها البارزين، الصميل بن حاتم الكلابي، الذي لعب دوراً مهماً في الأحداث في أثناء عصر الولاة (89). أما عشيرة عقيل، فقد استقرت أيضاً في هذه الكورة، وكانت بقيادة الحصين ابن الدجن العقيلي، الذي كان في الوقت نفسه زعيماً لكل العشائر التي تنتمي إلى كعب ابن عامر في جند قنسرين في جيان (90).

ومن العشائر المضرية التي استقرت في جيان، عشيرة أسد بن خزيمة، التي سكن بعض أفرادها في مكان يدعى وادي عبد الله في كورة جيان (91). وكذلك عشيرة كنانة، التي عاشت في مكان سمي أيضاً (كنانة) نسبة إلى اسم العشيرة (92). وتعد يعمر العشيرة الرئيسة التي تعود في أصلها إلى ربيعة في كورة جيان، وقد استقر أفرادها في منطقة أبدة إلى الشمال الشرقي من جيان (93). أما العشائر اليمنية، فكانت قليلة في كورة جيان، ومن أشهرها شعبان، وأصبح وطيء (94).

(85) العذري، ص 101.

(86)

ابن حيان، المقتبس، نشر: أنطونيا باريس، 1937، ص 69؛ التكملة، ط. القاهرة: 1/ 283.

(87)

جمهرة الأنساب، ص 460، ابن خلدون، التعريف بابن خلدون، منشور مع كتاب العبر، 7/ 795 - 796، 798.

(88)

جمهرة الأنساب؛ ص 460 - 461.

(89)

المصدر نفسه، ص 287 - 288؛ ابن القوطية؛ ص 40؛ أخبار مجموعة، ص 56.

(90)

المصدر نفسه، ص 44، 65.

(91)

جمهرة الأنساب؛ ص 192؛ ابن عذاري: 2/ 161.

(92)

أخبار مجموعة، ص 122 - 123؛ وانظر: عبد الواحد طه، الفتح والاستقرار، ص 261.

(93)

جمهرة الأنساب، ص 293، التكملة، ط. القاهرة: 1/ 110 - 111.

(94)

راجع عن هؤلاء: عبد الواحد طه. الفتح والاستقرار، ص 262 - 263.

ص: 78

ومن جهة أخرى كانت هذه العشائر اليمنية تكثر في جند فلسطين، حيث استقر العديد من أفرادها، لا سيما عشائر لخم وجذام، في منطقة شذونة والجزيرة الخضراء (95). ومن مشاهير جذام على سبيل المثال، ثوابة بن سلامة الجذامي، الذي أصبح أحد ولاة الأندلس (96). وتشكل القبائل اليمنية أيضاً غالبية جند الأردن الذين استقروا في رية (أي محافظة المرية الحالية). ومن هؤلاء أيضاً مجموعات من لخم، وجذام، وعاملة، ومذحج، ورعين (97). وبرز من عاملة، ثعلبة بن سلامة العاملي، الذي تولى قيادة الشاميين، وولاية الأندلس بعد وفاة بلج بن بشر القشيري سنة 124 هـ/ 741 م (98).

وكان معظم جند باجة يتألف من القبائل العربية التي كانت تسكن في مصر، ورافقت الشاميين إلى شمال أفريقيا، ومن ثم إلى الأندلس. وتعد عشيرتا يحصب ومعافر من أهم عشائر هذا الجند (99). ومن رجال يحصب البارزين، العلاء بن مغيث اليحصبي، الذي سيكون له شأن كبير في عهد عبد الرحمن الداخل (100). وبرز من معافر أيضاً عميد أسرتهم عمرو بن شراحيل المعافري، الذي استقر في باجة، ثم انتقل إلى قرطبة، بعد أن عينه عبد الرحمن الداخل قاضياً على هذه المدينة (101).

أما المجموعة الأخرى من جند مصر، فقد استقرت في تدمير، أي في محافظة مرسية الحالية، وإن أشهر عشائر هذا الجند غسان، ومنهم بنو الشيخ الذين استقروا في الشن Elche وما حولها (102). وكذلك بنو خطاب التدمريون الذين ينتمون إلى الأزد. وكان جدهم الأعلى عبد الجبار بن خطاب بن نذير قد سكن أولاً في قرطبة، قرب بوابة عُرفت باسمه، باب عبد الجبار، ولكنه انتقل إثر تنظيمات أبي الخطار إلى تدمير في

(95) جمهرة الأنساب، ص 421.

(96)

أخبار مجموعة، ص 57؛ فتح الأندلس، ص 38؛ ابن عذاري: 2/ 35.

(97)

انظر عن هؤلاء: عبد الواحد طه، المرجع السابق، ص 264 - 265.

(98)

ابن القوطية؛ ص 14، 17؛ جمهرة الأنساب، ص 419؛ أخبار مجموعة، ص 30، 44، 45 - 46.

(99)

لمزيد من التفصيلات عن جند باجة، انظر: عبد الواحد طه، المرجع السابق، ص 267.

(100)

ابن القوطية، ص 31 - 33؛ أخبار مجموعة، ص 102 - 103.

(101)

الخشني، قضاة قرطبة، ص 39، ابن الفرضي، ق 1، ص 318.

(102)

جمهرة الأنساب، ص 240؛ المقتبس، نشر: انطونيا، ص 21 - 22، العذري، ص 13 - 14، 142، ابن عذاري: 2/ 197.

ص: 79

الجنوب الشرقي من إسبانيا، حيث تزوج هناك من ابنة الحاكم القوطي الشهير تدمير. وعاش أتباع عبد الجبار وأعقابه في تدمير والمناطق المجاورة لها (103).

البربر:

لقد كان استقرار البربر الذين دخلوا الأندلس مع طارق بن زياد مماثلاً لاستقرار البلديين، أي أنهم سكنوا على امتداد الطريق التي سارت عليها حملات الفتح، وقد حاول بعض المستشرقين، وعلى رأسهم رينهارت دوزي R. Dozy، اتهام العرب بأنهم لم يكونوا عادلين في قسمتهم للأرض، فأعطوا البربر المناطق الجبلية القاحلة، وخصوا أنفسهم بالسهول الخصبة (104). ولا يمكن العثور في المصادر على ما يؤيد هذا الاتهام الذي لا أساس له من الصحة. فقد كان البربر هم الأغلبية الساحقة في جيش طارق بن زياد، وكذلك كانوا بأعداد لا بأس بها في جيش موسى بن نصير، فضلاً عن أن الكثير منهم عبروا إلى الأندلس بعد سماعهم بنبأ انتصار المسلمين على القوط. وهكذا فقد فاق البربر العرب بأعدادهم، ومن غير المحتمل أن يكون للعرب تأثير كبير على استقرار البربر في الأندلس. والواقع فإن استقرار العرب والبربر في الأماكن التي نزلوا فيها لأول مرة، كان يخضع لعامل الصدفة لا غير، إذ لم تكن لديهم فكرة واضحة في البداية عمّا ستكون عليه هذه الأماكن، وإن كان البربر أكثر اطلاعاً ومعرفة بالمنطقة بحكم معيشتهم في الشمال الأفريقي المجاور. ولهذا فقد كانوا في موقف أفضل لاختيار أحسن المناطق للاستقرار فيها. ويمكن تفسير وربط اختيارهم للمناطق الجبلية في الأندلس بالحقيقة التي توضح بأن عدداً كبيراً منهم عاشوا بالأصل في مناطق جبلية في شمال أفريقيا، ولهذا فليس من الغريب أن نجدهم يستقرون في الأماكن التي تشابه مناطق استقرارهم الأصلية (105).

وينتمي البربر الذين دخلوا الأندلس إلى العديد من قبائل البتر والبرانس في شمال

(103) العذري، ص 15 - 16؛ الحلة السيراء: 2/ 208، 311، المقتبس، نشر انطونيا، ص 38، التكملة، ط. القاهرة: 1/ 46، 290، 356.

(104)

دوزي، تاريخ مسلمي إسبانيا: 1/ 157.

(105)

انظر، عبد الواحد طه، المرجع السابق، ص 270 - 271؛ وللاطلاع على تفصيلات استقرار البربر، انظر المرجع نفسه، ص 270 فما بعدها؛ أيضاً عبد الواحد ذنون طه، استقرار القبائل البربرية في الأندلس، مجلة أوراق، يصدرها المعهد الاسباني - العربي للثقافة؛ العدد 4، مدريد، 1981.

ص: 80

أفريقيا، ولكن غالبيتهم كانت من قبيلة مصمودة وفروعها. أما الآخرون، فينتمون إلى القبائل الأخرى، مثل هوارة، ونفزة، وزناتة، ومكناسة، ومطغرة. وقد استقر هؤلاء بصورة عامة في مختلف أنحاء شبه الجزيرة الآيبيرية.

ففي الجنوب عاشت أعداد كبيرة منهم في الجزيرة الخضراء، وشذونه وإشبيلية، وقرطبة، ورندة، وجيان والبيرة. وكان لهم في الجزيرة الخضراء على سبيل المثال إقليم كامل يسمى بإقليم البربر (106). وكان للبربر من قبيلة مغيلة أيضاً إقليم آخر سمي باسمهم في كورة شذونة (107). أما هوارة، فقد استقر جماعة منها بالقرب من جيان وكان لهم حصن يدعى بحصن الهواريين (108). واتخذت قبيلة لماية البترية موطنها في رية في إقليم سمي بإقليم لماية (109). وسكنت مجموعات كبيرة من مصمودة ونفزة في المنطقة الجبلية المحيطة بمدينة رندة. والتي كانت تعرف باسم تاكرونا (110).

وكانت أهم مراكز استقرار البربر في الوسط والغرب، تتركز في طليطلة، والمناطق المحيطة بها (111). وكذلك في جبال المعدن Sierra de Almaden التي تقع إلى الجنوب من وادي آنة. وكانت هذه الجبال تدعى بجبال البرانس لأن غالبية سكانها من البربر البرانس (112). وفي المنطقة الغربية، التي كانت تعرف أيضاً بأرض الجوف سكن عدد كبير من البربر، وكان تركزهم فيها عالياً، حتى قيل بأن " أرض الجوف بلاد البربر "(113).

وكانت كل من ماردة ومادلين Medellin من أكثر المناطق ازدحاماً بالسكان من البربر (114). وقد استقر بنو دانس بن عوسجة من مصمودة في الأقسام الجنوبية من البرتغال في قصر أبي دانس، وكان هؤلاء يتاجرون بالملح المتوفر في منطقتهم (115).

وقد استقر العديد من البربر في الأقسام الشرقية من الأندلس، لا سيما في منطقتي

(106) العذري، ص 120.

(107)

المصدر نفسه، ص 113؛ جمهرة الأنساب، ص 499؛ ياقوت: 5/ 136.

(108)

ابن القوطية، ص 32، العذري، ص 21.

(109)

الحميري، ص 170.

(110)

جمهرة الأنساب، ص 500، فتح الأندلس، ص 53.

(111)

المقتبس، نشر: انطونيا، ص 292؛ التكملة، ط. القاهرة: 1/ 315.

(112)

المقتبس، تحقيق: مكي، ص 331، 615 (هامش 456)؛ الحميري، ص 142.

(113)

المقتبس، نشر، انطونيا، ص 139.

(114)

ابن القوطية، ص 67؛ أخبار مجموعة، ص 98، 131؛ فتح الأندلس، ص 35.

(115)

جمهرة الأنساب، ص 501؛ الحلة السيراء: 2/ 272 هامش (1)، الحميري، ص 161 - 162.

ص: 81

بلنسية وتدمير (مرسية)(116). وينتمي هؤلاء إلى قبائل من البتر والبرانس. وكان لبربر مصمودة الذين ينتمون إلى البرانس منطقة خاصة بهم بالقرب من بلنسية تدعى بجزء مصمودة (117). وقد أقام بعض البربر الذين ينتمون إلى صنهاجة في منطقة مرسية في مكان أطلق عليه اسم (الصنهاجيون)(118). وكان أحد أقاليم بلنسية يسمى بإقليم زناتة نسبة إلى هذه القبيلة البترية (119). وما يزال العديد من المواقع الأخرى في الأجزاء الشرقية من الأندلس يسمى نسبة إلى قبيلة زناتة، ولا سيما في محافظتي بلنسية، وقسطليون (120).

وتعد منطقة الشمال الشرقي إحدى أوسع أماكن الاستقرار للبربر في شبه الجزيرة الآيبيرية. وكانت المراكز المأهولة تتمثل بالمناطق التي تشمل وادي الحجارة، ومدينة سالم، وقلعة أيوب، وشنتبرية، ووبذة. حيث سكن في هذه المناطق قبائل تنتمي إلى مغيلة، ومصمودة (121). وسكنت جماعات من هوارة في منطقة شنتبرية بقيادة السمح بن ورد - حيقن الهواري، وهو الجد الأعلى لبني ذي النون الذين حكموا طليطلة في عصر الطوائف (122). وكان بنو رزين أيضاً ينتمون إلى قبيلة هوارة، وقد استقروا في المنطقة السهلة في محافظة تيروال الحالية، وحكموا المنطقة أيضاً في عصر الطوائف، وكانت عاصمتهم تدعى باسمهم بنو رزين Albarracin، وتقع إلى الغرب من مدينة تيروال الحالية (123). واستقرت قبائل أخرى عديدة في الشمال الشرقي، نذكر منها على سبيل المثال، مكناسة، حيث كانت منطقة تسمى باسمهم مكناسة على ضفاف نهر الأبرو (124).

(116) ابن الأثير، الكامل في التاريخ: 6/ 64، 117؛ الحلة السيراء: 1/ 257؛ ابن عذاري: 2/ 50، 56؛ ابن خلدون: 4/ 268.

(117)

العذري، ص 20.

(118)

البكري، المسالك، ص 128.

(119)

العذري، ص 20.

(120)

انظر: عبد الواحد طه، الفتح والاستقرار، ص 284.

(121)

مجهول، مفاخر البربر، ص 60، جمهرة الأنساب، ص 499، 501؛ المقتبس، تحقيق: مكي ص 79، 161 - 162؛ العذري، ص 44.

(122)

المقتبس، نشر: انطونيا، ص 18؛ العذري، ص 4، 15، جمهرة الأنساب، ص 499 - 500؛ ابن عذاري: 3/ 276 - 277.

(123)

المقتبس، تحقيق: مكي، ص 234؛ جمهرة الأنساب، ص 499، 500؛ الحلة السيراء: 2/ 109؛ ابن عذاري: 32/ 181 - 182.

(124)

الإدريسي، نزهة المشتاق، ص 190.

ص: 82

أما الشمال والشمال الغربي، فقد تميز أيضاً بوجود العديد من البربر المستقرين.

وكانت جليقية Galicia واستورقة، Astorga، وشرطانية Cerretania غربي جبال ألبرت من أهم أماكن الاستقرار (125). وكان القائد منوسة، الذي رافق طارق بن زياد، قد استقر في مدينة خيخون Gijon في الأشتوريش Asturias. ثم أصبح فيما بعد حاكماً على شرطانية، ومسؤولاً عن كل المنطقة التي تمتد من جبال ألبرت إلى المحيط الأطلسي (126). ومما يؤسف له عدم توفر المعلومات الكافية عن البربر المستقرين في هذه الأماكن النائية، باستثناء ما جاء في المصادر من أن عددهم كان كبيراً. ومع هذا فهناك دراسات لأسماء المواقع الجغرافية في المنطقة التي تحمل أسماء قبائل بربرية، ويمكن أن نستنتج من هذه الدراسات بعض المعلومات عن استقرار البربر في هذه الأماكن (127). ومن الجدير بالذكر أن معظم البربر الساكنين في هذه المنطقة تحولوا فيما بعد إلى الجنوب، أو عبروا إلى شمال أفريقيا، بسبب الصراع الداخلي، وازدياد وتنامي قوة المسيحيين في الشمال الغربي، بالإضافة إلى ظروف طبيعية أخرى تتعلق بتعرض هذه المناطق إلى الجفاف الشديد، مما أدى إلى حصول مجاعة وصلت ذروتها عام 136/ 753. فنزح معظم البربر إلى مناطق أخرى، وعبروا من وادي البرباط Barbate في كورة شذونة إلى شمال أفريقيا (128).

(125) أخبار مجموعة، ص 38، 39، 40؛ فتح الأندلس، ص 31؛ ابن عذاري 2/ 29، 30 - 31؛ المقري: 1/ 276.

(126)

The Chronicle of 754، p. 155 (no. 58) ; The Chronicle of Alfonso III، p. 612; cf:

Saavedra، op. cit.، p. 70.

(127)

انظر: عبد الواحد طه، الفتح والاستقرار، ص 289.

(128)

أخبار مجموعة، ص 61 - 62؛ فتح الأندلس، ص 43 - 44؛ ياقوت: 2/ 136؛ الحميري، ص 100.

ص: 83