المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولإدارة الوقت في القرآن الكريم - إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري

[خالد الجريسي]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالوقت وأهميته في الإسلام والإدارة

- ‌المبحث الأولالوقت وتحديد مفهومه

- ‌المبحث الثانيأهمية الوقت في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثالثأهمية الوقت في السُّنَّة المُطهَّرة

- ‌الفصل الثانيالوقت في الفكر الإداري

- ‌المبحث الأولالإدارة، وإدارة الوقت

- ‌المبحث الثانيالوقت في النظريات الإدارية

- ‌المبحث الثالثإدارة الوقت داخل العملية الإدارية

- ‌الفصل الثالثإدارة الوقت من منظور إسلامي

- ‌المبحث الأولإدارة الوقت في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثانيإدارة الوقت في السُّنَّة المُطهَّرة

- ‌الفصل الرابعواجبات المدير المسلم تجاه الوقت

- ‌المبحث الأولمضيعات الوقت

- ‌المبحث الثانيمسؤولية المسلم عن الوقت

- ‌الفصل الخامسالإدارة الفعالة للوقت

- ‌المبحث الأولالأدوات والوسائل المستخدمة لتنظيم وقت العمل وإدارته

- ‌المبحث الثانيمناهج الإدارة الفعالة للوقت

- ‌المبحث الثالثنحو منهج متطور لإدارة الوقت بفعالية

- ‌الفصل السادسدراسات تطبيقية في إدارة الوقت

- ‌المبحث الأولأهم الدراسات في إدارة الوقت

- ‌المبحث الثانيدراسة ميدانية لإدارة الوقت في القطاعالصناعي الخاص بالمملكة العربية السعودية

- ‌المراجع

الفصل: ‌المبحث الأولإدارة الوقت في القرآن الكريم

‌المبحث الأول

إدارة الوقت في القرآن الكريم

عرض القرآن الكريم في محكم آياته لوظائف الإدارة وأشار إليها في أكثر من موضع، ويمكن تناول ذلك - من خلال موضوع إدارة الوقت - ضمن المحاور الآتية:

أولاً: التخطيط

عرض القرآن الكريم لأنموذج بشري في التخطيط ذُكر في معرض الإقرار والثناء، جاء ذلك في سورة يوسف عليه السلام، في قوله تعالى:{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلأَُْ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤيَا تَعْبُرُونَ *قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَْحْلَامِ بِعَالِمِينَ *وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ *يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ *قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَاّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ *ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَاّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ *ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يُعْصِرُونَ} (1) .

إن هذه الآيات تدل على أن يوسف عليه السلام قد رسم خطة للسنوات المقبلة، وأن التخطيط لا ينافي التوكل، بل هو من باب الأخذ بالأسباب.

كما تشير الآيات الكريمات إلى أول موازنة تخطيطٍ مبنية على أسس

(1) سورة يوسف، الآيات 43-49.

ص: 73

علمية، وازن فيها يوسف عليه السلام بين إنتاج القمح من جهة، وتخزينه واستهلاكه في مصر الفرعونية مدة سنوات القحط وسنوات الرخاء من جهة أخرى، وتتضح أركان هذه الموازنة فيما يأتي (1) :

1-

الموازنة بين الإنتاج الزراعي والاستهلاك، بهدف تخطي أعوام القحط والجدب.

2-

إن اعتبار عنصر الزمن كان واضح المعالم من خلال عدد سنوات القحط وسنوات الرخاء؛ حيث تم إعداد خطتين سبعيتين للدولة.

3-

إن هذه الموازنة كانت بمثابة خطة طويلة الأجل امتدت أربعة عشر عاماً.

4-

استخدام الموازنة باعتبارها أداة رقابيةً لضمان تنفيذ الخطة بدقة.

إنه مخطط زمني وضعه يوسف عليه السلام بإلهام من الله عز وجل لكسب الوقت في سنوات الرخاء؛ وذلك بمضاعفة الناتج بأسلوب علمي للإفادة منه في سنوات الجدب.

وقد عرّف أحد الباحثين التخطيط من المنظور الإسلامي بأنه: "أسلوب عمل جماعي يأخذ بالأسباب لمواجهة توقعات مستقبلية، ويعتمد على منهج فكري عَقَدي يؤمن بالقدر ويتوكل على الله ويسعى لتحقيق هدف شرعي هو عبادة الله وتعمير الكون"(2) .

بينما عرَّفه آخر بأنه: "التفكر والتدبر بشكل فردي أو جماعي في أداء عمل مستقبلي مشروع، مع ربط ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم بذل الأسباب المشروعة في تحقيقه، مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدّره على النتائج"(3) .

(1) المطيري، حزام بن ماطر بن عويض، الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة، دن، الرياض، ط1، 1417هـ، ص 82 بتصرّف.

(2)

البنا، فرناس عبد الباسط، التخطيط: دراسة في مجال الإدارة الإسلامية وعلم الإدارة العامة، دن، دم، ط1، 1405هـ، ص85.

(3)

المطيري، حزام بن ماطر بن عويض، الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة، مرجع سابق، ص76.

ص: 74

ومن خلال استعراض هذين التعريفين نجد أن أولهما يحصر التخطيط في الجماعة، بينا نجد الآخر يشمل في تعريفه الفرد والجماعة، كما أنهما يتعرضان للعملية التخطيطية في الإدارة بشكل عام.

ويمكن للباحث - من خلال هذين التعريفين - تحديد مفهوم التخطيط في الإدارة الإسلامية، في إطار إدارة الوقت، ضمن المنهجية التي تتبناها الدراسة على أنه:(إعمال الفكر في رسم أهداف مشروعة، مع تحديد الوسائل المتاحة وفق الموارد المباحة شرعاً، وبذل الطاقات في استثمارها، لتحقيق الأهداف في أقل وقت ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره) .

فيكون هذا التعريف للتخطيط - في رأي الباحث - شاملاً لجميع مراحل العملية التخطيطية؛ بدءًا بالتدبر والتفكر، مروراً برسم الأهداف وتحديد الوسائل، واستثمار الموارد المتاحة لتحقيق الأهداف في إطار فترة زمنية محددة، وانتهاءً بتعليق النتائج بقضاء الله وتقديره.

وباستعراض بعضِ نصوص القرآن نجد أن أهم عناصر التخطيط الإسلامي هي:

1-

تحديد الأهداف:

يعدّ تحديد الأهداف من أبرز سمات التخطيط التي دعا إليها القرآن الكريم، إذ يقول المولى عز وجل:{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ *} (1) ولا شك بأن من يمشي إلى هدف وغاية هو أهدى ممن يخبط خبط عشواء.

2-

تحديد الأولويات:

بعد تحديد الأهداف يتم تحديد الأولويات، أي: ترتيب الأهداف حَسْب أهميتها الأهم فالأهم، وهذا مما يعين على كسب الوقت بإعطاء

(1) سورة الملك، الآية 22.

ص: 75

الأهداف ذات الأهمية الكبرى الأولوية في التنفيذ، فحين أمر المولى عز وجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالدعوة في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *} (1)، فإنه حدد له أولوية دعوة الأقربين من عشيرته بقوله:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *} (2) . وحين أمر سبحانه المسلم بالحذر من النار واتخاذ سبل الوقاية منها أمره أن يبدأ بنفسه ثم بأهله، وذلك في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (3) .

3-

استثمار جميع الموارد المتاحة:

يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ *} (4) . ويقول سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ *وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ *} (5) . هذه الموارد الكبرى التي ذكرت في هذه الآيات مما أحلّ الله استثماره، يتبوأ الوقت المنزلة الأهم من بينها، فهو أهم الموارد وأعظمها شأناً، وقد سخره الله لنفع الإنسان كما يفيده ظاهر الآيات المذكورة آنفا.

4-

بذل الأسباب والوسائل المشروعة:

تحقيق الأهداف لا يكون إلا بالسعي وبذل الأسباب في استثمار كافة الوسائل المتاحة، وفي ذلك يقول الله عز وجل:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (6) . لكن يُلحظ هنا أنه يتوجب على المسلم التحري في مشروعية الوسائل التي يستخدمها في تحقيق الأهداف، فالغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة.

(1) سورة المدثر، الآيتان 1-2.

(2)

سورة الشعراء، الآية 214.

(3)

سورة التحريم، الآية 6.

(4)

سورة الملك، الآية 15.

(5)

سورة إبراهيم، الآيات 32-34.

(6)

سورة الأنفال، الآية 60.

ص: 76

5-

تعليق النتائج بمشيئة الله:

من سمات التخطيط في الإسلام تحديد الأهداف وبذل الأسباب، والتوكل على الله بعد ذلك في تحقيق النتائج وتعليق ذلك بمشيئة الله وتقديره، قال تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (1) . والخطاب هنا يفيد عموم التوجيه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ولأُمَّته من بعده.

ثانياً: التنظيم

يعد التنظيم من أهم مقومات نجاح العمل الإداري وهو "وظيفة إدارية رئيسة، تسعى إلى تحديد كل النشاطات المباحة في المؤسسة، وتحديد أوجهها، ثم تقسيمها إلى مجموعات من الأعمال، يمكن إسناد كلٍّ منها إلى الشخص الذي تتوافر فيه صفات وشروط معينة، مع توضيح كل الحقوق والالتزامات، وكذلك العلاقات الداخلية بين الموظفين، رؤساء ومرؤوسين في المؤسسة، والمتعاملين معها من الخارج أفراداً ومؤسسات، في ضوء أحكام وتعليمات مصدرها الشريعة الإسلامية، وذلك من أجل تحقيق أهداف مشروعة"(2) .

وفي ضوء هذا التعريف للتنظيم يمكننا أن نتلمس أهم خصائصه في القرآن الكريم، وذلك من خلال المحاور الآتية:

1-

التنظيم الهرمي للوظائف:

لا تخلو مؤسسة إنتاجية أو خِدْميّة من وجود عدد من الموظفين مع تفاوت بينهم في الوظائف ما بين رئيس ومرؤوس، ومرجع ذلك إلى اختلاف متطلبات العمل الأمر الذي يؤدي إلى تفاوت الاختصاصات وتفاوت

(1) سورة الكهف، الآيتان 23 - 24.

(2)

المزجاجي، أحمد داود، التنظيم الإداري في الإسلام: مفهومه وخصائصه، مجلة جامعة الملك سعود، مجلد (3) ، العلوم الإدارية (1) ، ص (35-75) ، 1411هـ - 1991م، ص 39.

ص: 77

الخبرات والقدرات الوظيفية من موظف إلى آخر؛ ويشير القرآن الكريم إلى هذا التفاوت في قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (1)، أي: ليكون كلٌ منكم مسخراً لخدمة الآخر وسبباً في معاشه (2) . وفي ذلك يقول أبو العلاء المعرِّي:

الناس للناس من بدوٍ وحاضرة

بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدم (3)

ومن لوازم التسلسل الوظيفي طاعة المرؤوس للرئيس بالمعروف، لقول الله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً *} (4) .

2-

تقسيم العمل وتحديد الاختصاصات:

نلمس ذلك في قول الله عز وجل حكاية عن نبيِّه يوسف _ج: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ *} (5) ، حيث نجد أن يوسف عليه السلام " يرشح نفسه لمنصب يقابل وزير المالية أو التموين في عصرنا الحاضر، وهو منصب يتعلق بالأرقام والإحصاءات والأموال والتخطيط والتخزين والتوزيع، وكل هذه المهمات تحتاج إلى العلم والحفظ، وهما الصفتان اللتان أبرزهما يوسف في عرض مؤهلاته بطلب الترشيح للوظيفة"(6) . وهو قدّم الحفظَ على العلم لاشتماله على معنى العدل والأمانة، وهما أساس في الإدارة في المفهوم الإسلامي.

ومن ذلك أيضاً قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا

(1) سورة الزخرف، الآية 32.

(2)

انظر: القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1421هـ - 2000م، 1 - 20، ج 16 ص 83.

(3)

ابن خميس، عبد الله محمد، الشوارد، مطابع الفرزدق، الرياض، ط2، 1406هـ، ج 2 ص232.

(4)

سورة النساء، الآية 59.

(5)

سورة يوسف، الآية 55.

(6)

علي، مراد محمد، الأساليب الإدارية في الإسلام، دار الاعتصام، القاهرة، 1980م، ص56.

ص: 78

نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ *} (1) . وهذا يُعدّ نصاً في تقسيم المهمات، وتخصيص الأعمال، ففي الآية - كما ذكر المفسرون - توجيهٌ للمؤمنين بعدم الخروج للجهاد جميعاً، بل تخرج طائفة منهم وتبقى الأخرى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتفقه في الدين حتى إذا رجع إخوانهم من الجهاد أخبروهم بما تعلموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور دينهم (2) . أما قول الله تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (3) ، فهو يدل بوضوح على أن القدرة الإنسانية تقصر عن أداء عدد من المهمات في آن واحد، إذ ليس لأحد من الناس قلبان يعقل بهما كما روي في سبب نزول الآية أن رجلاً من قريش ادعى ذلك فنزلت الآية مُكذِّبة لزعمه (4) .

3-

التفويض:

إن توكيل بعض المهمات إلى المرؤوسين ومنحهم الصلاحيات اللازمة لتنفيذها، يعدّ خطوة مهمة نحو إدارة الوقت وتحقيق الأهداف. ومن المثل القرآني في ذلك قصة موسى عليه السلام حين كلفه الله بالرسالة وأمره بالذهاب إلى فرعون، فإنه عليه السلام حين شعر بعظم المهمة طلب من ربه أن يشدَّ عَضُده بأخيه هارون وأن يُشرِكه معه في الأمر، قال الله تعالى حكاية عنه:{وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي *هَارُونَ أَخِي *اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي *وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا *وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا *} (5) . فهذا موسى عليه السلام يطلب من ربه عز وجل أن يعِينه بأخيه هارون كي يساعده في تبليغ الرسالة العظيمة التي أُرسل بها ويشاطره في تبعاتها، وأن يكون له بمنزلة الوزير يستشيره ويستعين به في أموره (6) . كما نتلمس من خلال سياق هذه الآيات الإشارة إلى إعطاء المسؤول الحرية في اختيار مساعديه.

(1) سورة التوبة، الآية 122.

(2)

انظر: ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ت 774هـ، تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1406هـ، ج11 ص 415.

(3)

سورة الأحزاب، الآية 4.

(4)

انظر: الصابوني، محمد علي، ورضا، صالح أحمد، مختصر تفسير الطبري، عالم الكتب، ط1، 1415هـ-1985م، ج2 ص 272.

(5)

سورة طه، الآيات 29 - 34.

(6)

انظر: ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق، ج3 ص 154 - 155.

ص: 79

ومن التفويض أيضاً ما فعله ملك مصر مع يوسف عليه السلام حين فوضه بالقيام بمهمات حِفظ خزائن الدولة، وهذا يشبه إلى حد كبير منصب (وزير المالية) في عصرنا الحاضر، إذ منحه جميع الصلاحيات التي تخوله القيام بعمله وتنفيذ خطته الزراعية طويلة الأجل، وقد عبر الله عز وجل عن تلك الصلاحيات بقوله:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} (1) . "أي وطَّأْنا ليوسف في أرض مصر"(2) . فهو حر يتصرف كيف يشاء وفق الخطط والأهداف المرسومة، وهذه الحرية تتيح للمسؤول المناخ المناسب للإبداع والابتكار.

والإسلام ينظر إلى هذه الصلاحيات على أنها تشريف وتكليف في الوقت نفسه، فهي مما يُسأل عنه الإنسان، لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم:«كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته» (3) .

4 -

مراعاة حال العامل المُكلَّف:

وهذا مما يجب أخذه بالاعتبار عند تكليف شخص ما بعمل ما، فمن بدهيات نجاح العمل أن يُسند إلى الشخص الذي تتوافر فيه صفات تؤهله للقيام بمهمات هذا العمل، وفي قصة موسى عليه السلام إشارة إلى ذلك، فمن الأسباب التي دفعت ابنة شعيب _ج (4) أن تطلب من أبيها أن يستأجره ما لمست فيه من قوة وأمانة، كما جاء في قوله تعالى:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ *} (5) . فالقوة ضرورة للقيام بوظيفة الرَّعْي، كما أن الأمانة مهمة في حفظ المال وعدم الخيانة فيه.

كذلك من البدهيات ألَاّ يُكلف العامل بما لا يُتقِنه، وألاّ يُكلَّف بما لا يُطيق من الأعمال، يتجلى ذلك في قول الله تعالى:{لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَاّ وُسْعَهَا} (6) ؛ ذلك أن الإنسان إذا كُلِّف بما ليس في وسعه عجز حتمًا عن أدائه، وإن حاول تأديته فإنه يؤديه على وجهٍ فيه خلل وقصور.

(1) سورة يوسف، الآية 56.

(2)

الصابوني، محمد علي، ورضا، صالح أحمد، مختصر تفسير الطبري، مرجع سابق، ج1 ص569.

(3)

البخاري، محمد بن إسماعيل 194-256هـ، صحيح البخاري، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، 1419هـ-1998م، كتاب (11) ، باب (11) ، رقم الحديث (893) ، ص 179. والقشيري، مسلم بن الحجاج النيسابوري 206-261هـ، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، دت، كتاب (33) ، باب (5) ، رقم الحديث (1829) ، ج3 ص 1459.

(4)

اشتُهر عند الناس أن نبيَّ الله شعيب _ج، هو الشيخ الكبير - صاحب مدين -، والظاهر أنه غيره كما رجّح ذلك ابن كثير رحمه الله. انظر: تفسير القرآن العظيم ص1290، ط - بيت الأفكار.

(5)

سورة القصص، الآية 26.

(6)

سورة البقرة، الآية 233.

ص: 80

ثالثاً: التوجيه

وهو "الاتصال بالمرؤوسين وإرشادهم وترغيبهم في العمل لتحقيق الأهداف، فالتوجيه بهذا المعنى ينحصر في توجيه الآخرين ونصحهم وإرشادهم في أثناء قيامهم بتنفيذ الأعمال الموكلة إليهم، لذا فإن كلمة التوجيه الإداري هي بمثابة الوظيفة التنفيذية للإرشاد وملاحظة المرؤوسين"(1) . فالتوجيه هو الوظيفة التنفيذية للخطة الموضوعة وضمن التنظيم المعتمد.

وتبرز أهمية العملية التوجيهية في حياة المديرين والمسؤولين حين تأتي النتائج إيجابية، وتُقطف ثمار النصائح والتوجيهات الهادفة (التخطيط) ، فيشعر المدير أو المسؤول أن أحد موظفيه قد وصل إلى المنزلة المرموقة بفضل الله ثم بفضل توجيهاته وتوصياته وقيادته الهادفة.

وإن خير ما يتمثله المدير هو توجيه الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين والمسجل في القرآن الكريم كما في هذه الآية: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ *} (2) . فنرى أن هذه الآية تشتمل على جملة من توجيهات الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، والتي تُبرِز عناصر وظيفة التوجيه من اتصال وقيادة وتحفيز، ومن تلك التوجيهات ما يأتي:

1-

اللِّين الذي أظهره النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو من رحمة الله تعالى بعباده.

(1) البرعي، محمد عبد الله، وعابدين، عدنان حمدي، الإدارة في التراث الإسلامي، مرجع سابق، ج1 ص60 بتصرّف.

(2)

سورة آل عمران، الآية 159.

ص: 81

2-

عدم الفظاظة وغلظة القلب، وإلا لما وَجَد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحداً من الصحابة معه ولانفضوا وتفرقوا عنه.

3-

العفو عن أصحابه.

4-

الاستغفار والدعاء لهم.

5-

المشاورة في الأمور الدنيوية كافة.

6-

التوكل على الله بعد العزم.

وفي قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} (1)، وقوله:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *} (2) . توجيه كريم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بدفع الإساءة بالإحسان مع بيان ثمرة ذلك من كسب محبة الآخرين وموالاتهم وإخلاصهم، كذلك فإن في قوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ *} (3) توجيه صريحٌ من الله تعالى لنبيِّه بما يأتي:

1-

الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

2-

المجادلة بالتي هي أحسن.

وهذه التوجيهات صالحة لكل زمان ومكان، وباستطاعة المدير المسلم تطبيقها والاسترشاد بها في المجالات كلِّها، فهي ليست مقتصرة على الدعوة وحسب.

ويؤكد الإسلام على عامل التحفيز، فبالإضافة إلى اقتناع المكلف بعمله ثمة أمران يدفعان الإنسان إلى الإخلاص في أدائه: الرغبة في المكافأة والثواب، والخوف من المساءلة والعقاب، ومنهج الإسلام تمثل في مكافأة المحسن على قدر إحسانه، ومعاقبة المسيء على قدر إساءته، قال الله

(1) سورة المؤمنون، الآية 96.

(2)

سورة فصلت، الآية 34.

(3)

سورة النحل، الآية 125.

ص: 82

تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ *} (1) . وقال سبحانه وتعالى حكاية عن ذي القرنين: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا *وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا *} (2) .

رابعاً: الرقابة

إن العملية الإدارية لا تستقيم من غير توافر عنصر الرقابة أو المتابعة، وتعد الرقابة مرحلة مُكمِّلة لحسن الإدارة وهي "عملية متابعة دائمة تهدف أساساً إلى التأكد من أن الأعمال الإدارية تسير في اتجاه الأهداف المخطط لها بصورة مُرضية، كما تهدف إلى الكشف عن الأخطاء والانحرافات، ومن ثَمّ تصحيح تلك الأخطاء والانحرافات بعد تحديد المسؤول عنها ومحاسبته المحاسبة القانونية العادلة"(3) .

والرقابة في الإسلام تنبع من استشعار المسلم لمراقبة الله عز وجل له: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (4) ، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ *} (5) ، وغير ذلك من الآيات التي تقرر علم الله بخلقه ومراقبته لهم في كل صغيرة وكبيرة من تحركاتهم وتصرفاتهم، ومن خلجات أنفسهم ووسوسات صدورهم، قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ *} (6) . كما أن الرقابة في الإسلام تنبع من مفهوم المسؤولية الفردية والأمانة والعدل، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (7) .

(1) سورة الزلزلة، الآيتان 7-8.

(2)

سورة الكهف، الآيتان 87-88.

(3)

أبو سن، أحمد إبراهيم، الإدارة في الإسلام، دار الخريجي، الرياض، ط6، 1417هـ، ص146.

(4)

سورة النساء، الآية 1.

(5)

. سورة ق، الآية 18.

(6)

سورة سبأ، الآية 3.

(7)

سورة النساء، الآية 58.

ص: 83

والقرآن الكريم يدعو المسلم إلى تنمية الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس، كما في قول الله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ *} (1) . ويقول سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا *اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (2) .

فالإسلام يسعى إلى تنمية الرقابة الذاتية للفرد المسلم، ما يبعده عن الانحراف ويجعله ملتزماً أحكامَ الشرع الحنيف، ومع ذلك فإن النفس البشرية تبقى أمارة بالسوء ولا يخلو مجتمع ولا أمّة من الانحراف وتجاوز الحق، ما يستوجب دومًا وضع القواعد الرقابية والمحاسبية حماية للمجتمع من أن يستشري فيه الانحراف والفساد.

وذكر بعض الباحثين أن " الإسلام لم يضع قواعد تفصيلية للرقابة الإدارية، ولم يحدد الأشكال الواجب اتباعها لتحقيق هذه الرقابة، وإنما ترك الأمر للتجربة والظروف الاجتماعية والإدارية للمجتمع المسلم"(3) . ولعل المقصود بذلك نفي وضع الهياكل الرقابية كما هي عليه اليوم في المنشآت الإدارية، وإلا فإن الإسلام قد وضع كثيرًا من القواعد الرقابية والمحاسبية؛ سواء فيما يتعلق بحفظ الدين أو النفس أو العرض أو المال، فهو قد شرع الحدود والقصاص، كما شرع عقوبة التعزير فيما ليس فيه حد مُقدَّر من المخالفات، وترك للحاكم تقدير تلك العقوبة التي قد تصل أحيانًا إلى حد القتل.

وقد مارس النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصحابته الرقابة الإدارية كما سيأتي تفصيل ذلك في المبحث الثاني.

(1) سورة الزلزلة، الآيتان 7-8.

(2)

سورة الإسراء، الآيتان 13-14.

(3)

أبو سن، أحمد إبراهيم، الإدارة في الإسلام، مرجع سابق، ص 147.

ص: 84

أما في القرآن الكريم فقد قررت بعض نصوصه الرقابةَ الجماعية كما في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *} (1) . كما حذّر المولى عز وجل من ترك النهي عن المنكر بقوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *} (2) .

خامساً: اتخاذ القرارات

لا شك بأن حسن اتخاذ القرارات هو عامل مهم في إنجاح العملية الإدارية، ولا بد أن اتخاذ أي قرار ناجح هو معتمد أساسًا على توافر معلومات وافية يُبنى عليها هذا القرار. لذلك عاتب الله نبيَّه داود _ج عندما حكم بين رجلين فسمع لأحدهما ولم يسمع إلى الآخر، كما جاء ذلك في قوله تعالى:{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ *إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ *إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ *قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَاّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ *} (3) ، وقد علم داود _ج أن الأَوْلَى في حقه عند الحكم بين الناس أن يمنح كلَّ متخاصم فرصة للإدلاء بقوله وحجته؛ حيث إن وجه المسألة كلَّه أو بعضه قد يتغير، ما يؤثر في اتخاذ القرار المناسب.

كذلك نبيُّ الله سليمان _ج عندما افتقد الهدهد توعَّده بعذاب شديد، ولكنه استثنى في تنفيذ قرار العقوبة، وسبب استثنائه في ذلك أنه ليس لديه

(1) سورة آل عمران، الآية 104.

(2)

سورة المائدة، الآيتان 78-79.

(3)

سورة ص، الآيات 21 - 24.

ص: 85

معلومات وافية عن سبب تغيب ذلك الهدهد، وقد يكون سبب تغيُّبه وجيهًا، فيدرأ عنه تنفيذ قرار العقوبة، يقول الله تعالى:{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِي لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ *لأَُعِذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأََذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *} (1) .

والله عز وجل يوجِّه نبيَّه صلى الله عليه وسلم إلى مشاورة أصحابه، فإذا اتضح له بعد المشورة الأمرُ وجب عندئذ التوكل على الله في اتخاذ القرار اللازم بشأنه مع عدم التردد في ذلك، قال تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (2) .

(1) سورة النمل، الآيتان 20-21.

(2)

سورة آل عمران، الآية 159.

ص: 86