الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الوقت في النظريات الإدارية
برزت بشكل واضح في أوائل هذا القرن أهمية الوقت في نظريات الإدارة، وترجع جذور هذا الموضوع إلى أعمال وجهود فريدريك تايلر (F.Taylor) مؤسس الإدارة العلمية (النظرية الكلاسيكية) ، وذلك في محاولته لتحقيق زيادة في إنتاج المصانع من خلال الاهتمام بتقسيم العمل، ودراسة الحركة والزمن، لتحديد أفضل طريقة لأداء العمل. نظراً لأنّه "ما من حركة تؤدى إلا ضمن وقت محدد، وما من عمل يؤدى إلا كان الوقت إلى جانبه، فالإدارة حركة وزمن أو عمل ووقت"(1) .
وتتمثل دراسة الحركة والزمن (Time and Motion Study) في تقسيم العمل إلى جزئيات بسيطة، حيث يتم تحديد حركتها الأساسية من مكان إلى آخر، والزمن الذي تستغرقه تلك الحركة، وذلك بهدف ربط الأجزاء بعضها ببعض بالطريقة الأسرع والأفضل، وفي أقل وقت ممكن.
وقد أسهم تايلر (Taylor) إسهامًا كبيرًا في زيادة فعالية إنجاز الأنشطة الإنتاجية بطريقة مثلى؛ وذلك من خلال إعادة توزيع مكونات العمل وإزالة أو تقليل الوقت الضائع، أو إعادة تصميم موقع العمل بطريقة مناسبة تضمن انسيابه بشكل سهل دون أي عوائق.
كما سعى هنري جانت (H. Gant)(2) إلى "تحديد الأجر اليومي بشكل ثابت، فإذا استطاع العامل إنجاز العمل المحدد له في وقت أقل من الوقت
(1) وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص 20 بتصرّف.
(2)
هنري جانت: من علماء الإدارة، وهو ينتمي لمدرسة الإدارة العلمية، استطاع أن يضيف إلى أعمال تايلر صيغة خاصة للإسراع في إنجاز العمل واستمراريته. وقد عمل من أجل ذلك خرائط سمّاها خرائط جانت. انظر:(وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص17) .
المحدد؛ فإنه يستحق أجراً يعادل الوقت الذي اختصره" (1) .
وتابع فرانك جلبرث وزوجته ليليان (Frank and Lillian Gilberth)(2) دراسة الحركة والزمن بشكل أكثر تفصيلاً، إلى أن توصلا إلى أداء العمل بأفضل الطرق في زمن قصير، وصولاً إلى الطريقة المثلى (The best way) التي استطاعا من خلالها إدخال فن التخصصات في العمل وتطوير أدائه، فقد عمدا إلى وضع قواعد للعمل بأن قسماه إلى عدة أقسام، وكل قسم إلى خطوات، وحددا لكل خطوة جزءًا من الوقت اللازم للأداء في القسم كله، وقد رتبا خرائط تخدم هذا الغرض، وأطلقا عليها مسمى خرائط التدفق المساعدة على دراسة أي عملية وتفصيلاتها (3) .
و"نشر هارنجتون إيمرسون H. Emerson)) (4) كثيراً من المبادئ منها:
*
…
المُثل أو الأهداف: وذلك بأن يكون لكل منظمة أهداف تسعى إلى تحقيقها في أسرع وقت ممكن.
*
…
حسن الإدراك: بمعنى ألاّ تنمو المنظمة جزافاً بل تعمد إلى تقويم كل جديد في التجهيزات أو في نموها البشري.
*
…
الإرسال: ويعني به إصلاح المنظمة وصيانتها وفق جداول زمنية محددة.
*
…
التنميط: وذلك بجعل نموذج مثالي لكل عمل إداري" (5) .
كما اهتم هنري فايول (H. Fayol) برفع مستوى الأداء للمنظمة بوجه شامل، فوضع القواعد والمبادئ الإدارية التي يجب أن تتماشى مع التنظيم المبني على أهداف المنظمة، وكذلك مع الإنتاج ذي الكفاءة العالية، بالتكلفة وبالوقت المتاح الأقل، وذلك كله يتطلب رصداً وتسجيلاً للإمكانات
(1) المرجع نفسه، ص 17.
(2)
فرانك جلبرث وزوجته ليليان: يعود إليهما فضل تطوير وتنمية أفكار تايلر، وتطوير دراسة الحركة والزمن، واخترع فرانك "نظام السرعة" وأدخل كثيراً من التحسينات على مراحل العمل، كما ساهم مع زوجته في دراسة عامة عن ظاهرة الإجهاد في المصنع. انظر:(عسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، مرجع سابق، ص 38. ووتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص17) .
(3)
انظر: وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص 17.
(4)
هارنجتون إيمرسون: من العلماء الذين طوروا حركة الإدارة العلمية؛ حيث أدخل كثيراً من التحسينات على هذه الحركة وطرقها وأساليبها، واهتم بشكل خاص بإدارة المنظمة، ونشر كتاباً بمسمى "مبادئ الكفاية" انظر:(وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص17) .
(5)
وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص17.
المتاحة، ووضعها في المكان المناسب في ظل إدارة ذات كفاءة، ما يؤدي إلى تقصير الوقت والسرعة في أداء العمل وتحقيق الأهداف بكفاءة عالية (1) .
كما نلحظ أن محاولات تايلر (Taylor) وأتباعه لم تعبر عن المفهوم الحديث لإدارة الوقت، إذ كانت تلحّ على هدف رئيس يتعلق بزيادة الإنتاج ومن ثمّ مقدار الأرباح، من خلال الإلحاح على فاعلية الإدارة التنفيذية وبخاصة في النواحي الإنتاجية للعمل، وبذلك هدفت نظرية الإدارة العلمية - من خلال مفهوم إدارة الوقت - إلى زيادة قدرة المنظمات على التنفيذ والمتابعة، لئلاّ يُهدر الوقت في أعمال ارتجالية لا ترتبط بحركات قياسية تم مسبقًا تحديد زمن كل حركة منها.
"أعقبت حركةَ الإدارة العلمية في النظرية الكلاسيكية نظريةٌ أطلق عليها نظرية (العلاقات الإنسانية) وقد ألحّت تلك النظرية على بناء المنظمة من الوجهة الاجتماعية والإنسانية؛ كعلاقات الأفراد ببعضهم، وعلاقاتهم برؤسائهم وغيرهم من داخل المنظمة أو خارجها، وقد أعطت الأولوية لجماعات العمل غير الرسمية، وشجعت على ظهورها، ورأت أن إشباع حاجات التنظيم غير الرسمي تؤدي تلقائياً إلى تحقيق أهداف التنظيم الرسمي، وأَوْلت الرجل الاجتماعي اهتمامًا كبيراً لا الرجل الاقتصادي، كما هو الحال في النظرية الكلاسيكية، وباختصار فقد ألحّت النظرية الإنسانية على الدوافع الاجتماعية"(2) .
وقد اهتمت نظرية العلاقات الإنسانية بالوقت بشكل ملحوظ؛ وذلك من خلال مناداتها بضرورة إعطاء العامل فترة للراحة وأخرى للعمل، ما ينعكس
(1) انظر، الهواري، سيد محمود، مبادئ الإدارة، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1977م، ص 296-300.
(2)
وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص 21 - 22 بتصرّف.
إيجاباً على معنوياته، ومن ثمّ على قدرته الإنتاجية؛ فالإنسان - في رأي رواد هذه النظرية - ليس آلة يعمل على مدى أربع وعشرين ساعة، وإنما يحتاج إلى فترات راحة تقتطع من وقت العمل، يعود الإنسان العامل بعدها إلى أداء المهمات المطلوبة منه بكفاءة أعلى. وقد أكد الباحث إلتون مايو E. Mayo)) (1) رائد المدرسة الإنسانية من خلال تجاربه المسماة تجارب الهاوثورن (The Howthorne Studies) التي أجراها في مصانع ويسترن إليكتريك الأمريكية، أكد على أهمية الاعتناء بالعامل الإنساني، واختيار فترات الراحة التي تساعد حتماً على زيادة الإنتاجية لأنها تعد منشطاً ومجدداً للحيوية من أجل استئناف العمل، لكن بشرط ألاّ تكون الأوقات المختارة طويلة وغير مناسبة، لأنّ هذه الأوقات الزمنية ستكون عبئاً على المنظمة وسبباً في تراجع الإنتاج (2) .
أعقب نظرية العلاقات الإنسانية نظريةٌ، أطلق عليها مسمى (النظرية الحديثة للتنظيم) ، استفادت من النظريات الإدارية السابقة وأضافت إليها وطورت مفاهيمها، واحتل فيها الوقت مكاناً بارزاً، وقد تضمنت هذه النظرية عدة نظريات في آن واحد، وهي نظرية اتخاذ القرارات، والنظرية الرياضية أو البيولوجية، وقد كتب كثير من العلماء الإداريين في مفهوم هذه النظريات، أشهرهم برنارد Bernard)) (3) وأرجيرس Argyris)) (4) ورنسيس ليكرت R.Likert)) (5) وهربرت سيمون H.Simon)) (6) فقد استعانت نظرية اتخاذ القرارات بالوقت في حل مشكلات التخطيط والإنتاج، واعتمدت على الوقت اعتماداً كلياً، حيث إنها تعتمد على الأحداث الماضية، وتستشف الزمن المستقبلي من الماضي، وتستند إليه، وتراعي التوقيت المناسب في مراحل اتخاذ القرارات جميعها، سواء كانت هذه
(1) إلتون مايو: عُرف منهج العلاقات الإنسانية من خلال مجموعة التجارب التي أجريت بمصانع ويسترن إلكتريك الأمريكية ما بين عامي 1924 - 1932م تحت إشراف إلتون مايو (1880 - 1949م) أستاذ البحوث الصناعية بكلية إدارة الأعمال بجامعة هارفرد، وعرفت تلك التجارب بتجارب الهاوثورن. (عسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، مرجع سابق، ص40 - 41) .
(2)
انظر: وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص 21-22. وهاشم، هيثم، مبادئ الإدارة، مطبعة خالد بن الوليد، جامعة دمشق، دمشق، 1975م، ص 126-128.
(3)
شستر برنارد: مؤسس مدرسة النظام الاجتماعي، ناقش الجانب السلوكي في النظرية الحديثة، وعدّ المنظمة نظاماً تعاونياً وأن وظيفة المدير الرئيسة هي إيجاد جو التعاون الجماعي في سبيل تحقيق هدف معين. وكذلك أعطى أهمية كبيرة لتدريب القادة وإعدادهم إعداداً يرفع من مستواهم القيادي، وذلك في كتابه «التنظيم والإدارة» الذي نشره عام 1948م. انظر:(وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص 23، وعقيلي، عمر وصفي، الإدارة أصول وأسس ومفاهيم، دار زهران، عمّان، 1997م، ص131) .
(4)
كريس آرجيريس: انتقد في كتاباته النظريةَ الكلاسيكية وقال: إن ثمّة تناقضًا أساسيًا بين مقومات الشخصية الناضجة ومتطلبات ومبادئ التنظيم الكلاسيكية. انظر: (وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص24) .
(5)
رنسيس ليكرت: كتب عن القيادة والعمل الجماعي وقام في جامعة ميتشيجن بتطوير أربعة أنظمة للإدارة أو القيادة تتراوح ما بين الأوتوقراطية الكاملة والديموقراطية الكاملة، ورأى أن اتخاذ القرارات لا يتم داخل المنظمة إلا بما توحيه الجماعة. (وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص24. وعسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، مرجع سابق، ص 345) .
(6)
هربرت سيمون: كتب عن القرارات وتسلسلها وعن الهرم التنظيمي، ووجد أن بناءه يتم من القاعدة العريضة إلى رأس الهرم. انظر:(وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، مرجع سابق، ص24)
القرارات تخطيطية أم إنتاجية، وذلك من خلال تحديد الوقت المناسب لاتخاذ القرارات المناسبة للموقف (1) .
كما اعتمدت النظرية البيولوجية على الوقت، فافترضت أن "المنظمة تشبه الكائن الحي؛ بمعنى أنها تولد ثمّ تنمو ثمّ تتهاوى ثمّ تموت" (2) . ومجمل القول: إن المنظمة وحدة اجتماعية واقتصادية مرتبطة بعامل الوقت، من حيث التأثر بكل معطيات التطور التكنولوجي والمفاهيم الإدارية الحديثة التي تعتمد في تنفيذ خططها على الوقت، واتخاذ الأولويات منهجاً لتنفيذ تلك النظريات.
بعد هذا العرض السريع لبعض النظريات في الإدارة يظهر جلياً ارتباط هذه النظريات بالوقت واهتمامها به، وذلك في جميع مراحلها التطبيقية؛ حيث إن الإدارة ما هي إلا تحقيق هدف، وتحقيق الهدف يحتاج إلى وقت، فالتخطيط يحتاج إلى وقت وكذلك التنظيم والتوجيه والرقابة واتخاذ القرارات، وبذلك يكون الوقت أحد العناصر المهمة لارتباطه بكل عنصر من عناصر الإدارة؛ فكل عمل إداري يحتاج إلى وقت، وإلى أن يكون ذلك التوقيت مناسبًا حتى يحقق الهدف المنشود منه، وبما أن وقت العمل محدود بساعات فإنه يتعين على المدير أن يعمل على استثماره بكفاءة وفعالية.
(1) انظر: المرجع نفسه، ص 23-24.
(2)
سليمان، حنفي محمود، الإدارة: منهج شامل، دار الجامعة المصرية، الاسكندرية، 1978م، ص161.