المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثأهمية الوقت في السنة المطهرة - إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري

[خالد الجريسي]

فهرس الكتاب

- ‌إهداء

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولالوقت وأهميته في الإسلام والإدارة

- ‌المبحث الأولالوقت وتحديد مفهومه

- ‌المبحث الثانيأهمية الوقت في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثالثأهمية الوقت في السُّنَّة المُطهَّرة

- ‌الفصل الثانيالوقت في الفكر الإداري

- ‌المبحث الأولالإدارة، وإدارة الوقت

- ‌المبحث الثانيالوقت في النظريات الإدارية

- ‌المبحث الثالثإدارة الوقت داخل العملية الإدارية

- ‌الفصل الثالثإدارة الوقت من منظور إسلامي

- ‌المبحث الأولإدارة الوقت في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثانيإدارة الوقت في السُّنَّة المُطهَّرة

- ‌الفصل الرابعواجبات المدير المسلم تجاه الوقت

- ‌المبحث الأولمضيعات الوقت

- ‌المبحث الثانيمسؤولية المسلم عن الوقت

- ‌الفصل الخامسالإدارة الفعالة للوقت

- ‌المبحث الأولالأدوات والوسائل المستخدمة لتنظيم وقت العمل وإدارته

- ‌المبحث الثانيمناهج الإدارة الفعالة للوقت

- ‌المبحث الثالثنحو منهج متطور لإدارة الوقت بفعالية

- ‌الفصل السادسدراسات تطبيقية في إدارة الوقت

- ‌المبحث الأولأهم الدراسات في إدارة الوقت

- ‌المبحث الثانيدراسة ميدانية لإدارة الوقت في القطاعالصناعي الخاص بالمملكة العربية السعودية

- ‌المراجع

الفصل: ‌المبحث الثالثأهمية الوقت في السنة المطهرة

‌المبحث الثالث

أهمية الوقت في السُّنَّة المُطهَّرة

حظي الوقت بنصيب وافر من العناية فيما نُقِلَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال، والتي يمكن تناولها من خلال دراسة النصوص الدالة على عناية النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالوقت، وذلك ضمن المحاور الآتية:

أولاً: الوقت نعمة عظيمة.

تؤكد السُّنَّة المُطهَّرة ما جاء في القرآن الكريم من أن الوقت هو من أعظم نعم الله على عباده، وأنهم مأمورون بحفظ الوقت ومسؤولون عنه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ» (1)، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم:«كثيرٌ من الناس» : "أي أن الذي يُوفَّق لذلك قليل، فقد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون"(2) ، و"النعمة ما يتنعم به الإنسان ويستلذه، والغبن: أن يشتري بأضعاف الثمن أو يبيع بدون ثمن المثل"(3) .

وفي هذا الحديث "ضرب النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمُكلَّف مثلاً بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقُه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله، ويلزم الصدق والحذق لئلا يُغبن، فالصحة والفراغ رأس مال، وينبغي له أن يعامل اللهَ بالإيمان، ومجاهدة النفس وعدوِّ الدِّين، ليربح خيري الدنيا والآخرة"(4) .

(1) البخاري، محمد بن إسماعيل 194-256هـ، صحيح البخاري، اعتنى به أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية، 1419هـ-1998م، كتاب (81) ، باب (1) ، رقم الحديث (6412) ، ص1232.

(2)

ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 773 - 852 هـ، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1379هـ، كتاب (81) ، باب (1) ، شرح الحديث ذي الرقم (6412) ، ج11 ص234.

(3)

السندي، أبو الحسن نور الدين محمد بن عبد الهادي ت1138هـ، شرح سنن ابن ماجه، تحقيق خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت، 1418هـ -1997م، 1-4، ج4 ص 454-455.

(4)

ابن حجر، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب (81) ، باب (1) شرح الحديث ذي الرقم (6412) ، ج11 ص234.

ص: 31

فمن صحَّ بدنه وتفرَّغ من الأشغال العائقة، ثم لم يسعَ لاستثمار هذه الصحة وهذا الفراغ لإصلاح آخرته ودنياه، فيستثمرهما الاستثمار الأمثل في تحقيق أهدافه التي تعينه على العيش الرغيد في الدنيا، وترقى به إلى مدارج الصالحين في الآخرة، من لم يكن كذلك فهو كالمغبون فيهما.

ثانياً: الوقت مسؤولية كبرى

وقت المسلم أمانة عنده، وهو مسؤول عنه يوم القيامة، هذا ما تؤكده السُّنَّة المُطهَّرة، وإن ثمة أربعة أسئلة سيُسألها العبد عند الله عز وجل يوم القيامة، منها سؤالان مختصان بالوقت، ففي الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمُره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه» (1) . أي أن العبد في ذلك الموقف العصيب، يوم القيامة، لن تزول قدماه، ولن يبرح ذلك المكان، حتى يُسأل ويحاسب عن مدة عمره بعامّة كيف قضاها، وعن فترة شبابه بخاصة كيف أمضاها، ذلك أن الشباب هو محور القوة والحيوية والنشاط، وعليه الاعتماد في العمل أكثر من غيره من مراحل العمر الأخرى، ولأهميته تلك فقد خُص بالسؤال عنه مستقلاً مع أنه داخل ضمن السؤال عن العمر.

ثالثاً: الوقت وعاء العبادة

الصلاة والزكاة والصيام والحج، جميعها عبادات محددة بأوقات معينة، لا يصح تأخيرها عنها، وهي لا تُقبل إلا إذا أُدِّيت في أوقاتها المعتبرة شرعًا؛ فهي مرتبطة إذًا ارتباطاً وثيقاً بالوقت، الذي هو عبارة عن الظرف أو الوعاء الذي تؤدى فيه.

(1) الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد 260-360هـ، المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط2، 1404هـ - 1983م، 1-25، رقم الحديث (111) ، ج20 ص61. والترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، ط2، 1398هـ، كتاب (38) ، باب (1) ، رقم الحديث (2417) ، ج4 ص 612، وقال هذا حديث حسن صحيح.

ص: 32

ومما ورد عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحث على أداء العبادات في وقتها قوله حين سُئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: «الصلاة لوقتها» (1) . وكان صلى الله عليه وسلم يقول إذا رأى الهلال: «اللهم أهلّه علينا باليُمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربِّي وربُّك الله» (2) . وكان يقول عن هلال رمضان: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» (3) .

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحث على قيام الليل وذِكْر الله فيه - قولُه: «أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن» (4) .

كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم الحث على اغتنام عشر ذي الحجة بالعمل الصالح، وذلك في قوله:«ما العمل في أيام أفضل منها في هذه» قالوا: ولا الجهاد قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء» (5) .

رابعاً: الوقت في أفعال النبيِّ صلى الله عليه وسلم

كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أشدِّ الناس حفظًا لوقته؛ فكان لا يصرف وقتًا في غير عمل لله تعالى، أو فيما لا بد منه لصلاح نفسه، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه يصف حال النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنه:«كان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء؛ جزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزأ جُزأه بينه وبين الناس» (6) .

كما كان عليه الصلاة والسلام حريصاً على إعمار وقته بالعبادة والطاعة، فقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة:«لِمَ تصنعُ هذا يارسول الله وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً» (7) .

(1) البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب (97) ، باب (48) ، رقم الحديث (7534) ، ص 1439. والقشيري، مسلم بن الحجاج النيسابوري، مرجع سابق، كتاب (1) ، باب (36) ، رقم الحديث (85) ، ج1 ص 89.

(2)

الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، مرجع سابق، كتاب (49) ، باب (51) ، رقم الحديث (3451) ، ج5 ص 504، وقال هذا حديث حسن غريب.

(3)

البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب (30) ، باب (11) ، رقم الحديث (1909) ، ص 362. والقشيري، مسلم بن الحجاج النيسابوري، مرجع سابق، كتاب (13) ، باب (2) ، رقم الحديث (1081) ، ج2 ص 762.

(4)

الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، مرجع سابق، كتاب (49) ، باب (119) ، رقم الحديث (3579) ، ج5 ص 569-570، وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.

(5)

البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب (13) ، باب (11) ، رقم الحديث (969) ، ص193

(6)

الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، مرجع سابق، ج22 ص157. والبيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين 384-458هـ، شعب الإيمان، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ 1-8، باب (14) ، رقم الحديث (1430) ، ج2 ص 156. بإسناد ضعيف.

(7)

البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب (65) ، باب (2) ، رقم الحديث (4837) ، ص950. والقشيري، مسلم بن الحجاج النيسابوري، مرجع سابق، كتاب (51) ، باب (18) ، رقم الحديث (2819) ، ج4 ص 2171.

ص: 33

خامساً: تقسيم الوقت وتنظيمه

يحث النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأمة على الاهتمام بتنظيم الوقت وتوجيهه لمعالي الأمور في الحياة الخاصة والعامة، فيقول فيما يرويه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألم أُخْبَر أنّك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: بلى. قال: فلا تفعل، قم ونم وصم وأفطر، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لِزَورِكَ (1) عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً» (2) . ومن الأولى بالمسلم ألَاّ يخل بهذه الموازنة، بل الواجب عليه أن يوزع وقته للوفاء بهذه الحقوق جميعها، دون أن يطغى جانب منها على الآخر، ولا يخفى أن المقصود هنا ليس توزيع الوقت بين هذه الحقوق بالتساوي، إنما المراد التسديد في ذلك والمقاربة في الوفاء بها جميعاً قدر الاستطاعة.

ومما رواه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن صحف إبراهيم عليه السلام قوله: «على العاقل - مالم يكن مغلوباً على عقله- أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب» (3) .

ومن حُسن تنظيم الوقت أن يُجعل فيه جزء للراحة والترويح، فإن النفس تسأم بطول الجِدِّ، والقلوب تَمَلُّ كما تملّ الأبدان، فلا بد من قَدْر من الترفيه المباح، فعن حنظلة الأُسَيِّدي رضي الله عنه أنه دخل على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يارسول الله نكون عندك تذكّرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا (4) الأزواج والأولاد والضَّيْعات فنسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده إنْ لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذِّكْر،

(1) لزورك: الزّور الأضياف والزوار. انظر: (ابن حجر، فتح الباري، مرجع سابق، ج 11 ص548) .

(2)

البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، مرجع سابق، كتاب (78) ، باب (84) ، رقم الحديث (6134) ، ص 1183. والقشيري، مسلم بن الحجاج النيسابوري، مرجع سابق، كتاب (13) ، باب (35) ، رقم الحديث (1159) ، ج2 ص 814.

(3)

ابن بلبان، الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي ت739هـ، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1418هـ-1997م، 1-18، رقم الحديث (361) ، ج2 ص 78. والبيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، مرجع سابق، باب (33) ، رقم الحديث (4677) ، ج4 ص 164. والحديث لا يثبت مرفوعًا.

(4)

عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيْعات: أي خالطناهم، قال في القاموس: تعافسوا: تعالجوا في الصراع، والمعافسة المعالجة. انظر:(الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب 729 - 817 هـ، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1407هـ - 1987م، ص 720، باب السين، فصل العين) .

ص: 34

لصافحتكم الملائكة على فُرُشكم وفي طُرُقكم، ولكن يا حنظلةُ ساعةً وساعة» كررها ثلاث مرات (1) . هكذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه ويبيِّن لهم أن القلوب تَكِلُّ وتتعب وتتقلَّب، فمن الحكمة مراعاتها والترويح عنها بين الفينة والأخرى بما أحل الله، وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم ذلك ووعَوْه وطبقوه في حياتهم العملية؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(أريحوا القلوب، فإن القلب إذا أُكرِه عَمِي)(2)، ورُوي عنه أيضًا أنه قال:(إن للقلوب شهوة وإقبالاً، وفترة وإدباراً، فخذوها عند شهواتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها)(3)، وجاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قوله:(إنّي لأستجمّ نفسي بالشيء من الباطل غير المُحرَّم، فيكون أقوى لها على الحق)(4) .

سادساً: الحث على اغتنام الوقت والتحذير من إضاعته

جاء في الحديث الحث على استثمار الوقت واقتناص فرصه، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه:«اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هَرَمك، وصِحَّتَك قبل سَقَمك، وغَنَاءك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغْلك، وحياتك قبل موتك» (5) . لقد لخّص النبيُّ صلى الله عليه وسلم في هذه الكلمات الموجزة البليغة ما تناوله الباحثون في كتب عديدة، وهذا من جوامع الكلِم، إذ تحدّث عن أهمية الوقت والمبادرة إلى استثماره واغتنام قوة الشباب، وفرص الفراغ في العمل الصالح المثمر، وحذر من خمس معوّقات تحول دون استثمار الأوقات، كل ذلك في عبارات وجيزة لا تبلغ كلماتها العشرين.

كما كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالمبادرة إلى العمل الصالح قبل أن تحول العوائق دون ذلك، فيقول: «بادروا بالأعمال سبعاً، هل تُنْظَرون إلا إلى فقر مُنسٍ، أو غنىً مُطْغٍ، أو مرضٍ مُفْسِد، أو هرم مُفْنِد، أو موت مُجْهِز، أو الدَّجال

(1) القشيري، مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مسلم، مرجع سابق، كتاب (49) ، باب (3) ، رقم الحديث (2750) ، ج4 ص 2106.

(2)

ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي 368-463 هـ، بهجة المجَالس وأنس المُجَالس، تحقيق محمد مرسي الخولي، دار الكتب العلمية، بيروت، دت، ج1 ص 115.

(3)

المرجع نفسه، ج1 ص 115.

(4)

المرجع نفسه، ج1 ص 115.

(5)

الحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ - 1990م، 1-4، كتاب (44) ، رقم الحديث (7846) ، ج4 ص 341، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي.

ص: 35

فشرٌّ غائبٌ يُنتظَر، أو الساعة؟ فالساعةُ أدهى وأمرُّ» (1) .

فهو صلى الله عليه وسلم يحثُّ أُمَّته على المبادرة لأداء الأعمال وعدم تأجيلها، ذلك أن حال الإنسان لا يخلو غالبًا من وقوع المعوِّقات؛ من مرض، أو هرم، أو موت، أو نحو ذلك مما يقف حائلاً دون أداء الأعمال أو إتمامها، فالمعوِّقات كثيرة، والحاذق من بادر بأداء العمل قبل أن تحاصره العوائق.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج ومن أدلج بَلَغ المَنْزِل» (2) . فإن الطيبي (3) يقول في شرح معناه: "هذا مَثَلٌ ضربه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة؛ فإن الشيطان على طريقه والنفس وأمانيه الكاذبة أعوانه، فإنْ تيقَّظ في مسيره وأخلص النية في عمله أمِن من الشيطان وكيده"(4) .

وهذا المثل عامٌّ، ينطبق كذلك في حق من حدد لنفسه أهدافاً، ثم خاف أن تدركه المعوِّقات قبل بلوغها، فتجده يحثُّ الخُطا حتى يحقق أهدافه.

وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر بالتبكير في أداء الأعمال، فعن صخرٍ الغامديِّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:«اللهم بارك لأمتي في بُكُورها، وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم من أول النهار» ، وكان صخرٌ رجلاً تاجراً، وكان يبعث تجارته من أوّل النهار، فأثرى وكَثُر مالُه (5) .

وفي هذا المعنى أيضاً تروي أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «باكروا طلب الرزق والحوائج؛ فإن الغُدُوَّ بركة ونجاح» (6) .

وعن فاطمةَ رضي الله عنها وأرضاها، قالت: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجعة مُتصبِّحة فحرَّكني برجله، ثمّ قال:«يا بنية، قومي اشهدي رزقَ ربِّك ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (7) .

(1) الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، مرجع سابق، كتاب (37) ، باب (3) ، رقم الحديث (2306) ، ج4 ص 553، وقال: هذا حديث حسن غريب. والبيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، مرجع سابق، باب (71) ، رقم الحديث (10572) ، ج7 ص357.

(2)

الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، مرجع سابق، كتاب (38) ، باب (18) ، رقم الحديث (2450) ، ج4 ص 633، وقال هذا حديث حسن غريب. الحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، مرجع سابق، كتاب (44) ، رقم الحديث (7851) ، ج4 ص 343، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي.

(3)

الطيبي: شرف الدين حسن بن محمد الطيبي، صاحب التصانيف المتوفى سنة 743هـ. انظر:(القسطنطيني، مصطفى بن عبد الله 1017-1067هـ، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، دار الكتب العلمية، بيروت، 1413هـ-1992م، 1-2، ج1 ص720) .

(4)

المباركفوري، محمد عبد الرحمن، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1410هـ-1990م، 1-10، شرح الحديث ذي الرقم (2567) ، ج7 ص 123-124.

(5)

أبو داود، سليمان بن أشعث السجستاني، سنن أبي داود، فهرسة كمال يوسف الحوت، دار الجنان، 1409هـ، كتاب (9) ، رقم الحديث (2606) ، ج2 ص 41. وابن بلبان، الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، مرجع سابق، رقم الحديث (4754) ، ج11 ص 62.

(6)

الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد 260 - 360 هـ، المعجم الأوسط، تحقيق طارق بن عوض الله وعبد المحسن الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، 1415هـ 1 - 10، رقم الحديث (7250) ، ج7 ص 193-194. بإسناد ضعيف.

(7)

البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، مرجع سابق، باب (33) ، رقم الحديث (4735) ، ج4 ص181، وإسناده ضعيف.

ص: 36