الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
الوقت وأهميته في الإسلام والإدارة
تمهيد:
ينسب علماء الإدارة الفضل في ظهور علم الإدارة إلى المبادئ التي وضعها العالم فريدريك تايلور F. Taylor)) (1) الملقب بأبي الإدارة العلمية، وقد وضع مبادئها سنة (1911م) في كتاب أصدره في هذا المجال بعنوان (مبادئ الإدارة العلمية) ؛ وكذلك إلى العالم هنري فايول (H. Fayol)(2)(2) مؤسس علم الإدارة العامة والصناعية التي وضع مبادئها في أول كتاب أصدره سنة (1916م) بعنوان (الإدارة العامة والصناعية) ، ويؤكد علماء الإدارة أن المبادئ الإدارية السائدة إلى يومنا هذا قد تحددت ملامحها من خلال هذين الكتابين (3) ، وقد تناسى هؤلاء - وأخص المسلمين منهم - أن تراثنا الإسلامي غني بالمبادىء والأسس الجليلة المفيدة التي يمكن تأصيلها في مجال علم الإدارة، ولعلنا نُلمح في مباحث هذا الفصل إلى بعضٍ من تلك النصوص المستقاة من كتاب الله عز وجل وسُنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح.
كذلك "ارتبط مفهوم إدارة الوقت بشكل كبير بالعمل الإداري حتى أصبح ينظر إلى تطبيق هذا المفهوم بمنظار ضيّق"(4) . والحقيقة أن الإسلام قد اهتم بإدارة الوقت الخاص إضافة إلى اهتمامه بإدارة وقت العمل، ذلك أنه اهتم بوقت المسلم بصفة عامّة، وحثه على اغتنامه وعدم إضاعته، فهو من الأمور التي يُسأل عنها الإنسان يوم القيامة، إذ يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عُمُره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟» (5) ونحن نلحظ من هذا الحديث أن الإسلام يعتبر الوقت وحدة متكاملة لا تتجزأ، ويطالب المسلم باغتنام عمره بعامّة وفترة شبابه بخاصّة؛ باعتبارها فترة حافلة بالحركة والعمل والإنتاج. ومن هذا المنطلق جاء قول
(1) فردريك تايلور: ارتبطت أفكار الإدارة العلمية باسم تايلور (1856 - 1915م) ، وكان يعمل مهندساً بإحدى شركات الصُّلْب الأمريكية، ونشر كتابه (مبادئ الإدارة العلمية) عام 1911م. انظر:(عسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، دار القلم، دبي، 1987م، ص 36) .
(2)
هنري فايول: مهندس فرنسي (1841-1925م) استطاع من خلال عمله - كبير مهندسي شركة الحديد والفحم بفرنسا- أن يوجد مجموعة من المبادئ والقواعد الإدارية التي لا تزال تعد نموذجاً للدارسين في العالم، وقام بنشر مؤلَّفه عام (1916م) بعنوان (الإدارة العامة والصناعية) . انظر:(وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، المطبعة العلمية، دمشق، دت، ص18. وعسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، مرجع سابق، ص 38. وعقيلي، عمر وصفي، الإدارة أصول وأسس ومفاهيم، دار زهران، عمّان، 1997م، ص94) .
(3)
انظر: البرعي، محمد عبد الله، مبادئ الإدارة والقيادة في الإسلام، مطابع الحميضي، الرياض، ط2، 1416هـ - 1996م، ص 19.
(4)
القرني، عبد الله محمد، أغلى من الذهب، دار الوطن، الرياض، ط1، 1420هـ - 1999م، ص13.
(5)
الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد 260-360هـ، المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، ط2، 1404هـ - 1983م، 1-25، رقم الحديث (111) ، ج20 ص61. والترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة 209 - 279 هـ، سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، ط2، 1398هـ، كتاب (38) ، باب (1) ، رقم الحديث (2417) ، ج4 ص 612، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
النبيِّ صلى الله عليه وسلم مرشداً وموجهاً المسلم إلى اغتنام الأوقات وفرص العمر في قوله: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمك، وصحتك قبل سَقَمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغْلك، وحياتك قبل موتك» (1) .
فوقت المسلم أمانة عنده وهو مطالب بعدم التفريط فيه أو إهداره، ويتأكد هذا الأمر إذا كان ذلك الوقت قد تعلق به حق لله أو لأحد من خلقه. لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (2) .
والوقت من أهم عناصر الإنتاج، ومن أجل بالغ أهميته هذه فقد بين لنا سبحانه أنه هو الذي قدَّر الوقت، كما في قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} (3) . وكما أنه سبحانه قدّر الوقت، فقد قدّر إنجاز التكاليف فيه، "وبذلك نظم الإسلام حياة المسلم ووقته؛ فقد نظم نومه واستيقاظه، وأداءه للشعائر، وانطلاقه إلى ميدان الحياة، ليجعل عمله كله عبادة لله عز وجل يقوم على أساس الشعائر كلها وعلى أساس من ذكر الله الملازم له، وبذلك أصبح الوقت في حياة المسلم عبادة ممتدة، أما الوقت في الحضارة الغربية والنظرية المادية للإدارة وغيرها فإنه لا يخرج عن نطاق المثل الشائع عندهم الوقت مال Time is money) ") (4) وإذا قارنّا هذه العبارة بقول الحسن البصري رحمه الله: (أدركتُ أقواماً كان أحدهم أشحَّ على عمره منه على درهمه ودنانيره)(5) . نستنتج عندها أن الوقت في تقدير المسلم أغلى من المال؛ ذلك أنه يدرك أن المال يمكن تعويضه بيد أن الوقت منصرم، إذا فات لا يعوض.
ويقسم هذا الفصل إلى المباحث الآتية:
الأول: الوقت وتحديد مفهومه.
الثاني: أهمية الوقت في القرآن الكريم.
الثالث: أهمية الوقت في السُّنَّة المُطهَّرة.
(1) الحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري 320 - 405هـ، المستدرك على الصحيحين، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ - 1990م، 1-4، رقم الحديث (7846)، ج4 ص 341. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(2)
7. سورة النساء، الآية 58.
(3)
سورة المزمل، الآية 20.
(4)
النحوي، عدنان علي رضا، فقه الإدارة الإيمانية في الدعوة الإسلامية، دار النحوي للنشر والتوزيع، ط1، 1419هـ - 1999م، الرياض، ص 37.
(5)
ابن المبارك، عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي أبو عبد الله 118-181هـ، الزهد، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1419هـ - 1998م، ص51.