الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
الوقت وتحديد مفهومه
إن الإدارة لا تُمارَس في فراغ، بل تُمارس عملها في إطار محدد، وهي تعتمد على عناصر محددة من أجل القيام بهذا العمل؛ ومن تلك العناصر المهمة: الوقت الذي "يعدّ أكثر المفاهيم صلابة ومرونة في آن معًا، حيث يعيش الأفراد في مجتمع واحد، وكل فرد يستخدم عبارات تختلف عن الآخر عندما تتحدد علاقته بالوقت"(1) . "إن أكثر الصور والتداعيات شيوعاً لدى المديرين عن الوقت تتمثل في أن: الوقت كالسيد الآمر (Time as a master) ، الوقت كعدو (Time as an enemy) ، الوقت كاللغز (Time as a mystery) ، الوقت كعبد مملوك (Time as a slave) ، الوقت كحَكم (Time as a referee) ، الوقت كقوة محايدة Time as a neutral) ") . (2) إن اختلاف الرؤية للوقت هي التي تحدد أسلوب التعامل معه، وهي المسؤولة عن بعض الأنماط السلوكية للناس تجاه الوقت.
إن الاستخدام السليم للوقت يبين عادةً الفرق بين الإنجاز والإخفاق، ففي الساعات الأربع والعشرين يومياً يوجد عدد محدد منها للقيام بالأعمال، وهكذا فإن المشكلة ليست في محدودية الوقت نفسه، وإنما فيما نفعله بهذه الكمية المحدودة منه. إن الاستفادة القصوى من كل دقيقة شيء مهم، لإنجاز الأعمال بأسلوب اقتصادي وفي الوقت الصحيح، فالوقت يسير دائماً بسرعة محددة وثابتة، ومن ثمّ فإنه يتعين على الفرد أن يحافظ على الوقت المخصص له. فكمية الوقت مهمة لكن ما يفوقها أهمية هو كيفية إدارة الوقت
(1) هلال، عبد الغني حسن، مهارات إدارة الوقت، مركز تطوير الأداء والتنمية، القاهرة، 1995م، ص 11 بتصرّف.
(2)
أبو شيخة، نادر أحمد، إدارة الوقت، دار مجدلاوي، عمان، 1991م، ص 46.
المتاح لنا، فكلٌّ منا يمتلك أربعًا وعشرين ساعة يومياً، وسبعة أيام في الأسبوع، واثنين وخمسين أسبوعاً في السنة، وبالإدارة الفعَّالة يمكن التوصل إلى استخدام للوقت بشكل أفضل، وإلى القدرة على الإنجاز الكثير من المهمات في كمية الوقت نفسها.
"إن الذين ينظرون إلى الوقت بعين الاهتمام هم الذين يحققون إنجازات كثيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، وهم الذين يعلمون أن الوقت قليل لتحقيق كل ما يريدون، وعلى العكس من ذلك فإن المرء الذي لا يهتم كثيراً بالإنجازات ينظر إلى الوقت على أنه ذو قيمة قليلة"(1) .
وتبقى مشكلة الوقت مرتبطة دوماً بوجود الإنسان، إذ يختلف مفهومها طبقاً لاختلاف الدوافع والاحتياجات وطبيعة المهمات والأعمال المطلوبة، كما تؤثر الثقافات والتقاليد والعادات أيضاً بصورة مباشرة أو غير مباشرة على تحديد شكل العلاقة بين الإنسان والوقت.
ونظراً لأنه من الصعب تقديم تعريف محدد ودقيق للوقت، وبخاصة في مجال الإدارة، فقد تم اللجوء إلى تعريف محايد يشير إليه قاموس (Webester's New World College Dictionary) الذي تعتمده الدراسة الحالية، وهو:"الفترة التي تُستغرق في أداء تصرف أو عملية ما"(2) . وبناءً عليه، فإنّ المقصود بالوقت هنا فترة الدوام الرسمي للعمل.
ومن أجل توضيح مفهوم هذا المورد المهم من موارد الإنتاج، فإننا سنقوم بتحديد خصائصه وأنواعه.
(1) المرجع نفسه، ص 28.
(2)
Webster's New World College Dictionary، OP. CIT، P.1400
أولاً: خصائص الوقت:
بالرغم من أن مفهوم الوقت معروف للجميع، إلا أنه يمكن من خلال تأمل سير الحياة ومطالعة أحداث التاريخ، ملاحظة أن الوقت يتميز بجملة من الخصائص، يمكن إيضاحها على النحو الآتي:
"رأى بعض العلماء منذ زمن قديم أن الوقت يمر بسرعة محددة وثابتة، فكل ثانية أو دقيقة، أو ساعة تشبه الأخرى، وأن الوقت يسير إلى الأمام بشكل متتابع، وأنه يتحرك بموجب نظام معين محكم، لا يمكن إيقافه، أو تغييره، أو زيادته أو إعادة تنظيمه"(1) . "وبهذا يمضي الوقت بانتظام نحو الأمام دون أي تأخير أو تقديم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إيقافه أو تراكمه أو إلغاؤه أو تبديله أو إحلاله"(2) . إنه مورد محدد يملكه الجميع بالتساوي، فبالرغم من أن الناس لم يولدوا بقدرات أو فرص متساوية فإنهم يملكون أربعًا وعشرين ساعة نفسها كل يوم، واثنين وخمسين أسبوعاً في السنة، وهكذا فإن جميع الناس متساوون من ناحية المدة الزمنية، سواء أكانوا من كبار الموظفين أم من صغارهم، من أغنياء القوم أم من فقرائهم، لذلك؛ فإن المشكلة ليست في مقدار الوقت المتوافر لكلٍ من هؤلاء، ولكن في كيفية إدارة هذا الوقت واستخدامه، ثم هل هم يوظفونه بشكل جيد ومفيد في إنجاز الأعمال المطلوبة منهم، أو أنهم يهدرونه ويضيعونه في أمور محدودة الفائدة.
ونظراً لأن الوقت مورد مهم، وهو "سريع الانقضاء وما مضى منه لا يرجع ولا يُعوَّض بشيء، كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، وترجع نفاسته إلى أنه وعاء لكل عمل وكل إنتاج، فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فرداً ومجتمعاً"(3) . وعليه، فإن الوقت يعتبر أساس
(1) عصفور، محمد شاكر، إدارة الوقت في الأجهزة الحكومية، ندوة الدوام الرسمي في الأجهزة الحكومية، الرياض، 1402هـ، ص 116.
(2)
سلامة، سهيل فهد، إدارة الوقت: منهج متطور للنجاح، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، إدارة البحوث والدراسات، عمان، 1988م، ص 16.
(3)
القرضاوي، يوسف، الوقت في حياة المسلم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط7، 1417هـ-1997م، ص 10.
الحياة، وعليه تقوم الحضارة، ومع كون الوقت لا يمكن شراؤه أو بيعه أو تأجيره أو استعارته أو مضاعفته أو توفيره أو تصنيعه، لكن يمكن استثماره وتعظيمه، فأولئك الذين توافر لديهم الوقت لإنجاز أعمالهم وكذلك الوقت للتمتع بأنشطة أخرى خارجة عن نطاق العمل، قد تبينوا الفرق بين الكمية والنوعية، فهم يستثمرون كل دقيقة من وقتهم. لذا فإن "إدارة الوقت لا تنطلق إلى تغييره، أو تعديله أو تطويره، بل إلى كيفية استثماره بشكل فعّال، ومحاولة تقليل الوقت الضائع هدراً دون أي فائدة أو إنتاج، إلى جانب محاولة رفع مستوى إنتاجية العاملين خلال الفترة الزمنية المحددة للعمل"(1) .
ومع العلم بأن الوقت من موارد الإدارة الأساسية، إلا أنه يختلف عن بقيتها في عدم إمكانية تخزينه أو إحلاله، وفي كونه يتخلل كل جزء من أجزاء العملية الإدارية. ومن ثمّ فإن أهميته تكمن في أنه يؤثر - سلبًا أو إيجابًا - في الطريقة التي تُستخدم فيها الموارد الأخرى.
إذا كان للوقت كل هذه الخصوصية وهذه الأهمية التي تميزه عن سواه من موارد الإدارة، فإن إدارته كذلك تختلف عن إدارة هذه الموارد. وقد لخص بيتر دراكر (P. Drucker) هذا الاختلاف بقوله:" إن إدارة الوقت تعني إدارة الذات، لأن من لا يستطيع إدارة ذاته لا يستطيع بالتالي إدارة وقت الآخرين"(2) .
وبالرغم من ذلك، فإن كثيراً من المديرين لا يحرصون على هذا المورد الفريد من نوعه، الضروري لكل شيء، فهم يقومون بأعمال ويمارسون أنشطة تعد ببساطة مضيعة للوقت، لأنها تبدده دون أن تحقق نتائج مناسبة،
(1) سلامة، سهيل بن فهد، إدارة الوقت منهج متطور للنجاح، مرجع سابق، ص 9.
(2)
أبو شيخة، نادر أحمد، إدارة الوقت، مرجع سابق، ص 25.
فهي تستغرق قسماً كبيراً من الوقت، ويكون المردود منها لتحقيق الأهداف محدودًا للغاية. لذا فإن الحل الحقيقي الوحيد يكمن في (الاستخدام الأفضل للوقت المتاح) ، وينبغي للإداريين أن يتعلموا كيف يديرون عملية استخدام وقتهم. وقد لاحظ دراكر (Drucker) أن "المديرين الفعّالين لا يبدؤون بمباشرة مهماتهم، بل يبدؤون بالنظر في وقتهم، وهم لا يبدؤون بمباشرة التخطيط، بل يبدؤون بمعرفة فيم يُصرف وقتهم فعلاً، ثمّ إنهم يبذلون جهدهم للتقليل من الأعمال غير المثمرة التي تمثل عبئاً على وقتهم"(1) .
ثانياً: أنواع الوقت:
يمكن تحليل الوقت عن طريق تجميع الأنشطة المتشابهة، ورؤية مقدار الوقت الذي يمضي في الجوانب المختلفة، مثل: الوقت الشخصي، والاتصالات بأنواعها مثل (المكالمات الهاتفية، والاجتماعات، والمناقشات الفردية، والزيارات، ونحوها) ، ويمكن بعدها رؤية كيفية تخصيص الوقت للمجالات الوظيفية، كما يمكن أيضاً تحليل تسلسل الأنشطة، وهذا يتضمن دراسة الوقت الذي تم قضاؤه في المعوّقات أو الأشياء المعترضة.
ويمكن تقسيم الوقت إلى أربعة أنواع: (2)
1-
الوقت الإبداعي (Creative Time) :
يوصف هذا النوع من الوقت بأنه إبداعي إذا صُرف في عمليات التفكير والتحليل والتخطيط المستقبلي، إضافة إلى صرفه في تنظيم العمل وتقويم مستوى الإنجاز الذي تم فيه، ويمارس الإداريون خلال أدائهم لأنشطتهم الإدارية هذا النوع من الوقت، نتيجة لحاجتهم إلى الوقت الإبداعي، من
(1) Drucker، P.، The Effective Executive، N.Y.: Harper and Row، 1982، P.26
(2)
انظر: سلامة، سهيل بن فهد، إدارة الوقت منهج متطور للنجاح، مرجع سابق، ص 31 - 33.
أجل التفكير العلمي والتوجيه السليم، إضافة إلى معالجة المشكلات الإدارية بأسلوب علمي منطقي بهدف تقديم حلول موضوعية تضمن فاعلية ونتائج القرارات التي تصدر بشأنها.
2 -
الوقت التحضيري (Preparatory Time) :
يمثل هذا النوع من الوقت الفترة الزمنية التحضيرية التي تسبق عملية البدء بالعمل؛ إذ يُصرف الوقت التحضيري في عملية تجميع المعلومات والحقائق المتعلقة بالنشاط الذي يرغب الإداري بممارسته، أو في التجهيزات اللازمة من معدات أو قاعات أو آلات قبل البدء في تنفيذ العمل، ومن المفترض أن يُعطي الإداري هذا النوع من النشاط ما يحتاجه من وقت، نظراً لآثاره الاقتصادية على المنظمة وما ينجم عن ذلك من خسارة نتيجة عدم توافر الُمدخَلات الأساسية للعمل.
3 -
الوقت الإنتاجي (Productive Time) :
يمثل هذا النوع من الوقت المدة الزمنية التي تُستغرق في تنفيذ العمل الذي تم التخطيط له في الوقت الإبداعي، وكذلك التحضير له في الوقت التحضيري، ومن أجل زيادة فاعلية استغلال الوقت فإنه يجب على الإداري أن يوازن بين الوقت المستغرق في تنفيذ العمل والوقت المستغرق في تنفيذ عملية التحضير والتخطيط أو الإبداع، فمن المقرر أن الوقت المتاح للجميع محدود وغير متجدد، فإذا تبيّن أن هناك كثيراً من الوقت يخصص لتنفيذ أعمال روتينية في المنظمة، فإن ذلك يعني أن هناك قليلاً من الوقت المخصص للإبداع أو التحضير أو لكليهما معاً، وتبعًا لذلك، فقد كانت ممارسة الإداري لعملية التوازن في قضاء الوقت ضرورة مُلحة، وضمانًا
لاستثمار الموارد المتاحة كافّةً - بما في ذلك عامل الوقت - الاستثمار الأمثل.
ويقسم الوقت الإنتاجي إلى قسمين:
أ - وقت الإنتاج العادي (المنظم أو غير الطارئ) .
ب - وقت الإنتاج غير العادي (الطارئ أو غير المنظم) .
وإذا كانت أيّ منظمة تسير ضمن خطة الإنتاج العادي، وتتحكم - في الوقت نفسه - في الإنتاج غير العادي، فإنها تعتبر في وضع جيد، وقد يحدث أحياناً أن يظهر إنتاج غير عادي أو طارئ في المنظمة، لكن من المفترض أن تكون هذه الحالة نادرة الحدوث ومحدودة الأثر، وإلا فإن ذلك سيكون دافعاً للمنظمة لإحداث تغيير جذري طارئ على جميع مستوياتها، من أجل مواجهة هذا الإنتاج الطارئ، ولكي ينجح الإداري في ذلك، فإن من المفترض أن يخصص جزءاً من وقته المخصص للإنتاج العادي، لمواجهة تأثير الإنتاج غير العادي، وبذلك يستطيع أن يحصل على مرونة كافية تسمح له بإنجاز الإنتاج المبرمج العادي غير الطارئ.
4 -
الوقت العام أو غير المباشر (Overhead Time) :
هو الوقت الذي يمارس فيه الإداري أنشطة فرعية عامة، لها تأثيرها الواضح على مستقبل المنظمة، وعلى علاقتها داخل بيئتها أو المجتمع، كمسؤولية المنظمة الاجتماعية وما تفرضه من التزامات على مديريها من ارتباطات بجمعيات أو هيئات خيرية أو تلبية دعوات وحضور ندوات؛ فإن هذه الأنشطة تحتاج إلى جزء كبير من وقت الإداري، لذلك فإنه يتعين عليه تحديد كمية الوقت الذي يستطيع أن يخصصه لمثل هذه الأنشطة، أو أن يقوم
بتفويض شخص معين ينوب عنه في مثل هذه الأنشطة، وذلك حرصاً منه على الموازنة بين الالتزام بها والحفاظ على وقته.
وباختصار يمكن القول في هذا المجال: إن المدير الفعّال هو الذي يعلم كيف يستخدم وقته ويوزعه توزيعًا فاعلاً بين تخطيط الأنشطة المستقبلية (وقت إبداعي) ، وتحديد الأنشطة اللازمة لأدائها (وقت تحضيري) ، وفي صرف الكمية اللازمة من الوقت للقيام بالعمل (وقت إنتاجي) ، وأن يخصص كذلك وقتًا كافيًا للقيام بالمراسلات وبأعباء المسؤولية الاجتماعية (وقت عام) ؛ باعتباره عضوًا في هذا المجتمع، وممثلاً لمنظمة ملتزمة باهتمامات هذا المجتمع، كما أن المجتمع - بالمقابل - ملتزم بها.