الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
الإدارة، وإدارة الوقت
أولاً: الإدارة وتحديد مفهومها
تنوعت الأفكار وتعددت الآراء والتوجهات التي تناولت تعريف الإدارة وتحديد مفهومها، وقد تضمنت المؤلفات في الإدارة عدداً كبيراً من التعريفات، فلكلٍّ من الباحثين الإداريين مفهوم محدد للإدارة، وذلك تبعًا لنظرته لمكونات الوظيفة الإدارية، بل وفقاً لمفهومه الأساسي للعملية الإدارية ذاتها.
ويمكن تلخيص الأسباب التي أدت إلى عدم اتفاق الباحثين على تعريف محدد للإدارة في ثلاثة أسباب رئيسة:
1-
…
أن الإدارة علم حديث نسبياً، هذه الحداثة لم تُتِح فترة زمنية كافية للمفكرين والباحثين في مجال الإدارة للاتفاق على تعريف واحد جامع شامل لها، مع الإشارة إلى أن الإدارة عُرفت ممارسةً منذ قديم الزمان.
2-
…
أن الإدارة تشمل مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والخِدْمية كافّة، وقد أدى هذا الشمول مع اختلاف وتنوع طبيعة العمل في هذه المجالات، إلى جانب حداثة علم الإدارة، أدى ذلك كلُّه إلى تأخر الوصول إلى تعريف شامل لها، وإلى اتفاق تام حول مفاهيمها وأسسها.
3-
…
أن الإدارة تُصنَّف ضمن العلوم الإنسانية لا العلوم الطبيعية، فهي تتعامل مع الإنسان بوصفه وحدةً مستقلة، وتتعامل معه أيضاً بوصفه عضواً في جماعة عمل يخضع لضغوطها ويتأثر بها، وهي تدرس - في سبيل ذلك - الشخصية الإنسانية وسلوكياتها، التي تتصف بالحركة المستمرة وعدم الثبات، ما أدى إلى اختلاف تفسير الشخصية الإنسانية وسلوكها ودافعيتها من مفكر لآخر.
وفيما يأتي مجموعة من التعريفات المستقاة من رواد الفكر الإداري للإحاطة بمضمونها:
لقد عرَّف فريدريك تايلر (F.Taylor) الإدارة بأنها: "المعرفة الصحيحة لما يُراد للعاملين القيام به، ثم التأكد من أنهم يفعلون ذلك بأحسن طريقة وأرخص التكاليف"(1) ، وقد عرَّف هنري فايول (H.Fayol) الإدارة من خلال تحديد عمل المدير، قائلاً:"إن معنى مدير هو: أن تتنبأ، وتخطط، وتنظم، وتصدر أوامر، وتنسق، وتراقب"(2) . وينظر كونتز وأودونيل Koontz & Odonnel (3) للإدارة على أنها «سلسلة من الأنشطة المتتابعة والمتكاملة، تبدأ بتحديد الأهداف ثم رسم طريقة الوصول إليها، وذلك من خلال إعداد نشاطات التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، وهو ما يطلق عليه العملية الإدارية The Management Process) ") . (4) أما علي عبد الوهاب فيعرِّفها بأنها:"عملية اجتماعية مستمرة تعمل على استغلال الموارد المتاحة الاستغلال الأمثل، عن طريق التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة، للوصول إلى هدف محدد"(5) .
تأسيسًا على ما ذكر آنفًا، ومن خلال الاطلاع على بعض التعريفات لعدد من المفكرين ورواد الفكر الإداري قديمًا وحديثًا، نلحظ أن الإدارة
(1) Taylor، F.، Shop Management، Harper and Brothers. N. Y.: 1903، P. 21.
(2)
Fayol، H.، General And Industrial Management، N.Y: Pitman Pub. Co.،Marshal:1949. P.6.
(3)
كونتز وأودونيل: كاتبان أمريكيان عرضا في كتابهما "الإدارة: نظام لتحليل الوظائف الإدارية" أن المهمة الرئيسة للمدير هي إيجاد المناخ الذي يعمل فيه الأفراد كمجموعة متعاونة لتحقيق أهداف الإدارة. انظر: (عسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، دار القلم، دبي، 1987م، ص23) .
(4)
عسكر، سمير أحمد، أصول الإدارة، مرجع سابق، ص 23.
(5)
عبد الوهاب، علي، مقدمة في الإدارة، معهد الإدارة العامة، الرياض، 1982م، ص 13.
بمفهومها الحديث يتعين النظر إليها باعتبارها وحدة متكاملة شاملة، تضمّ في عناصرها مختلف المداخل الفكرية، وأن التركيز في هذا المفهوم ينصبُّ على كون الإدارة عملاً ذهنيًا، يسعى إلى الاستخدام الأمثل لجميع الطاقات والإمكانات المتاحة في المنظمة، وذلك بأعلى كفاءة متاحة وأقل كلفة ممكنة، ويأتي الوقت ضمن هذه الإمكانات أو الموارد المتاحة، بحيث يُفترض أن يُستثمر بشكل فعّال، حيث إن الوقت إن لم يتم استثماره الاستثمار الأمثل، فإن الكلفة معرَّضة للازدياد بدرجة كبيرة.
لذا، فإن تعريف الإدارة - من وجهة نظر الكاتب - يستند إلى التعريفات السابقة في القيام بعناصر العملية الإدارية لإنجاز الأهداف المحددة من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
فالإدارة هي عمل ووقت، يقترن أحدهما بالآخر، وما من عمل يؤدى إلا كان الزمن مترافقًا معه، وما من حركة تؤدى إلا ضمن زمن محدد نمطي (1) . هذا الوقت لا يُكشف بالحواس وإنما يُدرك بالعقول، فما هي حقيقة هذا الوقت؟
ثانياً: إدارة الوقت وتحديد مفهومها
إن إدارة الوقت في حياة الفرد الشخصية وفي المنظمات، تزداد أهميتها تبعًا للمراكز الإدارية، وهي تتدرج في ذلك بدءًا بالمديرين في الإدارة العليا، وصولاً إلى المشرفين في الإدارة الدنيا؛ وفي مجال الإدارة (المجال الذي تُعنى به دراستنا) ، يعد الوقت من أكثر المصطلحات صعوبة عند محاولة تحديده.
(1) وتر، محمد ضاهر، دور الزمن في الإدارة، المطبعة العلمية، دمشق، دت، ص 19 بتصرّف.
وعندما يكثر الحديث في الوقت الحاضر عن ندرة الموارد، فإنه ينبغي لنا أن نأخذ بعين الاعتبار مسألة الاقتصاد في المورد الأهم وهو وقت المديرين الأكفاء. يقول دراكر (Drucker) :"الوقت هو أهم الموارد، فإذا لم تتم إدارته فلن يتم إدارة أي شيء آخر"(1) ، فالإدارة الجيدة للوقت مفيدة من جهة التوفير في تكاليف المشروع، كما أنها مفيدة في حُسن استخدام الموارد الأخرى للمنظمة أيضاً، ولو أننا قمنا بتحليل عناصر الإنتاج (الموارد المالية، الآلات والمعدات، المواد الخام، الوقت، الموارد البشرية) للاحظنا أن عنصر الوقت هو العنصر الإنتاجي الوحيد الموزع بعدالة بين البشر بخلاف العناصر الإنتاجية الأخرى، ومن هنا تجدنا نسأل: من يستثمر هذا العنصر بكفاءة وفعالية؟ وكيف يستثمره؟ إن الموارد البشرية داخل المنظمة هي المعنية بضرورة حسن استخدام هذه العناصر الإنتاجية المتاحة بالكفاءة والفعالية المطلوبتين، لذا فإن كفاءة أداء هذا العنصر يعكس بالنتيجة كفاءة الأداء التنظيمي للمنظمة؛ فلكل منظمة أهداف محددة تسعى لتحقيقها من خلال تكريس استثمار جميع الموارد والإمكانات المتاحة لديها بما فيها الوقت.
وعلى الرغم من هذه الأهمية الكبرى للوقت، فإنه - في واقع الحال - يُعدّ من أكثر العناصر أو الموارد هدراً ومن أقلها استثماراً، سواء من المنظمات أو من الأفراد العاديين، ويعود ذلك لأسباب عديدة قد يكون من أهمها عدم الإدراك الكافي للتكلفة المباشرة المترتبة على سوء استثماره.
وثمة تعريفات متعددة لإدارة الوقت، إذ يعرِّفها هلمر (Helmer) بأنّها "تحديد ووضع أولويات لأهدافنا، بحيث يمكننا تخصيص وقت أكبر
(1) تيمب، دايل، إدارة الوقت، مرجع سابق، ص 32.
للمهمات الأساسية ووقت أقل للمهمات التافهة" (1) . ويرى سهيل سلامة أن إدارة الوقت هي: "استثمار الوقت بشكل فعال لتحقيق الأهداف المحددة في الفترة الزمنية المعينة لذلك" (2) . أما عبد العزيز ملائكة فقد حاول في تعريفه الجمع بين كلٍّ من المنظورين الإسلامي والإداري معاً، حيث يعرّف إدارة الوقت بقوله: "هي تخطيط استخدام الوقت وأسلوب استغلاله بفاعلية، لجعل حياتنا منتجة وذات منفعة أخروية ودنيوية لنا ولمن أمكن من حولنا، وبالذات من هم تحت رعايتنا" (3) . فإدارة الوقت هي الاستخدام الأفضل للوقت، وللإمكانات المتاحة، وذلك بطريقة تؤدي إلى تحقيق الأهداف. ولن يكون ذلك إلا من خلال الالتزام والتحليل والتخطيط والمتابعة، من أجل الاستفادة من الوقت بشكل أفضل في المستقبل.
وتأسيسًا على ما ذكر آنفًا، فإن مفهوم إدارة الوقت يُعدّ من المفاهيم المتكاملة، والشاملة لأي زمان أو مكان أو إنسان، فإدارة الوقت لا تقتصر على إداري دون غيره، كما لا يقتصر تطبيقها على مكان دون آخر، أو على زمان دون غيره.
وقد ارتبط مفهوم الوقت بشكل كبير بالعمل الإداري من خلال وجود عملية مستمرة من التخطيط والتحليل والتقويم لجميع الأنشطة التي يقوم بها الإداري خلال ساعات عمله اليومي، وذلك بهدف تحقيق فعالية مرتفعة في استثمار الوقت المتاح للوصول إلى الأهداف المرجوة.
(1) Helmer، P.، E.، Time Management For Engineers And Constructors، OP. CIT.، P.2.
(2)
سلامة، سهيل فهد، إدارة الوقت: منهج متطور للنجاح، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، إدارة البحوث والدراسات، عمان، 1988م، ص 17.
(3)
ملائكة، عبد العزيز محمد، إدارة الوقت في الأعمال بالمملكة العربية السعودية، مرجع سابق، ص 7.