الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن سنن الصيام:
6 - أن يقول الصائم إذا شتم أو سب إني صائم:
يُسن للصائم إن سابه أو قاتله أو شتمه أحد أن يقول: «إِنِّي صَائِمٌ» ، فحينما يشتم أو يسب الصائم لا يرد الإساءة بمثلها، ولكنه يدفع بالتي هي أحسن، فلا يقول إلا خيرًا، إنه يقول:«إِنِّي صَائِمٌ» .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الصِّيَامُ جُنَّةٌ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» (1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «لَا تَسَابَّ وَأَنْتَ صَائِمٌ، وَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ فَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فَاجْلِسْ» (2).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنْ جَهِلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» (3).
قال الإمام الخطابي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» يتأول على وجهين: أحدهما: فليقل ذلك لصاحبه نطقًا باللسان يرده بذلك عن نفسه. والوجه الآخر: أن يقول ذلك في نفسه: أي ليعلم أنه صائم فلا يخوض معه ولا يكافئه على شتمه؛ لئلا يفسد صومه ولا يحبط أجر عمله» (4).
(1) أخرجه البخاري (1894)، وأبو داود في «سننه» (2363)،
(2)
أخرجه أحمد في «المسند» (9532)، وقال الشيخ: شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، وابن حبان في «صحيحه» (3483).
(3)
أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1691)، وأحمد في «المسند» (7840) وقال الشيخ: شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(4)
انظر: معالم السنن للخطابي (2/ 108).
وقال ابن عبد البر رحمه الله: وأما قوله: «فَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» ففيه قولان:
أحدهما: أن يقول الذي يريد مشاتمته ومقاتلته إني صائم وصومي يمنعني من مجاوبتك؛ لأني أصون صومي عن الخنا والزور، والمعنى في المقاتلة: مقاتلته بلسانه.
والمعنى الثاني: أن الصائم يقول في نفسه إني صائم يا نفسي فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة، ولا يعلن بقوله:«إني صائم» لما فيه من الرياء واطلاع الناس عليه؛ لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر، وكذلك يجزئ الله الصائم أجره بغير حساب (1).
وقال ابن حجر في «فتح الباري» : فالمراد من الحديث أنه لا يعامله بمثل عمله بل يقتصر على قوله إني صائم، واختلف في المراد بقوله:«فليقل إني صائم» هل يخاطب بها الذي يكلمه بذلك، أو يقولها في نفسه؟ وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة، ورجح النووي الأول في «الأذكار» ، وقال في «شرح المهذب»: كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنًا، ولهذا التردد أتى البخاري في ترجمته كما سيأتي بعد أبواب بالاستفهام فقال: باب هل يقول إني صائم إذا شتم.
وقال الروياني: إن كان رمضان فليقل بلسانه وإن كان غيره فليقله في نفسه، وادعى بن العربي أن موضع الخلاف في التطوع وأما في الفرض فيقوله بلسانه قطعًا.
وأما تكرير قوله: «إني صائم» فليتأكد الانزجار منه أو ممن يخاطبه بذلك، ونقل الزركشي أن المراد بقوله:«فليقل إني صائم» مرتين يقوله مرة بقلبه ومرة بلسانه فيستفيد بقوله بقلبه كف لسانه عن خصمه، وبقوله بلسانه كف خصمه عنه، وتعقب بأن القول حقيقة باللسان وأجيب بأنه لا يمنع المجاز (2).
(1) الاستذكار، ابن عبد البر (3/ 374).
(2)
فتح الباري، ابن حجر (4/ 105).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: وهل يقولها سرًا، أو جهرًا؟
قال بعض العلماء: يقولها سرًا، وقال بعض العلماء: جهرًا.
وفصل بعض العلماء بين الفرض والنفل، فقال: في الفرض يقولها جهرًا؛ لبعده عن الرياء، وفي النفل يقولها سرًا؛ خوفًا من الرياء.
والصحيح: أنه يقولها جهرًا في صوم النافلة والفريضة؛ وذلك لأن فيه فائدتين:
الفائدة الأولى: بيان أن المشتوم لم يترك مقابلة الشاتم إلا لكونه صائمًا لا لعجزه عن المقابلة؛ لأنه لو تركه عجزًا عن المقابلة لاستهان به الآخر، وصار في ذلك ذل له، فإذا قال: إني صائم كأنه يقول: أنا لا أعجز عن مقابلتك، وأن أبين من عيوبك أكثر مما بينت من عيوبي، لكني امرؤ صائم.
الفائدة الثانية: تذكير هذا الرجل بأن الصائم لا يشاتم أحدًا، وربما يكون هذا الشاتم صائمًا كما لو كان ذلك في رمضان، وكلاهما في الحضر، سواء حتى يكون قوله هذا متضمنًا لنهيه عن الشتم وتوبيخه عليه (1).
(1) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (6/ 432).