المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10 - تلاوة القرآن الكريم ومدارسته: - تذكير الأنام بسنن وآداب الصيام

[سالم جمال الهنداوي]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌تعريف السنة

- ‌معنى السنة لغةً وشرعًا:

- ‌الفرق بين المستحب والمسنون

- ‌الفصل الأول: سنن الصيام

- ‌1 - السحور:

- ‌2 - تأخير السحور:

- ‌3 - تعجيل الفطر

- ‌4 - الفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد فليفطر على ماء:

- ‌5 - النهي عن قول الزور، والعمل به، والجهل في الصوم:

- ‌6 - أن يقول الصائم إذا شتم أو سب إني صائم:

- ‌7 - أن يقول الصائم إذا دُعي إلى الطعام: إني صائم

- ‌8 - الدعاء عند الفطر:

- ‌9 - الفضل والجود والإكثار من فعل الخير في شهر رمضان:

- ‌10 - تلاوة القرآن الكريم ومدارسته:

- ‌11 - قيام رمضان:

- ‌12 - الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان:

- ‌13 - اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان:

- ‌14 - تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان:

- ‌15 - تفطير الصائمين:

- ‌16 - صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان:

- ‌الفصل الثاني: آداب الصيام

- ‌1 - التوبة:

- ‌2 - الاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس قبل الفجر؛ ليكون على طهر من أول الصوم:

- ‌3 - الاحترز من الحجامة والقبلة:

- ‌أولاً: الحجامة:

- ‌ثانيًا: القُبلة:

- ‌4 - أن لا يكثر من تناول الطعام أو الشراب:

- ‌5 - المحافظة على الوقت:

- ‌6 - التستر عند الأكل والشراب لمن كان له رخصة في الفطر:

- ‌7 - أن لا يجالس إلا الصالحين

- ‌8 - ترك الأكل لو شك في طلوع الفجر:

- ‌9 - التعجيل بقضاء ما أفطره من رمضان:

- ‌الفصل الثالثما يُكره في الصيام

- ‌تعريف المكروه

- ‌أسباب تنوع الأحكام التكليفية

- ‌الحكمة الأولى: رفع الحرج والشقة عن المكلفين:

- ‌الحكمة الثانية: الابتلاء والامتحان من اللَّه تعالى للمكلفين:

- ‌مكروهات الصيام

- ‌1 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق:

- ‌2 - الكلام القبيح والغيبة والنميمة والكذب:

- ‌3 - مضغ العلك

- ‌4 - ذوق الطعام لغير الحاجة

- ‌5 - الحجامة:

- ‌6 - القُبلة:

- ‌7 - تأخير الفطر:

- ‌8 - الوصال في الصوم:

- ‌9 - الإكثار من النوم بالنهار

- ‌10 - كراهية الأكل لو شك في طلوع الفجر:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌10 - تلاوة القرآن الكريم ومدارسته:

ومن سنن الصيام:

‌10 - تلاوة القرآن الكريم ومدارسته:

القرآن الكريم هو دستور المسلمين، إن قراءته عباده، والتفكير فيه عباده، واتباعه واجب، وكلما اقترب الإنسان من تحقيق الأخلاق التي رسمها كان أقرب من الله ورسوله، وأحب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

يجعله الصالحون شعارهم، ويجعلونه وردهم، إنه ربيع قلوبهم الدسم، وهو الرياض التي تتفتح أزاهيرها لبصيرتهم، ناضرة يانعة، إنها تتفتح لهم على الدوام، فيستمتعون بأريجها العطري وجمالها الرائع، وروعتها الجميلة (1).

ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يعملون بالقرآن، ويتخذونه إمامًا وقائدًا، إنهم لم يتخذوه دراسة نظرية، وإنما اتخذوه هداية عملية حتى إن بعضهم ما كان يجاوز في الحفظ السورة إلى غيرها إلا إذا حقق ما فيها من أوامر، وانتهى عما فيها من نواهٍ.

لقد اتخذوه دستورهم في الحياة، وأقاموه إمامًا في حياتهم، لقد طبقوا قواعده والتزموا مبادئه، من جهاد، وضرب في الحياة، ي القول، وإحسان في العمل، وعبودية أسمى وأقوى وأخشع ما تكون العبودية لله سبحانه وحده وحققوا بذلك الأمة التي أحبها الله ورسوله.

ولقد ربى القرآن على مر العصور رجالاً اتخذوه إمامًا وهاديًا؛ فكانوا مثالاً عاليًا في الإنسانية، لا يدانيهم غيرهم من سائر الدول، ولا يزال القرآن للآن هو القرآن الذي وحد قبائل وجمع أشتاتًا، وألف بين قلوب، وكون أمة، وأرسى قواعد حضارية تعتز بها؛ لأنها حضارة بنيت على التقوى من أول يوم (2).

(1) شهر رمضان، د. عبد الحليم محمود (78).

(2)

القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، د. عبد الحليم محمود (26، 27).

ص: 47

وشهر رمضان هو الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم هداية للبشرية جميعًا، ورحمة للناس أجمعين، قال تعالى:{((((((رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى (((((((((((((((} [البقرة: 185].

فيجب علينا أن نعمر أوقاتنا بقراءته، ومدارسته وختمه مرات كما كان يفعل سلفنا الصالح رحمهم الله، وأن نتأدب بآداب القرآن الكريم، ونقف عند حدوه ونواهيه، وإذا تلي علينا نحسن الاستماع والانصات لتلاوته، وأن نغتنم أجر وثواب تلاوته.

عَن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» (1).

قال الإمام البغوي رحمه الله:

سُمي القرآن قرآنا؛ لأنه يجمع السور والآي والحروف، وجمع فيه القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد.

وأصل القرء: الجمع، وقد يحذف الهمز منه فيقال: قريت الماء في الحوض إذا جمعته، وقرأ ابن كثير: القران بفتح الراء غير مهموز، وكذلك كان يقرأ الشافعي ويقول ليس هو من القراءة ولكنه اسم لهذا الكتاب كالتوراة والإنجيل (2).

وقال الإمام القرطبي رحمه الله:

نص في أن القرآن نزل في شهر رمضان، وهو يبين قوله عز وجل:{(1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 1 - 3]، يعني: ليلة القدر؛ ولقوله: {أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ

(1) أخرجه الترمذي في «سننه» (2910)، وقال الشيخ الألباني: صحيح، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1830).

(2)

انظر: تفسير البغوي (1/ 198).

ص: 48

} [القدر: 1]، وفي هذا دليل على أن ليلة القدر إنما تكون في رمضان لا في غيره، ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر- على ما بيناه- جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا، ثم كان جبريل عليه السلام ينزل به نجمًا نجمًا في الأوامر والنواهي والأسباب، وذلك في عشرين سنة.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أنزل القرآن من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى الكتبة في سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل عليه السلام نجومًا-يعني الآية والآيتين- في أوقات مختلفة في إحدى وعشرين سنة.

وقال مقاتل في قوله تعالى: {((((((رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} قال: أنزل من اللوح المحفوظ كل عام في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، ثم نزل إلى السفرة من اللوح المحفوظ في عشرين شهرًا، ونزل به جبريل في عشرين سنة. قلت: وقول مقاتل هذا خلاف ما نقل من الإجماع: «أن القرآن أنزل جملة واحدة» ، والله أعلم. (1).

عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم القُرْآنَ

» (2) الحديث.

في لفظٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ

» الحديث (3).

(1) انظر: تفسير القرطبي (2/ 297، 298).

(2)

أخرجه البخاري (1902)، ومسلم (2308).

(3)

أخرجه البخاري (3220)،

ص: 49

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنْ فَاطِمَةَ عليها السلام:«أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي العَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أُرَاهُ إِلَّا حَضَرَ أَجَلِي» (1).

وقال ابن بطال رحمه الله:

وما كانت مدارسته للقرآن إلا لتزيده رغبة فى الآخرة، وتزهدًا فى الدنيا، وفيه: دليل أن الجليس الصالح ينتفع بمجالسته.

فإن قيل: فما معنى مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن وقد ضمن الله لنبيه ألا ينساه بقوله: {((((((((((((فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]؟

فالجواب: أن الله تعالى إنما ضمن له ألا ينساه بأن يقرئه إياه فى المستأنف؛ لأن السين فى {سَنُقْرِؤُكَ} دخلت للاستئناف، فأنجز له ذلك بإقراء جبريل، ومدارسته له القرآن فى كل رمضان.

وخص رمضان بذلك؛ لأن الله تعالى أنزل فيه القرآن إلى السماء الدنيا، ولتتأسى بذلك أمته فى كل أشهر رمضان، فيكثروا فيه من قراءة القرآن، فيجتمع لهم فضل الصيام والتلاوة والقراءة والقيام (2).

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:

ودل الحديث أيضًا على استحباب دراسة القرآن في رمضان والإجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، وفي حديث فاطمة عليها السلام عن أبيها صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها:«أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة وأنه عارضه في عام وفاته مرتين» ، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن المدارسة بينه وبين جبريل كان ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاًً؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب

(1) صحيح البخاري (6/ 186).

(2)

شرح صحيح البخاري، ابن بطال (1/ 40).

ص: 50

واللسان على التدبر كما قال تعالى: {((((نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ (((((} [المزمل:6].

وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: {((((((رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ (((((((((((((} [البقرة: 185]، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في ليلة القدر، ويشهد لذلك قوله تعالى:{((((((أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر:1]، وقوله:{((((((أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا ((((((((} [الدخان: 3].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره، وقد صلى معه حذيفة ليلة في رمضان قال:«فقرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فأذنه بالصلاة» خرجه الإمام أحمد وخرجه النسائي وعنده أنه ما صلى إلا أربع ركعات.

وكان عمر رضي الله عنه: قد أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما بالناس في شهر رمضان، فكان القارىء يقرأ بالمائتين في ركعة حتى كانوا يعتمدون على العصى من طول القيام وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر.

وفي رواية: «أنهم كانوا يربطون الحبال بين السواري ثم يتعلقون بها» ، وروي أن عمر جمع ثلاثة قراء فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ بالناس ثلاثين وأوسطهم بخمس وعشرين وأبطأهم بعشرين ثم كان في زمن التابعين يقرؤون بالبقرة في قيام رمضان في ثمان ركعات فإن قرأ بها في اثنتي عشرة ركعة رأوا أنه قد خفف.

قال ابن منصور: سئل إسحاق بن راهوية كم يقرأ في قيام شهر رمضان فلم يرخص في دون عشر آيات فقيل له: إنهم لا يرضون؟ فقال: لا رضوا فلا تؤمنهم إذا لم يرضوا بعشر آيات، من البقرة ثم إذا صرت إلى الآيات الخفاف فبقدر عشر آيات من البقرة يعني في كل ركعة وكذلك كره مالك أن يقرأ دون عشر آيات.

ص: 51

وسئل الإمام أحمد عما روي عن عمر كما تقدم ذكره في السريع القراءة والبطيء فقال: في هذا مشقة على الناس ولا سيما في هذه الليالي القصار وإنما الأمر على ما يحتمله الناس، وقال أحمد لبعض أصحابه وكان يصلي بهم في رمضان: هؤلاء قوم ضعفى اقرأ خمسًا ستًا سبعًا قال: فقرأت فختمت ليلة سبع وعشرين، وقد روى الحسن: أن الذي أمره عمر أن يصلي بالناس كان يقرأ خمس آيات ست آيات.

وكلام الإمام أحمد يدل على: أنه يراعي في القراءة حال المأمومين فلا يشق عليهم، وقاله أيضًا غيره من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة وغيرهم.

وقد روي عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل فقالوا له: لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال: «إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته» خرجه أهل السنن وحسنه الترمذي، وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل ونصفه يكتب به قيام ليلة لكن مع الإمام، وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث ويصلي مع الإمام حتى ينصرف ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام، وقال بعض السلف: من قام نصف الليل فقد قام الليل.

وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ» (1) يعني: أنه كتب له قنطار من الأجر، ويروى من حديث تميم وأنس مرفوعًا:«مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ، كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ» (2)، وفي إسنادهما ضعف، وروي حديث تميم موقوفًا عليه وهو أصح.

(1) أخرجه أبو داود في «سننه» (1398)، وقال الألباني: صحيح، وابن حبان في «صحيحه» (2572)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.

(2)

أخرجه أحمد في «المسند» (16958)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث حسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه، والدارمي في «سننه» (3493).

ص: 52

وعن ابن مسعود قال: «من قرأ ليلة خمسين آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ بمائة آية كتب من القانتين ومن قرأ ثلاثمائة آية كتب له قنطار» .

ومن أراد أن يزيد في القراءة ويطيل وكان يصلي لنفسه فليطول ما شاء كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك من صلى بجماعة يرضون بصلاته.

وكان بعض السلف: يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم: في كل سبع، منهم: قتادة، وبعضهم: في كل عشرة، منهم: أبو رجاء العطاردي.

وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، كان الأسود يقرأ في كل ليلتين في رمضان، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقية الشهر في ثلاث.

وكان قتادة: يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر كل ليلة، وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وعن أبي حنيفة نحوه، وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام.

قال ابن عبد الحكم: كان مالك إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف، قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن، وكانت عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف أول النهار في شهر رمضان فإذا طلعت الشمس نامت، وقال سفيان: كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه.

وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا للزمان والمكان وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره.

ص: 53

واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان لنفسه: جهاد بالنهار على الصيام وجهاد بالليل على القيام فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بحقوقهما وصبر عليهما وفى أجره بغير حساب، قال كعب: ينادي يوم القيامة منادٍ بأن كل حارث يعطى بحرثه، ويزاد غير أهل القرآن والصيام يعطون أجورهم بغير حساب.

ويشفعان له أيضًا عند الله عز وجل كما في المسند عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ» ، قَالَ:«فَيُشَفَّعَانِ» (1).

فالصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها، سواءً كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها أو لا يختص كشهوة فضول الكلام المحرم والنظر المحرم، والسماع المحرم، والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه ومنعه من شهواته.

فأما من ضيع صيامه ولم يمنعه مما حرمه الله عليه فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني، كما ورد مثل ذلك في الصلاة.

قال بعض السلف: «إذا احتضر المؤمن يقال للملك: شم رأسه قال: أجد في رأسه القرآن فيقال شم قلبه فيقول: أجد في قلبه الصيام فيقال: شم قدميه فيقول: أجد في قدميه القيام فيقال: حفظ نفسه حفظه الله عز وجل» .

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (6626)، وقال الأرنؤوط: إسناده ضعيف، والحاكم في «المستدرك» (2036)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (1839).

ص: 54

وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل، فأما من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فقال:«ذاك لا يتوسد القرآن» يعني: لا ينام عليه فيصير له كالوسادة.

وخرج الإمام أحمد من حديث بريدة مرفوعًا: «إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَاتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَاسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَا وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا» (1).

قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ينبغي لقارىء القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، ونهاره إذا الناس يفطرون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبصمته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه إذا الناس يختالون، وبحزنه إذا الناس يفرحون» .

قال محمد بن كعب: كنا نعرف قارىء القرآن بصفرة لونه يشير إلى سهره وطول تهجده.

قال وهيب بن الورد: قيل لرجل ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي وصحب رجل رجلا شهرين فلم يره نائمًا فقال: مالي لا أراك نائما قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي ما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في أخرى.

قال أحمد أبي الحواري: إني لأقرا القرآن وأنظر في آيه فيحير عقلي بها وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله وأما إنهم لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا أنشد ذو النون المصري:

(1) أخرجه أحمد في «المسند» (22950)، وقال الأرنؤوط: إسناده حسن.

ص: 55

منع القرآن بوعده ووعيده

مقل العيون بليلها لا تهجع

فهموا عن الملك العظيم كلامه

فهما تذل له الرقاب وتخضع

فأما من كان معه القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به بالنهار فإنه ينتصب القرآن خصمًا له يطالبه بحقوقه التي ضيعها.

وخرج الإمام أحمد من حديث سمرة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في منامه رجلاً مستلقيًا على قفاه، ورجل قائم بيده فهر أو صخرة فيشدخ به رأسه فيتدهده الحجر، فإذا ذهب ليأخذه عاد رأسه كما كان فيصنع به مثل ذلك فسأل عنه؟ فقيل له: هذا رجل آتاه الله القرآن فنام عنه بالليل، ولم يعمل به بالنهار فهو يفعل به ذلك إلى يوم القيامة» (1)، وقد خرجه البخاري بغير هذا اللفظ (2).

فضل الاجتماع في المسجد لتلاوة القرآن ومدارسته:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» (3).

قال الإمام النووي رحمه الله:

قيل المراد بالسكينة هنا: الرحمة، وهو الذي اختاره القاضي عياض، وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه، وقيل: الطمأنينة والوقار هو أحسن، وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور.

(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (20165)، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

(2)

انظر: لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي (169 - 173).

(3)

أخرجه مسلم (2699)، وأحمد في «المسند» (7427)، وأبو داود في «سننه» (1455).

ص: 56

وقال مالك: يكره، وتأوله بعض أصحابه، ويلحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع فى مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى، ويدل عليه الحديث الذي بعده فإنه مطلق يتناول جميع المواضع ويكون التقييد في الحديث الأول خرج على الغالب لا سيما في ذلك الزمان فلا يكون له مفهوم يعمل به (1).

وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:

هذا يدل على استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته، وهذا إن حمل على تعلم القرآن وتعليمه، فلا خلاف في استحبابه، وفي صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» (2).

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: فذاك الذي أقعدني في مقعدي هذا، وكان قد علم القرآن في زمن عثمان بن عفان حتى بلغ الحجاج بن يوسف.

وإن حمل على ما هو أعم من ذلك، دخل فيه الاجتماع في المسجد على دراسة القرآن مطلقًا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحيانًا يأمر من يقرأ القرآن ليسمع قراءته، كما كان ابن مسعود يقرأ عليه، وقال صلى الله عليه وسلم:«إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» (3).

وكان عمر رضي الله عنه يأمر من يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يسمعون، فتارةً يأمر أبا موسى، وتارة يأمر عقبة بن عامر رضي الله عنهم جميعًا-.

وسئل ابن عباس: أي العمل أفضل؟ قال: «ذكر الله، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتعاطون فيه كتاب الله فيما بينهم ويتدارسونه، إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها، وكانوا أضياف الله ما داموا على ذلك حتى يفيضوا في حديث غيره» ، وروي مرفوعًا والموقوف أصح.

(1) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (17/ 21، 22).

(2)

أخرجه البخاري (5027)، وأبو داود في «سننه» (1452)، والترمذي في «سننه» (2907).

(3)

أخرجه البخاري (5049)، ومسلم (800).

ص: 57

وروى يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه قال: كانوا إذا صلوا الغداة، قعدوا حلقًا حلقًا، يقرءون القرآن، ويتعلمون الفرائض والسنن، ويذكرون الله عز وجل (1).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

من المستحب أن الناس يجتمعون على تلاوة القرآن، كما يوجد الآن في حلقات تحفيظ القرآن في المساجد، فإن هذا النوع يجتمعون يتعلمون القرآن ويعلمونه، فإن هذا مما ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما رواه أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» .

هذه أربعة أشياء تترتب على هذا الاجتماع بقوله صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الله» وبيوت الله في الأرض المساجد، قال الله تعالى:{(((بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ (((((((((((} [النور: 36، 37]، وأضاف الله هذه الأماكن إلى نفسه تشريفًا وتعظيمًا؛ ولأنها محل ذكره وتلاوة كلامه والتقرب إليه بالصلاة، وإلا فهو سبحانه وتعالى فوق عرشه فوق سماواته لا يحل في شيء من خلقه، ولا يحل فيه شيء من خلقه جل وعلا لكن هذه الإضافة للتشريف.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «يتلون كتاب الله» تلاوة كتاب الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1 -

تلاوة اللفظ.

2 -

تلاوة المعنى.

3 -

تلاوة العمل.

أما تلاوة اللفظ: فمعروف يقرأ هذا وهذا وهذا، وهي على نوعين:

(1) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي (2/ 300، 301).

ص: 58

1 -

أن يقرأ القارئ صفحة أو صفحتين، ثم يتابع الباقون يقرءون نفس ما قرأ، وهذا غالبًا يكون في التعليم.

2 -

أن يقرأ القارئ صفحة أو صفحتين، ثم يقرأ الثاني بعده صفحة أو صفحتين غير ما قرأهما الأول وهلم جرا.

فإن قال قائل: هذا النوع الثاني يفوت فيه ثواب بعضهم؛ لأن ما قرأه هذا غير ما قرأه ذاك، فيقال: لا يفوته شيء؛ لأن المستمع كالقارئ له ثوابه، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى في سورة يونس في قصة موسى صلى الله عليه وسلم حين دعا على آل فرعون:{(((((((اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ (((((((((} [يونس: 88]، القائل هو موسى كما في أول الآية:{(((((((مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ (((((((((} ، فقال الله تعالى:{(((((قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا (((((((((((} [يونس: 89]، الداعي واحد، لكن قال العلماء إن هارون كان يستمع ويؤمن على دعائه فكان الدعاء لهما جميعا.

أما التلاوة المعنوية: فأن يتدارس هؤلاء القوم كلام الله عز وجل ويتفهموا معناه، وقد كان السلف الصالح لا يقرءون عشر آيات حتى يتفهموها وما فيها من العلم والعمل.

أما القسم الثالث من التلاوة فهي تلاوة العمل: وهذه هي المقصود الأعظم للقرآن الكريم، كما قال تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].

العمل بما جاء في القرآن، وذلك بتصديق ما أخبر الله به، والقيام بما أمر به، والبعد عما نهى عنه، هذه التلاوة العملية لكتاب الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم:«إلا نزلت عليهم السكينة» السكينةُ: شيء يقذفه الله عز وجل في القلب فيطمئن ويوقن ويستقر، ولا يكون عنده قلق

ص: 59

ولا شك ولا ارتياب، هو ذاته مطمئن، وهذه من أكبر نعم الله على العبد أن ينزل السكينة في قلبه بحيث يكون مطمئنًا غير قلق ولا شاك، راضيًا بقضاء الله وقدره مع الله عز وجل في قضائه وقدره، إن أصابته ضراء صبر وانتظر الأجر من الله، وإن أصابته سراء شكر وحمد الله على ذلك مطمئن مستقر مستريح، هذه السكينة نعمة عظيمة نسأل الله أن ينزل في قلوبنا وقلوبكم السكينة، وقد قال الله تعالى:{((((الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ ((((((((((((} [الفتح: 4]، فهي من أسباب زيادة الإيمان.

«وغشيتهم الرحمة» يعني: غطتهم، والغشيان بمعنى الغطاء كما قال تعالى:{((((((((((إِذَا ((((((((} [الليل: 1] يعني: يغطي الأرض بظلامه.

«غشيتهم الرحمة» أي: رحمة الله عز وجل فتغشاهم وتحيط بهم وتكون لهم بمنزلة الغطاء الشامل لكل ما يحتاجون إليه من رحمة الله عز وجل.

«وحفتهم الملائكة» أحاطت بهم يستمعون الذكر، ويكونون شهداء عليهم، «وذكرهم الله فيمن عنده» يذكرهم الله تعالى في الملأ الأعلى، وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي:«وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ» (1)، وهذا الحديث يدل على فضيلة الاجتماع على كتاب الله عز وجل (2).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد هذا الحديث:

1 -

أن رحمة الله عز وجل تحيط بهؤلاء المجتمعين على كتاب الله؛ لقوله: «وَغَشيتهم الرَّحمَةُ» أي: أحاطت بهم من كل جانب كالغشاء وهو الغطاء يكون على الإنسان.

2 -

أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت من بيوت الله لينالوا بذلك شرف المكان؛ لأن أفضل البقاع المساجد.

(1) أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675).

(2)

شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين (4/ 705 - 709).

ص: 60

3 -

تسخير الملائكة لبني آدم؛ لقوله: «حَفَّتهم المَلائِكة» ، فإن هذا الحف إكرام لهؤلاء التالين لكتاب الله عز وجل.

4 -

علم الله عز وجل بأعمال العباد؛ لقوله: «وَذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَن عِنده» جزاء لذكرهم ربهم عز وجل بتلاوة كتابه.

5 -

أن الله عز وجل يجازي العبد بحسب عمله، فإن هؤلاء القوم لما تذاكروا بينهم، وكان كل واحد منهم يسمع الآخر، ذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة تنويهًا بهم ورفعة لذكرهم (1).

«وينبغي الانتباه إلى تدبر الآيات والتفكر فيها أثناء القراءة، وليس المقصود هو كثرة القراءة وسرعتها، وقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه جاءه رجل فقال: «إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة -والمفصل هو السبع السابع من القرآن الكريم ويبدأ بسورة الحجرات إلى سورة الناس- فقال ابن مسعود: أهذَّاً كهذِّ الشعر؟! إن أقوامًا يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع» ، وكان ابن مسعود يقول:«إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فأصغ لها سمعك، فإنه خير تُؤْمَر به أو شر تُصْرَف عنه» . وقال الحسن البصري: «أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملاً» .

وخلاصة الأمر: أن على المسلم أن يصرف جميع وقته في طاعة الله عز وجل وبالذات في رمضان، وأن لا يضيع وقته في متابعة ما يقدمه شياطين الإنس في الفضائيات وغيرها من فساد وانحلال ومن فحشاء ومنكر» (2).

(1) شرح الأربعين النووية، ابن عثيمين (365، 366).

(2)

يسألونك عن رمضان، حسام الدين عفانة (296، 297).

ص: 61