الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن سنن الصيام:
16 - صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان:
ويندب صيام ستة أيام من شهر شوال؛ وذلك تحصيلاً لفضيلة صيام الدهر، واتباعًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (1).
والسر في مشروعيتها: أنها بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة تكمل فائدتها بالنسبة إلى أمزجة لم تتام فائدتها بهم، وإنما خص في بيان فضيلة التشبه بصوم الدهر؛ لأن من القواعد المقررة أن الحسنة بعشر أمثالها، وبهذه الستة يتم الحساب (2).
قال النووي رحمه الله:
قال أصحابنا: يستحب صوم ستة أيام من شوال؛ لهذا الحديث، قالوا: ويُستحب أن يصومها متتايعة في أول شوال، فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال جاز وكان فاعلاً لأصل هذه السنة لعموم الحديث وإطلاقه، وهذا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال أحمد وداود.
وقال مالك وأبو حنيفة: يكره صومها.
قال مالك في «الموطإ» : وصوم ستة أيام من شوال لم أر أحدًا من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغه ذلك عن أحد من السلف، وأن أهل العلم كانوا يكرهون ذلك ويخافون بدعته، وأن يلحق برمضان أهل الجفاء والجهالة ما ليس منه لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك، هذا كلام مالك في «الموطإ» .
(1) أخرجه مسلم (1164)، وأحمد في «المسند» (23533)، وأبوداود في «سننه» (2433)، والترمذي في «سننه» (759)، وابن ماجه في «سننه» (1716)، والنسائي في «السنن الكبرى) (2875).
(2)
انظر: حجة الله البالغة للدهلوي (2/ 85).
ودليلنا: الحديث الصحيح السابق ولا معارض له، وأما قول مالك:«لم أر أحدًا يصومها» فليس بحجة في الكراهة؛ لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض فكونه لم ير لا يضر، وقولهم:«لأنه قد يخفى ذلك فيعتقد وجوبه» ضعيف؛ لأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله إنه يكره صوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه، وهذا لا يقوله أحد (1).
وقال ابن رشد رحمه الله:
أن مالكًا كره ذلك، إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان، وإما لأنه لعله لم يبلغه الحديث، أو لم يصح عنده وهو الأظهر (2).
وقال اللخمي رحمه الله:
وإذا ثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا معنى للكراهة بأنه زيادة على الفرض، فإنه إنما يصومهن تطوعًا، لا بنية الفرض، وقد فصل بينه وبين الفرض بإفطار يوم العيد، والله أعلم (3).
وقال الصنعاني رحمه الله:
إنه بعد ثبوت النص بذلك لا حكم لهذه التعليلات، وما أحسن ما قاله ابن عبد البر: إنه لم يبلغ مالكًا هذا الحديث، يعني حديث مسلم (4).
وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بِشَهْرَيْنِ، فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ» (5).
(1) انظر: المجموع شرح المهذب للنووي (6/ 379).
(2)
انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد (2/ 71).
(3)
انظر: مختصر خلافيات البيهقي للخمي (3/ 102).
(4)
انظر: سبل السلام، الصنعاني (1/ 582).
(5)
أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (2873)، والدارمي في «سننه» (1796).
قال العمراني رحمه الله في «البيان» :
قال أصحابنا: وهذا صحيح في الحساب؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، وصوم شهر رمضان يقوم مقام ثلاثمائة يوم، وهو عشرة أشهر، فإذا صام ستة أيام بعده قامت مقام ستين يومًا، وذلك شهران، وذلك كله عدد أيام السنة (1).
وقال الإمام الرملي رحمه الله:
وخص شوال بذلك؛ لمشقة الصيام مع تشوف النفس إلى الأكل وصبرها على طول الصوم (2).
وقال ابن عثيمين في «الشرح الممتع» :
قال الفقهاء رحمهم الله: والأفضل أن تكون هذه الست بعد يوم العيد مباشرة؛ لما في ذلك من السبق إلى الخيرات.
والأفضل أن تكون متتابعة؛ لأن ذلك أسهل غالبًا؛ ولأن فيه سبقًا لفعل هذا الأمر المشروع.
فعليه يُسن أن يصومها في اليوم الثاني من شوال ويتابعها حتى تنتهي، وهي ستنتهي في اليوم الثامن، من شهر شوال، وهذا اليوم الثامن يسميه العامة عيد الأبرار، أي: الذين صاموا ستة أيام من شوال.
ولكن هذا بدعة فهذا اليوم ليس عيدًا للأبرار، ولا للفجار، ثم إن مقتضى قولهم، أن من لم يصم ستة أيام من شوال ليس من الأبرار، وهذا خطأ، فالإنسان إذا أدى فرضه فهذا بَرُّ بلا شك، وإن كان بعض البر أكمل من بعض.
ثم إن السنة أن يصومها بعد انتهاء قضاء رمضان لا قبله، فلو كان عليه قضاء ثم صام الستة قبل القضاء فإنه لا يحصل على ثوابها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من صام رمضان» ومن بقي عليه
(1) انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني (3/ 548).
(2)
انظر: غاية البيان شرح زبد ابن رسلان للرملي (158).
شيء منه فإنه لا يصح أن يقال: إنه صام رمضان؛ بل صام بعضه، وليست هذه المسألة مبنيّة على الخلاف في صوم التطوع قبل القضاء؛ لأن هذا التطوع أعني صوم الست قيده النبي صلى الله عليه وسلم بقيد وهو أن يكون بعد رمضان.
وقد توهم بعض الناس فظن أنه مبني على الخلاف في صحة صوم التطوع قبل قضاء رمضان، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك، وبينا أن الراجح جواز التطوع وصحته، ما لم يضق الوقت عن القضاء.
تنبيه: لو أخر صيام الست من شوال عن أول الشهر ولم يبادر بها، فإنه يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«ثم أتبعه ستًا من شوال» فظاهره أنه ما دامت الست في شوال، ولو تأخرت عن بداية الشهر فلا حرج، لكن المبادرة وتتابعها أفضل من التأخير والتفريق؛ لما فيه من الإسراع إلى فعل الخير (1).
وقال الدكتور/حسام الدين عفانة: فمن السنة أن تصوم ستة أيام من شهر شوال، والأفضل في حق من كان عليه قضاء أيام من رمضان أن يقضيها أولاً ثم يصوم ستاً من شوال؛ فإن القضاء واجب وصيام الستة سنة والواجب مقدم على السنة (2).
(1) انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (6/ 465، 466).
(2)
انظر: يسألونك عن رمضان، د/حسام الدين عفانة (142).
الفصل الثاني
آدابُ الصيام