المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌13 - اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان: - تذكير الأنام بسنن وآداب الصيام

[سالم جمال الهنداوي]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌تعريف السنة

- ‌معنى السنة لغةً وشرعًا:

- ‌الفرق بين المستحب والمسنون

- ‌الفصل الأول: سنن الصيام

- ‌1 - السحور:

- ‌2 - تأخير السحور:

- ‌3 - تعجيل الفطر

- ‌4 - الفطر على رطبات، فإن لم يجد فعلى تمرات، فإن لم يجد فليفطر على ماء:

- ‌5 - النهي عن قول الزور، والعمل به، والجهل في الصوم:

- ‌6 - أن يقول الصائم إذا شتم أو سب إني صائم:

- ‌7 - أن يقول الصائم إذا دُعي إلى الطعام: إني صائم

- ‌8 - الدعاء عند الفطر:

- ‌9 - الفضل والجود والإكثار من فعل الخير في شهر رمضان:

- ‌10 - تلاوة القرآن الكريم ومدارسته:

- ‌11 - قيام رمضان:

- ‌12 - الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان:

- ‌13 - اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان:

- ‌14 - تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان:

- ‌15 - تفطير الصائمين:

- ‌16 - صيام ستة أيام من شوال بعد صيام شهر رمضان:

- ‌الفصل الثاني: آداب الصيام

- ‌1 - التوبة:

- ‌2 - الاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس قبل الفجر؛ ليكون على طهر من أول الصوم:

- ‌3 - الاحترز من الحجامة والقبلة:

- ‌أولاً: الحجامة:

- ‌ثانيًا: القُبلة:

- ‌4 - أن لا يكثر من تناول الطعام أو الشراب:

- ‌5 - المحافظة على الوقت:

- ‌6 - التستر عند الأكل والشراب لمن كان له رخصة في الفطر:

- ‌7 - أن لا يجالس إلا الصالحين

- ‌8 - ترك الأكل لو شك في طلوع الفجر:

- ‌9 - التعجيل بقضاء ما أفطره من رمضان:

- ‌الفصل الثالثما يُكره في الصيام

- ‌تعريف المكروه

- ‌أسباب تنوع الأحكام التكليفية

- ‌الحكمة الأولى: رفع الحرج والشقة عن المكلفين:

- ‌الحكمة الثانية: الابتلاء والامتحان من اللَّه تعالى للمكلفين:

- ‌مكروهات الصيام

- ‌1 - المبالغة في المضمضة والاستنشاق:

- ‌2 - الكلام القبيح والغيبة والنميمة والكذب:

- ‌3 - مضغ العلك

- ‌4 - ذوق الطعام لغير الحاجة

- ‌5 - الحجامة:

- ‌6 - القُبلة:

- ‌7 - تأخير الفطر:

- ‌8 - الوصال في الصوم:

- ‌9 - الإكثار من النوم بالنهار

- ‌10 - كراهية الأكل لو شك في طلوع الفجر:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌13 - اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان:

ومن سنن الصيام:

‌13 - اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان:

ويسن الاعتكاف فيه -أي: في شهر رمضان - وآكده العشر الأواخر منه؛ لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ» (1) رواهما البخاري ومسلم (2).

وقال أبو داود عن أحمد: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافًا أن الاعتكاف مسنون، وأما المقصود منه: فهو جمع القلب على الله تعالى بالخلوة مع خلو المعدة، والإقبال عليه تعالى، والتنعم بذكره، والإعراض عما عداه (3).

قال ابن القيم رحمه الله:

لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفًا على جمعيته على الله عز وجل، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى، وكان فضول الطعام والشراب، وفضول مخالطة الأنام، وفضول الكلام، وفضول المنام، مما يزيده شعثًا، ويشتته في كل واد ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى، أو يضعفه أو يعوقه ويوقفه، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب، ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى، وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه، ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة.

(1) أخرجه البخاري (2025) ومسلم (1171)،

(2)

انظر: المجموع شرح المهذب للنووي (6/ 377).

(3)

انظر: سبل السلام للصنعاني (1/ 593).

ص: 71

وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى، وجمعيته عليه، والخلوة به، والانقطاع عن الاشتغال بالخلق، والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه، والإقبال عليه في محل هموم القلب وخطراته، فيستولي عليه بدلها، ويصير الهم كله به، والخطرات كلها بذكره، والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه، فيصير أنسه بالله بدلاً عن أنسه بالخلق، فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له، ولا ما يفرح به سواه، فهذا مقصود الاعتكاف الأعظم.

ولما كان هذا المقصود إنما يتم مع الصوم، شرع الاعتكاف في أفضل أيام الصوم وهو العشر الأخير من رمضان (1).

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ» (2).

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» (3).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ عز وجل» (4).

قال ابن بطال-رحمه الله:

فهذا يدل على أن الاعتكاف من السنن المؤكدة؛ لأنه مما واظب عليه النبي عليه السلام؛ فينبغي للمؤمنين الاقتداء فى ذلك بنبيهم.

(1) انظر: زاد المعاد لابن القيم (2/ 82، 83).

(2)

أخرجه البخاري (2025) ومسلم (1171)،

(3)

أخرجه البخاري (2026)، ومسلم (1172).

(4)

أخرجه أحمد في «مسنده» (7784).

ص: 72

وذكر ابن المنذر عن ابن شهاب أنه كان يقول: عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف، وإن النبي عليه السلام لم يتركه منذ دخل المدينة كل عام فى العشر الأواخر حتى قبضه الله، وروى ابن نافع عن مالك قال: ما زلت أفكر فى ترك الصحابة الاعتكاف، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى وهم أتبع الناس بآثاره، حتى أخذ بنفسى أنه كالوصال المنهى عنه، وأراهم إنما تركوه لشدته، وأن ليله ونهاره سواء، قال مالك: ولم يبلغني أن أحدًا من السلف اعتكف إلا أبو بكر بن عبد الرحمن. واسمه المغيرة، وهو ابن أخى أبى جهل، وهو أحد فقهاء تابعى المدينة.

قال ابن المنذر: روينا عن عطاء الخرسانى أنه قال: كان يقال: مثل المعتكف كمثل عبد ألقى نفسه بين يدى ربه، ثم قال: رب لا أبرح حتى تغفر لي، رب لا أبرح حتى ترحمني (1).

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:

وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العشر التي يطلب فيها ليلة القدر قطعًا؛ لإشغاله وتفريغًا للياليه، وتخليًا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، وكان يحتجر حصيرًا يتخلى فيها عن الناس فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس حتى ولا لتعلم علم وإقراء قرآن، بل الأفضل له الإنفراد بنفسه والتخلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه.

وهذا الإعتكاف: هو الخلوة الشرعية، وإنما يكون في المساجد؛ لئلا يترك به الجمع والجماعات، فإن الخلوة القاطعة عن الجمع والجماعات منهي عنها، سئل ابن عباس -رضي اللع عنهما- عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد الجمعة والجماعة قال:«هو في النار» ، فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الإعتكاف في المساجد خصوصًا في شهر رمضان خصوصًا في العشر الأواخر منه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه، كما كان داود الطائي يقول في ليله: همك

(1) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 181، 182).

ص: 73

عطل على الهموم وحالف بيني وبين السهاد وشوقي إلى النظر إليك أوثق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات .. مالي شغل سواه مالي شغل .. ما يصرف عن قلبي هواه عذل .. ما أصنع أجفان وخاب الأمل

مني بدل ومنه مالي بدل.

فمعنى الإعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق؛ للإتصال بخدمة الخالق، وكلما قويت المعرفة بالله والمحبة له والأنس به أورثت صاحبها الإنقطاع إلى الله تعالى بالكلية على كل حال.

كان بعضهم لا يزال منفردًا في بيته خاليًا بربه فقيل له: أما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني (1).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«أَنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ، اعْتَكَفَ عِشْرِينَ» (2).

لماذا اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم عشرين؟

قال ابن حجر رحمه الله: قيل: السبب في ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم علم بانقضاء أجله فأراد أن يستكثر من أعمال الخير؛ ليبين لأمته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا أقصى العمل؛ ليلقوا الله على خير أحوالهم.

وقيل: السبب فيه أن جبريل عليه السلام كان يعارضه بالقرآن في كل رمضان مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين؛ فلذلك اعتكف قدر ما كان يعتكف مرتين، ويؤيده أن عند ابن ماجه عن هناد عن أبي بكر بن عياش في آخر حديث الباب متصلاً به:«وكان يعرض عليه القرآن في كل عام مرة فلما كان العام الذي قبض فيه عرضه عليه مرتين» .

(1) انظر: لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي (190، 191).

(2)

أخرجه أحمد في «مسنده» (8435).

ص: 74

وقال بن العربي: يحتمل أن يكون سبب ذلك أنه لما ترك الاعتكاف في العشر الأخير بسبب ما وقع من أزواجه واعتكف بدله عشرًا من شوال اعتكف في العام الذي يليه عشرين؛ ليتحقق قضاء العشر في رمضان اهـ.

وأقوى من ذلك أنه إنما اعتكف في ذلك العام عشرين؛ لأنه كان العام الذي قبله مسافرًا، ويدل لذلك ما أخرجه النسائي واللفظ له وأبو داود وصححه بن حبان وغيره من حديث أبي بن كعب:«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فسافر عامًا فلم يعتكف فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين» .

ويحتمل تعدد هذه القصة بتعدد السبب، فيكون مرة بسبب ترك الاعتكاف لعذر السفر، ومرة بسبب عرض القرآن مرتين (1).

وقال الخطابي رحمه الله:

قلت: فيه من الفقه أن النوافل المعتادة تقضى إذا فاتت كما تقضى الفرائض، ومن هذا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر الركعتين اللتين فاتتاه لقدوم الوفد عليه واشتغاله بهم (2).

(1) فتح الباري، ابن حجر (4/ 285).

(2)

انظر: معالم السنن للخطابي (2/ 137).

ص: 75