الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن سنن الصيام:
2 - تأخير السحور:
رواه الإمام أحمد؛ ولأنه أقرب إلى التقوي على العبادة،
(1) أخرجه أحمد في «مسنده» (21312)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده ضعيف، وقال الشيخ الألباني: في «إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل» (4/ 32، 33) منكر بهذا التمام.
أخرجه أحمد (5/ 146 و172) من طريق ابن لهيعة عن سالم بن غيلان عن سليمان بن أبى عثمان عن عدى بن حاتم الحمصى عن أبى ذر به.
قلت: وهذا سند ضعيف، ابن لهيعة ضعيف، وليس الحديث من رواية أحد العبادلة عنه، وسليمان بن أبى عثمان مجهول، وبه أعله الهيثمى، فقال فى «مجمع الزوائد» (3/ 154):«وفيه سليمان بن أبى عثمان قال أبو حاتم: مجهول» ، وسكوته عن ابن لهيعة ليس بجيد.
وإنما قلت: إن الحديث منكر؛ لأنه قد جاءت أحاديث كثيرة بمعناه لم يرد فيها «تأخير السحور» أصحها حديث سهل بن سعد مرفوعاً بلفظ: «لا تزال أمتى بخير ما عجلوا الإفطار» أخرجه بهذا اللفظ أبو نعيم فى «الحلية» (7/ 136) بسند صحيح، وكذا أخرجه ابن أبى شيبة فى «المصنف» (2/ 148/2) إلا أنه قال:«هذه الأمة» ، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وهو عند الشيخين والترمذي والدارمي والفريابي (59/ 1) وابن ماجه والبيهقى وأحمد (5/ 331 و334 و336 و337 و339) بلفظ:«لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» .
وأورده ابن القيم رحمه الله فى «زاد المعاد» بلفظ أبى نعيم المتقدم ، وبلفظ: «لا تزال أمتى على الفطرة
…
».
ولم أره بهذا اللفظ فى التعجيل بالفطر، وإنما جاء فى صلاة المغرب بلفظ:«لا تزال أمتى على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم» ، أخرجه أبو داود والحاكم وأحمد بسند جيد ، فلعل ابن القيم اشبته عليه بهذا.
فإن شك في ذلك كأن تردد في بقاء الليل لم يسن التأخير بل الأفضل تركه؛ للخبر الصحيح: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ (1)» (2).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: وأحب تعجيل الفطر وتأخير السحور؛ اتباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وقال الإمام النووي رحمه الله: قال أصحابنا: وإنما يستحب تأخير السحور مادام متيقنًا بقاء الليل، فمتى حصل شك فيه فالأفضل تركه (4).
وقال ابن حجر في «فتح الباري» : «قال بن عبد البر: أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة، وعند عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورًا» (5).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رضي الله عنه، حَدَّثَهُ:«أَنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ» . قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «قَدْرُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ» يَعْنِي: آيَةً (6).
(1) أخرجه أحمد في «المسند» (1723)، والترمذي في «سننه» (2518)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5201)، والدارمي في «سننه» (2574).
(2)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الخطيب الشربيني (2/ 166).
(3)
مختصر المزني (8/ 153)،
(4)
المجموع شرح المهذب، النووي (6/ 360).
(5)
فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر (4/ 199).
(6)
أخرجه البخاري (575).
ولفظُ مسلم: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، قَالَ:«تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ» . قُلْتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «خَمْسِينَ آيَةً» (1).
وقال ابن حجر في «فتح الباري» : «قال بن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة، وفيه تأخير السحور لكونه أبلغ في المقصود.
قال بن أبي جمرة: كان صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله؛ لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم، ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضًا على بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر، وقال: فيه أيضًا تقوية على الصيام لعموم الاحتياج إلى الطعام ولو ترك لشق على بعضهم، ولا سيما من كان صفراويًا فقد يغشى عليه فيفضي إلى الإفطار في رمضان.
قال: وفي الحديث تأنيس الفاضل أصحابه بالمؤاكلة، وجواز المشي بالليل للحاجة؛ لأن زيد ابن ثابت ما كان يبيت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه الاجتماع على السحور، وفيه حسن الأدب في العبارة؛ لقوله:«تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» ولم يقل نحن ورسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما يشعر لفظ المعية بالتبعية» (2).
وعن زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، قَالَ:«تَسَحَّرْتُ مَعَ حُذَيْفَةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا هُنَيْهَةٌ» (3).
(1) أخرجه مسلم (1097).
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر (4/ 138).
(3)
أخرجه النسائي في «السنن الصغرى» (2153) وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد.
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه كان يقول لغلامه قنبر: ائتني بالغذاء المبارك، فيتسحر ويخرج فيؤذن ويصلي؛ ولأن في تعجيل الفطر وتأخير السحور قوة لجسده ومعونة لأداء عبادته (1).
تنبيه: ولا ينبغي لمؤخر السحور ومعجِّل الفطر أن يوقع فعلَه في مظنة التشكك، ودركُ اليقين في الطرفين أهمُّ من كل شيء (2).
التمر من أفضل ما يُتسحر به:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ» (3).
وفي التسحر به بركة عظيمة، وثوابًا كثيرًا، فيطلب تقديمه في السحور، وكذا في الفطور إن لم يوجد رطب، وإلا فهو أفضل في زمنه.
قال الطيبي: وإنما مدح التمر في هذا الوقت؛ لأن في نفس السحور ببركة وتخصيصه بالتمر بركة على بركة كما سبق: إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة؛ ليكون المبدوء به والمنتهي إليه البركة (4).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ» (5).
(1) الحاوي الكبير، الماوردي (3/ 444).
(2)
نهاية المطلب في دراية المذهب، الجويني (4/ 50).
(3)
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (3475)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
(4)
مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، أبو الحسن المباركفوري (6/ 478).
(5)
أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (3476)، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
وقال المناوي رحمه الله:
لأنه يحصل به الإعانة على الصوم بالخاصية، أو لأنه يحصل به النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره العطش.
وقال: فإن البركة في الفعل باستعمال السنة لا في نفس الطعام (1).
(1) التيسير بشرح الجامع الصغير، المناوي (1/ 448).