الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن سنن الصيام:
14 - تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان:
اتفق الفقهاء على أنه يندب إحياء ليلة القدر؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاور في العشر الأواخر من رمضان، ولما ورد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم:«كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» (1)، والقصد منه إحياء ليلة القدر؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: ««مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (2).
ويكون إحياء ليلة القدر: بالصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، وأن يكثر من دعاء:«اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني» .
قال ابن علان بعد ذكر هذا الحديث: فيه إيماء إلى أن أهم المطالب انفكاك الإنسان من تبعات الذنوب، وطهارته من دنس العيوب، فإن بالطهارة من ذلك يتأهل للانتظام في سلك حزب الله، وحزب الله هم المفلحون (3).
قال ابن حزم رحمه الله:
«وَأَجْمعُوا أَن لَيْلَة الْقدر حق، وَأَنَّهَا فِي كل سنة لَيْلَة وَاحِدَة» (4).
(1) أخرجه مسلم (1174).
(2)
أخرجه البخاري (1901).
(3)
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 362).
(4)
انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (41).
سبب تسميتها:
قال الإمام القرطبي رحمه الله: سميت بذلك؛ لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر الموت والأجل والرزق وغيره، ويسلمه إلى مدبرات الأمور، وهم أربعة من الملائكة:[إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبريل] عليهم السلام.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: يكتب من أم الكتاب ما يكون في السنة من رزق ومطر وحياة وموت، حتى الحاج. قال عكرمة: يكتب حاج بيت الله تعالى في ليلة القدر بأسمائهم وأسماء أبائهم، ما يغادر منهم أحد، ولا يزاد فيهم. وقاله سعيد بن جبير، وقد مضى في أول سورة الدخان هذا المعنى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا: أن الله تعالى يقضي الأقضية في ليلة نصف شعبان، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر.
وقيل: إنما سميت بذلك لعظمها وقدرها وشرفها، من قولهم: لفلان قدر، أي: شرف ومنزلة، قاله الزهري وغيره.
وقيل: سميت بذلك؛ لأن للطاعات فيها قدرًا عظيمًا، وثوابًا جزيلاً.
وقال أبو بكر الوراق: سميت بذلك؛ لأن من لم يكن له قدر ولا خطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها.
وقيل: سميت بذلك؛ لأنه أنزل فيها كتابًا ذا قدرٍ، على رسول ذي قدرٍ، على أمة ذات قدرٍ.
وقيل: لأنه ينزل فيها ملائكة ذوو قدرٍ وخطر.
وقيل: لأن الله تعالى ينزل فيها الخير والبركة والمغفرة.
وقال سهل: سميت بذلك لأن الله تعالى قدر فيها الرحمة على المؤمنين.
وقال الخليل: لأن الأرض تضيق فيها بالملائكة، كقوله تعالى:{((((قُدِرَ عَلَيْهِ ((((((((} [الطلاق: 7] أي: ضيق. (1).
(1) انظر: تفسير القرطبي (20/ 130، 131).
فضلها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (1).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَيُوَافِقُهَا -أُرَاهُ قَالَ- إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ» (2).
ليلة القدر خير من ألف شهر:
قال الإمام القرطبي رحمه الله: قال كثير من المفسرين: أي: العملُ فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وقال أبو العالية: ليلة القدر خير من ألف شهر لا تكون فيه ليلة القدر.
وقيل: عنى بألف شهر جميع الدهر؛ لأن العرب تذكر الألف في غاية الأشياء، كما قال تعالى:{((((((أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ ((((((} [البقرة: 96] يعني: جميع الدهر.
وقيل: إن العابد كان فيما مضى لا يسمى عابدًا حتى يعبد الله ألف شهر، ثلاثًا وثمانين سنة وأربعة أشهر، فجعل الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عبادة ليلة خيرًا من ألف شهر كانوا يعبدونها، وقال أبو بكر الوراق: كان ملك سليمان خمسمائة شهر، وملك ذي القرنين خمسمائة شهر فصار ملكهما ألف شهر، فجعل الله تعالى العمل في هذه الليلة لمن أدركها خيرًا من ملكهما.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المسلمون من ذلك، فنزلت:{((((((أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:1 - 3] الآية، خير من ألف شهر
(1) أخرجه البخاري (1901).
(2)
أخرجه مسلم (176).
التي لبس فيها الرجل سلاحه في سبيل الله، ونحوه عن ابن عباس وهب بن منبه: إن ذلك الرجل كان مسلمًا، وإن أمه جعلته نذرًا لله، وكان من قرية قوم يعبدون الأصنام، وكان سكن قريبًا منها، فجعل يغزوهم وحده، ويقتل ويسبي ويجاهد، وكان لا يلقاهم إلا بلحيي بعير، وكان إذا قاتلهم وقاتلوه وعطش، انفجر له من اللحيين ماء عذب، فيشرب منه، وكان قد أعطي قوة في البطش، لا يوجعه حديد ولا غيره: وكان اسمه شمسون.
وقال كعب الأحبار: كان رجلاً ملكًا في بني إسرائيل، فعل خصلة واحدة، فأوحى الله إلى نبي زمانهم: قل لفلان يتمنى. فقال: يا رب أتمنى أن أجاهد بمالي وولدي ونفسي، فرزقه الله ألف ولد، فكان يجهز الولد بماله في عسكر، ويخرجه مجاهدا في سبيل الله، فيقوم شهرًا ويقتل ذلك الولد، ثم يجهز آخر في عسكر، فكان كل ولد يقتل في الشهر، والملك مع ذلك قائم الليل، صائم النهار، فقتل الألف ولد في ألف شهر، ثم تقدم فقاتل فقتل. فقال الناس: لا أحد يدرك منزلة هذا الملك، فأنزل الله تعالى:{((((((((الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} من شهور ذلك الملك، في القيام والصيام والجهاد بالمال والنفس والأولاد في سبيل الله.
وقال علي وعروة: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أربعة من بني إسرائيل، فقال:«عبدوا الله ثمانين سنة، لم يعصوه طرفة عين» ، فذكر أيوب وزكريا، وحزقيل بن العجوز ويوشع بن نون، فعجب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك. فأتاه جبريل فقال: يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين، فقد أنزل الله عليك خيرًا من ذلك، ثم قرأ:{((((((أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال مالك في الموطأ من رواية ابن القاسم وغيره: سمعت من أثق به يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الأمم قبله، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر، وجعلها خيرًا من ألف شهر (1).
(1) انظر: تفسير القرطبي (20/ 131، 132).
والحكمة في إخفائها:
أن يجتهد الناس في طلبها، ويجدّوا في العبادة؛ طمعًا في إدراكها، كما أخفيت ساعة الإجابة يوم الجمعة، وأخفي اسمه الأعظم في أسمائه، ورضاه في الحسنات، إلى غير ذلك. (1).
وقتها:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» (2).
وعن عُمَرُ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُلْتَمِسًا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَلْيَلْتَمِسْهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وِتْرًا» (3).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي المَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ» (4).
وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ، وَكَانَ لِي صَدِيقًا فَقَالَ: اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم العَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا، وَقَالَ: «إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا -أَوْ نُسِّيتُهَا- فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ
…
» (5) الحديث.
(1) انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور/ وهبه الزحيلي (3/ 1624).
(2)
أخرجه البخاري (2017).
(3)
أخرجه أحمد في «مسنده» (298).
(4)
أخرجه البخاري (2015).
(5)
أخرجه البخاري (2016).
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» (1).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى» (2).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنَ اعْتِكَافِهِ، قَالَ:«مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ» ، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَكَانَ المَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ المَاءِ وَالطِّينِ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ (3).
وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ القَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقَالَ: «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ، وَالسَّابِعَةِ، وَالخَامِسَةِ» (4).
وعَنْ زِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، يَقُولُ: وَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ:«مَنْ قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» ، فَقَالَ أُبَيٌّ: «وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ مَا
(1) أخرجه البخاري (2020).
(2)
أخرجه البخاري (2021).
(3)
أخرجه البخاري (2027)،
(4)
أخرجه البخاري (2023).
يَسْتَثْنِي، وَوَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا» (1).
قال الإمام النووي رحمه الله:
قال القاضي: واختلفوا في محلها، فقال جماعة: هي منتقلة تكون في سنة في ليلة وفي سنة أخرى في ليلة أخرى وهكذا، وبهذا يجمع بين الأحاديث.
ويقال: كل حديث جاء بأحد أوقاتها ولا تعارض فيها، قال: ونحو هذا قول مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وغيرهم.
قالوا: وإنما تنتقل في العشر الأواخر من رمضان، وقيل: بل في كله، وقيل: إنها معينة فلا تنتقل أبدًا بل هي ليلة معينة في جميع السنين لا تفارقها، وعلى هذا قيل في السنة كلها وهو قول بن مسعود وأبي حنيفة وصاحبيه.
وقيل: بل في شهر رمضان كله، وهو قول بن عمر وجماعة من الصحابة، وقيل: بل في العشر الوسط والأواخر، وقيل: في العشر الأواخر، وقيل: تختص بأوتار العشر، وقيل: بأشفاعها كما في حديث أبي سعيد، وقيل: بل في ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين، وهو قول بن عباس، وقيل: تطلب في ليلة سبع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين وحكي عن على وبن مسعود، وقيل: ليلة ثلاث وعشرين وهو قول كثيرين من الصحابة وغيرهم، وقيل: ليلة أربع وعشرين وهو محكي عن بلال وبن عباس والحسن وقتادة، وقيل: ليلة سبع وعشرين، وهو قول جماعة من الصحابة، وقيل: سبع عشرة، وهو محكي عن زيد بن أرقم وبن مسعود أيضا، وقيل: تسع عشرة وحكي عن بن مسعود أيضًا وحكي عن علي أيضًا، وقيل: آخر ليلة من الشهر.
قال القاضي: وشذ قوم فقالوا رفعت لقوله صلى الله عليه وسلم حين تلاحا الرجلان فرفعت، وهذا غلط من هؤلاء الشاذين؛ لأن آخر الحديث يرد عليهم فإنه صلى الله عليه وسلم قال فرفعت وعسى أن يكون خيرًا لكم
(1) أخرجه مسلم (179).
فالتمسوها في السبع والتسع هكذا هو في أول صحيح البخاري، وفيه تصريح بأن المراد برفعها رفع بيان علم عينها ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وتكون في الوتر منها، لكن الوتر يكون باعتبار الماضي، فتطلب ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين، ويكون باعتبار ما بقي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى لثالثة تبقى» (2)، فعلى هذا إذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الأشفاع وتكون الاثنين والعشرين تاسعة تبقى، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى، وهكذا فسره أبو سعيد الخدري في الحديث الصحيح.
وهكذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم في الشهر، وإن كان الشهر تسعًا وعشرين كان التاريخ بالباقي كالتاريخ الماضي.
وإذا كان الأمر هكذا فينبغي أن يتحراها المؤمن في العشر الأواخر جميعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تحروها في العشر الأواخر» ، وتكون في السبع الأواخر أكثر، وأكثر ما تكون ليلة سبع وعشرين كما كان أبي بن كعب رضي الله عنه يحلف أنها ليلة سبع وعشرين. فقيل له: بأي شيء علمت ذلك؟ فقال بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخبرنا أن الشمس تطلع صبحة صبيحتها كالطشت لا شعاع لها» ، فهذه العلامة التي رواها أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم (3).
(1) شرح صحيح مسلم، النووي (8/ 57، 58).
(2)
أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (3408)، وأبو داود الطيالسي في «مسنده» (922).
(3)
مجموع الفتاوى، ابن تيمية (25/ 284، 285).
وقال ابن المنذر رحمه الله:
يتحراها مع ذَلِكَ في الوتر من ليالي العشر وفي ليلة سبع وعشرين خاصة، وأحوط للأمر أن لا يغفل عن إحياء الليالي العشر رجاء أن لا تفوته؛ لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عظم من أمرها، فَقَالَ:«من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر لَهُ مَا تقدم من ذنبه وما تأخر» (1).
ما يقوله إذا وافق ليلة القدر:
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ:«تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (2).
علامة ليلة القدر:
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي كُنْتُ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ نُسِّيتُهَا، وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَهِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا، لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فجرها» (3).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: «لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، تُصْبِحُ الشَّمْسُ يَوْمَهَا حَمْرَاءَ ضَعِيفَةً» (4).
(1) انظر: الاقناع لابن المنذر (1/ 201).
(2)
أخرجه ابن ماجه في «سننه» (3850)، وأحمد في «مسنده» (25384)، والنسائي في «السنن الكبرى» (7665)، والحاكم في «المستدرك» (1942).
(3)
أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (2190)، وابن حبان في «صحيحه» (3688)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح بشواهده.
(4)
أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (2192)، وقال الشيخ الألباني: حديث صحيح لشواهده.
وعَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ زِرًّا يَقُولُ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلُوا، وَلَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ قَالَ: قُلْنَا: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِالْعَلَامَةِ، أَوْ بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا شُعَاعَ لَهَا» (1).
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
والحكمة في نزول الملائكة في هذه الليلة: إن الملوك والسادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينون دارهم بالفرش والبسط ويزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة، فإذا كان ليلة القدر أمر الرب تبارك وتعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض؛ لأن العباد زينوا أنفسهم بالطاعات بالصوم والصلاة في ليالي رمضان ومساجدهم بالقناديل والمصابيح، فيقول الرب تعالى: أنتم طعنتم في بني آدم وقلتم: {((((((((((فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ ((((((} [البقرة: 30] الآية.
فقلت لكم: {(((((((أَعْلَمُ مَا لَا (((((((((((} [البقرة: 30]، اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين؛ لتعلموا أني اخترتهم على علم على العالمين (2).
(1) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (3689)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم، وابن خزيمة في «صحيحه» (2191).
(2)
انظر: لطائف المعارف، ابن رجب الحنبلي (192).