المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ردود العلماء على سد باب الإجتهاد - إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة الْمُحَقق

- ‌الإجتهاد فِي اللُّغَة

- ‌الإجتهاد فِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ

- ‌شُرُوط الإجتهاد

- ‌أهمية الإجتهاد

- ‌الإجتهاد منحة إلهية مستمرة

- ‌مدى حريَّة التفكير والإجتهاد عِنْد الْأَئِمَّة وَاخْتِلَاف أَصْحَابهم مَعَهم

- ‌بَاب محزن من تأريخ الْمذَاهب الْفِقْهِيَّة

- ‌ كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ

- ‌إقتداء المقلدين بَعضهم لبَعض فِي الصَّلَاة

- ‌المحاريب الْأَرْبَعَة

- ‌الزواج بَين المقلدين

- ‌التناحر بَين الْمذَاهب

- ‌مدى انتشار الحروب وخراب الْبِلَاد بَين المتمذهبين

- ‌رمتني بدائها وانسلت

- ‌بَاب الإجتهاد وأسبابه

- ‌مَتى انسد بَاب الإجتهاد

- ‌ردود الْعلمَاء على سد بَاب الإجتهاد

- ‌توضيح بعض الْأُمُور المهمة

- ‌فكرة تعذر التَّصْحِيح والتضعيف فِي مصطلح الحَدِيث

- ‌صَاحب هَذِه الفكرة

- ‌مشاهير عُلَمَاء المصطلح يردون على ابْن الصّلاح

- ‌نسبه ومولده

- ‌نشأته وبراعته فِي الْعُلُوم

- ‌شُيُوخه

- ‌تلاميذه

- ‌مناصبه

- ‌مصنفاته

- ‌ابتلاءاته

- ‌وَفَاته

- ‌صِحَة نسبته إِلَى الْمُؤلف

- ‌عَمَلي فِي هَذَا الْكتاب

- ‌مُقَدّمَة الْمُؤلف

- ‌فصل فِي تَعْرِيف الحَدِيث الصَّحِيح

- ‌من شُرُوط الصَّحِيح السَّلامَة من الشذوذ وَالْعلَّة

- ‌تَصْحِيح الْأَئِمَّة وتضعيفهم للأحاديث اجْتِهَاد أم تَقْلِيد

- ‌فصل فِي جَوَاز تَصْحِيح الحَدِيث وتضعيفه فِي هَذِه الْأَعْصَار

- ‌فصل فِي مناقشة القَوْل بإستحالة الإجتهاد

- ‌فصل فِي تقريب الْفَهم إِلَى تيسير الِاجْتِهَاد بالأمثلة

- ‌فصل فِي الحكم بسهولة الِاجْتِهَاد فِي هَذِه الْأَعْصَار

- ‌فصل فِي بَيَان أَنه لَا فرق بَين الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين إِلَّا بِكَثْرَة الوسائط وقلتها

- ‌فصل فِي سَبَب اخْتِلَاف الْأَقْوَال فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل

- ‌فصل فِي التفطن لأحوال المخبرين عَن الروَاة

- ‌فصل فِي معرفَة الْحق من أَقْوَال أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل

- ‌فصل فِي أَن القوادح المذهبية لَا يتلفت إِلَيْهَا

- ‌عُلُوم الِاجْتِهَاد فِي هَذِه الْأَعْصَار أقرب تناولا مِنْهَا فِيمَا سلف

- ‌بَيَان أَن الْفضل للْمُتَقَدِّمين وَمن خالفهم فِي الْمسَائِل لم يدع الترفع عَلَيْهِم

- ‌شَرَائِط الِاجْتِهَاد وَكَيْفِيَّة تَحْصِيله لأهل الذكاء من الْعباد

- ‌فصل فِي تَعْظِيم السّنَن والانقياد إِلَيْهَا وَترك الإعتراض عَلَيْهَا

- ‌تَعْظِيم الصَّحَابَة للسنن

- ‌تَعْظِيم الْأَئِمَّة للسنن

- ‌الْأَدِلَّة معيار الْحق من الْبَاطِل

- ‌فصل فِي التَّوَقُّف فِي تَصْدِيق الْمخبر حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة

- ‌بَيَان أَن على الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة

- ‌فصل فِي أَن مُكَابَرَة المكابرين سَبَب لهلاكهم

- ‌التَّقْلِيد هُوَ قبُول قَول الْغَيْر من دون حجَّة

- ‌مَبْحَث فِي جَوَاز التَّقْلِيد وَعدم جَوَازه

- ‌منع الِاجْتِهَاد كفران لنعمة الله عز وجل على الْعباد

- ‌حَدِيث اجْتِهَاد الْحَاكِم وَبَيَان أَن كَلَام الله وَكَلَام رَسُوله أقرب إِلَى الأفهام

- ‌تَحْرِيف معنى الْأَحَادِيث ليُوَافق الْمَذْهَب جِنَايَة على أَئِمَّة الْمذَاهب

- ‌رد الْأَئِمَّة على أَدِلَّة جَوَاز التَّقْلِيد

الفصل: ‌ردود العلماء على سد باب الإجتهاد

وَقَالَ الرَّافِعِيّ الْخلق كالمتفقين على أَنه لَا مُجْتَهد الْيَوْم وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ وَلَعَلَّه أَخذه من كَلَام الرَّازِيّ أَو من قَول الْغَزالِيّ فِي الْوَسِيط حَيْثُ صرح قَائِلا قد خلا الْعَصْر عَن الْمُجْتَهد المستقل ثمَّ عقب على ذَلِك وَقَالَ وَنقل الِاتِّفَاق عَجِيب وَالْمَسْأَلَة خلافية بَيْننَا وَبَين الْحَنَابِلَة وساعدهم بعض أَئِمَّتنَا وَقَالَ الْحَنَابِلَة بِعَدَمِ جَوَاز خلو الْعَصْر عَن الْمُجْتَهد وَقَالَ ابْن بدران ذهب أَصْحَابنَا إِلَى أَنه لَا يجوز خلو الْعَصْر عَن مُجْتَهد وَإِلَى ذَلِك ذهب طوائف وَلم يذكر ابْن عقيل خلاف هَذَا إِلَّا عَن بعض الْمُحدثين

‌ردود الْعلمَاء على سد بَاب الإجتهاد

إِن سد بَاب الإجتهاد على الْعلمَاء الْأَكفاء من جنايات التَّقْلِيد على الْأمة قَالَ الشَّوْكَانِيّ فَإِن هَذِه الْمقَالة بخصوصها أَعنِي انسداد بَاب الإجتهاد لَو لم يحدث من مفاسد التَّقْلِيد إِلَّا هِيَ لَكَانَ فِيهَا كِفَايَة وَنِهَايَة فَإِنَّهَا حَادِثَة رفعت الشَّرِيعَة بأسرها استلزمت نسخ كَلَام الله وَرَسُوله وَتَقْدِيم غَيرهمَا واستبدال غَيرهمَا بهما

يَا ناعي الْإِسْلَام قُم وانعه

قد زَالَ عرف وبدا مُنكر

ص: 28

وَقد رد الْعلمَاء على هَذِه الْمقَالة فِي كل عصر وإليكم بَيَان وجهات نظرهم حول سد بَاب الإجتهاد بِاخْتِصَار نصا أَو إِشَارَة قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر الْمَعْرُوف بِابْن الْقصار الْمَالِكِي الْبَغْدَادِيّ ت 397 هـ فِي كِتَابه الْمُقدمَة فِي أصُول الْفِقْه الْبَاب التَّاسِع عشر فِي الإجتهاد وَفِيه تِسْعَة فُصُول ثمَّ قَالَ الثَّالِث فِيمَن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الإجتهاد أفتى أَصْحَابنَا رضي الله عنهم بِأَن الْعلم على قسمَيْنِ فرض عين وَفرض كِفَايَة فَفرض الْعين الْوَاجِب على كل أحد هُوَ علمه بحالته الَّتِي هُوَ فِيهَا وَأما فرض الْكِفَايَة الْعلم الَّذِي لَا يتَعَلَّق بِحَالَة الْإِنْسَان فَيجب على الْأمة أَن تكون مِنْهُم طَائِفَة يتفقهون فِي الدّين ليكونوا قدوة للْمُسلمين حفظا للشَّرْع من الضّيَاع وَالَّذِي يتَعَيَّن لهَذَا من النَّاس من جاد حفظه وَحسن إِدْرَاكه وَطَابَتْ سجيته وَمن لَا فَلَا وَقَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَاوَرْدِيّ ت 405 هـ التَّقْلِيد مُخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال النَّاس بِمَا فيهم من آلَة الِاجْتِهَاد الْمُؤَدِّي إِلَيْهِ أَو عَدمه لِأَن طلب الْعلم من فروض الْكِفَايَة وَلَو منع جَمِيع النَّاس من التَّقْلِيد وكلفوا الِاجْتِهَاد لتعين فرض الْعلم على الكافة وَفِي هَذَا اختلال نظام وَفَسَاد فَلَو كَانَ يجمعهُمْ التَّقْلِيد لبطل الِاجْتِهَاد وَسقط فرض الْعلم وَفِي هَذَا تَعْطِيل الشَّرِيعَة وَذَهَاب الْعلم فَلذَلِك وَجب الِاجْتِهَاد على من تقع بِهِ الْكِفَايَة قَالَ أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن حزم الأندلسي الظَّاهِرِيّ ت 456 هـ بعد نقل قَوْلهم

ص: 29

لَيْسَ لأحد أَن يخْتَار فأقوال فِي غَايَة الْفساد وَكيد للدّين لإخفاء بِهِ وضلال مغلق وَكذب على الله تَعَالَى إِذْ نسبوا ذَلِك إِلَيْهِ أَو دين جَدِيد أتونا بِهِ من عِنْد أنفسهم لَيْسَ من دين مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فِي شَيْء وَهِي كَمَا نرى متدافعة متفاسدة ودعاوي متفاضحة متكاذبة لَيْسَ بَعْضهَا بِأولى من بعض وَلَا بَعْضهَا أَدخل فِي الضَّلَالَة والحمق من بعض وَقَالَ القَاضِي حُسَيْن بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمروزِي ت 462 هـ نقلا عَن الزبير فِي المسكت لن تَخْلُو الأَرْض من قَائِم لله بِالْحجَّةِ فِي كل وَقت وعهد وزمان وَذَلِكَ قَلِيل فِي كثير فَأَما أَن يكون غير مَوْجُود كَمَا قَالَ الْخصم فَلَيْسَ بصواب لِأَنَّهُ لَو عدم المجتهدون لم تقم الفراض كلهَا وَلَو بطلت الفراض كلهَا لحلت النقمَة بذلك فِي الْخلق وَقَالَ ابْن عقيل الْحَنْبَلِيّ ت 514 هـ لم يذكر خلاف هَذَا أَي خلاف عدم جَوَاز خلو الْعَصْر عَن مُجْتَهد فِي أَصْحَابنَا إِلَّا عَن بعض الْمُحدثين وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود اللّغَوِيّ الْمَعْرُوف بِابْن الْفراء ت 516 هـ

ص: 30

الْعلم يَنْقَسِم إِلَى فرض عين وَفرض كِفَايَة وَذكر فرض الْعين ثمَّ قَالَ وَفرض الْكِفَايَة هُوَ أَن يتَعَلَّم مَا يبلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَمحل الْفَتْوَى وَالْقَضَاء وَيخرج من عداد المقلدين فعلى كَافَّة النَّاس الْقيام بتعلمه غير أَنه إِذا قَامَ من كل نَاحيَة وَاحِد أَو اثْنَان سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ فَإِذا قعد الْكل عَن تعلمه عصوا جَمِيعًا لما فِيهَا من تَعْطِيل أَحْكَام الشَّرْع قَالَ الله تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين} التَّوْبَة 122 وَقَالَ أَبُو الْفَتْح أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن برهَان ت 520 هـ الْبَارِي سبحانه وتعالى قَادر على التَّنْصِيص على حكم الْحَوَادِث والوقائع وَلم يفعل وَلَكِن نَص على أصُول ورد معرفَة الحكم فِي الْفُرُوع إِلَى النّظر وَالِاجْتِهَاد قَالَ أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الكريم الشهرستاني ت 548 هـ ثمَّ الِاجْتِهَاد من فروض الكفايات لَا من فروض الْأَعْيَان حَتَّى إِذا اشْتغل بتحصيله وَاحِد سقط الْفَرْض عَن الْجَمِيع وَإِن قصر فِيهِ أهل عصر عصوا بِتَرْكِهِ وأشرفوا على خطر عَظِيم فَإِن الْأَحْكَام الاجتهادية إِذا كَانَت مرتبَة على الِاجْتِهَاد وترتيب الْمُسَبّب على السَّبَب وَلم يُوجد السَّبَب كَانَت الْأَحْكَام عاطلة فَلَا بُد إِذن من مُجْتَهد قَالَ السُّيُوطِيّ فَانْظُر كَيفَ حكم بعصيان أهل الْعَصْر بأسرهم إِذا قصروا فِي الْقيام بِهَذَا الْفَرْض وَأقَام على فرضيته دَلِيلا عقليا قَطْعِيا لَا شُبْهَة فِيهِ

ص: 31

وَقَالَ الْعِزّ بن عبد السلام ت 660 هـ شرحا لقَوْل ابْن الْحَاجِب إِنَّه لَا يجوز تَوْلِيَة الْمُقَلّد الْبَتَّةَ وَيرى هَذَا الْقَائِل أَن رُتْبَة الإجتهاد مَقْدُور على تَحْصِيلهَا وَهِي شَرط فِي الْفَتْوَى وَالْقَضَاء وَهِي مَوْجُودَة إِلَى الزَّمَان الَّذِي أخبر صلى الله عليه وسلم عَنهُ بِانْقِطَاع الْعلم وَلم نصل إِلَيْهِ إِلَى الْآن وَإِلَّا كَانَت الْأمة مجتمعة على الْخَطَأ وَذَلِكَ بَاطِل وَقَالَ السُّيُوطِيّ مُعَلّقا عَلَيْهِ فَانْظُر كَيفَ صرح بِأَن رُتْبَة الِاجْتِهَاد غير متعذرة وَإِنَّهَا بَاقِيَة إِلَى زَمَانه وَبِأَنَّهُ يلْزم من فقدها اجْتِمَاع الْأمة على الْبَاطِل وَهُوَ محَال وَقَالَ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ الْمَعْرُوف بِابْن سراقَة الشَّافِعِي ت 662 هـ وَلَو كَانَ جَمِيع الْعلم جليا لَا يحْتَاج إِلَى بحث واجتهاد وَلَا إِلَى نظر واستنباط لَكَانَ علم التَّوْحِيد كَذَلِك فَكَانَ الْعلم بِاللَّه سُبْحَانَهُ ضَرُورَة وَكَانَ فِي ذَلِك سُقُوط المثوبة وَإِبْطَال الشَّرِيعَة وَاسْتغْنى عَن الْعَمَل لطلب الثَّوَاب وَخَوف الْعقَاب وَهَذِه صفة الْآخِرَة وَحكم بَقَاء الْخلق فِي الْجنَّة قَالَ السُّيُوطِيّ مُعَلّقا عَلَيْهِ فَانْظُر كَيفَ جعل ترك الإجتهاد مُؤديا إِلَى إبِْطَال الشَّرِيعَة وَهُوَ نَظِير مَا نَص عَلَيْهِ غَيره قَالَ يحيى بن شرف النَّوَوِيّ ت 676 هـ الْمُجْتَهد الْمُطلق هُوَ الَّذِي يتَأَدَّى بِهِ فرض الْكِفَايَة

ص: 32

وَقَالَ أَيْضا بعد ذكر آدَاب المتعلم فبذلك تظهر لَهُ الْحَقَائِق وتنكشف المشكلات ويطع على الغوامض وَحل المعضلات وَيعرف مَذَاهِب الْعلمَاء وَالرَّاجِح من الْمَرْجُوح ويرتفع عَن الجمود على مَحْض التَّقْلِيد ويلتحق بالأئمة الْمُجْتَهدين أَو يقاربهم إِن وفْق لذَلِك وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد ت 702 هـ وَالْأَرْض مَا تَخْلُو من قَائِم لله بِالْحجَّةِ وَالْأمة الشَّرِيفَة لَا بُد فِيهَا من سالك إِلَى الْحق على وَاضح المحجة إِلَى أَن يَأْتِي أَمر الله فِي أَشْرَاط السَّاعَة الْكُبْرَى ويتتابع بعده مَا لَا يبْقى مَعَه إِلَّا قدوم الْأُخْرَى وَقَالَ أَحْمد بن عبد الحليم بن تَيْمِية ت 728 هـ بعد ذكر من يَقُول بِوُجُوب التَّقْلِيد بعد عصر أبي حنيفَة وَمَالك مُطلقًا وَالَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِير الْأمة أَن الِاجْتِهَاد جَائِز فِي الْجُمْلَة والتقليد جَائِز فِي الْجُمْلَة لَا يوجبون الِاجْتِهَاد على كل أحد ويحرمون التَّقْلِيد وَلَا يوجبون التَّقْلِيد على كل أحد ويحرمون الِاجْتِهَاد وَأَن الِاجْتِهَاد جَائِز للقادر على الِاجْتِهَاد والتقليد جَائِز للعاجز عَن الِاجْتِهَاد وَقَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهَبِيّ ت 748 هـ يَا مقلد وَيَا من زعم أَن الإجتهاد قد انْقَطع وَمَا بَقِي مُجْتَهد لَا حَاجَة لَك فِي الِاشْتِغَال بأصول الْفِقْه وَلَا فَائِدَة فِي أصُول الْفِقْه إِلَّا لمن يصير مُجْتَهدا بِهِ فَإِذا عرفه وَلم يفك تَقْلِيد إِمَامه لم يصنع شَيْئا بل أتعب نَفسه وَركب على نَفسه الْحجَّة فِي

ص: 33

مسَائِل وَإِن كَانَ يَقْرَؤُهُ لتَحْصِيل الوضائف وليتعال فَهَذَا من الوبال وَقَالَ شمس الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الْمَعْرُوف بِابْن الْقيم ت 751 هـ بصدد الرَّد على التَّقْلِيد وَهَذِه بِدعَة قبيحة حدثت فِي الْأمة لم يقل بهَا أحد من أَئِمَّة الْإِسْلَام وهم أَعلَى مرتبَة وَأجل قدرا وَأعلم بِاللَّه وَرَسُوله من أَن يلزموا النَّاس بذلك وَأبْعد مِنْهُ قَول من قَالَ يلْزمه أَن يتمذهب بِمذهب عَالم من الْعلمَاء وَأبْعد مِنْهُ من قَالَ يلْزمه أَن يتمذهب بِأحد الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فيا لله الْعجب مَاتَت مَذَاهِب أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومذاهب التَّابِعين وتابعيهم وَسَائِر أَئِمَّة الْإِسْلَام وَبَطلَت جملَة إِلَّا مَذَاهِب أَرْبَعَة أنفس فَقَط من بَين سَائِر الْأَئِمَّة وَالْفُقَهَاء هَل قَالَ ذَلِك أحد من الْأَئِمَّة أَو دَعَا إِلَيْهِ أَو دلّت عَلَيْهِ لَفْظَة وَاحِدَة من كَلَامه عَلَيْهِ وَالَّذِي أوجبه الله تَعَالَى وَرَسُوله على الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم هُوَ الَّذِي أوجبه عَليّ من بعدهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا يخْتَلف الْوَاجِب وَلَا يتبدل وَإِن اخْتلفت كيفيته أَو قدره باخْتلَاف الْقُدْرَة وَالْعجز وَالزَّمَان وَالْمَكَان وَالْحَال فَهَذَا أَيْضا تَابع لما أوجبه الله وَرَسُوله وَقَالَ أَيْضا إِن المقلدين حكمُوا على الله قدرا وَشرعا بالحكم الْبَاطِل جهارا الْمُخَالف لما أخبر بِهِ رَسُوله فأخلوا الأَرْض من القائمين لله بحججه وَقَالُوا لم يبْق فِي الأَرْض عَالم مُنْذُ الاعصار الْمُتَقَدّمَة فَقَالَت طَائِفَة لَيْسَ لأحد أَن يخْتَار بعد أبي حنيفَة وَقَالَ تَاج الدّين بن السُّبْكِيّ ت 771 هـ فِي الترشيح

ص: 34

قَالَ لي الشَّيْخ شهَاب الدّين بن النَّقِيب جَلَست بِمَكَّة بَين طَائِفَة من الْعلمَاء وقعدنا نقُول لَو قدر الله تَعَالَى بعد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِي هَذَا الزَّمَان مُجْتَهدا عَارِفًا بمذاهبهم أَجْمَعِينَ ويركب لنَفسِهِ مذهبا من الْأَرْبَعَة بعد اعْتِبَار هَذِه الْمذَاهب الْمُخْتَلفَة كلهَا لازدان الزَّمَان بِهِ وانقاد النَّاس لَهُ فاتفق رَأينَا أَن هَذِه الرُّتْبَة لَا تعدو الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ وَلَا يَنْتَهِي لَهَا سواهُ وَقَالَ بهاء الدّين مُحَمَّد بن عبد البر السُّبْكِيّ ت 777 هـ وشتان بَين أجر من يَأْتِي بِالْعبَادَة لفتوى لَهُ إِنَّهَا وَاجِبَة أَو سنة وَمن يَأْتِي بهَا وَقد ثلج صَدره عَن الله وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم بِأَن ذَلِك كَذَلِك وَهَذَا لَا يَصح إِلَّا بالإجتهاد وَالنَّاس فِي حضيض عَن ذَلِك إِلَّا من تغلغل بأصول الْفِقْه وكرع من مناهله الصافية وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الشاطبي ت 790 هـ إِن الوقائع فِي الْوُجُود لَا تَنْحَصِر فَلَا يَصح دُخُولهَا تَحت الْأَدِلَّة المنحصرة وَلذَلِك احْتِيجَ إِلَى فتح بَاب الِاجْتِهَاد من الْقيَاس وَغَيره فَلَا بُد من حُدُوث وقائع لَا تكون مَنْصُوص على حكمهَا وَلَا يُوجد للأولين فِيهِ اجْتِهَاد وَعند ذَلِك فإمَّا أَن يتْرك النَّاس مَعَ أهوائهم أَو ينظر فِيهَا بِغَيْر اجْتِهَاد شَرْعِي وَهُوَ أَيْضا اتِّبَاع للهوى وَذَلِكَ كُله فَسَاد فَلَا يكون بُد من التَّوَقُّف لَا إِلَى غَايَة وَهُوَ معنى تَعْطِيل التَّكْلِيف لُزُوما وَهُوَ مؤد إِلَى تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق فَإِذا لَا بُد من الإجتهاد فِي كل زمَان لِأَن الوقائع الْمَفْرُوضَة لَا تخْتَص بِزَمَان دون زمَان

ص: 35

وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ ت 794 هـ لما لم يكن بُد مِمَّن يعرف حكم الله فِي الوقائع وتعرف ذَلِك بِالنّظرِ غير وَاجِب على التَّعْيِين فَلَا بُد أَن يكون وجود الْمُجْتَهد من فروض الْكِفَايَة وَلَا بُد أَن يكون فِي كل قطر من تقوم بِهِ الْكِفَايَة وَلِهَذَا قَالُوا إِن الإجتهاد من فروض الكفايات وَقَالَ أَيْضا لَا يشْتَرط فِي الْمُجْتَهد أَن يكون مَشْهُورا فِي الْقَبَائِل لِأَن الْعبْرَة بِمَا فِيهِ من الصِّفَات لَا بشهرته وَلَا يشْتَرط أَن يكون صَاحب مَذْهَب بل قَوْله مهما علم أَنه مُجْتَهد مَقْبُول وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد الدمنهوري ت 806 هـ لَا ينْتَفع إِلَّا من رفع الله عَن قلبه حجاب التَّقْلِيد فَإِنَّهُ سَبَب لحرمان كل خير وسائق لَك عواقة بل أَكثر مَا وَقع الْخلق فِي الْكفْر والنفاق مِنْهُ كَمَا أخبر الله تَعَالَى عَنْهُم {بل قَالُوا إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة وَإِنَّا على آثَارهم مهتدون} الزخرف 22 {وَإِنَّا على آثَارهم مقتدون} الزخرف 23 {قَالَت لَهُم رسلهم} {أولو جِئتُكُمْ بأهدى مِمَّا وجدْتُم عَلَيْهِ آبَاءَكُم قَالُوا إِنَّا بِمَا أرسلتم بِهِ كافرون} الزخرف 24 وَذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ من ربط الْجَهْل على قُلُوبهم وربط التَّقْلِيد على أفهامهم حَتَّى يدبروا مَا يُقَال لَهُم ويستنكفوا عَمَّن يرشدهم لظنهم الْفَاسِد أَنه لَا يُمكن أَن يكون الْمُتَأَخر أفضل من الْمُتَقَدّم ويعتقدون أَن ذَلِك من قبيل المستحيل وَلم يعلمُوا أَن مواهب الله تَعَالَى لَا تَنْقَطِع

ص: 36

وفيض جوده لَا ينْفد وَإِنَّمَا حرم ذَلِك من حرمه وَقَالَ عز الدّين بن جمَاعَة ت 819 هـ إِحَالَة أهل زَمَاننَا وجود الْمُجْتَهد يصدر عَن جبن مَا وَإِلَّا فكثيرا مَا يكون الْقَائِلُونَ لذَلِك من الْمُجْتَهدين وَمَا الْمَانِع من فضل الله واختصاص بعض الْفَيْض والوهب وَالعطَاء بِبَعْض أهل الصفوة وَقَالَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بالوزير الْيَمَانِيّ ت 840 هـ فَإِذا تقرر أَن الْمَوَاهِب الربانية لَا تَنْتَهِي إِلَى حد والعطايا اللدنية لَا تقف على مِقْدَار لم يحسن من الْعَاقِل أَن يقطع على الْخلق بتعسير مَا الله قَادر على تيسيره فيقنط بِكَلَامِهِ طامعا ويتحجر من فضل الله وَاسِعًا بل يخلي بَين النَّاس وَبَين هممهم وطمعهم فِي فضل الله عَلَيْهِم حَتَّى يصل كل أحد إِلَى مَا قسمه الله تَعَالَى من الْحَظ فِي الْفَهم وَالْعلم وَسَائِر أَفعَال الْخَيْر وَهَذَا مِمَّا لَا يفْتَقر إِلَى حجاج لَوْلَا أهل المراء واللجاج وَقَالَ جلال الدّين عبد الرحمن بن أبي بكر السُّيُوطِيّ ت 911 هـ فِي مُقَدّمَة كِتَابه الرَّد على من أخلد إِلَى الأَرْض وَبعد فَإِن النَّاس قد غلب عَلَيْهِم الْجَهْل وعمهم وَأَعْمَاهُمْ حب العناد وأصمهم فاستعظموا دَعْوَى الإجتهاد وعدوه مُنْكرا بَين الْعباد وَلم يشْعر هَؤُلَاءِ الجهلة إِن الِاجْتِهَاد فرض من فروض الكفايات فِي كل عصر وواجب على أهل كل زمَان أَن يقوم بِهِ طَائِفَة فِي كل قطر وَهَذَا كتاب فِي تَحْقِيق ذَلِك

ص: 37

وَقَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْمَعْرُوف بالأمير الصَّنْعَانِيّ ت 1182 هـ فَالْحق الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ غُبَار الحكم بسهولة الإجتهاد فِي هَذِه الْأَعْصَار وَإنَّهُ أسهل مِنْهُ فِي الْأَعْصَار الخالية لمن لَهُ فِي الدّين همة عالية ورزقه الله فهما صافيا وفكرا صَحِيحا ونباهة فِي علمي السّنة وَالْكتاب ثمَّ قَالَ تَقول تعذر الِاجْتِهَاد مَا هَذَا وَالله إِلَّا من كفران النِّعْمَة وجحودها والإخلاد إِلَى ضعف الهمة وركودها إِلَّا أَنه لَا بُد مَعَ ذَلِك أَولا من غسل فكرته عَن أدران العصبية وَقطع مَادَّة الوساوس المذهبية وسؤال لِلْفَتْحِ من الفتاح الْعَلِيم وَتعرض لفضل الله فَإِن الْفضل بيد الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم فالعجب كل الْعجب بِمن يَقُول يتَعَذَّر الإجتهاد فِي هَذِه الْأَعْصَار وَإنَّهُ محَال مَا هَذَا إِلَّا منع لما بَسطه الله من فَضله لفحول الرِّجَال واستبعاد لما خرج من يَدَيْهِ واستصعاب لما لم يكن لَدَيْهِ وَكم للأئمة الْمُتَأَخِّرين من استنباطات رائقة واستدلالات صَادِقَة مَا حام حولهَا الْأَولونَ وَلَا عرفهَا مِنْهُم الناظرون وَلَا دارت فِي بصائر المستبصرين وَلَا جالت فِي أفكار المفكرين وَقَالَ مُحَمَّد بن عَليّ الشَّوْكَانِيّ ت 1250 هـ 2 بعد مَا نقل قَول الرَّافِعِيّ فِي الِاتِّفَاق على انه لَا مُجْتَهد الْيَوْم وَإِذا أمعنت النّظر وجدت هَؤُلَاءِ المنكرين إِنَّمَا أَتَوا من قبل أنفسهم فَإِنَّهُم لما عكفوا على التَّقْلِيد وَاشْتَغلُوا بِغَيْر علم الْكتاب وَالسّنة وحكموا على غَيرهم بِمَا وَقَعُوا فِيهِ واستصعبنا مَا سهله الله عَليّ من رزقه الْعلم والفهم وأفاض على قلبه أَنْوَاع عُلُوم الْكتاب وَالسّنة وَلما كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذين صَرَّحُوا بِعَدَمِ وجود الْمُجْتَهدين شافعية فها نَحن نصرح لَك من وجد من الشَّافِعِيَّة بعد عصرهم مِمَّن لَا يُخَالف

ص: 38

مُخَالف فِي أَنه جمع أَضْعَاف عُلُوم الإجتهاد فَمنهمْ ابْن عبد السلام وتلميذه ابْن دَقِيق الْعِيد ثمَّ تِلْمِيذه ابْن سيد النَّاس ثمَّ تِلْمِيذه زين الدّين الْعِرَاقِيّ ثمَّ تِلْمِيذه ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي ثمَّ تِلْمِيذه السُّيُوطِيّ فَهَؤُلَاءِ سِتَّة أَعْلَام كل وَاحِد مِنْهُم تلميذ من قبله قد بلغُوا من المعارف العلمية مَا يعرفهُ من يعرف مصنفاتهم حق مَعْرفَتهَا وكل وَاحِد مِنْهُم إِمَام كَبِير فِي الْكتاب وَالسّنة مُحِيط بعلوم الإجتهاد إحاطة متضاعفة عَالم بعلوم خَارِجَة عَنْهَا ثمَّ فِي المعاصرين لهَؤُلَاء كثير من المماثلين لَهُم وَجَاء بعدهمْ من لَا يقصر عَن بُلُوغ مَرَاتِبهمْ والتعداد لبعهضم فضلا عَن كلهم يحْتَاج إِلَى بسط طَوِيل وَقد قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي الْبَحْر مَا لَفظه وَلم يخْتَلف اثْنَان فِي أَن ابْن عبد السلام بلغ رُتْبَة الِاجْتِهَاد وَكَذَلِكَ ابْن دَقِيق الْعِيد انْتهى وَهَذَا الْإِجْمَاع من هَذَا الشَّافِعِي يَكْفِي فِي مُقَابلَة حِكَايَة الِاتِّفَاق من ذَلِك الشَّافِعِي الرَّافِعِيّ ثمَّ قَالَ وَمَا هَذِه بِأول فاقرة جَاءَ بهَا المقلدون وَلَا هِيَ أول مقَالَة بَاطِلَة قَالَهَا المقصرون وَمن حصر فضل الله على بعض خلقه وَقصر فهم هَذِه الشَّرِيعَة المطهرة على من تقدم عصره فقد تجرأ على الله عز وجل ثمَّ على شَرِيعَته الْمَوْضُوعَة لكل عبَادَة ثمَّ على عباده الَّذين تعبدهم الله بِالْكتاب وَالسّنة ويالله الْعجب من مقالات هِيَ جهالات وضلالات فَإِن هَذِه الْمقَالة تَسْتَلْزِم رفع التَّعَبُّد بِالْكتاب وَالسّنة وَأَنه لم يبْق إِلَّا تَقْلِيد الرِّجَال الَّذين هم متعبدون بِالْكتاب وَالسّنة كتعبد من جَاءَ بعدهمْ على حد سَوَاء فَإِن كَانَ التَّعَبُّد بِالْكتاب وَالسّنة مُخْتَصًّا بِمن كَانُوا فِي العصور السَّابِقَة وَلم يبْق لهَؤُلَاء إِلَى التَّقْلِيد لمن تقدمهم وَلَا يتمكنون من معرفَة أَحْكَام الله من كتاب الله وَسنة رَسُوله فَمَا

ص: 39

الدَّلِيل على هَذِه التَّفْرِقَة الْبَاطِلَة والمقالة الزائفة وَهل النّسخ إِلَّا هَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم وَقَالَ عبد القادر بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن بدران الدِّمَشْقِي قد أَطَالَ الْعلمَاء النَّفس فِي هَذَا الْمَوْضُوع وَأورد كل من الْفَرِيقَيْنِ حجَجًا وأدلة وَكَأن الْقَائِلين بِجَوَاز خلو عصر عَن مُجْتَهد قاسوا جَمِيع عُلَمَاء الْأمة على أنفسهم وخيلوا لَهَا أَنه لَا أحد يبلغ أَكثر من مبلغهم من الْعلم ثمَّ رازوا انفسهم فوجدوها سَاقِطَة فِي الدَّرك الْأَسْفَل من التَّقْلِيد فمنعوا فضل الله تَعَالَى وَقَالُوا لَا يُمكن وجود مُجْتَهد فِي عصرنا الْبَتَّةَ بل غلا أَكْثَرهم فَقَالَ لَا مُجْتَهد بعد الأربعمائة من الْهِجْرَة وينحل كَلَامهم هَذَا أَن فضل الله كَانَ مدرارا على أهل العصور الْأَرْبَعَة ثمَّ أَنه نضب فَلم يبْق مِنْهُ قَطْرَة تنزل على الْمُتَأَخِّرين مَعَ أَن فضل الله لَا ينضب وعطاؤه ومدده لَا يقفان عِنْد الْحَد الَّذِي حدده أُولَئِكَ وَقَالَ أَحْمد مُحَمَّد شَاكر القَوْل بِمَنْع الِاجْتِهَاد قَول بَاطِل لَا برهَان عَلَيْهِ من كتاب وَلَا سنة وَلَا تَجِد لَهُ شبه دَلِيل وَقَالَ مُحَمَّد مصطفى المراغي شيخ الْجَامِع الْأَزْهَر الأسبق فِي بَحثه عَن الإجتهاد فِي الْإِسْلَام وَإِنِّي مَعَ احترامي لرأي الْقَائِلين باستحالة الإجتهاد أخالفهم فِي رَأْيهمْ وَأَقُول إِن فِي عُلَمَاء الْمعَاهد الدِّينِيَّة فِي مصر من توافرت فيهم شُرُوط الإجتهاد وَيحرم عَلَيْهِم التَّقْلِيد

ص: 40

وَقَالَ الدكتور وَهبة الزحيلي وَقد أحسن بعض الْعلمَاء كَابْن تَيْمِية والحركات السلفية الحديثة إِذْ قرروا بَقَاء بَاب الإجتهاد مَفْتُوحًا لمن كَانَ أَهلا لَهُ وَنقل أَيْضا عَن مُحَمَّد سعيد الْبَانِي لَا دَلِيل أصلا على سد بَاب الإجتهاد وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى فارغة وَحجَّة واهنة أوهن من بَيت العنكبوت لِأَنَّهَا غير مستندة إِلَى دَلِيل شَرْعِي أَو عَقْلِي سوري المتوارث وَقَالَ أَيْضا وَالِاجْتِهَاد مُمكن كل الْإِمْكَان الْيَوْم وَلَا صعوبة فِيهِ بِشَرْط أَن ندفن تِلْكَ الأوهام والخيالات ونمزق ذَلِك الران الَّذِي خيم على عقولنا وقلوبنا من رواسب الْمَاضِي وآفات الخمول وَالظَّن الآثم بِعَدَمِ إِمْكَان الْوُصُول إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ الْأَولونَ حَتَّى عد ذَلِك كَأَنَّهُ ضرب من المستحيل هَل هُنَاكَ مُسْتَحِيل بعد غَزْو الفضاء واختراع أَنْوَاع الْآلَات الحديثة العجيبة الصنع وَقَالَ الدكتور حسن أَحْمد مرعي أعتقد أَن كل عَاقل يُوجب الِاجْتِهَاد على الْكِفَايَة ليعرف النَّاس مِنْهُ أَحْكَام مَا يقومُونَ بِهِ من أَعمال فِي هَذِه الْحَيَاة حَتَّى تكون حياتنا سائرة فِي ركاب الدّين وَإِذا كُنَّا نؤمن بخلو الزَّمَان عَن الْمُجْتَهد فَلم هَذِه الاجتماعات لفقهاء الْعَالم الإسلامي مرّة فِي الْقَاهِرَة وَأُخْرَى فِي لاهور وثالثة فِي مَكَّة ورابعة فِي الرياض وَغَيرهَا وَغَيرهَا

ص: 41

كَانَ يكفينا مَا بَين أَيْدِينَا من كتب وتراث وَلَكِن الْحَيَاة متجددة والأعراف مُخْتَلفَة والعقول مُتَفَاوِتَة فاجتماعتنا هَذِه دَلِيل حَتَّى على أَنه لَا زَالَ ركب الْمُجْتَهدين يتتابع وسيظل هَذَا إِن شَاءَ الله حَتَّى يَأْذَن الله بِفنَاء هَذَا الْعَالم وَقَالَ مُحَمَّد أَبُو زهرَة إِن قَضِيَّة فتح بَاب الإجتهاد فِي الْمَذْهَب الْحَنْبَلِيّ قَضِيَّة تضافرت عَلَيْهَا أَقْوَال الْمُتَأَخِّرين وأقوال الْمُتَقَدِّمين حَتَّى لقد قَالَ ابْن عقيل من مُتَقَدِّمي الْفُقَهَاء فِي ذَلِك الْمَذْهَب الْجَلِيل إِنَّه لَا يعرف خلافًا فِيهِ بَين الْمُتَقَدِّمين ثمَّ قَالَ وَإِذا كَانَ الإجتهاد مَفْتُوحًا وَإِذا كَانَ الْعلية من أَصْحَاب أَحْمد وَأَتْبَاعه قد استنكروا أَن يَخْلُو زمن من الْمُجْتَهدين المستقلين فَإِن ذَلِك الْمَذْهَب يكون ظلا ظليلا لأحرار الْفِكر من الْفُقَهَاء وَلذَلِك كثر فِيهِ الْعلمَاء الفطاحل فِي كل العصور ثمَّ قَالَ قد أَتَى علينا بعد هَذَا الْعرض أَن نقرر أَن ذَلِك الْمَذْهَب الأثري مَذْهَب فِي عناصر أُصُوله كل الْأَسْبَاب الَّتِي تنميه وَقد وجد رجال علوا بِهِ وَسَارُوا بِهِ إِلَى الطَّرِيق الأمثل فأوجدوا فِيهِ حَيَاة تتسع لأحكام الْحَوَادِث فِي كل الْأَزْمِنَة والأمكنة بعد هَذَا الْعرض السَّرِيع لاحتجاجات بعض الْعلمَاء القدامى والمعاصرين على القَوْل بسد بَاب الإجتهاد أعتقد أَن تبطل دَعْوَى الإتفاق وَالْإِجْمَاع عَلَيْهِ وتزول فكرة الْخَوْف والذعر من أَنه لَيْسَ الشَّجَرَة الملعونة فِي الْقُرْآن كَمَا فهمه الْقَائِلُونَ بذلك بل الإجتهاد واستكمال شَرَائِطه لَيْسَ عسيرا بعد تدوين الْعُلُوم الْمُخْتَلفَة وتعدد المصنفات فِيهَا وتصفية كل دخيل عَلَيْهَا لأجل هَذَا قَالَ الإِمَام الشَّوْكَانِيّ

ص: 42