المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رد الأئمة على أدلة جواز التقليد - إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد

[الصنعاني]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمَة الْمُحَقق

- ‌الإجتهاد فِي اللُّغَة

- ‌الإجتهاد فِي اصْطِلَاح الْأُصُولِيِّينَ

- ‌شُرُوط الإجتهاد

- ‌أهمية الإجتهاد

- ‌الإجتهاد منحة إلهية مستمرة

- ‌مدى حريَّة التفكير والإجتهاد عِنْد الْأَئِمَّة وَاخْتِلَاف أَصْحَابهم مَعَهم

- ‌بَاب محزن من تأريخ الْمذَاهب الْفِقْهِيَّة

- ‌ كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ

- ‌إقتداء المقلدين بَعضهم لبَعض فِي الصَّلَاة

- ‌المحاريب الْأَرْبَعَة

- ‌الزواج بَين المقلدين

- ‌التناحر بَين الْمذَاهب

- ‌مدى انتشار الحروب وخراب الْبِلَاد بَين المتمذهبين

- ‌رمتني بدائها وانسلت

- ‌بَاب الإجتهاد وأسبابه

- ‌مَتى انسد بَاب الإجتهاد

- ‌ردود الْعلمَاء على سد بَاب الإجتهاد

- ‌توضيح بعض الْأُمُور المهمة

- ‌فكرة تعذر التَّصْحِيح والتضعيف فِي مصطلح الحَدِيث

- ‌صَاحب هَذِه الفكرة

- ‌مشاهير عُلَمَاء المصطلح يردون على ابْن الصّلاح

- ‌نسبه ومولده

- ‌نشأته وبراعته فِي الْعُلُوم

- ‌شُيُوخه

- ‌تلاميذه

- ‌مناصبه

- ‌مصنفاته

- ‌ابتلاءاته

- ‌وَفَاته

- ‌صِحَة نسبته إِلَى الْمُؤلف

- ‌عَمَلي فِي هَذَا الْكتاب

- ‌مُقَدّمَة الْمُؤلف

- ‌فصل فِي تَعْرِيف الحَدِيث الصَّحِيح

- ‌من شُرُوط الصَّحِيح السَّلامَة من الشذوذ وَالْعلَّة

- ‌تَصْحِيح الْأَئِمَّة وتضعيفهم للأحاديث اجْتِهَاد أم تَقْلِيد

- ‌فصل فِي جَوَاز تَصْحِيح الحَدِيث وتضعيفه فِي هَذِه الْأَعْصَار

- ‌فصل فِي مناقشة القَوْل بإستحالة الإجتهاد

- ‌فصل فِي تقريب الْفَهم إِلَى تيسير الِاجْتِهَاد بالأمثلة

- ‌فصل فِي الحكم بسهولة الِاجْتِهَاد فِي هَذِه الْأَعْصَار

- ‌فصل فِي بَيَان أَنه لَا فرق بَين الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين إِلَّا بِكَثْرَة الوسائط وقلتها

- ‌فصل فِي سَبَب اخْتِلَاف الْأَقْوَال فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل

- ‌فصل فِي التفطن لأحوال المخبرين عَن الروَاة

- ‌فصل فِي معرفَة الْحق من أَقْوَال أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل

- ‌فصل فِي أَن القوادح المذهبية لَا يتلفت إِلَيْهَا

- ‌عُلُوم الِاجْتِهَاد فِي هَذِه الْأَعْصَار أقرب تناولا مِنْهَا فِيمَا سلف

- ‌بَيَان أَن الْفضل للْمُتَقَدِّمين وَمن خالفهم فِي الْمسَائِل لم يدع الترفع عَلَيْهِم

- ‌شَرَائِط الِاجْتِهَاد وَكَيْفِيَّة تَحْصِيله لأهل الذكاء من الْعباد

- ‌فصل فِي تَعْظِيم السّنَن والانقياد إِلَيْهَا وَترك الإعتراض عَلَيْهَا

- ‌تَعْظِيم الصَّحَابَة للسنن

- ‌تَعْظِيم الْأَئِمَّة للسنن

- ‌الْأَدِلَّة معيار الْحق من الْبَاطِل

- ‌فصل فِي التَّوَقُّف فِي تَصْدِيق الْمخبر حَتَّى تقوم الْبَيِّنَة

- ‌بَيَان أَن على الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة

- ‌فصل فِي أَن مُكَابَرَة المكابرين سَبَب لهلاكهم

- ‌التَّقْلِيد هُوَ قبُول قَول الْغَيْر من دون حجَّة

- ‌مَبْحَث فِي جَوَاز التَّقْلِيد وَعدم جَوَازه

- ‌منع الِاجْتِهَاد كفران لنعمة الله عز وجل على الْعباد

- ‌حَدِيث اجْتِهَاد الْحَاكِم وَبَيَان أَن كَلَام الله وَكَلَام رَسُوله أقرب إِلَى الأفهام

- ‌تَحْرِيف معنى الْأَحَادِيث ليُوَافق الْمَذْهَب جِنَايَة على أَئِمَّة الْمذَاهب

- ‌رد الْأَئِمَّة على أَدِلَّة جَوَاز التَّقْلِيد

الفصل: ‌رد الأئمة على أدلة جواز التقليد

وَإِنِّي لأخاف مِمَّن حرف الْآيَات وَالْأَحَادِيث ليُوَافق اعْتِقَاده أَن يقلب فُؤَاده وَقَلبه فَلَا يوفق لمعْرِفَة الْحق عُقُوبَة كَمَا فعله الله فِيمَن رد براهين النُّبُوَّة وَكذب بهَا كَمَا أسلفناه فِي قَوْله {ونقلب أفئدتهم} الْأَنْعَام 110 وَلَو تتبعت مَا وَقع لأهل التَّقْلِيد من التحريف لجاء مِنْهُ مُجَلد وسيع وَلَكِن مرادنا النَّصِيحَة لَا التشنيع وَهِي تحصل بِأَقَلّ مِمَّا سقناه وأيسر مِمَّا رقمناه

‌رد الْأَئِمَّة على أَدِلَّة جَوَاز التَّقْلِيد

فَإِن قلت قد ذكر الْعلمَاء أَدِلَّة لجَوَاز التَّقْلِيد وَاسِعَة وطرائق نافعة قلت نعم وَقد ردهَا أَئِمَّة الِاعْتِقَاد وأوضحوا مَا فِيهَا من الْفساد ولنذكر خُلَاصَة كَلَام الْفَرِيقَيْنِ فالدليل الأول قَوْله تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} النَّحْل 43 قَالَ فَأمر سُبْحَانَهُ من لَا يعلم أَن يسْأَل من هُوَ أعلم مِنْهُ فَالْجَوَاب أَنا نقُول أَولا أَن الْتِزَام مَذْهَب إِمَام معِين فِي جَمِيع أَقْوَاله بِحَيْثُ لَا يحل الْخُرُوج عَنهُ بِحَال بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة فَمَا معنى الِاسْتِدْلَال على الْبِدْعَة أما كَونه بِدعَة فلأنكم يَا أسراء التَّقْلِيد وغيركم لَا يمكنكم أَن تدعوا أَنه كَانَ فِي عصر الصَّحَابَة رجل وَاحِد اتخذ رجلا من الصَّحَابَة يقلده فِي كل أَقْوَاله وَلم يتْرك مِنْهَا شَيْئا وَأسْقط أَقْوَال غَيره الْبَتَّةَ فَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا ويتأول مَا ورد من

ص: 168

الْآيَات وَالْأَحَادِيث ليُوَافق مَذْهَب من قَلّدهُ وَهَذَا مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَنه لم يكن فِي الصَّحَابَة وَلَا فِي تابعيهم وَلَا تَابع التَّابِعين وَهَذِه هِيَ الْقُرُون الثَّلَاثَة الَّتِي خَيرهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بقوله خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ يفشو الْكَذِب الحَدِيث وَمَا حدثت بِدعَة التَّقْلِيد إِلَّا فِي الْقرن الرَّابِع الَّذِي ذمه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أما الْآيَة الَّتِي ذكرْتُمْ فَإِن الله تَعَالَى أَمر فِيهَا من لَا يعلم أَن يسْأَل أهل الذّكر وَالذكر هُوَ الْقُرْآن وَالسّنة كَمَا ذكره الله فِي قَوْله مُخَاطبا لِنسَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {واذكرن مَا يُتْلَى فِي بيوتكن من آيَات الله وَالْحكمَة} الْأَحْزَاب 34 وآياته الْقُرْآن وَالْحكمَة السّنة وكما قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة} الْجُمُعَة 2 فَالْأَمْر فِي الْآيَة للجاهل أَن يسْأَل أهل الْقُرْآن والْحَدِيث عَنْهُمَا ليخبروه فَإِذا أَخْبرُوهُ وَجب عَلَيْهِ اتِّبَاع مَا أَخْبرُوهُ بِهِ

ص: 169

وَهَذَا على أظهر الْوُجُوه فِي تَفْسِير الْآيَة لمن لَهُ أدنى إِلْمَام بالتفسير فَكيف يسْتَدلّ على أعظم قَوَاعِد الْأُصُول بِوَجْه مَرْجُوح وَيُؤَيّد هَذَا الْوَجْه الرَّاجِح مَعنا أَن هَذَا كَانَ شَأْن أهل الْعلم فِي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ يسْأَل الْجَاهِل الْعَالم أَي عَالم عَن الْآيَات وَالسّنة وَلَيْسَ لَهُم مقلد معِين يتبعونه فِي أَقْوَاله فَكَانَ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما يسْأَل الصَّحَابَة عَمَّا قَالَه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو فعله لَا يسْأَله عَن غير ذَلِك وَكَذَلِكَ الصَّحَابَة كَانُوا يسْأَلُون نِسَاءَهُ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يخفى عَلَيْهِم من سنَنه سِيمَا عَائِشَة رضي الله عنها وَكَذَلِكَ التابعون كَانُوا يسْأَلُون الصَّحَابَة عَن أَقْوَال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وسننه وَكَذَلِكَ أَئِمَّة الْفِقْه قَالَ الشَّافِعِي رضي الله عنه لِأَحْمَد بن حَنْبَل يَا أَبَا عبد الله أَنْت أعلم بِالْحَدِيثِ مني فَإِذا صَحَّ الحَدِيث فَأَعْلمنِي حَتَّى أذهب إِلَيْهِ شاميا كَانَ أَو كوفيا أَو بصريا وَلم يكن أحد قطّ من أهل الْعلم يسْأَل الرجل عَن رَأْي رجل بِعَيْنِه فَيَأْخُذ بِهِ ويطرح مَا سواهُ

ص: 170

الثَّانِي من أَدِلَّة جَوَاز التَّقْلِيد أَنه صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي قصَّة صَاحب الشَّجَّة أَلا تسألوا إِذا لم تعلمُوا إِنَّمَا شِفَاء العي السوال فَأَرْشَدَهُمْ إِلَى السوال وَالْجَوَاب أَنه صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أرشد الْمُفْتِينَ لصَاحب الشيجة إِلَى السُّؤَال عَن حكمه صلى الله عليه وسلم وسنته فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله يَدْعُو عَلَيْهِم لما أفتوا بِغَيْر علم وَفِي هَذَا تَحْرِيم الافتاء بالتقليد فَإِن الْإِفْتَاء بِهِ لَيْسَ علما بِاتِّفَاق الْأمة وَمَا دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على فَاعله فَإِنَّهُ حرَام وَهُوَ أحد أَدِلَّة التَّحْرِيم فَالْحَدِيث حجَّة على تَحْرِيم التَّقْلِيد لَا على جَوَازه الثَّالِث من أدلتهم قَالُوا قَالَ أَبُو العسيف الَّذِي زنا بِامْرَأَة مستأجرة وَإِنِّي سَأَلت أهل الْعلم فَأَخْبرُونِي أَنما على ابْني جلد مائَة وتغريب عَام وَأَن على امْرَأَة هَذَا الرَّجْم أخرجه البُخَارِيّ قَالُوا فَلم يُنكر صلى الله عليه وسلم تَقْلِيد من هُوَ أعلم مِنْهُ

ص: 171

وَالْجَوَاب أَن هَذَا سَأَلَ أهل الْعلم فأفتوه بِسنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وعنها سَأَلَ فَهُوَ يصلح عاضدا لِلْآيَةِ وَأَن المُرَاد سُؤال أهل الذّكر عَن الْكتاب وَالسّنة لَا عَن رَأْيهمْ الرَّابِع من أدلتهم قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ} التَّوْبَة 100 ومقلدهم تَابع لَهُم فَهُوَ مِمَّن رضي الله عنه وَالْجَوَاب صدق الْمُقدمَة الأولى وَكذب الثَّانِيَة فَإِن الأولى ضَرُورِيَّة الصدْق وَأما كذب الثَّانِيَة فَإِن تَفْسِير اتباعهم بالتقليد من تَحْرِيف الْكَلم عَن موَاضعه كَيفَ وَهَذَا التَّقْلِيد الَّذِي يريدونه بِدعَة حَادِثَة لَا يُفَسر بهَا كَلَام الله واتباعهم إِنَّمَا هُوَ سلوك طريقهم ومنهاجهم وَقد نهوا عَن التَّقْلِيد فَلم يكن فِي السَّابِقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار يُقَلّد بالِاتِّفَاقِ فَكيف يُقَال من اتباعهم تقليدهم بل التابعون لَهُم بِإِحْسَان هم أهل الْعلم أَئِمَّة الْكتاب وَالسّنة الَّذين لَا يقدمُونَ على كتاب الله رَأيا وَلَا قِيَاسا وَلَا يجْعَلُونَ كَلَام أحد عيارا على الْقُرْآن وَالسّنَن فَالَّذِي اتبعهم هُوَ من اتبع الْحجَّة وانقاد بِالدَّلِيلِ وَلم يتَّخذ رجلا بِعَيْنِه إِمَامًا يَقْتَدِي بأقواله وسننه سوى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الله تَعَالَى {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء} الْأَعْرَاف 3

ص: 172

فَأمر تَعَالَى بِاتِّبَاع الْمنزل خَاصَّة والمنزل هُوَ الْكتاب وَالسّنة قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} الْحَشْر 7 فالتقليد لَا يكون اتبَاعا فَإِن الِاتِّبَاع سلوك طَريقَة المتبع والإتيان بِمثل مَا أَتَى بِهِ وَقد عقد أَبُو عمر بن عبد البر بَابا فِي الْفرق بَين الِاتِّبَاع والتقليد وَقَالَ قَالَ عبد الله بن خويز منداد الْبَصْرِيّ الْمَالِكِي التَّقْلِيد مَعْنَاهُ فِي الشَّرْع الرُّجُوع إِلَى قَول لَا حجَّة لقائله عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَمْنُوع مِنْهُ فِي الشَّرِيعَة والاتباع مَا ثَبت عَلَيْهِ حجَّة الْخَامِس من أَدِلَّة المقلدين الحَدِيث الْمَشْهُور أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ فَبِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ

ص: 173

وَالْجَوَاب أَن الحَدِيث قد رُوِيَ عَن عمر من طرق لَا يَصح مِنْهَا شَيْء وَقَالَ الْبَزَّار وَأما مَا يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ فَهَذَا الْكَلَام لَا يَصح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَإِن صَحَّ فالاتباع غير التَّقْلِيد فَإِن الِاقْتِدَاء فعلك مثل فعل الْغَيْر على الْوَجْه الَّذِي فعله بِالدَّلِيلِ الَّذِي

ص: 174

فعله فَلذَلِك قُلْنَا من أَبْيَات

وشتان مَا بَين الْمُقَلّد فِي الْهدى

وَمن يَقْتَدِي فالضد يعرف بالضد

فَمن قلد النُّعْمَان أصبح شاربا

نبيذا وَفِيه القَوْل للْبَعْض بِالْحَدِّ

وَمن يَقْتَدِي أضحى إِمَام معارف

وَكَانَ أويسا فِي الْعِبَادَة والزهد

فمقتديا فِي الْحق كن لَا مُقَلدًا

وخل أَخا التَّقْلِيد فِي الْأسر بالقد

ص: 175

فالمقلد لأبي حنيفَة وَهُوَ المُرَاد بالنعمان يجوز عِنْده شرب النَّبِيذ وَأَبُو حنيفَة لم يشربه فالاقتداء بِهِ أَن لَا يشربه بل الْمُقْتَدِي بِهِ يكون إِمَامًا فِي الْعلم والزهد كَأبي حنيفَة وَمثله قَول الإِمَام الْكَبِير مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْوَزير مؤلف العواصم والقواصم فِي الذب عَن أبي الْقَاسِم من أَبْيَات

هم قلدوهم فاقتديت بهم وَكم

بَين الْمُقَلّد فِي الْهدى والمقتدي

من قلد النُّعْمَان أصبح شاربا

لمثلث رِجْس خَبِيث مُزْبِد

وَلَو اقْتدى بِأبي حنيفَة لم يكن

إِلَّا إِمَامًا رَاكِعا فِي الْمَسْجِد

وَقَالَ الله تَعَالَى مُخَاطبا لرَسُوله صلى الله عليه وسلم بعد أَن عد من الْأَنْبِيَاء عليهم السلام نَحوا من بعضة عشر نَبيا {فبهداهم اقتده} الْأَنْعَام 90 قَالَ فِي الْكَشَّاف المُرَاد بهداهم طريقتهم فِي الْإِيمَان بِاللَّه وتوحيده وأصول الدّين اه وَمَعْلُوم يَقِينا أَن الله تَعَالَى لم يَأْمر رَسُوله صلى الله عليه وسلم بتقليد رسله فِي أديانهم فَعرفت أَن الِاقْتِدَاء والاتباع ليسَا من التَّقْلِيد فِي وُرُود وَلَا صدر

ص: 176

السَّادِس من أَدِلَّة المقلدين قَالُوا حَدِيث عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي أَبُو بكر وَعمر واهتدوا بِهَدي عمار وتمسكوا بِعَهْد ابْن أم معبد الْجَواب أَن الاهتداء بهم اتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وَالْقَبُول لما فيهمَا وَالدُّعَاء إِلَيْهِمَا وَتَحْرِيم التَّقْلِيد إِذْ لم يُؤثر عَنْهُم وَقد صَحَّ عَن ابْن مَسْعُود وَهُوَ ابْن أم معبد النَّهْي عَن التَّقْلِيد وَقَالَ لَا يكون الرجل إمعة لَا بَصِيرَة لَهُ ثمَّ من الْمَعْلُوم أَن أحدا مِنْهُم لم يكن يدع السّنة بقول أَي قَائِل ثمَّ إِن سنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وطريقتهم اتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة فالأخذ بسنتهما اتِّبَاع السّنة النَّبَوِيَّة وَالْقُرْآن

ص: 177

ثمَّ يُقَال لكم أَيهَا المقلدون إِنَّكُم لَا تقلدون أَبَا بكر وَعمر وَلَا تَجْعَلُونَ قَوْلهمَا حجَّة بل قلدتم أَئِمَّة من اتِّبَاع الْأَئِمَّة وحرمتم تَقْلِيد غَيرهم فَأَيْنَ أَنْتُم من الْعَمَل بِهَذَا الحَدِيث لَو كَانَ مسوقا للتقليد فَأنْتم أول تَارِك لَهُ السَّابِع من أَدِلَّة التَّقْلِيد أَن فِي كتاب عمر رضي الله عنه إِلَى شُرَيْح أَنه يقْضِي بِمَا قضى بِهِ الصالحون إِن لم يجد فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم مَا يقْضِي بِهِ وَالْجَوَاب إِن كتاب عمر رضي الله عنه فِيهِ دَلِيل على عدم التَّقْلِيد بل أمره بِاتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة والمقلدون لَا يَقُولُونَ بذلك بل لَا ينظرُونَ فِي كتاب الله وَلَا سنة إِنَّمَا ينظرُونَ فِي كتب شيوخهم وأقوالهم ثمَّ إِنَّه قَالَ إِذا لم يجد فِيهَا قضى بِمَا قضى بِهِ الصالحون فأباح لَهُ عِنْد تعذر وجدان الدَّلِيل من الْأَمريْنِ الرُّجُوع إِلَى مَا قضى بِهِ الصالحون الَّذين لَا يقضون إِلَّا عَن دَلِيل من كتاب أَو سنة أَو قِيَاس جلى

ص: 178

فَأجَاز لَهُ هُنَا الْأَخْذ فِي الْقَضَاء بِرَأْي الصَّالِحين فِي الْحَالة الراهنية لَا أَنه يَجْعَل رَأْيه مقدما على الْكتاب وَالسّنة كَمَا جعل المقلدون ثمَّ هَذَا كَلَام عمر رضي الله عنه وَلَيْسَ بِحجَّة الثَّامِن قَالُوا كَانَ الصَّحَابَة يفتون فِي عصره صلى الله عليه وسلم باطلاعه وَهَذَا تَقْلِيد لِلْمُتقين الْجَواب أَن فتواهم كَانَ تبليغا عَن الله وَعَن رَسُوله صلى الله عليه وسلم وَلم يكن إِفْتَاء بآرائهم وَلذَلِك لما أفتوا صَاحب الشَّجَّة بِخِلَاف سنته قَالَ قَتلهمْ الله كَمَا عرفت التَّاسِع من أدلتهم قَالُوا قَالَ الله تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم} التَّوْبَة 112 فَأوجب قبُول إِنْذَارهم وَذَلِكَ تَقْلِيد لَهُم وَالْجَوَاب أَن هَذَا جهل للفظ الْإِنْذَار إِنَّمَا يقوم بِالْحجَّةِ فَمن لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة لم يكن قد أنذر كَمَا أَن النذير من أَقَامَ الْحجَّة فَمن لم يَأْتِ بِالْحجَّةِ لم يكن نذيرا وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَاد {ولينذروا قَومهمْ} بإخبارهم إيَّاهُم بالحجج والبراهين على مَا يفقهونهم بِهِ من الْأَحْكَام أَلا ترى أَن خَزَنَة النَّار من الْمَلَائِكَة يَقُولُونَ لمن فِيهَا {ألم يأتكم نَذِير قَالُوا بلَى قد جَاءَنَا نَذِير فكذبنا وَقُلْنَا مَا نزل الله من شَيْء إِن أَنْتُم إِلَّا فِي ضلال كَبِير وَقَالُوا لَو كُنَّا نسْمع أَو نعقل مَا كُنَّا فِي أَصْحَاب السعير}

ص: 179

الْملك 8 10 قَالَ الله تَعَالَى {فَاعْتَرفُوا بذنبهم} الْملك 11 فَإِنَّهُم أقرُّوا أَنه أَتَاهُم النذير وَلَا يكون إِلَّا لحجة فكذبوا ضلالا وعنادا وَقَالُوا متأسفين {لَو كُنَّا نسْمع} أَي نعمل بِمَا سمعناه {أَو نعقل} أَي نعمل بِمَا عَقَلْنَاهُ وَإِلَّا فَمن الْمَعْلُوم أَنهم سمعُوا وعقلوا وَلَكِن مَا عمِلُوا فكأنهم لَا سمع لَهُم وَلَا عقل فهم الَّذين يَقُولُونَ سمعنَا وعصينا وَلَو أَنهم قَالُوا سمعنَا وأطعنا خيرا لَهُم وأقوم فَعرفت أَنه لَا دَلِيل فِي الْآيَة للمقلدين الْعَاشِر من أدلتهم قَالُوا قد أَمر الله تَعَالَى بِقبُول شَهَادَة الشَّاهِد وَذَلِكَ تَقْلِيد لَهُ الْجَواب أَن هَذَا من أبطل الْأَدِلَّة فَإنَّا مَا قبلنَا قَوْلهم إِلَّا بِنَصّ رَبنَا وَقَول نَبينَا وَإِجْمَاع أمة فَلم يقبل قَول الشَّاهِد بِمُجَرَّد كَونه شهد بِهِ بل قبلناه لِأَن الله أَمر بِقبُول شَهَادَته كَمَا أمرنَا بِاتِّبَاع رَسُوله صلى الله عليه وسلم فَإِن سميتم ذَلِك تقليدا فَلَا يضرنا وَأما أَنْتُم قبلتم قَول من قلدتموه وتركتم قَول من عداهُ وَلَو كَانَ آيَة من

ص: 180

الله أَو حَدِيثا نبويا لتأولتموها وأرجعتموها ناكصين على أعقابكم إِلَى قَول إمامكم وَكَذَلِكَ قبولنا إِقْرَار من أقرّ على نَفسه بِشَيْء وَحكما بِهِ عَلَيْهِ لَا يُسمى تقليدا بل اتبَاعا لقَوْل الله تَعَالَى {بل الْإِنْسَان على نَفسه بَصِيرَة} الْقِيَامَة 14 وَإِجْمَاع الْأمة وَعَمله صلى الله عليه وسلم فِي قبُول إِقْرَار مَاعِز والغامدية ورجمهما بإقرارهما وَلَا يَقُول اُحْدُ إِنَّه صلى الله عليه وسلم قلدهما الْحَادِي عشر من أدلتهم قَالُوا قد جعل الله فِي فطر الْعباد تَقْلِيد المتعلمين للْعَالمين والأستاذين فِي الْعُلُوم والصنائع وَلَا تقوم مصَالح الْخلق إِلَّا بِهَذَا وَذَاكَ عَام فِي كل علم وصناعة وَقد فاوت الله بَين الأذهان كَمَا فاوت بَين القوى فِي الْأَبدَان فَلَا يحسن فِي حكمته وعدله وَرَحمته أَن يفْرض على جَمِيع خلقه معرفَة الْحق بدليله وَالْجَوَاب أَن هَذَا حق لَا يُنكر وَلَا يُنكر أَخذ الْعلم عَن الْعلمَاء وينكر أَخذه من الصُّحُف والقراطيس بِغَيْر تعلم وَلَكنَّا نقتدي بالعالم ونهتدي بتعليمه ونستعين بفهمه ونستضيء بأنوار علومه وَفرق بَين تَقْلِيد الْعَالم فِي جَمِيع مَا قَالَه وَبَين الِاسْتِعَانَة بفهمه وَهُوَ الثَّانِي بِمَنْزِلَة الدَّلِيل فِي الطَّرِيق والخريت الماهر لِابْنِ السَّبِيل فَهُوَ دَلِيل إِلَى دَلِيل فَإِذا وصل إِلَيْهِ اسْتغنى بدلالته عَن الِاسْتِدْلَال بِغَيْرِهِ وَنَظِيره من اسْتدلَّ بِالنَّجْمِ على الْقبْلَة فَإِذا شَاهد الْقبْلَة لم يبْق لاستدلاله بِالنَّجْمِ معنى

ص: 181

أما قَوْله إِنَّه تَعَالَى فاوت بَين الأذهان فَهَذَا مُسلم وكلا منا فِيمَن لَهُ أَهْلِيَّة الْخطاب وَفهم أَدِلَّة مَا يَحْتَاجهُ من أَدِلَّة السّنة وَالْكتاب وَهُوَ بِحَمْد الله الْوَاحِد الْوَهَّاب أَمر لَيْسَ بالخفي وَلَا بالألغاز الَّذِي لَا يعرفهُ إِلَّا الذكي بل قدمنَا لَك أَن ألفاظهما أقرب تناولا وأسهل أخذا وأوضح معنى وَلَا بُد للمكلف من تفهم مَعَاني مَا كلف بِهِ إِمَّا من كَلَام شُيُوخه أَو من كَلَام ربه وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم ضَرُورَة إِنَّه لَا يتم لَهُ التَّكْلِيف إِلَّا بالفهم وَإِلَّا مَعْذُورًا غير مُخَاطب بِشَيْء من الشرعيات فالفهم الَّذِي يصرفهُ فِي حل عِبَارَات شُيُوخه وَبَيَان مَعَانِيهَا يصرفهُ فِي تفهم كَلَام ربه وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وَالْقدر الَّذِي كلف الله بِهِ عباده وَقد سهله {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} الْحَج 78 لَا فِي فهم المُرَاد وَلَا فِي الْأَفْعَال الَّتِي خَاطب الْعباد وَقد قدمنَا أَن الْوَاجِب على كل عبد مَا يَخُصُّهُ من الْأَحْكَام وَمَا يَدعُوهُ إِلَيْهِ حَاجَة وَهُوَ أَمر سهل يسير فَإِن أَكثر الْعُلُوم فضول كَمَا قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رضي الله عنه الْعلم نقطة كثرها الْجُهَّال فَهَذِهِ زبدة أَدِلَّة مجوزي التَّقْلِيد وأجوبتها وَمن لَهُ فهم أَو ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد لَا يخفاه بعد ذَلِك إِذا كَانَ لَهُ مطلبا وإياه يُرِيد وَقد ذكرُوا أَدِلَّة سماعهَا شغل الأسماع بِغَيْر فَائِدَة تعود على سامعها وَلَا انْتِفَاع تركناها لَا نشغل بهَا الاوقات ويستغني بهَا عَمَّا هُوَ أولى بِالنّظرِ بالِاتِّفَاقِ وَالله يَقُول الْحق وَهُوَ يهدي السَّبِيل وَعَلِيهِ فِي كل فعل التعويل وَمِنْه

ص: 182

وَمِنْه نستمد الْهِدَايَة فِي البكرة والأصيل إِلَى مَا يقر بِنَا إِلَى جَانِبه وينزلنا فِي ظلّ رَحمته الظليل وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله خير آل وصحابته خير صِحَاب وقبيل

ص: 183