الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علمهما بهما يتوقفان على الدَّلِيل والأمارة وَإِذا تقرر هَذَا فالعقلاء قاطبة وَأهل الْملَل والنحل الْمُخْتَلفَة متفقون على أَنه لَا يجب تَصْدِيق أحد وَاتِّبَاع قَوْله حَتَّى يَأْتِي ببرهان على مَا قَالَه من دَعْوَاهُ أَو إخْبَاره عَن أَي أَمر أَلا ترى أَن مُوسَى عليه السلام لما قَالَ لفرعون {إِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين} إِلَى قَوْله {قد جِئتُكُمْ بِبَيِّنَة} إِلَى قَوْله قَالَ فِرْعَوْن {فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين} الْأَعْرَاف 104 106 وَفِي سِيَاق قصصه فِي الْقُرْآن كلهَا نَحْو هَذَا وَقَالَ صَالح {قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة} الْأَعْرَاف 73 بعد قَوْلهم {فأت بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين} الشُّعَرَاء 154 وَسَائِر قصَص الْأَنْبِيَاء كَذَلِك وَأما قوم هود {مَا جئتنا بِبَيِّنَة وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك} هود 53 فَمن تعنتهم فِي كفرهم وجعلهم الْبَيِّنَة غير الْبَيِّنَة
بَيَان أَن على الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة
وَإِذا عرفت هَذَا عرفت أَن كل عَاقل لَا يقبل قَول قَائِل مُدعيًا ومخبرا وَلَا
يصدقهُ حَتَّى يُقيم الْبَيِّنَة على مَا قَالَه فَإِن هَذَا فِرْعَوْن مَعَ غلوه فِي كفره وكبريائه طلب من مُوسَى الْبَيِّنَة على دَعْوَاهُ أَنه رَسُول من رب الْعَالمين وَلم يُقَابله بِالرَّدِّ لدعواه بصد وإعراض عَن مَا قَالَه وادعاه وَلم يقل لَهُ صدقت وَلَا كذبت بل طلب مِنْهُ الْبُرْهَان كقوم صَالح وكل أهل مِلَّة من الْملَل الكفرية تطالب رسولها بِالْبَيِّنَةِ على دَعْوَاهُ النُّبُوَّة بل مِنْهُم من يعرف دَعْوَاهُ بِأَن عِنْده الْبُرْهَان عَلَيْهَا قبل أَن يطالبوه بِهِ أَلا ترى أَن مُوسَى عليه السلام قَالَ لفرعون فِي بعض محاورته {حقيق على أَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق قد جِئتُكُمْ بِبَيِّنَة من ربكُم} الْآيَة الْأَعْرَاف 105 وَإِذا أَقَامَ النَّبِي عليه السلام الْبَيِّنَة على دَعْوَى النُّبُوَّة فَمن قومه من يصدقهُ وينقاد لَهُ كَمَا كَانَ من سحرة فِرْعَوْن فَإِنَّهُم لما شاهدوا تلقف عَصَاهُ لما أَتَوا بِهِ من سحر عَظِيم كَمَا وَصفه الله خروا سجدا {قَالُوا آمنا بِرَبّ الْعَالمين رب مُوسَى وَهَارُون} الْأَعْرَاف 121 122 وَتَمَادَى فِرْعَوْن وَمن تبعه على كفرهم وتكذيبهم بعد علمه وَعلم من بَقِي مَعَه على كفره بِصدق مُوسَى كَمَا قَالَ تَعَالَى فيهم {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} النَّمْل 14 فَأخْبر الصَّادِق فِي أخباره المطلع على إِضْمَار الْقلب وإسراره بِأَنَّهُم جَحَدُوا بآياته المبصرة وأنفسهم بهَا متيقنة وَقَالَ مُوسَى عليه السلام لفرعون {لقد علمت مَا أنزل هَؤُلَاءِ إِلَّا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض بصائر} الْإِسْرَاء 102 وَاعْلَم أَن سر هَذِه الْأَخْبَار مِنْهُ تَعَالَى بِأَنَّهُم جَحَدُوا بهَا عَن يَقِين أَن الله تَعَالَى كَمَا جبل الْعُقُول على أَن لَا تقبل دَعْوَى وَلَا تصدق خَبرا إِلَّا عَن بَيِّنَة تُقَام عَلَيْهَا
كَذَلِك جبلها على قبُولهَا وانقيادها وَإِذ عانها لقبُول القَوْل إِذا أُقِيمَت الْبَيِّنَة عَلَيْهِ والبرهان وتصديقها للدعوى وَالْخَبَر فِي أَي شَأْن كَمَا جعل الشِّبَع عِنْد الْأكل فَإِن لم يقبل بعد إِقَامَته فَلَيْسَ إِلَّا مُكَابَرَة وظلما وعلوا وعدوانا وَلَو بسطنا الِاسْتِدْلَال لطال الْمقَال إِلَّا أَن الْمَسْأَلَة مَعْلُومَة بِالضَّرُورَةِ عِنْد الْعُقَلَاء مبسوطة فِي دواوين الْإِسْلَام فَلَا حَاجَة إِلَى الإطالة وَيدل لذَلِك قَوْله {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} الْإِسْرَاء 15 وَقَوله {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} النِّسَاء 165 وَقَوله {أَن تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير وَلَا نَذِير فقد جَاءَكُم بشير ونذير} الْمَائِدَة 19