الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء هل في العسل زكاة أو لا؟ والآثار المذكورة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها نظر لكن قد صح عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ العشر لكن هل أخذه على أنه زكاة أو على أن صاحب العسل أراد عمر أن يأخذ منه هذا بسبب غير الزكاة؟ والاحتياط بلا شك أن يزكى العسل لأنه يشبه الخارج من الثمار والزروع إذ أن الكلفة فيه يسيرة ليس على الإنسان إلا أن يجمع نحلاً ويحصد منه العسل.
باب زكاة الذهب والفضة
القارئ: وهي واجبة لقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ولما نذكره من النصوص ولأنهما معدَّان للنماء فأشبها السائمة.
الشيخ: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) معنى كنزها فسرته الآية أن لا ينفقها في سبيل الله وأعظم ما ينفق في سبيل الله من الأموال هو الزكاة وقوله: (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) اقترنت الفاء بالخبر لأن (الذين) اسم موصول يشبه الشرط في العموم كقول النحويين في مثالهم: الذي يأتيني فله درهم والأصل الذي يأتيني له درهم، لكن لما أشبه الموصول اسم الشرط في عمومه جاز اقتران الخبر بالفاء.
القارئ: ولا زكاة إلا في نصاب ونصاب الوَرِق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون مثقالا لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا أقل من مائتي درهم صدقة) رواه أبو عبيد والاعتبار بدراهم الإسلام التي وَزْنُ كل عشرة منها سبعة مثاقيل بغير خلاف
الشيخ: فتكون مئتا الدرهم بالمثاقيل مائة وأربعين مثقالاً لأن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل أما الدنانير فكل دينار مثقال فإذا كانت عشرون ديناراً فهي عشرون مثقالاً وإذا قلنا إن مائتا درهم مائة وأربعون مثقالاً فهي في الغرامات خمسمائة وخمسة وتسعون غراماً.
القارئ: فإن نقص النصاب كثيرا فلا زكاة فيه للحديث ولقوله صلى الله عليه وسلم (ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقة) والأوقية أربعون درهما وإن كان يسيرا كالحبة والحبتين فظاهر كلام الخرقي لا زكاة فيه للخبر وقال غيره من أصحابنا: فيه الزكاة لأن هذا لا يضبط فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين.
الشيخ: والظاهر أن قول الخرقي هو الصواب ما دام الشرع قد قدره فلنرجع إلى تقديره لأن الحبة أو الحبتين قد يكون ثمنهما كثيراً فالصواب أن التقدير تحديد وليس تقريباً.
القارئ: ولا يضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب لأنهما جنسان اختارها أبو بكر وفرّق بينهما وبين الحبوب لاختلاف نصابهما واتفاق نصاب الحبوب وعن أحمد رضي الله عنه أنه يضم لأن مقاصدهما متفقة فهما كنوعي الجنس.
الشيخ: الصحيح الأول أن الذهب لا يضم إلى الفضة في تكميل النصاب إلا في أموال الصيارفة وذلك لأن أموال الصيارفة يعدونها للتجارة فالذهب والفضة عروض تجارة مثال ذلك رجل ملك مائة درهم وعشرة دنانير هل عليه زكاة؟ إن قلنا بالضم فعليه زكاة لأنه ملك نصف نصاب من الذهب ونصف نصاب من الفضة وإن قلنا بعدم الضم فلا زكاة عليه لأنه لم يملك نصاباً من الفضة ولا نصاباً من الذهب وهذا يأتي في الحلي إذا كان امرأة عندها حلي يبلغ نصف نصاب وعندها دراهم تبلغ نصف نصاب فهل عليها أن تزكي حليها؟ إن قلنا بالضم وجب أن تزكيه لأن مجموعهما نصاب وإن قلنا بعدم الضم فلا زكاة عليها والراجح أنه لا ضم بدليل أن الشعير لا يضم إلى الحنطة مع أن مقاصدهما واحدة كلها طعام وأما أنواع الحنطة وأنواع الشعير فيضم بعضها إلى بعض لأن الجنس واحد إذاً القول الراجح أنه لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب لدليلين أثري ونظري أما الأثري فإن الأحاديث كلها تدل على أن الفضة إذا لم تبلغ كذا فلا زكاة فيها والذهب إذا لم يبلغ كذا فلا زكاة فيه (ليس فيما دون خمس أوقٍ صدقة) يعني أوقٍ من الفضة (ليس فيما دون عشرون ديناراً صدقة) والدنانير هي الذهب فإذا أخذنا بهذا العموم فلا فرق أن يكون عنده من الجنس الآخر أو لا، وأما الدليل النظري أن يقال كما لا يضم البر إلى الشعير في تكميل النصاب فكذلك لا يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب.
وأموال الصيارفة مستثناة لأن أموال الصيارف عروض تجارة الصيرفي عنده ذهب وفضة لو سألته لماذا؟ لقال: لأني أريد أن أتجر.
القارئ: ويضم أحدهما إلى الآخر فيحسب كل واحد من نصابه ثم يضم إلى صاحبه لأن الزكاة تتعلق بأعيانها فلا تعتبر قيمتها كسائر الأموال وعنه: تضم بالقيمة إن كان ذلك أحظ للفقراء فيقوّم الأعلى منهما بالآخر فإذا ملك مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم وجبت زكاتها مراعاةً للفقراء ويجب في الزائد على النصاب بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر فأشبه الحبوب.
الشيخ: يعني إذا قلنا بالضم وهو قول مرجوح كما عرفتم فهل يضم بالقيمة أو بالأجزاء الصحيح أنه يضم بالأجزاء لا بالقيمة إلا إذا كانت عروضاً فيضم بالقيمة مثال ذلك عنده نصف نصاب من الفضة وربع نصاب من الذهب لكنه يبلغ نصف نصاب من الفضة بالقيمة فهل عليه زكاة؟ على الخلاف إذا قلنا الضم بالأجزاء فلا زكاة عليه وإن قلنا بالقيمة فعليه الزكاة والصواب أنه بالأجزاء ما لم يكن للتجارة ومن عنده نصف نصاب من الفضة وربع نصاب من الذهب يساوي نصف نصاب من الفضة (نصف نصاب من الفضة مائة درهم) وربع النصاب من الذهب الذي عنده يساوي مائة درهم فهل يكمل النصاب بذلك؟ على الخلاف وإذا قلنا إنه يضم بالأعيان فلا زكاة وإن قلنا يضم بالقيمة فعليه الزكاة فصار عندنا الآن ثلاث مراتب:
أولاً: هل يضم الذهب إلى الفضة في تكملة النصاب في ذلك خلاف والراجح لا ضم إلا في أموال الصيارفة لأنها تجارة.
ثانياً: إذا قلنا بالضم فهل يضم باعتبار القيمة أو باعتبار الأعيان ففي هذا خلاف فبعضهم قال يعتبر القيمة وبعضهم قال: يعتبر العين وهذا هو الصواب يعني إذا قلنا بالضم والمثال كما ذكرت لكم رجل عنده مائة درهم هذه نصف نصاب وعنده ربع نصاب من الذهب لكنه يساوي مائة درهم فإن قلنا الضم بالقيمة صار عنده مائتا درهم فيها الزكاة وإذا قلنا بالأعيان فلا زكاة لأنه ليس عنده إلا نصف نصاب وربع نصاب يعني ثلاثة أرباع نصاب فلا تلزمه الزكاة.
السائل: النقود الورقية هل تضم إلى الذهب والفضة؟
الشيخ: النقود الورقية نعتبرها فضة لأنه مكتوب عليها ريال أو خمسة ريالات أو عشرة ريالات أو خمسين ريال أو مائة ريال أو خمسمائة ريال فهي تعتبر ملحقة بالفضة.
فصل
القارئ: والواجب فيها ربع العشر لقوله صلى الله عليه وسلم (في الرِقة ربع العشر) رواه البخاري والرقة: الدراهم المضروبة فيجب في المائتين خمسة دراهم وفي العشرين مثقالاً نصف مثقال ويخرج عن كل واحد من الرديء والجيد وعن كل نوع من جنسه إلا أن يشق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها فيؤخذ من الوسط كما ذكرنا في الماشية وإن أخرج الجيد عن الرديء كان أفضل فإن أخرج رديئاً عن جيد زاد بقدر ما بينهما من الفضل لأنه لا ربا بين العبد وسيده.
الشيخ: لا ربا بين العبد وسيده يعني بذلك الله فالزكاة حق لله عز وجل فإذا زاد عن الدراهم الرديئة من جنسها فلا حرج.
القارئ: وقال القاضي: هذا في المكسرة عن الصحيحة أما المبهرجة فلا يجزئه بل يلزمه إخراج جيده ولا يرجع فيما أخرجه لله تعالى وفي إخراج أحد النقدين عن الآخر روايتان بناء على ضم أحدهما إلى الآخر.
الشيخ: هذه مثلاً إذا كان عند امرأة حلي من الذهب فعلى كلام المؤلف لا تخرج من الدراهم لأن الدراهم نائبة مناب الفضة وإخراج الفضة عن الذهب لا يجوز إلا إذا قلنا بالضم فإنهما يكونان كنقد واحد لكن الصحيح عدم الضم فيبقى النظر الآن امراة عندها حلي نقول إذا قدرنا أن عندها أربعين سواراً متساوية القيمة والوزن فماذا تخرج؟ تخرج سواراً واحداً ولا تخرج القيمة لكن أحياناً لا يمكنها أن تخرج من الذهب وذلك لأنه ليس عندها شيء منفصل بعضه عن بعض بقدر الزكاة فحينئذ نضطر إلى إخراج القيمة فتقدر الحلي بقيمته من الفضة وتخرج من الفضة وهذا هو الذي عليه العمل الآن.
القارئ: ومن ملك مشغوشاً منهما فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا فإن شك في بلوغه خيّر بين سبكه ليعرف وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين.
الشيخ: بناءً على ما سبق في عرفهم من أن النقود أو الذهب والفضة قد يغش ويدخل فيه شيء ليس منه أما الآن والحمد لله فالأمور منضبطة ولا فيها غش يعرف الذهب عيار ثمانية عشر وعيار واحد وعشرين كلها معروفة.
فصل
القارئ: ولا زكاة في الجواهر واللآليء لأنها معدة للاستعمال فأشبهت ثياب البذلة وعوامل الماشية وأما الفلوس فهي كعروض التجارة تجب فيها زكاة القيمة.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله: (ولا تجب الزكاة في الجواهر واللآليء) والألماس وأشباه ذلك هذا الحكم صحيح لكن التعليل غير صحيح وهو قوله: (لأنها معدة للاستعمال فأشبهت ثياب البذلة) بل التعليل الصحيح لأنه لم يرد إيجاب الزكاة فيها والأصل براءة الذمة وأما التعليل الذي ذكره فهو منتقض فها هو الحلي تجب فيه الزكاة مع أنه معد للاستعمال فالصواب أن يقال: لا تجب الزكاة في هذا لأنه لم يرد إيجاب الزكاة فيها والأصل براءة الذمة وأما قوله: (عوامل المواشي) يريد بذلك الإبل العوامل التي يعدها الناس للحمل يحملون الأمتعة عليها أو البقر والإبل التي يعدونها للحرث هذه ما فيها زكاة لأن من شرط وجوب الزكاة السوم والسوم في العوامل والحراثات وما أشبه ذلك غير موجود ولهذا لو قدر أن إنسان عنده ماشية عوامل ولكنها تعيش على الرعي وجبت فيها الزكاة فالعلة في العوامل لا لأنها استعلمت لكنه لأنه فقد شرط من شروط الزكاة وهو السوم والسوم هو الرعي وأما الفلوس فيقول المؤلف: (إنها كعروض التجارة تجب فيها الزكاة في القيمة) الفلوس: يعني القروش يعني النقد المعدني من غير الذهب والفضة هذا كعروض التجارة ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: إن الفلوس عروضٌ مطلقا وإن كانت نقداً مستعملاً لكنها عروض ما فيها ربا وما فيها زكاة ما لم تعد للتجارة ويشبه الفلوس الأوراق النقدية لأنها ليست ذهباً ولا فضة لكن الناس يتعامل بها كما يتعاملون بالذهب والفضة وهذا محل خلاف بين العلماء رحمهم الله هل الأوراق النقدية تلحق بالنقد أو تلحق بالفلوس وقد ألف بعض المعاصرين كتاباً أسماه (إقناع النفوس بإلحاق أوراق الأناوط بعملة الفلوس) وانتصر لهذا انتصاراً كبيراً وعليه فلا يجري فيها الربا وليست فيها زكاة ما لم تعد للتجارة لكن هذا القول في نظري ضعيف والصواب أن فيها الزكاة وأنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل وهل يجوز أن يخرج الزكاة من عين الفلوس؟ يقول المؤلف تجب فيها
زكاة القيمة فلا يخرج منها كما لا يخرج من العروض فكذلك لا يخرج من الفلوس لكن عمل الناس خلاف ذلك لما كان الناس ليس عندهم من الدنيا ما عندهم اليوم كانوا يعطون الزكاة على قرش وقرشين يعطون الفقير قرشاً وقرشين ويفرح بهذا والآن لو تعطي الفقير ريالاً رده عليك بل البعض يرد عليك الخمسين ريالاً حتى تعطيه مائة أومائتين وإلا ما يقبل، وأنا أدركت أن الناس يعطون القرش الواحد من الزكاة ويقبله الفقير.
مسألة: كل نقد ليس من الذهب والفضة فهو فلوس وموجود الآن ريالات معدنية لهواتف العملة هي نقد بمعنى أن الناس يتعاملون بها كما يتعاملون بالنقدين الذهب والفضة.
فصل
القارئ: ومن ملك مصوغاً من الذهب والفضة محرماً كالأواني وما يتخذه الرجل لنفسه من الطوق ونحوه وخاتم الذهب وحلية المصحف والدواة والمحبرة والمقلمة والسرج واللجام وتأزير المسجد ففيه الزكاة لأن هذا فعل محرم فلم يخرج به عن أصله.
فإن كان مباحاً كحلية النساء المعتادة من الذهب والفضة وخاتم الرجل من الفضة وحلية سيفه وحمائله ومنطقته وجوشنه وخوذته وخفه ورانه من الفضة وكان معداً لتجارةٍ أو نفقةٍ أو كراءٍ ففيه الزكاة لأنه معد للنماء فهو كالمضروب.
وإن أعد للبس والعارية فلا زكاة فيه لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ليس في الحلي زكاة) ولأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح فلم تجب زكاته كثياب البذلة وحكى ابن أبي موسى عنه: أن فيه الزكاة لعموم الأخبار.
الشيخ: المصوغ من الذهب والفضة ينقسم إلى أقسام:
الأول: المحرم ففيه الزكاة على كل حال مثل أن يكون للمرأة سوار على شكل ثعبان هذا محرم لأنه لا يجوز لبس هذا أو يكون عليها قلادة على شكل أسد هذه محرمة وفيها الزكاة أو يكون للرجل خاتم من ذهب هذا محرم ففيه الزكاة إذا بلغ النصاب.
الثاني: أن يكون معداً للنفقة والتجارة والكراء ففيه الزكاة أيضاً فمثلاً امرأة عندها حلي تتجر به تبيعه وتشتري في الحلي هذا فيه الزكاة لأنه عروض تجارة وعروض التجارة لا تختص بمال دون مال كل ما أعد للتجارة ففيه الزكاة أو أعدته للنفقة بمعنى أن عندها حلياً كلما احتاجت باعت منه وأنفقت على نفسها ففيه الزكاة أو أعدته للكراء تكريه الناس كلما احتاجت النساء إلى لبس الحلي لعرس أو غيره أجرَّته إياهن ففيه الزكاة.
الثالث: أن يكون للاستعمال المجرد المباح يعني أن امرأة عندها حلي تستعمله وهو مباح ليس محرماً وليس فيه إسراف ولا خروج عن العادة ولا صور حيوان ولا غير ذلك فلا زكاة فيه لأنه معد للاستعمال فهو كثياب البذلة يعني كما لو لبس الإنسان ثياباً فالثياب مهما بلغت قيمتها فليس عليه فيها زكاة وكفراش البيت وكالسيارة وما أشبه ذلك كل هذه ليست فيها زكاة والحلي مثلها يستعمل للزينة فكما أن الرجل لو كان عنده ثياب للزينة أو كان عنده مشالح للزينة يستعملها فلا زكاة فيها فكذلك حلي المرأة هذا وجه قولنا إنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال إذا كان حلالاً ليس حراماً لكن قال ابن قدامة في الكافي: حكى ابن أبى موسى عنه أي عن الإمام أحمد: أن فيه الزكاة لعموم الأخبار فالأخبار الواردة في زكاة الذهب والفضة عامة ما فيها تفصيل فإن قال قائل لماذا لم تذكر الحديث الذي استدل به المؤلف بل ركنت إلى التعليل وهو قوله (ليس في الحلي زكاة)؟ فالجواب أننا عدلنا عنه لأن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وما لم يصح فلا يجوز الاستدلال به وهو غير مطرد ولا منعكس إذ أن الحلي قد تجب فيه الزكاة وقد لا تجب فليس على إطلاقه فلا يصح الاستدلال به أما الرواية الثانية عن أحمد ففيه زكاة أي في الحلي والدليل عموم الأخبار مثل قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فلابد أن ينفق الذهب والفضة في سبيل الله على حسب ما جاءت به الشريعة فإن لم يفعل فهو كانز لها ومثل قوله صلى الله عليه وسلم (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنبه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ثم يري سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) وهذا وعيد عظيم شديد ومعلوم أن المرأة التي
عندها حلي صاحبة ذهب أو فضة إن كان حلياً من الذهب فهو ذهب وإن كان حلياً من الفضة فهو فضة فهي صاحبة ذهب وفضة فما الذي أخرجها من العموم؟ ثم إنه قد وردت السنة بخصوص الحلي بأحاديث صحيحة مثل حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: أتودين زكاة هذه؟ فقالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟ فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) وهذا نص في عين المسألة أي في مسألة النزاع والنص في مسألة النزاع حاكم لقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ولا شيء يعارضه وقد قال ابن حجر رحمه الله عن هذا الحديث: إنه أخرجه الثلاثة وإسناده قوي وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: إن إسناده صحيح وله شواهد من حديث أم سلمة وغيرها فعلى هذا يكون القول الراجح في هذه المسألة وجوب زكاة الحلي من الذهب والفضة وليس لنا أن نتجاوز ما دل عليه كتاب الله في ظاهر عمومه ولا ما دلت عليه السنة النبوية في عمومها وخصوصها لأننا مسؤولون عن ذلك وأما القياس الذي ذكره المؤلف فهو قياس باطل:
أولاً: أنه قياس في مقابلة النص والقياس في مقابلة النص فاسد الاعتبار لا يؤخذ به.
ثانياً: أنه قياس غير مطرد بدليل أن الإنسان لو جمع ثياباً كثيرة يعدها للنفقة فإنه لا تجب فيها الزكاة لكن لو أعدت المرأة الحلي للنفقة وجبت فيها الزكاة والمقيس يجب أن يكون موافقاً للمقيس عليه أيضاً ولو كان عند الإنسان ثياب كثيرة يؤجرها أو إبل كثيرة يؤجرها فإنه ليس فيها الزكاة ولو كان عند المرأة حلي من الذهب أوالفضة تؤجره لوجبت فيه الزكاة فإذاً لا قياس.
ثالثاً: أن نقول إن الثياب وما أشبهها الأصل فيها عدم الزكاة الأصل فيها أنها ليست فيها زكاة والذهب والفضة الأصل فيها الزكاة ومادام الأصل فيها الزكاة فإنه لا يمكن أن يخرج عن هذا الأصل إلا بدليل فتبين بهذا أن القياس لا يصح لا طرداً ولا عكساً ولأنه في مقابلة النص فلا يلتفت إليه فالصحيح الذي تبرأ به الذمة ويسلم به الإنسان من العقوبة أن يخرج الزكاة من الحلي والحمد لله الأمر واسع وإنك لتعجب أن تكون امرأة فقيرة عندها حلي لا تلبسه لكنها كلما احتاجت باعت وأكلت لإنقاذ نفسها وامرأة عندها من الحلي الشيء الكثير للتزين به والتزين أمر كمالي نقول: الأولى عليها الزكاة والثانية ليس عليها زكاة أيهما أحق أن تسقط عنها الزكاة؟ الأولى لأن الأولى أعدته للضرورة وهذه إنما أعدته للكمال فلو أردنا أن نسقط الزكاة لأسقطنا عن الأولى دون الثانية ومن قال بعدم الوجوب يسقط عن الثانية دون الأولى وهذا القول أعني وجوب زكاة الحلي كما أنه مقتضى النص فهو قول أكثر العلماء لأن مذهب أبي حنيفه رحمه الله وجوب الزكاة فيه والعالم الإسلامي ولا سيما في القرون الوسطي حين كانت الخلافة لبني عثمان لا شك أن العالم الإسلامي أكثره على مذهب أبي حنيفة لا سيما في شرق أسيا وشمالها فليس القول هذا غريباً ولا شاذاً ولا نادراً.
فصل
القارئ: ولا فرق بين كثير الحلي وقليله لعدم ورود الشرع بتحديده وقال ابن حامد: إن بلغ حلي المرأة ألف مثقال فهو محرم وفيه الزكاة لأن جابراً قال: إن ذلك لكثير ولأنه سرف لم تجر العادة به فأشبه ما لو اتخذت حلي الرجال.
فصل
القارئ: فإن انكسر الحلي كسراً لا يمنع اللبس فهو كالصحيح إلا أن ينوي ترك لبسه وإن كان كسراً يمنع الاستعمال ففيه الزكاة لأنه صار كالنقرة.
ولو نوى بحلي اللبس التجارة أو الكراء انعقد عليه حول الزكاة من حين نوى لأن الوجوب الأصل فانصرف إليه بمجرد النية كما لو نوى بمال التجارة القنية.
الشيخ: سبحان الله ولو كان عنده ثياب كثيرة أعدها للبس ثم نواها للتجارة هل تكون للتجارة؟ لا تكون للتجارة على المذهب وهذا أيضاً يدل على تناقض القياس الذي قاس منه.
السائل: ما معنى النقرة؟
الشيخ: النقرة القطعة من الذهب.
مسألة: قول الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) هذا ليس مراداً به العموم بالاتفاق لأنه عام أريد به الخاص ولهذا لا تجب الزكاة في الثياب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) وهذا بالإجماع.
السائل: بارك الله فيك إذا أعد الحلي للكراء هل تخرج الزكاة من نفس الحلي أو ما جلبه من مال؟
الشيخ: على قول من يقول: إن الزكاة تجب في عين المال يعني يجب إخراجها من عين المال تجب من الحلي أو من الذهب إن كان من غير الحلي ولكن القول الراجح أنه يكفي الإخراج من القيمة.
فصل
القارئ: ويعتبر النصاب في المصوغ بالوزن لعموم الخبر فإن كانت قيمته أكثر من وزنه لصناعة محرمة فلا عبرة بزيادة القيمة لأنها معدومة شرعا وإن كانت مباحة كحلي التجارة فعليه قدر ربع عشره في زنته وقيمته لأن زيادة القيمة هاهنا لغير محرم فأشبه زيادة قيمته لنفاسة جوهره فإن أخرج ربع عشره مشاعاً جاز وإن دفع قدر ربع عشره وزاد في الوزن بحيث يستويان في القيمة جاز لأن الربا لا يجري ها هنا وإن أراد كسره ودفع ربع عشره مكسوراً لم يجز لأنه ينقص قيمته وإن كان في الحلي جواهر ولآليء وكان للتجارة قوم جميعه وإن كان لغيرها فلا زكاة فيها لأنها لا زكاة فيها منفردة فكذلك مع غيرها.