المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشيخ: مثل ذلك لو حج عن أبيه وأمه حجةً واحدة - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: الشيخ: مثل ذلك لو حج عن أبيه وأمه حجةً واحدة

الشيخ: مثل ذلك لو حج عن أبيه وأمه حجةً واحدة فقال لبيك عن أبي وأمي فإنه لا ينصرف إلى أبيه وأمه بل يكون له لأن النسك الواحد لا يقع عن اثنين.

القارئ: وإن أحرم عن أحدهما لا بعينه احتمل ذلك أيضاً لذلك واحتمل صحته، لأن الإحرام يصح مبهما فصح عن المجهول وله صرفه إلى من شاء منهما فإن لم يصرفه حتى طاف شوطاً لم يجز عن واحدٍ منهما لأن هذا الفعل لا يلحقه فسخ وليس أحدهما أولى به من الآخر وإن أحرم عن أحدهما وعن نفسه انصرف إلى نفسه لأنه لما تعذر وقوعه عنهما كان هو أولى به.

‌باب المواقيت

القارئ: وللحج ميقاتان ميقات مكانٍ وميقات زمان، فأما ميقات المكان فالمنصوص عليه خمسة لما روى ابن عباسٍ قال (وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجدٍ قرنا ولأهل اليمن يلملم قال فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها) متفقٌ عليه، وعن عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق) رواه أبو داود فهذه المواقيت لكل من مر عليها من أهلها ومن غيرهم للخبر.

الشيخ: المواقيت مأخوذة من الوقت والوقت هو الزمن لكنه غلب على المواقيت المكانية والزمانية هذه المواقيت وقّتها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهي متفاوتة في القرب من مكة أبعدها ذو الحليفة وهو ميقات أهل المدينة والحكمة في ذلك والله أعلم أن ميقات أهل المدينة كان قريباً من المدينة من أجل أن تتقارب خصائص الحرمين لأن الناس إذا أحرموا من قرب المدينة صاروا من حين أن ينتهوا من حد حرم المدينة يدخلون في خصائص حرم مكة وأما بقية المواقيت فهي متقاربة.

ص: 334

ذو الحليفة تسمى الآن أبيار علي ووقَّت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام الجحفة والشام يشمل كل ما كان شمال الحجاز سوريا، فلسطين وغيرها الجحفة قرية كانت قديمة لكن دعا النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة أن ينقل الله حمى المدينة إلى الجحفة فنزع أهلها عنها واجتاحتها السيول وخربت فأحدث الناس ميقاتاً آخر وهو رابغ، ورابغ أبعد من الجحفة عن مكة ووقَّت لأهل نجد قرناً وفي لفظٍ قرن المنازل وهو وادٍ معروف ويسمى الآن السيل بعضهم يقول السيل وبعضهم يقول السيل الكبير ووقَّت أيضاً لأهل اليمن يلملم وهو جبل أو مكان يسمى الآن السعدية هذه أربعة ثبتت بها الأحاديث ثبوتاً بيّناً الخامس ذات عرق فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّته لأهل العراق لكن ذلك ليس في الصحيح ولا في أحدهما إنما في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه وقَّتها لأهل العراق لأنهم جاءوا إلى عمر وقالوا يا أمير المؤمنين إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل نجدٍ قرن المنازل وإنه جورٌ عن طريقنا يعني مائل يتعبنا أن نميل إليه فقال: انظروا إلى حذوها من طريقكم فنظروا إلى حذوها من طريقهم فإذا هو ذات عرق فكان توقيتها من عمر رضي الله عنه لكن لا يبعد أن يكون توقيتها من عمر موافقةً لتوقيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن عمر رضي الله عنه كان دائماً موفقاً للصواب، فإن قال قائل كيف وقَّت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل الشام وهي لم تفتح ولأهل العراق وهي لم تفتح؟ قلنا هذا من علامات نبوته لأن توقيتها لهم يعني أنهم سوف يحجون هذا البيت بعد إسلامهم فيكون هذا من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال ابن عبد القوي رحمه الله في داليته المشهورة قال:

وتوقيتها من معجزات نبينا

لتعيينها من قبل فتح المعدد

ص: 335

قوله (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) حتى إذا جاء الشامي عن طريق المدينة وجب عليه أن يحرم من ذي الحليفة هذا ظاهر الحديث وذهب مالكٌ رحمه الله وأصحابه إلى أنه يجوز أن يؤخر الشامي إحرامه إلى الجحفة واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: لأن الشامي إذا مر بالمدينة كان له ميقاتان أصليٌ وبدل، الأصلي الجحفة، والبدل ذو الحليفة فيخيّر بينهما إن شاء أحرم من الأصلي وإن شاء أحرم من البدلي لكن جمهور العلماء على خلاف ذلك وأنه يجب أن يحرم من أول ميقاتٍ يمر به وهذا ظاهر الحديث (ولمن أتى عليهن من غير أهلهنَّ) ثم هو أحوط وأبرأ للذمة فكان أولى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ولأن من أحرم من ذي الحليفة لم يقل أحدٌ من الناس أنك أخطأت ولكن من أخّر إحرامه إلى الجحفة قال له بعض الناس إنك أخطأت فكان الأولى أن يقال بالقول الثاني الذي عليه الجمهور وهو أن من مر من ميقاتٍ وجب عليه الإحرام منه ولو كان ميقاته دونه.

ص: 336

ولكن هل هو من كل من مر به؟ لا بل ممن يريد الحج أو العمرة فلو مر به لا يريد الحج والعمرة ولكن فيما بعد بدا له أن يحج أو يعتمر قلنا له أحرم من حيث بدا لك، وفي هذا الحديث من كان دون هذه المواقيت فميقاته من مكانه حتى أهل مكة يحرمون من مكة وإحرامهم بالحج من مكة ظاهر فإن أهل مكة أحرموا من مكة بالحج وكذلك المحلون من الآفاقيين أحرموا من مكة كالصحابة الذين حلوا من إحرامهم متمتعين أحرموا من مكة لكن بقينا في العمرة هل يحرم أهل مكة من مكة في العمرة أو لا؟ ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقال يجوز أن يحرموا من مكة أخذاً بظاهر الحديث ولكن هذا قولٌ ضعيف فالصواب أنَّ أهل مكة يحرمون بالعمرة من الحل ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لأخي عائشة حين أرادت أن تحرم بعمرة ليلة الحصبة قال (اخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة) فإن قيل إن عائشة من الآفاقيين فالجواب أن هذا ليس بمؤثر لأن الآفاقي إذا أراد الحج وهو في مكة يحرم من مكة فلو كانت العلة كونها من أهل الآفاق لقلنا إن أهل الآفاق يحرمون بالحج من الحل من خارج الحرم ولكن العلة هو أنه لا بد لكل نسكٍ من أن يجمع الإنسان فيه بين الحل والحرم ففي العمرة نقول اخرج إلى الحل وأحرم، وفي الحج نقول إنه سوف يجمع بين الحل والحرم وذلك بالوقوف بعرفة لأن عرفة من الحل ثم إن الوافد إلى البيت لا بد أن يفد إليه من خارج الحرم وإلا لكان طوافه طوافاً غير طواف نسك والدليل أن طواف الإفاضة يكون بعد الوقوف بعرفة فيفد الإنسان إلى البيت من الحل كذلك العمرة نقول لا بد أن تخرج إلى الحل حتى تفد إلى البيت من الحل.

ص: 337

ومن أراد الحج والعمرة وتجاوز الميقات بلا إحرام فهل هو آثم؟ أو نقول إن الرسول وقَّتها لا على سبيل الوجوب؟ الجواب هو آثم والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقَّتها على سبيل الوجوب لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وهذا خبرٌ بمعنى الأمر والخبر بمعنى الأمر أوكد من إتيان الأمر بصيغته لأن إتيانه بلفظ الخبر يدل على أنه أمرٌ مفروغ منه ولا بد منه فالصواب أنه يجب على من أراد الحج والعمرة إذا مر بهذه المواقيت أن يحرم فإن لم يفعل فهو آثم لا شك لكن هل يجب عليه دم فدية لذلك؟ أكثر العلماء يقولون بهذا وأنه يجب على من ترك واجباً أن يذبح فدية في مكة توزع على الفقراء جبراً لما نقص واستدلوا لهذا بأثر ابن عباس رضي الله عنهما المشهور عنه وهو (من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق دماً) والحقيقة أنه عند تمحيص هذا الخبر بعد صحة نقله إلى ابن عباس رضي الله عنهما أن يقال إنه ليس على عمومه وأنتم لا تأخذون بعمومه أيضاً فإن ظاهره أن من ترك شيئاً من نسكه ولو غير واجب فعليه أن يريق دماً وكذلك من نسي ثم نقول (فليهرق دماً) اللام للأمر وهل الأمر للوجوب؟ ليس للوجوب في كل موضع بل قد يكون لغير الوجوب لكن يرشح كونه للوجوب أنه ترك واجباً والواجب لا يجبر إلا بواجب فعلى كل حال الاحتياط أن يؤمر الإنسان بدم يذبحه في مكة ويوزعه على الفقراء وإنما قلنا إن هذا هو الاحتياط لأننا لو قلنا لإنسان تاركٍ لواجبٍ من واجبات الحج أو العمرة ليس عليك دم لكن استغفر الله وتب إليه يقول سهل فقط التوبة أملأ لك منى ومزدلفة وعرفات كلها توبة ولا تأخذ مني ولا قرش، فالحاصل أني أقول إن إلزام الناس بالدم في ترك الواجب لا شك أنه من باب سد الذرائع عن التهاون بالواجبات فنحن نقول للناس قال العلماء كذا وكذا ونحن مقتنعين بأن فيه سداً للذريعة بلا شك وإلا لتهاون الناس بواجبات

ص: 338

الحج.

القارئ: ومن منزله بين الميقات ومكة فميقاته منزله للخبر وميقات من بمكة منها وسواء في ذلك أهلها أو غيرهم للخبر.

الشيخ: يعني بالخبر عموم قوله (وكذلك أهل مكة يهلون من مكة).

القارئ: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المتمتعين من أصحابه فأحرموا منها وعنه فيمن اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أهلّ من الميقات فإن لم يفعل فعليه دم وذكر القاضي فيمن دخل مكة محرماً عن غيره بحجٍ أو عمرة ثم أراد أن يحج عن نفسه أو دخل مكة محرماً لنفسه ثم أراد أن يحرم عن غيره بحجٍ أو عمرة أنه يلزمه الإحرام من الميقات فإن لم يفعل فعليه دم لأنه جاوز الميقات مريداً للنسك لنفسه وأحرم دونه فلزمه دمٌ كما لو تجاوزه غير محرم ولنا الخبر، وأن كل ميقاتٍ لمن أتى عليه فكذلك مكة ولأن هذا حصل بمكة حلالاً على وجهٍ مباح فكان له الإحرام منها بلا دم كما لو كان الإحرامان لشخصٍ واحد.

الشيخ: ما قاله المؤلف هو الصحيح أن من أحرم عن نفسه أولاً من الميقات ثم أراد أن يحرم عن غيره بحجٍ أو بعمرة فإنه يحرم من مكة إلا أنه في العمرة يخرج إلى الحل.

مسألة: لو تجاوز الميقات وقال أنا أريد أن أزور أقارب لي دون الميقات إلى مكة ثم أرجع إذا جاء وقت الحج فأحرم فلا بأس.

القارئ: ومن أي موضعٍ في مكة أحرم جاز لأنها كلها موضع للنسك وإن أحرم خارجاً منها من الحرم جاز أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في حجة الوداع (إذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا من البطحاء) وهي خارج من مكة ولأن ما اعتبر فيه الحرم استوت البلدة فيه وغيرها كالنحر.

ص: 339

الشيخ: يقول رحمه الله ومن أي موضعٍ بمكة أحرم جاز سواءٌ من وسطها أو أطرافها لأنها كلها موضعٌ للنسك وإن أحرم خارجاً منها من الحرم جاز أيضاً يعني خارج مكة لكنه في نفس الحرم جاز أيضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في حجة الوداع (إذا أردتم أن تنطلقوا إلى منى فأهلوا من البطحاء) وهي خارجٌ من مكة لكنها ليست خارج الحرم هي في الحرم ولأن ما اعتبر فيه الحرم استوت فيه البلدة التي هي مكة وغيرها كالنحر ولهذا يجوز أن ننحر الهدي في مكة وأن ننحره في منى قال الإمام أحمد مكة ومنىً واحد وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام (فجاج مكة طريقٌ ومنحر).

القارئ: وميقات العمرة للمكي ومن في الحرم من الحل لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر أخاها عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم) متفقٌ عليه، وكانت بمكة يومئذ ومن أي الحل أحرم جاز لأن المقصود بالإحرام منه الجمع بين الحل والحرم في النسك لأن أفعال العمرة كلها في الحرم إلا الإحرام بخلاف الحج فإنه يفتقر إلى الحل للوقوف بعرفة فيحصل الجمع بين الحل والحرم.

الشيخ: صحيح.

مسألة: من تجاوز ميقاتين كمن جاء من المدينة وتجاوز ذا الحليفة والجحفة فإنه إذا أراد أن يحرم يرجع إلى ذي الحليفة لأنه الميقات الذي لزمه أن يحرم منه أولاً.

فصلٌ

القارئ: ومن جاوز الميقات مريداً لموضعٍ قبل مكة ثم بدا له الإحرام أحرم من موضعه كما أن من دخل مكة يحرم منها وإن مر به عبدٌ أو كافرٌ أو صبيٌ فأسلم الكافر وعتق العبد وبلغ الصبي دونه أحرموا من موضعهم ولا دم عليهم لأنهم أحرموا من الموضع الذي وجب عليهم الإحرام فيه فأشبهوا المكي والمتجاوز غير مريد لمكة وعنه في الكافر يسلم يخرج إلى الميقات فإن خشي الفوات أحرم من موضعه وعليه دم والصبي والعبد في معناه لأنهم تجاوزا الميقات غير محرمين، قال أبو بكر وبالأول أقول وهو أصح لما ذكرناه.

ص: 340

الشيخ: وما ذكر أنه الأصح فهو الأصح، يعني إذا لم يبلغ إلا بعد أن تجاوز الميقات أو لم ينو إلا بعد أن تجاوز الميقات فإنه يحرم من مكانه ولا شيء عليه.

القارئ: ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم لما روى ابن عمر قال (لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجدٍ قرنا وهو جورٌ عن طريقنا وإنا إن أردناه شق علينا قال: فانظروا حذوها من طريقكم فحدَّ لهم ذات عرق) رواه البخاري ولأن هذا مما يدخله الاجتهاد والتقدير فإذا اشتبه على الإنسان صار إلى اجتهاده فيه كالقبلة فإن لم يعلم حذو الميقات احتاط فأحرم قبله لأن تقديم الإحرام عليه جائزٌ وتأخيره حرام.

الشيخ: صحيح وعلى هذا نقيس نحن الذين يسافرون إلى مكة عن طريق الجو نقول إذا حاذيتم الميقات من فوق فأحرموا كما قال عمر رضي الله عنه (انظروا إلى حذوها من طريقكم) فإذا كان على يمينه ميقات وعلى يساره ميقات فبأيهما يأخذ؟ بالأقرب إليه لا بالأول فإن تساويا أخذ بالأبعد لأنهما إذا تساويا فلا مزية لأحدهما على الآخر وعلى هذا فإذا جاء الشامي من طريقٍ بين الجحفة وبين ذي الحليفة فهل نقول أحرم من حين أن تحاذي ذا الحليفة؟ أو ينتظر حتى يصل إلى الجحفة؟ الثاني لأنها أقرب أما إذا كانت ذو الحليفة أقرب بأن كان ذهب شرقاً بعيداً عن الجحفة فحينئذٍ يحرم إذا حاذى ذا الحليفة.

نبّه المؤلف رحمه الله على مسألة وهي إذا خفي عليه فإنه يحتاط، وهنا ينبغي أن ننبّه الذين في الطائرة فإن بعضهم يقول أنتظر حتى نصل إلى الميقات ونحاذي الميقات وربما يتجاوز والطائرة كما تعلمون سريعة يتجاوز قبل أن يعقد النية نقول احتط وتقدم أنت مثلاً لو كانت الطائرة تحاذي الميقات بعد أربعين دقيقة من مطارها في القصيم فلا حرج أن تحرم بعد خمسٍ وثلاثين دقيقة ولا تخاطر.

فصلٌ

ص: 341

القارئ: والأفضل أن لا يحرم قبل الميقات لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من ذي الحليفة فإن أحرم قبله جاز لأن الصُبيّ بن معبد أحرم قبل الميقات قارنا فذكر ذلك لعمر فقال هديت لسنة نبيك.

الشيخ: قد سبق أن مراد عمر (هديت لسنة نبيك) يعني في القران لا الإحرام من الموضع الذي قبل الميقات لكن عمر أقرّه.

القارئ: ومن بلغ الميقات مريداً للنسك لم يجز له تجاوزه بغير إحرام لما تقدم من حديث ابن عباس.

الشيخ: الواقع أن حديث ابن عمر أوضح في وجوب الإحرام لأن حديث ابن عمر لفظه (يهلّ أهل المدينة .... ) وهو خبرٌ بمعنى الأمر أما حديث ابن عباس فهو يقول (وقَّت) وهذا ليس صريحاً في الوجوب ولهذا لم نقل إن الإنسان يجب عليه أخذ شعره الذي يستحب أخذه قبل أن يتم له أربعون يوماً مع أن الرسول وقَّت في ذلك أربعين يوماً.

القارئ: فإن تجاوزه غير محرمٍ لزمه الرجوع ليحرم منه لأن من قدر على فعل الواجب لزمه فإن رجع فأحرم منه فلا دم عليه لأنه أدى الواجب فأشبه من لم يتجاوزه فإن لم يمكنه الرجوع لخوفٍ أو خشية الفوات فأحرم من موضعه أو أحرم من موضعه لغير عذرٍ فعليه دم لأنه ترك الواجب من مناسك الحج فإن رجع بعد ذلك إلى الميقات لم يسقط الدم لأنه استقر عليه بإحرامه من دونه، فأشبه من لم يرجع.

الشيخ: الخلاصة الآن أن الإنسان إذا تجاوز الميقات وهو مريدٌ للنسك بلا إحرام نقول يجب عليك أن ترجع فتحرم منه فإن لم يمكن خوفاً على نفسه أو خشية فوات الوقوف بعرفة أو ما أشبه ذلك وكلام المؤلف رحمه الله وغيره من العلماء السابقين بناءً على أن السير يكون على الإبل أو الأقدام أو ما أشبه ذلك أما الآن فالأمر سهل يمكن أن يرجع ويحرم منه فإن لم يرجع لعذرٍ أو لغير عذر استقر عليه الدم فإن رجع بعد إحرامه إلى الميقات فإنه لا يسقط عنه الدم لأنه أحرم من دون الميقات فاستقر عليه الدم.

ص: 342

القارئ: فإن أحرم المكي بالحج من الحلّ الذي يلي عرفة فهو كالمحرم من دون الميقات وإن أحرم من الحلّ الذي يلي الجانب الآخر ثم سلك الحرم فهو كالمحرم قبل الميقات وإن أحرم بالعمرة من الحرم انعقد إحرامه كالذي يحرم بعد ميقاته ثم إن خرج قبل الطواف إلى الحل وعاد ففعل أفعالها تمت عمرته وعليه دم وإن لم يخرج وفعل أفعالها ففيه وجهان أحدهما يجزئه ويجبرها بدم كالذي يحرم من دون ميقاته والثاني لا يجزئه لأنه نسكٌ فكان من شرطه الجمع بين الحلّ والحرم كالحج فعلى هذا لا يعتد بأفعاله وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحلّ ثم يأتي بها.

ص: 343

الشيخ: إن أحرم المكي بالحج من الحل الذي يلي عرفة فهو كالمحرم من دون الميقات يعني أن عليه دماً بناءً على أن المكي يجب أن يحرم بالحج من مكة وإن أحرم من الحلّ الذي يلي الجانب الآخر ثم سلك الحرم فهو كالمحرم قبل الميقات مثلاً أحرم من جهة جدة ثم مر بمكة عابراً إلى عرفة فهو كالمحرم قبل الميقات لأن ميقاته مكة والصحيح أن المكي يجوز أن يحرم بالحج من مكة وأن يحرم بها من الحلّ كذلك من كان آفاقياً فأتى بالعمرة ثم بقي في مكة وأراد أن يحرم بالحج فله أن يحرم بالحج من مكة أو خارج من مكة من الحلّ وبناء ً على ذلك فالمتمتع إذا أراد أن يحرم بالحج من عرفة يوم عرفة فالإحرام صحيحٌ جائز وكذلك المكي لو خرج كالعامل والشرطي وما أشبه ذلك إلى عرفة وهو يريد الحج ولكنه أخَّر الإحرام إلى يوم عرفة فلا بأس ويحرم من عرفة هذا القول هو الراجح يقول وإن أحرم بالعمرة من الحرم انعقد إحرامه كالذي يحرم بعد الميقات ثم إن خرج قبل الطواف إلى الحلّ وعاد ففعل أفعالها تمت عمرته وعليه دم وإن لم يخرج وفعل أفعالها ففيه وجهان أحدهما يجزئه ويجبرها بدم كالذي يحرم من دون ميقاته والثاني لا يجزئه لأنه نسك فكان من شرطه الجمع بين الحلّ والحرم كالحج فعلى هذا لا يعتد بأفعاله وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحلّ ثم يأتي بها، ولكن الصحيح أنه يجزئه وعليه الدم.

السائل: من أنشأ الإحرام من دون الميقات كأهل جدة فهل يحرم من بيته أو من سائر البلد؟

الشيخ: الأفضل من بيته لكن يجزئه من أي مكان من البلد أما خارج البلد فإن كان من ورائه فلا بأس وإن كان من دونه إلى مكة فلا يجوز.

فصلٌ

القارئ: وميقات الزمان شوالٌ وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة لقول الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) معناه وقت الحج لأن الحج أفعالٌ وليس بأشهر فلم يكن بدٌ من التقدير وعن ابن مسعودٍ وجابرٍ وابن الزبير أنهم قالوا: أشهر الحج شوالٌ وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجة.

ص: 344

الشيخ: قول المؤلف رحمه الله إن أشهر الحج هي شهران وعشرة أيام فيه نظر وقد ذهب مالك رحمه الله إلى أن أشهر الحج ثلاثة شوال وذو القعدة وذو الحجة وهذا القول هو الصواب وذلك لأن الأشهر جمع وأقل الجمع ثلاثة لا اثنان وبعض الثالث ومن المعلوم أن الذين قالوا إن أشهر الحج شهران وعشرة أيام أن في قولهم نظراً وذلك لأن بعض أفعال الحج تقع بعد اليوم العاشر مثل الرمي والمبيت بمنى وكذلك طواف الإفاضة إذا أخره عن يوم العيد والسعي فالقول الراجح أن أشهر الحج ثلاثة وأنه لا يجوز أن يؤخر شيئاً من أفعال الحج عن هذه الثلاثة إلا لعذر وعلى هذا فقول بعض العلماء إن الطواف في الحج لا حد له وأنه يجوز أن يؤخر إلى محرم وصفر وربيع ولكن يبقى عليه بقية المحظورات قولٌ ضعيف والصواب أنه لا يجوز أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج عن أشهر الحج إلا لعذر كما لو نفست المرأة قبل أن تطوف وبقيت أربعين يوماً في نفاسها فلا يحل لها الطواف إلا في شهر محرم هذا عذر ولا بأس به أو كان مريضاً لا يستطيع أن يطوف وأخره إلى ما بعد ذي الحجة فلا بأس.

القارئ: والاختيار أن لا يحرم بالحج قبل أشهره لأنه تقديمٌ للعبادة على وقتها فكره كتقديمها على ميقات المكان فإن فعل انعقد إحرامه لأنه أحد الميقاتين فانعقد الإحرام بالحج قبله كالآخر.

الشيخ: هذا كلام الفقهاء رحمهم الله عندنا والقول الثاني أنه لا يصح الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج وهذا أقرب إلى الصواب لأن الله قال (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَات) وإذا كان وقت الحج أشهراً معلومات فلا يقدم عليه كالصلاة لا تقدم على وقتها وعلى هذا القول فإذا أحرم بالحج قبل دخول أشهر الحج انعقد عمرة ونقول طف واسع وتحلل بعد الحلق أو التقصير وهذا القول هو الراجح وأما الاقتصار على الكراهة مع الانعقاد ففيه نظر.

ص: 345

القارئ: فأما العمرة فلا ميقات لها في الزمان ويجوز الإحرام بها في جميع السنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة) متفقٌ عليه (واعتمر في ذي القعدة وفي ذي الحجة مع حجته) رواه أنس وهو حديثٌ صحيح.

الشيخ: العمرة ليس لها وقت تفعل في أي وقت من السنة وظاهر كلام المؤلف وغيره أيضاً أنه يجوز أن يعتمر الإنسان بعد التحلل الأول من الحج يعني يعتمر في أيام التشريق وكره بعض العلماء أن يعتمر قبل انتهاء أعمال الحج فلا عمرة في أيام التشريق ولا في ليالي أيام التشريق ولا قبل الطواف والسعي وهذا على قول من يقول إنه لا يصح إدخال العمرة على الحج واضح والأقرب أن يكره الإتيان بالعمرة وقد بقي عليه شيءٌ من أعمال الحج لأنه لايزال متلبساً بنسك أو بعض متعلقات النسك.

وقوله رحمه الله إن النبي صلى الله عليه وسلم قال (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة) ليس المراد بالمعادلة المكافأة فلا تجزئ عمرةٌ في رمضان عن فريضة الحج مثلاً لأنه لا يلزم من المعادلة في الثواب المعادلة في الإجزاء ولهذا من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ولا تجزئ هذه الكلمات عن رقبةٍ واحدة (وقل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن ولو كررها ثلاثاً لم تجزئ عن القرآن بل لا تجزئ ولا عن الفاتحة لو لم يقرأ الفاتحة في الصلاة.

ص: 346

وقوله اعتمر في ذي القعدة ثم قال وفي ذي الحجة الصواب أنه لم يعتمر في ذي الحجة وإنما كانت عمره في ذي القعدة كلها عمرة الحديبية كانت في ذي القعدة وعمرة القضاء في ذي القعدة، وعمرة الجعرانة في ذي القعدة وعمرته في حجه في ذي القعدة لأنه أحرم في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة نعم إن أراد المؤلف أن أفعال العمرة من الطواف والسعي لما دخلت في الحج كانت في ذي الحجة فهذا له وجه، إذن اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة عمر، وقد تردد ابن القيم رحمه الله أيهما أفضل أن يعتمر في أشهر الحج أو في رمضان؟ توقف فيه رحمه الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في ذي القعدة وقال (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة) لامرأةٍ تخلَّفت عن حجها معه فيحتمل الخصوصية لها كما قال في ذلك بعض العلماء قال إن قوله (عمرةٌ في رمضان تعدل حجة) يعني هذه المرأة فقط لكن الأصل عدم الخصوصية إلا أن كون الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتمر في رمضان مع تيسره له قد يقول قائل إن العمرة في أشهر الحج أفضل ولكن الذي يظهر لي أن العمرة في أشهر الحج أفضل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لما كان العرب قد تقرر عندهم في عقيدتهم أنه لا اعتمار في أشهر الحج ويرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور فكرر النبي صلى الله عليه وسلم العمرة في أشهر الحج من أجل ترسيخ الجواز في أشهر الحج وإبطال تلك العقيدة وأما كونه لم يعتمر في رمضان فيقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس كسائر الناس لو اعتمر لاعتمر الناس معه وحصل في ذلك مشقة على الناس في أيام الصيام والرحيل والنزول فلهذا تركه عليه الصلاة والسلام.

فإذا قال قائل لماذا لم يعتمر حين فتح مكة وقد بقي فيها تسعة أيام قبل أن يدخل شهر شوال؟

ص: 347

قلنا لأن العمرة من مكة ليست مشروعة فهو عليه الصلاة والسلام لم يخرج إلى الحلّ ليعتمر لأن هذا غير مشروع ولذلك لم يرد الخروج من مكة للإحرام من الحلّ إلا في قضيةٍ معينة وهي قصة عائشة رضي الله عنها ولولا أنها ألحت على الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأذن لها لكن ألحت في أمرٍ ليس حراماً فأذن لها.

مسألة: الحكم فيمن أحرم ونسي لباسه عليه ثم تذكر في أثناء المسير أن يخلع هذه الثياب ويستمر ولو لم يذكر إلا بعد أن تم النسك فليس عليه شيء لأن محظورات الإحرام يسقط إثمها وفديتها في حال النسيان والجهل والإكراه.

السائل: رجل حج مع أمه وما استطاعت الأم أن تطوف طواف الإفاضة وقد طاف طواف الإفاضة ثم رجع بأمه إلى بلده حتى يرجع ليطوف بها الإفاضة وطواف الوداع لنفسه فماذا عليه؟

الشيخ: أما طواف الوداع لنفسه فلا ينفعه لأنه خرج من مكة بغير طواف ووصل إلى بلده لكن عليه دم لترك هذا الطواف يذبح في مكة ويوزع على الفقراء، أما أمه فلا بأس لكن أمه تبقى على إحرامها أي على ما بقي من محظورات الإحرام وهو ما يتعلق بالنساء حتى ترجع وتطوف.

السائل: هناك من العلماء من قال إنه لا يوجد دليل يمنع الرمي قبل الزوال وأن الرسول صلى الله عليه وسلم رمى يوم العيد ضحىً ورمى أيام التشريق بعد الزوال وخاصةً أن كثيراً من أهل العلم سمحوا بالرمي بعد المغرب فقالوا إنه ليس هناك دليل يمنع الرمي قبل الزوال فما قولكم حفظكم الله؟

الشيخ: نقول بارك الله فيك هناك دليل من السنة ومن أقوال الصحابة، أما من السنة فإن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأذن للضعفة أن يرموا قبل الزوال مع حاجتهم إلى ذلك لأن وقت الزوال حر وأذن لهم أن يرموا قبل طلوع الشمس يوم العيد.

ثانياً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتحيَّن زوال الشمس فإذا زالت رمى قبل أن يصلي الظهر فكأنه عليه الصلاة والسلام ينتظر زوال الشمس بفارغ الصبر ولهذا قدَّم الرمي على الصلاة.

ص: 348

ثالثاً أن الدين الإسلامي دين السهولة واليسر ومن المعلوم أن رمي الناس من أول النهار أيسر وأسهل لا من جهة برودة الجو ولا من جهة امتداد الوقت ولو كان هذا جائزاً لبينه الرسول عليه الصلاة والسلام للأمة بقوله أو فعله.

رابعاً أن الأصل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام (خذوا عني مناسككم) اتباعه إلا بدليل ولا دليل من سنته القولية ولا الإقرارية ولا الفعلية على جواز الرمي قبل الزوال.

وأما قوله تعالى (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) فهذا مطلق بيَّنه الرسول عليه الصلاة والسلام بأن المراد بذكره في أيامٍ معدودات في الرمي خاصة ما بعد الزوال.

وأما من قال أنه يمتد إلى الغروب فحجته أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤقت آخره فلم يقل لا ترموا بعد الغروب وحجة أخرى قال إن الزحام الشديد الموجود الآن في عصرنا الحاضر يقتضي جواز التأخير لأن هذا ضرورة ولا يتمكن أكثر الناس من مزاحمة الناس كما تعلمون الآن قد تحصل وفيات بسبب هذا الزحام.

السائل: جزاكم الله خير، شيخنا أقرأ عن السلف أن الصحابة كانت تحج منىً بالتكبير أيام التشريق ومن الملاحظ هذه الأيام أننا لا نكاد نسمع تكبير ونلاحظ أن إذا كبرت مجموعة كأنه لا بد أن يتوافق تكبيرهم مع بعض ولاحظنا أنا إذا فعلنا ذلك أنه يشترك الناس ويرتفع التكبير فهل يجوز التكبير الجماعي ليس لذاته ولكن للتشجيع؟

ص: 349