المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القضاء القارئ: يجوز تفريق قضاء رمضان لقول الله تعالى (فَعِدَّةٌ - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌باب القضاء القارئ: يجوز تفريق قضاء رمضان لقول الله تعالى (فَعِدَّةٌ

‌باب القضاء

القارئ: يجوز تفريق قضاء رمضان لقول الله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وهذا مطلق يتناول التفريق وروى الأثرم بإسناده عن محمد بن المنكدر أنه قال (بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء رمضان فقال لو كان على أحدكم دينٌ فقضاه من الدرهم والدرهمين حتى يقضي ما عليه من الدين هل كان ذلك قاضياً دينه؟ قالوا نعم يا رسول الله قال فالله أحق بالعفو والتجاوز منكم) رواه الدارقطني.

الشيخ: هذا مرسل لأنه رواه محمد بن المنكدر يقول بلغني، والأمر كما قال رحمه الله إنه يجوز لمن عليه قضاء أن يقضي متتابعاً ومتفرقاً لقول الله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يقل فشهرٌ من شهورٍ أخر قال (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وهذا يشمل المتفرق والمتتابع ولأن عائشة رضي الله قالت كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان وهذا يدل على أنها لو قضته يوماً ثم يوماً مفطرة أنه لا بأس به وهو كذلك.

القارئ: والمتتابع أحسن لأنه أشبه بالأداء وأبعد من الخلاف.

الشيخ: العلة التتابع أفضل لأنه أشبه بالأداء فإن رمضان كان متتابعاً وأسلم من خلاف من قال يجب القضاء فوراً وهو قول ضعيف لا يعول عليه ولأنه أسبق إلى الخيرات لأن القضاء خير وكلما قدمت فهو خير ولأنه أسرع في إبراء الذمة ولأنه أحوط فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت ثم يبقى هذا الصوم ديناً في ذمته وقد يصوم الولي وقد لا يصوم وقد يطعم وقد يتأخر بالإطعام فعلى كل حال التتابع لاشك أنه أفضل وأحسن.

القارئ: ويجوز له تأخيره ما لم يأتِ رمضانٌ آخر لأن عائشة رضي الله عنها قالت (لقدكان يكون علي الصيام من رمضان فلا أقضيه حتى يجئ شعبان) متفقٌ عليه ولا يجوز تأخيره لغير عذرٍ أكثر من ذلك لأنه لو جاز ذلك لأخرته عائشة ولأن تأخيره غير مؤقتٍ إلحاقاً له بالمندوبات.

ص: 212

الشيخ: ودليل ذلك أولاً أثر عائشة فواضح حيث قالت فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان وأما الثاني فلأننا إذا قلنا بجواز تأخيره إلى ما بعد رمضان لألحقناه بالنوافل إذا لم يكن له حد صار يجوز تأخيره إلى الأبد وهذا إلحاقٌ له بالنوافل يعني يجعله كأنه نافلة وتعليلٌ ثالث ولأن رمضان الثاني بمنزلة خروج وقت الصلاة ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلى وقت آخر لأن القضاء مابين رمضانين ثم يأتي شهرٌ آخر له متعلقاته.

القارئ: فإن أخره لعذرٍ فلا شئ عليه لأن فطر رمضان يباح للعذر فغيره أولى وسواءٌ مات أو لم يمت لأنه لم يفرط في الصوم فلم يلزمه شئ كما لو مات في رمضان.

الشيخ: هذه مسألة مهمة إذا أخره لعذر فإنه لا شئ عليه لا إطعاماً ولا قضاء فلو أن إنساناً مرض في رمضان مرضاً يرجى برؤه ثم استمر به المرض حتى مات فلاشئ عليه لا يصوم عنه وليه ولا يطعم عنه لماذا؟ لأنه لم يستطيع الصوم وقولنا يرجي برؤه احترازاً مما لو جاءه رمضان وهو لا يرجى برؤه هذا ليس فرضه الصيام وإنما فرضه الإطعام فيطعم عنه وينتهي أمره في رمضان وهذه مسألة قد يغلط فيها بعض الطلبة قد يظن أن المسألة الأولى كالمسألة الثانية ولكن بينهما فرق لأن فرض المريض في المسألة الأولى الصوم أن يصوم بدل ما ترك ولم يستطيع بعد ذلك فسقط عنه كما لو مات في رمضان أو مات في شعبان وأما الثانية ففرضه الإطعام أصلا يعني هذا الذي لا يرجى برؤه في رمضان فلاصوم عليه أصلا وإنما يجب عليه الإطعام فنطعم عنه في نفس الشهر وينتهي أمره.

القارئ: وإن أمكنه القضاء فلم يقض حتى جاء رمضان آخر قضى وأطعم عن كل يومٍ مسكينا لأن ذلك يروى عن ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم.

ص: 213

الشيخ: عندي بالمخطوطة (وإن أمكنه الصيام) نسخة، رمضان مما زيد فيه الألف والنون وما زيد فيه الألف والنون سواء كان علما أم صفة فإنه يشترط العلمية أو الوصفية وليس مجرد زيادة الألف والنون مانعا من الصرف حتى تنضم إليه العلمية أو الوصفية ولهذا لو جاءك إنسان في آخر شعبان وقال أنا أدعوك إلى زيارتي فقلت إن شاء الله بعد رمضانٍ قال إن شاء الله من يوم نفطر قلت من يوم نفطر من رمضانٍ فجاءك بعد العيد قال أوف أقول له أنا ما عينت قلت بعد رمضانٍ نعم لكن هذا من باب التورية ولاسيما في مخاطبة العوام ويمينك على مايصدقك به صاحبك فهل تجوز هذه التورية؟ إذا لم يكن ظالماً فتجوز على رأي بعض العلماء وكذلك إذا كان لمصلحة ومثل ذلك إذا قال متى تزورني؟ قلت بعد غدٍ وبعد غدٍ يمتد إلى يوم القيامة فمثل هذه الأشياء يتخلص بها الإنسان لأن بعض الناس يكرر ويلزم وهذا ممكن ترضيه فيما بعد تقول يا أخي إني أقول لك بعد غدٍ وتقول له في نفس الوقت بعد غدٍ إلى يوم القيامة حتى يزول ما في قلبه لئلا يقول أنت خدعتني أو ما أشبه ذلك.

القارئ: ولأن تأخير القضاء عن وقته إذا لم يوجب قضاءً أوجب كفارة كالشيخ الهرم.

ص: 214

الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء إذا أخره إلى رمضان الثاني بلا عذر ثم قضاه فمنهم من يرى أنه يلزمه كفارة إطعام مسكين مع كل يوم بناءً على هذه الآثار التي أشار إليها المؤلف رحمه الله تعالى ومنهم من يقول لا إطعام عليه لعموم قول الله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يذكر شيئاً ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شئ ولعل إفتاء هؤلاء الثلاثة إنما كان من باب الاحتياط أو من باب التعزير أو ما أشبه ذلك وأما إثبات حكمٍ شرعيٍ بها مع وجود عمومٍ في القرآن وتركٍ في السنة فلا يمكن أن نلزم عباد الله بمثل هذا ولكن لاشك أن الاحتياط أن يطعم وأما إلزام الناس بذلك فلا وكثيرٌ من الناس الذين يسألون الآن يرون أن الإطعام أثقل عليهم من القضاء ولهذا تجدهم يفرحون إذا قلت لهم لا يجب عليكم إلا الصيام ويسألون عن هذا الإطعام وأما القياس فهو قياسٌ مع الفارق وهو مما يدلنا على أن الإنسان يجب أن يستدل قبل أن يعتقد انظر إلى القياس (ولأن تأخير القضاء عن وقته إذا لم يوجب قضاءً أوجب كفارة) وهذا أوجب قضاء وأيضا القياس على الهرم غلط لأن الهرم يكفر في وقت الأداء ما فيه تأخير ولكن كما قلت لكم سابقا إن الإنسان إذا اعتقد أولاً صار يحاول أن يثبت ما اعتقد ولو على وجهٍ مستكره فالصواب أن يقال الآثار على العين والرأس لكن هل قالوا ذلك على سبيل الوجوب أو على سبيل الاحتياط وكف النفس عن ذلك في المستقبل؟ وأما القياس على الهرم فهو قياسٌ بعيد.

القارئ: وإن فرط فيه حتى مات قبل رمضانٍ آخر أُطعِم عنه عن كل يوم مسكين لأن ذلك يروى عن ابن عمر.

ص: 215

الشيخ: لم يذكر المؤلف أن يصام عنه مع أنه فرط ولم يقض بلا عذر وإنما لم يذكره لأن المشهور من المذهب أنه لا يقضى عن الميت إلا صوم النذر فقط، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روته عائشة وهو صحيح (من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه) هذا في النذر لكن لا دليل على التخصيص ويا سبحان الله كيف يخصص الحديث في النذر مع أن النذر وقوعه نادر وصيام رمضان وقوعه كثير ما أكثر الذي يموت قبل أن يقضي رمضان وما أقل الذي يكون عليه نذر فيقضى عنه وحملنا الحديث على أمرٍ نادر مع وجود أمرٍ أكثر بكثير ليس بصواب فالصواب أنه يقضى عنه ولكن لا على سبيل الوجوب لأننا لو قلنا يجب على الولي أن يصوم لزم من ذلك تأثيمه بالترك وقد قال الله تعالى (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) إذاً فنطعم عنه إذا قال الولي إنني لن أصوم قلنا أطعم من تركته، وإذا لم يكن له تركة قلنا إن تبرع أحدٌ بالإطعام عنه فمشكور ومثاب وإن لم يفعل أحد سقط عنه لأنه لم يجد شئاً.

القارئ: وإن مات المفرط بعد أن أدركه رمضانٌ آخر فكفارةٌ واحدةٌ عن كل يومٍ يجزئه نص عليه لأن الكفارة الواحدة أزالت تفريطه فصار كالميت من غير تفريط قال أبو الخطاب عليه لكل يومٍ فقيران لأن كل واحدٍ يقتضي كفارة فإذا اجتمعا وجب بهما كفارتان كما لو فرط في يومين.

الشيخ: وكأن أبا الخطاب رحمه الله قاس الإطعام على الصيام فإنه كما تقدم قريباً إذا أخره إلى رمضان آخر بدون عذر لزمه الصوم والكفارة فكذلك إذا أخر الكفارة إذا مات فعليه الكفارة فيكون عليه كفارتان ولكن الصحيح أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة.

القارئ: ويجوز لمن عليه قضاء رمضان التطوع بالصوم لأنها عبادة تتعلق بوقتٍ موسعٍ فجاز التطوع بها في وقتها قبل فعلها كالصلاة وعنه لا يجوز لأنها عبادة يدخل في جبرانها المال فلم يجز التطوع بها قبل فرضها كالحج والأول أصح لأن الحج يجب على الفور بخلاف الصيام.

ص: 216

الشيخ: يجوز لمن عليه قضاء رمضان التطوع بالصوم قبل القضاء ما لم يبق على رمضان الثاني بقدر ما عليه من الفرض فإن بقي على رمضان الثاني بقدر ما عليه من الفرض لم يصح التطوع لأن الوقت الباقي للفريضة فلا يمكن أن تحل محلها النافلة لكن يستثنى من ذلك صوم ستة أيامٍ من شوال فإنه لو صامها يصح الصوم لكنه لا ينال الأجر المرتب عليها وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان ثم أتبعه بستٍ من شوال فكأنما صام الدهر) وذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (من صام رمضان ثم أتبعه) ومن عليه قضاء لا يصح أن يقال إنه صام رمضان ثم إنه إذا قدرنا أنه عليه خمسة عشرة يوماً من رمضان وصام الستة أيام من شوال كم صام، صام واحداً وعشرين يوما ولم يصم شهراً وستة أيام وإنما جُعل صوم الشهر والستة أيام بمنزلة صيام الدهر لأن صوم رمضان بعشرة أشهر وصوم ستة أيامٍ من شوال بشهرين وهذا الذي تطوع بها قبل أن يتم رمضان لم يحصل له هذا الشئ وبقي أن يقال القول الراجح كما قدم المؤلف رحمه الله أنه يجوز أن يتطوع الإنسان بالصوم قبل قضاء رمضان لكن أيهما أولى؟ الأولى القضاء لأن القضاء واجب والتطوع ليس بواجب ومن الحكمة أن يقدم الإنسان الواجب قبل التطوع لأن التطوع لو مات لم يكن لازماً له في ذمته والفرض يكون لازماً فلاشك أن من الحكمة أن يقدم الواجب على التطوع وقول المؤلف رحمه الله في التعليل (لأنها عبادة دخل في جبرانها المال فلم يجب التطوع بها قبل فعلها كالحج) وعندي بالمخطوطة (قبل فعلها) لكن ما عندكم أيضا صحيح وهذا تعليلٌ عليل أن نقول دخل في جبرانها المال لأن الصوم الأصل في جبرانه القضاء قضاء الصوم لا المال ولا يجب المال إلا للإنسان الذي ليس عليه صوم يعني لا يمكن أن يجمع بين الصوم والمال أبداً إلا على الرأي القول الضعيف فيمن أخر القضاء بلا عذر وإلا فلا يمكن وأما جبران الجماع في نهار رمضان فهو من أجل الجماع ومن أجل انتهاك الزمن

ص: 217

أيضا ولهذا لو جامع في القضاء لم يجب عليه كفارة فالمهم أن مثل هذه الأقيسة أقيسةٌ ضعيفة جداً لا ينبغي للإنسان أن يعتمد على مثلها.

القارئ: ولا يكره قضاؤه في عشر ذي الحجة لأن عمر كان يستحب القضاء فيها ولأنها أيام عبادةٍ فلم يكره القضاء فيها كعشر المحرم وعنه يكره لأن علياً كرهه ولأن العبادة فيها أحب الأعمال إلى الله تعالى فاستحب توفيرها على التطوع.

الشيخ: أما كراهة علي فيعارض استحباب عمر وعمر أقرب للصواب من علي رضي الله عنهما جميعا وأما قوله إن العبادة فيها أحب الأعمال إلى الله فيقال والفرض أحب إلى الله من النفل وعلى هذا فالحديث يؤيد رأي عمر رضي الله عنه أن يقضيها في هذه الأيام ولكن هل يتقصد أن يقضيها في هذه الأيام أو المبادرة بها أفضل من تأخيرها إلى هذه الأيام؟ الثاني أولى لأن المبادرة فيها قضاء الواجب فلو قال قائل هل الأفضل أن أقضي ما علي من رمضان في شوال أو أنتظر عشر ذي الحجة؟ قلنا في شوال للمبادرة إلى الخير ولو فرض أن الإنسان صار له عذر إلى آخر يوم من ذي القعدة فحينئذٍ يمكن أن يسأل هل ترون أن أصوم عشر ذي الحجة تطوعاً أو قضاءً ماذا نقول؟ نقول قضاءً أفضل أولاً لأثر عمر وثانياً لما فيه من المبادرة إلى الخير وثالثاً أن الفرائض أحب إلى الله من النوافل كما قال الله تعالى في الحديث القدسي (ما تقرب إليّ عبدي بشئٍ أحب إليّ مما افترضته عليه).

السائل: في قضاء رمضان لو أفطر الإنسان في القضاء فهل يحق له ذلك؟

الشيخ: لا يجوز أن يفطر في قضاء رمضان بغير عذرٍ شرعي لأن كل من دخل في فرضٍ وجب عليه إتمامه وكل من دخل في نفلٍ لم يجب عليه إتمامه إلا الحج والعمرة.

السائل: لو كان عليه قضاء أيام قضاها في شوال هل يدخل فيها الأجر والثواب؟

الشيخ: نعم يعني لو أتم القضاء في شوال والست في آخر شوال فلا بأس.

ص: 218