المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه

وأربعة يأخذون مع الغنى الغازي والعامل والغارم للإصلاح والمؤلفة لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم والحاجة توجد مع الغنى وسائرهم لا يعطون إلا مع الفقر لأنهم يأخذون لحاجتهم فيعتبر ذلك فيهم إلا أن ابن السبيل تعتبر حاجته في مكانه وإن كان له مال في بلده لأنه غير مقدور عليه فهو كالمعدوم ولا يستحب إعلام الآخذ أنها زكاة إذا كان ظاهره الاستحقاق لأن فيه كسر قلبه قال أحمد: ولم يبلغه بها يعني: لا يعلمه فإن شك في استحقاقه أعلمه كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين الجلدين.

الشيخ: هذا صحيح يعني إذا علمت أن الرجل أهل للزكاة لا تخبره لا تقل: هذه زكاة وإن شككت فأخبره تقول هذه زكاة (ولا تحل لغني ولا لقوي مكتسب) فإذا قال: إنه ليس بغني فهل يقبل قوله؟ الجواب نعم يقبل قوله ما لم تعرف أنه غير صادق فإن عرفت أنه غير صادق فلا تقبل وإن لم تعرف فاقبل وإن ترددت فتوقف حتى تتيقن ويكفي غلبة الظن فلو دفعت إليه تظن أنه من أهل الزكاة ثم تبين لك أنه ليس من أهلها أجزأت عنك.

‌باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه

القارئ: وهم ستة أصناف: الكافر لا يجوز الدفع إليه لغير التألف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) ولأنها مواساة تجب على المسلم فلا تجب للكافر كالنفقة.

الشيخ: إذاً الكفر مانع من إعطاء الزكاة إلا إذا كان للتأليف.

القارئ: الثاني: المملوك لأن ما يعطاه يكون لسيده ولأن نفقته على سيده فهو غني بغناه.

الثالث: بنو هاشم لا يعطون منها إلا لغزو أو حمالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد) وسواء أُعطوا حقهم من الخمس أو منعوه لعموم الخبر ولأن منعهم لشرفهم وشرفهم باقٍ فينبغي المنع.

ص: 91

الشيخ: وقال شيخ الإسلام رحمه الله: إنهم إذا منعوا الخمس واحتاجوا فإنهم يعطون لأنه لابد من دفع حاجتهم ولكن إذا نظرنا إلى قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنما هي أوساخ الناس) قلنا: لا فرق بين أن يعطوا من الخمس أو ألا يعطوا وإذا نظرنا إلى أن إعطاءهم ودفع كفايتهم أمر واجب ماذا نفعل إذا كان الناس لا يتبرعون إلا من الزكاة وهؤلاء من آل البيت وليس لهم شيء من بيت المال هل يموتون جوعاً؟ هم إما أن يموتوا جوعاً وإما أن يتكففوا الناس وإما أن يهدي الله أحداً من الناس يعطيهم صدقة على أن صدقة التطوع أيضاً فيه خلاف هل تحل لهم أو لا؟ وما ذكر الشيخ رحمه الله هو الأقرب لأنه كوننا نرى هؤلاء يموتون جوعاً وعطشاً وبرداً وحراً ولا نعطيهم ونقول: أنتم من آل البيت مع أنهم ليس لهم من الخمس شيء هذا فيه نظر أو نقول: خذوا من الصدقة وقد يتصدق عليهم أو لا يتصدق عليهم.

القارئ: الرابع: مواليهم وهو معتقوهم وحكمهم حكمهم لما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع اصحبني كيما نصيب منها فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: (إنا لا تحل لنا الصدقة وإن مولى القوم منهم) وهذا حديث صحيح ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فحرمت عليهم الصدقة كبني هاشم.

وفي بني المطلب روايتان إحداهما: تحل لهم لأن المنع اختص بآل محمد وهم بنو هاشم فلا يلحق بهم غيرهم والثاني: يحرم عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) رواه البخاري ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فأشبهوا بني هاشم.

الشيخ: والظاهر أنها تحل لهم وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) هذا في الخمس لأن بني المطلب ناصروا بني هاشم ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته المشهور

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلاً

عقوبة شر عاجلاً غير آجل

ص: 92

أما بنو المطلب فكانوا معهم في النصرة والدفاع فلذلك استحقوا معهم الخمس وصاروا شيئاً واحداً أما الزكاة فلا ولهم أن يأخذوا منها.

السائل: إذا أوصى الرجل أبناءه ألا يأخذوا من الصدقة وليسوا من بني هاشم هل نقول أن هذه وصية تنفذ؟

الشيخ: لا ما تنفذ هذا الرجل مات وليس من آل محمد ولهم أن يأخذوا إذا كانوا من أهل الزكاة ولا يجب عليهم تنفيذ وصيته.

القارئ: الخامس: الغني لا تحل له الزكاة سوى من ذكرنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) وقوله (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي) وهذا حديث حسن وفي ضابطه روايتان إحداهما: أنه الكفاية على الدوام إما بصناعة أو مكسب أو أجرة أو نحوه اختارها ابن الخطاب وابن شهاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة: (فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش) مدَّ إباحة المسألة إلى حصول الكفاية ولأن الغنى ضد الحاجة وهي تذهب بالكفاية وتوجد مع عدمها والثانية: أنه الكفاية أو ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب لما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشاً أو خدوشاً أو كدوحاً في وجه فقيل: يا رسول الله ما الغنى؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب) قال الترمذي: هذا حديث حسن.

فعلى هذه الرواية إن كان له عيال فله أن يأخذ لكل واحد من عياله خمسين، نص عليه ولو ملك عروضاً تكثر قيمتها لا تقوم بكفايته جاز الأخذ رواية واحدة وإذا كان للمرأة زوج غني فهي غنية لأن كفايتها واجبة عليه وجوباً متأكدا فأما من تجب نفقته على نسيبه فله الأخذ من الزكاة.

الشيخ: يعني على قريبه فالنسيب هو القريب.

القارئ: لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره فيلزم من وجوبها له وجود الفقر بخلاف نفقة الزوجة ولأن وجوبها بطريق الصلة والمواساة بخلاف غيرها.

ص: 93

الشيخ: ولأنه أيضاً ربما يقول لمن تلزمه نفقته أعطني ولا يعطيه ويكون في هذا كسر لقلبه وخجل فيعطى من الزكاة ما يغنيه والصواب أنها ليست مقيدة بخمسين درهماً الصواب أنها مقيدة بالكفاية فإذا قال قائل الإنسان إذا كان عنده أموال كثيرة وقلنا: إنها تكفيه لسنة ربما لا تكفيه لسنة ربما يجتاح ماله شيء أو يحتاج إلى إنفاق أو ما أشبه ذلك فيقال كما قال المؤلف رحمه الله: إما صناعة وإما أجرة وإما اكتساب وفي وقتنا

هذا في الغالب الوظيفة فإذا قدرنا أن هذا الرجل وظيفته ألفا ريال ونفقته في الشهر على عياله ثلاثة آلاف ريال فهنا يحتاج اثني عشر ألفاً فيعطى اثناعشر ألفاً فإن قدر أن المؤنة زادت واحتاج أكثر يعطى وإن قدر أن المؤنة رخصت وزاد عنده شيء فهو له لأن الفقير يملك ما يعطى ملكاً مستقرا.

القارئ: السادس من تلزمه مؤنته كزوجته ووالديه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا الوارث منهم وغيره ولا يجوز الدفع إليهم لأن في دفعها إليهم إغناءً لهم عن نفسه فكأنه صرفها إلى نفسه وفيمن يرثه غير عمودي نسبه روايتان إحداهما: لا يدفع إليه لأن الله تعالى أوجب نفقته عليه بقوله: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) والثانية: يجوز لأنه ممن تقبل شهادته له فجاز الدفع إليه كالأجانب فإن كان محجوباً عن ميراثه أو من ذو الأرحام جاز الدفع إليه وإن كان شخصان يرث أحدهما صاحبه دون الآخر كالعمة مع ابن أخيها فللموروث دفع زكاته إلى الوارث لأنه لا يرثه وفي دفع الوارث زكاته إلى مورثه الروايتان وهل للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها؟ على روايتين إحداهما: يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود: (زوجك وولدك أحق من تصدقتِ به عليهم) رواه البخاري ولأنه لا تلزمها نفقته فلم تحرم عليه زكاتها كالأجنبي والثانية لا يجوز لأنها تنتفع بدفعها إليه لوجوب نفقتها عليه وتبسطها في ماله عادة فلم يجز دفعها إليه كالولد.

ص: 94

الشيخ: هذا المانع الأخير ينبغي أن يقال: المدار فيه على منفعة الدافع إذا كان دفعه إلى أقاربه يحفظ ماله بذلك فإنه لا يجزيء وإذا كان لا يحفظ ماله بذلك فإنه يجزيء وعلى هذا فلو أدى الزكاة في غرم لأبيه أو ابنه أو زوجته أو زوجه فلا بأس لأنه لا يلزمه أن يقضي الدين عنهم فإذا كان لا يلزمه وهم محتاجون لقضاء الديون ودفع الزكاة عنهم فلا حرج أما إذا كان هؤلاء يجب الإنفاق عليهم وليس عندهم شيء ثم دفع الزكاة إليهم فهذا يوفر ماله بهذا الدفع فلا يحل فيكون المدار في مسألة الأقارب هل الإنسان في إعطائهم يوفر ماله؟ إن قلنا: نعم قلنا: لا يجزيء وإذا كان لا يوفر ماله بمعني أنه لا يلزمه أن ينفق عليهم أو يقضي دينهم فحينئذٍ له أن يدفع إليهم الزكاة في قضاء الدين أو النفقة ولنفرض مثلاً أن امرأةً عندها حلي تستعمله وتحتاج إليه وفيه زكاة ولها ولد فقير أيجوز أن تعطيه هذه الزكاة؟ نعم لأنه لا يلزمها أن تنفق عليه ليس عندها إلا هذا الحلي الذي تحتاجه لنفسها فنفقته ليست واجبة عليها فلها أن تعطيه من الزكاة فالضابط إذاً إذا كان الإنسان إذا دفعها إلى قريبه يوفر ماله منع وإن كان لا يوفر ماله فلا بأس، فإذا كان قادراً على الإنفاق فلا يجوز أن يعطيهم للنفقة إذا كانت تلزمهم نفقته وقضاء الدين لا بأس به ولا فرق بين الزوج والزوجة حتى الزوجة لها أن تدفع الزكاة إلى زوجها إذا كان فقيراً لأن الزوجة لا يلزمها أن تنفق على زوجها بكل حال وكونها تعطيه ثم يعود إليها مصلحة منه لا يضر لأنها سوف تطالب الزوج أن ينفق عليها.

السائل: أحسن الله إليك كبر الولد واستقل عن أبيه في بيته وافتقر والأب كانت له زكاة فهل يخرجها له أو نقول يجب أن ينفق عليه؟

الشيخ: يجب أن ينفق عليه إذا كان يستطيع أما لو كان الأب عنده عائلة ولا يستطيع أن ينفق على هذا الابن فله أن يعطيه من زكاته ولو استقل لأنه ليس من شرط وجوب الإنفاق أن لا يستقل.

ص: 95

السائل: الآن بعض القبائل تنتسب إلى نسب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهل مثل هؤلاء إذا أخذوا الزكاة على جهل ولم يدروا أنها لا تجوز لهم ثم تبين لهم هل يضمنون ما أخذوا؟

الشيخ: أولاً الآن ليس فيه خمس فإذا كانوا فقراء فالذي نرى أنه تجوز لهم الزكاة فعلى هذا القول لا إشكال فيه أما على القول الثاني الذي لا تحل مطلقاً فيردون ما أخذوا ولو سنين كثيرة لكنه قول ضعيف.

السائل: أحسن الله إليكم هل يلزم للآخذ أن يسأل أهذه من الزكاة أو من الصدقة؟

الشيخ: لا يلزمه إذا كان من أهل الزكاة وإذا لم يكن من أهل الزكاة لكن ظن الدافع أنه من أهل الزكاة فليسأل.

فصل

القارئ: ويجوز لكل واحد من هؤلاء الأخذ من صدقة التطوع لأن محمد بن علي كان يشرب من ساقيات بين مكة والمدينة وقال: إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة.

الشيخ: ويمكن أن يستدل لذلك بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنما هي أوساخ الناس) لأن الذي فيه التنظيف الصدقة الواجبة كما قال تعالي: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) يعني قد يؤخذ من هذا وكثير من العلماء يقول: إنه لا تحل لهم الصدقة الواجبة ولا المستحبة وهذا الأثر المروي عن محمد بن علي ينظر أولاً في صحته فإن صح فهو رأي كرأي غيره من العلماء وإن لم يصح فالأمر واضح على أن هؤلاء لا يمنعون من الشرب من السقايات ونحوها لأنهم لا يُملِّكونها والمقصود الصدقة التي يُملِّكونها أما هذا فهو يشرب كما يشرب الناس ويمشي فهو لم يختص بها ولم يتملكها يعني حتى لو قلنا: بأن صدقة التطوع محرمة على آل البيت فإن مثل هذا لا يحرم عليهم وذلك لأنهم لا يملكونه.

ص: 96

مسألة: من المهم فيما سبق أننا عرفنا الأصناف الثمانية التي فرض الله لهم الصدقة فأيُّ إنسان يقول عن شخص وهو من الأصناف الثمانية يقول عنه: لا يجزيء دفع الزكاة إليه نقول: عليك الدليل، فمثلاً إذا قال: الوالد لا يجوز دفع الزكاة إليه والوالدة لا يجوز والأخ لا يجوز وهو ممن اتصف بواحد من الأوصاف الثمانية نقول له: عليك الدليل، هذا هو الأصل ومن ثم سبق لنا أنه يجوز للإنسان أن يدفع زكاته إلى والده في قضاء الدين أو إذا كان لا يستطيع أن ينفق عليه لأن ماله قليل لا يستطيع أن ينفق على أبيه لكن عنده زكاة وأبوه فقير يعطى حتى وإن لم يكن في قضاء الدين فالعبرة بما لو وفّر ماله في الزكاة عليهم هذه القاعدة اعرفوها والدليل في هذا واضح:(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) فإذا قال: لا تعطي أباك وهو فقير نقول له: هو أدرى هذا فقير مستحق بكتاب الله وهلم جرا.

ويتبين مما سبق أن ما قاله المؤلف هو الظاهر وأن المحرم على آل البيت هي الصدقة المفروضة لقوله صلى الله عليه وسلم (إنما هي أوساخ الناس) وقال الله عز وجل: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) فإذا كانت الصدقة تطهر فمعلوم أن الماء الذي يطهر به سوف يتأثر من الوسخ وعلى هذا فالقول الراجح في هذه المسألة أنه لا يحرم على آل البيت إلا صدقة الفريضة فقط أما النافلة فلا بأس.

ص: 97

القارئ: ويجوز لفقراء ذوي القربى الأخذ من وصايا الفقراء والنذور لأنها صدقة تطوع بها وفي أخذهم من الكفارة وجهان وعنه: منعهم من صدقة التطوع لعموم الخبر والأول أظهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل معروف صدقة) حديث صحيح ويجوز اصطناع المعروف إليهم وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغازٍ في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني) رواه أبو داود ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه إلى الهاشمي حل له لأن النبي صلى الله عليه وسلم (أكل مما تصدق به على بريرة وقال: إنها قد بلغت محلها).

الشيخ: كل من أخذ مالاً بحق فله أن يدفعه إلى غيره بحق وإن كان هذا الثاني لا يحل أن يأخذه بالسبب الذي أخذه الأول فالنبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له الصدقة لا التطوع ولا الواجبة لكنه أكل من الصدقة التي بذلت إلى بريرة لأن بريرة أخذتها بحق ثم أخذها الرسول بحق مع أن الرسول لو أخذها بالسبب الذي أخذته بريرة لم تحل له لكن هذه قاعدة مفيدة أن من أخذ مالاً بحق ثم دفعه إلى آخر بحق حل للثاني وإن كان الثاني لو أخذه بالسبب الأول لم يحل وأما أخذه من الكفارة فيه شيء عندي يعني الوجه الثاني الذي ذكره المؤلف قد يكون أقرب إلى الصواب لأن الكفارة واجبة تشبه الصدقة فهي إلى الزكاة أقرب من الصدقة.

فصل

ص: 98

القارئ: وإذا دفع رب المال الصدقة إلى غني يظنه فقيرا ففيه روايتان إحداهما: لا يجزئه لأنه دفعها إلى غير مستحقها فأشبه دفع الدين إلى غير صاحبه والثانية: يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفي بالظاهر لقوله للرجلين (إن شئتما أعطيتكما منها ولاحظ فيها لغني) وهذا يدل على أنه يجزيء ولأن الغنى يخفى فاعتبار حقيقته يشق ولهذا قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) وإن بان كافر أو عبداً أو هاشميا لم تجزئه رواية وحدة لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم يعذر الدافع إليهم بخلاف الغني.

ص: 99

الشيخ: هذا الفصل معناه إذا دفع الإنسان الزكاة إلى من ظنه أنه من أهلها وتبين أنه ليس من أهلها فإنها لا تجزئه مثل ظن أن هذا ابن سبيل وهو ليس كذلك ظنه حراً فبان عبداً وما أشبه ذلك فإنها لا تجزئه إلا إذا دفعها إلى غني يظنه فقيراً فإنها تجزيء الدليل استدل المؤلف رحمه الله بما لا دلالة فيه استدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين الجلدين: (إن شئتما أعطيتكما ولاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) فأعطاهما فهل بان أنهما كانا قويين أو غنيين؟ لا إذاً لا يتم الاستدلال لكن هناك دليل واضح وهي قصة الرجل الذي حدَّث عنه النبي عليه الصلاة والسلام أنه خرج ذات يوم ليتصدق فتصدق فوقعت في يد سارق فأصبح الناس يتحدثون تُصدِّق الليلة على سارق فقال: الحمد لله على سارق ثم خرج الليلة الثانية فوضع صدقته في يد بغي يعني زانية والعياذ بالله فأصبح الناس يتحدثون تُصدِّق الليلة على زانية فقال: الحمد لله على زانية ثم خرج الليلة الثالثة فتصدق فوقعت صدقته في يد غني فأصبح الناس يتحدثون فقال: الحمد لله سارق وزانية وغني وهو يريد أن تقع في يد فقير متعفف فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت ممن تصدقت عليهم أما السارق فلعله يستغني مما تعطيه وكذلك الزانية تتعفف وكذلك الغني يعتبر فيتصدق لأن نيته طيبة فربما تفيد، هذا واضح أنه إذا أعطى زكاته إلى غني يظنه فقراً فإنها تجزيء بقينا إذا أعطاها لغير الغني ممن تحل لهم الزكاة فبان بخلافه يقول المؤلف: إنها لا تجزيء أعطى عبداً وهو فقير يظنه حراً فتبين أنه عبد يقول لا تجزيء ماذا يصنع؟ يأخذها من العبد وإذا العبد أبى فيضمنها للفقراء وهذه تذهب عليه وإذا أعطاها لكافر يظنه مسلماً ثم تبين أنه كافر والكافر لا تحل له الزكاة إلا في حال واحدة وهي التأليف فلو تبين أنه كافر لا تجزئه ماذا يصنع؟ يسترجعها منه ولو أبى فإنه يضمنها للفقراء ويطالب الكافر يوم القيامة وإذا أعطاها شخصاً من سائر الناس وتبين أنه

ص: 100

هاشمي والهاشمي من آل البيت وآل البيت لا تصح دفع الزكاة إليهم فماذا يصنع؟ نقول: إنها لا تجزيء استرجعها منه فإن أبى فعليك الضمان وعلَّل المؤلف رحمه الله بعلة عليلة قال: لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم يعذر الدافع إليهم بخلاف الغني هذا في الواقع فيه نظر ما الذي يعلمنا أن هذا الرجل الذي عليه ثياب متقشفة وظاهر عليه البؤس ما أدري هل هو عبد أو حر ما الذي يعلمنا؟ كذلك أيضاً الكافر فالبلد فيه عمالة كثيرة عمال كثيرون كثير منهم كافر فخرجت بزكاتي وأعطيت هذا الرجل لأني تبين لي حسب ظني أنه مسلم ثم تبين أنه كافر ألا تخفي حاله؟ بلى ولذلك

يسأل كثير من الناس يقول هل أسلّم على كل من لقيت من هؤلاء العمال وأنا لا أدري أمسلم هو أو كافر؟ فالحال تخفى كذلك أشد من هذا الهاشمي ألا تخفى حاله؟ أين الرجل الذي يعرف أنساب الناس ثم أين الرجل الذي يعرف أن هذا من بني هاشم فإذا أعطيت رجلاً في المسجد على أنه فقير وهو فقير لكنه من بنى هاشم وبنو هاشم لا تحل لهم الصدقة ثم تبين لي أن هذا الرجل من بني هاشم نقول ما تجزيء والصواب أن الزكاة تجزيء إذا دفعها إلى من يظنه أهلاً بعد التحري عند الشك فإذا غلب على ظنه أن هذا من أهلها فأعطاها أجزأت سواء كان المانع من إعطائه الغنى أو غيره هذا هو الصحيح لأن القياس هنا جلي واضح إذ لا فرق بين شخص غني تظنه فقيراً وبين شخص تظنه ليس من أهل البيت فيتبين أنه من آل البيت لا فرق فالقياس هنا جلي فإذا دلت السنة على أنه إذا تصدق على غني يظنه فقيراً فتبين أنه غني فالصدقة مقبولة فكذلك بقية الأصناف.

فصل

القارئ: وإذا تولى الرجل إخراج زكاته استحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز الدفع إليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة) رواه الترمذي والنسائي ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق ومن مات وعليه دين وزكاة لا تتسع تركته لهما قسمت بينهما بحصصهما لأنهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء.

ص: 101

الشيخ: المسألة الأولى واضحة أنه إذا كان أقاربه من أهل الزكاة فهم أولى من غيرهم لأن صدقته عليهم صدقة وصله.

المسألة الثانية رجل مات وعليه زكاة ودين عليه مثلاً ألف ريال زكاة وألف ريال دين ولم يخلف إلا ألف ريال فماذا نصنع؟ يقول المؤلف: إنها تقسم بين الزكاة وبين الدين والمثال الذي ذكرنا تقسم نصفين خمسمائة تُعطى للزكاة في أهل الزكاة وخمسمائة تعطى في الدين وهذا الذي ذكره رحمه الله هو الأولى وقال بعض العلماء: يقدم حق الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) وبعضهم قال: يقدم الدين لأنه حق أدمي وحق الآدمي مبني على المشاحة فيقدم ولا أدرى أفيها قول آخر أن السابق منهما يقدم كما لو كان الدين قد حل قبل وجوب الزكاة أو لا؟ إن كان أحد قد قال بذلك: فهذا قول رابع وأقرب الأقوال ما مشى عليه المؤلف رحمه الله أنه يقسم بينهما لأن كلاً منهما دين ثابت في ذمة هذا الميت فتساويا وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء) فالمعنى أنه إذا كان يقضى دين الآدمي فدين الله أولى بالقضاء وليس فيه ذكر التزاحم وكلامنا الآن في مسألة التزاحم.

السائل: هل يجوز للغني أن يشتري زكاته من الفقير الذي أعطاه الزكاة؟

الشيخ: لا، لا يجوز فقد حمل عمر بن الخطاب على فرس له فأضاعه الذي أعطاه إياه فأراد عمر أن يشتريه فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال:(لا تأخذه وإن أعطاك بدرهم لا تعد في صدقتك فإن العائد في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) والتعليل أن هذا الفقير إذا كانت الشاة التي دفعتها إليه تساوي مائة سوف يبيعها عليه بثمانين كي يعطيه في العام القادم لأنه حاباه بها.

السائل: بارك الله فيك الصدقة على المدين بقدر دينه ألا يدخل في شراء الصدقة وهو لم يشترط عليه قضاء الدين؟

ص: 102