الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القارئ: وفي أي وقت نوى من النهار أجزأه في ظاهر كلام الخرقي لأنه نوى (في) النهار أشبه ما قبل الزوال واختار القاضي أنه لا يجزيء بنية بعد الزوال لأن النية لم تصحب العبادة في معظمها أشبه ما لو نوى مع الغروب قال أحمد من نوى التطوع من النهار كتب له بقية يومه وإذا جَمَّع من الليل كان له يومه.
الشيخ: واذا أجمع أي عزم لأن الإجماع في اللغة العزم، وكلام الخرقي وكلام القاضي أصحهما كلام الخرقي وأنه يصح ولو بعد الزوال ثم الثواب ذكرناه قبل قليل لكن الإمام أحمد قال من نوى التطوع من نهار كتب له بقية يومه أي أنه يثاب على ذلك من النية كتب له بقية يومه يعني من حين نوى وإذا أجمع من الليل كان له يومه.
القارئ: فظاهر هذا أنه إنما يحكم له بالصيام من وقت النية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى) وقال أبو الخطاب يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من أول النهار لأن صوم بعضه لا يصح.
الشيخ: يعني فإذا كان الشرع قد صحح الصوم من أثناء النهار لزم أن ينسحب الحكم على أوله لأن صوم بعض يوم لا يصح شرعاً لكن ما قاله الإمام أحمد أقيس وأقرب للصواب إنه إنما يثاب من وقت النية (إنما لكل أمريء مانوى).
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
القارئ: يحرم على الصائم الأكل والشرب للآية والخبر فإذا أكل أو شرب مختاراً ذاكراً لصومه أبطله لأنه فعل ما ينافي الصوم لغير عذر سواءً كان غذاءً أو غير غذاء كالحصاة والنواة لأنه أكل وإن استعط أفسد صومه لقول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) رواه أبو داود وهذا يدل على أنه يفسد الصوم إذا بالغ فيه بحيث يدخل إلى خياشيمه.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله يحرم على الصائم الأكل والشرب للآية وهي قوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) والخبر حديث أبي هريرة (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وكذلك الحديث القدسي يقول الله تعالى (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) ثم قال (إن أكل أو شرب ذاكراً لصومه مختاراً بطل) الذاكر ضده الناسي والمختار ضده المكره بقي قيد ثالث ليته جاء به عالماً وضده الجاهل، وقوله (سواء كان غذاءً أو غير غذاء) المأكول والمشروب ثلاثة أقسام قسم نافع وقسم ضار وقسم لا نافع ولا ضار وكلها تفطر فالنافع كالتمر والخبز والماء والعصير وما أشبه ذلك والضار كالخمر والدخان والحشيش وما أشبهه والذي ليس فيه نفع ولا ضرر كما مثل به المؤلف كالحصاة وخرزة السبحة وما أشبهها هذه ليست بها نفع ولا ضرر ومع ذلك تفطر الصائم إذاً كل ما دخل جوفه فإنه مفطر على أي حال كان فان قال قائل أرأيتم لو أن الطبيب نزّل الآلة الكاشفة على المعدة (المنظار) فهل تفطر أو لا؟ نقول: إن كان فيها مادة دواء يمكن أن يستقر في المعدة فإنها تفطر أما إذا كان مجرد آلة فهذا الآلة لن تبقى في المعدة سوف تسحب لأنه بمجرد ما ينظر إلى المعدة ويكشف عليها يطلع الآلة لكن إن كان فيها مادة دهنت بها لتسهيل دخولها فإنها تفطر.
فائدة: حديث أبي داود (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) صحيح أو حسن ثم إن المبالغة في الاستنشاق يشكو بعض الناس أنه إذا بالغ تأثر واحتقن الماء في خياشيمه وآلمته الخياشيم فمثل هذا لا يلزم ويقال يكفي أن تدخل الماء في منخريك يعني ليس بلازم أن تشفطه لأن بعض الناس حسب ما نسأل يقول إنه يشق عليه إذا دخل الماء إلى خياشيمه بقي فيها ثم آلمه فنقول: الواجب إدخال الماء في المنخرين فقط وما زاد على ذلك فهو سنة ما لم يكن في ذلك ضرر فإن كان فيه ضرر فإنه يكون ممنوعاً منه لقوله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً).
القارئ: وإن أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان أو إلى دماغه مثل أن احتقن أو داوى جائفة بما يصل جوفه أو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بما يصل جوفه أو قطر في أذنه فوصل إلى دماغه أو داوى مأمومة بما يصل إليه أفطر لأنه إذا بطل بالسعوط دل على أنه يبطل بكل واصل من أي موضع كان ولأن الدماغ أحد الجوفين فأبطل الصوم ما يصل إليه كالآخر.
الشيخ: هذه مسائل ينبغي أن نذكر كل مسألة وحدها:
أولاً يقول إن أوصل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان استثنى الفقهاء رحمهم الله الإحليل يعني الذكر فقالوا إذا أوصل إلى جوفه شيئاً عن طريق الذكر فإنه لا يفطر وذلك لأن البول يخرج من المثانة رشحاً وإذا كان يخرج منها رشحاً فإنه إذا أدخل شيئاً من ذكره لم يدخل إلى جوفه ولكن الصحيح خلاف ما قاله المؤلف وخلاف المذهب أيضاً وهو أنه لا يفطر بشيء من ذلك وضرب لهذا أمثلة وكذلك إذا وصل إلى دماغه مثلُ أن احتقن فإذا احتقن فكلام المؤلف يدل على أنه يفطر لأن الحقنة وصلت إلى جوفه عن طريق الدبر والصحيح أنه لا يفطر لأن هذا لا يسمى أكلاً ولا شرباً ولا يعطي الجسم ما يعطيه الأكل الشرب فلا يشمله النص لا لفظاً ولا معنى لا لفظاً لأنه ليس بأكل ولا شرب ولا معنى لأنه لايحصل به ما يحصل من الأكل والشرب كذلك يقول (أو دواى جائفة) الجائفة هي الجرح الذي يصل إلى الجوف كالبطن مثلاً إنسان انخرق بطنه فصار يداويه بدواء يقول المؤلف إنه يفطر بذلك والصحيح أنه لا يفطر لأن هذا ليس بأكل ولا شرب ولا يحصل به ما يحصل بالأكل والشرب (أو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بما يصل جوفه) إنسان طعن نفسه بسكين مع البطن فدخلت السكين إلى الجوف يقول المؤلف إنه يفطر والصحيح أنه لا يفطر لأنه ليس أكلاً ولا شرباًَ ولا بمعني الاكل والشرب وقوله (طعنه غيره بإذنه) هل يجوز للغير أن يطعنه إذا أذن له؟ لو قال يا فلان جزاك الله خيراً خذ هذه السكين اطعن بطني يجوز أولا؟ لا لا يجوز بل يجب عليه أن يمنعه من ذلك حتى لو رآه يريد أن يطعن نفسه وهو قادر على منعه وجب عليه أن يمنعه لأن هذا من باب إنكار المنكر ومن باب إنقاذ المعصوم لكن الفقهاء رحمهم الله يذكرون المسائل في كل باب بحسبه لو جاءت هذه في الجنايات لقالوا إنه يحرم ولا يجوز لكن الكلام على أنه هل يحصل الفطر بذلك أو لا؟ الصحيح لا أما كلام المؤلف فنعم.
(أو قطر في أذنه فوصل إلى دماغه) فإنه يفطر أيضاً لأن الدماغ أحد الجوفين لكنه الجوف الأعلى والمعدة الجوف الأسفل فإذا قطر في أذنه فوصل إلى دماغه فإنه يفطر والصحيح أنه لا يفطر لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً ولا بمعنى الأكل والشرب ولا يصل إلى مكان الأكل والشرب (لأنه إذا بطل بالسعوط دل على أنه يبطل بكل واصل من أي موضع كان أو داوى مأمومة بما يصل إليه أفطر) المأمومة هي الجرح الذي في الرأس ووصل إلى أم الدماغ وأم الدماغ في جوف الرأس فإذا دواى المأمومة ووصل إلى الدماغ فإنه يفطر بناء على القياس الذي ذكره المؤلف أنه جوف فما وصل إليه فهو كالواصل إلى المعدة وهذا قياس ليس بصحيح فالصواب أنه لا يفطر بذلك وقوله (أفطر بالسعوط) ما هو السعوط؟ السعوط من الأنف فيقال في الجواب عن هذا
أولاً أن السعوط ورد في النص ما يدل على أنه طريقٌ يحصل به الفطر وهو حديث لقيط بن صبرة (بالغ في الاستشناق إلا أن تكون صائماً).
ثانياً أن السعوط إذا أدخل من الأنف شيء فإنه يصل إلى المعدة ويتغذى به الإنسان.
ثالثاً: أنه مما جرت العادة بإيصال الطعام منه إلى المعدة جرت به العادة وهومنفذ واضح يصل إلى المعدة فقياس ما سواه عليه قياس مع الفارق والقياس مع الفارق لا عبرة به.
القارئ: وإن اكتحل فوصل الكحل إلى حلقه أفطر لأن العين منفذ لذلك يجد المكتحل مرارة الكحل في حلقه ويخرج أجزاؤه في نخاعته وإن شك في وصوله لكونه يسيراً كالميل ونحوه لم يفطر نص عليه وإن أقطر في إحليله شيئاً أو أدخل ميلاً لم يبطل صومه لأن ما يصل المثانة لا يصل إلى الجوف ولا منفذ بينهما إنما يخرج البول رشحا فهو بمنزلة ما لو ترك في فيه شيئاًَ وإن ابتلع ما بين أسنانه أفطر لأنه واصل من خارج يمكن التحرز عنه فأشبه اللقمة.
الشيخ: المسألة الأولى إن اكتحل فوصل الكحل إلى حلقه فإنه يفطر والصحيح أنه لا يفطر بالكحل ولو وصل إلى حلقه ولو نزل إلى معدته وذلك لأن العين ليست منفذاً وقول المؤلف إنها منفذ فيه نظر حتى لو قدر أن الكحل يسري في العروق حتى يصل إلى الحلق فإن هذا ليس منفذاً معتاداً للأكل والشرب فليس أكلاً ولا شرباًَ ولا بمعنى الأكل والشرب ثم يقال ينتقض عليكم بما ذكرتموه أن الإنسان لو وطيء على حنظل والحنظل معروف فإنه إذا فُقيء الحنظل يجد طعمه في حلقه يدخل مع المسام حتى يصل إلى الحلق ومع ذلك يقولون إنه لا يفطر لأن الرِّجل ليست منفذاً معتاداً فيقال والعين أيضاً ليست منفذا معتاداً وعلى هذا فيجوز للصائم أن يكتحل ولو بما يصل إلى حلقه ولا شيء عليه لكن إذا وصل إلى حلقه وأحس بطعمه ووصل الطعم إلى الفم فإنه يجب عليه أن يتفله فإن لم يفعل وابتلعه صار مفطراًُ بذلك، بقي عندنا لو أن إنساناً أُدخل في معدته الكشاف كشاف دقيق يسمى بلغة الطب "منظار" لو أدخل في معدته منظار وهو صائم هل يفطر أو لا؟ في هذا تفصيل إن كان في هذا المنظار أدوية لتسهيل مروره فإنه يفطر لأن هذا الدواء سوف يباشر المعدة وهو قد دخل من الفم وإن لم يكن فيه شيء فإنه لا يفطر لأن هذا المنظار سوف يخرج لن يبقى في المعدة ولئلا يقال ما الفرق بينه وبين الخرز لو ابتلع خرزا فإنه يفطر فما الفرق بينهما؟ نقول: الفرق أن هذا سوف يخرج من المعدة فلا يبقى فيها، على كل حال متى ما صحبه شيء صار مفطرا فلا يجوز استعماله للصائم في رمضان ويؤخر إلى الليل وإلا فالأمر واسع وإذا ابتلع ما بين أسنانه سواء عن طريق الخلال أو عن طريق اللسان يعني حاول بلسانه أن يخرج ما بين أسنانه وابتلعه أو عن طريق الخلال فإنه يفطر لأنه ابتلع طعاماً ولو كان قليلا لكن ذكر الفقهاء مسألة هنا في مسألة ابتلاع ما بين الأسنان قالوا إذا أخرجه بالخلال فلا يبتلعه حتى في غير الصيام وإن أخرجه بلسانه ابتلعه اذا
لم يكن صائماً ولا يظهر لي وجه التفريق بين هذا وهذا والأولى أن لا يبتلعه إذا كان يخشى أن يكون قد تلوث بأوساخ الأسنان ومن هنا نعلم أن الإنسان لو ابتلع ما بين أسنانه من لحم الإبل انتقض وضوؤه مع أنه شيء يسير لأنه يسمى أكلاً وإن كان يسيراً.
السائل: وإن استنشق بخوراً فما الحكم؟
الشيخ: إذا استنشق بخورا فإنه إن كان يصل إلى جوفه فلا يجوز لأنه في معنى الشرب لأنه أجزاء ولهذا لو استنشق طيبا وشم طيباً فإنه لا يفطر لأنه ليس له أجزاء تتصاعد وتدخل في الجوف.
السائل: ما حكم استخدام بخاخ الربو للمريض؟
الشيخ: بعض الناس يصاب بضيق التنفس فيضخ بمضخة لكن قالوا إن هذه ما تصل إلى المعدة وإنما تفتح القنوات الهوائية فقط وقد صدرت فتوى من دار الإفتاء أنها لا تفطر وهو الذي نفتي به لكن هناك شيء أظنه كلبسات هذا الغبار يدخل في الجوف فلا يستعمل إلا إذا كان الإنسان مريضاً فإنه يفطر ويستعمله فإن كان يرجى زوال هذا المرض ينتظر حتى يزول وإن كان لا يرجى أطعم عن كل يوم مسكين.
السائل: في مسألة البخور لو نظرنا إلى العلة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام وهو أنه (يدع طعامه وشرابه وشهوته) والبخور ليس طعاما ولا شرابا لأن الإنسان لا يتغذى أو يشبع أو يروى إذا شم البخور؟
الشيخ: ليس بشرط أن يكون شراباً نافعاً ولهذا لو أنه ابتلع حصاة أو خرزة فإنه يفطر فإذا أدخلت أي شيء ولو كان لا ينتفع به الجسم لو بلع الإنسان الخرزة السبحة ما فيها نفع إطلاقاً تخرج كما هي صار مفطراً.
السائل: أحسن الله إليك لكن دلالة الأحاديث على مثل هذه المسألة الفرعية من أي وجه؟
الشيخ: العموم فهذه تعتبر طعاماً أو شراباًَ لكنها هي لا تنفع ليس بشرط أن ينتفع وإلا كان نقول يجوز للإنسان أن يبلع الأشياء التي ما لها غذاء مثل العلوك وغيرها.
فصلٌ
القارئ: وما لا يمكن التحرز منه كابتلاع ريقه وغربلة الدقيق وغبار الطريق والذبابة تدخل في حلقه لا يفطِّره لأن التحرز منه لا يدخل تحت الوسع ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
الشيخ: الذي لا يمكن التحرز منه ولم يقصده الإنسان فهذا لا يضر أما لو تقصده فينظر إذا دخل من أنفه ووصل إلى جوفه فإنه يفطِّر فلو أن إنساناً مثلاً يغربل الدقيق وجعل يستنشقه عمداً حتى وصل إلى جوفه فإنه يفطر بذلك لأنه تعمد إدخال هذه الأجزاء من الدقيق إلى جوفه أما إذا كان لا يمكن التحرز منه فإنه لا يضر.
القارئ: وإن جمع ريقه ثم ابتلعه لم يفطر لأنه يصل من معدته أشبه ما لو لم يجمعه وفيه وجه أخر أنه يفطره لإمكان التحرز منه.
الشيخ: الصحيح أنه لا يفطِّره لأنه لم يُدخِل شيئاً من الخارج بل هذا ريقه جمعه وابتلعه، وإن كان الفم له حكم الظاهر لأن الفم حكمه حكم الظاهر ولذلك لو أنه تمضمض بالماء فإنه لا يضره ولهذا تجب المضمضة في الوضوء وفي الغسل لأنه في حكم الظاهر.
القارئ: وإن ابتلع النخامة ففيها روايتان إحداهما يفطر لأنها من غير الفم أشبه القيء والثانية لا يفطر لأنها لا تصل من خارج وهي معتادة في الفم أشبه الريق.
الشيخ: النخامة الصحيح أنه لا يفطر بها لأنها لم تدخل من خارج بل هي من البدن ولكن لا يجوز أن يبتلع النخامة إذا وصلت إلى فمه لأنها مستقذرة وقد نص الفقهاء رحمهم الله على أن بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم حرام لاستقذارها واستهجانها وربما تحمل إمراضاً تتأثر بها المعدة فلذلك نقول إنه يحرم ولكن الكلام على أنها هل تفطر أولا؟ الصحيح أنها لا تفطر وهذا في النخامة التي تصل إلى الفم فأما النخامة التي تنزل من الخياشيم إلى الحلق فهذه لا تفطر قولاً واحداً لأنها لم تصل إلى شيء في حكم الظاهر فلم تدخل إلى البدن من خارج فلا تفطر حتى على المشهور من المذهب وما يفعله بعض الموسوسين الذين يشددون على أنفسهم إذا أحس بالنخامة من خياشيمه إلى حلقه جعل يحاول إخراجها فهذا غلط يقال أولاً أن هذا لا يضرك وثانيا أن هذا من باب التشديد والتنطع بالعبادة والتشديد والتنطع بالعبادة مما نهي عنه.
القارئ: ومن أخرج ريقه من فمه ثم ابتلعه أو بلع ريق غيره أفطر لأنه بلعه من غير فمه أشبه ما لو بلع ماءً.
الشيخ: هذا صحيح إذا أخرج الريق إلى الشفتين ثم عاد فابتلعه فهذا يفطر لأنه انفصل من الفم وكذلك لو أخرج السواك بعد أن تسوك ثم أعاده مرة ثانية إلى الفم وفيه ريق ثم امتصه في فمه وبلع الريق فإنه يفطر.
القارئ: ومن أخرج درهماً من فمه ثم أدخله وبلع ريقه لم يفطر لأنه لا يتحقق ابتلاع البلل الذي كان عليه ولذلك لا يفطر بابتلاع ريقه بعد المضمضة والتسوك بالعود الرطب ولا بإخراج لسانه ثم إعادته.
الشيخ: من أخرج درهما من فيه ثم أدخله وبلع ريقه لم يفطر لأنه لا يتحقق ابتلاع البلل والدرهم هي النقود من الفضة هذا إنسان وضع في فمه درهماً ثم أخرجه ثم أعاده في فمه مرة ثانية وهذا ربما يستعمله بعض الناس لتنظيف الدرهم ربما يكون فيه وسخ فيدخله في فمه ويحركه بلسانه من أجل أن يتنظف فهذا الرجل أخرج الدرهم فوجد أنه ما زال فيه وسخاً فأدخله ثانية فهذا لا يفطر لأنه كما قال المؤلف لا يتقين انفصال شيءٍ من الريق دخل إلى الجوف كما أن الرجل لو تمضمض فإنه لا يلزمه أن يتفل ريقه كما يفعله بعض الموسوسين بل نقول إذا توضأت ومججت الماء فلا تكلف نفسك بعدها حتى لو أحسست بطعم الماء في فمك فإنه لا يضرك وهذا هو ظاهر هدي الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح أنهم لا يتكلفون ولا يتنطعون في دين الله يقول المؤلف (ولذلك لا يفطر بابتلاع ريقه بعد المضمضة والتسوك بالعود الرطب) التسوك بالعود الرطب بشرط ألا يكون له طعم فإنه لا يضره لأنه وإن كان رطباً ليس جافاً لا يتحقق الإنسان أن هذه الرطوبة انفصلت من السواك ودخلت في جوفه أما لو كان له طعم وابتلع الطعم فإنه يفطر لأننا نتحقق أن جزءاً منه دخل في جوفه يقول رحمه الله (ولا بإخراج لسانه ثم اعادته) انسان أخرج لسانه وهو رطب عليه الريق ثم أعاده ولنفرض أنه جمع ريقه على لسانه ثم أخرجه ثم رده لماذا لايفطر؟ لأنه لم ينفصل بخلاف الذي أخرج ريقه إلى ما بين شفتيه ثم أعاده فهذا فارق محله ودخل من خارج فيكون مفطراً.
القارئ: ولو سال فمه دما أو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده أفطر لأن الفم في حكم الظاهر وإن أخرجه ثم ابتلع ريقه ومعه شيء من النجس أفطر وإلا فلا.
الشيخ: عندنا بالمخطوطة (منجس) نسخة والمسألة هذه يقول (إذا سال فمه دماً) وهذا يحصل لبعض الناس تكون لثته رديئة إذا تسوك خرج الدم فهنا يجب أن تنتبه لهذا إذا حصل فلا تبتلعه لأن الدم ليس مما يخرج من الفم ليس معتاداً ًفإن بلعته وأنت عالم بالحكم فإنه سوف يأتينا إن شاء الله أنه من شروط المفطرات العلم فإنك تفطر ولكن هل يجوز أن يبتلع الإنسان هذا الدم؟ لا ولو كان غير صائم لعموم قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) وكذلك أيضاً (لو خرج إليه قلس أو قيء فازدرده أفطر) القلس ما يخرج من المعدة عند التجشي مثلاً إنسان تجشى فخرج منه قلس وهو ما دون ملئ الفم ثم ابتلعه فإنه يفطر لأن هذا القلس وصل إلى الفم والفم في حكم الظاهر ثم عاد إلى الجوف فيفطر بذلك وكذلك القيء والقيء ما كان ملء الفم أو أكثر فمثلاً إنسان خرج منه قيء يعني أحس باضطراب المعدة حتى خرج ما فيها أو بعضه ثم ما بقي ابتلعه فإنه يفطر ووجه ذلك ظاهر أن هذا الطعام أو الشراب خرج إلى ما كان في حكم الظاهر وهو الفم ثم عاد إلى المعدة فكان مفطراً، (وإن أخرجه ثم ابتلع ريقه ومعه شيء من المنجس أفطر وإلا فلا) إن أخرجه ضد إزدرده يعني أخرج هذا القيء أو القلس أو الدم ثم ابتلع ريقه فإن كان معه شيء من القلس أو القيء أو الدم أفطر وإن لم يختلط به شيء فإنه لا يفطر وهذا واضح وقول المؤلف (من المنجس) يدل على أن دم الآدمي وقيئه وقلسه نجس وهذه فيها خلاف بين العلماء وليس هناك دليل على نجاسة دم الآدمي إلا ما خرج من السبيل القبل أو الدبر وليس هناك دليل أيضاً على نجاسة القيء ومن المعلوم أن القيء يكثر مع الناس ولو كان نجساً لكان مما تتوافر الدواعي على نقل تطهيره ومن المعلوم أيضاًَ أن الأطفال الصغار يتقيئون بين أيدي أمهاتهم ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أمر بغسل قيئه لكن البول أمر بغسله وبين حكمه وسكوته عن القيء دليل على أنه ليس بنجس ومن
المعلوم أن القاعدة العامة عندنا أن الأصل في الأشياء الطهارة فلا ينجس شيء منها إلا بدليل والأصل في الأشياء الحل فلا يحرم شيء منها الا بدليل إلا العبادات فالأصل فيها الحظر والمنع إلا بدليل مشروعية والله أعلم.
فصلٌ
القارئ: ومن استقاء عمداً أفطر ومن ذرعه فلا شيء عليه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه).
الشيخ: عندي بالمخطوطة (فليس عليه قضاء) نسخة.
القارئ: ومن استقاء عمداً فليقض) حديث حسن وإن حجّم أو إحتّجم أفطر لقوله صلى الله عليه وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر نفسا وقال أحمد حديث ثوبان وشداد بن أوس صحيحان.
الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف رحمه الله شيئين مما يحصل بهما الفطر
الأول القيء وهو معروف والثاني الحجامة.
أما القيء فقد قسمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى قسمين قسم غلب وقسم طُلب فما غلب فإنه لا يفطر لأنه بغير اختيار الإنسان وما طلب فإنه يفطر أما الأول وهو ماغلب فإنه لا يفطر فعلته ظاهره وهو أن الإنسان لم يختره ولم يرده ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها وأما الثاني فوجهه أنه إذا طلب القيء فقاء خلت معدته من الطعام فلحقه الضعف الذي قد لا يستطيع أن يكمل صومه إلا بمشقة فكان من رحمة الله تعالى أن جعل القيء عمداً مفطراً وإذا كان مفطراً قلنا إن كان الصوم واجباً حرم الاستقاء وإن كان نفلاً جاز الاستقاء وقلنا له كل واشرب حفاظاً على صحته فتبين بذلك أن الفطر بالقيء المتعمد هو وجه النظر والقياس.
وأما الحجامة فنقول إذا حجم الإنسان فإنه سوف يكون باختياره أو احتجم أي طلب من يحجمه فسيكون أيضا باختياره ولهذا لم يقسمها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قسم القيء بل قال (أفطر الحاجم والمحجوم) والحديث صححه الإمام أحمد وغيره ولا معارض له على وجه صحيح وفي حديث ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهومحرم واحتجم وهو صائم) وفيه كلام للعلماء فليس معارضاً صحيحاً ونقول أما فطر المحجوم فظاهر مناسبته للحكمة والغاية الحميدة التي جاءت بها الشريعة لأن المحجوم سينزف منه دمٌ كثير ومعلوم أن هذا يضعف البدن ويرهق البدن فمن رحمة الله بعباده أن من احتجم أفطر وحينئذ نقول إن كان احتجامه لضرورة جاز في الفرض والنفل ونقول له الآن كل واشرب وإن كان لغير ضرورة حرم في الفرض وجاز في النفل ونقول لمن كان متنفلا وأراد أن يحتجم احتجم ولكن كل واشرب لأنك أفطرت من أجل أن تعيد للبدن قوته فكان هذا مناسباً تماماً للحكمة لكن ما هي الحكمة في الحاجم؟ الحاجم لم يخرج منه دم قال بعض أهل العلم إن هذا تعبد ما ندري لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أفطر الحاجم) وقلنا سمعاً وطاعة وعلى العين والرأس أما ما الحكمة؟ فعقولنا أقصر من أن تدرك جميع حكم الله ولا ندري لكننا نتعبد لله بذلك وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الحكمة أن الحاجم حسب الطريقة المعروفة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لابد أن يمص القارورة التي يحجم بها وعند المص لا بد أن يصعد إليه شيء من دم الإنسان من غير أن يشعر بدخوله لكن تعمد أن يمص وهو يعرف أنه لا بد أن يجتذب نفسه شيئاً من الدم وإذا وصل إلى معدته شيء من الدم أو غير الدم فإنه يفطر فإن كانت هذه العلة مستقيمة فذاك وإن لم تكن العلة مستقيمة فالعلة طاعة الله ورسوله (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ونحن
عبيد مربوبون إذا قال ربنا شيئاً وإذا قال رسوله شيئاً قلنا سمعاً وطاعة ربما يكون تعبد الإنسان بما لا يعقل حكمته أبلغ من تعبده بما يعقل حكمته لأنه إذا تعبد ما يعقل حكمته حمله على التعبد بذلك السمع والعقل إذا كان يعقل حكمته واذا كان لا يعقل صار أشد انقياداً وذلاً للشرع لأنه يتعبد لله بما لا يعقل معناه لا يتعبد إلا لمجرد السمع والطاعة إذاً هذان نوعان مما يفطر وهما القيء عمداً لا بد أن تقيد والثاني الحجامة ولكن يسأل بعض الناس إذا هاجت كبده أي معدته فهل عليه أن يمسكها وهل له أن يستقيء حتى يستريح؟ لأنه أحياناًُ تموج وتهيج المعدة ويحب الإنسان أن يستقيئ فهل نقول يلزمك أن تمسكها وتردها إذا كان صومك فرضاً أو نقول إذا هاجت وماجت فاستخرجها حتى لا تكون ضرراً عليك؟ الجواب إذا كان هناك ضرر لا شك أنا نقول استخرجها وأفطر ولكن إذا كان ما فيه ضرر فهنا نقول لا تستخرجها ولا تردها إن غلبتك فدعها وإن سكنت فلا تستخرجها وقال بعض العلماء القول بالإفطار بالقيء والحجامة قولٌ على خلاف القياس فلا يعمل به لأن الإفطار بما دخل لا بما خرج كما أن الوضوء مما خرج لا مما دخل سبحان الله من أين جاءت القواعد هذه؟ فالوضوء مما خرج لا مما دخل لئلا ينتقض الوضوء بلحم الإبل لأن لحم الإبل داخل وهنا قالوا الفطر بما دخل لا بما خرج لئلا يبطل الصوم بالحجامة والقيء فنقول عفا الله عنكم إننا لا يمكن أن نعارض قول الله ورسوله بمثل هذه التعليلات العليلة ومن أين أخذتم هذه القواعد؟ أمن الكتاب؟ أو من السنة؟ أو من الإجماع؟ من قال هذا؟ نقض الوضوء بما جعله الشرع ناقضاً سواء كان داخلا أو خارجا والإفطار بما جعله الشارع مفطراً سواءً داخلاً أم خارجاً هذا الصواب أما أن نقعد قواعد ليس لها إلا مجرد طرد في أكثر المسائل هذا ليس بصحيح.
صحيح أن أكثر ما ينقض إذا خرج لا ما دخل لكن إذا جاءت السنة لابد أن نقول بها وكذلك في مسألة الفطر أن الأكثر مما دخل لا مما خرج لكن مع ذلك يفطر ثم نقول لهم ما تقولون لو استمنى فأمنى أيفطر أم لا؟ وهو مما خرج المهم على كل حال أنه لا يمكن لإنسان عارض الكتاب والسنة إلا وجدت في قوله خللاً أول خلل المخالفة ثم النقض بالعلل والحكم التي هو يقر بها على كل حال الصحيح أن من استقاء عمداً أفطر ومن غلبه القيء فلا يفطر وأن من حجم أو احتجم فانه يفطر.
فائدة: شيخ الإسلام رحمه الله له رسالة صغيرة اسمها حقيقة الصيام مفيدة جداً لطالب العلم لو رجعتم إليها استفدتم إن شاء الله.
فصلٌ
القارئ: وتحرم المباشرة للآية فإن باشر فيما دون الفرج أو قبل أو لمس فأنزل فسد صومه فإن لم ينزل لم يفسد لما روي عن عمر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم قال (أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟) قلت لا بأس قال (فمه؟) رواه أبو داود، شبه القبلة بالمضمضة لأنها من مقدمات الشهوة والمضمضة إذا لم يكن معها نزول الماء لم يفطر كذلك القبلة.
الشيخ: عندنا بالمخطوطة (لكونها من مقدماته) نسخة، هذه المسألة يقول تحرم عليه المباشرة للآية الحكم التحريم والدليل الآية فلننظر هل الآية تدل على التحريم ننظر يقول الله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا) إلى آخر الآية، لكن المباشرة التي في القرآن والملامسة التي في القرآن لا تكون إلا للجماع كل مواضع ذكر المباشرة في القرآن والملامسة في القرآن للجماع فقوله (بَاشِرُوهُنَّ) أي جامعوهنّ كما يدل على ذلك سبب نزول الآية أنه الجماع وعلى هذا فلا دليل في الآية على ما قال ثم ظاهر كلامه رحمه الله أن المباشرة حرام لمن تحرك شهوته ولمن لا تحرك هذا أيضاً ليس بصحيح ويدل عليه حديث عمر حيث قال رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم (صنعت اليوم أمراً عظيماً قبلت وأنا صائم قال أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم قلت فلا بأس قال فمه؟) يعني فما الذي يجعلك تفطر مثلاً أو نقول مه بمعنى كف عن السؤال فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن ذلك لا بأس به كما لو تمضمض الإنسان فإنه لا يفطر كذلك لو قبل فإنه لا يفطر ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن قبلة الصائم فأشار إلى أم سلمة وبينت أنه كان يقبل فقيل يا رسول الله أنت غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال إني لأعلمك بالله وأتقاكم له) أو كلمة نحوها فهذا دليل على جواز القبلة للصائم حتى وإن كان بشهوة حتى ولو أمذى على القول الصحيح لأن الله تعالى وسَّع على العباد والإنسان ولا سيما الشاب قد لا يستطيع أن يبقى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يستمتع بأهله لكن إذا عرف الإنسان من نفسه أنه سريع الإنزال وشديد المحبة لأهله فهنا نقول اترك التقبيل لأن هذا عرضة إلى إفساد الصوم وهي وسيلة قريبة كثير من الناس ليس سريع الإنزال أو قوي الشهوة أو ليس شديد المحبة لأهله فلا يحصل الإنزال بسرعة فالصواب إذاً أن القبلة حلال سواء كانت بشهوة
أوبغير شهوة ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عمر رضي الله عنه هل أنت فعلت ذلك بشهوة أم لا؟ بل ظاهر حديث عمر صنعتُ شيئاً عظيماً أنها كانت بشهوة.
القارئ: ولو احتلم لم يفسد صومه لأنه يخرج من غير اختياره.
الشيخ: أفاد المؤلف رحمه الله بأن ما يحصل للصائم بغير اختياره من المفطرات لا يفسد الصوم وهو كذلك فلو احتلم الإنسان وهو نائم صائم فلا شيء عليه حتى لو فرض أنه نام على تفكير يفكر في الجماع وانتشر ذكره ونام على هذه الحال فإنه لا يفطر لأنه حين إنزال المني ليس مختاراً لذلك.
القارئ: وإن جامع ليلاً فأنزل نهاراً لم يفطر لأن مجرد الإنزال لا يفطر كالاحتلام وإن كرر النظر فأنزل فسد صومه لأنه إنزال عن فعل في الصوم أمكن التحرز عنه أشبه الإنزال باللمس وإن صرف بصره فأنزل لم يفطر لأنه لا يمكن التحرز عنه وإن أنزل بالفكر لم يفطر لذلك وإن استمنى بيده فأنزل أفطر لأنه إنزال عن مباشرة أشبه القبلة وسواء في هذا كله المني والمذي لأنه خارج تخلله الشهوة انضم إلى المباشرة به فأفطر به كالمني إلا في تكرار النظر فلا يفطر إلا بإنزال المني في ظاهر كلامه لأنه ليس بمباشرة.
الشيخ: خلاصة هذه الجمل أنه إذا أنزل عن فعل وهو يقظان فسد صومه سواء كان الفعل بيده أو بتدحرجه على الأرض أو ما أشبه ذلك وإذا أنزل بغير فعل فإنه لا يفسد صومه مثل أن يفكر فينزل فإنه لا يفسد صومه لأنه لا فعل منه وإذا أنزل بنظر فإن كان بنظرة واحدة وصرف بصره فإنه لا يفطر وإن كان بتكرار النظر فإنه يفطر والمذي كالإنزال إلا في تكرار النظر فإنه إذا أمذى به فإنه لا يفطر بخلاف الإمناء والصحيح أنه لا يفطر بالمذي مطلقا وأن الإنسان لو باشر زوجته بتقبل أو ضم أو ما أشبه ذلك فأنزل مذياً فإنه لا يفطر. لعدم وجود الدليل على ذلك بقي أن يقال والمني أيضاً لا يفطر به حتى ولو كان بفعله لأنه ليس هناك دليل على ذلك؟ فيقال نعم هو ليس هناك دليل واضح في هذه المسألة لكن قد يستدل على ذلك بقوله تبارك وتعالى في الحديث القدسي (إنه ترك طعامه وشاربه وشهوته من أجلي)، والمني شهوة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أراءيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر) ومعلوم أن الذي يوضع هو المني ففي هذا الحديث والذي قبله إذا ضم بعضهما إلى بعض ما يدل على أن إنزال المني إذا كان من فعله فإنه يفطر وأما قول المؤلف (فإن جامع ليلاً فأنزل نهارا) فمراده بذلك المني الذي كان من الجماع الأول وأما إذا أنزل نهاراً بفعل جديد فعلى ما سمعتم لكن ربما يجامع الإنسان ويخرج المني لكن لايتكامل خروجه ثم يبقى شيء يخرج بعد طلوع الفجر.
السائل: إذا تبرع الصائم بالدم فهل هو كالحجامة؟
الشيخ: أحسنت هذا سؤال جيد يقول إذا تبرع الإنسان بدمه وهو صائم فهل هو كالمحجوم؟ الجواب نعم إذا أخذ منه كثير بقدر دم الحجامة بحيث يضعف به البدن فإنه يفطر وحينئذ نقول إذا كان الصوم واجباًُ فإنه لا يجوز أن يأذن بسحبه منه إلا إذا كان الثاني مضطراً فحينئذ نقول لا بأس أن يسحب منك وافطر أما إذا كان نفلاً فالأمر واسع وإذا كان الثاني غير مضطر فإنه لا يسحب منه ينتظر إلى الليل.
السائل: بالنسبة للدكتور الذي يسحب الدم؟
الشيخ: هذا سؤال جيد يقول بالنسبة للدكتور الذي يسحب الدم هل نقول هو كالحاجم يفطر؟ على الراجح لا يفطر أما على المذهب فإنه يفطر فلأنهم يقولون إن إخراج الدم بغير الحجامة لا يفطر حتى لو أخرج الإنسان أكثر من دم الحجامة فإنه لا يفطر لأنهم يرون أن المسالة تعبدية فيقتصر على ما جاء به النص وأما على رأي شيخ الإسلام فشيخ الإسلام يطرد القاعدة يقول حتى الحاجم لو حجم بآلة بدون مص فإنه لا يفطر كذلك الطبيب.
السائل: بارك الله فيكم ما يؤخذ للحرارة لو أخذه الصائم كتحميله من أسفل فهل تفطر؟
الشيخ: الصحيح أنها لا تفطر بناءً على أن الحقنة لا تفطر فالحقنة على قاعدة المذهب تفطر لأن الحقنة عند أهل المذهب مفطرة.
السائل: من ذرعه القيء وهو يصلي هل يخرج من الصلاة أو يمسكها في سره أو ماذا يفعل؟
الشيخ: هو إذا كان لا يمكن فليخرج من الصلاة خصوصاً على قول من يرى أن القيء إذا كان كثيراً نقض الوضوء فهذا لابد من الخروج وهو أيضاً لو بقي يلوث المسجد فيتعدى ضرره.
السائل: ما رأيكم في حديث ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بالحجامة؟
الشيخ: حديث أبي سعيد أنه أذن فيها لا يدل على هذا وحتى هذا الحديث يكون ضعيفاً لأن حديث أوس وشداد أصح منه على كل حال أنا أحلتكم على رسالة حقيقة الصيام لشيخ الإسلام ففيها فوائد جمة ما تجدونها في غيرها.
السائل: عرفنا أن الحجامة تفطر ولكن ما حكمها على الصائم؟
الشيخ: محرمة على الصائم الفرض إلا للضرورة يعني أحياناً يهيج الدم بالإنسان حتى يغمى فحينئذ لا بأس عليه أن يحتجم.
مسألة: سبق لنا أن الإمذاء لا يفطر به الصائم ولو حصل عن تقبيل أو مباشرة ونحو ذلك لعدم الدليل والقاعدة أن ما ثبت بدليل لا ينقض إلا بدليل فهذا الرجل صائم يعني بمقتضى الشريعة فلا يمكن أن نفسده إلا بدليل وسبق لنا أن الإمناء يفطر به الصائم كما هو قول جمهور الأمة والمذاهب الأربعة وذكرنا الدليل وأن دلالته خفية وأنها مركبة من دليلين.
فصلٌ
القارئ: وما فعل من هذا ناسياً لم يفطره لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أكل أحدكم أو شرب ناسيا فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) متفق عليه وفي لفظ (فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله تعالى) فنص على الأكل والشرب وقسنا عليه سائر ما ذكرناه.
الشيخ: هذا دليل خاص في أن من فعل مفطراً ناسياً فلا شيء عليه ولدينا دليل عام وهو قوله تبارك وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى قد فعلت وقال صلى الله عليه وسلم (إنما أطعمه الله وسقاه) يؤخذ منه فائدة عظيمة وهي أن الناسي لا يضاف فعله إليه ولو فعله إنما ذلك من عند الله عز وجل ويقول المؤلف رحمه الله وقسنا عليه سائر ما ذكرناه بقي عليه واحد لم يذكره وهوالجماع وسيأتينا إن شاء الله قول المؤلف فيه ولكن القول الصحيح أن الجماع كغيره وأن الإنسان لو جامع زوجته ناسياً فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة عليه لعموم الأدلة وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم الأكل والشرب لأنه أكثر فنصف الناس ليس عندهم زوجات ومن عندهم زوجات فأكثر مايكون لديهم هو الأكل والشرب فتخصيصه بذلك لأنه الغالب وإلا فلو أن الإنسان نسي وجامع زوجته فإنه لا شيء عليه وقال بعضهم بل عليه الكفارة والقضاء لأن النسيان في الجماع نادر ولأنه لو نسي لم تنس زوجته فيقال قد يكون صائماً تطوعاً وزوجته مفطرة فلا تظن أنه صائم ولكن هذا لا يفيد لأن صوم التطوع ليس فيه كفارة ولكن على كلام الفقهاء يبطل صومه والصحيح أن القاعدة مطردة كل محظور فعله الإنسان ناسياً فإنه لا يضره لا بإفساد العبادة ولا بالكفارة المرتبة على ذلك الفعل.
القارئ: وإن فعله مكرها لم يفطر لقوله صلى الله عليه وسلم (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء) فنقيس عليه ماعداه.
الشيخ: هذا دليل خاص لكنه دليل بقياس وإذا أردنا أن نجعل المسألة من باب القياس فالأولى أن نأتي بالآية (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فإنه إذا كان يعذر بالإكراه على الكفر فما دونه من باب أولى.
القارئ: وإن فعله وهو نائم لم يفطر لأنه أبلغ في العذر من الناسي.
الشيخ: هذا أيضا كذلك لو فعله وهو نائم فإنه لا يفطر يعني لو قبل زوجته وهو نائم وأنزل أو ما أشبه ذلك فإنه لا يفطر بهذا لأن النائم لا ينسب إليه فعل بدليل قوله تبارك وتعالى في أصحاب الكهف (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) فأضاف تقليبهم إليه مع أنهم هم الذين يتقلبون لكنهم لما كانوا نائمين لم ينسب الفعل إليهم فان قال قائل ما تقولون فيما لو انقلب نائم على طفل فقتله؟ الجواب عليه الدية والكفارة وذلك لأن قتل النفس لعظمه لا يشترط به القصد.
القارئ: وإن فعله جاهلاً بتحريمه أفطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أفطر الحاجم والمحجوم) في حق رجلين رآهما يفعلان ذلك مع جهلهما بالتحريم ولأنه نوع جهل فلم يعذر به كالجهل بالوقت وذكر أبو الخطاب أنه لا يفطر لأن الجهل عذر يمنع التأثم فيمنع الفطر كالنسيان.
الشيخ: هذا كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا فعل هذه المفطرات جاهلاً فإنه لا يعذر فيفسد صومه وعليه القضاء واستدل بحديث (أفطر الحاجم والمحجوم) وهما لا يعلمان أن الحجامة مفطرة ومع ذلك قال (أفطر الحاجم والمحجوم) وقد أورد ابن القيم هذا الحديث على شيخه الذي يقول إنه لا يفطر مع الجهل ولا يفسد صومه مع الجهل فقال إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقل أفطرتما فاقضيا فهو لم يخاطبهما وإنما ذكر حكماً عاماً فمراده الجنس لا الشخص ثم هذان الرجلان نُظر في فعلهما إذا انطبقت عليه الأدلة بأنه يجب عليهما القضاء أو أن صومهما فسد عملنا به وإلا فلا وهذا الذي قاله الشيخ رحمه الله جواب سديد لأن الرسول لم يوجه الخطاب إليهما ويقول أفطرتما إنما قال (أفطر الحاجم والمحجوم) ثم ينظر في انطباق هذا الحكم على هذين الرجلين إذا كانا جاهلين فعندنا أدلة تدل على أن الجهل يعذر به فالصواب أن الجهل يعذر به فلو فعل واحداً من هذه المفطرات جاهلاً فإنه معذور لدينا أدلة عامة وأدلة خاصة الأدلة العامة (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقوله (َلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الخاصة عدي بن حاتم رضي الله عنه كان يريد أن يصوم وكان يقرأ الآية (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) فجعل تحت وسادته عقالين وهو الخيط الذي تربط به يد الناقة أحدهما أسود والثاني أبيض وجعل يأكل ويشرب وينظر إلى العقالين فلما تبين له أحدهما من الأخر أمسك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال له (إن وسادك لعريض أن وسع الخيط الأبيض والأسود) لأن الخيط الأبيض والأسود هما النهار والليل وهذه الوسادة تحتها الليل والنهار قاله النبي عليه الصلاة والسلام من باب المداعبة فالرسول يعلم أنه لم يضع الليل
والنهار تحت الوسادة ولم يأمره بالقضاء وهذا جهل بالحكم حيث فهم من الآية ما لم يقصد بها وأما قول المؤلف رحمه الله انظر إلى التعليل والقياس يقول ولأنه نوع جهل فلم يعترف به كالجهل بالوقت فقاس المختلف فيه على المختلف فيه والقياس من شرطه أن يكون الأصل المقيس عليه متفقاً عليه بين الخصمين وهذا غير متفق عليه فنحن نقول الجهل بالوقت أيضا عذر يمنع الصائم من فساد الصوم ودليل ذلك ما رواه البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت أفطرنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس فهؤلاء أفطروا جهلاً بالوقت ولم ينقل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم بالقضاء ولو كان القضاء من شرع الله لأمرهم به ولنقل لأنه شريعة لابد أن تبقى فلما انتفى ذلك علم أن القضاء ليس بواجب وأما قول هشام بن عروة لما سئل عن القضاء قال أو بدٌ من قضاء؟ يعني لا بد أن يقضوا فهذا رأيه وعروة أبوه أفقه منه قال لا قضاء ومعلوم أنه إذا تنازع رجلان في مسألة فالمرجع إلى الكتاب والسنة فالصواب أنه إذا أكل جاهلاً بالوقت سواء من أخر الليل أو من أوله فإن صومه صحيح ولا يلزمه القضاء حتى في الجماع ولهذا لو جامع ظناً منه أن الليل باقٍ فتبين أنه في نهار فصومه صحيح ولا شيء عليه ومن جهل بوجوب القضاء وهو يدري أن هذا مفطر وأن هذا حرام لكن لم يعلم أنه يلزمه القضاء فهل يلزمه؟ نعم يلزمه وكذلك لو جامع في نهار رمضان وهو ممن يجب عليه الصوم ولم يعلم أنه يلزمه الكفارة فإن الكفارة لاتسقط عنه لأن الجهل بالعقوبة ليس عذرا بل العذر هو الجهل بالحكم ودليل ذلك قصة المجامع فإن المجامع لم يعلم بما يلزمه من الكفارة ومع ذلك أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة.
القارئ: وإن تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه لم يفطر لأنه واصل بغير اختياره ولا تعديه فأشبه الذباب الداخل حلقه وإن بالغ فيهما فوصل الماء ففيه وجهان أحدهما لا يفطر لأنه بغير اختياره والثاني يفطر لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه لقيط بن صبره حفظاً للصوم فدل على أنه يفطره ولأنه تولد بسبب منهي عنه فأشبه الإنزال عن مباشرة وإن زاد على الثلاث فيهما فوصل الماء فعلى الوجهين وإن أكل يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو أن الفجر لم يطلع وقد طلع أفطر لما روي عن حنظلة قال (كنا بالمدينة في رمضان وفي السماء سحاب فظننا أن الشمس قد غابت فأفطر بعض الناس ثم طلعت الشمس فقال عمر من أفطر فليقض يوماً مكانه) رواه سعيد بن منصور بنحوه ولأنه أكل ذاكراً مختارا فأفطر كما لو أكل يظن أن اليوم من شعبان فبان من رمضان.
الشيخ: ما ذكره رحمه الله في مسالة المبالغة الصحيح أنه لا يفطر لأن المبالغ ما تعمد أن ينزل الماء إلى جوفه ولكن الماء تهرب فنزل إلى جوفه كما أنه لو تمضمض تمضمضاًَ ليس شرعياً ليس عن وضوء ثم نزل الماء من هذه المضمضة إلى جوفه فإنه لا يفطر.
وأما ما ذكره رحمه الله في مسألة الوقت إذا أكل يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو أن الفجر لم يطلع وقد طلع أفطر فهذا فيه نظر والصواب أنه لا يفطر في المسألتين وذلك لأنه فعل ما أُذن له فيه أما من أكل ولم يتبين له طلوع الفجر ثم تبين فإنه أكل بأمر الله لقوله (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ) فكيف نقول لشخص فعل ما أمره الله به وأباحه له إنك مسيء فاقض، هذا بعيد مع أنه داخل في عموم ما سبق (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وحديث عدي بن حاتم أيضاً يدل عليه لأن عدي بن حاتم أكل بلا شك بعد أن طلع الفجر وارتفع وأما الثاني فأسأل الله أن يعفو عن المؤلف أتى بأثر عمر وترك المرفوع حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما رواه البخاري (أنهم أفطروا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ولم يؤمروا بالقضاء) ثم إنه أيضاً ترك أثراً عن عمر ربما يكون أصح من الذي رواه سعيد وهو أنه رضي الله عنه لما سألوه أنقضي؟ قال إنا لم نتجانف لإثم وهذا الجواب قاعدة من قواعد الشريعة يعني أننا فعلنا ما أحل لنا ومن فعل ما أحل له فإنه لا يؤثم ولا يلزم بقضاء فيكون في هذه المسألة عن عمر روايتان رواية أمرهم بالقضاء ورواية لم يأمرهم بالقضاء وبين لهم أنهم لم يتجانفوا لإثم فإما أن تحمل رواية القضاء على الاحتياط وإما أن تحمل على أن هذا سنة وليس بواجب أن عمر يرى أنه سنة وليس بواجب وعلى كل حال فرأي عمر رضي الله عنه نأخذ بما وافق السنة وهو أنه لا قضاء وهذا هو الصحيح وحينئذ نقول من شرط الفطر بالمفطرات عموماً حتى في الجماع شروط ثلاثة:
العلم وضده الجهل وسواءً كان الجهل في الوقت أو الجهل في المفطر هل يفطر أو لا؟ والثاني الذكر وضده النسيان والثالث الإرادة وضده الإكراه أوعدم الإرادة كالذي يطير إلى أنفه شيء من الغبار أوالدخان أوما أشبه ذلك هذه الشروط الثلاثة هي التي تشترط لإلزام الصائم بالقضاء في الواجب وإفساد الصوم سواءً كان واجباً أو نفلاً فإذا تخلف واحد من هذه الشروط فالصوم صحيح ولايترتب عليه شيء لا قضاء ولا كفارة.
السائل: متى يعذر بالجهل؟
الشيخ: الواجب تركه لا يعذر به الإنسان بدليل أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يعذر المسيء في صلاته وهو جاهل قال (صلِّ فإنك لم تصلِ) فترك الواجب لا بد من فعله ما دام الطلب قائماً يعني في وقت الصلاة أما إذا فات الوقت فهذا ينظر هل صاحبنا مفرِّط او غير مفرِّط؟ وكلامنا الذي ذكرناه في الشروط الثلاثة إنما هو في فعل المحرم الممنوع انتبه لهذا أرأيت لو سهى بالصلاة أو نسي الصلاة فإنه يصليها إذا ذكرها ولا تسقط عنه.
السائل: أحسن الله اليكم ذكرنا في مسالة (ولأنه نوع جهل فلا يعذر به كالجهل بالوقت) وقلنا إن المؤلف قاس مختلفا فيه على مختلفٍ فيه، هل المؤلف حين ما قال كالجهل بالوقت يقصد وقت الصيام أووقت الصلاة؟
الشيخ: لا مقصوده وقت الصيام ولذلك جاء بالمسألتين التي ذكرنا لو أكل يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع يجب عليه القضاء وكذلك لو ظن أن الشمس غربت يجب عليه القضاء.
السائل: ما الفرق بين من بالغ في الاستنشاق فدخل الماء إلى حلقه وبين من باشر فأنزل وهو لم يرد الإنزال؟
الشيخ: هذا إيراد جيد لكن قلنا من يعلم أنه سريع الإنزال يمنع لكن الإنسان ما يعلم إلا أنه في هذه المرة حصل الإنزال هذا لا يفطر أما عندما يعرف أنه ينزل بمجرد ما أنه تقوى شهوته فهذا يمنع من أن يباشر لكن الاستنشاق ليس كل استنشاق يصل الماء إلى الحلق.
السائل: الجاهل الذي قلنا إنه إذا كان مفرطاً أو غير مفرط في الواجب قد يعيش الرجل بين العلماء ويعمل العمل ولا يدري أنه على حق ولا يعلم أنه على غير الحق إلا بعد سنوات هل هذا مفرط؟
الشيخ: الظاهر أنه مفرط لأن هذا الفعل الذي خالف فيه سيكون مشهوراً بين الناس.
السائل: وإذا كان ليس مشهوراً بين الناس كرفع القدمين في أثناء السجود بعض الناس استمر على هذه الحال سنوات؟
الشيخ: ربما نقول إن هذا لم يفرط وأنه لا يلزمه إلا قضاء الصلاة الحاضرة فقط لكن لو كان قد سمع أن رفع أحد الأعضاء يبطل السجود ولكن قال (لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) يعني بعض الناس ياخذ الآية هذه يأخذها دليلاً في كل شيء يقول لا تسألوا.
ولا بد أن نعرف ما سبق أنه لا يُفطِّر شيء مما سبق إلا بثلاثة شروط العلم وضده الجهل والذكر وضده النسيان والثالث الاختيار وضده ما كان إكراها أو عن غير قصد.
هذه الشروط بينا فيما سبق أنه دل عليها الكتاب والسنة بأدلة عامة وأدلة خاصة وبناءً على ذلك مادام الأمر واضح والحمد لله في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر أسهل من أن نرجع إلى التفاصيل في بعض كتب العلماء ونقول هذه القاعدة قاعدة عريضة مأخوذة من القرآن والسنة الصحيحه.
وإذا شككنا في شيء هل يدخل في المفطرات أو لا؟ فالأصل أنه غير مفطر لأن الصوم ثبت بدليل شرعي فلا يمكن أن ينقض إلا بدليل شرعي مثلاً الإبرة توخز في المريض اختلف الناس فيها ولا سيما عند أول ظهروها فنقول عند الاختلاف بدون مستند شرعي في هذه المسالة نأخذ بالأصل وهو أن الأصل صحة الصوم إلا بدليل واضح على الإفساد وهذه مسألة مهمة لطالب العلم ولا يقول الإنسان إننا لو فتحنا هذا الباب لتساهل الناس نقول نحن نبين الشرع والعمل على غيرنا يجب أيضاً أن نبين للناس الشرع فلو سألك سائل مثلا قال إنه جامع زوجته يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع ماذا نقول له؟ لا شيء عليه.
ولو سألك سائل في مكة في رمضان أنه جامع زوجته اليوم ماذا تقول له؟ إذا كان متعمداً أفطر لكن إن كان الصوم واجبا عليه فإنه يقضي ويكفر وإن لم يكن واجباً أفطر ولا أثم عليه إلا القضاء والأول يلزمه الإمساك بقية اليوم والثاني لا يلزمه لأن الصوم في حقه ليس بواجب.
فصلٌ
القارئ: وعلى من أفطر القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم (من استقاء فليقض) ولأن القضاء يجب مع العذر فمع عدمه أولى وعليه إمساك سائر يومه لأنه أمر به في جميع النهار فمخالفته في بعضه لا تبيح المخالفة في الباقي.
الشيخ: وهذا فيمن أفطر بلا عذر أما من أفطر بعذر فله أن يأكل بقية يومه مثاله لو أفطر إنسان لإنقاذ معصوم في رمضان فهل يلزمه أن يمسك بقية اليوم؟ لا لا يلزمه لأن هذه البقية لا تنفعه ولأن هذا الرجل قد أُذن له بانتهاك حرمة هذا اليوم بل إن هذا اليوم لا حرمة له في حقه لأنه اضطر للفطر فإذاً لا حرمة لباقي اليوم ومثل ذلك على القول الراجح من قدم من السفر مفطراًَ فإنه لا يلزمه إمساك بقية اليوم.
القارئ: ولو قامت البينة بالرؤية بعد فطره فعليه القضاء والإمساك لذلك.
الشيخ: يعني لو قامت البينة في أثناء النهار وهو مفطر لزمه الإمساك ولزمه القضاء أيضاً أولاً لأنه لم ينو من أول النهار وثانياً لأنه أكل وشرب في أول النهار وأما لزوم الإمساك فلأنه ثبت أن هذا اليوم من رمضان وقال شيخ الإسلام إنه لا يلزمه القضاء وإنما يلزمه الإمساك لأنه قبل أن يعلم بدخول الشهر كان جاهلاً معذوراً وأما النية فالنية تتبع العلم وهو لم يعلم ولوعلم قبل أن يطلع الفجر قلنا انو لكنه لم يعلم فالنية تتبع العلم إذ غير المعلوم لا تمكن نيته فيرى رحمه الله أنه يمسك ولا يقضي بل قال لو لم يعلم بدخول الشهر إلا بعد غروب الشمس فإنه لا يلزمه قضاء هذا اليوم لأنه أكل وشرب وجامع من غير علم فيحسب له هذا اليوم مع أنه لم يصمه لوجود مانع وهو الجهل لكن الأحوط أن يقضي لأن هذا الرجل ليس كمن أفطر لعذر في رمضان فإنه حينما كان يأكل ويشرب في أول النهار يعتقد أنه من شعبان وهو فرق بين إنسان أكل أو شربا ناسياً أو جاهلاً وهو يعتقد أن هذا اليوم من رمضان وإنسان آخر لم يعلم به فأرى بناءً على هذا الفرق وإن كان فرقاً ليس له إلا قدم واحد أرى أنه من أجل هذا الفرق أن يحتاط فيقضي ويمسك لأن الإمساك ما فيه إشكال حتى عند شيخ الإسلام ابن تيميه يجب الإمساك.
القارئ: ولا تجب الكفارة بغير الجماع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها المحتجم ولا المستقيء ولأن الإيجاب من الشرع ولم يرد بها إلا في الجماع وليس غيره في معناه لأنه أغلظ ولهذا يجب به الحد في ملك الغير والكفارة العظمى في الحج ويفسده دون سائر محظوراته ويتعلق به اثنا عشر حكما.
الشيخ: أي في الجماع وبعضهم أوصلها إلى أربعمائة حكم والجماع هو تغييب الحشفة في الفرج لكن تتبع هذا الأمر فيه كلفة ومشقة والمهم أن تعرف الحكم في كل بابٍ على حدة وإن أمكن أن تجمعها فهذا طيب وما قاله رحمه الله من أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع هو الحق خلافاً لمن قال تجب الكفارة بإلامناء أو بالفطر عمداً ولو بالأكل والشرب فإن هذه كلها أقوال لا دليل عليها إنما تجب الكفارة بالجماع خاصة في نهار رمضان لمن كان الصوم واجباً عليه فقولنا في نهار رمضان يخرج ما لو جامع في قضاء رمضان يعني إنسان عليه أيام من رمضان وكان يقضيها فجامع فليس عليه كفارة لأن جماعه ليس في نهار رمضان وقولنا والصوم واجب عليه يخرج من جامع في سفر أو جامع في مرض فإنه ليس عليه كفارة لأن الصوم ليس واجباً عليه في هذه الحال.
فصلٌ
القارئ: ومن جامع في الفرج فأنزل أو لم ينزل فعليه القضاء والكفارة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء فقال يا رسول الله وقعت على امرأتي وأنا صائم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تجد رقبة تعتقها؟) قال لا، قال (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال لا، قال (فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟) قال: لا، قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك أتي رسول الله بفرق تمر فقال (أين السائل خذ هذا فتصدق به) فقال الرجل أفعلى أفقر مني يا رسول الله؟ والله ما بين لابيتها يريد الحرتين أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه فقال (أطعمه أهلك) متفق عليه.
الشيخ: هذا الحديث فيه بيان حكم من جامع وفيه فوائد منها صراحة الصحابة رضي الله عنهم في السؤال عن الدين وأنهم لا يمنعهم الحياء عن التفقه في دين الله ومنها أن الصحابة من أحرص الناس على معرفة الحق بل هم أحرص الناس ولهذا جاء يسأل في هذا المكان مع وجود الناس ويقول هلكت وأهلكت كما في ألفاظ الحديث الأخرى ومنها أن الرجل كان عالماً بدليل أنه قال هلكت وإن كان فيه احتمال أنه أخبر بعد أن حدث قومه أو أحداً من الناس يعلم بأنه جامع زوجته فقال هلكت ولكن الأصل عدم ذلك وسواء أخبر أو لم يخبر، وعندنا قاعدة عامة وهي أن من تناول مفطراً جاهلاً فلا شيء عليه وفيه أيضا أن كفارة الجماع في نهار رمضان كفارة مغلظة لأنها عتق رقبة أوصيام شهرين متتابعين أوإطعام ستين مسكين ولا يوجد لها نظير في الكفارات إلا كفارة الظهار ومنها أن كفارته على الترتيب والذي يبدأ به أولاً عتق الرقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يجد فإطعام ستين مسكين ومنها أنه لا فرق بين أن يجامع في يوم أوفي يومين أو ثلاثة أو أربعة هذه تحتاج إلى مناقشة وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصله لم يقل هل جامعت قبل اليوم؟ ولو كان الحكم يختلف لاستفصل لأن الأمر ليس بهين افرض أن هذا الرجل كان حديث عهد بعرس ليس الصحابي أعني غيره حديث عهد بعرس وكان يجامع زوجته كل يوم في رمضان كم يجب عليه من شهر؟ يجب عليه إذا قلنا تتكرر بتكرر الأيام يجب عليه ستون شهراً وإلا فشهران وإذا كان الحكم يختلف هذا الاختلاف المتباين كان لابد أن يستفصل المسؤول عن ذلك فيقول هل جامعتها قبل هذا اليوم أو لا؟ وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وهو وجه في مذهب الإمام أحمد رحمه الله لكننا لا نفتي به وإن كنا نرى أنه من حيث النظر قوي لكن لا نفتي به لأن الإنسان الشاب حديث العرس يأنس بهذه الفتوى يعني يجامع زوجته كل يوم أو في اليوم مرتين كل شهر رمضان ويقول الأمر سهل، صيام شهريين متتابعين أو
بعد يتكاسل يقول والله ما قدرت أنا موظف ومشغول فيطعم ستين مسكيناً فالمسألة وإن كانت من حيث النظر قوية لكن النظر شيء والإفتاء شيء آخر وهذا من فقه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو حق وسياسة حكيمة إذا خشيت من الناس أن يتتابعوا على أمر محرم فلا بأس أن تعاملهم بالأغلظ لأنه إذا كان فاعل المحرم يعزر ويحدث له عقوبة فكيف إذا أردنا أن نمنعه من أن يفعل المحرم لذلك نرى أن الفتوى في ذلك غير وجيهة وإن كانت قوية في النظر لئلا يتتايع الناس في هذا الأمر العظيم فإن عمر كان يعلم أن طلاق الثلاث واحدة وأن الرجل إذا قال أنتي طالق أنتي طالق أنتي طالق فهي واحدة وكانت كذلك في أول عهده في سنتين من عهده لكن لما رأى الناس تتايعوا في هذا الأمر وهلكوا فيه وتجرؤوا على المحرم ألزمهم بما ألزموا به أنفسهم لأن القائل أنتي طالق أنتي طالق أنتي طالق ماذا يريد؟ يريد البينونة فألزمهم رضي الله عنه بذلك ومنعهم من الرجوع ولذلك قال (أرى الناس قد تتايعوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم) إذاً هو رأي اتخذه عمر سياسة لمنع الناس من هذا الفعل المحرم والتعجل فيما جعل الله لهم فيه أناة وكذلك بيع أمهات الأولاد كان جائزاً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وعهد أبي بكر تباع أم الولد لكن لما رأى عمر أن الناس لن ينتهوا عن هذا وأنهم يفرقون بين السرية وأولادها الصغار ينكسر قلبها ويفزع الصغار فمنع بيع أمهات الأولاد سياسة وفي عهد الرسول (لما حذر الرسول عليه الصلاة والسلام من التفريق بين المرأة وولدها) التزم الناس بهذا وصاروا لا يفرقون بين أمهات الأولاد وأولادهم إلا إذا كبروا واستقل الولد تباع لكن عمر رأى المنع مطلقاً لأن الناس تهاونوا في هذا الأمر فكان هذا سياسية فهذه مسألة ينبغي لطالب العلم أن يلاحظها في الفتوى ومثلاً النقاب جائز من حيث هو نقاب وكان النساء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ينتقبنَ
ولا إشكال في هذا ولانقول هو حرام وهو موجود في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مقر له لكن إذا علمنا أن القول في إباحته يفضي إلى شر وفتنة وأن غالب النساء لم تتقيد بما يجب أن تتقيد به وأنها تخرج عينها مكحولة من أحسن كحل وهي عين جميلة فاتنة ثم قد تأتي بالملصقات التي تلصق على العين لتجميلها فالتي عينها غير جميلة الآن بدأنا يستعملن اللاصقات فتكتحل وتوسع النقاب وما تجعله على قدر النظر هذا أول شهر أو أول سنة وفي السنة الثانية توسعه قليلاً حتى يظهر الحاجبان والوجنتان وهذا هو الواقع الآن بدأت بعض النساء نسأل الله العافية والسلامة يتلثمن ويقلن هذا مثل النقاب وغداً يكشفنّ فمثل هذا إذا امتنع الإنسان من الافتاء بجوازه وقال أنا لا أفتي بجوازه فهذا ليس فيه بأس وهو لم يقل أنا أقول إنه حرام أولا أقول إنه حرام أقول لا أفتي بجوازه وهذا يدل على أنه يراه جائزاً لكن لا يفتي به نظراً للمصلحة وحماية الناس من الفتنة والتسيب في مثل هذه الأمور نحن الآن بصدد الحديث على حديث أبي هريرة رضي الله عنه فنقول هذا الحديث يدل بظاهره أنه لا فرق بين من جامع في يوم أو في أكثر من يوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل مع كون الأمر صعباً شديداً وأما الذين يقولون إنه يجب عليه أن يكفر عن كل يومٍ كفارة فعللوا ذلك بعلة جيدة قالوا لأن كل يوم عبادة مفردة لا سيما إذا قلنا إنه يجب أن ينوي لكل يوم نية في رمضان فقالوا إن كل يوم منفرد ولهذا لو فسد صوم اليوم لم يفسد صوم أمس مما يدل على أن كل يوم عبادة مستقلة وهذا لا شك أنه تعليل قوي وإذا أخذ به الإنسان حماية للناس من التسيب والتلاعب فلا حرج عليه في ذلك إن شاء الله أولاً لقوة تعليله وقد تكون قوة هذا التعليل مقابلة لقوة ظاهر الحديث حديث أبي هريرة فيقال الآن عندنا علة قوية مع ظاهر النص فهل نغلب هذه أو هذه؟ محل نظر لكن الوجه الأول أولى أنه لا فرق إلا أنه لا حرج أن نأخذ بهذا
القول وأن كل يوم له كفارة مستقلة بخلاف من قتل أنفساً فإن من قتل أنفساً لابد لكل نفسٍ من كفارة فلو أن رجلاً حصل عليه حادث وهو فيه مفرط أو معتدي ومات معه عشرة لزمه أن يعتق عشرة رقاب فإن لم يجد صام عشرين شهراً ولا نقول هنا بالتداخل لأن كل نفس لا تجني على نفس أخرى وكل نفس مستقلة وفي الحديث أيضاً من الفوائد تسهيل الشرع على العباد لقوله صلى الله عليه وسلم (هل تجد رقبة تعتقها؟ قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال لا قال فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال لا) وهذا لاشك أنه تيسير على المكلف إذا لم يستطع فإنه ينزل إلى ما دون ذلك فإن لم يستطع إطعام ستين مسكيناً ماذا يكون أمره؟ قال بعض العلماء إنها تسقط عنه لأنه لا واجب مع العجزوقد قال الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وقال بعض العلماء تكون في ذمته ديناً متى وجد أطعم لأنه بمنزلة الدين والذي يظهر أنها تسقط ما لم يحصل على ذلك في وقته وحينه فإنه يلزمه أن يكفر فلو مثلاً لزمته الكفارة اليوم فوجد الإطعام في أخر النهار أو من الغد فهذا لا نقول إنه معدم بل نقول يلزمه والدليل على هذا أنه لما قال هذا الرجل لا أستطيع وجاء التمر أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به ولو سقطت لم يأمره وفيه أيضاً دليلٌ على إعطاء ولي الأمر ما يتصدق به على الفقراء وكان هذا من عادة الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك من كان أكثر مساساً بالناس وأعرف بالناس فإن إعطاؤه أو الاستنارة برائه مفيد ويؤخذ من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب من سؤاله ومن قوله في الأخير أين السائل؟ وهو كذلك فالرسول عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه فإن الله أطلعه من الغيب على من لم يطلع به غيره ومن فوائد هذا الحديث ما نعود إليه ثانية صراحة الصحابة وأن الإنسان يذكر وصفه على أي حال كان لما قال تصدق به قال أعلى
أفقر مني؟ وكثير من الناس يتستر ولاشك أن التستر خير قال الله تعالى (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ) لكن هذا في سؤال الناس لا يسألون الناس إلحافاً أما في بيان حالهم عند الحاجة فلا بأس وفيه أيضاً جواز الحلف على غلبة الظن يؤخذ من قوله (فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني) لأن هذا الرجل لم يذهب إلى كل بيت يسألهم بلا شك لكن هذا غالب ظنه فحلف على غالب ظنه فإن قال قائل إذا كان هذا الرجل ليس عنده أي تمر أو أية حبة أو أي ثوب زائد على ما يلبس هل يوجد أحد أفقر منه؟ نعم الفقير المدين يكون مثله في مصروفاته اليومية وعليه دين فيكون أفقر وأيضاً قد ورد اليمين على غلبة الظن فإن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل قال لهم (تحلفون خمسين يميناً على من قتل صاحبكم) في قصة القسامة ومعلوم أنهم لم يروا ولم يشهدوا لهذا قالوا لم نر ولم نشهد فكيف نحلف؟ لكن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم اليمين يدل على جواز ذلك ومما يستفاد من هذا الحديث حسن خلق الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه ضحك وهذا يدل على انبساطه من هذا الرجل لو كان عندي لقلت ما تشكر نعمة الله ما تخاف الله وماذا يدريك أنه ما في البلد أهل بيت أفقرمنك؟ لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم الناس وهو على خلق عظيم فضحك منبسطا منشرحاً صدره عليه الصلاة والسلام ضحك حتى بدت أنيابه والأنياب هي ما وراء الرباعيات والأسنان هي الثنايا ثم الرباعيات ثم الأنياب ثم قال (أطعمه أهلك) سبحان الله دليل على أن الإنسان يكون أهل لكفارته لأنه قال (أطعمه أهلك) هكذا استدل بعض العلماء وقالوا إن الفقير إذا وجبت عليه كفارة فأعطاه إنسان ما يكفر فله أن يأخذها إذا كان فقيراً لكن هذا القول فيه نظر والاستدلال بهذا الحديث له فيه نظر أيضاً لأن أهل هذا الرجل لا يبلغون ستين مسكيناً إما بالتأكيد أو بغلبة الظن ولم يستفسر النبي صلى
الله عليه وسلم أن أهله يجدون لكن لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً علم أنه لا يستطيع أن يؤدي الكفارة وسقطت عنه وهو يريد أن يطعم أهله وفيه أيضاً هذه الغنيمة التي رجع بها هذا الرجل كأنك تتصور أن هذا الرجل خرج من امرأته وهو يقول سأذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وربما يكون قلبه يرجف خوفاً ولهذا وردت أحاديث فيها ألفاظ فيها نظر كونه جاء ينتف شعره ويشق ثوبه وما أشبه ذلك هذه كلها ألفاظ لا أظنها تصح لكن لاشك أن الرجل جاء خائفاًَ فزعاً وأنه خرج من أهله على هذه الحال ومع ذلك رجع إليهم بطعام بتمر سبحان الله هكذا ينبغي أن ندعو الناس لكن يجب أن نعرف الفرق بين رجل جاء تائباً نادماً يطلب الخلاص هذا نعامله بما تقتضيه حاله ونلين له في القول ونيسرله الأمر وهذا من خلق الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أمرنا أن نقتدي به.
القارئ: وسواء في هذا وطء الزوجة والأجنبية والحية والميتة والآدمية والبهمية والقبل والدبر لأنه وطء في فرج موجب لغسل أشبه وطء الزوجة ولأنه إذا وجب التكفير بالوطء في المحل المملوك ففيما عداه أولى ويحتمل أن لا تجب الكفارة بوطء البهيمة لأنه محل لا يجب بالحد بالوطء فيه أشبه غير الفرج.
الشيخ: وهذا القول أقرب إلى الصواب لأن هذا الفرج لا يباح بحال وكما قال المؤلف رحمه الله لا يجب حد الزنا بالوطء فيه وأيضاً على القول الراجح لا يجب الغسل إذا وطأ بهيمة ما لم ينزل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) ومعلوم أن البهيمة ليس لها ختان فالصواب أن وطء البهيمة وإن كان بعض الناس والعياذ بالله قد قلبت طبيعتهم ويتلذذ به لكنها لا توجب شيئاً إلا أن واطيء البهيمة يعزر وتقتل البهيمة قتلاً لا تذكى ذكاة تقتل وترمى للكلاب فإن كانت ملكاً للواطيء فقد تلفت عليه وإن كانت لغيره وجب عليه ضمانها ولا تؤكل.
القارئ: وفي الجماع دون الفرج إذا أنزل روايتان إحداهما تجب به الكفارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل السائل عن الوقاع والثانية لا تجب لأنه مباشرة (لا يفطر) بغير إنزال.
الشيخ: عندي بالمخطوطة (لا تفطر) نسخة.
القارئ: فأشبه القبلة ولا يصح قياسه على الوطء في الفرج لما بينهما من الفرق وإنما لم يستفصله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه فهم منه الوقاع في الفرج بدليل ترك الاستفصال عن الإنزال.
الشيخ: وهذا هو الصحيح أن الإيقاع بدون إنزال لا يوجب الكفارة.
القارئ: وتجب الكفارة على الناسي والمكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل السائل عن حاله وعن أحمد: كل أمرٍ غلب عليه الصائم فليس عليه قضاءٌ ولا غيره فيدخل فيه الإكراه والنسيان لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه النسائي، وقياساً على سائر المفطرات وقال ابن عقيل إن كان الإكراه إلجاء مثل أن استدخل ذكره وهو نائم أو مغلوب على نفسه فلا كفارة عليه لأنه لا فعل له وفي فساد صومه احتمالان وإن كان بالوعيد ونحوه فعليه القضاء لأن الانتشار من فعله ولا كفارة عليه لعذره.
الشيخ: والصواب في هذه المسألة أنه إذا كان ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً فلا شيء عليه لعموم الأدلة السابقة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم الجاهل الذي أكل بعد طلوع الفجر بالقضاء ولم يلزم الناس جميعاً الذين أفطروا قبل غروب الشمس بالقضاء وقال (من أكل أو شرب وهو ناسي فليتم صومه) ولا فرق كلاهما محظور وكلاهما مفطر لكن ربما يقول قائل النسيان في الجماع بعيد لأنه ليس كالأكل والشرب ولأنه متعلق بطرف أخر والطرف الأخر ينبهه فالنسيان غيروارد وأما الجهل يقع ولكن إذا كان جاهلاً بوجوب الكفارة عالماً بتحريم الجماع فهل تلزمه الكفارة؟ نعم تلزمه لأنه انتهك المحرم عن علم ولأن الرجل الذي جاء يستفتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكن يعلم بالكفارة بل سأل عنها وهكذا جميع الأشياء التي فيها حد أو كفارة إذا كان الإنسان عالماً بها وجاهلاً بالعقوبة والكفارة فإنه لا يعذر فلو زنى ثيب وقال إنه لايدري أن عليه الرجم ولكن يدري أن الزنى حرام انتهكه فعليه الرجم وأما قوله في تعليل وجوب الكفارة ولو كان عن جهل أو إكراه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل فيقال إن الرجل صرح بما يدل على أنه كان عالماً لأنه يقول هلكت وهذا يدل على أنه كان عالماً ولم يقل أخبروني أني هلكت حتى نقول إنه علم بعد الوقاع ثم إن مثل هذا يرد كثيراً يذكر السلف الصالح أن من فعل كذا فعليه كذا فيظن بعض الناس بهذه العبارة العموم وهي نعم عامة لكنها مقيدة بألا يوجد مانع يمنع الوجوب بأدلة أخرى وهذا يقع حتى في كلام الفقهاء رحمهم الله يقول إذا جامع قبل التحلل الأول فسد حجه ولزمه كذا وكذا هذا حكم لكن هل الحكم لا يكون له موانع؟ بلى وهذه المسألة ينبغي أن نتفطن لها وهوأن الرسول علم من حال هذا الرجل أنه كان عالماً وأنه جاء يريد التخلص مما وقع منه لقوله إني هلكت وخلاصة الكلام الآن أن الجماع كغيره من المفطرات إذا وقع من جاهل أو ناسٍ أو مكره يعني
غير مريد فإنه لا يفطر به وليس عليه الكفارة.
السائل: بالنسبة للكفارة بوطيء الدبر كاللواط والميت هل تجب؟
الشيخ: نعم إذا فرض أنه يشتهي هذا الشيء إنسان وحصل منه الوقاع وهي ميتة فعليه الكفارة.
السائل: من فعل محرم وهو يعلم أنه محرم لكن لا يعلم أنه مخرج من الملة؟
الشيخ: نعم يخرج من الملة يعني من ترك الصلاة وهو لا يعلم أنه يخرج من الملة لكن يعلم أنه حرام خرج من الملة.
فصلٌ
القارئ: في وجوب الكفارة على المرأة روايتان إحداهما تجب لأنها إحدى المتواطئين فلزمتها الكفارة كالرجل والثانية لا تلزمها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر امرأة المواقع بكفارة ولأنه حق مال يتعلق بالوطء من بين جنسه فاختص بالرجل كالمهر.
الشيخ: والصواب أن عليها الكفارة إذا كانت مختارة عالمة وأما كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذكر وجوبها على المرأة فلأن المرأة لم تقر ولم تأتِ تستفتي فيحتمل أنها كانت نائمة أو ناسية أو جاهلة أو مكرهة فأمرها عند الرسول عليه الصلاة والسلام مجهول وهو إنما أفتى من جاء يستفتي والعلة الموجبة للكفارة على الرجل موجودة في المرأة فإن التلذذ وانتهاك حرمة الصوم هو موجود في المرأة أيضاً فالصواب الذي يكاد يكون مقطوعاً به أن المرأة إذا كانت مختارة فعليها الكفارة كالرجل تماماً.
القارئ: فإن كانت ناسية أو مكرهة فلا كفارة عليها رواية واحدة لأنها تعذر بالعذر في الوطء ولذلك لا تحد إذا أكرهت على الزنا بخلاف الرجل والحكم في فساد صومها كالحكم في الرجل المعذور.
الشيخ: الآن عفوا عن المرأة إذا كانت مكرهة أو ناسية وهذا يمكن أن يخرّج من هذا القول القول بأن الرجل أيضاً يعفى عنه وهو تخريج قريب والصحيح العفو عنهم جميعاً أن المرأة إذا كانت جاهلة أو ناسية أو مكرهة فلا شيء عليها أما قوله إذا أكرهت على الزنى فإنها لا تحد والرجل إذا أكره على الزنا فإنه يحد فهذا أيضاً فيه نظر والصواب أن الرجل وإن أكره على الزنا فلا حد عليه لعموم الأدلة وقولهم إنه لا يمكن أن يجامع إلا بانتشار ولا انتشار إلا عن إرادة وهذا يدل على تعذر صورة الإكراه نقول هذا غير صحيح بل إذا هيئ لإنسان امرأة شابة جميلة وزينت وطيبت ومكيجت وهو شاب وقيل لابد أن تجامعها وإلا قتلناك ثم دنا منها هل يمكن أن ينتشر ذكره أو لا؟ يمكن فقوله إنه لا يمكن إكراه الرجل على الجماع فيه نظر والواجب في مثل هذه الأمور أن الإنسان ينظر للواقع وأما الفروض الذهنية فهي غير واردة في الأمور الشرعية صحيح أن إكراهه بعيد خصوصاً أن الإنسان إذا كان عنده خوفٌ من الله عز وجل ربما لا يستطيع أن يجامع لعدم انتشار ذكره لكن النفوس مجبولة على أنه إذا حصل مثل هذا التهييء للإنسان الشاب أن يفعل والخلاصة أن المكره على الزنى من رجل أو امرأة ليس عليه حد لعموم الأدلة.
القارئ: ولا تجب الكفارة بالوطء في غير رمضان لعدم حرمة الزمان.
الشيخ: حتى في القضاء ليس فيه كفارة لكن إذا وجدت شروط الإفطار صار مفطراً فعليه القضاء.
فصلٌ
القارئ: ومن لزمه الإمساك في رمضان فعليه الكفارة بالوطء وإن كان مفطراً لأنه وطء حرم لحرمة رمضان فوجبت به الكفارة كوطء الصائم.
الشيخ: مثال ذلك لو قدم الإنسان مفطراً من سفر وجامع زوجته فإنه تجب عليه الكفارة لأنه يلزمه الإمساك وهذا بناء على القول بلزوم الإمساك أما على القول الراجح أنه إذا قدم مفطراً فإنه لا يلزمه الإمساك فإنه إذا جامع في هذه الحال لا كفارة عليه.
القارئ: ومن جامع وهو صحيح مقيم ثم مرض أو جنّ أو سافر لم تسقط الكفارة عنه لأنه أفسد صوماً واجباً في رمضان بجماع تامٍ فوجبت الكفارة وجوباً مستمراً كما لو لم يطرأ عذر.
الشيخ: هذا صحيح لأنه لو جامع في رمضان وهو مقيم ثم سافر فالمسافر له أن يفطر ولو كان سفره في أثناء النهارفهل نقول في هذه الحال لا كفارة عليه لأنه أخر النهار قد أبيح له الفطر أو نقول إن عليه الكفارة؟ نقول عليه الكفارة لأنه حين الوطء كان صائماً صوماً واجباً في رمضان.
القارئ: وإن وطيء ثم وطيء قبل التكفير في يوم واحد فعليه كفارة واحدة بلا خلاف لأنها عبادة تكرر الوطء فيها قبل التكفير فلم تجب أكثر من كفارة كالحج وإن كان ذلك في يومين ففيه وجهان أحدهما تجزئه كفارة واحدة لأنه جزاء عن جناية تكرر سببها قبل استيفائها فتداخلا كالحدود وكالتي قبلها والثاني تلزمه كفارتان اختاره القاضي لأنه أفسد صوم يومين بجماع فوجبت كفارتان كما لو كانا في رمضانين فإن كفر عن الأول فعليه في الثاني كفارة وجهاً واحداً لأنه تكرر السبب بعد استيفاء حكم الأول فوجب أن يثبت للثاني حكمه كسائر الكفارات.
الشيخ: إذا كفر ثم أعاد الوطء فعليه أن يكفر للوطء الثاني سواءً أكانا في يوم واحد أو في أيام وسبق لنا مسائل مهمة في مسألة الجماع أولاً المرأة هل عليها كفارة؟ قلنا إن الصحيح أن عليها كفارة لأن الرجال والنساء سواء ما لم يوجد دليل يفرق بينهما والإجابة عن حديث المجامع سهلة لأن المرأة لم تحضر ولم تقر وربما تكون في حال تعذر فيها فهي في الحقيقة مسكوت عنها وليس مسقطاً عنها الكفارة وفرق بين المسكوت عنها وبين المسقط عنه الكفارة لو قال الرسول لا كفارة عن امرأتك قلنا نعم لكن هي مسكوت عنها لأن قضيتها لا ترى وربما يشير قوله هلكت وأهلكت ربما يشير هذا إلى أنه أكرهها وإلا لقال هلكت وهلكت امرأتي وعلى كل حال القول الراجح بلا شك هو أن المرأة عليها الكفارة إذا كانت مطاوعة وسبق لنا أنه إذا تكرر الجماع في يوم قبل التكفير لزمه كفارة واحدة بالاتفاق وإذا تكرر في يومين قبل التكفير ففيه وجهان ورجحنا من حيث النظر أنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة ولكننا لا نفتي بذلك نظراً لسد باب التهاون في هذا الأمر لأنه قد يهون على الإنسان أن يجامع زوجته كل يوم في رمضان ويؤدي كفارة واحدة هذه مسائل ينبغي للطالب أن يتفطن لها لأنه ربما يأتيه إنسان مثلاً ذكر له أنه كان يجامع كل يوم أو عشرة أيام مثلاً ولم يكفر وأنه تائب ونادم ونعرف أنه رجل من أهل الرجولة فهذا ربما نفتيه سراً بأن يكفيه كفارة واحدة كما كان العلماء يفعلون هذا رحمهم الله يفتون بالمسائل التي يخافون من إنزلاق الناس فيها يفتون فيها سراً كعبد السلام بن تيميه جد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان يفتي بأن الطلاق الثلاث واحدة لكن كان يفتي به سراً كما نقله عنه حفيده وأصل هذه الأمور أن العلم يقصد به شيء وراء العلم وهو تربية الناس وإقامتهم على الحق وأنه مهما أمكن التربية إذا لم تخالف الشرع فاسلكها فلو أن أحداً مثلاً يقول إن ستر الوجه ليس بواجب بمقتضى الدليل عندي قلنا لك
رأيك ولا نلزمك برأينا لكن هل من المصلحة أن تنشر هذا الرأي في قوم ملتزمين بتغطية الوجه؟ ليس من المصلحة لست ترى أن كشف الوجه واجباً حتى تقول سأبينه ليقوم الناس بالواجب ترى أنه مباح وربما ترى في ضميرك أنه مباح وتركه أفضل إذاً كيف تنشر للناس ما يوجب التهاون في هذا الأمر؟ فهذه المسائل انتبهوا لها بارك الله فيكم ربوا الناس مادام الناس الآن متمسكين بلزوم تغطية الوجه وليس عندهم في هذا إشكال وليس كشفه واجب حتى نقول نبين للناس دعهم على ما هم عليه لأنهم إذا كشفوا وجوههم صاروا آثمين عند بعض العلماء وليس آثمين عندك أنت الذي تبيح كشف الوجه بل هم فاعلون للأفضل لكن لو كشفوا الوجه صاروا عند من يرى وجوب ستره صاروا آثمين فكيف توقع الناس بالإثم وهم في سلامة منه.
فصل
القارئ: والكفارة عتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتبعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً للخبر وعنه أنها على التخيير بين الثلاثة لما روي عن أبي هريرة أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو (يطعم) ستين مسكيناً. رواه مسلم ومالك في الموطأ.
الشيخ: (أو إطعام) نسخة بالمخطوطة أنسب للسياق الذي قبلها (أو صيام شهرين).
القارئ: وأو للتخير والأول المذهب لأن الحديث الأول أصح وهو متضمن للزيادة.
الشيخ: ثم يقال إن الأول متضمن للزيادة وهو (هل تجد؟ هل تستطيع؟) ثانياً أن هذا لا ينافي الترتيب وكون (أو) تأتي لا ينافي الترتيب إذ أن المعنى أو صيام شهرين متتابعين إن لم يجد رقبة والحديث واحد رواه أبو هريرة فيحمل هذا على الأول يقيناً وتكون الكفارة على الترتيب.
القارئ: وإن عجز عن الأصناف كلها سقطت لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي أخبره بحاجته إليها بأكلها ويحتمل أن لا تسقط لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه المكتل وأمره بالتكفير بعد إخباره بعجزه والأول أولى لأن الإسقاط أخر الأمرين فيجب تقديمه.
الشيخ: وهذا هو الصحيح أنه عند العجز تسقط وهو الموافق أيضاً للقاعدة العامة (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) وللقاعدة التي أخذها أيضاً العلماء من هذه الآية أنه لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة إذا كانت الضرورة تندفع به وهاتان قاعدتان مهمتان لا واجب مع العجز دليلها (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) ولا محرم مع الضرورة إذا كان تندفع به دليلها قوله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) ويصوم يوماً مكان اليوم الذي أفسده لأنه أفسد يوماً فيجب عليه قضاؤه فلو شرع في الصلاة ثم أفسدها فإنه يقضيها أما لو كان لم يصم من الأول فلا قضاء عليه لأنه تعمد ترك هذا اليوم.
السائل: رجل إذا جاء رمضان يصوم ويصلي وإذا فات رمضان ترك الصلاة واستمر على هذا سنوات ثم تاب وكان في رمضان يجامع زوجته فلما تاب التزم بالواجبات والسنن واستقام هل تجب عليه الكفارة؟
الشيخ: من المعلوم أننا لانلزمه بقضاء الصلاة لأنه كان يتركها عمدا ومن المعلوم أيضا أن هذا لم يترك الصلاة تركا مطلقا ومن المعلوم أيضا أنه يفسد صيامه بالجماع فهل نقول بالقول الثاني الذي ذكره المؤلف رحمه الله بتداخل كفارات الأيام وأنه يجزئه كفارة واحدة بناءً على أن هذا لو ألزمناه بأن يكفر عن كل يومٍ كفارة ربما يرتد ويقول لو استقمت لزمني هذا الأمر فهل من حسن التربية أن نأخذ بالقول الثاني الذي له وجهة من النظر، كما أسلفنا فيما سبق لو أنه استفتاني وعرفت أن الرجل تاب توبةً نصوحة لقلت يكفيك كفارة واحدة ولكن لا تخبر الناس بذلك.