الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الاعتكاف
القارئ: وهو لزم المسجد لطاعة الله تعالى وهو مستحب لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده) متفقٌ عليه وليس بواجب لأن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلوه ولا أمر به إلا من أراده ويجب بالنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نذر أن يطيع الله فليطعه) رواه البخاري.
الشيخ: الاعتكاف في اللغة معناه الالتزام للشئ لقول الله تعالى عن ابراهيم (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) أي ملازمون لها وفي الشرع لزوم المسجد لطاعة الله ليس لزوم المسكن ولا لزوم المكان لزوم المسجد لطاعة الله لقول الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وقوله لطاعة الله يعني لأجل أن يتعبد لله عز وجل أما لو لزم المسجد يعني لشغل في المسجد أو ما أشبه ذلك أو لأنه أريح له وأسكن فهذا ليس باعتكاف أن يكون لازماً المسجد لطاعة الله وبه نعرف أن ما يفعله بعض المعتكفين من اجتماع بعضهم إلى بعض وانشغالهم بالحديث وربما يكون حديث لغوٍ لا فائدة منه وربما يكون حديث لهوٍ محرم أن هذا ينافي المقصود من الاعتكاف وظاهر كلام العلماء رحمهم الله أن المعتكف ينبغي له أن يشتغل بالعبادة القاصرة يعني مثل الصلاة والذكر قراءة القرآن وما أشبه ذلك دون العلم والاستماع إليه لأنه عبادة متعدية لكن قد يقال إنه إذا كان العلم لا يحصل لك إلا في هذا الوقت فحضوره أولى من الاقتصار على العبادة القاصرة كما يوجد في بعض المحلات يكون العالم مثلاً في هذا المسجد ولا يحصل للمعتكفين الانتفاع بعلمه إلا في هذا الوقت فهنا قد يقال إن الاشتغال بالعلم أفضل لأن نفعه متعدٍ أما إذا لم يكن هناك سبب يرجح جانب التعلم والتعليم فالأفضل أن يقتصر على العبادة القاصرة ثم ذكر المؤلف حكمه وأنه سنة وأنه ليس بواجب إلا بالنذر وكل ما ذكره رحمه الله فهو صحيح ومؤيدٌ بالأدلة.
فصلٌ
القارئ: ويصح من الرجال والنساء.
الشيخ: أما الرجال فمعروف والنساء لقول عائشة (ثم اعتكف أزواجه من بعده) وأما منعه صلى الله عليه وسلم من اعتكاف نسائه فإنه خرج ذات يوم فوجد فيه أخبية للنساء وخاف أن تكثر أخبية النساء لأن نساؤه تسع معناه سيكون في المسجد تسعة أخبية وهذا ربما يضيق على الناس فأمر بالأخبية أن تنقض وترك الإعتكاف تلك السنة ثم اعتكف العشر الأول من شوال قضاءً لأنه صلى الله عليه وسلم كان من عادته أنه إذا عمل عملاً أثبته ولو كان في غير محله ولهذا لما شغل عن الركعتين بعد الظهر بالقوم الوافدين وقضاها بعد العصر أثبتها عليه الصلاة والسلام وصار يصلي كل يوم ركعتين بعد العصر.
القارئ: وليس للمرأة أن تعتكف بغير إذن زوجها لأنه يملك استمتاعها فلا تملك تفويته بغير إذنه وليس للعبد الاعتكاف بغير إذن سيده لأنه يملك نفعه فإن أذن لهما صح منهما لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يعتكفن بإذنه، وإن شرعا فيه تطوعا فلهما إخراجهما منه وإن كان بإذنهما لأنه لا يلزم بالشروع فيه.
الشيخ: لكن هذا الذي قاله المؤلف أنهما إذا شرعا فيه تطوعاً فللسيد والزوج إخراجهما قد يقال فيه نظر لأن النفل لا يلزم بالشروع فيه باعتبار الفاعل أما باعتبار الآذن فقد يقال إن هذا من باب الوعد والعهد والوفاء بالوعد واجب لا سيما في العبادة هو لو لم يأذن لكان أهون عليهما من أن يرجع في إذنه ولهذا يقال إن هذا التعليل فيه نظر لأن كون الإنسان يجوز أن يخرج من النفل باعتبار الفاعل أما باعتبار من أذن لغيره أن يفعل وقد علم أن الاعتكاف في جميع العشر ثم لما انتصف العشر قال اخرجوا هذا فيه نظر لكن لو أنه حين قال لزوجته اخرجي رأت من المصلحة أن تخرج لئلا يقع في قلبه شئ فهل لها ذلك؟ نعم لها ذلك.
القارئ: وإن كان منذوراً مأذوناً فيه لم يجز إخراجهما منه سواء كان معيناً أو مطلقا لأنه يتعين بالشروع ويجب إتمامه فلم يجز التحليل منه كالصوم.
الشيخ: أنا عندي بالمخطوطة (التحلل) نسخة.
القارئ: وإن كان النذر والدخول فيه بغير إذن فلهما منعهما من ابتدائه وإخراجهما منه بعد الشروع فيه لأنه نذر يتضمن تفويت منافع مملوكةٍ لغيرهما فأشبه نذر عارية عبد غيره.
السائل: لم يتضح لي وجه الدلالة على التعريف الشرعي وهو لزوم المسجد لطاعة الله بقوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)؟
الشيخ: وجه الدلالة أن الله قال (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فجعل الحكم متعلقٌ بما يدع إذا عكفوا في المسجد وإذا انتفت الأحكام في اعتكافٍ ليس في المسجد فمعناه أنه ليس بشرعي لأن الاعتكاف الشرعي لا بد أن تترتب أحكامه عليه.
السائل: يا شيخ قيل إن الآية (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فإن كنتم عاكفون في غير المساجد فلكم أن تباشروهن؟
الشيخ: إذاً المباشرة تنافي الاعتكاف والدليل أن الله نهى عن ذلك (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ) وهذا مجمعٌ عليه أن الجماع يفسد الاعتكاف وإذا انتفت الأحكام الشرعية عن عمل دل على أنه ليس بشرعي فما دام أنه إذا صار الإنسان عاكفاً في بيته مثلاً يجوز أن يجامع زوجته ما صار اعتكاف إذ لو كان اعتكافاً شرعياً لترتبت أحكامه عليه.
السائل: بعض طلبة العلم خاصة في العشر الأواخر في مكة يفضل أن يسكن بجانب الحرم ويصلي الصلاة في الحرم يقول لأنه إذا اعتكفت تكثر الخلطة خاصةً في العشر الأواخر؟
الشيخ: لا بأس يعني يقول بعض الناس في المسجد الحرام لا يحب أن يعتكف لكثرة الفتن فأنا أقول هذا لا يعتكف قد يكون الاعتكاف في حقه محرماً إذا كان يخشى على نفسه الفتنة لأن بعض الناس ما يستطيع أن يجابه الأشياء هذه.
السائل: إذا اعتكف القاضي في المسجد هل يحكم بين الناس في المسجد؟
الشيخ: نعم يحكم في المسجد ولا بأس.
فصلٌ
القارئ: والمكاتب كالحر في الاعتكاف لأنه لا حق للسيد في نفعه ومن نصفه حرٌ إن لم يكن بينهما مهايأة فهو كالقِن لتعلق حق سيده بنفعه في زمن اعتكافه وإن كان بينهما مهايأةٌ فهو في زمن سيده كالقِن وفي زمن نفسه كالحر لعدم حق السيد فيه.
الشيخ: المبعض الذي بعضه حر وبعضه رقيق وهذه مختلفٌ في إمكانها هل تمكن أو لا؟ لكن الصحيح أنها ممكنة والمهايأة أن يقول لك يوم ولي يوم إذا كانوا أنصافاً لك يوم أنت حرٌ فيه ولي يوم وإذا كانوا أرباعاً للسيد ربعه فللسيد يوم من أربعة المهم أنه يقال إذا كان بينهما مهايأة فله أن يعتكف في الزمن الذي يملكه أي المبعض ولا يعتكف في الزمن الذي يملكه سيده إلا بإذن السيد.
فصلٌ
القارئ: ولا يصح إلا بنية لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) ولأنه عبادةٌ محضةٌ فأشبه الصوم وإن كان فرضاً لزمه نية الفرضية ليميزه عن التطوع كصوم الفرض وإن نوى الخروج منه ففيه وجهان أحدهما يبطل كما لو قطع نية الصوم والثاني لا يبطل لأنه قربةٌ تتعلق بمكان فلا يخرج منها بنية الخروج كالحج.
الشيخ: القياس الثاني ضعيف جداً والصواب أنه إذا نوى الخروج انقطع الاعتكاف إذا نوى الخروج بمعنى أنه نوى أن يبطله لا إذا نوى الخروج بلا موجب فإنه لا يبطل حتى يخرج والفرق إذا نوى الخروج أي قطع الاعتكاف انقطع ولو كان في المسجد وأما إذا نوى الخروج بغير سببٍ يقتضيه فإن الاعتكاف لا ينقطع حتى يخرج كالصائم إن نوى قطع الصوم فإنه ينقطع وإن نوى أن يأكل فإنه لا ينقطع حتى يأكل.
فصلٌ
القارئ: ويصح بغير صوم وعنه لا يصح إلا به لما روى ابن عمر أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال (اعتكف وصم) رواه أبو داود والمذهب الأول لما روي عن عمر أنه قال (يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلةً في المسجد الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوفِ بنذرك) متفقٌ عليه ولو كان الصوم شرطاً لم يصح في الليل منفردا ولأن كل عبادةٍ صح بعضها بغير صوم صح جميعها بغيره كالحج والأفضل الصوم ليجمع بين العبادتين ويخرج من الخلاف فعلى هذه الرواية يصح اعتكاف ليلةٍ وبعض يوم وعلى الأخرى لا يصح أقل من زمنٍ يصح فيه الصوم وإن نذر أن يعتكف بصوم لزمه لأنه صفة مقصودةٌ في الاعتكاف فلزم بالنذر كالتتابع.
الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء منهم من قال لا اعتكاف إلا بصوم ومنهم من قال يصح بلا صوم لأنهما عبادتان منفردتان كل واحدة منفردة عن الأخرى هذا من جهة التعليل ومن جهة الدليل حديث عمر أنه نذر أن يعتكف ليلة فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أوف بنذرك) وعمر لم يقل أن أعتكف وأصوم قال (أوف بنذرك) وهو لم ينذر إلا الإعتكاف وأما الجواب عن قوله (اعتكف وصم) إن صح الحديث فهذا على سبيل الاستحباب لكن قد ورد حديث بلفظٍ آخر (لا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) ولهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يصح الاعتكاف إلا بصوم بناءً على الحديث الذي ذكره المؤلف وعلى حديث (لا اعتكاف إلا بصوم).
الساائل: بعض الناس يبنون بيوتاً في الفضاء ويعتكفون فيها فإذا خرجوا يخبرون بأخبار الغيب يقولون يحصل كذا في وقت كذا ما حكم هؤلاء هل تجوز الصلاة خلف هؤلاء؟
الشيخ: لا تصح الصلاة خلفهم لأن الذي يدعي علم الغيب كافر وكل إنسان يدعي علم الغيب فهو كافر وإذا كان من أتى الكاهن فصدقه بما يدعي من علم الغيب فقد كفر بما أنزل على محمد والكاهن من باب أولى.
السائل: هل الصحيح أن كلاهما جائز أقصد الاعتكاف بصوم أو بغير صوم؟
الشيخ: نعم هو جائز لكن الاعتكاف المشروع الذي يطلب من الإنسان أن يفعله هو الاعتكاف في العشر الأواخر وهذا لا يمكن إلا بصوم وأما كون الرسول عليه الصلاة والسلام يعتكف في شوال لما ترك الاعتكاف في العشر الأواخر فهذا قضاءٌ لاعتكافٍ كان من المفروض أن يكون بصوم.
السائل: لو اعتكف ليلة واحدة من ليالي العشر فهل يكون هذا الاعتكاف مشروع وجائز أم جائز فقط؟
الشيخ: والله أنا في شك من كون الإنسان يقتصر على بعض العشر هل يكون هذا الاعتكاف مشروعاً أم لا؟ لأن الاعتكاف الذي حصل من النبي صلى الله عليه وسلم والذي سنَّه للأمة أن يعتكف جميع العشر تحرياً لليلة القدر.
فصلٌ
القارئ: ولا يصح من رجلٍ ولا امرأةٍ إلا في المسجد لقول الله تعالى (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ولا يصح من الرجل إلا في مسجدٍ تقام فيه الجماعة لأنها واجبةٌ عليه فلا يجوز تركها ولا كثرة الخروج الذي يمكن التحرز منه والأفضل أن يعتكف في الجامع لأن ثواب الجماعة فيه أكثر.
الشيخ: وظاهر كلام المؤلف بل صريحه أن الاعتكاف يجزيء في كل مسجد من مساجد الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها وأما ما روي عن حذيفة رضي الله عنه أنه أتى عبد الله بن مسعود وقال قومٌ عكوفٌ بين دارك ودار أبي موسى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) فقد قال له عبد الله بن مسعود لعلهم حفظوا ونسيت وأصابوا وأخطأت فعلل روايته رضي الله عنه بأمرين أمر حديثي وأمر حكمي الأمر الحديثي لعلهم حفظوا ونسيت والأمر الحكمي لعلهم أصابوا وأخطأت كيف ذلك؟ يعني على فرض أنك لم تنس ما حفظت يكون المراد بالنفي هنا نفي الكمال فيكونون هم مصيبين وحذيفة مخطئ وبهذا نعرف أنه لاوجه لمن تمسك بهذا الحديث وقال إنه لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ثم نقول كيف يقول الرب عز وجل (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) يخاطب به الأمة كلها ويأتي بصيغة منتهى الجموع ثم نقول لا يصح إلا في ثلاثة مساجد لا يتمكن منها إلا أقل من واحد بالألف من الأمة من عباد الله؟ هذا بعيد جداً وحمل النص على الأمر النادر دون الأمر الكثير هذا من معايب الاستدلال ولهذا قلنا فيمن قال في حديث عائشة (من مات وعليه صيامٌ صام عنه وليه) قلنا من حمله على النذر فقد أبعد الصواب لأن النذر باعتبار قضاء صوم رمضان نادر وقليل جداً فكيف يحمل على أمر قليل جداً ويترك ما هو الأكثر؟ هذا من الخطأ في الاستدلال فالصواب أن الاعتكاف جائزٌ في كل مسجد لكن لا شك أنه إذا كان في المساجد الثلاثة التي تقصد وتشد الرحال إليها لا شك أنه أفضل ولا أحد يعارض في ذلك حتى لو كان الإنسان في مكة وقال هل أعتكف في مسجدي أو أعتكف في المسجد الحرام؟ قلنا في المسجد الحرام إلا إذا ترتب على ذلك إنه يكثر خشوعه في مسجده وإقباله على الله عز وجل ويسلم من الضوضاء ومشاهدة من يكونون خطراً في مشاهدته إياهم فهنا نقول مسجدك أفضل يعني مثلاً واحد في مكة قال إذا اعتكفت في مسجد
الحي فهو أخشع لي وأكثر عبادة وأسلم من الفتن فهل أعتكف فيه أو في المسجد الحرام؟ نقول اعتكف فيه نقول بالأول لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى بالمراعاة من الفضيلة المتعلقة بزمانها أو مكانها.
القارئ: ويصح من المرأة في جميع المساجد لعدم وجوب الجماعة عليها.
الشيخ: المرأة لا تعتكف في بيتها لا بد أن تعتكف في المسجد أما الرجل فلا بد أن يكون المسجد الذي يعتكف فيه مما تقام فيه الجماعة والفرق بينه وبين المرأة أن المرأة لا تلزمها الجماعة فأي مسجد أعد للصلاة فيه وإن كانت لا تقام فيه الجماعة فلها أن تعتكف فيه أما الرجل فلا بد أن يكون في مسجدٍ تقام فيه الجماعة لأنه لو لم يكن كذلك للزم من اعتكافه إما ترك الجماعة وإما كثرة الترداد إلى المسجد الذي يُجمع فيه ثم إن هذه الاطلاقات من كلام العلماء في أن المرأة تعتكف نقول ما لم يلزم من ذلك محذور فإن لزم من ذلك محذور فلا تعتكف بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بنقض الأبنية التي بنتها زوجاته خوفاً من التفاخر فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام منع النساء من الاعتكاف بعد أن ضربن الأبنية خوفاً من التفاخر المذموم شرعاً فكذلك لو خيف من المرأة إذا اعتكفت في المسجد المحذور أن تفتتن هي أو يفتتن بها قلنا لا تعتكف وعلى هذا فإن في المسجد الحرام يوجد نساءٌ يعتكفن لكن يلزم من هذا أن المرأة تكون نائمة والرجال يمرون منها يميناً وشمالاً وربما إذا نامت تتكشف فيحصل من هذا محذور فيقال الحمد لله الاعتكاف سنة وإذا لزم منه محذور فإنه لا يسن.
القارئ: ومن نذر الاعتكاف في مسجدٍ بعينه جاز الاعتكاف في غيره لأن الله تعالى لم يعين لأداء الفرض موضعا فلم يتعين بالنذر إلا المساجد التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفقٌ عليه فإنها تتعين بالنذر فإن نذر الاعتكاف في المسجد الحرام لم يجزئه الإعتكاف في غيره لأنه أفضلها وإن نذره في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جاز أن يعتكف في المسجد الحرام لفضله عليه ولم يجز في المسجد الأقصى لأنه مفضول وإن نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى جاز له الاعتكاف فيهما لأنهما أفضل منه بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام) رواه مسلم، وفي "المسند" عن رجالٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال يوم الفتح يا نبي الله إني نذرت لأصلين في بيت المقدس فقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي بعث محمداً بالحق لو صليت ههنا لقضى عنك ذلك كل صلاةٍ في بيت المقدس).
الشيخ: تبين الآن أنه لا بد أن يكون الاعتكاف في مسجد واستدل المؤلف رحمه الله بقوله تعالى (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) وسبق بيان وجه الاستدلال وهل يشترط أن يكون أحد المساجد الثلاثة؟ قلنا لا يشترط وبينا ضعف الاستدلال بحديث حذيفة رضي الله عنه وأن ابن مسعود رضي الله عنه أعله بنسيان حذيفة أو خطئه ولكن هذه المساجد غير المساجد الثلاثة إذا كان من رجل فلا بد أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة كل وقت وإن كان من أنثى فإنه لا يشترط ذلك لعدم وجوب الجماعة عليها وظاهر كلام المؤلف أنه يصح أن تعتكف الأنثى في مصلاها في البيت لأنه لم يستثن ولكن الصحيح إن كان هذا مراد المؤلف فإنه لا يصح أن تعتكف في مصلى بيتها لأنه لا يسمى مسجداً ولعل المؤلف يخرج من ذلك فيقول إن مصلاها في بيتها ليس بمسجد وإن كان بعض الفقهاء استثنى مسجد بيتها لكن ليس بمسجد.
البحث الثالث هل المساجد سواء بالنسبة للرجل؟ نقول إن تخلل اعتكافه جمعة فالأفضل في مسجد الجامع لئلا يحتاج إلى الخروج إلى صلاة الجمعة أو ترك صلاة الجمعة لأنه إما أن يبقى في معتكفه فيترك صلاة الجمعة أو يخرج إلى الجمعة فيغادر معتكفه.
رابعاً إذا نذر الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة فهل يلزمه؟ ظاهر كلام المؤلف أنه لا يلزمه ولو تميز الذي نذر الاعتكاف فيه بميزة والصواب أنه إذا تميز بميزة فإنه يتعين ومعنى يتميز بميزة أي بفضيلة فإنه يتعين ولا يجوز أن يعتكف في غيره مثل أن يتميز بكثرة الجماعة فإن هذا أمرٌ مقصود للشرع كلما كانت الجماعة أكثر فهي أفضل أو يتميز بكونه أقدم لأن القدم ميزة وفضيلة لأن القديم كثرت فيه العبادة والتعبد لله عز وجل أو يتميز بكونه مسجد جامع فلا يتحول إلى مسجدٍ لا تقام فيه الجمعة لأن مسجد الجامع أفضل فالمهم أنه إذا نذر الاعتكاف في مسجدٍ سوى المساجد الثلاثة فإن لم يتميز بشيء أو انتقل عما لم يتميز إلى ما تميز فهذا لا بأس به وأما أن ينتقل من متميز إلى ما دونه فهذا لا يجوز.
البحث الخامس إذا نذر الاعتكاف في المساجد الثلاثة فالمساجد الثلاثة أفضلها المسجد الحرام ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى فإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه وإن عين المفضول أجزأ فيما فوقه فإذا نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى جاز أن يعتكف في المسجد النبوي وفي المسجد الحرام وإذا نذر في المسجد النبوي جاز في المسجد الحرام فقط وإذا نذر في المسجد الحرام لم يجز في غيره لأنه أفضل المساجد الثلاثة.
فصلٌ
القارئ: فإن عين بنذره زمناً تعين ولزمه أن يعتكف فيه لأن الله تعالى عين لعباده زمناً فتعين بالنذرفإن نذر اعتكاف العشر الأواخر لزمه دخول معتكفه قبل غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين ويخرج منه بعد غروب شمس الشهر لأن ذلك هو العشر تاماً كان الشهر أو ناقصا وعنه أنه يدخل معتكفه إذا صلى الصبح لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يصلي الصبح ثم يدخل معتكفه) متفقٌ عليه.
الشيخ: الصواب الأول أنه إذا نذر العشر فإنها تدخل بغروب الشمس يوم عشرين فيكون ليلة إحدى وعشرين موجوداً في المسجد لأن ليلة إحدى وعشرين هي إحدى الليالي التي يمكن أن تكون فيها ليلة القدر وأما حديث عائشة فجمع العلماء بينه وبين دخوله قبل غروب الشمس بأن هذا المعتكف الخاص الذي ينقطع به عن الناس مثل أن يكون قد تحجر حجرة في المسجد أو ما أشبه ذلك وهذا الجمع حسن لأنه لا شك أن العشر الأواخر تدخل بغروب الشمس ليلة إحدى وعشرين أي يوم عشرين.
السائل: إذا بُني المسجد ولكن لم تصل فيه الجماعة لاصلاحات هل يجوز فيه الاعتكاف؟
الشيخ: إذا بني المسجد ولكن لم يصل فيه بعد لانتظار بعض الاصلاحات فهل يصح فيه الاعتكاف؟ نقول يصح ولكن تبقى عندنا مسألة وهي صلاة الجماعة وإذا كانوا جماعة واعتكفوا فيه فلا بأس.
السائل: الانتقال من مسجد إلى ما يماثله بعد أن نذر أن يعتكف في الأول ما حكمه؟
الشيخ: الانتقال إلى ما يماثله لا بأس به لكن الأفضل ألا ينتقل لأنه ليس له خصوصية تتعلق بالاعتكاف ولا يتعين بالتعيين.
القارئ: وإن نذر عشر ليالٍ من الشهر فخرج الشهر ناقصا لزمه قضاء ليلةٍ عن العاشرة لأنه صرح بذلك.
الشيخ: كلام المؤلف هذا يقال في مناقشته إن الرجل عين عشراً من رمضان وهنا لم تكن عشراً من رمضان بل هي تسع ثم إن غالب الناس يرون العشر يعني ما بدأ من ليلة إحدى وعشرين سواء نقص الشهر أم كمل فالصواب أنه لا يلزمه القضاء لا سيما إن كان نذره في يوم عشرين مثلاً أما لو كان نذره قبل العشرين فيحتمل أن يقال إن هذا الرجل معه إمكانية أن يحتاط ويعتكف قبل أن تدخل العشرة الأخيرة.
القارئ: وإن نذر اعتكاف شهرٍ بعينه لزمه دخول معتكفه قبل غروب الشمس من أوله ويخرج منه بعد غروبها من آخره تاماً كان الشهر أو ناقصا لأن ذلك هو الشهر.
وإن نذر اعتكاف شهرٍ مطلقٍ خير بين اعتكاف ما بين هلالين وبين اعتكاف ثلاثين يوماً بالعدد لأن شهر العدد ثلاثون يوما ويلزمه التتابع لأن الشهر بإطلاقه ينصرف إلى التتابع لأن الشهر بإطلاقه ينصرف إلى التتابع فلزمه كما لو نذر يوما وفيه وجهٌ آخر لا يلزمه التتابع لأنه معنىً يصح فيه التفريق فلم يجب التتابع فيه بمطلق النذر كما لو نذر اعتكاف ثلاثين يوما ويدخل في نذره الليل والنهار لأن الشهر عبارةٌ عنهما وإن نذر اعتكاف ثلاثين يوماً لم يلزمه التتابع لأن الأيام المطلقة توجد بدون تتابع والنذر يقتضي ما تناوله لفظه وقال القاضي يلزمه التتابع لما ذكرنا في الشهر فعلى قوله تدخل الليالي في نذره وعلى الأول لا تدخل الليالي إلا أن ينويها أو يشترطها بلفظه لأن اليوم اسم لبياض النهار والتثنية والجمع تكرارٌ للواحد فإن شرط التتابع لزمه ودخل في نذره الليالي التي في خلل الأيام وكذلك لو نذر الليالي متتابعةً دخل في نذره الأيام التي في خللها لأن ذلك يدخل في خلل نذره المتتابع فلزمه كأيام العشر.
الشيخ: هذه المسألة لا بد فيها من توضيح إذا نذر شهراً معيناً لزمه التتابع ضرورة أن الشهر المعين متتابع فإذا قال لله عليّ نذرٌ أن أعتكف شهر شعبان لزمه التتابع وجه ذلك ضرورة أن الشهر المعين متتابع وإن نذر ثلاثين يوماً لم يلزمه التتابع وإن نذر شهراً وأطلق ففي ذلك تفصيل على القول الراجح خلافاً لما يفيده كلام المؤلف إن نذر شهراً مطلقاً قال لله عليّ نذرٌ أن أعتكف شهراً، نقول هل نويت أنه متتابع؟ إن قال نعم فعلى نيته وإن قال لا فينظر أيضاً هل شرط التتابع أم لا؟ إن كان شرط لزمه التتابع وإن كان لم يشترط ولم ينو لم يلزمه التتابع؟ لأن الشهر يطلق على الشهر المعين الذي هو متتابع ويطلق على ثلاثين يوماً فلا يلزمه، وأما الشهر المطلق فالصحيح أن الشهر المطلق لا يلزم فيه التتابع وهذا هو المشهور من المذهب ومثله لو نذر صوم شهر إن عين الشهر لزمه التتابع وإن قال شهراً ونوى متتابعاً أو قيده بالتتابع لزمه التتابع وإن قال شهراً وأطلق لم يلزمه التتابع.
القارئ: وإن نذر اعتكاف يومٍ لزمه دخول معتكفه قبل طلوع الفجر، ويخرج منه بعد مغيب الشمس ليستوفي اليوم يقينا ولا يجوز تفريق ذلك في ساعات لأن اليوم اسمٌ للكامل المتتابع فإن قال لله عليّ أن أعتكف أيام هذا الشهر أو لياليه أو شهراً بالليل أو بالنهار لزمه ما نذر ولم يدخل فيه ما سواه لأنه إنما يلزمه بلفظه فيجب ما يتناوله اللفظ، وإن نذر اعتكافاً معيناً متتابعاً ففاته لزمه قضاؤه متتابعا لأن التتابع صفةٌ فيه فلم يجز الإخلال بها في القضاء وإن لم يقل متتابعا ففيه وجهان أحدهما يلزمه التتابع لأن الأداء متتابعٌ فأشبه ما لو تلفظ بالتتابع والثاني لا يلزمه لأن التتابع في الأداء حصل ضرورة التعيين لا من نذره فلم يجب في القضاء كقضاء رمضان فإن لم يكن التتابع واجباً في الأداء لم يجب في القضاء بطريق الأولى.
الشيخ: هذه المسائل التي ذكرها رحمه الله في النذر الحقيقة أن وقوعها قد يكون نادراً أو وقوع بعضها قد يكون نادراً لكن العلماء رحمهم الله يذكرون المسائل التي يمكن أن تقع ولو بعيدة لما في ذلك من تمرين الطالب على استنتاج الأحكام ومعرفتها ولعل صورةً تظن أنها لا تقع أو بعيدةً أن تقع ولكن تقع.
السائل: أحسن الله إليك لو نذر أن يصوم شهراً هل يصوم تسعاً وعشرين أو ثلاثين؟
الشيخ: إذا نوى شهراً معيناً فعلى ما كان وإن قال شهراً ودخل من أول يوم من الشهر على أنه سيكمل هذا الشهر فهو على عدد الشهر سواء كان تسعاً وعشرين أم ثلاثين وأما إذا نوى شهراً ودخل من أثناء الشهر فيكمل ثلاثين.
السائل: أحسن الله إليكم المرأة إذا نذرت أن تعتكف العشر الأواخر من رمضان وحاضت في بعض الأيام ثم طهرت فإذا طهرت هل يلزمها إكمال ما بقي من أيام؟
الشيخ: يلزمها إكمال ما بقي مادامت باقية ويلزمها التتابع من رمضان وأما القضاء فلا وإذا كان النذر هذا قصدها أن تقيم اعتكاف التطوع فهو إذاً قضاء العشر الأواخر فات وقته لا يلزمها والصيام لا بد أن تقضيه.
فصلٌ
القارئ: ولا يجوز الخروج من المسجد إلا لما لا بد له منه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إليّ رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) متفقٌ عليه ولا خلاف في جواز الخروج لحاجة الإنسان وإن احتاج إلى مأكولٍ أو مشروبٍ وليس له من يأتيه به فله الخروج إليه لأنه مما لا بد له منه وإن حضرت الجمعة وهو في غير موضعها فله الخروج إليها لأنها واجبةٌ بأصل الشرع فلم يجز تركها بالاعتكاف كالوضوء وإن دعي إلى إقامة شهادةٍ تعينت عليه أو صلاة جنازةٍ تعينت عليه أو دفنها أو حملها فعليه الخروج لذلك لأن وجوبه آكد لكونه حق آدمي ولا يبطل اعتكافه بشئٍ من هذا ما لم يطل الزمان لأنه خروجٌ يسيرٌ مباحٌ فلم يبطل به الاعتكاف كحاجة الإنسان.
الشيخ: يقول المؤلف لا يجوز الخروج من المسجد إلا لما لا بد منه واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف يدني إلى عائشة رضي الله عنها رأسه فترجله وهو في المسجد وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان متفقٌ عليه ففي هذا الحديث دليل على أن المرأة يستخدمها الزوج بالمعروف لأن النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم عائشة في ترجيل رأسه وفيه أيضاً دليل على أنه إذا خرج بعض المعتكف لا يبطل اعتكافه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه إلى عائشة وهي في الحجرة وهو في المسجد وفيه أيضا جواز خروج المعتكف لحاجة الإنسان والحاجة إما لداخل وإما لخارج فحاجته للداخل كاحتياجه للأكل والشرب وتدفئة الجسم أو تخفيف الثياب إذا كانت حراً أو ما أشبه ذلك وحاجته للخارج كالبول أو الغائط يعني هذه حاجة بل شبه ضرورة وأما الريح إن قلنا يخرج فهذا خلاف ظاهر الحديث وإن قلنا لا يخرج لزم من هذا أن يحدث في المسجد بالريح لأن الإنسان المصاب بكثرة الرياح يكون مشقة حبس الريح مثل مشقة حبس البول أو الغائط فمن العلماء من يقول لا بأس بإخراج الريح في المسجد بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في منتظر الصلاة (إنه لا يزال في صلاة ما لم يحدث أو يخرج من المسجد) وعندي في هذا الاستدلال بهذا الحديث نظر لأن انقطاع كونه في صلاة بالريح يدل على أن هذا من باب العقوبة ولا عقوبة على جائز ثم إن إخراج الريح في المسجد مما تتأذى به الملائكة لأنه يتأذى به الإنسان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان) والصحيح أن إخراح الريح من الدبر في المسجد دائرٌ بين الكراهة والتحريم وأما الإباحة فلا وعلى هذا نقول اخرج من باب المسجد يعني حتى تزول الريح ثم ارجع وقوله رحمه الله إن حضرت الجمعة وهو في غير موضعها يعني وهو ممن تلزمه الجمعة فإنه يجب أن يخرج لها لأن هذا مما لا بد منه شرعاً فكما أنه يخرج لما لا بد منه حساً
فليخرج لما لا بد منه شرعاً وقولنا وهو من أهلها احترازاً مما إذا كان مريضاً يعذر في ترك الجمعة لمرضه فإنه لا يلزمه الحضور وكذلك احترازاً من المرأة إذا كانت معتكفة في المسجد فإنها لا تخرج إلى الجمعة لأنها ليست من أهلها وكذلك قول المؤلف رحمه الله إذا دعي لإقامة شهادة تعينت عليه أو حضور جنازة تعين عليه حضورها أو ما أشبه ذلك فهذا يجوز والخلاصة أنه إذا خرج لواجبٍ شرعي فخروجه جائز لكن تقييده ذلك بما إذا لم يطل الزمان فيه نظر والصواب أنه لا يبطل اعتكافه ولو طال الزمان ما دام خروجه بقدر الحاجة لأن دفن الجنازة وحملها ربما يستغرق وقتاً طويلاً فالصواب أن المسألة ليست مقدرة بطول الزمن وقربه بل بقدر الحاجة.
فصلٌ
القارئ: وإذا خرج لذلك فليس عليه العجلة في مشيه أكثر من عادته لأن ذلك يشق عليه ويجوز أن يسأل عن المريض أو غيره في طريقه ولا يعرج إليه ولا يقف لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة) متفقٌ عليه، ولأنه بالوقوف يترك اعتكافه وبالسؤال لا يتركه.
الشيخ: يسأل كثير من الناس إذا خرج لحاجة وكان يحب أن يسأل عن أهله لأنه مسافر فهل يقف ليكلمهم بالهاتف؟ الجواب: لا لأن عائشة تقول لا أسأل عن المريض إلا وأنا مارة والهاتف ربما يستغرق وقتاً إلا إذا كان بيده هاتف يسأل وهو خارج للحاجة لا بأس بل له أن يسأل ولو كان في وسط المسجد.
القارئ: وإن احتاج إلى قضاء الحاجة وثم سقايةٌ أقرب من منزله وأمكنه التنظيف فيها وهو مما لا يحتشم من دخولها ولا نقص عليه فيه لم يكن له المضي إلى منزله لأنه خروجٌ لغير حاجة.
الشيخ: السقاية كما نقول نحن حمامات يعني الإنسان بينه وبين بيته حمامات يستطيع أن يدخل الحمامات ويتوضأ وليس عليه في ذلك غضاضة فإنه لا يجوز أن يتعدى إلى بيته لأنه أمكنه أن يقتصر على قدر الحاجة ولو قيل ما دامت الحاجة حصلت وأبيح له الخروج فإنه لا بأس أن يذهب إلى بيته لأنه ربما تكون السقاية هذه مزحومة ولا يتيسر له أن يدخل فيها أما إذا كان ممن يحتشم عنها فمعلومٌ أنه يذهب إلى بيته ولا حرج.
القارئ: وإن كان له منزلان فليس له قصد الأبعد لذلك فإن خشي ضرراً أو نقصاً في مروءته أو انتظاراً طويلا فله قصد منزله وإن بعد فإن بذل له صديقٌ أو غيره الوضوء في منزله لم يلزمه لأنه يحتشم ويشق عليه.
الشيخ: عندي بالمخطوط وإن بذل له (صديقه) نسخة، فإذا كان الصديق يفرح أن يدخل بيته ليتوضأ منه فهنا نقول اذهب إلى بيته وتوضأ وتحصل على أجرين أجر القرب والثاني أجر إدخال السرور على الصديق لكن لو دخل على الصديق والصديق لما دخل صديقه إلى الحمام ذهب يأتي بالقهوة والشاي بسرعة ليشرب فهل يشرب؟
نقول لا يقف حتى وإن كان وهو واقف ليشرب لا يقف.
السائل: ألا ترون أنه من لازم نوم الصحابة في المسجد خروج الريح؟
الشيخ: الله المستعان، لكن هل ناموا ليحدثوا؟ لا فما دام ما ناموا لهذا الغرض وفرق بين الإنسان يملك حبسه وهو مستيقظ وبين إنسان نائم فالنائم مرفوع عنه القلم ولا يرد علينا هذا.
السائل: أحسن الله إليكم هل الأفضل لطالب العلم أن يعتكف في العشر الأواخر أم أن يتتبع الجلوس لحلقات العلم؟
الشيخ: أيهما أفضل طلب العلم أو الاعتكاف؟ طلب العلم لا شك أفضل لكن إذا كان العلم يدرك مثل شيخه موجود في البلد وإذا لم يدركه الآن يدركه فيما بعد فالاعتكاف أفضل لكن أحياناً يأتي مشايخ في المسجد هذا الذي يعتكفون فيه ما يحصلهم في غير هذ الوقت فهنا نقول إن طلب العلم أفضل.
السائل: إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم فعلا مجرد من الأمر فإنه لا يعدو كونه مستحبا وهنا استدل بحديث عائشة أنه كان صلى الله عليه وسلم يمد رأسه فترجله وترتب عليه هذه الأحكام أنه لا يخرج؟
الشيخ: نعم تقول لا يخرج إلا لحاجة الإنسان فامتناعه عن الخروج إلا لحاجة الإنسان يدل أن المعتكف لا يخرج ثم الآية (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) تقتضي الاعتكاف باللزوم وأصل الاعتكاف مأخوذ من اللزوم.
فصلٌ
القارئ: ولا يخرج لعيادة مريض ولا حضور جنازةٍ لم تتعين عليه وعنه أنه يشهد الجنازة ويعود المريض ولا يجلس ويقضي الحاجة ويعود إلى معتكفه لأن ذلك يروى عن عليٍ رضي الله عنه والأول أولى لقول عائشة رضي الله عنها (السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ولا يشهد جنازةً ولا يمس امرأةً ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه) رواه أبو داود، ولكن إن كان متطوعا فله ترك اعتكافه لفعل ذلك ثم يعود إلى الاعتكاف وإن كان واجباً لم يجز له تركه لما ليس بواجب.
الشيخ: ما ذكره رحمه الله صحيح أنه لا يخرج لمثل هذه العبادات لأن الاعتكاف سابقٌ عليها ومراعاته أولى وللحديث الذي ذكره حديث عائشة رضي الله عنها ولكن لو قال قائل إذا كان المريض قريباً له جداً وعيادته له من صلة الرحم وعدم العيادة قطيعة أو كان المريض أباه أو أمه فعيادتهما بر وترك العيادة عقوق فهل نقول له أن يخرج لأن هذا كالشهادة المتعينة عليه؟ الجواب نعم له أن يخرج لأن هذا كالشهادة المتعينة عليه ولأن بر الوالدين وصلة الأرحام من الواجب لكن كلام المؤلف رحمه الله في عيادة المريض أنها غير ذي حقٍ خاص فلا يخرج لأنه ليس متعين عليه.
السائل: الغرفة التي بداخل المسجد هل يجوز الاعتكاف فيها؟
الشيخ: هذه فيها احتمال من نظر إلى مطلق كلام الفقهاء قال إنها من المسجد لأنه يقول الحجرة والغرفة التي يحيط بها جدار المسجد من المسجد ومن نظر إلى أنها بنيت لا على أنها من المسجد وأنها حجرة للإمام فهي كبيوت الرسول عليه الصلاة والسلام فبيوت الرسول أبوابهن إلى المسجد ومع ذلك هو بيت ما يخرج الرسول عليه الصلاة والسلام إليه فالاحتياط أن المعتكف لا يكون فيها ولكن عرف الناس عندنا الآن أن الحجر التي في المساجد تعتبر من المسجد.
السائل: الآن الاعتكاف في الحرم بعض الناس عندما يخرج للإفطار توجد مطاعم أكلها جيد ولكن قد يستغرق ساعة من خروجه حتى رجوعه بعد إفطاره وبعضها يكون سريع فهل نقول بما أنه معتكف يأخذ فقط ما يسد حاجته؟
الشيخ: هو كذلك يعني لو كانت المطاعم راقية لكنها بعيدة من الحرم أو مزدحمة ومطاعم قريبة تكفي الحاجة نقول لا تذهب بعيداً ليس هذا هو بيتك.
السائل: أحسن الله إليك هل الخروج للاتيان بكتب العلم يعد مما يباح حال الاعكتاف؟
الشيخ: لا إلا إذا أشكلت عليه مسألة يعني دعت الحاجة إلى معرفتها فنعم.
القارئ: وإن شرط فعل ذلك في نذره فله فعله وكذلك إن شرط العشاء في أهله جاز لأنه يجب بعقده فكان الشرط فيه إليه كالوقف وإن شرط أنه متى مرض أو عرض له عارضٌ خرج جاز شرطه لذلك.
الشيخ: على كل حال هذا واضح أنه إذا شرط أنه متى مرض أو عجز عن إتمام الاعتكاف بأنه يخرج هذا جوازه ظاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم جوز مثل هذا الشرط فيما هو آكد من الاعتكاف وهو الإحرام فقد قال لضباعة بنت الزبير (حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني فإن لك على ربك ما استثنيتي) لكن كونه يشترط أن يتعشى في بيته أو يتغدى في بيته أو ينام في بيته في هذا نظر لأن هذا ليس له فيه مقصود شرعي اللهم إلا أن تطرأ حالات يكون الإنسان فيها خائفاً إن بقى في المسجد أو ينام في المسجد أو ما أشبه ذلك فهذا لكل حالةٍ لبوس أما في حال الأمن وكوني أشترط أن أتغدى في بيتي وأتعشى في بيتي فلا هذا ليس باعتكاف.
القارئ: وإن شرط الوطء في اعتكافه أو الفرجة أو النزهة أو البيع للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يصح شرطه لأن هذا ينافي الاعتكاف فلم يصح شرطه كتركه الإقامة في المسجد.
الشيخ: هذا معلوم ولأن الوطء يفسد الاعتكاف فإذا شرط أن يجامع مثلاً كأن يكون حديث عهدٍ بعرس واشترط في اعتكافه أن ينام مع أهله كل عشر رمضان ويجامع أين الاعتكاف هنا؟ على كل حال هذا لا يصح وخلاصة الكلام الآن أن خروج الإنسان من المعتكف ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول أن يخرج لما لا بد منه شرعاً أو حساً فهذا جائزٌ سواءٌ اشترطه أم لم يشترطه فإن اشترطه كان ذلك تأكيداً مثل الأكل والشرب والبول والغائط وشهادة تعينت وحضور جنازة تعينت وما أشبه ذلك.
الثاني ما يصح بشرط وهو ما فيه مقصود شرعي لكنه ليس بواجب مثل عيادة المريض وشهود الجنازة وزيارة القريب وما أشبه ذلك.
والقسم الثالث ما لا يصح لا بشرطٍ ولا بغيره وهو أن يشترط ما ينافي الاعتكاف فإن هذا لا يجوز.
السائل: لو شرط أن يشهد المباراة في الاعتكاف؟
الشيخ: لا يجوز هذا شرطٌ باطل، ينافي الاعتكاف فلا يصح هذا الشرط.
الساائل: قول المؤلف (كتركه الإقامة في المسجد) مامعنى هذه العبارة؟
الشيخ: كما لو دخل الاعتكاف وقال بشرط ألا أقيم في المسجد فأين الاعتكاف.
فصلٌ
القارئ: وإن خرج لما له منه بد بطل اعتكافه فإن كان ناسيا فقال القاضي لا يبطل لأنه فعل المنهي عنه في العبادة ناسياً فلم يبطلها كالأكل في الصوم وقال ابن عقيل يبطلها لأنه ترك الاعتكاف فاستوى عمده وسهوه كترك النية.
الشيخ: الأقرب في هذه المسألة قول القاضي رحمه الله لأنه فعل مفسداً ناسياً فالقاعدة أنه لا يفسد كما لو تكلم في الصلاة ناسياً أو أكل ناسياً في الصوم أو ما أشبه ذلك وكذلك لو كان جاهلاً وخرج يظن أنه لا بأس بالخروج فلا يبطل الاعتكاف.
القارئ: وحكم المكره حكم الناسي لأنه في معناه في العفو بالخبر الوارد فيهما.
الشيخ: ويتصور الإكراه فيما لو حصل في المسجد اشتعال نار أو ما أشبه ذلك أو خوف من المطر أن يسقط المسجد هذا مكره فإذا خرج ثم تبين أنه لا خطر ورجع فإن اعتكافه باقٍ.
القارئ: وإن خرج بعض جسده جاز (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه من المسجد وهو معتكف إلى عائشة فتغسله) متفقٌ عليه.
وله صعود سطح المسجد لأنه منه ولهذا منع الجنب من اللبث فيه وفي رحبة المسجد ما يدل على روايتين وجمع القاضي بينهما بحملهما على حالين فقال إن كان عليها حائطٌ وباب فهي كالمسجد لأنها معه تابعةٌ له وإن لم تكن محوطةً لم يثبت لها حكمه.
الشيخ: وهذا الذي قاله القاضي هو الصحيح يعني إذا كانت في الرحبة يعني الحوش الذي يكون أمام المسجد أو عن يمينه أو عن يساره أو خلفه إذا كان يشمله حائط المسجد فهو منه فلا يضر المعتكف لو خرج إليه وإن كان خارج المسجد لكنه جعل احتياطا إن كثر الجماعة صلوا فيه فهذا ليس من المسجد.
القارئ: وإن خرج إلى منارةٍ خارجةٍ من المسجد بطل اعتكافه لأنها ليست منه قال أبو الخطاب ويحتمل ألا يبطل لأن منارة المسجد كالمتصلة به.
الشيخ: وهذا لأن المنارة إذا كانت في المسجد فإنه لم يخرج من المسجد وإن كانت خارجةً عنه فقد خرج وتعليل أبي الخطاب تعليل عليل لأنها إذا كانت منفصلة عن المسجد فهي خارجةٌ منه والله تعالى قال (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) ولو قلنا إنه لا يضر لأنها تابع لقلنا أيضاً لا يضر لو خرج للحمامات حمامات المسجد لأنها تابعةٌ له، فالصواب ما ذكره المؤلف رحمه الله أنه إذا خرج إلى منارةٍ خارج المسجد فإنه يعتبر خارجاً من المسجد.
فصلٌ
القارئ: وإذا دعت الحاجة إلى ترك الاعتكاف لأمرٍ لا بد منه كحيض المرأة أو نفاسها أو وجوب الاعتداد عليها في منزلها أو لمرضٍ يتعذر معه الاعتكاف إلا بمشقةٍ شديدة أو لوقوع فتنةٍ يخاف منها على نفسه أو ماله أو منزله أو لعموم النفير والاحتياج إلى خروجه فله ترك الاعتكاف لأن هذا يسقط به الواجب بأصل الشرع وهو الجمعة والجماعة فغيره أولى وإذا زال العذر _ والاعتكاف تطوع _ فإن شاء رجع إليه وإن شاء لم يرجع لأنه لا يلزم بالشروع.
الشيخ: هذا واضح إذا خرج المعتكف وترك الاعتكاف لأمرٍ لا بد منه كحيض المرأة ونفاسها لأنها إذا حاضت أونفست لا يحل لها أن تبقى في المسجد وكما لو مات زوجها وهي معتكفة وجب عليها أن تخرج أو لمرضٍ يتعذر معه الاعتكاف إلا بمشقةٍ شديدة أو لوقوع فتنةٍ يخاف منها على نفسه أو ماله أو منزله أو لعموم النفير والاحتياج إلى خروجه فله ترك الاعتكاف وكل هذا فيما إذا كان واجباً أما إذا كان نفلاً فله أن يخرج ولو لغير سبب لأن كل نفلٍ شرع فيه الإنسان فهو جائز خروجه منه إلا الحج والعمرة وبناءً على هذا نقول إن كلام المؤلف محمولٌ على ما إذا كان الاعتكاف واجباً وهو المنذور لكن يختلف النفل عن المنذور بأن المنذور لا يخرج إلا للضرورة وإذا زالت الضرورة وجب عليه الرجوع ما دامت الأيام باقية وأما النفل فله أن يخرج لغير ضرورة وله أن لا يرجع إذا كانت ضرورة وانتهت.
القارئ: وإن كان منذورا لم يخل من ثلاثة أحوال:
أحدها أن يكون نَذَر أياما معلومةً مطلقة فعليه إتمام باقيها حسب لأنه يأتي بالمنذور على وجهه الثاني نذر أياماً متتابعة غير معينة فهو مخيرٌ بين البناء والقضاء وكفارة يمين وبين أن يبتدئها ولا كفارة عليه.
الثالث نذر مدةً معينةً فعليه قضاء ما ترك وكفارة يمين لتركه فعل المنذور في وقته إلا في الحيض والنفاس فإنه لا كفارة في الخروج له لأنه خروجٌ لعذرٍ معتادٍ فأشبه الخروج لحاجة الإنسان وذكر القاضي أن كل خروجٍ لواجب كالشهادة المتعينة والنفير العام وقضاء العدة فلا كفارة فيه لأنه خروجٌ واجب أشبه الخروج للحيض وذكر أبو الخطاب روايةً تدل على أن كل من ترك المنذور لعذر لا كفارة عليه قياساً على خروج الحائض من الاعتكاف
الشيخ: ذكر المؤلف رحمه الله أن الاعتكاف المنذور لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى أن يكون نذر أياماً معلومةً مطلقة مثل أن يقول لله عليّ نذر أن أعتكف عشرة أيام فقط ولم يذكر متتابعة ولا غير متتابعة فهنا إذا خرج لعذر ثم زال العذر فإنه يكملها لأنه لا يشترط فيها التتابع.
والثانية إذا نذر أياماً متتابعة لكن لم يعين وقتها فهذا يخير بين أن يتم وعليه كفارة يمين وبين أن يبتديء ولا كفارة عليه ووجه ذلك أنه إذا أتم فقد أخل بالتتابع والإخلال بالتتابع تجب فيه كفارة يمين وإذا استأنف فقد أتى بها على الوجه المنذور ولم يفت شئٌ من نذره.
الحال الثالثة أن ينذرها أياماً متتابعة في وقتٍ معين كأن يقول لله عليّ نذر أن أعتكف عشرة أيام في العشر الأواخر من رمضان فهنا حددها فإذا انقطعت بعذر فإنه يجب عليه أن يقضيها متتابعة لأنه نذرها متتابعة وعليه الكفارة لفوات الوقت وهذه أشدها.
السائل: أحسن الله إليك الرجل إن نذر نذراً متتابعاً يعني اعتكافاً ثم أمره والداه أو أحدهما بأمرٍ لا بد لها هل يلزمه الخروج أم يكمل؟
الشيخ: إذا كان هناك ضرورة بمعنى أنه لو لم يُجِب لتضررا بذلك أو هلكا وجب عليه الخروج وإن كان أمراً معتاداً فلا يجب فإذا كانت الأيام التي نذرها معينة فحينئذٍ يجب عليه أن يعتكف متتابعاً ويكفر لخروجه عن الوقت وهذا كما يكون في الاعتكاف يكون في الصيام إذا نذر صيام أيامٍ مطلقة وأفطر يوماً منها لعذر أو لغير عذر فإنه يكمل مثل أن يقول لله عليّ نذر أن أصوم عشرة أيام فقط ثم أفطر يوماً الأيام نقول كمل ولا عليك لأن هذه أيام مطلقة وحصلت منك والثاني نذر صيام عشرة أيام متتابعة ثم أفطر لغير عذر فهنا نقول له استأنف ولا كفارة عليك لأنه لم يعينها بوقت وأما إن عينها بوقت فهذا يلزمه أن يستأنف ويتابع وعليه كفارة يمين لفوات الوقت.
السائل: سطح المسجد إذا بني عليه مسكن هل تزول تبعيته للمسجد أم أنه يقال بالمنع من بناء المساكن فوقه كما قال بعضهم لأنه تابع للمسجد ولا يصح لبث الجنب والحائض فيه؟
الشيخ: لا يجوز أن يبنى فوق المسجد بناء للسكنى لأن الهواء تابعٌ للقرار لكن لو أن شخصاً عمر عمارة ثم جعل أسفلها مسجداً فأعلاها ليس بمسجد ولا يمكن أن يعتكف فيها بناءً على أنها فوق المسجد.
السائل: شخص اعتكف نفلاً ثم خرج لغير عذر هل يرجع ويجدد النية أم يواصل؟
الشيخ: لغير عذر بطل الأول وما يمكن أن يكمل عليه إذا كان لعذر لا بأس أن يرجع بنيته الأولى.
فصلٌ
القارئ: ويحرم على المعتكف الوطء لقول الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فإن وطيء فسد اعتكافه لأن الوطء إذا حرم في العبادة أفسدها كالصوم والحج والعامد والساهي سواء لأن الجماع في العبادة يستوي عمده وسهوه بدليل الحج والصوم ولا كفارة عليه نص عليه وعنه عليه الكفارة لأنها عبادةٌ يفسدها الوطء فوجبت به الكفارة كالحج والأول المذهب لأنها عبادةٌ لا تجب بأصل الشرع ولا تلزم بالشروع فلا يجب بإفسادها كفارة كصوم غير رمضان وهذا ينقض القياس الأول.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله إن المعتكف يحرم عليه أن يطأ دليله قول الله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) والمباشرة هي الجماع فإن جامع فسد اعتكافه لأنه ارتكب منهياً عنه في العبادة بخصوصه فأفسدها كما لو أكل في الصوم أو تكلم في الصلاة.
والعبادة إذا فعل منهياً عنه فيها بخصوصه فإنها تفسد به يقول المؤلف والعامد والساهي سواء لأن الجماع يستوي عمده وسهوه بدليل الحج والصوم هذا حكمٌ وقياس لكنه قياس غير مسلم لأن الأصل الذي بُني عليه غير مسلم والقول الراجح في هذه المسألة أن جميع المحظورات في العبادة إذا فعلت سهواً أو جهلاً أو إكراهاً فإنها لا تضر العبادة في شئ ولا تبطل وبناءً على ذلك نقول للمؤلف إننا لا نسلم لك الأصل الذي قست عليه وما الدليل على أن هذا المحظور يستوي فيه العمد والسهو والجهل والعلم فالصواب أنه إذا جامع ناسياً لم يفسد اعتكافه ولكن هذا قد يكون من أندر النادر لأنه لن يجامع في المسجد إنما يتصور الجماع فيما لو خرج إلى حاجة ثم نسي وجامع زوجته وهذا أيضاً بعيد لأن المتلبس بالاعتكاف سيكون ذاكراً له فالنسيان بعيد والجهل أيضاً قد يكون بعيداً لكنه أقرب من النسيان والصواب أنه لا شئ عليه في الحالين، ومثل ذلك الإكراه فلو أن امرأةً كانت معتكفة وخرجت لما لا بد لها فيه من الخروج وجامعها زوجها مكرهة فإن اعتكافها لا يبطل لعموم الأدلة الدالة على رفع حكم الإكراه فيمن أكره على شئ على فعل محرم وأما قولهم إن عليه الكفارة بالجماع فيه فهذا ليس بصواب والكفارات لا قياس فيها ولذلك نقول إن الصائم إذا تعمد الفطر فلا كفارة عليه مع أنه لو تعمد الفطر بالجماع فعليه كفارة وذلك لأن الكفارات ليس فيها قياس ولا يمكن أن يكون الجماع في الصوم أو في الحج مساوياً للجماع في الاعتكاف حتى نقول لا بد أن يلحق بهم ثم بأي شيءٍ تلحقه؟ أتلحقه بكفارة الجماع في الحج فتوجب بدنة؟ أم بالجماع في
الصوم فتوجب عتق رقبة أم ماذا؟ فالصواب أنه لا كفارة عليه حتى لو تعمد فإنه يكون آثماً لارتكابه النهي ويفسد اعتكافه وليست عليه كفارة.
القارئ: واختلف موجبوا الكفارة فيها فقال القاضي هي ككفارة الوطء في رمضان قياساً لها عليها وعن أبي بكر هي كفارة يمين لأنها كفارة نذرٍ فكانت كفارة يمين كسائر كفاراته وأما المباشرة فيما دون الفرج فإن كانت لغير شهوةٍ فهي مباحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدني رأسه إلى عائشة فترجله وهو معتكف وإن كانت لشهوةٍ فهي محرمة لقول عائشة (السنة للمعتكف ألا يمس امرأةً ولا يباشرها).
الشيخ: قولها (السنة ألا يمس) ليس المراد بالسنة هنا ما يقابل الواجب بل المراد السنة الواجبة لأن المراد الطريقة والسنة تطلق على الطريقة ولو كانت واجبة ومنه قول أنس رضي الله عنه (من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم).
القارئ: فإن فعل فأنزل أفسد اعتكافه وإلا فلا كقولنا في الصوم.
وإن شرب مسكراً أو ارتد فسد اعتكافه لأنه خرج بذلك عن أن يكون من أهل المسجد فصار كالخارج منه وكل موضعٍ فسد اعتكافه التطوع فلا قضاء عليه ولا غيره لأنه لا يلزم بالشروع فهو كصوم النفل وإن كان نذراً متتابعاً بطل ما مضى منه واستأنف لأن التتابع وصفٌ في الاعتكاف أمكن أن يأتي به فلزمه كعدة الأيام وإن كان نذره مدةً معينةً ففيه وجهان أحدهما يبطل ما مضى ويستأنف لأنه اعتكافٌ متتابعٌ فأشبه المقيد بالتتابع لفظا والثاني لا يبطل الماضي لأن التتابع حصل ضرورة التعيين والتعيين مصرحٌ به في النذر فالمحافظة على المصرح به أولى فعلى هذا يقضي ما أفسده ويتم كما لو أفسده لعذر وعليه كفارةٌ في الوجهين جميعا.
الشيخ: هذا في المدة المعينة وهي القسم الثالث مما سبق مدة معينة قال لله عليّ نذر أن أعتكف ما بين أول يوم والعاشر عشرة أيام هذا عينه فلزمه التتابع.
السائل: أحسن الله إليك من نذر نذراً كنذر صلاةٍ أو اعتكافٍ أو صوم وعين المدة وعين الوقت الذي سيصوم فيه أو يصلي فتركه عمداً فهل نقول هو كترك صلاةٍ فلا يفعله وعليه إثم؟
الشيخ: لا هذا واجب بأصل الشرع حدده الشرع أما هذا فهو الذي حدده بنفسه.
السائل: إذا كفَّر ألا يسقط عنه النذر في حال نذر التتابع ولم يفعل التتابع؟
الشيخ: لا التكفير هنا عن فوات الأيام حيث صامها في غير محلها أو اعتكفها في غير محلها إن كان اعتكافاً لأنه نذر لله أيامٍ متتابعة إما بلفظه وإما بضرورة المدة وإذا كان في مدة معينة وأفسد الصوم أو الاعتكاف نقول يستأنف ما دام متتابعاً يستأنف ويكفر لأن بعض المنذور وقع خارج المدة المعينة كما لو لم يعتكف في المدة المعينة أو لم يصم في المدة المعينة مطلقا فترك الجزء كترك الكل.
فصلٌ
القارئ: وليس للمعتكف بيعٌ ولا شراء إلا لما لا بد منه كالطعام ونحوه ولا يتكسب بالصنعة لأن الاعتكاف لزوم طاعة الله وعبادته في المسجد والتجارة فيه تنافيه فإن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن البيع والشراء في المسجد) وهو حديثٌ حسن.
الشيخ: لو فرض أن المعتكف حلاق يحلق بالأجرة وجاءه أناس فحلقهم في المسجد فهذا لا يجوز ويبطل اعتكافه لأنه فعل ما ينافي الاعتكاف إلا أن يقول لهم أنا سأحلقكم تبرعاً فهذا لا بأس ولا يبطل الاعتكاف إلا أنه يجب عليه ألا يؤذي المسجد بالشعور التي تتساقط من الحلق ومثله لو كان خياطاٌ وأتى إليه إنسان وقال هذا ثوبي قد انشق خطه فقال لا بأس ثم لما تمت الخياطة قال أعطني الأجرة فهذا نقول حرامٌ عليه ويبطل الاعتكاف أما لو خاطه تبرعاً وصدقة وإحساناً فلا بأس.
السائل: البيع والشراء هل يمنع منه؟
الشيخ: كذلك يبطل ويحرم البيع والشراء في المسجد ويبطل الاعتكاف.
القارئ: فإن خرج ترك اعتكافه ولا يخيط في المسجد ولا يعمل صنعة سواءٌ كان محتاجاً إلى ذلك أو لم يكن لأن المسجد لم يبن لذلك قال أحمد رضي الله عنه في المعتكف يخيط لا ينبغي له أن يعتكف إذا كان يريد أن يعمل وإن فعل شيئاً من ذلك في المسجد لم يفسد اعتكافه لأنه لا ينافيه.
الشيخ: فعلُه بدون أجرة لا بأس به لأنه لا ينافي الاعتكاف.
فصلٌ
القارئ: وليس له أن يبول في المسجد في إناء لأن هذا يقبح ويفحش فوجب صيانة المسجد عنه كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله.
الشيخ: المسألة الأولى فيها نظر يعني لو فرض أن الإنسان له حجرة في المسجد واحتاج إلى البول ويشق عليه أن يخرج من المسجد إلى موضع البول وكان عنده إناء فبال فيه فهنا لم يلوث المسجد بشئ ولا ضرر على المسجد فيه وهو أيضاً قد يكون محتاجاً لذلك أو غير محتاج المهم أن قول المؤلف فيه نظر أما قول المؤلف رحمه الله يقبح ويفحش فهذا صحيح إذا أراد أن يبول أمام الناس أو في مكان مصلاهم فهو قبيح لا شك أما إذا كان في حجرة في المسجد والحجرة قلنا إنها إذا كانت قد أحاط بها المسجد فهي منه ففيه نظر وأما قوله كما لو أراد أن يبول في أرضه ثم يغسله فهذا قياسٌ مع الفارق لأنه إذا بال في أرضه فقد لوث المسجد ولا يناسب لا عقلاً ولا شرعاً أن يلطخ المسجد بالنجاسة ثم يذهب يغسلها.
القارئ: وإن أراد الفصد أو الحجامة أو القيئ فيه فهو كذلك لأنه إراقة نجاسةٍ فهو كالبول وإن دعت إلى ذلك ضرورةٌ خرج من المسجد ففعله كما يخرج لحاجة الإنسان وإن استغنى عنه فليس له فعله وللمستحاضة الاعتكاف وتحترز بما يمنع تلويث المسجد لما روت عائشة رضي الله عنها قالت (اعتكفَتْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد امرأةٌ من نسائه فكانت ترى الحمرة والصفرة وربما وضعت الطشت تحتها وهي تصلي) أخرجه البخاري ولأن هذا لا يمنع الصلاة فلم يمنع الاعتكاف بخلاف ما قبله.
فصلٌ
القارئ: ويجوز للمعتكف الأكل في المسجد ويضع سفرةً أو غيرها يسقط عليها ما يقع منه كيلا يتلوث المسجد ويغسل يده في طشتٍ ليُفرغ خارج المسجد ولا يجوز له الخروج لغسل يده لأنه خروجٌ لما له منه بد وله أن يتنظف ويرجل شعره ويغسله (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وهو معتكف)، وله أن يتطيب ويلبس رفيع الثياب لأن هذه عبادةٌ لا تحرم اللبس فلا تحرم ذلك كالصوم وله أن يتزوج ويشهد النكاح لذلك وله أن يحدث غيره ويأمر بحاجته.
الشيخ: هل له أن يتزوج وهو معتكف؟ نعم لأن هذا لا ينافي الاعتكاف وعقد النكاح من الأمور المطلوبة وهذا ربما يحتاج إليه الإنسان مثل أن يكون ولي المرأة يريد أن يسافر من البلد وصادف أن الخاطب معتكف فهنا يمكن أن يزوجه وهو في المسجد وإلا فالغالب أن الحاجة لا تدعو لذلك.
السائل: إذا وضع في ركن المسجد غرفة ولكن بابها ليس إلى المسجد وهم اتخذوها على أنها ليست من المسجد فهل تدخل فيه وهي أصلاً من أرض المسجد؟
الشيخ: تكون من المسجد وعلى ذلك يمنع من الشراء ونحو ذلك إلا إذا كان من الأصل لما خططوا المسجد أخرجوا هذا الجانب منه لأن يكون دكاناً مثلاً.
السائل: هل يجوز أن يخرج لغسل اليد؟
الشيخ: المؤلف يقول لا يجوز لأن له من ذلك بداً ولكن قد يقال في بعض الأحيان لا بد له من ذلك مثل أن يأكل طعاماً كثيرَ الدسم فهذا لا بد أن يخرج وقد لا يكون عنده مناديل والمناديل أيضاً لا تنقي تمام الانقاء.
السائل: هل يستطيع أن يوكل بالبيع والشراء؟
الشيخ: نعم يصح.
القارئ: لما روت صفية رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي ليقلبني) متفقٌ عليه.
الشيخ: في هذا دليل على حسن خلق النبي عليه الصلاة والسلام مع أهله وقد قال هو صلوات الله وسلامه عليه (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وفيه دليل على جواز تحدث المعتكف مع أهله لما في ذلك من الإيناس وإدخال السرور عليهم وفيه مشروعية القيام مع المغادر ليقلبه تكريماً له ومن ذلك ما يفعله بعض الناس حيث يقوم مع من خرج إلى الباب ويفتحه له.
فصل
القارئ: ويستحب له التشاغل بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن واجتناب ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال فإن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش والاكثار من الكلام فإن ذلك مكروهٌ في غير الاعتكاف ففي الاعتكاف الذي هو استشعارٌ بطاعة الله تعالى ولزوم عبادته وبيته أولى ولا يبطل الاعتكاف بشئٍ من ذلك لأنه لما لم يبطل بمباح الكلام لم يبطل بمحرمه كالصوم.
الشيخ: ولأن التحريم هنا ليس خاصاً بالاعتكاف فتحريم السباب والشتم واللعن والقذف وما أشبه محرم في الاعتكاف وغيره والقاعدة أن المحرم في نفس العبادة هو الذي يبطله وأما المحرم في خارجها فلا يبطله.
فصلٌ
القارئ: فأما التزام الصمت فليس من شريعة الإسلام لما روى قيس بن مسلم قال دخل أبو بكرٍ الصديق على امرأةٍ من أحمس فرآها لا تتكلم فقال ما لها لا تتكلم؟ فقالوا حجت مصمتةً.
الشيخ: يعني أنها حجت وصمتت منذ أن بدأت بالحج.
القارئ: فقال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية فتكلمت) رواه البخاري، وعن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا صُمات يوم إلى الليل) رواه أبو داود فإن نذر ذلك فهو كنذر المعاصي على ما سيأتي.
الشيخ: إذا قال قائل أليس النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فأمر بالصمت إلا لمن يقول الخير؟ فالجواب أن نقول إنه مأمورٌ بأن يقول الخير والخير في الكلام إما أن يكون لذات الكلام كالذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم والدعوة إلى الله وما أشبه ذلك وإما أن يكون خيراً لغيره أي لما يقصد به من إيناس الجليس وإدخال السرور عليه وغير ذلك فهذا خير وإن كان في نفسه ليس خيراً ولكنه لما قصد به الخير وهو في نفسه غير محرم صار من الخير فقول النبي صلى الله عليه وسلم (فليقل خيراً) يشمل ما هو خير في نفسه كذكر الله تعالى ويشمل ما هو خير من أجل الإصلاح بين الناس فإذا كان الأمر كذلك فلا داعي للصمت فكون الإنسان يصمت تعبداً لله نقول هذا بدعة وهذا من صنيع الجاهلية والعياذ بالله تأتي إليه وتقول يا فلان هل ترغب كذا؟ وهو ساكت يا فلان تحب نخرج ننظر إلى الأمطار والأودية؟ وهو ساكت هل هذا من الشريعة في شئ؟ أبداً لكن قد يقول إذا أفطر مثلاً إذا كان صائماً أو إذا كان حاجاً وتحلل قد يقول إني صمت لئلا أقول شراً فأنا أقول إنك صمت عن قول خير لأن الرد على أخيك المسلم من الخير لا شك.
القارئ: قال ابن عقيل ولا يجوز جعل القرآن بدلاً من الكلام لأنه استعمالٌ له في غير ما هو له فهو كتوسد المصحف وقد جاء (لا يناظر بكتاب الله) أي لا يتكلم به عند الشئ تراه كأن ترى رجلاً جاء في وقته فتقول (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) وذكر أبو عبيدٍ نحواً من هذا.
الشيخ: هذا الذي ذكره ابن عقيل حق لا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً عن الكلام فإذا أراد أن يقول لابنه اذهب اشتر لنا خبزاً قال (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) وما أشبه ذلك ورأيت قصةً عجيبة في جواهر الأدب قديماً لما كنا صغاراً تقريباً صفحة ونصف امرأة عابدة يكلمها رجل كلما كلمها جاءت بآية من القرآن فسأل أولادها لماذا؟ قالوا هذه أمنا لها كذا وكذا من السنوات لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيغضب عليها الرحمن نقول هذا الزلل بعينه لكن الجهل وأما قوله (ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) فلا يصح أن تجعل لأن المخاطب بها هنا موسى وأي إنسانٍ يقال له موسى ولو فرض أن الرجل اسمه موسى جاء هذا الرجل مصادفة أو مواعدة فقالها لا بأس كما استشهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين (جاء الحسن والحسين يعثران بلباسٍ لهما فنزل من المنبر وأخذهما وقال صدق الله (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ففرق بين من يستشهد بالشئ على نظيره ومن يجعل هذا بدلاً عن هذا فالمستشهد بالقرآن على نظيره هذا لا بأس به وأما من يجعل القرآن بدلاً عن الكلام فهذا لا يجوز.
السائل: أحسن الله إليك صفية لما قام الرسول صلى الله عليه وسلم يقلبها إلى البيت هل فيه دليل على جواز الخروج لغير ضرورة؟
الشيخ: لا ليس فيه دليل لأن الرسول قلب امرأة خرجت متأخرة في الليل فرأى أنه لا بد من الخروج وقد تكون هذه حال خاصة لأن بعض النساء ما تستطيع أن تخرج في الليل اطلاقاً.
السائل: ما حكم المباشرة في الاعتكاف بدون إنزال ولا جماع؟
الشيخ: المباشرة بدون إنزال وبدون شهوة لا بأس بها.
السائل: ما وجه التفريق بين المباشرة يعني غير الجماع وغيرها من المفسدات كالبيع والشراء مع أنها في حديثٍ واحد وهو حديث عائشة؟
الشيخ: المباشرة التي ليس فيها إنزال لا تفسد الاعتكاف كما هو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع عائشة حتى بشهوة لا تفسد كالصائم.
السائل: أليس النظر إلى السماء في الصلاة محرم يا شيخ والقاعدة التي ذكرناها قبل قليل وهي أن الفعل المحرم في العبادة يبطلها هل تستقيم؟
الشيخ: هذا قال به بعض العلماء إذا رفع نظره إلى السماء تبطل صلاته وهذا هو مقتضى القاعدة لكن جمهور العلماء على أنها لا تفسد وكأنهم قالوا إن هذا من باب ترك الخشوع والخشوع ليس بواجب لكن القول بأن صلاته تبطل قولٌ قوي لا شك (لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اشتد غضبه في ذلك حتى قال لينتهن أو لتخطفن أبصارهم).
فصلٌ
القارئ: وأما إقراء القرآن وتدريس العلم ومناظرة الفقهاء ومذاكرتهم وكتابة العلم فحكي فيه روايتان إحداهما يستحب اختارها أبو الخطاب لأن ذلك أفضل العبادات لتعدي نفعه ويمكن فعله في المسجد فكان مستحباً له كالصلاة والثانية لا يستحب وهو ظاهر المذهب لأن الاعتكاف عبادةٌ شرط لها المسجد فلم يستحب ذلك فيها كالطواف والصلاة وعلى هذه الرواية فعله لهذه الأمور أفضل من اعتكافه الشاغل عنها قال المروذي قلت لأبي عبد الله إن رجلاً يقريء في المسجد يريد أن يعتكف لعله أن يختم في كل يوم؟ فقال إذا فعل هذا كان لنفسه وإذا قعد في المسجد كان له ولغيره يقريء أحب إليَّ.
الشيخ: هل المعتكف الأفضل أن يقتصر على قراءة القرآن والذكر والعبادة أو أن يعلم العلم ويناظر ويذاكر؟ فيها قولان لكن إذا دار الأمر بين أن يعتكف إذا قلنا بأن الأفضل أن يقرأ القرآن ولا يناظر ولا يعلم ولا يتعلم فهل الأفضل أن يدع الاعتكاف لهذه الأمور أو أن يعتكف ويدع هذه الأمور؟ الثاني أفضل ولا شك لأن تعليم العلم أفضل من الاعتكاف اللهم إلا أن يريد إحياء سنة مثل أن يكون هذا البلد لا يعرف أهله الاعتكاف ولا يثق بعضهم ببعض فلو اعتكف عاميٌ لم يثق به الناس ولم يجعلوه أسوة وهذا طالب علم أراد أن يحيي هذه السنة فأنا أقول لهذا الأفضل أن تعتكف وذلك لأن اقتداء الناس بالفعل أقوى من اقتدائهم بالقول وإلا فمن الممكن أن طالب العلم يقول للناس اعتكفوا فإن الاعتكاف سنة لكن الناس يقتدون بالفعل أكثر مما يقتدون بالقول والخلاصة أنه إذا دار الأمر بين أن يشتغل المعتكف بقراءة القرآن والذكر والعبادات خاصة وينشغل عن العلم والتعليم والمناظرة والمذاكرة أو يشتغل بالثاني دون الأول فالانشغال بالثاني دون الأول أفضل اللهم إلا أن يكون هناك سببٌ خاص يقتضي الأول.
فصلٌ
القارئ: ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان استحب أن يبيت ليلة الفطر في معتكفه ثم يخرج إلى المصْلى في ثياب اعتكافه لأن أبا قلابة وأبا بكر بن عبد الرحمن وأبا مجلزٍ والمطلب بن حنطب وابراهيم النخعي كانوا يستحبون ذلك ولأنها ليلةٌ تتلو العشر ورد الشرع بالترغيب في قيامها والعبادة فيها فأشبهت ليالي العشر والله سبحانه وتعالى أعلم.
الشيخ: هذا الفصل تضمن مسألتين:
المسألة الأولى هل يستحب أن يبقى ليلة العيد في معتكفه ولا يخرج إلا إلى مصلى العيد؟
والمسألة الثانية هل يخرج إلى العيد متجملاً متطيباً أو في ثياب اعتكافه؟
أما المسألة الأولى فلا دليل عليها إلا هذه الآثار التي ذكرها والآثار عن التابعين ليست بحجة وبناءً على ذلك لو قال إنسان هل الأفضل أن أبقى ليلة العيد في المسجد وهو معتكف أو أن أذهب إلى أهلي في تلك الليلة أستأنس بهم ويستأنسون بي؟ قلنا الثاني أفضل لأنه ليس هناك دليل على استحباب البقاء ليلة العيد.
وأما المسألة الثانية وهي أن يخرج في ثياب اعتكافه فهذا أبعد من الأول يعني القول باستحبابه أبعد من الأول لأن العيد يسن فيه بالتجمل وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يتجمل يوم العيد لأنه يوم فرح وسرور ثم إنه إذا خرج في ثوب اعتكافه ربما يكون في قلبه رياء يشير إليه الناس يقولون هذا فلان معتكف خرج بثيابه الرثة ثياب البذلة ولا شك أن ما يخشى منه أن يقع الإنسان في مفسدة فإن اجتنابه هو المصلحة والصواب أنه يخرج حتى ولو بقي في المسجد لو فرضنا أن الرجل غريب في البلد ليس له أحد وبقي في المسجد تلك الليلة نقول اخرج متجملاً ومن العجب أن بعض العلماء قاس هذه المسألة على دم الشهيد قال إن الشهيد يدفن بثيابه بدمه لأن هذا أثر عبادة فيبقى في قبره على ما مات عليه ولكن يقال أولاً لا قياس في مثل هذه الأمور لأن الشرع إذا فرق بين شيئين وجد السبب في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يقسه ولم يفعله فإنه يجب أن تفرد كل مسألة بحكمها ثم إن الشهيد قد توفي ولا حاجة أن نخلع ثيابه ثم نغسلها وبقاء دمه عليه أحسن أما المعتكف فهو حيٌ مأمورٌ بأن يتجمل كما يتجمل الناس ولوقلنا إن آثار العبادة ينبغي أن تبقى لقلنا إن المحرم أيضاً إذا حل التحلل الأول ينبغي أن تبقى ثياب الإحرام عليه حتى ينتهي الحج ولا قائل بذلك.
السائل: أحسن الله إليك طالب علمٍ اعتكف وافتتح بمدينةٍ أخرى معرض للكتاب وأراد أن يذهب ليشتري ولو لم يخرج يخاف أن يغلق المعرض قبل أن ينتهي اعتكافه فهل يبطل اعتكافه؟
الشيخ: نعم يبطل اعتكافه لا شك لأن هذا له منه بد إذ يمكنه أن يوكل أحداً من أصحابه ويشتريه له.
السائل: هل يجوز للمعتكف أن يتحول من مسجدٍ إلى مسجد بعذر؟
الشيخ: لا يجوز له، إلا إذا خاف أن يسقط عليه المسجد مثلاً أو خاف من اللصوص هذه ضرورة فيجوز.
السائل: حفظكم الله قوله تعالى (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) ما معنى اللمم؟
الشيخ: اللمم هذا اختلف العلماء فيه فمنهم من قال إن (اللَّمَمَ) يعني الشئ القليل من الكبائر والاستثناء منقطع وبعضهم يقول (إِلَّا اللَّمَمَ) يعني الصغائر لأن الصغيرة بالنسبة للكبيرة قليلة، وأما الشئ المباح فهو ما يدخل في هذا أصلاً.
السائل: بارك الله فيكم رجلٌ اشتهى أهله في ليل من اعتكافه فهل يخرج من اعتكافه؟
الشيخ: الافساد يفسده سواء نذر وإلا لغير نذر لكن الخروج منه أو افساد الاعتكاف إن كان نذراً حرم عليه افساده وإن كان تطوعاً جاز أن يفسده يعني شابٌ معتكف اشتهى أهله فهل الأفضل أن يبقى في اعتكافه مع المشقة أو الأولى أن يخرج إلى أهله ويقضي حاجته؟ الثاني أولى لأن النكاح أفضل من نوافل العبادة.
السائل: إذا نذرت امرأة عشرة أيام معينة أن تعتكف فحاضت في آخر يوم العاشر هل نقول اعتكافها تام وإلا؟
الشيخ: الظاهر إنه يتم لأن هذا عذر مثلما إنها لو صامت عن كفارة مما يجب فيه التتابع وهي كفارة إذا أفطرت لعذر فإنها لا تستأنف بل تكمل وتقضي يوماً.
السائل: أحسن الله إليك أحياناً معرض الكتاب يكون للإنسان له بدٌ في الخروج إليه لا سيما وإن كان لا يعرف الكتب جيداً إلا هو ولا يأمن الذي يوكله عليه فهل يصح خروجه حينئذٍ أو لا بد عليه أن يشترط ويصح شرطه حينئذٍ؟
الشيخ: هذا له منه بد كما قلنا يمكن أن يوصي إنساناً يقول اشتر الكتاب الفلاني واشتراطه يصح لأن هذا مقصود شرعي أما لو كان تاجر مكتبة فإنه لا يصح.
السائل: قيام ليلة العيد وإحياء ليلة العيد أيش حكمه؟
الشيخ: الحديث الوارد فيها ضعيف ثم لو فرض أنه يعني حسن ويمكن أن يحتج به فإنه لا نقول: أحيي ليلة العيد في المسجد أحيها في بيتك أفضل وصلاة النافلة في بيتك أفضل.
السائل: هل يصح للإنسان أن يعتكف عشرين يوماً متواصلة؟
الشيخ: الصحة يصح وأما السنة فما فيها اعتكاف مسنون إلا العشر الأواخر من رمضان فقط لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف في غير العشر الأواخر إلا مرةً ترك الاعتكاف في العشر الأواخر فقضاه في شوال.