المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما يستحب وما يكره - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب ما يستحب وما يكره

‌باب ما يستحب وما يكره

القارئ: ينبغي للصائم أن يحرس صومه عن الكذب والغيبة والشتم والمعاصي لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤٌ صائم) متفقٌ عليه.

الشيخ: في تعبير من المؤلف بقوله روي نظرٌ ظاهر جداً لأنه قال الحديث متفقٌ عليه ومثل هذا لا يقال فيه روي بل يقال ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن مر علينا الكثير من هذا ومر علينا أنه يجزم بالحديث وهو ضعيف جداً وهذا قد يتساهل فيه بعض الناس وقوله عليه الصلاة والسلام (إن سابه أحدٌ أو قاتله) قاتله بالسلاح وإلا بالمضاربة؟ الثاني لأنه إذا قاتله بالسلاح يدافع عن نفسه بالسلاح كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيمن استفتاه (رجلٌ جاء يأخذ مالي؟ قال لا تعطه قال إن قاتلني؟ قال قاتله قال أرأيت إن قتلني؟ قال فأنت شهيد وإن قتلته؟ قال فهو في النار) وقوله (فليقل إني صائم) ظاهر الحديث سواء كان الصوم فرضاً أم نفلاً فإن كان فرضاً فالغالب أنه لا رياء فيه لأن الناس كلهم صائمون وإن كان نفلاً فهل يقوله أو يقال هذا رياء فلا يقوله؟ من العلماء من قال إنه يقوله ومنهم من قال إنه لا يقوله لئلا يدخله الرياء والصواب أنه يقوله لاسيما إذا كان هذا اليوم مما يسن صومه لعله ينشطه أن يصوم هذا اليوم مثل يوم الإثنين أو الخميس أو الأيام البيض ولكننا نقول يقوله مطلقاً يقول إني صائم وفائدة هذا القول أولاً توبيخ هذا الذي أراد أن يسبه أو يقاتله وثانياً بيان أنه قادرٌ على مقابلته لكنه ترك الأمر لله عز وجل وثالثاً أن هذا أدعى إلى الكف عنه لأن المعتدي إذا علم أنه إنما تركه أو ترك مقاتلته لهذه العبادة فسوف يخجل ويمتنع فكان أمر النبي صلى الله عليه وسلم هو الأمر المطابق للحكمة تماماً.

ص: 219

القارئ: ويستحب للصائم السُحور لما روى أنسٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تسحروا فإن في السُحور بركة) متفقٌ عليه ويستحب تأخير السُحور وتعجيل الإفطار لما روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تزال أمتي بخير ما أخروا السُحور وعجلوا الفطور) من المسند.

الشيخ: في إسناده ابن لهيعة يكتب حديثه وعلى كل حال هو مختلط فمن روى عنه قبل الاختلاط فحديثه حسن وإلى الصحة أقرب ومن روى بعد الاختلاط فحديثه فيه نظر ولكن هناك حديث سهل بن سعد في الصحيحين (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) ولكن المؤلف جاء بهذا لأنه جمع بين الفطر والسُحور على كل حال في هذا دليل على رأفة الله تعالى بالخلق ورحمته إياهم وتيسيره عليهم ألا يتعجل الإنسان بالسُحور بل يؤخره حتى يعلم أنه يدركه قبل أن يطلع الفجر لا بزمنٍ كثير ولكن على التحري والفطور أيضاً ينبغي أن يعجل من حين أن تغرب الشمس ويغيب قرنها الأعلى تفطر حتى ولو كنت ترى شعاعها أو ترى النور جيداً أفطر فإن هذا أفضل قال الله تعالى في الحديث القدسي (أحب عبادي إليّ أعجلهم فطرا) وهذه من الرحمة وبهذا نعرف خطأ أولئك الموسوسين الذين يقولون أمسك قبل طلوع الفجر بخمس دقائق وفعلاً يوقتون أذانهم على هذا أي على وقتٍ قبل أن يطلع الفجر بخمس دقائق وهذا غلط عظيم غلطٌ من وجهين من جهة الصيام ومن جهة الصلاة أما من جهة الصيام فلأنهم يحرمون عباد الله ما أحل الله لهم لأن الله أحل لنا أن نأكل ونشرب حتى يتبين الفجر والنبي صلى الله عليه وسلم قال (كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتومٍ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) ثانياً من جهة الصلاة ربما يكون بعض الناس حينذاك قد تطهر وتهيأ للصلاة ومن حين أن يؤذن يقوم ويؤدي الفريضة أو يؤدي الراتبة ثم الفريضة وهذا خطر عظيم لأنه لو كبر للإحرام قبل الوقت بدقيقةٍ واحدة فصلاته نافلة لا تجزيء عن الفريضة وهذا خطر ومادام الله عز وجل يسر لنا (حَتَّى

ص: 220

يَتَبَيَّنَ لَكُمُ) والرسول قال (حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) يقال له أصبحت أصبحت ثم يذهب يؤذن

المسألة فيها سعة والحمد لله ولكن بعض الناس يضيق ما وسع الله فيضيق على نفسه وعلى عباد الله وحدثني رجلٌ ثقة عن مؤذنٍ أعمى لا يؤذن ولو أذن الناس يقول لأنه إذا طلع الفجر شممت ريحة ويقول إنه جُرب ولوحظ أنه إذا أذن رأوا الفجر، وهذا أيضاً ثبت طباً من جهة الفلك أن نور الفجر سبحان الله العظيم يرسل أشياء مثل الغازات وأشياء خفية مايدركها إلا مثل ذاك الرجل الذي شمه قوي واستحب بعض الأطباء أنك عند طلوع الفجر تفتح النوافذ حتى يدخل إليها ذلك الذي يأتي مع الشمس والفجر ولله في خلقه شؤون.

السائل: لماذا لا يكون مؤذن البلد واحداً مثلاً كما في بعض البلدان يجعلون مؤذناً واحداً يؤذن في مكان ثم ينقل إلى سائر المساجد عن طريق مكبرات الصوت؟

الشيخ: هذا بارك الله فيك من قبل كان الناس يعتمدون على أذان الجامع قبل اليوم والبلد ما اتسعت لا يؤذنون حتى يؤذن الجامع ولا يؤذنون للمغرب حتى يؤذن أيضاً وأنا أدركت وغيري أدرك منكم كان المدفع بالأول للغروب عند الصرحية على الصنقر يسمونها الصنقر وكان الريس رحمه الله إذا غابت الشمس وهو في المنارة قبل أن يأتي الكهرب يشير لهم بخرقة حمراء فيطلق المدفع وبعد أن جاء الكهرب صار فيه لمبة حمراء إذا غابت الشمس ولعها ثم أطلق المدفع كانت المسألة ممكنة والآن ما يمكن - اللهم إلا إن وضعنا هنا محطة إذاعة في كل بلد فإذا دخل الوقت يؤذن والروادي مفتوحة في كل الجهات يمكن.

القارئ: ويستحب أن يفطر على رطب فإن لم يجد فعلى تمرات فإن لم يجد فعلى الماء لما روى أنسٌ قال (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسواتٍ من ماء) وهذا حديثٌ حسن.

ص: 221

الشيخ: يفعل هذا عليه الصلاة والسلام تحقيقاً للفطر وإلا فقد يكون الإنسان لا يشتهي أن يأكل تمراً أو أن يشرب ماءً ولكن تحقيقاً للفطر ينبغي أن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وليبادر بذلك وهل يقدم الطعام سوى التمر على الشراب؟ الجواب لا لأن بإمكان الرسول عليه الصلاة والسلام أن يأخذ خبزاً إن كان عنده وعلى هذا فلو كان عند الإنسان طعاماً وليس عنده تمر قلنا أفطر على ماء وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث (فإن لم يكن فليفطر على ماءٍ فإنه طهور) وإذا لم يجد شيئاً كمسافر غابت عليه الشمس وهو صائم وليس معه شئ فعند العامة يمص أصبعه ويفطر واختار بعض العامة أن يبل غترته بريقه ثم يفصلها ثم يمصها ويكون هذا أفطر على ريقه وكل هذا لا أصل له فنقول إذا لم تجد شيئاً تأكله أو تشربه فانوِ بقلبك أنك أفطرت.

القارئ: ولا بأس بالسواك لأن عامر بن ربيعة قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم) وهذا حديثٌ حسن.

ص: 222

الشيخ: نعم ذكره البخاري تعليقاً وقول المؤلف لا بأس بالسواك الظاهر أنه أراد بذلك دفع من يقول إنه مكروه وإلا فالأصل أن السواك سنة لاشك فيه لكن هل يسن في أول النهار وآخره؟ الصحيح أنه يسن في أول النهار وآخره للصائم لعموم الأحاديث الواردة في فضل السواك مثل قوله صلى الله عليه وسلم (السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب) ومثل قوله (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) و (مع كل وضوء) وهذه أدلة عامة لم يستثن منها شئ مع كثرة الصيام من الرسول عليه الصلاة والسلام ومن المسلمين في عهده وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يسن للصائم بعد الزوال أن يتسوك لأنه يذهب رائحة خلوف فم الصائم لأن فم الصائم في آخر النهار تكون رائحته كريهة لما يخرج من البخار من المعدة الخالية من الطعام والشراب قالوا فيكره أن يتسوك لأنه يزيل بذلك أثر عبادةٍ تعبد لله بها فهو كغسل دم الشهيد إذا قتل فإن الشهيد إذا قتل يدفن في ثيابه ودمه ولا يغسل لأن دمه يبقى فيه يخرج يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والريح ريح المسك فيقال في هذا أولاً لا قياس في العبادات وثانياً هذا القياس مخالف لظاهر النصوص فلا يعول عليه وثالثاً من قال إن الإنسان يسن له إذا حصل أثر من العبادة أن يبقي هذا الأثر ولو كان مستكرهاً في النفوس من قال هذا؟ ولو كان كذلك لقلنا للحاج الأشعث الأغبر إذا حللت من إحرامك فلا تزل هذا الشعث والغبر لأنه أثر عبادة ولم يقل به أحدٌ من أهل العلم فالصواب أن السواك باقٍ على سنيته للصائم أول النهار وآخر النهار ولكن إذا كان للسواك طعم فإن الصائم لا يبتلعه لأنه إذا ابتلعه فقد أدخل جوفه شيئاً طارئاً عليه فيكون بذلك مفطراً أما إذا كان لا طعم له فلا بأس أن يبتلع ريقه ولو كان السواك في فمه ولا يضر.

ص: 223

القارئ: وهل يكره بالعود الرطْب على روايتين إحداهما لا يكره لأنه يروى عن عمر وعليٍ وابن عمر والأخرى يكره لأنه لا يؤمن من أن يتحلل منه أجزاءٌ تفطره.

الشيخ: الصحيح أنه لا فرق بين الرطب واليابس لكن الرطب إذا كان له طعمٌ فإنه لا يبتلع طعمه.

فصلٌ

القارئ: وتكره القبلة لمن تحرك شهوته لأنه لا يأمن إفضاءها إلى فساد صومه

الشيخ: عندي بالمخطوطة (من إفضائها) نسخة.

القارئ: ومن لا تحرك شهوته فيه روايتان إحداهما يكره لأنه لا يأمن حدوث شهوة.

الشيخ: أنا عندي في المخطوطة بالتاء (تكره) يعني القبلة وهي أصح إذ أن الضمير إذا عاد إلى مؤنث ولو كان مجازياً وجب تأنيث الفعل معه.

القارئ: والأخرى لا تكره (لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم) متفق عليه لما كان أملك لإربه وقد روي عن أبي هريرة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له فأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب رواه أبو داود.

ص: 224

الشيخ: هذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه فمنهم من قال إنه ضعيف ومنهم من قال إنه حسن أما أن يصل لدرجة الصحة ففيه نظر والثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقبل وهو صائم وسئل عن ذلك وكانت عنده أم سلمة فقال للسائل سل هذه فأخبرته (أن النبي صلى الله عليه كان يباشر وهو صائم ويقبل وهو صائم فقال يا رسول الله إنك قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك فقال والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له) وهذه إحالة على فعل الرسول عليه الصلاة والسلام تدل على أن لنا به أسوة والصواب أن القبلة جائزة حتى لمن تحرك شهوته ولا دليل على المنع والأصل الحل إلا من عرف من نفسه سرعة الإنزال فإنه لا يقبل خوفاً من فساد صومه وقياساً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة (بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فالصواب أنها جائزة ولا بأس بها والأصل الحل ولم يحرم الله علينا إلا الجماع (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) والمباشرة كلها في القرآن هي الجماع (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) إلى أن قال (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) فإن خاف الإمذاء فقط؟ إن قلنا بأنه يفطر بالإمذاء حرمت القبلة وإن قلنا لا يفطر به وهو الصحيح لم تحرم لأنها ستؤدي إلى فعلٍ جائز.

السائل: بعضهم إذا دعي لصلاة المغرب في الجماعة قبل أن يفطر احتج بتعجيل الفطر وبأنه لا صلاة مع حضرة الطعام؟

الشيخ: نقول صدقت جائز ما فيه شيء إذا كان مشتاقاً له كان ابن عمر يأكل ويتعشى ويسمع صوت الإمام ولو فاتت صلاة الجماعة معذور لكن يمكن هذا يكون نادراً من الناس.

السائل: لو أكل الصائم في النهار علكاً؟

ص: 225

الشيخ: هذا أولاً نحن ننهى عنه لا لأنه حرام فالعلك للصائم لا يفطر ما لم يكن له طعمٌ يجري بريقه لكننا لا نحبذ هذا أولاً لإساءة الظن به فمن يدري أن الذي في فمه علك أو تمرة مثلاً؟ وثانياً لئلا يقتدي به من لا يعرف الحكم فيظن أن الأكل للصائم لا بأس به أما إنسان في بيته مثلاً وأكل لباناً لأجل أن يخفف بطنه فهذا لا بأس به.

السائل: الحجر هل يجوزوضعه للصائم في الفم؟

الشيخ: لا هذا ربما إذا أدخل الحجر في فمه وله طعم ثم جمع الريق عليه ابتلع ريقه وفيه طعم أما إذا لم يكن فيه طعم إطلاقاً فلا بأس لكنني أظن أن الإنسان يمكن أن يجمع ريقه بدون أن يضع في فمه حجراً.

السائل: بارك الله فيكم على القول بالتفريق كما في حديث أبي داود بين الشيخ والشاب يحتمل أن هذا الشاب عرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقرب إلى الإمناء؟

الشيخ: لوصح الحديث لقلنا إنه ينزل على هذا بمعنى أن الشاب قريب أن يحصل منه الإنزال إذا قبل زوجته ويكون فيه فائدة عظيمة لوصح وهو اختلاف الفتوى بحسب حال المستفتي وهذه مسألة مهمة جداً ولها أمثلة كثيرة ذكر ابن القيم جملة منها في إعلام الموقعين أن الفتوى تختلف بحسب اختلاف الأحوال والأزمان.

القارئ: والحكم في اللمس وتكرار النظر كالحكم في القبلة لأنهما في معناها ويكره أن يذوق الطعام فإن فعل فلم يصل إلى حلقه شئ لم يضره وإن وصل شئٌ فطره.

الشيخ: قوله يكره ذوق الطعام لم يستثنِ المؤلف شيئاً لكن ينبغي أن يستثنى منه ما إذا ذاقه لحاجة كامرأةٍ في المطبخ تريد أن تذوق الطعام ما مدى كثرة الملح أو ما أشبه هذا فإذا كان لحاجة فلا بأس أما إذا كان يعبث أومن أجل أن يتلذذ بطعم الطعام في فمه فهذا يكره.

ص: 226

القارئ: ويكره مضغ العلك القوي الذي لا يتحلل منه شئ فأما ما يتحلل منه أجزاءٌ يجد طعمها في حلقه فلا يحل مضغه إلا أن لا يبلع ريقه فإن بلعه فوجد طعمه في حلقه فطرَّه، وإن وجد طعم ما لا يتحلل منه شئٌ في حلقه ففيه وجهان أحدهما يفطره كالكحل والثاني لا يفطره لأن مجرد الطعم لا يفطر كمن لطخ باطن قدميه بالحنظل فوجد مرارته في حلقه لم يفطره.

الشيخ: يقولون إنه إن لطخ الإنسان باطن قدمه به أحس بطعمه في حلقه لأنه قوي المرارة ثم إن بعض الناس يستعمله من أجل تليين الطبيعة إذا كان فيه يبوسة في الخارج منه فإن هذا يلين الطبيعة بمنزلة المسهل وهذا حسب التجربة وهذه المسألة التي ذكرها المؤلف تدلنا على أن القول الصحيح في مسألة الكحل أوالتقطير في الإذن إذا وصل الحلق فإنه لا يفطر لأن العلة واحدة هم يعللون مسألة الحنظل إذا لطخ به باطن القدم يقولون لا يفطر لأن القدم ليس منفذاً معتاداً فيقال وكذلك العين والأذن، ليست منفذاً معتاداً ولا أحد يحاول أن يوصل الطعام إلى المعدة من طريق العين أو الأذن.

القارئ: ويكره الغوص في الماء لئلا يدخل مسامعه فإن دخل فهو كالداخل من المبالغة في الاستنشاق لأنه حصل بفعل مكروه فأما الغسل فلا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً ثم يغتسل.

ص: 227

الشيخ: الغوص في الماء معناه أن يكون الإنسان عنده بركة أو بحر أو نهر فيسبح فيه ويغوص يقول المؤلف إنه يكره والكراهة حكم شرعي تحتاج إلى دليل شرعي أو تعليل صحيح تشهد له النصوص بالصحة وإذا رجعنا إلى هذه المسألة لم نجد دليلاً وإذا نظرنا إلى التعليل وجدنا أنه عليل لأنه يقول لأنه يدخل مسامعه أين المسامع؟ لعله يريد مسامه هي عندي مسامعه أيضاً لكن المسامع كما تعلمون لا تجمع لأن الإنسان ليس عنده إلا مسمعان الأذن اليمنى والأذن اليسرى والمسام قد تكون أقرب يعني مسام البدن لكن لنجعلها مسامعه فيقال إذا دخل إلى مسامعه هل يصل إلى حلقه؟ لا وقياسه على الاستنشاق قياسٌ ضعيف لأن الاستنشاق من قبل الأنف منفذٌ عادي قريب بخلاف ما يدخل في الأذن فالصواب إذاً أنه لا يكره للصائم أن يغوص في الماء لكن يخشى في غوصه من أن يدخل الماء إلى أنفه فيقال وإذا دخل إلى أنفه وهو لم يقصد فلا حرج عليه.

فصلٌ

القارئ: ويكره الوصال وهو أن يصوم يومين لا يفطر بينهما لما روى أنسٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تواصلوا قالوا إنك تواصل قال إني لست كأحدكم إني أطعم وأسقى) متفقٌ عليه فإن أخر فطره إلى السحر جاز لما روى أبو سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) أخرجه البخاري.

ص: 228

الشيخ: عندي بالمخطوطة (إلى السحر) وعلى كل حال المعنى واحد لأن (حتى السحر) بمعنى (إلى السحر) قال تعالى (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي إلى مطلع الفجر والوصال كما قال المؤلف رحمه الله أن يصوم يومين لا يفطر بينهما وهو مكروه ما لم يتضرر به الإنسان فإن تضرر كان حراماً لأن الله تعالى قال (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقد استدل عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على جواز التيمم خوفاً من أذى البرد فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في سرية فأجنب فتيمم في ليلةٍ باردة فلما رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال (أصليت بأصحابك وأنت جنب) قال يا رسول الله ذكرت قول الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) فتيممت فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه أو أنيابه فأقره على استدلاله مع أنه لن يموت في الغالب من البرد لكن يتضرر به فدل هذا على أن كل ما فيه ضرر على البدن فهو حرام فالوصال مكروه ما لم يكن فيه ضرر فإن كان فيه ضرر كان حراماً ثم ذكر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه (نهى عن الوصال) ولكن الصحابة ظنوا أن نهيه إياهم رأفةً بهم لا اختياراً للأفضل فواصلوا فتركهم النبي عليه الصلاة والسلام يواصلون حتى رؤي الهلال فقال (لو تأخر الهلال لزدتكم) كالمنكل لهم يعني جعل تركهم يواصلون حتى يعلموا أن الوصال لا خير فيه فمثلاً لو كان الوصال من أول الشهر وتأخر عشرين يوماً فإنهم ينكلون عن هذا ولن يعودوا إلى الوصال ولما نهاهم عن الوصال أوردوا عليه إشكالاً قالوا إنك تواصل يعني فنحن لا نعصيك أسوة وليس يريدوا أن يقولوا لم تنه عما تفعل؟ أبداً ما أرادوا هذا إطلاقاً يعني لو أرادوا هذا كان فيه توبيخٌ للرسول صلى الله عليه وسلم وهم لم يريدوه بل أرادوا أنهم يواصلون أسوةٌ بالرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم (إني لست كأحدٍ منكم إني أطعم

ص: 229

وأسقى) وهنا يقع الإشكال كيف يطعم ويسقى؟ لأنه إذا كان يطعم ويسقى فلا وصال إذ أن الوصال أن لا يأكل الإنسان ولا يشرب ولا يأتي مفطراً بين اليومين فأكثر فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يطعم ويسقى فإنه لم يواصل في الحقيقة؟ أجاب بعضهم عن هذا بأنه يطعم ويسقى من طعام وشراب الجنة وطعام وشراب الجنة لا يقاس بطعام وشراب الدنيا وهذا أيضاً فيه نظر لأن طعام وشراب الجنة إن كان يغذي فهو بمعنى طعام وشراب الدنيا وإن كان لا يغذي فإنه لا يغني شيئاً في الوصال فبطل هذا الجواب وأحسن ما قيل فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لشدة اتصال قلبه بربه ينسى الحاجة إلى الطعام والشراب ومثل هذا اليقين الذي يحصل للرسول عليه الصلاة والسلام لا يحصل لأحدٍ من الخلق ولهذا قال (لست كأحدٍ منكم) فإن قال قائل تلهي الإنسان أو انشغاله بمحبوبه يؤدي إلى نسيان نفسه من الطعام والشراب؟ قلنا نعم وقد قال الشاعر

لها أحاديث من ذكراك تشغلها

عن الشراب وتلهيها عن الزاد

ص: 230