المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب النية في الصوم - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب النية في الصوم

الشيخ: إذا كان ممن يباح له الفطر كالمسافر فلا يلزمه الإمساك وإذا كان ممن لا يباح له فيجب عليه الإمساك ودليل هذا أن فعله هذا محرم فلا يستبيح به الواجب.

السائل: أليس الجماع مفسد ومن المفطرات؟

الشيخ: يفسد صومه ولا يأكل ولا يشرب لأن هذا الوقت محترم في حقه ولم يكن في الشرع ما يدل على أن حرمته زالت بخلاف ما إذا كان مسافراً.

السائل: بارك الله فيكم علام نحمل فعل بعض الصحابة ومنهم أبو بكر رضي الله عنه فقد صح عنهم أنهم كانوا يأكلون حتى يرتفع؟

الشيخ: هذا الفعل اجتهاد لكن بين أيدينا كلام الله (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) وما بعد الغايه مخالف لما قبله.

السائل: ومن قال خيط الفجر هو النهار؟

الشيخ: الرسول صلى الله عليه وسلم فسره بأنه بياض النهار والنهار ما يتم طلوعه إلا بطلوع الشمس.

‌باب النية في الصوم

القارئ: لا يصح صوم رمضان ولا غيره من الصيام الواجب إلا بنية من الليل لكل يوم لما روت حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له) رواه أبو داود ولأنه صوم مفروض فاعتبرت فيه النية من الليل لكل يوم كالقضاء ونحوه وعنه تجزئه النية في أول رمضان لجميعه لأنه عبادة واحدة والأول المذهب لأن كل يوم عبادة منفردة لا يتصل بالآخر ولا يفسد أحدهما بفساد الآخر فأشبه أيام القضاء.

ص: 162

الشيخ: الصحيح الرواية الثانية أنه تجزئه نية واحدة من أول الشهر ما لم يوجد مبيح للفطر في أثناء الشهر فلا بد من استئناف النية فمثلاً إنسان سافر في أثناء رمضان انقطعت النية فإذا أراد أن يصوم بعد أن أفطر قلنا لابد من تجديد النية أما وليس هناك ما يبيح الفطر ولم يفطر فإنه تجزئه النية الأولى لأنك لو سألت كل إنسان حين دخل رمضان أتريد أن تصوم كل الشهر؟ لقال نعم وبناءً على ذلك يظهر أثر الخلاف في المثال فلو أن رجلاً نام قبل غروب الشمس اليوم ونحن في رمضان وبقي نائما ًحتى طلع الفجر من الغد فصومه على المذهب غير صحيح لأنه لم ينو من الليل كل يوم بليلته وعلى القول الثاني صومه صحيح وهو الصحيح.

القارئ: وفي أي وقت من الليل نوى أجزأه للخبر ولأن الليل محل النوم فتخصيص النية بجزء منه يفوت الصوم ومن أكل أو شرب بعد النية لم تبطل نيته لأن إباحة الأكل والشرب إلى الفجر دليل على أن نيته لم تفسد به.

الشيخ: هذا صحيح وهو خلاف ما يقوله العامة فالعامة يقولون إذا انتهيت من السحور وعقدت النية فإنه لا يمكن أن تأكل وهذا غير صحيح ما دام الليل باقياً فلك أن تأكل ولو نويت الصوم فلو أن الإنسان تسحر وانتهى من سحوره وعزم على أنه لن يأكل ولن يشرب ثم بدا له بعد ذلك وقبل الفجر فله أن يأكل ويشرب لأن الحكم منوط بطلوع الفجر.

فصل

القارئ: ويجب تعيين النية لكل صومِ يومٍ واجب وهو أن يعتقد أنه صائمٌ غداً من رمضان أو من كفارته أو من نذره وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان لأنه يراد للتمييز وزمن رمضان متعين له لا يحتمل سواه والأولى أصح لأنه صوم واجب فافتقر إلى التعيين كالقضاء فلو نوى ليلة الشك إن كان غداً من رمضان فهو فرض وإلا فهو نفل أو نوى نفلاً أو أطلق النية صح عند من لم يوجب التعيين لأنه نوى الصوم ونيته كافية ولا يصح عند من أوجبه لأنه لم يجزم به والنية عزم جازم.

ص: 163

الشيخ: الصواب في هذه المسألة إذا قال إن كان غداً من رمضان فصومه فرض وإلا فنفل أنه ينعقد لقوله النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير (فإن لك على ربك ما استثنيتي) وهذا في العبادة وكما علمتم أنه يجوز الاستثناء في الدعاء أيضاً. فالصواب جواز ذلك وعلى هذا فإذا كان ليلة الثلاثين من شعبان وخاف الإنسان أن يثبت الشهر فلينم على هذه النية فإذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر وعلم أن هذا اليوم من رمضان فنيته صحيحة وهذا هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأما إذا نوى نفلاً وعين فإنه لا يجزئه عن الفريضة وقول المؤلف رحمه الله إنه يجزيء عند من لم يشترط التعيين فيه نظر لأن هذا لم ينو صوماً مطلقاً بل نوى نفلاً وفرق بين الصوم المطلق وصوم النفل لأن النفل عين أنه نفل فكيف يجزيء عن الفريضة؟ أما لو نوى صوماً مطلقاً أنه صائم ولا في قلبه نوع الفريضة عن رمضان أوغيره فهذا نعم عند من يرى أنه لا يشترط التعيين يكون صومه صحيحاً لكن الظاهر أنه لا بد من التعيين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمريء ما نوى).

القارئ: وإن نوى إن كان غداً من رمضان فأنا صائم وإلا فلا لم يصح على الروايتين لأنه شك في النية لأصل الصوم. ولا يفتقر مع التعيين إلى نية الفرض لأنه لا يكون رمضان إلا فرضا وقال ابن حامد يحتاج إلى ذلك لأن رمضان للصبي نفل.

الشيخ: الصواب أنه يتجه لرمضان ولا يشترط أن ينوي الفرض لأن رمضان لا يقع إلا فرضاً والإنسان يعرف نفسه ليس بصبي سيعرف نفسه أنه بالغ.

القارئ: ومن نوى الخروج من صوم الفرض أبطله لأن النية شرط فى جميعه فإذا قطعها في أثنائه خلا ذلك الجزء عن النية فيفسد الكل لفوات الشرط.

ص: 164

الشيخ: يقول إن نوى الخروج من صوم الفرض أبطله يعني بطل الصوم لكن لو نوى أن يكون نفلاً وهو لم يأكل ولم يشرب ولم يفعل مفطراً انعقد على أنه نفل ولهذا عبر بعضهم قال من نوى الفطر فكمن لم ينو ولم يعبر بقوله أفطر لأنه إذا قال أفطر معناه أنه لا يمكن أن يبني آخر اليوم على أوله فإذا قال كمن لم ينو صار لو نوى النفل في آخر اليوم أجزأه وهذا هو الواقع فإذا نوى الإفطار من الفرض ثم لم يأكل ولم يشرب ونوى أن يكون نفلاً أجزأه لأن النفل يصح بنية من أثناء النهار.

السائل: لونذر صيام يوم معين لكن حدثته نفسه أن يقطع الصيام وليس بعزم؟

الشيخ: الصحيح أن التردد لا يبطل النية لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه حتى يعزم على الفصل أما التردد هل يفطر أو لا يفطر؟ الصحيح أنه لا يفطر وأما إذا عزم على فعل محظور عزم أن يأكل وعدل عن هذا الفعل فإنه لا يفطر لأنه إنما أراد فعل المحظور ولم يفعله وهذا حتى المشهور من المذهب أنه إذا عزم على فعل المحظور ولم يفعله فإنه لا تبطل عبادته كما لو نوى أن يتكلم في أثناء الصلاة ولكن لم يتكلم. مثال ذلك رجل يصلي وسمع قرع الباب وألح المستأذن في القرع فهم المصلي أن يبطل صلاته لأجل أن يرد عليه يعني هم أن يكلمه ولكنه لم يفعل فصلاته صحيحة الحاصل أن التردد في النية لا يضر على القول الراجح والعزم على فعل محظور لا يبطل العبادة قبل فعله لأن بطلان العبادة مرتب على فعل المحظور ولم يفعله.

فصلٌ

القارئ: ويصح صوم التطوع بنية من النهار لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال (هل عندكم شيء؟) قلنا لا قال (إني إذاً صائم) رواه مسلم.

ص: 165

الشيخ: الخلاصة الآن أن العزم على إبطال العبادة يبطلها سواءً في الصيام أو غيره والعزم على فعل المحظور في العبادة لا يبطلها حتى يفعل والتردد في النية هل يقطعهما أو لا؟ الصحيح أنه لا يبطلها لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى ينتقل منه.

فصل

القارئ: ولأن في تجويز ذلك تكثيراً للصيام لأنه قد تعرض له النية من النهار فجاز كما سومح في ترك القيام والاستقبال في النافلة لذلك.

الشيخ: إذاً التطوع يجزيء في أثناء النهار والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأل هل عندكم شيء؟ قالوا لا قال (إني إذاً صائم) و (إذاً) ظرفٌ للحال يعني من الآن أكون صائماً فدل ذلك على أنه يصح أن يصوم النفل من أثناء النهار ولكن يثاب على اليوم كاملاً أولا يثاب إلا من النية؟ في هذا قولان للعلماء منهم من قال إذا صححنا صومه وجب أن يكون له ثواب ذلك اليوم كله لأنه ليس هناك صومٌ يكون نصف نهار ومنهم من قال بل لا يثاب إلا من النية وعللوا ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إنما الأعمال بالنيات) وإذا كانت الأعمال بالنيات فما سبق النية ليس منوياً فلا يثاب عليه وهذا هو الصحيح وينبني على ذلك إذا كان صوم النفل مما عُيِّن فإنه وإن صح الصوم لا يجزيء عن المعين مثاله: رجل في أثناء اليوم الثالث عشر من الشهر نوى أن يصوم الأيام البيض فعقد النية من نصف النهار فهل يجزئه هذا عن صوم اليوم الثالث عشر؟ على الخلاف إن قلنا إنه يثاب من أول النهار أجزأه وإن قلنا لا يثاب إلا من النية لم يجزئه لأن هذا لم يصم ثلاثة أيام من النهار بل صام يومين ونصف يوم أما ما ليس معين كالنفل المطلق فهذا وإن أثيب ثواب نصف اليوم لم يضره (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره).

السائل: قبل غروب الشمس أفطر فهل يثاب على ما مضى من اليوم؟

الشيخ: لا يثاب لأنه أفسد العبادة.

ص: 166