المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب زكاة الفطر - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب زكاة الفطر

الشيخ: يضاف إليه لأنه لا يمكن أن يبدأ الحول إلا إذا بلغ النصاب فمثلاً إذا أعطاه أقل من نصاب وبقي ستة أشهر لم يزيد ثم زاد حتى بلغ النصاب بعد مضي ستة أشهر يكون أبتدأ الحول من الستة الأشهر.

السائل: هذا رأس المال والربح بلغا النصاب لكن الربح وحده لا يبلغ النصاب؟

الشيخ: ما يضر يزكي والمضارب تزكى حصته لأن الربح تبع للأصل.

مسألة: الذي يظهر أن المضارب ما دام لم يقبض نصيبه فهو كالتابع حتى ولو تحاسبوا يزكي نصيبه ما دام أنهم لم يقسموه وإذا أخذ قبل تمام الحول فهو يضمه إلى ماله وإذا أخذه ملكه وانفصل عن الآخر.

‌باب زكاة الفطر

القارئ: وهي واجبة على كل مسلم لما روى ابن عمر قال: (فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير فعدل الناس به نصف صاعٍ من بر على الصغير والكبير وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه.

الشيخ: زكاة الفطر هذا من باب إضافة الشيء إلى سببه يعنى الزكاة التي سببها الفطر من رمضان وهي واجبة على كل مسلم صغيراً كان أو كبيراً حراً أو عبداً وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) يعني في يوم العيد قبل أن يخرجوا إلى الصلاة فدل ذلك على أنه لا تصرف بعد الصلاة وأنه إذا أخَّرها إلى ما بعد الصلاة بلا عذر فإنها لا تقبل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وأما قول الفقهاء رحمهم الله إنها بعد الصلاة في يوم العيد مكروهة وبعد يوم العيد حرام فهذا قول ضعيف.

ص: 36

ثانياً: إذا قال قائل: إذاً امنعوها قبل يوم العيد قلنا: نعم لو لم يكن عندنا إلا هذا الحديث لمنعناها ولقلنا إنه لا يجزيء إخراجها قبل العيد لكن قد دلت السنة على أنه يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين وقوله: (صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) إنما نص على ذلك لأنه غالب قوتهم في ذلك العهد إما التمر وإما الشعير وفي حديث أبي سعيد قال: (كان طعامنا يومئذٍ التمر والشعير والزبيب والإقط) ولم يكن البر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كثيراً شائعاً منتشراً وإن كان موجوداً كما يدل عليه حديث الربا فقد قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر) لكنه ليس قوتاً عاماً للناس إنما قوتهم العام هذه الأربعة فقط التمر والزبيب والشعير والإقط فهل المقصود أعيان هذه الأطعمة أو المقصود الجنس؟ المقصود الجنس أى أنه ما كان طعاماً للناس أجزأ فلو فرض أن الناس عدلوا عن الشعير وصاروا لا يقتاتونه ولا يأكلونه وإنما هو للبهائم فإنه لا يجزيء حتى وإن كان مذكوراً في الحديث لأنه إنما ذكر في الحديث بناءاً على أنه طعام الناس أما الآن فلا وكذلك لو أن الناس صاروا يطعمون سوى هذه الأصناف كالرز مثلاً أو الذرة في بعض الأماكن هي طعامهم فإنها تجزيء بل لو فرض أنه في أمة لا يتغذون إلا باللحم فإنه يكون من اللحم.

القارئ: وتجب على المكاتب عن نفسه للخبر ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمته فطرته كالحر ولا تجب على كافر ولا على أحد بسببه فلو كان للمسلم عبد كافر أو زوجة كافرة لم تجب فطرتهما لقوله (من المسلمين) ولأنها زكاة فلم تلزم الكافر كزكاة المال وتجب على الصغير للخبر والمعنى.

الشيخ: تجب على الصغير لحديث ابن عمر (على الصغير والكبير) وقوله: والمعنى المراد بعض المعنى وليس المعنى كله لأنه في حديث ابن عباس (فرضها النبي صلى الله عليه وسلم طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) أي المعنيين حصل؟ الثاني هو الذي حصل وهو طعمة المساكين.

ص: 37

القارئ: ويخرج من حيث يخرج نفقته لأنها تابعة لها ولا تجب على جنين كما لا تجب في أجنة السائمة ويستحب إخراجها عنه لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرج عن الجنين.

الشيخ: إذا قلنا بإخراجها عن الجنين فكم يخرج صاعاً وأحداً أو صاعين؟ فيه احتمال أنه اثنان وقد قلنا في الفرائض: إذا مات عن حمل فإنه يوقف له الأكثر من إرث ذكرين أو انثين احتياطاً فيقال الفرق أن ذاك حق للمخلوق فلزم فيه الاحتياط أما هذا فهو حق لله والأصل براءة الذمة فلا يخرج إلا عن جنين واحد.

القارئ: فإن ملك الكافر عبداً مسلماً لم تجب فطرته لأن العبد لا مال له والسيد كافر وعنه: على السيد فطرته لأنه من أهل الطهرة فلزم السيد فطرته كما لو كان مسلما.

الشيخ: ولكن هذه المسألة مسألة فرضية لأن الكافر لا يمكن أن يملك المسلم إذ أن بيع المسلم على الكافر لا يصح وإذا أسلم عند الكافر أجبر على إزالة ملكه كما ذكر العلماء في كتاب البيع.

فصل

القارئ: ولا تجب إلا بشرطين أحدهما: أن يفضل عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته صاع لأن النفق أهم فتجب البداءة بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك) رواه مسلم وفي لفظ (وابدأ بمن تعول) رواه الترمذي.

فإن فضل صاعاً واحداً أخرجه عن نفسه فإن فضل آخر بدأ بمن تلزمه البداءة بنفقته على ما نذكره في بابه إن شاء الله لأنها تابعة للنفقة فإن فضل بعض صاع ففيه روايتان إحداهما: يلزمه إخراجه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولأنه لو ملك بعض العبد لزمته فطرته فكذلك إذا ملك بعض المؤدى لزمه أداؤه والثانية: لا يلزمه لأنه عدم ما يؤدي به الفرض فلم يلزمه كمن عليه كفارة إذا لم يملك إلا بعض الرقبة.

الشيخ: الأقرب الأول وأنه إذا فضل بعض صاع فإنه يخرجه لأن هذا حق لأدمي فوجب أن يخرج منه ما استطاع.

ص: 38

القارئ: فإن فضل صاعاً وعليه دين يطالب به قدم قضاؤه لأنه حق أدمي مضيق وهو أسبق فكان أولى فإن لم يطالب به فعليه الفطرة لأنه حق توجهت المطالبة به فقدم على ما لم يطالب به ولا يمنع الدين وجوبها لتأكدها بوجوبها على الفقير من غير حول.

الشرط الثاني: دخول وقت الوجوب وهو غروب الشمس من ليلة الفطر لقول ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان وذلك يكون بغروب الشمس فمن أسلم أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبداً أو أيسر بعد الغروب لم تلزمه فطرتهم وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم لأنه تجب في الذمة فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار.

الشيخ: قوله فمن أسلم أو تزوج العبرة بالعقد.

السائل: في مسألة العقد قالوا في النفقات إنه لا يجب عليه نفقتها حتى تسلّم نفسها؟

الشيخ: نعم لأن النفقة في مقابل الاستمتاع وأما هذا فلا ولا يشترط هنا الدخول.

فصل

القارئ: والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة للخبر ولأن المقصود إغناء الفقراء يوم العيد عن الطلب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم) رواه سعيد بن منصور وفي إخراجها قبل الصلاة إغناء لهم في اليوم كله فإن قدمها قبل ذلك بيومين جاز لأن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك بيوم أو يومين ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل الغنى بها فيه وإن عجلها لأكثر من ذلك لم يجز لأن الظاهر أنه ينفقها فلا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد وإن أخرها عن الصلاة ترك الاختيار لمخالفته الأمر وأجزأت لحصول الغنى بها في اليوم.

الشيخ: هذا ضعيف جداً لأن حديث ابن عباس صريح قال: (فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعدها فهي صدقة من الصدقات) فالصواب أنه يحرم تأخيرها عن صلاة العيد وأنه لو أخرها ثم

ص: 39

أخرجها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات ويكون آثماً حتى يتوب إلى الله فإن قال إنسان: لو لم يعلم بالعيد إلا في وقت متأخر ولم يتمكن من أدائها؟ قلنا: هذا عذر أو كان في البر وما علم بالعيد إلا بعد صلاة العيد فهذا عذر أو كان قد أعدها لإخراجها قبل الصلاة ثم سرقت ولم يتمكن فإذا كان لعذر فلا بأس.

السائل: بارك الله فيكم هنا يقول إنه لا يجوز إذا كان تعجل إخراجها لأكثر من يومين فما قولكم في حديث أبى هريرة من (أن الشيطان كان يأتيه ثلاثة أيام وكان على صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا الظاهر أنها كانت صدقة الفطر؟

الشيخ: هذا يجاب عنه والله اعلم بأن الرسول ليس وكيلاً للفقراء إنما وكيل للأغنياء ولا تدفع للفقراء إلا في حينها.

القارئ: وإن أخرها عن اليوم أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين.

فصل

القارئ: ولا يشترط لوجوبها الغنى بنصاب ولا غيره لما روى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صدقة الفطر صاعاً من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى)، ولأنه حق مالي لا يزيد بزيادة المال فلم يشترط في وجوبه النصاب كالكفارة.

فصل

القارئ: ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته من المسلمين لما روى ابن عمر قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون) فيجب على الرجل فطرة زوجته وعبده وزوجة عبده لأن نفقتهم عليه فإن كان له عبد آبق فعليه فطرته لأنها تجب بحق الملك والملك لم يزله الإباق قال: أحمد ولا يعطي عنه إلا أن

يعلم مكانه وذلك لأنه يحتمل أنه قد مات أو ارتد فلم تجب الفطرة مع الشك فإن علم حياته بعد ذلك لزمه الإخراج لما مضى.

ص: 40

وإن كانت له زوجة ناشز لم تلزمه فطرتها لأنه لا تلزمه نفقتها وقال أبو الخطاب: تلزمه فطرتها كما يلزم السيد فطرة الآبق وإن كان لزوجته خادم تلزمه نفقته لزمته فطرته وإن كان العبد لسادة فعليهم فطرته لأن عليهم نفقته وعلى كل واحد من فطرته بقدر ما يلزمه من نفقته لأنها تابعة لها فتقدرت بقدرها وعنه: على كل سيد فطرة كاملة لأنها طهرة فوجب تكميلها ككفارة القتل.

الشيخ: والصحيح الأول أن على كل واحد منهم قدر ما يملكه.

القارئ: ومن نصفه حر ففطرته عليه وعلى سيده لما ذكرنا ومن نفقته على اثنين من أقاربه أو الآمة التي نفقتها على سيدها وزوجها ففطرته عليهما كذلك، ومن تكفل بمؤنة شخص فمانه شهر رمضان فالمنصوص عن أحمد أن عليه فطرته لدخوله في عموم قوله (ممن تمونون) واختار أبو الخطاب أنه لا تلزمه فطرته كما لا تلزمه نفقته وحمل الخبر على من تلزمه المؤنة بدليل وجوبها على الآبق ومن ملكه عند الغروب ولم يمنهما وسقوطها عمن مات أو أعتق قبل الغروب وقدمانه.

فصل

القارئ: وعلى الموسرة التي زوجها معسر فطرة نفسها لأنه كالمعدوم وإن كانت أمة ففطرتها على سيدها كذلك، ويحتمل أن لا تجب فطرتهما لأن من تجب عليه النفقة معسر فسقطت كما لو كانت الزوجة والسيد معسرين.

الشيخ: الصواب أنه إذا كان الزوج معسراً فإنه يجب على الزوجة أن تخرج فطرتها بل أن ظاهر السنة أن الزوجة يجب عليها فطرتها ولو كان زوجها موسراً لأن هذه زكاة واجبة على الإنسان نفسه وغيره متحمل عنه وعلى هذا فالمطالب بإخراج زكاة الفطر هو الإنسان نفسه لكن لو تبرع به والده مثلاً أو كان من عادتهم أن قيم البيت يخرج عمن في البيت جميعاً فأخرج عنهم فلا بأس.

القارئ: ومن لزمت فطرته غيره فأخرجها عن نفسه بغير إذنه ففيه وجهان أحدهما: يجزئه لأدائه ما عليه والثاني: لا يجزئه لأنها تجب على غيره فلا يجزيء إخراجها بغير إذن من وجبت عليه كزكاة المال.

ص: 41

الشيخ: والصحيح الأول أنه إذا أخرجها عن نفسه برئت ذمته وسقط عن الآخر لأن المخاطب بها أولاً الإنسان نفسه وغيره يتحمل عنه.

فصل

القارئ: والواجب في الفطرة صاعٌ من كل مخرج لحديث ابن عمر ولما روى أبو سعيد قال:

(كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من إقط أو صاعاً من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: إن مداً من هذا يعدل مدين قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه) متفق عليه.

الشيخ: الواجب في الفطرة صاع وهل الصاع باعتبار العرف فيختلف باختلاف الأزمان والأماكن أو أن الصاع هو صاع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ المشهور عند العلماء هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم وصاع الرسول عليه الصلاة والسلام أقل من الأصواع المعروفة عندنا وهو من البر الرزين يعني الجيد كيلوان وأربعون غراماً ويقاس على ذلك وكيفية هذا أن تتخذ إناءً يسع كيلوين وأربعين غراماً من البر الرزين الجيد فتضعه في هذا الإناء فإذا ملأه فكِلْ به ما سوى البر وحينئذٍ هل تعتبر بالوزن أو لا تعتبر؟ لا تعتبر بالوزن لأن الكيل مداره الحجم لا الثقل يعنى نتخذ إناءً يسع كيلوين وأربعين غراماً من البر الرزين الجيد ونملؤه ثم نجعله المقياس ونملؤه من كل شيء فيكون صاعاً سواء كان أثقل من البر أو أخف من البر وكيفية الكيل ليس على ما يعهد بعض الناس كنا نعهد أن الكيل يملأ المكيال يملأه ويزيد عليه حتى يكون فوق المكيال بقدر ما يتماسك الحب ولكن الكيل الصحيح أن يكون على مسح أي مستوٍ طرف الصاع وأما هذا التسنيم الذي يجعلونه فوق فهذا شيء عرفي وليس هو الأصل.

ص: 42

وقوله: من كل مخرج يعني من البر والتمر والشعير والزبيب والإقط وهنا في كلام حديث أبى سعيد الخدري صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من تمر أليس التمر طعاماً؟ كيف أتى بأو؟ الظاهر أنه أتى بأو لوجهين الوجه الأول: أن العلماء قالوا المراد بالطعام هنا البر فيكون المعنى صاعاً من بر أو صاعاً من تمر أو صاعاً شعير أو صاعاً من إقط أو صاعاً من زبيب هذا قول أكثر الذين تكلموا على هذا الحديث وقيل إن الطعام هنا شامل للأربعة التي بعده وأن (أو) هنا للتقسيم أى تقسيم المجمل في كلمة طعام ونظيره قوله في الحديث الصحيح (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك)(فأو) هنا لتقسيم المجمل في قوله (سميت به نفسك) لأن ما أنزله الله في كتابه فقد سمى به نفسه وما علمه أحداً من خلقه فقد سمى به نفسه وما استأثر به في علم الغيب عنده فقد سمى به نفسه وعلى هذا فيكون الطعام هو ما ذكر فيما بعد وهو أربعة ويؤيد ذلك أنه ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد بلفظ آخر (كنا نخرجها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام وكان طعامنا التمر والشعير والزبيب والإقط) وهذا يفسر هذا المجمل الذي بين بالأربعة وهذا الذي أختاره على أن قوله (أو صاعاً من كذا) بعد قوله (صاعاً من طعام) يراد به التقسيم أو بيان المجمل ويدل لذلك أيضاً أن البر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام قليل جداً ما كل أحد يطعمه حتى جاءت الفتوحات وكثر الخير فصار البر طعاماً لأكثر الناس ولهذا لما جاء معاوية رضي الله عنه وتولى الخلاف وجاء المدينة قال: (أرى مداً من هذا يساوي مدين أو يعدل مدين من شعير) مما يدل على أن البر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ليس معروفاً ولا شائعاً وبقي أن يقال في وقتنا الحاضر البر طعام والتمر طعام والشعير ليس طعاماً والزبيب ليس طعاماً والإقط كذلك حتى البادية الآن ما تأكل الإقط على

ص: 43

أنه طعام فهل يقال: العبرة بالمعنى أو العبرة باللفظ؟ إن قلنا: العبرة بالمعنى قلنا: هذه الأصناف التي ليست قوتاً الآن لا تجزيء وإن أخذنا باللفظ قلنا: تجزيء على كل حال ويترتب على هذا أيضاً إذا قلنا: باللفظ قلنا: غيرها لا يجزيء إلا إذا عدمت حتى لو كان أفضل عند الناس وأطيب عند الناس كالرز مثلاً فإنه لا يجزيء إلا إذا عدمت هذه الأصناف فما هو الأرجح؟ فيما نرى أن العبرة بالمعنى ولهذا نص الإمام مالك رحمه الله أن الشعير لا يجزيء إلا لمن كانوا يأكلونه وأما من لا يأكله فلا يجزيئه وكذلك الإمام أحمد رحمه الله عنه روايتان في الإقط إذا كان لا يؤكل هل يجزيء أم لا؟ ثم إن المعروف عند العلماء أن العبرة في الأمور بمعانيها لا بألفاظها ونحن لا نعلم معنى يعلق به الحكم في كونه شعيراً أو تمراً أو زبيباً أو إقطاً أو براً ما له معنى إلا أنها كانت في ذلك الوقت طعاماً لهم فإن قال قائل: يرد عليكم حديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير) قلنا: الجواب أن هذا سهل جداً لأن التمر والشعير في ذلك الوقت هما أساس الطعام ولهذا لم يذكر في حديث ابن عمر الزبيب والإقط ما ذكر لأن أهل المدينة في ذلك الوقت طعامهم الرئيس هو التمر والشعير فذكر النبي صلى الله عليه وسلم التمر والشعير على سبيل المثال وليس على سبيل التعين وكما هو معروف عند الفقهاء أن العبرة بالمعاني ولذلك عند ابن حزم رحمه الله لكونه ظاهرياً محظاً يقول لا يجزيء إلا التمر والشعير فقط ولا يجزيء غيرهما لكنه غريب مع أن في حديث أبى سعيد ذكر الزبيب والإقط.

ص: 44

وهل نأخذ بما قال معاوية رضي الله عنه وتبعه الناس على ذلك أو نأخذ بما ذهب إليه أبو سعيد؟ لاشك أن الاحتياط أن نأخذ بما قاله أبو سعيد لأن الظاهر أن التمر والشعير في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مختلفان في القيمة ولو كان المقصود التقويم لقال: صاعاً من تمر أو ما يعادله من شعير مثلاً فالصواب في هذه المسألة أن ما ذهب إليه أبو سعيد رضي الله عنه وهو وجوب إخراج الصاع أقرب للصواب وأيضاً فيه فائدة عظيمة وهي أن لا يختلف الناس في التقدير ربما يختلف الناس في التقدير فيقول مثلاً: ثلثا صاع من البر يساوي صاعاً من الشعير ويأتي آخر ويقول: لا ربع صاع من البر يساوي صاعاً من الشعير فتختلف الأمة فإذا قلنا: أخرج صاعاً من البر أو التمر أو الشعير أو الزبيب أو الإقط اكتفينا والغريب أن شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله اختار ما ذهب إليه معاوية أنه يجزيء في الفطرة نصف صاع من البر.

القارئ: ومن قدر على هذه الأصناف الأربعة لم يجزه غيرها.

الشيخ: المؤلف ذكر أربعة أو خمسة؟ إذا اعتبرنا أن الطعام جنساً مستقلاً صارت خمسة طعام أو تمر أو شعير أو إقط أو زبيب.

القارئ: لأنها المنصوص عليها وأيها أخرج أجزأه سواء كانت قوته أو لم تكن لظاهر الخبر ويجزيء الدقيق والسويق من الحنطة والشعير لقول أبي سعيد: لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من دقيق ثم شك فيه سفيان بعد فقال دقيق أو سلت رواه النسائي ولأنه أجزاء الحب يكال ويدخر فأشبه الحب.

الشيخ: وقيل لا يجزيء الدقيق لأن الحب أصبر من الدقيق يعني يبقى مدة ولا يتغير والدقيق يفسد بسرعة لاسيما إذا لم يكن فيه ملح فإنه لا يبقى إلا أياماً قليلة ثم يفسد وأما الحب فلا يفسد وهذا القول أقرب إلى الصواب أن الدقيق لا يجزيء حتى ولو أن الإنسان احتاط وزاد فيه فإنه لا يجزيء لأن الحب أصبر وأبقى.

ص: 45

القارئ: ويجزيء إخراج صاع من أجناس إذا لم يعدل عن المنصوص لأن كل واحد منهما يجزيء منفرداً فأجزأ بعض من هذا وبعض من هذا كما لو كان العبد لجماعة وقال أبو بكر: يتوجه قول آخر أنه يعطي ما قام مقام هذه الخمسة لظاهر قوله: (صاعاً من طعام) قال: والأول أقيس.

الشيخ: والظاهر أن الثاني هو الأقيس قول أبي بكر جيد أنه يجزيء ماقام مقامه وإن لم يكن منها مع القدرة عليه بقينا في كونه يخرج أجزاء في صاعٍ واحد يعنى خُمُس صاع تمر وخمس صاع بر وخمس زبيب وخمس صاع شعير وخمس صاع إقط يقول المؤلف: إن هذا جائز لكن في القلب من هذا شيء لأن الحديث (صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر) والشارع له نظر في اتحاد الجنس فكيف يعطى الإنسان صاعاً مكون من خمسة أجزاء قد لا ينتفع به الفقير؟ فالظاهر هنا أن الصواب خلاف ما قال المؤلف رحمه الله وأنه لا بد أن يكون الصاع من جنس واحد كما هو ظاهر النص.

القارئ: وفي الإقط روايتان إحداهما: يجزيء إخراجه مع وجود غيره لأنه في الخبر والثانية: لا يجزيء إلا عند عدم الأصناف قال الخرقي: إن أعطى أهل البادية الإقط أجزأ إذا كان قوتهم وذلك لأنه لا يجزيء في الكفارة ولا تجب الزكاة فيه.

الشيخ: هذا قيد جيد للخرقي أن الإقط يجزيء لأهل البادية بشرط أن يكون قوتهم وهذا نظر إلى المعنى.

القارئ: فإن عدم الخمسة أخرج ما قام مقامها من كل مقتات من الحب والتمر وقال ابن حامد: يخرجون من قوتهم أي شيء كان كالذرة والدخن ولحوم الحيتان والأنعام.

ص: 46

الشيخ: عمم ابن حامد رحمه الله حتى في اللحم والمؤلف يقول في الأول: من كل مقتات من الحب والثمر يعني دون اللحم والصواب ما قاله ابن حامد: إنه إذا كان مثلاً في مكان يقتاتون لحوم الحيتان يجزيء اللحم لكن كيف يكيلون اللحم وهو موزون نقول أما إذا كان اللحم جافاً فكيله سهل وأما إذا كان موزون فإنه يزاد في الوزن لأن اللحم إذا طري يكون ثقيلاً فلا بد أن يزيد فإذا كان الصاع كيلوين وأربعين غراماً فليجعل أربعة كيلوات لأن الموزون مادام المقصود الكيل يحتاج إلى زيادةٍ في الوزن.

فصل

القارئ: والأفضل عند أبي عبد الله إخراج التمر لما روى مجاهد قال: قلت لابن عمر: إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر قال: إن أصحابي قد سلكوا طريقاً وأنا احب أن أسلكه فآثر الاقتداء بهم على غيره وكذلك أحمد ثم بعد التمر البر لأنه أكثر نفعاً وأجود.

الشيخ: يعنى ثم الباقي على السواء والأفضل إخراج ما كان أنفع للفقراء هذا هو الصحيح لأن المقصود بها نفع الفقراء ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) وما كان أنفع لهم فهو أولى لكن ابن عمر رضى الله عنه من قاعدته التحري التام للسنة حتى إنه سلك مسلكاً غريباً في الإقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام وهو أنه يقتدي به صلى الله عليه وسلم حتى في الأمور التي وقعت اتفاقاً بدون قصد حتى كان في السفر يتحين المكان الذي بال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام فينزل ويبول فيه من شدة تحريه لكن هذا الأصل يقول شيخ الإسلام خالفه عليه جمهور الصحابة.

فصل

القارئ: ولا يجزيء الخبزُ لأنه خارج عن الكيل والادخار ولا حب معيب ولا مسوس ولا قديم تغير طعمه لقول الله تعالى: (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) ولا تجزيء القيمة لأنه عدول عن المنصوص.

ص: 47

الشيخ: هذا خلافاً لمن قال: إن القيمة تجزيء لكنه قول ضعيف ويدل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم عيَّنها من أصناف مختلفة القيمة بلا شك فالتمر والشعير والبر والزبيب والإقط تختلف قيمها ومع ذلك فقدرها شرعاً غير مختلف وهو صاع فلما لم يختلف علمنا أن القيمة لا أثر لها ثم إنه لو قلنا بإخراج القيمة لم تكن من الشعائر لأنها حينئذٍ تكون خفية ولا يعلم بها ثم لو قيل بالقيمة أيضاً فمن يقدر القيمة ربما يحابي الإنسان نفسه فيقدر الصاع بدرهم وهو يساوي درهمين مثلاً لذلك لا ينبغي العدول عما جاءت به الشريعة وهو الصاع مما يطعم.

فصل

القارئ: والصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي وهو بالرطل الذي وزنه ستمائة درهم رطلٌ وأوقية وخمسة أسباع أوقية قال أحمد: الصاع خمسة أرطال وثلث حنطه فإن أعطى خمسة أرطال وثلثاً تمراً فقد أوفى قيل له إن الصيحاني ثقيل قال: لا أدري؟ وهذا يدل على أنه يجب أن يحتاط في الثقيل بزيادة شيء على خمسة أرطال وثلث ليسقط الفرض بيقين.

الشيخ: نحن قدرناها على حسب كلام الفقهاء رحمهم الله ووجدنا أنها كيلوان وأربعون جراماً بالبر الرزين يعني بالبر الجيد كيلوان وأربعون جراماً لكن من احتاط وأخرج ثلاث كيلوات عن الصاع فلا بأس ولا يعد هذا إسرافاً إن شاء الله وإن كان مالك رحمه الله كره أن يزيد على الصاع النبوي وقال: إن هذا مقدر شرعاً فلا تنبغي الزيادة عليه لكنه يقال: نحن نزيد لا على أنها واجبة لكن على أنها نفل.

القارئ: ومصرفها مصرف زكاة المال لأنها زكاة.

الشيخ: هكذا قال المؤلف رحمه الله وقيل لا يعطى منها إلا من تدفع حاجته في ذلك اليوم لحديث ابن عباس (طعمة للمساكين) فلا تصرف إلا للفقراء والمساكين فقط لا تصرف للمدين في قضاء دينه ولا تصرف في الرقاب ولا تصرف في ابن السبيل إلا أن يكون فقيراً وهذا القول أبرأ للذمة أن لا تعطى إلا من يأخذ الزكاة لحاجته لا للحاجة إليه.

ص: 48

القارئ: ويجوز إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة كما يجوز دفع زكاة مالهم إليه وإعطاء الجماعة ما يلزم الواحد كما يجوز تفرقة ماله عليهم.

الشيخ: أما الأول فواضح أن الواحد يعطى فطر جماعة يعني هذا فقير له عائلة اجتمع أهل البيت وعندهم عشرة فطر وأعطوه إياها فلا بأس حتى وإن لم يكن له عائلة أما العكس بأن يفرق الصاع الواحد على عدة ففي النفس من هذا شيء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (فرضها صاعاً من طعام) وقال ابن عباس أنها طعمة للمساكين وما دون الصاع قد لا يكفي نعم لو قيل: يجوز تفريق الصاع على الجماعة بشرط أن لا ينقص عن إطعامهم ذلك اليوم لكان لا بأس به وبهذه المناسبة يجب أن نعلم أن ما يطعم للفقراء ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: قدر فيه المعطى دون المدفوع وذلك في كفارة الظهار وكفارة اليمين وكفارة الجماع في نهار رمضان إطعام ستين مسكيناً ولم يذكر كم نطعمهم؟ وفي كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ولم يذكر كم نطعهم؟

الثاني: ما قدر فيه المدفوع دون المعطى كالفطرة قدر فيها المدفوع وهو صاع لكن لم يقدر المعطى ما قيل لعشرة ولا لعشرين أو لواحد.

القسم الثالث: ما قدر فيه المدفوع والمعطى وذلك في فدية الأذى فإن الرسول صلي الله عليه وسلم قال في الصدقة: (إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع) فقدر المعطى وقدر المدفوع فلنمشِ على ما جاءت به السنة نقول أما الفطرة فتدفع صاعاً لواحد أو اثنين على حسب ما سبق من التفصيل وأما كفارة اليمين والظهار والجماع في نهار رمضان فيطعم المساكين سوءاً أعطاهم مداً من البر أو من الرز أو صنع لهم طعاماً من غداء أو عشاء وأطعمهم فلا بأس لأن الله قال: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) وأما ما قدر فيه المدفوع والمعطى فيجب التزامه فنقول: تطعم في فدية الأذى ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع.

ص: 49