المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم

القارئ: ويحتمل الجواز لأن قيس بن أبي حازم روى (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها فقال المصدق: إني ارتجعتها بإبل فسكت) رواه سعيد بن منصور ومعنى الارتجاع أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها.

الشيخ: وقد يقال إن هذا لا دليل فيه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز التصرف فيكون موقوفاً على إجازة ولي الأمر إن أجاز التصرف فلا بأس وإن قال: أنا لا أرضى وأريد أن تضمنها فله ذلك.

السائل: ماالضابط في المكان الذي لا تنقل إليه الزكاة؟

الشيخ: مسافة القصر.

السائل: إذا كان يمكن الوسم بشيء غير النار؟

الشيخ: إذا وجدنا شيئاً نستغني به عن النار فهو أحسن.

‌باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم

القارئ: وهم ثمانية ذكرهم الله تعالى في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

الشيخ: بعد أن ذكر الله الأصناف قال (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ) فما موقفنا من هذه الكلمة؟ أن نقول: سمعاً وطاعةً ثم أعقبها بقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فقطع إي حكمة يتفلسف بها أحد من الناس ما فيه فلسفة فالله تعالى قطع فلسفة الناس بقوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

القارئ: ولا يجوز صرفها إلى غيرهم من بناء مساجد أو إصلاح طريق أو كفن ميت لأن الله تعالي خصهم بها بقوله (إنما) وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه.

ص: 63

الشيخ: هذا صحيح هذا استلال جيد ولا حجة لمن قال إن قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يشمل كل أعمال الخير لأن سبيل الله هو الطريق الموصل إليه نقول: هذا خطأ أولاً لأن الله ذكرها في باطن أشياء معينة يعني لو كانت في الآخر لقلنا: تعميم بعد تخصيص أو في الأول لقلنا: تخصيص بعد تعميم أما أن يذكرها في جوف المستحقين ويقول: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) فهذا يدل على أن المراد (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) شيء خاص وهو الجهاد في سبيل الله وأيضاً لو قلنا: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) عام لكل خير لكان ذكر الحصر لغواً لا فائدة منه فالصواب ما ذكره المؤلف رحمه الله وكما قلنا قبل قليل لا عبرة في فلسفة متفلسف بعد قول الله عز وجل: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ثم إن في هذا القول تضييق على الفقراء وتضييق لسُبُل الخير الأخرى لأن كثيراً من الناس قد يغلبه الشح ويقول أبني مسجداً بزكاتي وأستريح فيكون في هذا تضييق لطرق الخير وتضييق على الفقراء لأن بناء المسجد سهل ولكن صرفها إلى الفقراء يحتاج إلى تعب أولاً: البحث عن حال الإنسان هل هو فقير أو غير فقير؟ ثم من يتولى الصرف ومن يتولى الحساب لهذا مع كونه مخالف للآية هو أيضاً فيه ضرر على مستحقيه أعني القول بأن كلمة (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) عامة.

ص: 64

القارئ: ولا يجب تعميمهم بها وعنه: يجب تعميمهم والتسوية بينهم وأن يدفع من كل صنف إلى ثلاثة فصاعدا لأنه أقل الجمع إلا العامل لأن ما يأخذه أجرة فجاز أن يكون واحدا وإن تولى الرجل إخراجها بنفسه سقط العامل وهذا اختيار أبي بكر لأن الله تعالي جعلها لهم بلام التمليك وشرّك بينهم بواو التشريك فكانت بينهم على السواء كأهل الخمس والأول المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: (أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم) أمر بردها في صنف واحد وقال لقبيصة لما سأله في حمالة: (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها) وهو صنف واحد وأمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر وهو واحد فتبين بهذا أن مراد الآية بيان مواضع الصرف دون التعميم ولذلك لا يجب تعميم كل صنف ولا التعميم بصدقة واحد إذا أخذها الساعي بخلاف الخمس.

الشيخ: والقول الثاني لا شك أنه خطأ وهو القول بوجوب التعميم لأن المراد بالآية ذكر الأجناس ليس ذكر الأشخاص فهو كأنه قال: هذه هي الأجناس وإذا صرفها في جنس واحد فلا بأس ثم السنة واضحة ظاهرة في أنه يجوز الاقتصار على صنف واحد.

فصل

القارئ: إذا تولى الإمام القسمة بدأ بالساعي فأعطاه عمالته لأنه يأخذ عوضا فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة وللإمام أن يعين أجرة الساعي قبل بعثه من غير شرط لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه ساعيا ولم يجعل له أجرة فلما جاء أعطاه فإن عين له أجرة دفعها إليه وإلا دفع إليه أجرة مثله.

الشيخ: وعلى هذا يعطيه ولو غنياً لأنه هنا أعطاه لمصلحة الزكاة لا لنفسه فهو معطى للحاجة إليه لا لحاجته ولهذا يعطى مقدار أجرته ولو كان غنياً.

القارئ: ويدفع منها أجرة الحاسب والكاتب والعداد والسائق والراعي والحافظ والحمال والكيال ونحو ذلك لأنه من مؤنتها فقدم على غيره.

ص: 65

الشيخ: هذا ما لم يكن هناك شيء من بيت المال يعطى العامل ويعطى هؤلاء الذين يعملون لمصلحة الزكاة فإن كان هناك شيء فإنهم لا يعطون من الزكاة يعني مثلاً لو كان لهم راتب شهري أو راتب عمل مقدر بالعمل من قبل الدولة من بيت المال فإنهم لا يعطون زكاة لئلا يضيقوا على أهلها أما إذا لم يكن لهم راتب شهري أو عملي فإنهم يعطون من الزكاة بقدر أجرتهم كما قال المؤلف.

السائل: ما هو أقل من يدفع لهم من الزكاة على القول الثاني؟

الشيخ: في التعميم مثلاً الأصناف ثمانية كل صنف لابد أن يكون منه ثلاثة ويكون ثلاثة في ثمانية بأربعة وعشرين فإذا كانت زكاتك أربعة وعشرين ريال فاعطِ الفقير واحد والمسكين واحد والعاملين عليها واحد والمؤلفة قلوبهم واحد والغارمين واحد وفي سبيل الله واحد وابن السبيل واحد وهذا لا شك أنه غير صحيح أولاً: لأن السنة متظافرة في ذلك والثاني: في هذا مشقة عظيمة على الناس.

السائل: هل للإمام أن يعطي العامل بالنسبة لما يجبي؟

الشيخ: إذا كان هذا أجرة مثل لا بأس فللإمام أن يقول للساعي: لك عشرة في المائة أو خمسة في المائة بشرط أن يكون هذا أجرة مثله.

السائل: لو كان العامل يقوم بعملين كحاسب وسائق؟

الشيخ: يعطى على قدر عمله ما في مانع بشرط أن لا يخل بالعمل الآخر لو كان حاسباً وأخل بمسألة القبض والحفظ وما أشبه ذلك فلا يجوز.

السائل: أحدهم عرض شقة للبيع فهل عليه زكاتها؟

الشيخ: الشقة التي يعرضها للبيع ما فيها زكاة يعني الإنسان ساكن في شقة وطابت نفسه منها.

السائل: وإذا كان مشتريها للتجارة؟

الشيخ: إذا كان شراؤه لها للتجارة لازم من الزكاة.

السائل: وإذا لم يكن عنده مال يعطيه الفقراء زكاة للشقة فماذا يفعل؟

الشيخ: ينتظر حتى يبيعها يقدر القيمة الآن ويقيدها وإذا باعها أخرجها.

القارئ: والفقراء والمساكين صنفان وكلاهما يأخذ لحاجته إلى مؤنة نفسه والفقراء أشد حاجة لأن الله تعالى بدأ بهم والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم.

ص: 66

الشيخ: حقيقة المؤلف رحمه الله أحياناً يقول: لأن الله بدأ بها والصواب أن يقال وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبدأ بما بدأ الله به) هذه رواية مسلم رواية النسائي (ابدأوا بما بدأ الله به) أحسن من قول المؤلف إن العرب تقول كذا لأن لدينا حقيقة شرعية غير اللغوية والحقيقة الشرعية مقدمة.

القارئ: ولأن الله تعالي قال: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ) فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) رواه الترمذي.

الشيخ: الله المستعان هذا ضعيف بل أقرب شيء أنه موضوع لأن الحقيقة أن المساكين يحشرون في زمرته كيف هو يحشر هو في زمرتهم وعلى كل حال هو حديث موضوع لا عبرة به إنما التعليل أن يقال أن الله بدأ بهم فنبدأ بهم كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (أبدأ بما بدأ الله به) ثانياً: أن الاشتقاق يدل على ذلك فالفقر معناه الخلو ومنه القفر المكان الخالي وهذا موافقة في الاشتقاق الأصغر وأما المساكين فهو من قولهم: أسكنتهم الفاقة والسكون لا يدل على الخلو فالإنسان ربما يسكن إذا كان متوسط الحال عند رجل غني فلذلك كانت مادة الفقر ومادة المسكنة تدل على أن الفقير أشد حاجة.

القارئ: فدل على أن الفقراء أشد فالفقير من ليس له ما يقع موقعاً من كفايته من مكسب ولا غيره والمسكين الذي له ذلك فيعطى كل واحد منه ما تتم به كفايته.

ص: 67

الشيخ: الفقير والمسكين تبين لنا الآن أن بينهما فرقاً لكن إذا ذكر أحدهما وحده صار لا فرق بينهما فقوله تعالى: (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ)(المائدة: من الآية89) يشمل الفقراء وقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ)(الحشر: من الآية8) يشمل المساكين فالفقير والمسكين كلمتان إذا اجتمعتا افترقتا وإن افترقتا اجتمعتا ولها نظائر ليس هذا موضع ذكرها بقي أن يقال ماذا يعطى المسكين والفقير؟ يعطى ما يكفيهما والكفاية إذا عرفنا أن هذا الفقير مثلاً له راتب وراتبه ألفا ريال لكنه ينفق ثلاثة آلاف ريال هل عنده كفاية؟ لا ما عنده كفاية نعطيه ما يكفي نعطيه في السنة اثني عشر ألفاً وعلى هذا فقس وكذلك لو كان له صنعة لكن لا تكفيه نعطيه ما يكفيه هو وعائلته وإذا أعطيناه أعني الفقير والمسكين ثم أغناهما الله عز وجل بإرث أو كسب فهل نسترجع ما أعطيناهما؟ لا لأنهما ملكاه ملكاً تاماً.

القارئ: وإذا ادعى الفقر من لم يعرف بغنى قبل قوله بغير يمين لأن الأصل عدم المال وإن ادعاه من عرف غناه لم يقبل إلا ببينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش) رواه مسلم.

ص: 68

الشيخ: هذه البينة لابد فيها من ثلاثة يشهدون بأن فلاناً الذي كان غنياً أصابته فاقة فلو شهد اثنان لم يقبل والحكمة والله أعلم أن هذه الشهادة تتضمن شيئين استحقاق هذا الرجل ومضايقة الآخرين فاحتيج إلى اثنين بالنسبة إلى استحقاقه وإلى واحد بالنسبة إلى مضايقة الآخرين لأن هذا الرجل الذي قدرنا أن نعطيه عشرة آلاف سيحرم بقية الفقراء من هذه العشرة فلذلك صار لابد من ثلاثة والله أعلم بحكمة شرعه لكن هذا الذي يظهر لنا وعلى كل حال هذه البينة لابد فيها من ثلاثة رجال ما يقبل فيها النساء ومثلها أيضاً لابد من أربعة رجال الشهادة على الزنا أما بقية الأموال فيكفي فيها رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين مدعي.

وقوله (من ذوي الحجى) الحجى العقل يعني الذين عندهم عقل وإدراك ليس ذوي العواطف الذي يعطف على هذا لأنه ابن أخيه أو لأنه عمه أو ما أشبه ذلك بل رجل عاقل لا يشهد لأحد إلا وهو يستحق.

القارئ: وإن رآه جلداً وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين لما روى عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أتيا رسول الله وهو يقسم الصدقة فسألاه شيئا فصّعد بصره فيهما وصوابه.

الشيخ: صعد يعني رفع وصوبه نزل.

القارئ: وقال لهما: (إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) رواه أبو داود.

الشيخ: وهذا طبعاً إذا وثق منهما أما إذا لم يثق منهما ورأى عليهما علامة الكذب فإنه لا يلزمه أن يأخذ بقولهما لأنه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قال للرجل: (لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب) أيظن أحد من الناس أنهم سوف يقولون ليسوا أغنياء هذا بعيد من الصحابة لكن في وقتنا الحاضر قد يؤول ويقول: لا حظ فيها لغني ويريد أن يكون غنياً له ملايين الدراهم لهذا لابد من القرائن.

القارئ: وإن ادعى أن له عيالا فقال القاضي وأبو الخطاب: يقلد في ذلك (كما قلد) في حاجة نفسه.

الشيخ: عندي (كما يقلد) نسخة.

ص: 69

القارئ: وقال ابن عقيل: لا يقبل إلا ببينه لأن الأصل عدم العيال فلا تتعذر إقامة البينة عليهم.

الشيخ: قول ابن عقيل جيد يعني لو قال أنا بنفسي ما عليّ قاصر لكن عندي عشرة أبناء فهذا لابد من البينة إلا إذا كان يتعذر إقامة البينة لكونه رجلاً غريباً لا نعلم عنه فهذا نصدقه لكن إذا كان في البلد وقال عندي عشرة أبناء أو عشرون ولداً نقول لابد من البينة.

القارئ: وإن كان لرجل دار يسكنها أو دابة يحتاج إلى ركوبها أو خادم يحتاج إلى خدمته أو بضاعة يتجر بها أو ضيعة يستغلها أو سائمة يقتنيها ولا تقوم بكفايته فله أخذ ما تتم به الكفاية ولا يلزمه بيع شيء من ذلك قل أو كثر.

ص: 70

الشيخ: (إذا كان لرجل دار يسكنها) تساوي مثلاً مائتي ألف هو ليس عنده شيء من المال وله الدار التي يسكنها هل نقول بعها واشترِ داراً بمائة ألف واستغن بالمائة الأخرى؟ لا، لأن الإنسان قد تتغير حاله وحياته إذا اختلف منزله الذي كان يألفه كذلك (دابة يحتاج إلى ركوبها) عنده دابة يستطيع لو باعها أن ينفق على نفسه من ثمنها كالسيارة مثلاً هل نقول بع السيارة واستغن بها عن الزكاة؟ لا لا يبيعها وكذلك إذا كان له (خادم يحتاج إلى خدمته) إنسان مثلاً مريض وليس له من يخدمه فاستأجر خادماً محتاجاً إليه وقال: أنا بنفسي ما عليّ قاصر لكن الخادم يحتاج إلى نفقة فإننا نعطيه أو (بضاعة يتجر بها) عنده مثلاً بضاعة تساوى مائة ألف يتجر بها هذه البضاعة تدر عليه بالكسب كل شهر أقل من كفايته يعطى من الزكاة ولا نقول له استهلك هذه البضاعة وإذا انتهت يرزقك الله لا يلزمه لأن الرجل يقول: عليّ ضرر بهذا أنا أتجر بهذه البضاعة ومع أنها تساوي المائة ألف وتكفيني ثلاث سنوات لكن درها الذي يأتيني منها ما يكفيني فلا يلزمه أن يبيعها كذلك (ضيعة يستغلها) ضيعة يعنى بستان يستغله يساوي مالاً كثيراً لكنه يستغله لينفق على أهله ومغله لا يكفي لنفقته يعطى من الزكاة ولا نقول بع هذه الضيعة وكذلك لو كان عنده دار (عمارة) يؤجرها تساوي مالاً كثيراً لكن غلتها ما تكفي له ولعيالها لا نلزمه بالبيع وكذلك أيضاً نقول: (سائمة يقتنيها) رجل عنده أربعون شاة يقتنيها لدرها ونسلها يبيع اللبن ويبيع أولادها إذا جاءوا ويأكل هو وعياله من نتاجها لا نقول بعها أو بع بعضها واستغن به عن الزكاة لأن هذا يضره كل هذا فيه والحمد لله سعة للناس إذا أخذنا بهذا القول والظاهر أنه قول صواب إن شاء الله.

القارئ: الصنف الرابع: المؤلفة وهم السادة المطاعون في عشائرهم وهم ضربان: كفار ومسلمون فالكفار من يرجى إسلامهم أو يخاف شرهم.

ص: 71

الشيخ: عندنا في المخطوط بالإفراد (من يرجى إسلامه أو يخاف شره) مراعاة للفظ (من) وعلى الجمع مراعاة لمعناه فهي من حيث اللغة جائز هذا وهذا.

القارئ: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيباً له في الإسلام.

الشيخ: أولاً: المؤلفة قلوبهم المؤلف عرف ذلك بأنهم (السادة) جمع سيد (المطاعون) في عشائرهم وبناء على ذلك لو أننا أعطينا واحداً من الناس من الكفار تأليفاً لقلبه على الإسلام فظاهر كلام المؤلف أن ذلك لا يجزيء لأنه لابد أن يكونوا سادة وأن يكون لهم طاعة في عشائرهم والفرق واضح لأنهم إذا كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فإن إسلامهم يحصل به إسلام عشائرهم غالباً وهذه مصلحة كبيرة لا تحصل فيما إذا أعطينا فرداً لنتألفه على الإسلام لكن قد يقال إذا كنا نعطي الفقير من الزكاة لإنقاذه من موت البدن فإعطاؤنا إياه لإنقاذه من موت القلب من باب أولى ولاشك أن الإنسان محتاج إلى الإسلام أكثر من حاجته إلى الطعام والشراب فلو أن الآية عُممت وأُخذت بالتعميم وقيل: (المؤلفة قلوبهم) كل من يؤلف قلبه على الإسلام من سادة أو غير سادة لكان هذا أولى ثم الاستدلال بإعطاء هؤلاء من الغنائم قد ينازع فيه فيقال: الإعطاء من الغنائم أوسع من الإعطاء من الزكاة ولا يصح أن نستدل بالأعم على الأخص لأنه لابد أن يكون الدليل أعم من المدلول وعلى كل حال فنحن لا نحتاج إلى قضية صفوان لأن لدينا آية من كتاب الله لا نحتاج إلى هذا ونقول الدليل على إعطاء المؤلفة قوله تعالى: (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) يبقى النظر هل يختص في السادة المطاعين أو هو عام؟ الصحيح عندي أنه عام فكل من نرجو إسلامه إذا كان يحتاج إلى بذل شيء من الزكاة فإننا نعطيه إنقاذاً له من موت الدين.

ص: 72

القارئ: والمسلمون أربعة أضرب منهم من له شرف يرجى بإعطائه إسلام نظيره فإن أبا بكر الصديق أعطى عدي بن حاتم ثلاثين فريضة من الصدقة وأعطى الزبرقان بن بدر مع ثباتهما وحسن نياتهما.

الشيخ: هذا صحيح يعني يقول: سيد مطاع في عشيرته مسلماً حسن الإسلام نعطيه لأجل أن يسلم نظيره وهذا يقع كثيراً ولنفرض أن مثلاً قبيلة صغيرة أسلم سيدها وحولها قبيلة صغيرة أيضاً لم يسلم فأعطينا سيد القبيلة المسلمة ثم إن سيد القبيلة الأخرى لما نظر إلى أن هذا السيد أُعطي هذا المال أسلم هذا أيضاً يحصل به الخير وهذا تأليف للغير فيجوز.

القارئ: الثاني: ضرب نيتهم ضعيفة في الإسلام فيعطون لتقوى نيتهم فيه فإن أنساً قال حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن: طفق رسول لله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل وقال: (إني أعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم) متفق عليه.

الشيخ: هذا ليس كالأول هذا لتقوية إيمانه أما الأول فهو الكافر لدخوله في الإسلام والثاني لتقوية إيمانه.

القارئ: الثالث: قوم إذا اعطوا قاتلوا ودفعوا عن المسلمين.

الشيخ: وإذا لم يعطوا لم يقاتلوا ولم يدافعوا هذا أيضاً من التأليف.

القارئ: الرابع: قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف فكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم داخلون في اسم المؤلفة وقد سمى الله تعالى لهم سهما وروى حنبل عن أحمد رضي الله عنه أن حكمهم انقطع لأن عمر وعثمان رضي الله عنهما لم يعطياهم شيئا والمذهب: الأول فإن سهمهم ثبت بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ولا يثبت النسخ بالاحتمال وترك عمر وعثمان عطيتهم إنما كان لغناهم عنهم والمؤلفة إنما يعطون للحاجة إليهم فإن استغني عنهم فلا شيء لهم.

ص: 73

الشيخ: هذا التعليل الذي ذكره صحيح يعني أن عمر وعثمان لم يعطيا المؤلفة ليس لأنه نسخ الحكم إذ أنه لا نسخ بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لأن الحاجة إليهم زالت وهم إنما يعطون للحاجة ومن المهم قوله في القسم الأول: كفاراً أعطوا لدفع شرهم يعنى ما نرجو إسلامهم لكن نخشى من شرهم فنعطيهم دفعاً لشرهم وهذا قد يحتاج الناس إليه في الوقت الحاضر يكون المسلمون ليس عندهم قدر في قتال هؤلاء الكفار ويخشون من شرهم فيعطون لدفع الشر ولكن بشرط أن نعرف أن هذا العطاء يوجب دفع الشر أما أن نعطيهم ونحن لا نأمن أن يمكروا بنا وأن يأخذوا ما نعطيهم ليقاتلونا به فهذا لا نعطيهم لكن إذا عرفنا من حالهم ومجريات أعمالهم أنهم إذا أعطوا شيئاً فإنهم يكفون شرهم عنا فلا بأس أن نعطيهم لكف الشر.

السائل: الإعطاء للمؤلفة قلوبهم هل يكون من الغنائم قبل التوزيع أم بعده فالنبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أعطى المؤلفة قلوبهم ولم يعط أصحابه.

الشيخ: فتح مكة ما فيه غنائم الغنائم في ثقيف بعد أن فتح مكة واستقر الأمر فيها خرج إلى أهل الطائف فهذه الغنائم غنائم أهل الطائف.

السائل: هل يدخل في المؤلفة قلوبهم العصاة الذين يرجى رجوعهم عن المعصية؟

الشيخ: العصاة الذين يرجى رجوعهم عن المعصية وهم من المسلمين هؤلاء يقام عليهم الحد إن كانت معصيتهم لها حد أو التعزير إن كانت معصيتهم ليس لها حد.

القارئ: الصنف الخامس: الرقاب وهم المكاتبون يعطون ما يؤدونه في كتابتهم ولا يقبل قوله: إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها فإن صدَّقه (المولى) ففيه وجهان.

الشيخ: عندي في المخطوط (سيده) نسخة وهو أصح لأنه ما صار مولى له بعد.

القارئ: فإن صدقه سيده ففيه وجهان أحدهما: يقبل لأن السيد أقر على نفسه والثاني: لا يقبل لأنه متهم في أن يواطئه ليأخذ الزكاة بسببه.

ص: 74

الشيخ: هذا صحيح فالاحتمال الثاني وارد ولو كان ذلك شهادة لقلنا إنه يجر إلى نفسه نفعاً لكن هو يجر إلى نفسه نفعاً من وجه وضرراً من وجه آخر لأن هذا المكاتب سوف يخرج من ملكه وحينئذٍ نقول إذا قال العبد: إنه مكاتب وصدقه السيد نعطي السيد مال الكتابة ثم نقول للعبد اذهب أنت الآن حر فنسد على السيد باب حيلته.

القارئ: وللسيد دفع زكاته إلى مكاتبه لأنه معه في باب المعاملة كالأجنبي ويجوز أن يردها المكاتب إليه لأنه يأخذها وفاءاً عن دينه فأشبه الغريم.

الشيخ: هذا كاتب عبده على خمسة آلاف نصفها بعد ستة أشهر والنصف الثاني بعد ستة أشهر فأعطى زكاته لهذا العبد والعبد ردها عليه وفاءاً نقول هذا جائز ولا بأس كالغريم يعني كما لو كان لإنسان غريم فقير فأعطاه الطالب الذي هو الدائن أعطاه دراهم فأوفاه بها فلا بأس إذا لم يكن هناك مواطأة فإن كان هناك مواطأة فلا يجوز.

القارئ: ولا يزاد المكاتب على ما يوفي كتابته.

الشيخ: أنا عندي في المخطوط (على ما يؤدي في كتابته) نسخة.

القارئ: ويجوز أن يدفع إليه قبل حلول النجم لئلا يحل وهو معسر فتنفسخ كتابتها.

الشيخ: وهل مثل ذلك المدين؟ يعنى إنسان مدين عليه دين يحل بعد ستة أشهر هل يجوز أن يوفى دينه قبل أن يحل؟ فيه التفصيل إذا كان هذا المدين نعلم أنه لا يستطيع الوفاء إذا حل الدين نوفي عنه ولا حرج وأما إذا علمنا أنه يستطيع بأن يكون صاحب راتب جيد وأنه عند حلول أجل الدين سيوفي فهذا لا نعطيه لأنه ليس بحاجة إلى إلى الوفاء.

القارئ: وهل يجوز الإعتاق من الزكاة؟ فيه روايتان إحداهما: يجوز لأنه من الرقاب فيدخل في الآية فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها ولا يجوز أن يشتري ذا رحمه المحرم عليه فإن فعل عتق عليه ولم تسقط الزكاة لأن عتقه حصل بسبب غير الإعتاق من الزكاة.

ص: 75

الشيخ: معناه لا يجوز أن يشتري عمه من زكاته لأنه يعتق بدون إعتاق هكذا علل المؤلف والصواب أنه يجوز لأنه إذا كان دفع الزكاة إلى القريب الذي من أهلها أفضل فكذلك إعتاق القريب يكون أفضل وأما قوله: بأنه حصل بغير إعتاق نقول: فيه نظر بل هذا حصل بإعتاقه لأنه اشترى هذا الرحم المحرم ولو أنه ما اشتراه لم يعتق فالصواب أنه يجوز أن يشتري ذا رحم محرم منه من الزكاة ويعتق عليه بمجرد الشراء فمن هو ذا الرحم المحرم؟ هو من يحرم عليه بنسب لو قدر أنه امرأة هذا هو ذو الرحم المحرم مثل العم، الخال، الأخ، ابن الأخ، ابن الأخت، وأما ابن العم فلا رحم بينهما ولو قدر أنه امرأة لجاز أن يتزوجها وأبو الزوجة ليس ذا رحم إنما هو صهر فذو الرحم هو الذي يحرم بينهما التناكح من أجل النسب يعنى الرحم.

القارئ: ويجوز أن يفك منها أسيرا مسلماً لأنه فك رقبة من الأسر والرواية الثانية: لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب لقوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يريد الدفع إلى المجاهدين والعبد لا يدفع إليه.

الشيخ: يقول يجوز أن ينفك منها أسير مسلم هذا صحيح لأنه داخل في الرقاب وهذا ما يعرف في لغة العصر بالرهائن يكون رهائن من المسلمين عند الأعداء ويقول الأعداء: لا نفكهم لكم إلا بشيء من المال فيعطون من الزكاة لفك هذه الرهائن فلا بأس وأما قوله: الرواية الثانية: أنه لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقتضي الدفع إلى الرقاب لقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لو قال كقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لأن قوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ليس تعليلاً للرقاب لكن الأقرب كقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) فيقال أيهما أولى أن نعطي مكاتباً من الزكاة يستعين بها على الكتابة أو أن نشتري عبداً من الزكاة أيهما أقرب إلى الدخول في قوله (وَفِي الرِّقَابِ) الثاني لاشك أنه أقرب.

ص: 76

ثانياً: قوله رحمه الله إن قوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يريد الدفع إلى المجاهدين المقيس عليه الذي جعله أصلاً فيه نظر لأن الآية الكريمة إذا تلوتها عرفت أنها قسمت المستحقين إلى قسمين قسم لابد من تمليكه وقسم لا يشترط تمليكه: (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) هؤلاء يُملّكون لأنه قال: (لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) القسم الثاني: (وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فقال: (وَفِي الرِّقَابِ) وهذا يدل على أن المقصود أن تصرف في الرقاب بدون أن يملكها المعطى ولهذا نقول: لو أنه أوفى دين المكاتب دون أن يعطيه لأجزأ لأنه لا يشترط التمليك كذلك أيضاً نقول في سبيل الله القول بأنه يعطى منها المجاهد فقط ضعيف والصواب أنه يعطى المجاهد وتشترى منها الأسلحة وتشترى من الزكاة الأسلحة وإن لم يملِّكها للمقاتل فقوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) تشمل شيئين الأول: أن نملك المجاهد ونقول: خذ هذه مثلاً ألف ريال جاهد بها والثاني: أن نشتري أسلحة ونعطيها للمجاهدين كل ذلك جائز وكل ذلك داخل في قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) لأنه جاء التعبير القرآني بغير اللام الدالة على التمليك بل جاء بفي الدالة على الظرفية وكما أنه يجوز للإنسان إذا علم أن فلاناً عليه دين ولا يستطيع وفاءه أن يذهب إلى الدائن ويقول يا فلان أنت تطلب زيداً مائة ريال هذه مائة ريال وإن كان زيدٌ لم يعلم بذلك لأنها داخلة في قوله: (وَالْغَارِمِينَ) وعلى هذا فنقول الآية تدل على أنه يجوز أن يُشترى للمجاهدين سلاح يقاتلون به وأن تقضى الديون عن المدينين وإن لم يعلموا بذلك وأن يُشترى العبد من الزكاة ويعتق وإن لم يعلم بذلك لكن لابد أن يعلم بالعتق كي يتحرر.

ص: 77

القارئ: الصنف السادس: الغارمون وهم ضربان ضرب غرم لإصلاح ذات البين وهو من يحمل دية أو مالاً لتسكين فتنة أو إصلاح بين طائفيتين فيدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته وإن كان غنيا لما روى قبيصة بن مخارق قال تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال: يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك) رواه مسلم ولأنه يأخذ لمصلحة المسلمين فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي.

الشيخ: الغارمون ذكرهم الله في الآية بفي وذكر العلماء أنهم ضربان الأول: من غرم لمصلحة الغير والثاني: من غرم لمصلحة نفسه فأما من غرم لمصلحة الغير فلابد أن يكون غرمه لأمر مهم جداً كأن يجد قبيلتين بينهما فتنة إما بدية قتيل بينهما أو بغير ذلك فأراد أن يصلح بين هاتين القبيلتين بمال تحمله هو فهذا لاشك أنه أتى معروفاً كبيراً ومصلحة عظيمة فكان من محاسن الإسلام أن يعان على الأمر وأن يساعد عليه وأن يشكر له هذا الفعل فيعطى من الزكاة بقدر ما تحمل أما إذا كانت المسألة فردية فإنه لا يعطى إذا كان غنياً كإنسان تحمل حمالة عن شخص أمسكه غريمه وقال أعطيني حقي وإلا حبستك الآن فجاء رجل محسن وقال حقك علي أنا أتحمل الحق هذا لاشك تحمل حمالة لمصلحة غيره لكنه ليس كالأول هذا لا نعطيه من الزكاة إلا إذا كان فقيراً إذا كان فقيراً تحل له الزكاة أعطيناه لأنه صار من الغارمين لأنفسهم وأما إذا كان غنياً فلا يعطى والفرق بينهما واضح ظاهر إذاً هذا الغارم لإصلاح الغير ولمصلحة الغير بشرط أن تكون مصلحة لها أهميتها.

ص: 78

القارئ: الضرب الثاني من غرم لمصلحة نفسه في مباح فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه ولا يعطى مع الغني لأنه يأخذ لحاجة نفسه فلم يدفع إليه مع الغنى كالفقير وإن غرم في معصية لم يدفع إليه قبل التوبة لأنه لا يؤمن أن يستعين بها في المعصية وفي إعطائه بعد التوبة وجهان أحدهما: يعطى لأنه يأخذ لتفريغ ذمته لا لمعصية فجاز كإعطائه لفقره والثاني: لا يعطى لأنه لا يؤمن عوده إلى المعصية.

الشيخ: الغارم لنفسه لا يعطى إلا إذا كان فقيراً لا يستطيع الوفاء واشترط المؤلف رحمه الله أن يكون غرمه في غير معصية فيشمل ما إذا كان غرمه في واجب أو كان غرمه في مستحب أو كان غرمه في مباح من كان غرمه في واجب كرجل أدى فريضة الحج وهي غير واجبة عليه لكنها هي الفريضة رجل استلف لقضاء نذر عليه هذا غرم في واجب.

الثاني: غرم في مستحب كرجل استدان من شخصٍ مالاً ليؤدي العمرة وليست واجبة عليه هذا غرم في مستحب.

الثالث الغرم في مباح كرجل استدان شيئاً واشترى حاجة هو في غنى عنها وليست واجبة ولا مستحبة لكنه يريد أن يكون كزملائه مثلا هذا مباح ومن ذلك أن يشتري له بيتاً يعني عنده ما يستأجر به لكن قدر أن الرجل اشترى بيتاً فصار عليه غرم فنعطيه ونقضي دينه وهذا من قسم المباح.

والرابع: في مكروه فظاهر كلام المؤلف أنه يعطى إذا غرم في مكروه لأنه ليس بمعصية.

ص: 79

الخامس: إذا غرم في معصية فإنه لا يعطى إلا إذا تاب وعلمنا توبته وأنه صادق فنقضي عنه مثال ذلك رجل ابتلي بشرب الخمر والعياذ بالله واشترى خموراً كثيرة يشربها وغرم بذلك أموالاً كثيرة فهنا هو غارم في الواقع لا شك في هذا فهل نعطيه ونقضي دينه نفك أسره أو لا؟ نقول نعطيه إذا تاب نقول أنت الآن غارم وفي ذمتك مال كثير ونحن مستعدون أن نقضي هذا الدين من الزكاة لكن بشرط أن تتوب فتاب إلى الله فنعطيه أولاً: لأن الرجل حسن منهجه وثانياً: تشجيعاً له على الاستمرار في ترك المعصية أما إذا لم يتب فإننا لا نعطيه مثاله رجل مبتلى بشرب الدخان وأكثر الديون التي عليه بل كل الديون عليه لشرب الدخان جاء وقال: إنه فقير ما عنده ما يوفي قوائم الدين اشترى حرام وقال اقضوا عني لا نقضي عنه إلا أن يتوب وهل بمجرد أن يقول أتوب إلى الله نقضي عنه؟ لا خصوصاً المبتلين بهذه الأشياء التي تلزمهم ويصعب الإنفكاك منها هؤلاء لا نقبل منهم مجرد أن يقولوا تبنا حتى ننتظر وعلمنا أنه صادق فإن القول الراجح أن نقضي دينه وفيه وجه أنه لا يقضى دينه لأنه يحتمل أن يرجع لكن نقول هذا الرجل رجع بعد أن تطهر من ذنوبه ولسنا ملزمين بأن يعصم الناس في المستقبل حتى الذي غرم في مباح يمكن في يوم من الأيام أن يستدين في شيء محرم إذاً يقضى الدين عن المدين إذا كان عاجزاً عنه بشرط أن يكون غارماً في غير معصية فإن غرم في معصية طالبناه أولاً بأن يتوب منها وإذا قدرنا أن هذا الرجل الغارم فقير يعني لا يستطيع أن يجد ما ينفقه على نفسه من طعام وشراب وكسوة وهو يشرب الدخان مثلاً هل نعطيه؟ في هذا تفصيل إن قال: أصرّف ما تعطونني في حاجة مباحة فهذا نعطيه وأما أن نعطيه ونطلق فالمبتلى بشرب الدخان وشبهه أول ما يصرف الدراهم في الدخان ما نعينه.

ص: 80

فإذا كان الرجل غير مستقيم وأنت تعرف أن المستحق غارم أو فقير لكن قلت له: اذهب فتب إلى الله وإذا تبت فأت ونساعدك هل هذا جائز؟ يعني بأن لا نعطيه مما يستحق إلا إذا حملناه على التوبة ربما نقول هذا جائز وربما ليس بجائز نقول ليس بجائز لأن الرجل مستحق (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) هو الآن استحق أن يعطى من الزكاة وكونه مثلاً حالقاً لحيته أو مسبلاً ثوبه أو كثير الغيبة والنميمة هذا إليه ما علينا منه وقد نقول: إنه جائز من باب الإصلاح والتربية إذا علمنا أنه إذا قلنا له هذا الكلام استقام وصار هذا عوناً على ترك المعصية فقد يكون هذا له وجه ولكني أخشى أنك إذا قلت هذا: ذهب ولم يرجع ولأنه مبتلى خصوصاً المبتلى مثلاً بإسبال الثوب أو بالغيبة يعني بعض الناس نسأل الله العافية مبتلى بالغيبة لا يمكن أن يجلس في مجلس إلا وهو يغتاب الناس يقل جداً أن يقلع منها فهذا ربما نقول: أعطه إذا كنت تيئس أو يغلب على ظنك أنه لن يستقيم فهنا أعطه لأنه محق وهو لن يستعين بها على المعصية أما إذا كنت ترجو فلا بأس أن تقول: يا فلان والله أنت مستحق لكن أعينك على نفسك أن تذهب وتتوب إلى الله عز وجل مما صنعت وأن تقلع عنه وعلى العين والرأس هذا طيب.

القارئ: ولا يقبل قوله: إنه غارم إلا ببينه فإن صدقه الغريم فعلى وجهين.

ص: 81

الشيخ: يقول المؤلف: لايقبل قوله: إنه غارم إلا ببينه لأن الغرم لا تتعذر إقامة البينة عليه ولكن الصواب أن من لم يعرف بغنى فإنه يقبل قوله لأنه قد يتعذر إقامة البينة في المكان الذي هو فيه الآن فإن قال قائل: هل الوثائق بينه ولا سيما إذا كانت صورة وثيقة؟ نقول: من نظر إلى حال الناس اليوم قد يتوقف ويقول: ليس ببينة لأن كثيراً من الناس تكتب له الوثيقة في الديون ويحتفظ بها ويوفي كثيراً منه أو أكثره ثم يأتي بوثيقة يستجدي بها الناس فهذا يوجب الإنسان التوقف لكن المؤلف رحمه لله إذا أردنا أن نأخذ بكلامه نقول أى واحد يقول: إنه غارم لابد أن يقيم بينه إن صدقه الغريم هل يقبل أو لا؟ يقول المؤلف: فيه وجهان أى قولان للعلماء قول: إنه يقبل وقول ثان إنه لا يقبل لأن الغريم متهم وسبق نظير هذه فالغريم يتهم يمكن أن يتفق اثنان ويقول أحدهما: ادع أني أطلبك وأنا غريمك وأنا سأصدقك والذي تحصله يكون بيننا يمكن لاسيما في البلاد الفقيرة والذين يتحايلون على الأموال بكل شيء لكن كما قلنا: إذا غالب على ظنك صدق المدعي قُبل بلا بينة ولا حاجة لتصديق الغريم.

القارئ: ويجوز للرجل دفع زكاته إلى غريمه وأخذها منه لما ذكرنا في المكاتب.

ص: 82

الشيخ: لكن بشرط أن لا يتواطآ على ذلك يعنى مثلاً يجوز للرجل أن يدفع الزكاة إلى غريمه ولاسيما إذا كان له غرماء آخرون فإذا أعادها عليه فلا بأس مثال ذلك أنا أطلب رجلاً عشرة آلاف ريال وعندي زكاة عشرة آلاف ريال فأعطيته إياها والرجل حريص على إبراء ذمته وهو لم يذهب ليشتري بها أشياء غير لازمه فأعطاني إياها يجوز لأنني أنا ما قلت له خذ زكاتي وردها علي لاسيما إذا كان له غرماء آخرون مثل أنا أطلبه عشرة آلاف ريال وفلان يطلبه عشرة والثالث يطلبه عشرة فجواز هذه واضح ولا إشكال فيها لكن الذي فيه توقف وتردد إذا كنت أعرف أن الرجل حريص على إبراء ذمته وأنه لا يطلبه أحد إلا أنا ثم أعطيته بقدر دينه عليه فهذه قد يتردد المرء في هذا لأنني أعرف أن هذا الرجل سوف يردها لي فإن قال قائل: إذا كنت تخشى من ذلك فأبرئه من الدين وانوه من الزكاة قلنا: هذا لا يجوز وهذا هو الذي جعلنا نتردد في إعطائه الدين الذي يطلبه صاحب الزكاة لأنه يكون كأنه حيلة على الإبراء.

السائل: بارك الله فيك إذا اقترض الرجل من بنك ربوي قرضاً وظن أنه يقدر على الوفاء لكنه عجز وجاء وقال: أنا الآن تبت وندمت وأعلم سوء البنوك وأريد قضاء هذا الدين ويريد أن يوفى عنه الدين؟

الشيخ: هنا لاشك أننا إذا علمنا أن الرجل تاب لأن كثيراً من الناس لا يعرفون أن البنوك حرام لاسيما في بلاد لا تنتشر فيها وسائل الدعوة إذا علمنا أنه تاب حقيقة فلا شك في جواز قضاء الدين الذي هو رأس المال مثلاً عشرة آلاف جعلها البنك عليه اثني عشر ألفاً لا بأس أن نقضي عنه العشرة لأنه بحق لكن الزائد هل نقضيه عنه؟ هذا مشكل لأن صاحب البنك سوف يطالبه بها غصباً عليه فهل نعطيه أو نقول والله نحن نعطيك الشيء المباح والشيء الحرام لك أن تقول لصاحب البنك إنه لا حق لك علي إلا رأس مالك.

مسألة: لو أن الإنسان ذهب إلى غريم المدين وأعطاه بدون علمه هل يجزيء؟ نعم يجزيء لأن الله قال: (وَالْغَارِمِينَ).

ص: 83

مسألة: لو أن الغارم كان ميتاً وليس له تركه وقُضي دينه من الزكاة يجزيء أو لا؟ لا يجزيء وحكاه ابن عبد البر وأبو عبيد بن سلام إجماعاً وأنه لا يجزيء لكن حقيقة أن فيه وجهاً في مذهب الإمام أحمد: أنه يجزيء والراجح عدم الإجزاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت الزكاة عنده وكان الميت يموت ليس له وفاء ولا يوفيه من الزكاة بل يعمد إلى ترك الصلاة عليه ولو انكسرت قلوب أهله ولا يدفع من الزكاة ولو كان دين الميت يجوز دفع الزكاة فيه وأعنى الدين الذي عليه لكان الرسول عليه الصلاة والسلام أرحم الخلق بالخلق يدفع عنه ويصلي عليه ولما فتح الله عليه وكثر المال عنده والمغانم صار يقضي الديون عن الأموات ويصلى عليهم.

مسألة: لو أبرأ الإنسان غريمه بنية الزكاة إنسان مثلاً زكاته عشرة آلاف ريال وله غريم ضعيف مدين بعشرة آلاف ريال وقال: يا فلان إني عفوت عنك ونواها من الزكاة لا يجزيء قال شيخ الإسلام رحمه الله: بلا نزاع ووجه ذلك أن الدين بمنزلة الرديء في إخراج الزكاة عن الطيب لأن المال الذي بيدك تتصرف فيه كما شئت تبرعاً وتصرفاً كل شيء والدين ليس كذلك الدين قد يكون صاحبه لا يرجى أن يوفي ولا في المستقبل البعيد فيكون هذا كالتالف وأيضاً لا يمكن للإنسان أن يتصرف فيه كما يتصرف في المال الذي بيده لو أراد أن يبيعه على أحد ما صح ولو أراد أن يجعله أجرة في سكن ما صح فلذلك لا يجزيء إبراء الغريم الفقير من الزكاة بل نقول: أعطه من زكاتك إن شاء أوفاك وإن شاء أعطى غيرك.

القارئ: الصنف السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان إذا نشطوا غزوا ويعطون قدر ما يحتاجون إليه لغزوهم من نفقة طريقهم وإقامتهم وثمن السلاح والخيل إن كانوا فرسانا وما يعطون السائس وحمولتهم إن كانوا رجالاً مع الغنى لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين ولا يعطى الراتب في الديوان لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء.

ص: 84

الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز أن نشتري سلاحاً للمجاهدين من الزكاة لكن نعطي المجاهد نقول اشترِ سلاحاً والصواب: أنه يجوز أن نشتري الأسلحة للمجاهدين في سبيل الله ونعطيهم إياها لكن على سبيل التمليك أم على سبيل العارية وإذا انتهوا ردوها إلى بيت المال؟ الأقرب الأول على سبيل التمليك لأن عموم قوله: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) يشمل هذا ويحتمل أن يقال إذا اشتريت لهم الأسلحة فإنهم إذا انتهوا منها يردونها إلى بيت المال لأننا إذا اشتريناها لهم صارت كأنها وقف والوقف لا يملك إذا كان على وجه عام.

القارئ: وفي الحج روايتان إحداهما: هو من سبيل الله فيعطى من الصدقة ما يحج به حجة الإسلام أو يعينه فيها مع الفقر لما روي أن رجلاً جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اركبيها فإن الحج من سبيل الله) والثانية: لا يجوز ذلك لأن سبيل الله إذا أطلق إنما يتناول الغزو ولأنه لا مصلحة للمسلمين في حج الفقير ولا حاجة به إلى إيجاب الحج عليه فلم يدفع إليه كحج النفل.

ص: 85

الشيخ: الصحيح أنه لا يعطى الفقير لحج فرضه من الزكاة لأننا نقول: إن الفقير إذا لم يكن عنده ما يحج به فليس عليه فرض إذ من شرط الوجوب: الاستطاعة وهذا ليس بمستطيع فحج الفقير الذي لا يقدر على الفريضة كحج النافلة تماماً لأنه حتى الآن لم يجب عليك فإن صح الحديث الذي ساقه المؤلف فإنه لا شك أنه لابد من القول به لكن الحديث لا يتبين لي صحته ولكن إن صح فالقول ما دل عليه الحديث وإن لم يصح فإنه لا يعطى الإنسان الفقير لفرض حجه من الزكاة بل يقال له إنه لا فرض عليك احمد الله على العافية وهذه مسألة صورتها إنسان عنده ما يكفيه لنفسه وعائلته مثلاً عنده راتب ثلاثة آلاف وهو ينفق على نفسه وعلى عائلته كل شهر ثلاثة آلاف وليس بحاجة لكنه لم يؤدِ الفريضة على قول من يقول إنه يعطى نعطيه ما يحج بها الفريضة خمسة آلاف أو عشرة آلاف الذي يكفيه وعلى القول الثاني: لا نعطيه وهذا القول هو الصحيح ما لم يصح الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم فإن صح فلا كلام.

السائل: هل يلحق بالمجاهدين في سبيل الله طلبة العلم؟

ص: 86

الشيخ: نعم ألحقهم بعض العلماء بالمجاهدين وقالوا: إذا تفرغ إنسان قادر على التكسب لطلب العلم فإننا نعطيه من الزكاة وإن كان قوياً جلداً نعطيه من الزكاة من أجل أن نفرغه لطلب العلم لأن طلب العلم جهاد في سبيل الله إذ أن الدين الإسلامي قام بالعلم والسيف كما قال الله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس) فقرن إنزال الحديد بإنزال الكتب يدل على أنهما قرينان في ظهور دين الله عز وجل وعلى هذا فنقول: إنه إذا وجد طلبة علم قادرون على التكسب يستطيع الإنسان أن يعمل ويحصل ما تقوم به حياته لكن يريد أن يتفرغ لطلب العلم فهل نعطيه من الزكاة ليتفرغ لطلب العلم؟ الجواب: نعم نعطيه وهل نشتري من الزكاة كتباً للمكتبة التي يرتادها طلبة العلم؟ على القول بأنه يجوز أن نشتري أسلحة للمجاهدين: نعم يجوز أن نشتري كتباً لطلبة العلم أما إذا قلنا إنه لا يجوز أن نشتري بها أسلحة فلا يجوز أن نشتري بها كتباً.

القارئ: الصنف الثامن ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به وله اليسار في بلده فيعطى من الصدقة ما يبلغه.

الشيخ: سمي ابن سبيل لأنه ملازم للسبيل إلى الآن وهو في طريقه ملازم له فسمي ابن سبيل كما سمي طير الماء ابن الماء دائماً تكون على البحار والماء فيسمونه طير الماء.

القارئ: فأما المنشي للسفر من بلده فليس ابن سبيل لأن السبيل الطريق وابنها الملازم لها الكائن فيها والقاطن في بلده ليس بمسافر ولا له حكم السفر فإن كان هذا فقيراً أعطي لفقره وإلا فلا، ومن كان سفره لمعصية فهل يدفع إليه بعد التوبة ما يرجع به؟ على وجهين كما ذكرنا فيمن غرم لمعصية.

ص: 87

الشيخ: لكن هذا يدفع عنه من باب أولى إنسان مثلاً وجدناها في أثناء الطريق قد سافر والعياذ بالله ليتمتع متعة محرمة في بلد ما فلما علمنا أنه يريد هذا نصحناه أن اتق الله هذا حرام ولا يجوز فقال: والله الآن ما معي شيء أرجع به إلى بلدي الآن تبت إلى الله سأرجع لكن ما عندي مال فهل نعطيه من الزكاة؟ نعم نعطيه هذا أولى من مسألة الرجل إذا تاب من المعصية لأنه واضح أنه يريد أن يرجع عن بلد المعصية.

السائل: أحسن الله إليك هل يجوز دفع الزكاة لمن أراد الزواج؟ وما حكم من أخذها ظناً منه أنه تجوز له؟

الشيخ: إذا كان محتاجاً للزواج فلا بأس وليس عنده مهر هذه من أعظم الحاجات.

فصل

القارئ: ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر مما تندفع به حاجته فلا يزاد الفقير والمسكين على ما يغنيهما ولا العامل على أجرته ولا المؤلفة على ما يحصل به التأليف ولا الغارم والمكاتب على ما يقضي دينهما ولا الغازي على ما يحتاج إليه لغزوه ولا ابن السبيل على ما يوصله لبلده لأن الدفع لحاجة فوجب أن يتقيد بها وإن اجتمع في واحد سببان كالغارم الفقير دفع إليه بهما لأن كل واحد منهما سبب للأخذ فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد.

ص: 88

الشيخ: ما قاله المؤلف صحيح هؤلاء المستحقون للزكاة لا يدفع إليهم إلا بقدر الحاجة فالفقير مثلاً نعطيه ما يغنيه لكن لم يبين المؤلف رحمه الله حد ما نعطي الفقير وقد بينه الفقهاء وقالوا: يعطى ما يكفيه وعائلته لمدة سنة وخصوها بالسنة لأن الزكاة تجب كل سنة لاسيما إذا كان الناس يعتادون أن يدفعوها في أول محرم كما قال المؤلف فيما مر علينا فيعطى مثلاً ما يكفيه وعائلته إلى سنة ثم نقتصر وقد ذكرت أن أقرب ما يمكن تمثيله في هذه المسألة رجل موظف راتبه ثلاثة آلاف ولكن لا يكفيه وعائلته إلا خمسة آلاف فهنا نعطيه أربعة وعشرين ألفاً أما من كان عنده مال يعني هو غير موظف وليس له مثلاً تجارة يتكسب بها ولا راتب ولا إجارة عقارات فهذا في الحقيقة ما تستطيع أن تقول هذا يكفى لمدة سنة لماذا؟ لأنه قد يعتريه زيادة الأسعار فيكون عنده مثلاً اثناعشر ألفاً وكل شهر له ألف لكن زادت الأسعار وصار يحتاج كل شهر ألفين لهذا نقول: أقرب مثال ما ذكرنا ولا بأس أن نمثل نقول إنسان عنده عشرة آلاف الآن موجودة في صندوقه تكفيه لمدة سنة نقول: هذا ما نعطيه لأن العشرة تكفيه لمدة سنة فإذا قال: ربما يحدث علي مرض أحتاج إلى علاج ربما تزيد السلع قلنا: في هذه الحال إذا جاءت الحاجة أعطيناه وانتهى الإشكال.

فصل

القارئ: وأربعة يأخذون أخذاً مستقراً لا يرجع عليهم بشيء الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة.

وأربعة يأخذون أخذاً مراعاً الرقاب والغارمون والغزاة وابن السبيل إن صرفوه فيما أخذوا له وإلا استرجع منهم.

ص: 89

الشيخ: هؤلاء الأربعة الذين يأخذون أخذاً مستقراً لو أنه زالت حاجتهم في أثناء السنة فإنهم لا يردون ما أخذوا فلو أننا أعطينا فقيراً عشرة آلاف ريال بناء على أنه فقير وعشرة آلاف ريال تكفيه لمدة سنة ثم إن الله أغناه في أثناء السنة وملك عشرات الآلاف هل يرد ما أعطيناه؟ لايردها لأنه ملكها: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وأما الغرم فلو أننا أعطينا هذا الرجل ليقضي دينه فلما ذهب بها إلى الدائن قال الدائن: إني قد أبرأتك هل يردها أو لا؟ نعم يردها لأنه أعطيناه لقضاء الدين وقد أبريء منه ولو أنه أعطيناه لقضاء الدين وقال غريمه: إني إبرأتك لكنه محتاج هو نفس الفقير هل يجوز أن يصرف ما أخذه في فقره؟ لا لأنه أخذه على أنه يقضي به الدين فيجب أن يصرفه في هذا لكن لا بأس أن يقول للذي أعطاه الزكاة: إني قد برئت من الدين ولكني محتاج وفقير حينئذٍ له أن يقول: خذه لك لأنه أحياناً الإنسان يقضي الدين عن الفقير ولا يعطيه للفقير لأن الفقير إذا جاءه المال ولا سيما إن كان كثيراً أفسده لكن إذا قضينا دينه أبرأنا ذمته وصار حراً طليقاً من الديون فكثيراً ما يختار الإنسان قضاء الدين عن دفع الحاجة لأنه يعرف أن الفقير إذا أعطي ولاسيما إذا كان مالاً كثيراً لا يحسن التصرف فيه لكن إذا قضينا دينه انتفع به.

القارئ: وإن فضل مع المكاتب شيء بعد أداء كتابته أو مع الغارم بعد قضاء غرمه أو مع الغازي بعد غزوه أو مع ابن السبيل بعد وصوله إلى بلده استرجع منهم فإن استغنوا عن الجميع ردوه وإن عجز المكاتب رجع على سيده بما أخذ لأن الدفع إليهم لمعنى لم يوجد وقال الخرقي إذا عجز المكاتب ورد في الرق وقد كان تصدق عليه بشيء فهو لسيده.

ص: 90