المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب دخول مكة وصفة العمرة - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٣

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب دخول مكة وصفة العمرة

أما دم الإحصار فإن غلبنا جانب الجبران قلنا لا يؤكل وإن غلبنا جانب الشكران قلنا إنه يؤكل وإذا نظرنا إلى الأمر وجدنا أننا نغلب جانب الشكران أنه شكر لله عز وجل على التحلل من النسك الذي تلبس به ولهذا لا يجزئ هذا النسك عن الفريضة ولو كان جبرانا لأجزأ عن الفريضة لأنه يجبرها فهو من باب الشكران ولهذا عبر الله عنه كما عبر عن دم المتعة فقال جل وعلا (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وقال تعالى في التمتع (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وقال في جزاء الصيد وفدية الأذى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فدل ذلك على الفرق وعليه فدم الإحصار يجوز أن تأكل منه وأن تهدي وتطعم الفقراء لكن لا بد من إطعام الفقراء.

أما الزمن فدم المتعة والقران زمنه كزمن الأضحية يعني في يوم العيد وما بعده ثلاثة أيام.

وأما غيره فوقته وقت وجود سببه مثل ما وجب لفعل محظور أو ترك واجب أو ما أشبه ذلك فحيث وجد السبب.

‌باب دخول مكة وصفة العمرة

القارئ: ويستحب لمن أراد دخول مكة أن يغتسل ويدخلها من أعلاها من ثنية كَداء ويخرج من أسفلها لما روي عن ابن عمر أنه كان يغتسل ثم يدخل مكة ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية العليا التي بالبطحاء وخرج من الثنية السفلى متفق عليهما.

ص: 466

الشيخ: أولاً يسن لمن أراد دخول مكة أن يغتسل استعدادا للطواف حول البيت والثاني أن يدخل من أعلاها ودخوله من أعلاها وخروجه من أسفلها هل هذا تعبد أو لأنه أسهل؟ على كلام المؤلف أنه من باب التعبد وعلى هذا فإذا جئت من طريق جدة تدور حول مكة وتدخل من أعلاها من الشرق وقال بعض أهل العلم إن هذا من باب الأسهل وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دخل من أعلاها وخرج من أسفلها لأنه أسهل فإن تيسر لك أن تدخل من أعلاها وتخرج من أسفلها فهذا هو المطلوب وإن لم يتيسر كما هو الغالب في عصورنا هذه فادخل حيث تيسر لك.

وأما الاغتسال فهل نقول إن الاغتسال في السيل الآن للإحرام يغني عن الاغتسال لدخول مكة لأنه ليس بينه وبين دخول مكة إلا ساعة أو نحوه أو نقول إذا أردت تطبيق السنة عند دخول مكة قف واغتسل؟ هذا محل تردد عندي أنا متردد في ذلك لأن الذين يغتسلون في السيل أو يغتسلون في رابغ يقدمون إلى مكة دون أن يحصل لهم شعث أو غبرة فالمقصود حاصل وفيما لو قلنا بأنه سنة عند دخول مكة مع قرب اغتسالهم للإحرام مشقة على الناس وربما يأتي إنسان يقول أنا أريد أن أفعل السنة ويفعلها الثاني والثالث فيحصل زحام فالظاهر إن شاء الله أنه يكتفى بالاغتسال إذا كان عند ركوبه إلى مكة أما من أحرم من ذي الحليفة فالمسافة بعيدة فيغتسل عند دخول مكة.

القارئ: ويستحب أن يدخل المسجد من باب بني شيبة لقول جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ارتفاع الضحى فأناخ راحلته عند باب بني شيبة ودخل المسجد رواه مسلم.

الشيخ: وهذا كالأول هل هو مقصود أم حصل اتفاقا؟

ص: 467

وباب بني شيبة يقابل الباب الذي يدخل منه الناس الآن من عند المسعى وكان باب بني شيبة أدركناه كان فيه قوس على عمودين قريبا من مقام إبراهيم ومكان زمزم وأنا أتعجب كيف يسع الناس هذا القليل من الأرض يعني باب بني شيبة كان قريبا جدا إلى مقام إبراهيم وإلى مكان زمزم لكن الآن إذا أخذت اتجاها خطا مستقيما تخرج من عند ما يسمونه الآن باب السلام.

القارئ: ويستحب أن يدعو عند رؤيته البيت ويرفع يديه لما روى ابن جريج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال (اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وبرا) رواه الشافعي في مسنده.

الشيخ: هذا الحديث ضعيف لأنه مرسل ولهذا لم يستحبه بعض أهل العلم وقال ليس هناك دعاء عند رؤية البيت وإنما يدخل المسجد الحرام ويقول كما يقول في أي مسجد آخر.

القارئ: وعن سعيد بن المسيب أنه كان حين ينظر إلى البيت يقول (اللهم أنت السلام ومنك السلام حينا ربنا بالسلام) ذكر الأثرم هذا الدعاء وزاد (الحمد لله رب العالمين كثيرا كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله الحمد لله الذي بلغني بيته ورآني لذلك أهلا الحمد لله على كل حال اللهم إنك دعوت إلى حج بيتك الحرام وقد جئتك لذلك اللهم تقبل مني واعف عني وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت) وما زاد من الدعاء فحسن.

الشيخ: ولكن إذا قلنا بأن العبادات توقيفية كما هو واضح فإنه إذا لم يثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يقال لأن هذا سنة قولية وفعلية ومكانية فلا بد من ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإلا فيقال هذا اجتهاد ممن فعله وليس كل مجتهد مصيباً.

فصل

البدء بالطواف عند القدوم

ص: 468

القارئ: ويبدأ بالطواف لما روت عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة توضأ ثم طاف بالبيت) متفق عليه ولأن الطواف تحية المسجد فاستحبت البداءة به كالركعتين في غيره من المساجد.

الشيخ: أما الأول فصحيح ولا حاجة للتعليل الذي ذكره المؤلف فيكفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يقدم مكة يبدأ بالطواف قبل أن يذهب إلى بيته ينيخ راحلته صلوات الله وسلامه عليه عند البيت ويطوف وأما قوله رحمه الله ولأن الطواف تحية المسجد فهذا غير صحيح تحية المسجد الحرام كغيره من المساجد لعموم قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين) لكن من دخل ليطوف فطاف كفته ركعتا الطواف عن تحية المسجد.

القارئ: وينوي المتمتع به طواف العمرة وينوي المفرد والقارن الطواف للقدوم.

الشيخ: والأول ركن والثاني سنة يعني الطواف هذا ركن بالنسبة للمتمتع وسنة بالنسبة للقارن والمفرد والدليل على سنيته حديث عروة بن المضرس أنه سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صبيحة يوم العيد في مزدلفة أنه أتى من جبل طي ولم يدع جبلا إلا وقف عنده ولم يذكر أنه دخل مكة وطاف ولم ينبهه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك فدل على أن طواف القدوم ليس بواجب بالنسبة للقارن والمفرد.

القارئ: ويسن الاضطباع فيه وهو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن ويتركه مكشوفا ويرد طرفيه على منكبه الأيسر لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى رواه أبو داود.

ص: 469

الشيخ: عمرة الجعرانة كانت في ذي القعدة حين رجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الطائف ونزل في الجعرانة فدخل ليلاً مع بعض أصحابه وليس مع الجميع فأتى بعمرة عليه الصلاة والسلام واضطبع وكيفية الاضطباع أن يجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على كتفه الأيسر في جميع الطواف وليس في الثلاثة الأشواط الأولى منه وليس في السعي بعده ولا في السير قبله خلافاً لما عليه عامة المسلمين اليوم مع الأسف أنهم يضطبعون من حين أن يحرموا ولكن هذا جهل منهم والواجب على طلبة العلم أن ينبهوا على هذا.

القارئ: ويطوف سبعاً يبتدئ بالحجر الأسود فيستلمه لقول جابر حتى أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ومشى أربعا ومعنى استلامه مسحه بيده ويستحب تقبيله لما روى أسلم قال رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر وقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك متفق عليه فإن لم يمكنه تقبيله استلمه وقبل يده لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده رواه مسلم.

الشيخ: المؤلف رحمه الله تعبيره بقوله (لما روي) مع أنه في مسلم على غير اصطلاح المحدثين لأن روي إنما تقال في الحديث الضعيف فيجب أن ينتبه لهذا.

القارئ: فإن استلمه بشيء في يده قبله لما روى ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن رواه مسلم وإن لم يمكنه أشار بيده إليه لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير كلما أتى الركن أشار إليه وكبر.

الشيخ: هذه المراتب أربعة أعلاها أن تستلم وتقبل ثم أن تستلم بيدك وتقبلها ثم أن تستلم بشيء في اليد كمحجن أو مقصرة أو ما أشبه ذلك وتقبلها ثم الإشارة ولا تقبل لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام ولأنه لا يمكن قياس الإشارة على الاستلام لأن الاستلام قد باشر الحجر.

ص: 470

فإن قال قائل هل إذا علمت أنني لن أصل إليه بيدي هل يسن أن أحمل عصا حتى أستلم به الحجر وأقبل العصا؟ نقول لا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحمل المحجن إلا من أجل البعير فهو لحاجة ثم إنه فيه أذية للناس فلذلك لا يسن أن يحمل الإنسان العصا من أجل أن يستلم بها الحجر.

وفي قول عمر رضي الله عنه إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع إشارة إلى كمال توحيده رضي الله عنه وأن النفع والضرر إنما هو بالله أما الأحجار وغيرها فلا تضر ولا تنفع.

وفيه أيضاً رد لما يفعله بعض الناس الآن من التبرك في مس الكعبة من أي جانب كان وقد رأينا بعض الناس يكون معه أطفاله فيستلم الركن اليماني ثم يمسح أطفاله بيده ولا شك أنه أراد بذلك التبرك وهذا غلط يجب على طلبة العلم إذا رأوا أحدا يفعل ذلك أن يبينوا له أن هذا ليس بمشروع وأن هذه الأحجار لا تنفع ولا تضر ولو أنا قدسنا الكعبة لأنها حجر لكان هذا نوع من الوثنية لكنا نقدسها لأنها بيت الله ولا نقدسها إلا على حسب ما جاءت به شريعة الله فقط.

وفيه أيضا قوة التأسي من عمر رضى الله عنه برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقبلك ما قبلتك.

ص: 471

وفيه أيضا أن بعض أفعال الحج تعبدي محض لا نعلم له علة إلا مجرد التعبد وكون الإنسان يتعبد الله بما لا يعقل معناه هذا أكمل في العبادة صحيح أن الإنسان إذا علم المعنى وعقله يكون أشد قبولا للعبادة لأن نفسه تطمئن أكثر لكن إذا تعبد بشيء لم يعلم الحكمة منه كان هذا أدل على ذله وخضوعه لله عز وجل وأنه مسلِّم لشرعه كما هو مسلِّم لقدره ومن ذلك كوننا نأخذ حجرات ونرمي بها مكاناً معيناً وأعنى بذلك الجمرات هل هذا إلا عبادة محضة وتسليم للشرع؟ وأما ما ذكر أن الشيطان تعرض لإبراهيم في هذا المكان وأنه رماه بالحصى فهذا لا صحة له بل يقال أن هذا موضع رماه النبي صلى الله عليه وسلم بأحجار فنحن نتعبد لله تعالى متأسين برسوله الله عليه الصلاة والسلام.

القارئ: ويستحب أن يقول عنده ما روى عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند استلامه بسم الله والله أكبر إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: وهذا الحديث فيه ضعف لكنه صح من فعل ابن عمر رضي الله عنهما فقوله في الابتداء طيب (بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك) يعني أفعل هذا إيمانا بك (وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

القارئ: ويحاذي الحجر بجميع بدنه ليستوعب جميع البيت بالطواف ثم يأخذ في الطواف على يمين نفسه ويجعل البيت على يساره ويطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأولى.

ص: 472

الشيخ: قوله يحاذي الحجر بجميع بدنه هذا المذهب وأنه لا بد أن تحاذي الحجر بجميع البدن وقيل إذا حاذاه ببعض بدنه كفى وهذا ينفعك عند الزحام الشديد ولكن الاحتياط أن تحاذيه بجميع البدن ومن نعمة الله عز وجل أنه وضع الآن خط بنيّ يعرف به ابتداء الطواف وانتهاء الطواف أيضاً وكان فيما سبق هناك خطان أحدهما على يمين الحجر والثاني على يساره بحيث يكون الحجر متوسط بينهما لكن حصل في ذلك مفسدة فصاروا يبدؤون من الخط الذي دون الحجر وينتهون بالخط الذي قبل الحجر وهذا معناه أنهم لم يكملوا الطواف فيسر الله عز وجل إزالة الخطين واقتصر على خط واحد يبتدئ من قلب الحجر نسأل الله تعالى أن يوفق الحكومة لما فيه الخير، وأن يديم هذا الخط حتى لا يلتبس الأمر لأنه كان بالأول ولا سيما مع الزحام وبعد الإنسان عن الكعبة يحصل عندهم ارتباك هل أنا وازنت الحجر أم لم أوازنه وتجد الإنسان ربما يأخذ مسافة كبيرة احتياطية مع المشقة الشديدة عليه لكن الحمد لله هذا ريَّح الناس.

القارئ: ويطوف سبعا يرمل في الثلاث الأول منها وهو إسراع المشي مع مقاربة الخطى ولا يثب وثبا.

الشيخ: هذا الرمل له سبب سببه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما صالح قريشا في الحديبية على أن يأتي معتمرا في العام القادم وجاء أراد المشركون أن يشمتوا بالرسول وأصحابه فقالوا إنه يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب يعني حمى المدينة نجلس وننظر فجلسوا نحو دار الندوة من شمال الكعبة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا في الأشواط الثلاثة من الحجر إلى الركن اليماني وأن يمشوا ما بين الركنين.

أولا لم يأمرهم في إكمال السبعة لئلا يشق عليهم ذلك.

ص: 473

وثانيا أذن لهم أن يمشوا ما بين الركنين لأنهم في هذا المكان يغيبون عن قريش لا يشاهدونهم والمقصود من الرمل إغاظة المشركين وإذا غابوا عنهم لا يدرون عنهم لكن في حجة الوداع رمل النبي عليه الصلاة والسلام في الأشواط الثلاثة كلها من الحجر إلى الحجر فعلم بهذا أن هذه السنة ثابتة ولو زال سببها وأنها أيضا زيدت على ما كانت عليه عند وجود السبب لأنها في ذلك الوقت كانت مبنية على السبب مع التعبد لله عز وجل بإغاظة المشركين أما في حجة الوداع فهي تعبد محض فهل نحن إذا رملنا نتذكر أن سبب هذا الرمل إغاظة المشركين؟ قليل من يتذكر هذا ولكن ينبغي أن نشعر بهذا أننا نفعله تعبدا لله واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونذكر أننا مأمورون بكل ما يغيظ الكفار بل قد قال الله تعالى (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) وقال تعالى (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِح) فينبغي أن نتذكر هذه المعاني الجليلة أن أصل هذا الرمل هو إغاظة المشركين.

وقول المؤلف في تفسيره إسراع المشي مع مقاربة الخطى هل المعنى أنه يتقصد تقريب الخطى أو المعنى الإسراع بدون مد الخطوة لأنه جرت العادة أن الإنسان إذا أسرع تمتد خطوته؟ يحتمل هذا وهذا والثاني عندي أقرب أن المعنى إسراع المشي لكن بدون أن يمد خطوه بل يكون على العادة وأما ما يفعله بعض الناس الآن في الرمل من كونه يمشي الهوينا ولكن يهز كتفيه كأنه يرقص فهذا لا شك أنه خطأ حتى ولو في الزحام من قال أنه يشرع هز الكتفين؟ في الزحام امش على العادة لا تشق على الناس ولا تشق على نفسك.

ص: 474

إذا كان محمولا أو كان على عربية فهل يشرع لحامليه أن يرملوا ولمن يدف العربية أن يسرع؟ قال بعض العلماء لا لأن الإسراع إنما المقصود به بيان جلد الطائف وقوته والمحمول لا يتحرك وكذلك المدفوف وعندي في هذا توقف ويحتاج إلى تحرير إن شاء الله تعالى وربما نحرره.

القارئ: ويمشي أربعاً لحديث جابر وروى ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا متفق عليه ولا يرمل في غير هذا الطواف لذلك فإن ترك الرمل في الثلاث لم يقضه في الأربع لأنه سنة فات محلها فلم يقضه في غيره كالجهر في الأوليين لا يقضى في الأخريين.

الشيخ: ولأنه لو قضاه في الأربعة الباقية لفوت السنة في الأربعة لأن الأربعة السنة فيها المشي وكما قال المؤلف سنة فات محلها كما أن الإنسان لو شرع في الفاتحة ونسي الاستفتاح فإنه لا يشرع له قضاؤه ويقال إنه سنة فات محلها وكذلك ما ذكره المؤلف الجهر في الأوليين لا يقضى في الأخريين لأنه لو قضاه لفوت السنة في الأخريين لأن السنة فيها الإسرار.

السائل: هل يشرع الإنكار على من يتمسح مثلاً بالكعبة وما أشبه ذلك وهو يطوف؟

الشيخ: نعم ما لم يصل الحد إلى الإخلال بالطواف مثل أن يكون الناس كثيرين ولو ذهب ينصح كل واحد لفاته مقصود الطواف هذه واحدة والشيء الثاني لا بد أن يغلب على الظن قبول الحاج لأن بعض الناس ما يقبل أبدا وربما يقول لك أنت وهابي.

القارئ: ولو فاته الرمل والاضطباع في هذا الطواف لم يقضه فيما بعده كمن فاته الجهر في الصبح لم يقضه في الظهر ويكون الحجر داخلا في طوافه لأن الحجر من البيت.

ص: 475

الشيخ: قوله إن الحجر من البيت هذا ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي في الكعبة فقال لها (صلي ها هنا فإن الحجر من البيت) فظاهره أن جميع الحجر من البيت لكن المشهور عند العلماء الذي من البيت من الحجر نحو ستة أذرع ونصف تقريبا عند منحنى الحجر ولكن العلماء متفقون على أنه لا بد أن يكون الحجر داخلا في طوافه وأن الإنسان لو دخل من الفتحتين اللتين بين الحجر والبناء القائم فإن طوافه لا يصح.

القارئ: ولا يطوف على جدار الحجر ولا شاذروان الكعبة لأنه من البيت فيجب أن يطوف به.

الشيخ: لقوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ) ولم يقل في البيت ولو قال في البيت لصح أن يطوف داخل الحجر لأنه طاف في البيت لكنه تعالى قال (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ) والباء تقتضي الاستيعاب كما هي في قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُم) أي بجميع الرؤوس.

ص: 476

وقوله ولا شاذروان الكعبة ما الشاذروان هذا الطوق المحيط بالكعبة من أسفل كان مبنياً مسطحا ويمكن الطواف به أما الآن فلا يمكن الطواف به لأنه مزحلق لا يمكن للإنسان أن يطوف عليه إلا بتعب وعناء شديد واتكاء على أكتاف الناس مثلا لكن لا يجوز الطواف به وقول المؤلف لأنه من البيت هذا فيه نظر وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله إن الشاذروان ليس من البيت وإنما جعل عمادا له والبيت هو الجدار القائم أما هذا فهو عماد يعني ردف للجدار وليس من البيت وبناءً على هذا لو أن الإنسان يطوف حول الكعبة قريبا منها ثم زحم شديدا وصعد على هذا الشاذروان وجعل يمشي والناس قد زحموه متكئا على أكتافهم فعلى كلام المؤلف لا يصح طوافه وعلى ما ذهب إليه شيخ الإسلام يصح طوافه فنحن نقول قبل أن يشرع الإنسان في الطواف لا تطف على الشاذروان لكن لو جاءنا وقال لنا إنه وقع له مثل هذا الحال في طواف الإفاضة مثلا هل نقول إن حجك لم يتم الآن؟ على كلام المؤلف نقول لم يتم وعلى ما ذكره الشيخ نقول إن طوافك صحيح لأن الطواف على الشاذروان صحيح.

السائل: ماذا يقول المستلم للحجر الأسود وماذا يقول المؤشر لأن بعض أهل العلم يفرقون في ذلك وهل يسن السجود عليه؟

الشيخ: لا فرق بين المستلم والمؤشر كلاهما يكبر عند الاستلام أوعند الإشارة ولا فرق إنما الفرق في الابتداء وبقية الأشواط ففي الابتداء يقول بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وفي الدوران في الأشواط يكبر فقط.

أما السجود عليه فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فعله ولكن ليس فيه سنة عن الرسول عليه الصلاة والسلام متبعة.

ص: 477

القارئ: ولا يستلم الركن العراقي ولا الشامي لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني وما تركت استلامهما منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما في شدة ولا رخاء رواه مسلم وقال ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم استلم الركنين اللذين يليان الحجر إلا لأن البيت لم يتم على قواعد ابراهيم عليه السلام متفق عليه ولا طاف الناس من وراء الحجر إلا لذلك.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله إنه لا يستلم الركن العراقي ولا الشامي والركن العراقي هو الذي يلي الحجر الأسود وأما الشامي فهو الذي يليه من الغرب لا يستلمهما لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يستلمهما وهذه عبادة والعبادات توقيفية وما رآه ابن عمر رضي الله عنهما من العلة في عدم استلامهما صحيح لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام بنى الكعبة على أوسع من هذا ولما هدمها قريش وعمروها قصرت بهم النفقة فرأوا أن يخرجوا جزءاً منها وسموه الحطيم لأنه حطم من الكعبة أو الحجر لأنه حجّر وبقي الحجر الأسود والركن اليماني على قواعد إبراهيم ولهذا سن استلامهما وقد رأى ابن عباس رضى الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يطوف ويستلم الأركان كلها فأنكر عليه فقال له معاوية ليس شيء من البيت مهجورا فقال له ابن عباس لقد رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يستلم إلا الركنين اليمانيين وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فرجع معاوية.

فأقول ماذا لو رأى ابن عباس الآن جهال الأمة الإسلامية يستلمون كل شيء الأركان وغير الأركان وهذا كله بسبب الجهل وعدم تعليم العلماء للعامة وإلا فأظن أن العامة لو بين لهم من يثقون به في بلادهم لحصل خير كثير.

ص: 478

القارئ: وكلما حاذى الحجر كبر ويقول بين الركنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار لما روى عبد الله بن السائب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ما بين ركن بني جمح والركن الأسود رواه أبو داود ويقول في بقية الطواف اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بما أحب.

الشيخ: أما التكبير عند محاذاة الحجر فهذا سنة لاشك ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا يكبر عند محاذاة الركن اليماني ولهذا لم يذكره المؤلف رحمه الله لعدم وروده ولا يشير إلى الركن اليماني أيضا عند الزحام لعدم وروده ولا يصح القياس على الحجر الأسود لأن الحجر الأسود أوكد من الركن اليماني ولأنه يسن فيه التقبيل والركن اليماني لا يسن فهل نقول أيضا يسن التكبير في الركن اليماني قياسا على الحجر الأسود؟ لا إذاً نقول لا يسن فيه أيضاً الإشارة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وأما قوله يقول فيما بين الركنين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فللحديث الذي أشار إليه ولكن إذا كان المطاف زحمة وانتهى من هذا الدعاء قبل أن يحاذي الحجر فإنه يكرره وأما مازاده بعض العوام وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار فهذه من أكياسهم ولم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنما نهاية الذكر الوارد ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وإذا لم يصل إلى الحجر الأسود كرره.

ص: 479

وأما ما ذكره المؤلف اللهم اجعله حجا مبرورا فهذا استحسان من المؤلف وليدع الإنسان بما شاء لأنه لم يرد فيه شيء معين إلا التكبير عند الحجر الأسود وقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار واختير أن يكون هذا الدعاء في هذا المكان لأنه منتهى الشوط وكان من عادة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يختم دعاءه بهذا الدعاء (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

القارئ: ويستحب أن يدنو من البيت لأنه المقصود فإن كان يمكنه الرمل بعيدا ولا يمكنه قريبا فالبعيد أولى لأنه يأتي بالسنة المهمة.

الشيخ: أما قوله إذا تعارض الدنو من البيت والرمل فيقدم الرمل فهذا صحيح وذلك لأن القرب من الكعبة لم يكن فيه سنة وإنما هو اختيار من العلماء أن يكون أقرب إلى البيت لأنه هو المقصود وأما الرمل فقد ثبت به السنة فكان أوكد هذا من وجه ومن وجه آخر أن الرمل سنة تتعلق بذات العبادة والدنو من البيت سنة تتعلق بمكانها والمحافظة على ما يتعلق بذات العبادة أولى من المحافظة على ما يتعلق بمكانها أو زمانها ولهذا سن تأخير صلاة الظهر عند اشتداد الحر لأن ذلك أقرب إلى الخشوع في الصلاة وتأكد أن يؤخر الإنسان الصلاة إذا حضر الطعام أو دافعه الأخبثان مع أن الصلاة أول الوقت أفضل لكن تؤخر عن الأفضل في الزمان مراعاة لما يتعلق بذات العبادة وكذلك هنا نقول الرمل متعلق بذات العبادة فهو أولى من مراعاة المكان وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم وربما أيضا نمثل بإنسان وجد مكانا بالصف الأول وبقربه رجل له رائحة كريهة ويخشى إذا وقف في هذا المكان أن يتأثر في صلاته فنقول لا بأس أن تنتقل إلى مكان آخر مفضول مراعاة لما يتعلق بذات العبادة.

القارئ: ولا بأس بقراءة القرآن في الطواف لأنه صلاة والصلاة محل القرآن.

ص: 480

الشيخ: هذا التعليل فيه نظر بل لأنه ذكر من أفضل الذكر (وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حديث عائشة (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) وأما قوله لأنه صلاة والصلاة محل القرآن فيقال له الصلاة في بعض أركانها ليست محلاً للقرآن بل ينهى الإنسان أن يقرأ القرآن فيه كالركوع والسجود فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أوساجدا) حتى قال بعض العلماء إذا قرأ الإنسان وهو راكع أو ساجد بطلت صلاته لأنه أتى بقول منهي عنه فهو ككلام الآدميين الذي نهي عنه في الصلاة فالحاصل أن التعليل الصحيح أن يقال لا بأس بقراءة القرآن لأنه ذكر بل هو أفضل الذكر وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله).

القارئ: ويجوز الشرب في الطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم شرب في الطواف رواه ابن المنذر.

الشيخ: ويجوز الأكل في الطواف ويجوز الكلام ولا تجب قراءة الفاتحة فيه ولا يجب فيه التكبير ولا يجب استقبال القبلة فهو يخالف الصلاة في أكثر ما يتعلق بالصلاة وبه نعرف ضعف الحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) فهذا الحصر غير صحيح بل أبيح في الطواف أشياء كثيرة تحرم في الصلاة.

القارئ: ويستحب أن يدع الحديث كله إلا ذكر الله أوقراءة القرآن أو دعاءً أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباحكم فيه الكلام فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير) رواه الترمذي.

ص: 481

الشيخ: كل ماذكره صحيح إلا أنه إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشغله عن المقصود بالطواف فإنه يدعه يعني لو كان كل خطوة يرى منكراً وإذا أراد أن ينهى عن هذا المنكر انشغل عن الطواف لا سيما إن وجد من يجادله فلا يفعل محافظة على المقصود بالطواف وأما الحديث فقد عرفتم أنه ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فصل

(في ركعتي الطواف)

القارئ: فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم يقرأ فيهما بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وسورة الإخلاص لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين قرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد رواه مسلم وإن صلاهما في غير هذا الموضع أو قرأ غير ذلك أجزأه.

الشيخ: هاتان الركعتان سنة عند جمهور العلماء وذكر بعض أهل العلم وأظنه مذهب مالك رحمه الله أنهما واجبتان واستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما تقدم إلى مقام إبراهيم قرأ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) وجعل هذا الفعل تفسيرا للآية والأمر في الآية للوجوب فقرر وجوبهما ولكن جمهور العلماء على أنهما سنة وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان تركهما فإن تيسر في هذا المكان أي خلف مقام إبراهيم فهذا الأفضل فإن لم يتيسر ففي أي مكان من المسجد صلاهما أجزأ.

فإن قال إن صليت خلف المقام انشغلت بالناس وربما أضيق المطاف فأيهما أفضل أن أصلي في هذا المكان أو أن أتأخر وأصلي بطمأنينة؟

الثاني لأن هذا يتعلق بذات العبادة.

وفي هاتين الركعتين تستحب سنتان.

الأولى أن يقرأ في الركعة الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية أن يقرأ قل هو الله أحد مع الفاتحة.

ص: 482

والثانية أن يخففهما لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخففهما وإذا كانت السنة تخفيفهما فالمكث بعدهما ينهى عنه وذلك لأنك إذا مكثت بعدهما فقد حجزت ما لا تستحق عن غيرك لأن هذا المكان لمن أراد أن يصلي ركعتين خلف المقام وإذا كانت السنة أن تخفف ذات الركعتين فمن باب أولى أن تخفف الجلوس بعدهما فلا تجلس ولا حاجة للدعاء لكن بعض الجهال يأبون إلا أن يبقوا ويطيلوا الركوع والسجود والقراءة ويبقون يدعون بعد الصلاة وكل هذا من الجهل.

فصل

(في شرائط الطواف)

القارئ: ويشترط لصحة الطواف تسعة أشياء الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة لحديث ابن عباس وقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يطوف بالبيت عريان) متفق عليه ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فاشترط فيها ذلك كالصلاة وعنه فيمن طاف للزيارة ناسياً لطهارته حتى رجع فحجه ماض ولا شيء عليه وهذا يدل على أنها تسقط بالنسيان وعنه فيمن طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة فإذا رجع جبره بدم وهذا يدل على أن الطهارة ليست شرطا إنما هي واجب يجبره الدم وكذلك يخرج في طهارة النجس والستارة لأنها عبادة لا يشترط فيها الاستقبال فلم يشترط فيها ذلك كالسعي والوقوف.

ص: 483

الشيخ: يقول يشترط لصحة الطواف تسعة أشياء وشرط الشيء معناه أنه إذا تخلف فسد الشيء وهذا يحتاج إلى أدلة واضحة يمكننا أن نلاقي الله تعالى بها إذا أفسدنا عبادة عباد الله ولا يكفي الظنون أو التعليلات العليلة فمثلاً يقول يشترط الطهارة من الحدث والنجس وستر العورة أما ستر العورة فلقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يطوف بالبيت عريان) ولكن هل هذا يدل على فساد الطواف لو طاف عرياناً؟ يحتمل ذلك أو يقال هذا خالف في لباس وهذا شيء والطواف شيء آخر منفك لكن لا ينبغي أن يقال فيمن طاف عرياناً أنه يصح طوافه إذا كان عارياً بالكلية أما لو كان في إزاره شق ولم يعلم به أو كان إزاره خفيفاً ولم يقل الناس إن هذا أساء بلباس هذا الإزار فلا ينبغي أن يقال إن هذا طوافه باطل أما لو خلع والعياذ بالله إزاره بالكلية وصار يطوف عرياناً هذا لا بأس أن نقول لا طواف له لأنه يشبه المستهزئ ولأن الناس أيضاً لا يمكن أن يمكنوه.

أما الطهارة فيقول رحمه الله لأنها عبادة تتعلق بالبيت فاشترط فيها ذلك كالصلاة، لو أن المؤلف استدل بحديث ابن عباس السابق (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام) كما استدل به غيره لكان أحسن من هذا التعليل قد يقول قائل الاعتكاف يتعلق بالبيت (أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ) ومع ذلك لا تشترط الطهارة في الاعتكاف.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله الطهارة من النجاسة بمعنى أن لا يكون على الإنسان أو على بدنه أو على ثوبه أو في بقعته نجاسة كالصلاة وهذا أيضاً فيه نظر والصواب أنه إذا تطهر فهو أفضل لكن لو فرض أن الإنسان طاف بإزار نجس فإنه لا إعادة عليه أما إذا كان ناسياً أو جاهلاً فالأمر واضح وأما إذا كان متعمداً فليس هناك دليل يدل على هذا.

ثم ذكر المؤلف عنه فيمن طاف للزيارة ناسياً لطهارة حتى رجع فحجه ماض ولا شيء عليه وهذا يدل على أنها تسقط بالنسيان وسقوطها بالنسيان يدل على أنها ليست بشرط.

ص: 484

يقول وعنه فيمن طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكة فإذا رجع جبره بدم وهذا يدل على أن الطهارة ليست شرطاً وإنما هي واجب يجبره الدم فكذلك يخرج في طهارة النجس والستارة لأنها عبادة لا يشترط فيها الاستقبال فلم يشترط فيها ذلك والصواب أن يقال في التعليل لأنه لم يرد ما يدل على اشتراط هذا لصحتها وانتفاء الدليل كافٍ في عدم الإفساد بالعدم والصواب عندي أنه لا يشترط الطهارة في الطواف إلا طهارة الجنابة لأن الجنب ممنوع من المكث في المسجد لقوله تعالى: (وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ) فيكون بقاؤه بقاءً محرماً كبقاء الحائض والحائض قد منعها رسول صلى الله عليه وسلم من الطواف.

أما الطهارة من الحدث فليست بشرط ولكن لا يعني ذلك أننا نهون الأمر عند الناس ونعلن هذا ونقول أيها الناس طوفوا بلا وضوء لكن إذا جاءنا إنسان بعد أن فرغ من طوافه وقال إنه لم يتوضأ أو إنه أحدث في أثناء الطواف واستمر فإننا لا نأمره بالإعادة أما تهوين ذلك في نفوس الناس فهذا ليس بصواب لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم طاف طاهراً متوضئً وهذا سنة لا شك، هذا الذي نراه الصواب إن شاء الله.

القارئ: الرابع النية لأنها عبادة محضة فأشبهت الصلاة.

الشيخ: النية لاشك أنه لا تصح الأعمال إلا بها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) لكن هل تشترط النية لكل جزء من أجزاء الحج أو تكفي نية عامة هذا محل إشكال فمن العلماء من يقول تشترط النية لكل جزء من أجزاء الحج فالطواف له نية والسعي له نية والرمي له نية والوقوف له نية وما أشبه ذلك.

ص: 485

ومنهم من قال هذه أجزاء لا يشترط لها نية خاصة كما أن المصلي لا ينوي الركوع إذا أراد الركوع ولا السجود ولا الجلوس ولا القيام فإذا نوى الحج فهذه النية تعنى أنه نوى الحج بجميع أجزائه فلا حاجة لأن ينوي لكل جزء وهذا القول قد يكون أقرب للصواب كما أنه أيسر للعباد لأن كثيراً من الناس يأتي ومع الزحام الشديد ينوي أنه يطوف فقط لا أنه للعمرة أو أنه للحج ينوي الطواف هكذا فنقول له في هذه الحال إن طوافك صحيح مجزئ لأنه لو سألك سائل بعد انتهاء الطواف ماذا أردت من هذا الطواف لقلت الحج أو العمرة.

القارئ: الخامس الطواف بجميع البيت فإن سلك الحجر أو طاف على جدار الحجر أو على شاذروان الكعبة لم يجزئه لأن الله تعالى قال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق) وهذا يقتضي الطواف بجميعه والحجر منه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحجر من البيت) متفق عليه.

الشيخ: نعم هذا صحيح لا بد من الطواف بجميع البيت فإن طاف ببعضه فإنه لا يجزئه لقوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ) والباء للاستيعاب وليست للظرفية وإن كانت تأتي للظرفية لكن هنا لا تكون للظرفية وسبق الكلام على الطواف على الشاذروان وأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال إنه يجزئ وقلنا إن الإنسان لا يتعمد ذلك لكن لو فرض أنه مع الزحام الشديد أراد أن ينجو بنفسه فصعد على الشاذروان وصار يطوف فإن ذلك يجزئه.

القارئ: السادس الطواف سبعاً فإن ترك منها شيئاً وإن قل لم يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا فيكون تفسيراً لمجمل قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق) فيكون ذلك هو الطواف المأمور به وقد قال عليه السلام (خذوا عني مناسككم).

ص: 486

الشيخ: هذا أيضاً صحيح لا بد من الطواف سبعاً فإن نقص فطوافه غير صحيح فلا بد من استيعاب السبعة والدليل ما ذكره المؤلف رحمه الله أن الله أجمل فقال: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق) ولم يذكر عدداً ولكن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعاً بياناً لهذا المجمل وبيان المجمل له حكم المبين فيكون ذلك واجباً.

وهناك أيضاً تعليل آخر يقال إنه لو كان النقص على السبعة جائزاً لفعله النبي عليه الصلاة والسلام حين أتى لعمرة القضاء لأنه أيسر على الناس.

القارئ: السابع أن يحاذي الحجر في ابتداء طوافه بجميع بدنه فإن لم يفعل لم يعتد بذلك الشوط واعتد له بما بعده ويأتي بشوط مكانه ويحتمل ألا يجب هذا لأنه لما لم يجب محاذاة جميع الحجر لم تجب المحاذاة بجميع البدن.

الشيخ: وهذا الاحتمال هو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقوله ولأنه لما لم يجب محاذاة جميع الحجر لم تجب المحاذاة بجميع البدن يحمل هذا على ما إذا كان الإنسان ضعيفاً أو يقال إنهم جعلوا حاشية الحجر من الحجر لكن هذا أيضاً بعيد على كل حال على كلام المؤلف لا بد أن يحاذي الإنسان الحجر بجميع بدنه سواء استوعب الحجر كله أو لم يستوعب إلا بعضه أو كان عريضاً جداً وصار الحجر في نصف صدره.

السائل: هل يصح الطواف أو السعي بدون أن يذكر الله؟

الشيخ: أما على كلام الفقهاء فليس بشرط يعني لو دار بدون أن يتكلم ولا بكلمة فطوافه صحيح وكذلك السعي لكنه ناقص لا شك.

القارئ: الثامن الترتيب وهو أن يطوف على يمينه فإن نكسه لم يجزئه لما ذكرنا في السادس ولأنها عبادة تتعلق بالبيت فكان الترتيب فيه شرطاً كالصلاة.

الشيخ: الترتيب بهذا المعنى المذكور لاشك أنه واجب أنه يطوف ويجعل البيت عن يساره.

ص: 487

وهنا مسألة في الواقع تشكل من الناحية العلمية ومن الناحية العملية وهي أن بعض الناس في الزحام لا يتسنى له أن يكون البيت عن يساره في كل الطواف مع الزحام قد يلقي ظهره إلى الكعبة أو وجهه أو ما أشبه ذلك فهل نقول إن هذا جزء يسير كالالتفات في الصلاة وأنه يسامح عنه لاسيما إذا كان الإنسان يُحمل على ذلك حملاً أو يقال إذا حصل مثل هذا فيلغى هذا الشوط ويأتي بدله بشوط آخر؟

يعفى عنه لأنه يسير ولأنه أيضاً يحمل على هذا حملاً فالظاهر إن شاء الله أنه يعفى عنه لأنه يصدق عليه أنه طاف وجعل البيت عن يساره.

ولكن لماذا جعل البيت عن اليسار في الطواف لماذا لم يجعل عن اليمين لأن اليمين أفضل؟ فقال بعضهم لأن القلب بيسار الجسد وهو بيت الرب في جسد الإنسان والكعبة بيت الرب في الأرض فكان الأنسب أن يجعلها عن يساره لأجل أن يتقارب البيتان.

وقال بعضهم إنما جعل ذلك لأن الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى يعنى إذا درت فإن الاعتماد يكون على اليسار هذا هو الأغلب وقد يدور الإنسان بجعل الاعتماد على اليمين لكن الأغلب على اليسار فروعي الأغلب في دوارن الإنسان وهذه مراعاة لمصلحة جسدية.

والثالث أنه يجعل البيت عن يساره لأنه إذا قابل الحجر وحاذاه فإنه يبدأ باليمين واليمين مما يلي الباب وإذا بدأ باليمين صار البيت عن يساره.

والرابع أن وجه الكعبة هو ما فيه الباب وما خلفه يسمى دبر الكعبة والبداءة بما يقابل وجهها أولى.

ص: 488

والخامس أن هذا فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكفى ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة وقد قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ولهذا علل ابن عباس إنكاره على معاوية بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وابن عمر علل ذلك بأنهما ليسا على قواعد إبراهيم فالمهم أن المؤمن إذا قيل له هذا قضاء الله ورسوله انتهى ويكون هذا أريح له أيضاً لأن كل تعليل مما سمعتم يمكن أن يورد عليه ما ينقضه.

القارئ: التاسع الموالاة شرط لذلك إلا أنه إذا أقيمت الصلاة أو حضرت جنازة فإنه يصلى ثم يبني لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم وعنه إذا أعيا في الطواف فلا بأس أن يستريح وقال إذا كان له عذر بنى وإن قطعه من غير عذر أو لحاجة استقبل الطواف وعنه فيمن سبقه الحدث روايتان إحداهما يستأنف قياساً على الصلاة والثانية يتوضأ ويبني إذا لم يطل الفصل فيخرج في الموالاة روايتان إحداهما هي شرط كالترتيب والثانية ليست شرطاً حال العذر لأن الحسن غشي عليه فحمل فلما أفاق أتمه.

ص: 489

الشيخ: الموالاة معناه أن تكون الأشواط متتابعة لا يفرق بينها لكن استثنى المؤلف إذا أقيمت الصلاة فإنه يقطع الطواف ويصلي مع الجماعة ولا يمكن أن يطوف وهم يصلون وظاهر كلام المؤلف أنه لا يقطع الطواف لاستماع خطبة الجمعة وأنه يستمر في طوافه ولو كان الإمام يخطب وذلك لأن طوافه لا يشغله عن استماع الخطبة فيستمر ولكن إذا صلى ثم أراد أن يكمل قيل يبدأ من أول الشوط وقيل يبدأ مما وقف عليه وهذا القول هو الصحيح أنه يبدأ مما وقف عليه لأن ما سبقه قد وقع على وجه شرعي وما وقع على وجه شرعي فإنه لا يمكن إبطاله إلا بدليل شرعي فما هو الدليل؟ ومادامت الموالاة سقطت لهذا العذر فإن ما سبق من الشوط يعتبر في محله فيكمل من حيث وقف وكذلك أيضاً إذا حضرت جنازة فإنه يصلي لأن الصلاة على الجنازة فرض كفاية فلا ينبغي أن يحرم من أجر هذا الفرض فيصلي ثم يكمل.

وهذه الروايات التي ذكرها المؤلف رحمه الله، وعنه إذا أعيا في الطواف لا بأس أن يستريح وقال إذا كان له عذر بنى وهذه الرواية هي الصحيحة أنه إذا أعيا وتعب فلا بأس أن يستريح ثم يكمل وكذلك يقال في السعي وإن قطعهم لغير عذر أو لحاجة استقبل الطواف وعنه فيمن سبقه الحدث روايتان إحداهما يستأنف قياساً على الصلاة والثانية يتوضأ ويبني إذا لم يطل الفصل والرواية الثانية تدل على أنه لا يشترط في الطواف الطهارة لأنه لو اشترطت الطهارة لبطل الطواف بالحدث وإذا بطل بالحدث لم يمكن البناء على ما سبق.

فصل

(في سنن الطواف)

القارئ: وسننه استلام الركن وتقبيله أو ما قام مقامه من الإشارة والدعاء والذكر في مواضعه والاضطباع والرمل والمشي في مواضعه لأن ذلك هيئة في الطواف فلم تجب كالجهر والإخفات في الصلاة وركعتا الطواف ليست واجبة لأن الأعرابي لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرائض ذكر الصلوات الخمسة قال فهل علي غيرها قال (لا إلا أن تطوع) متفق عليه.

ص: 490

الشيخ: هذا الحديث يستدل به كثير من العلماء على نفي الوجوب في بعض الصلوات وعندي أن الاستدلال به فيه نظر لأن الأعرابي إنما سأل عن الصلوات الدائمة التي تكون كل وقت أما العارضة فهذه مقرونة بأسبابها وقد يدل الدليل على الوجوب وقد يدل الدليل على الاستحباب.

هذا الحديث يستدل به على نفي وجوب الوتر لأنه يتكرر كل يوم فلو كان هناك صلاة واجبة في اليوم والليلة غير الخمسة لبينها الرسول عليه الصلاة والسلام وأما أن يجعل دليلاً على كل شيء حتى ما قرن بسبب فهذا توسع في الاستدلال لا وجه له وهذا كالذي يستدل بنفي الواجبات في الصلاة بحديث المسيء في صلاته أو الذي يستدل بوجوب كل صفة وهيئة للصلاة بحديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) فهذا غلو في النفي والإثبات فيقال هنا إن هذا الحديث لا يدل على نفى وجوب صلاة ركعتي الطواف لأن المقصود به الصلوات المتكررة كل يوم أما ما له سبب فهو مقرون بسببه ولهذا لا نستدل به على عدم وجوب تحية المسجد أو على عدم وجوب صلاة الكسوف أو على عدم وجوب صلاة العيد أو ما أشبه ذلك ولكننا نعرف أن هذا واجب أو غير واجب من دليل آخر.

القارئ: ولأنها صلاة لم يشرع لها جماعة فلم تجب كسائر النوافل ولكنها سنة مؤكدة وإن صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عنهما.

الشيخ: إن صلى المكتوبة بعد طوافه أجزأته عنهما الدليل أن المقصود أن يصلي بعد الطواف وهذا يحصل بالفريضة وربما يستدل لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين طاف للوداع صلى صلاة الفجر ثم ركب وإن كان هذا قد يعارض بأن يقال ليس فيه نفي لركعتي الطواف.

السائل: ذكرنا بأن الجنب لا يجوز طوافه بالبيت لأنه ممنوع من البقاء في البيت أفلا يلزم على هذا أنه لو توضأ جاز له أن يطوف؟

الشيخ: نعم يلزم على هذا وهو صحيح لو توضأ جاز أن يطوف لأنه يجوز المكث في المسجد إلا إذا قلنا بوجوب الطهارة من الحدث فلا.

السائل: هل تجب الموالاة بين الطواف والسعي؟

ص: 491

الشيخ: لا تجب الموالاة لو طاف أول النهار وسعى في آخر النهار فلا بأس.

السائل: هل يشرع استلام وتقبيل الحجر الأسود من غير طواف؟

الشيخ: لم يتبين لي أنه يشرع إنما هو من سنن الطواف أما تقبيل بلا طواف فلا أعلم أنه ورد.

القارئ: فإن جمع بين الأسابيع وصلى لكل أسبوع ركعتين جاز لأن عائشة والمسور ابن مخرمة فعلا ذلك.

الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله إذا جمع أسابيع يعنى طاف سبعاً ثم سبعاً ثم سبعاً ولم يصلّ بينهما فإنه يصلي لكل أسبوع ركعتين لأن كل سبعة أشواط لها ركعتان.

وهذا يدلنا على مسألة تقع في الجمع بين الصلاتين إذا جمع بين المغرب والعشاء فهل نقول إن صلاة ركعتين تكفي عن راتبتي المغرب والعشاء أو يصلي أربعاً؟ يصلي أربعاً فلا تتداخل الركعتان بل إن عدم تداخل الركعتين في الصلاتين المجموعتين أولى من عدم تداخل الركعتين في الأسابيع.

القارئ: ولا تجب الموالاة بينهما لما ذكرنا.

الشيخ: قوله (بينهما) أى بين الطواف والركعتين وأما الموالاة بين أجزاء الطواف فقد سبق أنها شرط.

القارئ: وأن يطوف ماشياً فإن طاف راكباً أجزأه لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعيره وأمر أم سلمة فطافت راكبة من وراء الناس حديث أم سلمة متفق عليه ويجوز أن يحمله إنسان فيطوف به لأنه في معنى الراكب.

ص: 492

الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ولكن المذهب أنه يشترط أن يطوف ماشياً إلا لعذر والاستدلال بحديث أم سلمة فيه نظر لأن الدليل أخص من المدلول فإن أم سلمة اشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في طواف الوداع أنها مريضة فقال لها (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) ويفرق بين الطواف لعذر والطواف لغير عذر وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم راكباً على بعيره فهذا لفائدة عظيمة وهي أن يراه الناس ويستنوا به يعنى أن يفعلوا مثلما فعل فحديث أم سلمة لعذر وحاجة وحديث النبي صلى الله عليه وسلم لمصلحة عظيمة ولهذا كان الاحتياط بلا شك ألا يطوف راكباً إلا لعذر والمحمول كالراكب والذي يدف بعربية كالراكب أيضا إذا كان لعذر فلا شك في جوازه وإذا كان لغير عذر ففي جوازه نظر.

القارئ: وإن طاف راكباً أو محمولاً لغير عذر ففيه روايتان إحداهما يجزئه لأن الله تعالى أمر بالطواف مطلقا وهذا قد طاف ولأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكباً وهو صحيح، والثانية لا يجزئه لأنها عبادة تتعلق بالبيت فلم يجز فعلها راكباً لغير عذر كالصلاة فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن ابن عباس قال (إن الناس كثروا عليه يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب) رواه مسلم.

الشيخ: إذاً صارت المسألة لمصلحة وكما ذكرنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام ركب ليراه الناس ويتأسوا به ولهذه العلة التي ذكرها ابن عباس رضى الله عنهما والاحتياط بلا شك ألا يطوف راكباً إلا لعذر.

فصل

ص: 493

القارئ: والمرأة كالرجل إلا أنها إذا قدمت مكة نهارا استحب لها تأخير الطواف إلى الليل لأنه أستر لها إلا أن تخاف الحيض فتبادر الطواف لئلا يفوتها التمتع ولا يستحب لها مزاحمة الرجال لاستلام الحجر بل تشير بيدها إليه قال عطاء كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم فقالت امرأة انطلقي نستلم يا أم المؤمنين قالت انطلقي عنك وأبت وليس في حقها رمل ولا اضطباع لأنه يستحب لها التستر ولأن الرمل شرع في الأصل لإظهار الجلد والقوة ولا يقصد ذلك من المرأة ولذلك لا يسن الرمل في حق المكي ومن جرى مجراهم وقال ابن عباس وابن عمر ليس على أهل مكة رمل وكان ابن عمر رضي الله عنه إذا أحرم من مكة لم يرمل.

الشيخ: هذا الفصل بين المؤلف رحمه الله أن المرأة كالرجل في الطواف إلا فيما استثني:

منها أن الأفضل للقادم إلى مكة أن يبادر بالطواف اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم أما المرأة فقال إنه يستحب لها أن تؤخر الطواف لأنه أستر لها ومعلوم أن هذه العلة في وقتنا الحاضر منتفية وعلى هذا فيسن لها أن تبادر بالطواف كما يبادر الرجل.

كذلك أيضاً قال إنها لا تستلم الحجر إذا كان هناك مزاحمة والصحيح أن هذا لها وللرجال لكن يختلف الرجل عنها بأن الزحام اليسير بالنسبة للرجل لا يمنع استحباب استلام الحجر وأما الزحام الذي يذهب الخشوع ويكون الإنسان بين الحياة والموت فهذا لا يسن له أن يستلم الحجر ولا يحاول ذلك أما المرأة فمجرد الزحام ولو يسيراً يمنع من استحباب استلامها الحجر.

ص: 494

ومنها أنه ليس لها رمل ولا اضطباع أما عدم الاضطباع فظاهر وأما الرمل فلأن المقصود بالرمل في أصل مشروعيته هو إظهار الجلد والقوة والمرأة لا يقصد منها ذلك ولأنها لو رملت لكان ذلك في بعض الأحيان سبباً لانكشاف عورتها ولست أقصد بالعورة السوأة ولكن انكشاف شيء من بدنها وبهذا نعرف خطأ أولئك النساء اللاتي يرملن في الطواف وكذلك لا تسعى في بطن الوادي إلا أنه يعكر على السعي أن أصل مشروعية السعي هو تذكر حال أم إسماعيل وأم إسماعيل في مكان السعي أى في بطن الوادي كانت تسعى لكن حكى بعض أهل العلم الإجماع على أن المرأة لا يسن لها الرمل في الطواف ولا السعي بين العلمين بين الصفا والمروة ولأنه قد يكون السبب له حال والحكم المرتب على هذا السبب له حال أخرى انظر إلى سبب الرمل في الطواف أليس سببه أن النبي عليه الصلاة وسلام أراد من الصحابة أن يظهروا قوتهم وجلدهم ولهذا أمرهم أن يمشوا ما بين الركنين لكن الحكم لم يبق وصار الناس الآن يرملون كل الأشواط الثلاثة

أهل مكة ليس عليهم رمل لأنهم أحرموا من قريب من البيت ومن أحرم من قريب من البيت فلا رمل عليه ويدل لذلك أن الصحابة الذين أحرموا بالحج من الأبطح لم يرملوا في الطواف وعلى هذا فنقول إن من أحرم من مكة فإنه ليس عليه رمل كذلك من كان من أهل مكة وإن أحرموا من الحل ليس عليهم رمل وإنما الرمل للآفاقيين.

فصل

ص: 495

القارئ: وإذا فرغ من الركعتين سعى بين الصفا والمروة ويستحب أن يستلم الحجر ثم يخرج إلى الصفا من بابه فيرقى عليه حتى يرى البيت فيستقبله ويدعو لأن جابراً قال في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب إلى الصفا فلما دنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) نبدأ بما بدأ الله تعالى به فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبله فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك وقال مثل هذا ثلاث مرات قال أحمد ويدعو بدعاء ابن عمر ذكر نحواً من هذا وزاد لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم اعصمني بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك اللهم جنبني حدودك اللهم اجعلني ممن يحبك ويحب ملائكتك وأنبيائك ورسولك وعبادك الصالحين اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسولك وإلى عبادك الصالحين اللهم يسرني لليسرى وجنبني العسرى واغفر لي في الآخرة والأولى واجعلني من أئمة المتقين واجعلني من ورثة جنة النعيم واغفر لي خطيئتي يوم الدين اللهم إنك قلت ادعوني استجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد اللهم إذ هديتني للإسلام فلا تنزعني منه ولا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا على الإسلام اللهم لا تقدمني لعذاب ولا تؤخرني لسوء الفتن رواه سعيد بن منصور وما دعا به فحسن.

الشيخ: في هذه الجملة مسائل:

المسألة الأولى إذا فرغ من الركعتين وأراد السعي بين الصفا والمروة رجع إلى الركن أى إلى الحجر الأسود فاستلمه وهذا الاستلام ليس فيه تقبيل وهو سنة لمن أراد الخروج للسعي وأما من طاف وخرج لغير السعي فليس بسنة وكذلك لو لم يتيسر له الاستلام فالظاهر أنه لا يشير إليه.

ص: 496

فإن قال قائل ما هي الحكمة في أن يستلمه الإنسان بعد انتهاء الركعتين وقد استلمه في طوافه؟ فالجواب أن يقال هذا من سنة رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والله أعلم ما هي الحكمة هذا ما عندي الآن وربما تظهر الحكمة بالتأمل.

وتشتمل هذه القطعة على أنه يخرج إلى الصفا من بابه وكان في الأول المسجد الحرام له أبواب دون المسعى وإنما استحب العلماء أن يخرج إلى الصفا من بابه لأنه أيسر له ولأن هذا هو الظاهر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومما يؤخذ من هذه القطعة أن الإنسان إذا دنا من الصفا يقرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) قبل أن يصعد عليه ولا يعيد هذا مرة ثانية وهذه الآية التي تلاها الرسول صلى الله عليه وسلم هي كالآية التي تلاها حين تقدم إلى مقام إبراهيم لأجل أن يشعر نفسه بأنه فعل ذلك تعبداً لله تعالى وامتثالاً لأمره.

ص: 497

ومما يؤخذ منها أيضاً هل يكمل الإنسان فيقول نبدأ بما بدأ الله به أو إن الرسول صلى الله عليه وسلم قالها تشريعاً لا تعبداً بها؟ يحتمل هذا وهذا فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نبدأ أو قال أبدا بما بدأ الله به تشريعاً كأنه يقول للناس بدأت بالصفا لأن الله بدأ بها ويحتمل أن تكون من تمام الذكر وأن الإنسان يقول (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) أبدأ بما بدأ الله به ليطابق اللسان القلب فإن القلب لاشك أراد أن يبدأ بالصفا واتجه إليه لكن من أجل أن اللسان يطابق القلب ويؤكد أنه إنما بدأ بالصفا لأن الله بدأ به هذا لفظ حديث جابر ونأخذ منه فائدة وهو أن الأصل في ترتيب القول ترتيب الفعل يعني إذا ذكر الله أشياء مرتبة بقوله فهي مرتبة بفعله ولهذا استدل العلماء على وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء بهذا الحديث قالوا إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشار إلى هذا أن الترتيب القولي يقتضي الترتيب الفعلي فإن الله قال (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ) فبدأ بالصفا وقال (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) فبدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين وهذا لا شك استدلال في محله.

ومما يؤخذ من هذه القطعة أن الإنسان يصعد الصفا حتى يرى البيت أى الكعبة فيستقبلها ويمد يديه مد الدعاء وليس كما يفعل العامة الآن يشيرون إليه إشارة تكبير الصلاة ويقول ما ذكره المؤلف من ذكر الله عز وجل وما ثبت به الحديث ويدعو بين ذلك فيكرر الذكر ثلاث مرات ويدعو مرتين ثم ينزل متجهاً إلى المروة.

السائل: هل يشرع شرب ماء زمزم بعد الطواف؟

الشيخ: الفقهاء يرون أن شرب ماء زمزم في يوم العيد فقط لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوم العيد.

ص: 498

القارئ: ثم ينزل فيمشي حتى يكون بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد نحواً من ستة أذرع فيسعى سعياً شديداً حتى يحاذي الميلين الأخضرين الذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس.

الشيخ: هذا الذي وصف المؤلف رحمه الله لا تدركونه اليوم لأن المعالم تغيرت كثيراً كان بالأول المسجد الحرام ينتهي قبل أن تصل إلى الصفا بينه وبين الصفا سوق وشارع تمشي منه السيارات وأنا أذكر أن الناس يسعون وإذا جاءت السيارة وقفوا لتقطع المسعى في زاوية المسجد بعد أن ينتهي هذا الشارع هناك عمود معلق كما قال المؤلف عمود أخضر لكن لا يتصل بالأرض مجعول علامة لكن هذا العمود بعد أن تقطع الشارع والشارع هذا هو مجرى السيل يعنى هو الوادي وبين طرف الشارع إلى هذا العمود نحو ستة أذرع فلهذا قال العلماء إلى أن يكون بينك وبين هذا العمود ستة أذرع أما الآن والحمد لله وضعت أعلام خضراء على الجانبين وفوقها أنوار خضراء أيضاً حتى يكون الذي لا يراها من اليمين أو الشمال يرى الإضاءة اقترح بعض الناس أن يكون أيضاً تحت القدمين بلاط أخضر لكن هذا الاقتراح تبين أنه غير وجيه لأنه لو كان هناك شيء لكان هؤلاء الجهال يقفون على هذا الأخضر ثم يعوقون الناس وأكثر الناس ليس عندهم علم وبصيرة فلهذا رئي ألا يوضع شيءٌ في الأرض ويكفي الأعمدة على اليمين والشمال والأنوار.

وقول المؤلف رحمه الله يسعى سعياً شديداً يعنى يركض ركضاً شديداً حتى رئي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تدور به إزاره من شدة السعي وهذا مقيد بما إذا لم يشق على الإنسان بأذية له أو لغيره فإن كان لا يمكن إلا بأذية له أو لغيره فلا يؤذِ يمشي حسب ما يستطيع.

ص: 499

القارئ: ثم يمشي حتى يصعد المروة فيرقى عليها ويقول كما قال على الصفا ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه حتى يكمل ذلك سبعا يحتسب بالذهاب سعية وبالرجوع أخرى يفتتح بالصفا ويختم بالمروة لأن جابراً قال ثم نزل يعنى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه رمل في بطن الوادي.

الشيخ: اللفظ الذي نعرفه من حديث جابر (حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى) وفرق بين (سعى) و (رمل) السعي أشد من الرمل فإن صحت هذه اللفظة فالمراد بها السعي.

القارئ: حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا فلما كان آخر طوافه على المروة) ذكر الحديث رواه مسلم ويدعو فيما بينهما ويذكر الله تعالى قال أبو عبد الله كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال رب اغفر وارحم واعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله) وهو حديث حسن صحيح.

الشيخ: وهذا الجعل شرعي فهو بمعنى إنما شرع لأن الجعل كوني وشرعي فقول الله تعالى (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ) هذا الجعل المنفي شرعي وقوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) هذا جعل كوني.

فصل

القارئ: والواجب من هذا ثلاثة أشياء استيفاء السبع فإن ترك منها شيئاً وإن قل لم يجزئه وإن لم يرق على الصفا والمروة وجب استيعاب ما بينهما بأن يلصق عقبيه بأسفل الصفا ثم يلصق أصابع رجليه بأسفل المروة ليأتي بالواجب كله.

ص: 500