الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صفة الحج
القارئ: يستحب لمن بمكة الخروج يوم التروية وهو الثامن من ذي الحجة قبل صلاة الظهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يومئذٍ فصلى الظهر بمنى فمن كان حراماً خرج على حاله ومن كان حلالاً من المكيين والمتمتعين أحرم بالحج وفعل ما فعله عند الإحرام من الميقات ومن حيث أحرم من الحرم جاز لأن جابراً قال أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم لما حللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح والمستحب أن يطوف بالبيت سبعا ويصلي ركعتين ثم يستلم الركن وينطلق منه مهلاً بالحج لأن عطاء كان يفعل ذلك ويفعل في إقامته بمنى ورواحه منها ووقوفه مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جابر ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فسار حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم لم يصل بينهما شيئاً ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه فاستقبل القبلة فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أولى ما فعل اقتداء برسول الله.
الشيخ: ذكر المؤلف في هذه القطعة من كلامه صفة الحج وصفة الإحرام زماناً ومكاناً وهيئة.
أما الزمن فيكون قبل صلاة الظهر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى منى قبل صلاة الظهر يوم الثامن وهو الذي يسمى يوم التروية وسمي بذلك لأن الناس كان يتروون فيه الماء إذ أن المشاعر قبل الأزمنة الأخيرة كان ينقل إليها الماء نقلاً فخرج عليه الصلاة والسلام ومعه الذين حلوا من إحرامهم وهم المتمتعون أحرموا من جديد والذين لم يحلوا بقوا على ما كانوا عليه وخرجوا.
وقول المؤلف رحمه الله من حيث أحرم من الحرم جاز يفهم منه أنه لا يصح أن يحرم من الحل في الحج إذا كان في مكة وأنه لا بد أن يحرم من مكة أو من الحرم وفي هذا خلاف بين أهل العلم منهم من قال إنه يحرم من مكانه سواء كان في الحل أو الحرم ومنهم من قال يحرم من الحرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) والمذهب الأول أنه يحرم من الحرم كله ومن الحل وقالوا إنه إذا أحرم من الحل فإنه سوف يخرج إلى منى وهي من الحرم فيكون قد جمع في إحرامه بين الحل والحرم ولكن لا شك أن الاحتياط أن يحرم من مكانه وأن لا يترك الإحرام حتى يخرج إلى الحل ويظهر ذلك في المثال لو أن أحداً من أهل مكة أراد أن يحرم بالحج أو من المتمتعين الذين حلوا فانتظر حتى خرج الناس إلى عرفة وأحرم من عرفة فعلى القول بأنه يجوز من الحل والحرم يكون هذا الرجل لم يترك واجباً وعلى القول بأنه لا بد أن يحرم من الحرم يكون هذا قد أحرم من غير الميقات فيلزمه دم.
وقول المؤلف رحمه الله (المستحب أن يطوف بالبيت سبعاً ويصلي ركعتين ثم يستلم الحجر وينطلق منه مهلاً بالحج) هذا ليس بصحيح بل هذا بدعة وإن فعله عطاء لأن عطاء من التابعين وليس صحابياً وفعله ليس بحجة وهاهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يتقدم أحد منهم حين أرادوا الخروج إلى منى إلى الحرم ويطوفوا به بل خرجوا من مكانهم إلى منى محرمين رأساً فهذا الذي ذكره المؤلف أنه مستحب ليس بصحيح.
وأما ما ساقه فقال إن جابراً قال ركب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فصلى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر فالأمر كذلك وصلاها عليه الصلاة والسلام قصراً بلا جمع لأنه لم يجمع في حجه إلا في عرفة ومزدلفة يقول (إن النبي صلى الله عليه وسلم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة فسار حتى أتى عرفة فوجد القبة ضربت له بنمرة).
نمرة قرية تقع في الغربي الجنوبي من عرفة وهي مستراح فمكث فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليستريح ولهذا أمر أن تضرب له قبة بنمرة ولم يأمر أن تضرب له قبة بمنى لأنها من مشاعر الحج وأما نمرة فليست من مشاعر الحج ولهذا أمر أن تضرب له قبة بنمرة ولما قالوا ألا نضرب لك بيتاً بمنى قال (لا منى مناخ من سبق).
وأما قوله (فسار حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة) فقد ظن بعض العلماء أن هذا يدل على أن نمرة من عرفة لأنه قال سار حتى أتى عرفة فوجد القبة ضربت له بنمرة ولكن هذا ليس بصحيح لأن مراد جابر بقوله حتى أتى عرفه يعني حتى صار منتهى سيره عرفة ونزل بنمرة في طريقه وقصد جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف قريشاً لأن قريشاً يقولون إن أهل الحرم لا يخرجون من الحرم بل يقفون في مزدلفة كما قال في هذا الحديث (ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تفعل في الجاهلية) لكن النبي عليه الصلاة والسلام مضى حتى أتى عرفة أي حتى صار منتهى سيره إلى عرفة.
يقول فنزل بها أي في القبة حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي.
قوله أمر يدل هذا على أنه لا غضاضة في الأمر في مثل هذه الأمور يعني أنه إذا كان الإنسان أمير القوم وأمرهم أن يرحلوا له راحلته وأن يضربوا له القبة وأن يقربوا طعامه أو ما أشبه ذلك فهذا ليس من المسألة المذمومة لأن هؤلاء الذين معه يرون أنهم مؤتمرون بأمره وأنهم بمنزلة الخدم له فكما أنه ليس من المسألة المذمومة أن تقول لابنك أعطني كذا أو لخادمك أعطني كذا فهذا مثله.
يقول حتى أتى بطن الوادي وهو بطن وادي عرنة وهو وادٍ مشهور معروف يفصل بين عرفة وبين مزدلفة ولهذا قال العلماء كل مشعرين فبينهما وادي فعرفة ومزدلفة بينهما عرنة ومزدلفة ومنى بينهما محسر.
يقول حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس وأذن بلال ثم أقام.
نزل عليه الصلاة والسلام في بطن الوادي وفيه دليل على أن النزول في بطن الوادي نهاراً لا بأس به أما المبيت به ليلاً فقد ورد النهي عن ذلك لأن الإنسان لا يدري ربما يفجؤه الماء ويحصل عليه بذلك الضرر لكن في النهار لا بأس للإنسان أن ينزل لصلاة أو طعام أو ما أشبه ذلك يقول فخطب الناس ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر.
في هذا دليل على أن المستحب في عرفة الجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم وفيه أيضاً دليل على أن المسافر لا يصلي الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يصل الجمعة في عرفة مع أن وقفته كانت يوم الجمعة لكن السفر ليس محلاً لإقامة الجمعة ولهذا خطب الناس قبل أن يؤذن ولو كانت جمعة لخطب بعد الأذان وصرح جابر بأنه صلى الظهر ثم أقام فصلى العصر.
يقول ثم لم يصل بينهما شيئا لأن المسافر لا يسن له أن يصلي الرواتب وإلا فمن المعلوم أن بين الظهر والعصر راتبة الظهر البعدية ثم ركب صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف يعني حتى أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه وهو شرقي عرفة ووقف فيه عليه الصلاة والسلام وقال (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وكأنه يقول للناس لا تتعبوا أنفسكم وتأتوا إلى هذا المكان كونوا على أمكنتكم فكل عرفة موقف لكنه اختار أن يكون هناك والحكمة والله أعلم ليكون في مؤخرة القوم لأن من عادته عليه الصلاة والسلام إذا كان في سفر صار في آخر القوم حتى يتفقد من يتخلف في عرفة أو ما أشبه ذلك.
يقول رحمه الله (فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات) والصخرات معروفة كبيرة عند الجبل الذي وقف عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وما زالت موجودة حتى الآن وقد حاول بعض الناس أن يزيلها وأن يجعل المكان مستراحاً لكن لم يحصل له ذلك والحمد لله لأنه لو حصل ذلك لكان هذا المكان منتزهاً للناس ولزالت حرمته لكن بقيت الصخرات على ما كانت عليه.
وقوله (وجعل حبل المشاة بين يديه) حبل المشاة يعني طريقهم وشبهه بالحبل لأنه موطئ الأقدام له أثر كالحبل الممدود وقيل إن حبل المشاة عبارة عن رمل مندعث بين هذه الصخرات يمشي معه المشاة (فاستقبل القبلة ولم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص) استقبل القبلة وجعل يدعو رافعاً يديه وهو راكب ولما سقط زمام ناقته أمسكه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى عليه الصلاة والسلام وبقي يدعو إلى أن غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص يعني بذلك قرص الشمس (ودفع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا أولى ما فعل اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم دفع صلى الله عليه وسلم وقد شنق لناقته القصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله من شدة شنقه لها وهو يقول (أيها الناس السكينة السكينة) ولكنه إذا وجد متسعاً أسرع.
القارئ: ويستحب أن يخطب الإمام خطبة يعلم الناس مناسكهم وفعلهم في وقوفهم ودفعهم في أول ما تزول الشمس.
الشيخ: قوله (أن يخطب الإمام خطبة يعلم الناس مناسكهم وفعلهم في وقوفهم) هذا لا شك أنه مناسب أن يذكر هذا لكن النبي صلى الله عليه وسلم خطبهم خطبة عظيمة بين فيها مقاصد عظيمة من الإسلام وقال (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) وقال (اتقوا الله في النساء) وخطبة الرسول عليه الصلاة والسلام هذه معروفة مشهورة تولاها بعض العلماء بالشرح وآخر من علمت تولى ذلك الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رحمه الله فله رسالة في شرح هذه الخطبة.
القارئ: ويقصر الخطبة لأن سالم بن عبد الله قال للحجاج يوم عرفة إن كنت تريد أن تصيب السنة فقصر الخطبة وعجل الصلاة فقال ابن عمر صدق رواه البخاري ويأمر بالأذان فينزل فيصلي بهم الظهر والعصر يجمع بينهما بأذان وإقامتين للخبر ومن لم يصل مع الإمام جمع في رحله لأنهما صلاتا جمع فشرع جمعهما في حق المنفرد كصلاتي المزدلفة ثم يصير إلى موقف عرفة وأين وقف منها جاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (عرفة كلها موقف) رواه أبو داود وهي من الجبل المشرف على عرفة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر إلى بطن عرنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كل عرفة موقف وارفعوا عن بطن عرنة) رواه ابن ماجه والأفضل الوقوف في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقف راكبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكبا ولأنه أمكن له من الدعاء وقيل الراجل أفضل لأنه أروح لراحلته ويحتمل أن يكونا سواء.
الشيخ: والأرجح أن يقال يفعل ما هو أرجح إلى قلبه وأحضر وأجمع لدعائه لأنه لو ركب الآن واجتمع الناس كلهم على ظهر السيارة قد لا يتمكن الإنسان من الدعاء كما يريد لكن لو كان نازلاً في الأرض وانفرد في مكان وحده أو مع رجل أو رجلين من أصحابه ودعا هذا لاشك أنه أحضر لقلبه وأخشع فالأولى أن يقال يفعل ما هو أخشع لقلبه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فوقف راكباً لأنه يعلم الناس بقوله وفعله.
فصل
(في الذكر والدعاء)
القارئ: ويجتهد في الذكر والدعاء لأنه يوم رغبة ترجى فيه الإجابة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من يوم أكثر أن يعتق الله عبيداً من النار من يوم عرفة فإنه ليدنو عز وجل فيباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء) رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ويدعو بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أكثر دعاء الأنبياء قبلي ودعائي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي قدير اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي بصري نورا وفي سمعي نورا ويسر لي أمري) ويدعو بدعاء ابن عمر رضي الله عنه الذي ذكرناه ويختار من الدعاء ما أمكنه.
فصل
(في الوقوف بعرفة)
القارئ: وقت الوقوف من طلوع فجر يوم عرفة إلى طلوع فجر النحر لما روى عروة بن مضرس بن أوس بن لام قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبلي طيء أكللت راحلتي وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه) حديث صحيح، وقال أبو حفص العكبري أول وقته زوال الشمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعده والأول أولى للخبر ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة فكان وقتاً للوقوف بها كالذي بعده ووقوف النبي صلى الله عليه وسلم لم يستوعب الوقت بدليل ما بعد الغروب.
الشيخ: أما ما ذكره أبو حفص العكبري هو الذي عليه جمهور العلماء أن وقت الوقوف من زوال الشمس وقالوا إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً) مجمل بينه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام وأما ما ذكره من التعليل فهو تعليل عليل وهو قوله ولأن ما قبل الزوال من يوم عرفة فكان وقتاً للوقوف كالذي بعد الزوال فيقال هذا القياس ليس بصحيح لأن في أيام التشريق ما قبل زوال الشمس من أيام التشريق ومع ذلك لا ترمى إلا بعد زوال الشمس والمسألة عند التأمل تكاد تقول إن الأدلة متكافئة في كون ما قبل الزوال وقتاً للوقوف أو لا.
لأن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يبقى في نمرة إلى الزوال ثم لم يأت إلا بعد أن زالت الشمس مع أنه بإمكانه أن يرتحل من نمرة قبل الزوال أو يواصل السير حتى ينزل مرة واحدة يؤيد قول الجمهور أن وقت الوقوف من الزوال فقط وحديث عروة يؤيد المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن وقت الوقوف من الفجر إلى الفجر أي من الفجر يوم التاسع إلى الفجر يوم العاشر.
القارئ: ومن حصل في عرفة في وقت الوقوف قائماً أو قاعداً أو مجتازاً أو نائماً أو غير عالم بأنه عرفة فقد أدرك الحج للخبر ومن كان مغمى عليه أو مجنوناً لم يحتسب له به لأنه ليس من أهل العبادات بخلاف النائم لما ذكرنا في الصيام ومن فاته ذلك فقد فاته الحج قال ابن عقيل والسكران كالمغمى عليه لأنه ليس من أهل العبادات.
الشيخ: إذاً لو الإنسان نام قبل أن يصل إلى عرفة وحمله أهله وهو نائم ثقيل النوم وبقي نائماً في سيارته حتى مغيب الشمس ثم دفعوا به معهم فحجه صحيح لأنه وقف بعرفة وليس فاقداً للعقل بخلاف السكران والمجنون فإنه ليس لهم حج ويكون الحج قد فاتهم ويعاملون معاملة من فاته الحج والمغمى عليه كالمجنون لأنه لا يستطيع أن يستيقظ بخلاف النائم فإنه يمكن أن يستيقظ.
القارئ: ولا يشترط للوقوف طهارة ولا سترة ولا استقبال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة إذ حاضت (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت) وأمرها فوقفت قال أحمد رضي الله عنه يستحب أن يشهد المناسك كلها على وضوء لأنه أكمل وأفضل ويجب أن يقف حتى تغرب الشمس لأن النبي صلي الله عليه وسلم وقف كذلك فإن دفع قبل الغروب ثم عاد فلا دم عليه لأنه جمع بين الليل والنهار فإن لم يعد فعليه دم لأنه ترك نسكاً واجبا ولا يبطل حجه لحديث عروة بن مضرس.
الشيخ: وهذه مسألة أيضاً فيها خلاف هل يجب أن يقف إلى الغروب أو يجوز أن يدفع قبله فمن العلماء من قال إنه يجوز أن يدفع قبل الغروب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعروة (وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه) ولم يقل أو نهاراً وبقي إلى الغروب وإذا تم حجه وقضى تفثه فهذا يعني البراءة من الدم لكن إذا تأمل الإنسان حق التأمل وجد أنه لا بد أن يبقى إلى الغروب.
أولاً لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد قال (خذوا عني مناسككم).
ثانياً أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يختار الأيسر من الأعمال ومعلوم أن الناس إذا دفعوا قبل غروب الشمس أي في النهار فهو أيسر مما إذا دفعوا بعد الغروب لأنهم إذا دفعوا بعد الغروب أظلم الليل ولا يختار النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أشق على المسلمين إلا لوجوبه.
ثالثاً أن في البقاء حتى تغرب الشمس مخالفة للمشركين لأن المشركين كانوا يدفعون من عرفة قبل أن تغرب الشمس إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كالعمائم على الرجال دفعوا ولا ينتظرون الغروب فمن دفع قبل ذلك فقد شابه المشركين وعدل عن سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام فالأقرب أن البقاء إلى الغروب واجب ويبقى هل في كل واجب تركه الإنسان دم سيأتي إن شاء الله الكلام في الواجبات ويتبين الأمر.
القارئ: ومن وافى عرفة ليلاً أجزأه ولا دم عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه) رواه أبو داود ويستحب أن لا يدفع قبل الإمام قال أحمد وما يعجبني أن يدفع إلا مع الإمام لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يدفعوا قبله.
الشيخ: أما الآن فلا إمام ولا مأموم كل إمام نفسه لأن الأمة كما تعرفون كثيرة جداً والطرق تحتاج إلى ترتيب من الجنود فلا يمكن أن يتبع الإمام والله المستعان.
فصل
(في الدفع إلى مزدلفة)
القارئ: ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة ويسير وعليه السكينة وإذا وجد فرجة أسرع لقول جابر (وأردف رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة وسار وهو يقول أيها الناس السكينة السكينة حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما) وقال أسامة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق فإذا وجد فرجة نص) يعني أسرع متفق عليه ويكون في الطريق يلبي ويذكر الله تعالى لما روى الفضل (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة) متفق عليه فإذا وصل مزدلفة أناخ راحلته ثم صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما لخبر جابر وروى أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام فصلى المغرب ثم أناخ الناس في منازلهم ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلوا ثم حلوا رواه مسلم وإن صلى المغرب في طريق مزدلفة ترك السنة وأجزأه لأن الجمع رخصة فجاز تركها كسائر الرخص.
الشيخ: ما قاله المؤلف رحمه الله في أنه يجمع بين المغرب والعشاء هذا هو الواقع بالنسبة إلى حال الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه سار من أقصى عرفة إلى مزدلفة وهذا على الإبل يحتاج إلى مدة ولهذا كان جمع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جمع تأخير لأنه لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد دخول وقت العشاء.
وقول المؤلف رحمه الله إنه لو صلاها في الطريق أجزأ لأن الجمع رخصة هذا هو رأي الجمهور وخالف في ذلك ابن حزم وجماعة معه وقالوا لو صلى في أثناء الطريق لم تصح صلاته لأن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال (الصلاة أمامك) ولكن الصحيح رأي الجمهور وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة ولم يصل في الطريق رفقاً بالناس لأنه لو وقف وصلى في الطريق صار في هذا تعب ومشقة ولا سيما أنه في ذلك الوقت ليس هناك إضاءات فيشق على الناس فكان عليه الصلاة والسلام من حسن تسييره للحجاج أنه أخر صلاة المغرب والعشاء حتى أتى مزدلفة ولكن لو وصل إلى مزدلفة قبل صلاة العشاء فهل يسن له جمع التأخير اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام أو يقال صل المغرب ثم انتظر حتى يأتي وقت العشاء أو يقال صل المغرب والعشاء جمع تقديم؟ يرى بعض العلماء الأول ويقول إن الرسول جمع جمع تأخير ويرى بعض العلماء الثاني ويستدل بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه وصل إلى مزدلفة قبل العشاء ثم أذن وصلى المغرب ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أذن فصلى العشاء والحديث صحيح ويرى بعضهم أنه يصلي من حين أن يصل ويجمع جمع تقديم ويقول إن الرسول عليه الصلاة والسلام جمع جمع تأخير لأنه أرفق بالناس والآن الأرفق بالناس أن يصلوا جمعاً متى وصلوا فيكون إذا وصل متقدماً يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم وهذا هو المناسب لا سيما في أوقاتنا الحاضرة فإنه قد يشق على الإنسان أن يجد ماء يتوضأ به فيكون الأرفق به أن يجمع جمع تقديم من حين أن يصل ولكن لو لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد منتصف الليل فهل يؤخر؟ نقول لا شك أنه إذا تمكن من أن ينزل ويصلي قبل فوات الوقت أن هذا هو الواجب لكن إذا كان يشق عليه فهل يؤخر حتى يصل إلى مزدلفة؟ إن قلنا بأن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر قلنا إذا شق عليه النزول في أثناء الطريق أخر إلى أن يصل إلى مزدلفة ما لم يخش طلوع الفجر وأما إذا
قلنا بأن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل وهو القول الراجح نقول صل ولو على ظهر السيارة إذا لم تتمكن من النزول لأنه أحياناً لا يتمكن الإنسان من النزول لكثرة السيارات لا يستطيع أن يخرج عن الخط ولا أن يقف في الخط ففي هذه الحال على القول بأن وقت العشاء إلى منتصف الليل يتعين عليه أن يصلي على ظهر سيارته على حسب حاله يفعل ما يقدر عليه إذا أمكن جماعة أو فرادى المهم أن لا يخرج الوقت.
القارئ: ثم يبيت بمزدلفة حتى يطلع الفجر ثم يصلي الفجر في أول وقتها ثم يأتي المشعر الحرام فيقف عليه ويستقبل القبلة ويدعو ويكون من دعائه اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه فوفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق فإذا أفضتم من عرفات ثم يقف حتى يسفر جدا ثم يدفع قبل طلوع الشمس إلى منى فإذا أتى بطن محسر أسرع حتى يجاوزه ثم يسير حتى يأتي جمرة العقبة فيرميها لقول جابر في حديثه (ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جدا فدفع قبل طلوع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى حتى أتى الجمرة _ يعني جمرة العقبة _ فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصاة الخذف).
الشيخ: إذا جمع في مزدلفة اضطجع حتى يطلع الفجر ولا ينبغي إحياء تلك الليلة بقراءة أو ذكر أو تسبيح بل الأفضل أن ينام ولاسيما إذا كان قد تعب واحتاج إلى الراحة كما هي ظاهر حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه من حين صلى الظهر وهو في عمل إلى أن وصل إلى مزدلفة وهذا شاق لا سيما في الأزمان السابقة فإذا وصل إلى مزدلفة فإن الأفضل أن يريح بدنه وأن يضطجع إلى أن يطلع الفجر وقول جابر رضي الله عنه (اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الصبح) هنا طوى ذكر الوتر وذكر سنة الفجر فهل يعني ذلك أن الوتر يسقط ليلة مزدلفة وكذلك سنة الفجر أو يقال إن عدم الذكر ليس ذكراً للعدم؟ الثاني لأن عدم فعل الوتر وسنة الفجر محتمل وعمومات الأدلة محكمة تدل على أنه يوتر ويصلي سنة الفجر فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يدع الوتر حضراً ولا سفراً بل أمر فقال (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) ولم يكن يترك سنة الفجر لا حضراً ولا سفراً بل رغب فيها على الإطلاق حتى قال (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) وسكوت جابر عنهما لا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلهما ولهذا كان الصحيح أنه يصلي الوتر ويصلي سنة الفجر.
وقوله (حتى أتى المشعر الحرام) هل هناك مشعر حلال ومشعر حرام؟
الشيخ: نعم المشعر الحرام مزدلفة لأنه في الحرم والمشعر الحلال عرفة لأنه في الحل فإن عرفة ليست من الحرم.
القارئ: وأين وقف من مزدلفة جاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر) وحدها ما بين مأزمي عرفة وقرن محسر ويستحب أخذ حصى الجمار منها ليكون مستعداً بالحصاة حتى لا يشتغل بجمعه في منى عن تعجيل الرمي ومن حيث أخذه جاز وعدده سبعون حصاة ويستحب أن يكون مثل حصى الخذف ويلقطهن لقطا لما روى ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة إلقط لي حصاً فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول أمثال هؤلاء فارموا ثم قال أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين رواه ابن ماجه.
الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا يتعين أن يذهب إلى المشعر الحرام بل يقف بعد صلاة الفجر في أي مكان لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسع لأمته فقال (وقفت هاهنا وجمع كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر) وبطن محسر ليس من منى وسبق أن ذكرنا أن بين كل مشعرين وادياً فبين عرفة ومزدلفة عرنة وبين مزدلفة ومنى محسر أما حدها فالآن ولله الحمد عليه أعلام الحكومات الإسلامية منذ عهد قديم جعلت لها أعلاماً ولا سيما في عهدنا هذا فإن الحكومة السعودية وفقها الله جعلت أعلاماً بينة واضحة فما كان دون هذه الأعلام فهو من منى وما كان وراءها فهو من مزدلفة.
وتضمنت هذه القطعة أيضاً أنه يستحب أخذ الحصى من مزدلفة وليس فيه دليل لكن فيه تعليلاً وهو ألا يشتغل بلقطه إذا وصل إلى منى لأن الأفضل أن يبادر بالرمي لأن رمي الجمرة بمنزلة تحية المسجد لداخل المسجد بالنسبة إلى منى وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفع من مزدلفة راكباً على بعيره فلم يحط رحله حتى رمى الجمرة مما يدل على سرعة المبادرة بذلك ولكن هذا التعليل الذي ذكره رحمه الله تعليل عليل لأن تقيده بمزدلفة يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ابن عباس أن يلقط له الحصى في أثناء الطريق فيمكن أن يكون من مزدلفة أو من وادي محسر أو من منى أو قريباً من الجمرة.
ثم أشار المؤلف رحمه الله أنه يلقط الحصى لقطاً لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (القط لي الحصى) يعني لا يحثوها بيده حثياً ثم يختار بل نقول القطها لقطاً من الأرض على واحدة واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن تعليم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكون بالقول ويكون بالفعل لأن التعليم بذلك أبلغ وأبين فإن العين تبصر وتشاهد وشهود العين أقوى من شهود القلب ولذلك ينبغي لطالب العلم وخصوصاً في المسائل التي يصعب تصورها أن يبين للناس بالقول والفعل كما كان نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعل هذا.
وفيه التحذير من الغلو في الدين والغلو هو الزيادة والزيادة في الدين نقص ولهذا حذر منها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين أنها سبب للهلاك وقال (إنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) ووجه ذلك ظاهر لأن الغلو خروج عن حدود الله وقد قال الله تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا) ولأن الغلو تطرف يستلزم تطرفاً آخر من جانب التفريط فالغلو تطرف في الإفراط ولا بد أن يكون هناك جانب آخر يقابل هذا الجانب فيكون هناك تفريط فإذا انقسمت الأمة إلى مفرِط ومفرّط حصل بذلك الهلاك بالعداوة والبغضاء والتنابز بالألقاب وغير ذلك ولا يلزم أن يكون المراد بقوله (أهلك من كان قبلكم الغلو) لا يلزم أن يكون هذا الهلاك عقوبة حسية معلومة بل من أعظم العقوبات والهلاك العقوبة القلبية أن يتنافر الناس ويتنازعوا فعلى ضوء هذا الذي أرشد إليه النبي عليه الصلاة والسلام ينبغي ألا نغلو في دين الله حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام تبرأ من الغلاة الذين قالوا نقوم ولا ننام أو نصوم ولا نفطر أو لا نتزوج النساء أو لا نأكل اللحم تبرأ منهم فقال (من رغب عن سنتي فليس مني) ثم إن الواجب على طالب العلم فيما حدث من الأمور التي لم تكن معلومة من قبل ولا معروفة ألا يتسرع في الحكم عليها بل يجب أن يتأنى وينظر هل النصوص تدل عليها دلالة واضحة أو لا؟ وهل الأمة محتاجة إليها حاجة ضرورية أو كمالية أو لا؟ حتى لا يتسرع.
القارئ: والمبيت بمزدلفة واجب يجب بتركه دم لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف به وسماه موقفا وليس بركن لقوله عليه الصلاة والسلام (الحج عرفة) ويجوز الدفع منها بعد نصف الليل لما روت عائشة رضي الله عنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم أفاضت رواه أبو داود ولا بأس بتقديم الضعفه ليلاً لهذا الحديث ولما روى ابن عباس قال كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى متفق عليه ولا يجوز الدفع قبل نصف الليل فمن خرج قبل ذلك ثم عاد إليها في ليله فلا دم عليه ومن لمن يعد فعليه دم فإن وافاها بعد نصف الليل فلا دم عليه كما قلنا في عرفة سواء.
الشيخ: أفادنا المؤلف رحمه الله أن المبيت في مزدلفة واجب وليس بركن والفرق بين الواجب والركن أن الواجب لا يفسد الحج بتعمد تركه ولكن فيه دم على المشهور عند العلماء أما الركن فلا يصح الحج إلا به حتى لو فرض أنه حصر عنه ولم يتمكن لم تتم حجته ولم تسقط عنه الفريضة.
وقد اختلف العلماء هل المبيت بمزدلفة ركن أو واجب أو سنة وأعدل الأقوال وأوسطها أنه واجب وليس بسنة وأما الدليل على وجوبه فلأن النبي صلى الله عليه وسلم امتثل أمر ربه في قوله (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) وبين صلى الله عليه وسلم هذا الذكر بفعله فإنه بات وذكر الله تعالى في هذا المكان أول ما وصل إليه عليه الصلاة والسلام وذكر الله تعالى أيضاً عند الانصراف منه فإنه بدأ أول ما وصل إلى مزدلفة بالصلاة وانصرف منها بعد الذكر بعد الصلاة.
وأما القول بالركنية فاستدل المؤلف رحمه الله لنفيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) ولو كان الوقوف أو المبيت بمزدلفة ركناً لقال ومزدلفة فلما لم يقل ذلك علم أنه ليس بركن.
فإن قال قائل يرد عليكم على تقرير هذا الدليل الطواف بالبيت فإنه ركن ومع ذلك لم يكن إلا بعد عرفة وكذلك السعي على القول بركنيته فيقال إن الطواف والسعي تشارك العمرة فيهما الحج يعني ليسا مختصين بالحج لكن الركن المختص بالحج عرفة وما عدا ذلك من الأفعال المختصة بالحج ليست بركن وبهذا ينتفي هذا الإيراد.
وأفاد المؤلف رحمه الله أنه يجوز الدفع منها بعد نصف الليل.
نقول في مناقشة هذا القول أولاً نحتاج إلى دليل بتقييد هذا بنصف الليل دليلهم على ذلك يقولون إن المبيت واجب وإذا بات أكثر الوقت فقد حصل الواجب وبعد منتصف الليل يكون قد أمضى أكثر الليل فيكتفى به ولكننا نقول إن الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الدفع من مزدلفة قبل الفجر كلها تدل على أنه في آخر الليل يعني في السحر وكانت أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما تراقب القمر فإذا غاب دفعت ومعلوم أن القمر لليلة العاشر لا يمكن أن يغيب عند منتصف الليل ولا قريباً منه لا يغيب إلا في الثلث الأخير من الليل وهذا هو القول الراجح أنه لا عبرة بالنصف العبرة بذهاب الثلثين أو نحو ذلك لأن أفعال الصحابة تبين المقصود.
ثم ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يجوز الدفع لغير الضعفة والمذهب أنه يجوز الدفع للضعفة وغير الضعفة حتى الأصحاء والأقوياء لهم أن يدفعوا بعد منتصف الليل ولكن الصواب أنه لا يجوز إلا لمن كان ضعيفاً ويبقى النظر في تحقيق المناط في الوقت الحاضر ففي الوقت الحاضر كل الناس ضعفاء إلا رجلاً أعطاه الله كبراً في الجسم وقوة فهذا ليس بضعيف لكن غالب المسلمين اليوم مع هذا الزحام ضعفاء ولهذا نرى أن يرخص للناس في الدفع من مزدلفة قبل الفجر لأنهم كلهم ضعفاء. الضعفاء في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا يخافون على أنفسهم كما يخاف الناس اليوم هذا ما أظن، لا شك أنهم دون الأقوياء لكن لا يحصل الزحام وهذا العنف وهذه العجرفة يأتي الواحد كالجمل كبراً وقوة منفعلاً حنقاً على الشيطان فيدعس من أمامه مهما كان هذا لا يوجد في الصحابة فالواقع أننا نرى أن الناس اليوم ينبغي أن يفتح لهم باب التيسير ويقال ادفعوا في آخر الليل ويوسع على الناس.
ويستفاد من ترخيص الرسول عليه الصلاة والسلام للضعفة أن يتقدموا فيرموا مع إمكانهم أن يتأخروا فيرموا في آخر اليوم لكن من أجل أن يشاركوا الناس فرحتهم بالعيد بالتحلل ومن أجل أن يقوموا بالأنساك التي تفعل يوم العيد على الترتيب الأفضل وإلا فمن الممكن أن يقال ادفعوا مع الناس بعد صلاة الفجر ولا ترموا إلا العصر والعصر سيكون خالياً لكن من أجل أن يرموا مبكرين ويشاركوا الناس في التحلل ويأتوا بالأنساك التي تكون في يوم العيد على وجه الترتيب الأفضل أذن لهم الرسول عليه الصلاة والسلام في التقدم ويؤخذ منه أنه لا يجوز تقديم الرمي في أيام التشريق على الزوال وجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأذن للضعفة الذين يزاحمهم الناس يوم العيد لم يأذن لهم في أيام التشريق أن يرموا قبل الزوال والعلة واحدة بل إن وقت الرمي في غير يوم العيد أقل من وقت الرمي في يوم العيد لأنه من الزوال ويوم العيد للضعفاء من آخر الليل وللأقوياء من بعد طلوع الشمس.
فصل
(في رمي الجمرات)
القارئ: فإذا وصل منى بدأ برمي جمرة العقبة لأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بها ولأنها تحية منى فلم يقدم عليها شيء كالطواف في المسجد والمستحب رميها بعد طلوع الشمس لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) من المسند.
الشيخ: هذا سبق الكلام عليه والعجب أن بعض العلماء المعاصرين قال يدفع من مزدلفة إذا كان من أهل الأعذار في آخر الليل أو بعد منتصفه على اختلاف القولين ولكن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس وهذا القول قليل الفقه إذ ما الفائدة من تقدمه إذا لم يرم فالصواب أنه إذا وصل يرمي الجمرة لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بدأ برمي الجمرة حين وصل وهي كما قال المؤلف تحية منى وهذا هو الفائدة من تقدمهم وأيضاً حديث أبي داود الذي ذكره (أن أم سلمة رمت الجمرة قبل الفجر) وأيضاً في الصحيح أن ابن عمر كان يذهب بأهله يأذن لهم أن يدفعوا فيوافون الفجر أو قبل الفجر ويرمون فالصواب أنه إذا جاز الدفع من مزدلفة جاز الرمي متى وصل إلى منى ولو قبل الفجر.
القارئ: وأول وقته بعد نصف الليل لحديث عائشة.
الشيخ: لكن لاحظوا أنه لا بد أن يتقدمه شيئان الوقوف بعرفة وبمزدلفة لا بد من هذا لقوله تعالى (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) فهذان نسكان متواليان بنص القرآن فيبقى النسك الثالث منى وما يكون فيها من أعمال الحج متأخراً عن هذا وهذا.
القارئ: ويستحب من كان راكباً أن يأتيها راكبا لما روى جابر قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول (لتأخذوا عني مناسككم) رواه مسلم.
الشيخ: لكن هذا الآن لا يمكن يعني لو قيل للحوافل التي تأتي إلى منى كلهم يذهبون إلى جمرة العقبة بالسيارات لا يمكن هذا في الوقت الحاضر ومن هنا نعرف أن ما يذكره العلماء رحمهم الله من مثل هذه الأحكام إنما يتكلمون في ذلك حسب زمنهم ولكن الآن من شاهد الناس لا يمكن أن يقول إن من كان راكباً فالأفضل أن يرميها راكباً بل قد نقول أنه لو رماها راكباً لكان إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة لأنه يؤذي الناس.
القارئ: ويستحب أن يستبطن الوادي ويستقبل القبلة ويرمي على حاجبه الأيمن لما روى عبد الرحمن بن يزيد قال لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي واستقبل القبلة وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن ثم رمى بسبع حصيات ثم قال والله الذي لا إله غيره من هاهنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة متفق عليه وإن رماها من فوقها جاز لما روي عن عمر جاء والزحام عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها.
الشيخ: يقول رحمه الله يستحب أن يستبطن الوادي يعني يأتي من بطن الوادي ويستقبل القبلة ويرمي على حاجبه الأيمن يمشي من بطن الوادي فتكون الجمرة على يمينه فيرميها وهو مستقبل القبلة من عند الحاجب الأيمن لكن هذه الصفة لم ترد عن النبي عليه الصلاة والسلام وهذا الحديث غريب المؤلف جعله متفقاً عليه مع أن المتفق عليه أن ابن مسعود رضي الله عنه وقف فجعل مكة عن يساره وجعل منى عن يمينه واستقبل الجمرة وقال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة فهذا الحديث المؤلف جعله من الصحيحين ولكن ليس من الصحيحين وعندي تعليق على الحديث بقلمي يقول هو بهذا اللفظ غير متفق عليه وإنما هو لفظ رواية الترمذي وهي رواية شاذة ولفظ الصحيحين المتفق عليه أنه جعل منى عن يمنيه والكعبة عن يساره وهو المعتمد.
القارئ: ويقطع التلبية عند البداءة بالرمي لقول الفضل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ولأن التلبية للإحرام وبالرمي يشرع في التحلل منه فلا يبقى للتلبية معنى ويكبر مع كل حصاة لحديث جابر وعن ابن عمر (أن النبي صلى الله عليه وسلم استبطن الوادي ورمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة الله أكبر الله أكبر اللهم اجعله حجاً مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا) رواه حنبل في مناسكه.
الشيخ: ولكن حديث جابر ليس فيه إلا التكبير فقط يقول الله أكبر الله أكبر فقط يعني مع كل حصاة تكبيرة واحدة فليس فيها بسملة كما يصنع بعض العوام الآن يقول بسم الله والله أكبر لا صحة له.
القارئ: ويرفع يديه في الرمي حتى يرى بياض إبطيه، ولا يجزئه الرمي بغير الحجر من المدر والخزف ولا بحجر قد رمي به لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بلقطه من غير المرمى ولأن ما تقبل من الحصى رفع والباقي مردود فلا يرمى به.
الشيخ: قوله لا يجزئه الرمي بغير الحجر من المدر والخزف، المدر هو حجر من الطين والخزف الطين المشوي ومثل ذلك الإسمنت لا يجزئ فمثلاً لو وجد الإنسان صبة من الإسمنت قد صبت على الأرض وأخذ يكسر منها فإنها لا تجزئه لا بد من حجر ودليل ذلك ظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بحصى مثل حصى الخذف.
وأما قوله ولا بحجر قد رمي به واستدل أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بلقطه من غير المرمى أما كونه رمى بحصى فنعم وأما كونه أمر بلقطه من غير المرمى دليلاً على أن ما رمي به لا يصح الرمي به فلا وجه لذلك لأن من المعلوم أن لقطه قبل أن يصل إلى مكان الرمي أسهل وليس من المعقول أن الرسول يقول القطوا الحصى من المكان الذي رمي به ولا سيما أن الرسول سيكون أول من يرمي فليس بالمكان حصى لكن آفة العالم أن يعتقد أولاً ثم يستدل ثانياً فانظر كيف حمّل هذا الدليل ما لا يحتمله من الاستدلال وهذا غلط والواجب على الإنسان أن يكون تابعاً للدليل وألا يجعل الأدلة تابعة لما يعتقد فيلوي أعناقها أو يستدل استدلالاً مستكرهاً.
لكن الذين قالوا لا يرمى بحجر رمي به عللوا ذلك بأنه كالماء المستعمل في الطهارة الواجبة والماء المستعمل في الطهارة الواجبة لا يجزئ الوضوء به مرة ثانية وكالعبد إذا أعتق فإنه لا يعتق مرة أخرى وهذا القياس غير صحيح أيضاً.
أما الأول وهو أنه يقاس على الماء الذي تطهر به فيقال نحن لا نسلم هذا الحكم في الأصل المقيس عليه وإذا لم نسلمه في الأصل سقط القياس لأن من شرط القياس عند المناظرة أن يكون الأصل متفقاً عليه بين الطرفين وهذا غير متفق عليه فنحن نقول من الذي قال لكم إن الماء المستعمل لا يستعمل مرة ثانية في الطهارة فهو لم يخرج عن كونه ماءً والماء يتطهر به.
وأما قولهم كالرقيق فهذا أيضاً غير صحيح لأن الرقيق إذا حرر لم يكن رقيقاً والحصى إذا رمي به ظل حصى ثم نقول أيضاً هذا الرقيق لو هرب إلى بلاد الكفر ثم جرى بيننا وبينهم قتال ثم أسرناه صار رقيقاً يعتق فالصحيح أنه يجوز الرمي بحصى قد رمي به ولا بأس.
لكن أورد على هذا أنه يلزم على هذا القول أن تجزئ حصاة واحدة عن جميع الحجيج فهذا الإلزام غير صحيح لا أحد يقول به ولا يجوز أن يلزم به القائل بإجزاء الرمي بحجر قد رمي به أبداً فالصواب أنه يجوز الرمي بحجر قد رمي به لكن صحيح أنه ليس من السنة أن الإنسان يقف على الحوض ويبدأ يأخذ من الحوض ويرمي لكن لو أخذ من حصى متناثرة من الحوض فلا بأس وهذا يحتاج الإنسان إليه أحياناً لأنه قد يسقط منه حجر قبل الحوض وحينئذٍ يحتاج إلي أن يأخذ الحصى من قريب من الحوض فلا بأس في ذلك حتى فيما يظهر على المذهب لا بأس به لأنه لا يتيقن أن هذه الحصاة قد رمي بها فيجوز أن تكون وقعت من صاحبها أو رماها ثم طارت فلم تسقط في الحوض أو ما أشبه ذلك.
القارئ: وإن رمى بحجر كبير أجزأه لأنه حجر وعنه لا يجزئه لأنه منهي عنه.
الشيخ: الثاني أصح أنه لا يجزئه لأن الرسول قال (فبأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو في الدين) فكيف يجزئ الرمي بحجر قد نهى عنه فالصواب أنه لا يجزئ ثم إن الرمي بالحجر الكبير فيه خطر على الناس لأن هذا الحجر لو وقع على رأس إنسان لتأثر تأثراً كبيراً لا سيما إذا رماه شخص بقوة شديدة.
القارئ: ولا يجزئه وضع الحصى في المرمى بغير رمي لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى.
الشيخ: صحيح يعني لو وقف على الحوض وبدأ يضعها وضعاً فهذا لا يجزئ لا بد من مسمى الرمي لكن لا يشترط أن يرفع يده حتى يرى بياض إبطه هذا ليس بشرط الشرط أن يكون رمياً.
القارئ: فإن رمى السبع دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى سبع رميات.
الشيخ: هذا صحيح لو رمى السبع جميعاً فإنه لا يجزئه إلا عن واحدة ولو قيل إنه لا يجزئه مطلقاً لم يكن بعيداً ولا عن واحدة لأن هذه صفة ليست بمشروعة فلا تكون مقبولة ولم يكن هناك دليل على أن مثل هذا يقبل.
فلو قال قائل أليس الرجل إذا طلق ثلاثاً وقع واحدة مع أنه ليس بمشروع أعني الطلاق الثلاث قلنا بلى ولكن هذا ورد به النص (كان الطلاق الثلاث واحدة) لكن هل كان السبع الحصيات واحدة هذا لم يرد فأقرب ما يكون لولا أنه جهل لقلنا هذا استهزاء لكن هذا لا يقع إلا من جاهل فإذا قلنا له صح منك حصاة واحدة نقول هذا لا يضرك أن تبدأ من جديد وأن ترمي بسبع حصيات.
القارئ: فلو رمى ووقعت الحصاة في غير المرمى واستقرت لم تجزئه وإن طارت فوقعت في المرمى أجزأته لأنها حصلت فيه برميه.
الشيخ: لو قال تدحرجت كان أقرب من طارت ومراده أنها تدحرجت أو نحو ذلك.
القارئ: وإن وقعت على ثوب إنسان أو محمله ثم طارت إلى المرمى أجزأته وإن رماها الإنسان عن ثوبه أو وقعت بحركة المحمل لم تجزئه لأنها لم تصل برميه وإن رماها من مكان عال فتدحرجت إلى المرمى أجزأته لأنها حصلت فيه بفعله وإن وقعت في غير المرمى فأطارت أخرى إلى المرمى لم تجزئه لأن التي رماها لم تصل.
الشيخ: صحيح التي رماها لم تصل، الفقهاء رحمهم الله يذكرون أشياء غريبة يعني تتعجب كيف أفهامهم أو أفكارهم تصل إلى هذا الحد لكن في بعض الأحيان يذكرون هذا من باب التمرين على القواعد.
القارئ: وإذا فرغ من الرمي انصرف ولم يقف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عندها فإن أخر الرمي إلى المساء رمى ولا شيء عليه لما روى ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل بمنى قال رجل رميت بعد ما أمسيت فقال (لا حرج) رواه البخاري، فإن لم يرم حتى جاء الليل لم يرم وأخره إلى غدٍ بعد الزوال لأن ابن عمر قال ذلك.
الشيخ: هذا المذهب لأنه يشترط ألا تغرب الشمس فإن غربت فلا بد أن يؤخره إلى غد بعد الزوال وقال بعض أهل العلم بل يرمي ولو بعد غروب الشمس وهذا القول هو الراجح لا سيما عند الحاجة في مثل أوقاتنا هذه وقال بعض العلماء يرمي ولو بعد طلوع الفجر ولو بعد طلوع الشمس لكنه في الليل أداء وفيما بعد ذلك قضاء فيكون الفائدة أنه يجوز تأخيره إلى الليل ولا يجوز إلى طلوع الفجر فإن قدر أنه فرط أو نام أو خاف من الزحام فإنه يقضيه في النهار صباحاً وهذا أقرب إلى الصواب أنه إذا فاته الرمي اليوم لعذر فإنه يرميه من الغد في الضحى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) ولم يقل فليصلها إذا دخل وقتها من اليوم الثاني بل قال إذا ذكرها وليس هذا بأشد من الصلاة.
السائل: ما هو ضابط حجم المرمى؟
الشيخ: حجم المرمى الآن موجود في الأحواض هذه الأحواض المحوضة هي مكان المرمى على كل حال بعض الناس قالوا مادام أنها من زمان ما ينبغي أن نتوسع وإلا ففيه اقتراحات كثيرة أن يوسع الحوض والآن كما ترى في الجسر الحوض واسع لكن أسفله ضيق بحيث يقع الحصى في المرمى فبعض الناس قالوا لو أنها توسع وتجعل كما جعل الأعلى منصبة إلى الأسفل لكن رأى أكثر الإخوان من المشايخ ألا تغير.
السائل: هل ترمى جمرة العقبة الكبرى من جهة واحدة فقط في أسفل الجسر لأن الحوض غير كامل؟
الشيخ: لا مانع أن ترمى من كل الجهات كانت بالأول ترمى من جانب واحد لأنها كانت عقبة جبل لا أحد يصعده أما الآن فالحمد لله زال هذا لكن إذا رميتها من الخلف من الشرق لا بد أن تقع الحصاة في الحوض.
فصل
(في ذبح الهدي)
القارئ: ثم ينصرف فيذبح هدياً إن كان معه وإن كان واجباً عليه ولا هدي معه اشتراه فذبحه لقول جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (إنه رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثة وستين بدنة بيده) ويسن أن ينحر بيده لهذا الحديث ويجوز أن يستنيب فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عليا فنحر ما غبر.
الشيخ: معناه أنه إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد فالأفضل أن يذبح هديه إن كان معه وإلا فاشتراه لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما رمى الجمرة انصرف إلى المنحر فنحر كما في حديث جابر رضي الله عنه وقد أهدى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مائة بدنة فنحر ثلاثة وستين بيده وأعطى علياً فنحر الباقي ثم أمره أن يقوم عليها ويتصدق بلحمها وجلودها وجلالها إلا أنه أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدر وطبخت فشرب من مرقها وأكل من لحمها ففي هذا دليل على فوائد
أولاً أنه ينبغي للإنسان أن يباشر ذبح هديه بيده لأن الذبح عبادة فكونك تباشره بيدك أفضل من كونك تستنيب غيرك
وفيه أيضاً تأكد الأكل من الهدي لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يؤخذ من كل بدنة قطعة فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها وقد قال بعض العلماء إن الأكل من الهدي واجب لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به بل إن الله قدمه على إطعام الفقير فقال (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَر)
ومنها أيضاً النكتة الغريبة اللطيفة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح ثلاثة وستين بيده قال العلماء على قدر السنوات التي عاشها صلى الله عليه وسلم فإنه عاش ثلاثاً وستين سنة.
فإن قال قائل لماذا أعطى علي ابن أبي طالب دون غيره من الصحابة؟
فالجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أشرك علياً في هديه.
والثاني أن علياً كان له عملٌ كبير في هذا الهدي لأنه قدم بجزء كبير منه من اليمن فلهذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم نائباً عنه ثم على فرض أن هذا من مناقب علي ابن أبي طالب فإن تميز الإنسان بمنقبة خاصة لا يقتضي أن يكون له الفضل المطلق فهناك فضل مقيد وفضل مطلق فقد يمتاز بعض الصحابة بفضل مقيد لكن غيره أفضل منه على وجه الإطلاق فعكاشة ابن محصن امتاز عن بعض الصحابة بل عن أكثر الصحابة بأنه ممن يدخل الجنة من غير حساب ولا عذاب ولا يقتضي ذلك أن يكون له الفضل المطلق على أبي بكر وعمر وعثمان وأمثالهم فيجب التمييز بين الفضل المطلق والفضل المقيد.
هذا الحديث دليل على جواز استنابة الغير في ذبح الهدي ولكن لا بد أن يكون الغير موثوقاً من حيث العلم ومن حيث الأمانة، من حيث العلم لئلا يقع في أمر محظور شرعاً مثل أن يذبح ولا يسمي أو يذبح ولا ينهر الدم وأن يكون أميناً يتصدق فيما ينبغي الصدقة به.
القارئ: وحد منى ما بين العقبة وبطن محسر فحيث نحر منها أو من الحرم أجزأه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وطريق)
الشيخ: وعلى هذا فوادي محسر ليس من منى وجمرة العقبة ليست من منى لأنه قال ما بين جمرة العقبة ووادي محسر.
فصل
القارئ: ثم يحلق رأسه ويستحب أن يكبر عند حلقه لأنه نسك ويستقبل القبلة ويبدأ بشقه الأيمن لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالحلاق فأخذ بشق رأسه الأيمن فحلقه ثم الأيسر رواه أبو داود ويجوز أن يقصر من شعره إلا أن أحمد قال من لبد رأسه أو عقص أو ظفر فليحلق لأن عمر وابنه أمرا من لبد رأسه أن يحلق ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من لبد فليحلق) فأما غير هؤلاء فيجزئهم التقصير بالإجماع والحلق أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق وقال (اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله والمقصرين قال في الرابعة والمقصرين) والمرأة تقصر ولا تحلق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ليس على النساء حلق إنما على النساء تقصير) رواه أبو داود ولأن الحلق في حقها مثلة فلم يكن مشروعا ومن لا شعر له فلا شيء عليه لأنها عبادة تتعلق بمحل فسقطت بذهابه كغسل اليد في الوضوء ويستحب أن يمر الموسى على رأسه لأن ابن عمر قال ذلك.
الشيخ: هذا الفصل في الحلق ذكر فيه أنه يكون الحلق بعد النحر لقوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) وذكر فيه أنه يستحب أن يكبر عند حلقه لأنه نسك وهذا فيه نظر والصحيح أنه ليس بسنة لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قوله لأنه نسك فيلزم من ذلك أن نقول يكبر أيضاً عند الوقوف بعرفة وعند المبيت بمزدلفة فالحاصل أن الصواب أنه ليس بسنة.
يقول يستقبل القبلة وهذا أيضاً فيه نظر وإن كان بعض العلماء رحمهم الله قال إن كل عبادة الأفضل أن يكون مستقبل القبلة فيها إلا بدليل وبنوا على ذلك أن المتوضئ يسن أن يستقبل القبلة عند وضوئه لكن في هذا نظر فيقال استقبال القبلة عبادة ولا يشرع إلا إذا جاءت به السنة.
وأما البداءة بالأيمن فصحيح للحديث الذي ذكره ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالأيمن في وضوئه وغسله.
وأما تلبيد الرأس وعقصه أو ضفره فيقول المؤلف إنه لا بد من الحلق وتلبيد الرأس أن يضع عليه شيئاً من الصمغ أو العسل حتى لا ينتفش وهذا قد يصعب على الإنسان أن يقصره فيكون المشروع في هذا الحلق.
ذكر أيضاً من مسائل هذا الباب أن المرأة لا تحلق لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ليس على النساء حلق وإنما على النساء التقصير) رواه أبو داود ولأنه مثلة لأن المرأة إذا حلقت صار الحلق في حقها مثلة يعني مشوهاً لخلقتها.
وذكر أيضاً في هذا الفصل أنه لو كان الإنسان أقرع الرأس ليس له شعر فإنه يسقط عنه الحلق والتقصير لعدم المحل كما لو قطعت يده فإنه لا يلزمه أن يغسل بدلها العضد ولكن يقول يستحب أن يمر الموسى على رأسه هذا فيه نظر إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات في هذا الصلع فيحتاط فنعم وعليه يحمل حديث ابن عمر إن كان ثبت عنه وأما إذا تيقن أنه ليس هناك شعرات فإمرار الموسى على الرأس عبث وهذا كقول بعض العلماء أن الرجل الأخرس إذا أراد أن يقرأ يحرك لسانه وشفتيه وهذا لا معنى له والصواب أنه إذا كان أقرع الرأس فإنه لا يسن له إمرار الموسى على رأسه لعدم الفائدة فهو عبث والشريعة لا تأتي بالعبث إلا إذا كان يخشى أن يكون هناك شعرات يسيرة فالأولى من باب الاحتياط أن يفعل.
فصل
(في الحلق والتقصير)
القارئ: وفي الحلاق والتقصير روايتان إحداهما ليس بنسك إنما هو استباحة محظور لأنه محرم في الإحرام فلم يكن نسكا كالطيب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا موسى أن يتحلل بطواف وسعي ولم يذكر تقصيرا.
الشيخ: وذلك حين قدم من اليمن.
القارئ: والثانية هو نسك وهو أصح لقول الله تعالى (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) ولأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر به بقوله (فليقصر وليحلل) ودعا للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة والتفاضل إنما هو في النسك وقال عليه السلام (إنما على النساء التقصير).
الشيخ: استدل المؤلف بأدلة واضحة على أن التقصير والحلق نسك منها قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه وأصحابه يدخلون مكة ويطوفون بالبيت ويقصرون فقال (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ) يعني أراه رؤيا صدق وحق ثم أكد ذلك بقوله (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وهذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات اللام والنون والقسم.
لكن في قوله (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قد يقول قائل فيها إشكال وهو أن يقال إن شاء الله لتدخلن وإن لم يشأ فلا تدخلون فيبقى الأمر معلقاً؟
والجواب عن ذلك أن يقال هذا التعليق للتحقيق فهو كقول زائر القبور وإنا إن شاء الله بكم لاحقون والمعنى أنكم ستدخلون ذلك بمشيئة الله فهو من باب التحقيق وبعث الاطمئنان في قلوب الصحابة وأنكم ستدخلون بمشيئة الله لأن الذي وعدكم قادر على تحقيق وعده.
الدليل الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في قوله (فليقصر وليحلل).
الدليل الثالث دعا للمحلقين ثلاثاً ولو كان التقصير إطلاقاً من المحظور فقط لم يستحق فاعله أن يدعى له ولهذا قال التفاضل إنما هو في النسك.
والدليل الرابع قوله عليه الصلاة والسلام (إنما على النساء التقصير) وعلى تفيد الوجوب وهذا هو الصحيح أن التقصير والحلق نسك.
وأما الذين قالوا إطلاق من محظور فنقول لهم ماذا تقولون لو أن الإنسان رمى ونحر وتطيب أترونه مجزئاً عن الحلق والتقصير إن قالوا نعم: قلنا الآن طردتم قاعدتكم لكن خرجتم عن مقتضى السنة وإن قالوا لا: نقول لهم نقضتم قاعدتكم لأن الإطلاق من المحظور يكون بأي نوع من أنواع المحظورات يفعله الإنسان ولهذا لما قال بعض العلماء إن السلام في الصلاة ليس ذكراً مشروعاً فيها وإنما إطلاق من محظور لأن الإنسان يحظر عليه أن يكلم الناس في الصلاة والسلام عليهم كلام ومخاطبة لهم فهو إطلاق من محظور لما رأى هذا الرأي قال إنه إذا انتهى من التشهد ثم فسى فهو مجزأ عن السلام لأن الفساء إطلاق من محظور أو تكلم بأي كلام فقد تمت صلاته ولاشك أن هذا نوع من العبث ولولا أننا نعلم حسن نية القائلين بذلك لكان نوعاً من الاستهزاء.
القارئ: فإن قلنا هو استباحة محظور فله الخيرة بين فعله أو تركه والأخذ من بعضه دون بعض ويحصل التحلل الأول برمي الجمرة قبله فيحل له كل محرم بالإحرام إلا النساء وما يتعلق بهن من الوطء والعقد والمباشرة لما روت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر (إن هذا يوم رخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تحلوا يعني من كل شيء إلا النساء) رواه أبو داود وعنه يحل كل شيء إلا الوطء في الفرج.
الشيخ: وهذه المسألة مهمة جداً أعني هل يحصل التحلل برمي الجمرة أو لا بد من إضافة الحلق أو التقصير إليه؟ لأنه يترتب عليه مسائل عظيمة كفساد النسك مثلاً إذا قلنا لا يحصل التحلل إلا بالرمي والحلق وجامع بين الرمي والحلق فسد نسكه وترتب عليه خمسة أمور الإثم وفساد النسك والمضي فيه والقضاء من العام القادم والخامس البدنة وإذا قلنا إنه يحل التحلل الأول بالرمي فإنه لا يفسد النسك لكن يفسد الإحرام.
وإذا قلنا بالتحلل الأول فما الذي يحل به؟ قيل يحل به جميع المحظورات إلا النساء وما يتعلق بهن من عقد النكاح والخطبة والمباشرة وما أشبهها.
والقول الثاني لا يحرم إلا الجماع فقط وما عداه فهو حلال.
وينبني على هذا ما إذا عقد النكاح بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني فإن قلنا إنه لا يحل من الجماع ودواعيه فالنكاح باطل وإذا قلنا إنه يحل من كل شيء إلا الجماع فالنكاح صحيح وهذه كثيراً ما ترد يكون العقد بين التحلل الأول والتحلل الثاني فعلى المذهب وهو أنه لا يحل من الجماع ودواعيه يكون العقد باطلاً وإن شئت قل فاسداً لأنه مختلف فيه فيجب عليه إعادته بعد التحلل الثاني وعلى القول الثاني يكون العقد صحيحاً وما زلت متردداً في الراجح في مسألة التحلل أما مسألة ما يحل له فالظاهر أن الأقرب أن المحرم الجماع فقط لقوله (إلا النساء).
القارئ: وإن قلنا إنه نسك فعليه الحلق أو التقصير من جميع رأسه لقول الله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) وحلق النبي صلى الله عليه وسلم جميع رأسه وعنه يجزئه بعضه كالمسح ويقصر قدر الأنملة لأن ابن عمر قال ذلك وإن أخذ أقل من ذلك جاز لأن الأمر به مطلق.
الشيخ: هذه مسألة خلافية هل يجب في التقصير أن يعم جميع الرأس؟
نقول أما أن يعم كل شعرة فهذا لا لأن هذا لا يحصل إلا بالحلق وأما أن يعم الظاهر منه بحيث تتبين أثر تقصيره فهذا هو الواجب وأما أن يقص شعرات من جانب أو الجوانب الأربعة فهذا لا يكفي.
القارئ: ولا يحصل التحلل الأول إلا به مع الرمي لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وليقصر وليحلل) والأولى حصول التحلل بالرمي وحده لحديث أم سلمة عن ابن عباس مثله.
الشيخ: المؤلف رحمه الله استدل بأنه لا يحصل التحلل إلا بالحلق مع الرمي لقوله صلى الله عليه وسلم (وليقصر وليحلل) لكن هناك دليل قد يكون أوضح منه وهو قول عائشة رضي الله عنها كنت أطيب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت ولم تقل ولحله إذا رمى أو تقول ولحله قبل أن يحلق بل قالت قبل أن يطوف بالبيت وظاهر هذا أنه لا حل إلا الحل الذي يليه الطواف بالبيت والحل الذي يليه الطواف بالبيت لا يكون إلا بعد الحلق أو التقصير والمسألة مبنية على حديث أم سلمة إن صح فهو قاطع للنزاع فإن لم يصح فالأمر على ما قاله الفقهاء رحمهم الله أنه لا حل إلا بالرمي والحلق أو التقصير وحديث أم سلمة فيه شذوذ في المتن وكذلك شذوذ في العمل لأن حديث أم سلمة هذا هو الذي فيه أنه إذا غربت الشمس يوم العيد فإنهم يرجعون حلالاً كما كانوا بالأمس وهذا شاذ لا عمل عليه.
القارئ: وإن أخر الحلاقة إلى آخر أيام النحر جاز لأن تأخير النحر جائز وهو مقدم على الحلق فالحلق أولى وإن أخره عن ذلك ففيه روايتان إحداهما عليه دم لأنه ترك النسك في وقته فأشبه تأخير الرمي والثانية لا شيء عليه سوى فعله لأن الله تعالى بين أول وقته بقوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ولم يبين آخره ولأنه لو أخر الطواف لم يلزمه إلا فعله فالحلق أولى.
الشيخ: استدل رحمه الله على جواز تأخير الحلق أو التقصير لأن الله تعالى ذكر أوله ولم يذكر آخره فعلى هذا يكون مؤقتاً في أوله غير مؤقت في آخره ومن هنا نعرف صحة التعليل بتأخير الرمي إلى الليل حيث كان من جملة العلة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أوله ولم يبين آخره.
وقوله رحمه الله في التعليل الآخر أنه يجوز تأخير الطواف فإذا جاز تأخير الطواف فالحلق من باب أولى لأن الطواف ركن والحلق إما واجب أو استباحة محظور لكن مع هذا نقول لا يجوز تأخيره أبد الآبدين كما ذكره الفقهاء رحمهم الله فإن الفقهاء يقولون لا حد لآخر وقت الطواف ولا وقت الحلق لكنه يبقى إذا أخر الطواف يبقى على ما بقي من إحرام والصحيح أن له حداً وهو انتهاء شهر ذي الحجة لأن الله تعالى قال (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) فلا يجوز تأخير طواف الإفاضة ولا الحلق أو التقصير عن شهر ذي الحجة اللهم إلا لعذر كما لو كانت المرأة نفساء لا يمكنها أن تطوف إلا بعد انتهاء شهر ذي الحجة فهذا عذر وأما مع عدم العذر فلا يجوز تأخير الطواف ولا تأخير الحلق أو التقصير عن شهر ذي الحجة لقول الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ).
القارئ: ويستحب لمن حلق أن يأخذ من شاربه وأظفاره لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه قلم أظفاره.
الشيخ: هذا الحديث يحتاج إلى إثبات وهل هو صحيح أو لا؟
القارئ: ولا بأس أن يتطيب لقول عائشة طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت متفق عليه.
الشيخ: قوله رحمه الله لا بأس أن يتطيب يحتمل وجهين:
الوجه الأول أنه على ظاهره يعني أنه إذا حل التحلل الأول فلا بأس أن يتطيب.
والوجه الثاني أن يكون المراد به استحباب التطيب ويكون نفي البأس من باب الأمر بعد النهي بمعنى أن قوله لا بأس يراد به رفع الحرج عمن تطيب بعد التحلل الأول فلا ينافي أن يكون مستحباً كما قال صاحب الفروع رحمه الله عند قول بعض الفقهاء وللقارن والمفرد أن يفسخا نيتهما إلى عمرة ليصيرا متمتعين قال والتعبير بهذا يراد به دفع من قال إنه لا يجوز فلا ينافي أن يكون مشروعاً وهذا هو الظاهر أن مراد المؤلف بقوله لا بأس رفع الحظر فلا ينافي أن يكون مشروعاً ويدل لذلك أنه استدل لهذا بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث كانت عائشة تطيبه لحله قبل أن يطوف بالبيت ولأن الطيب مستحب في كل وقت يعني ينبغي للإنسان أن يكون على طيب دائم لأن الطيب يألفه الطيبون والطيب يشرح صدر من قابلك أو سلم عليك أو جلس إليك فهو سنة مطلقة في كل وقت لا سيما إذا حل التحلل الأول وهو الآن بصدد الانصراف إلى بيت الله عز وجل والتعبد له بالطواف فإنه هنا يتأكد استحبابه.
فصل
(في الخطبة يوم النحر)
القارئ: ويسن أن يخطب الإمام يوم النحر خطبة يعلمهم فيها الإفاضة والرمي والمبيت بمنى وسائر مناسكهم لما روى ابن عمر قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال في خطبته (إن هذا يوم الحج الأكبر) رواه البخاري ولأنه يوم فيه وفيما بعده مناسك يحتاج إلى العمل بها فشرعت فيه الخطبة كيوم عرفة.
الشيخ: واقتصار المؤلف على هذا في بيان الخطبة فيه نظر والصواب أنه ينبغي في هذه الخطبة أن يذكر أصول الدين ودعائمه وحكم العدوان على الناس والمال والنفس والعرض لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر تحريم هذا ومتى يسهل أن يتجمع الناس إليك من كل فج في مثل هذا اليوم؟ فلهذا ينبغي أن يذكر ما أشار إليه المؤلف رحمه الله ويذكر دعائم الإسلام وأصوله العظيمة ليقررها ولهذا قرر الرسول عليه الصلاة والسلام بالاستفهامات المثيرة حيث قال أتدرون أي يوم هذا أتدرون أي شهر هذا أتدرون أي بلد هذا وهو يعلم لكن يريد أن يسترعي انتباههم لأمر يذكره بعد فلما قررهم بأن هذا يوم النحر وهذا البلدة مكة وهذا الشهر شهر حرام قال (إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).
وقوله رحمه الله أنه ينبغي للإمام ولم يذكر أي وقت ولكن وقتها الضحى حين يكون الناس متأهبين للاستماع إليها وإن جعلها بعد صلاة الظهر فلا بأس.
وقوله (إن هذا يوم الحج الأكبر) هذا تفسير لقوله تعالى (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ويوم الحج الأكبر هو يوم العيد وليس يوم عرفة وإنما سمي يوم الحج الأكبر لأنه يفعل فيه أنساكاً خمسة وهي الرمي ثم الحلق ثم النحر ثم الطواف ثم السعي.
الشيخ: فائدة خطبة النبي عليه الصلاة والسلام في منى كانت يوم العيد ضحى بين الجمار هذه ثلاثة فوائد أنها يوم العيد وأنها في الضحى وأنها بين الجمار ووقف يسأل بعد صلاة الظهر.
فصل
(في الإفاضة)
القارئ: ثم يفيض إلى مكة فيطوف بالبيت طوافاً ينوي به الزيارة ويسمى طواف الزيارة وطواف الإفاضة وهو ركن الحج لا يتم إلا به لقوله الله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وروت عائشة أن صفية حاضت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أحابستنا هي قالوا يا رسول الله إنها قد أفاضت قال فلتنفر إذاً) متفق عليه فدل على أنه لا بد من فعله.
الشيخ: هذا الطواف هو طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة أما كونه طواف إفاضة فلأن الناس يفيضون يوم العيد إلى مكة وأما كونه طواف زيارة فلأن الناس خرجوا إلى الحل وهي عرفة ثم عادوا من الحل إلى الحرم فطافوا فصار ذلك زيارة كزيارة البعيد إلى بلد قريبه ولهذا سميت العمرة زيارة لأن الناس يزورون فيها البيت بعد أن أتوا إليه من المحل.
هذا الطواف يقول المؤلف رحمه الله إنه ركن الحج ظاهر كلامه وتعبيره أنه أعظم ركن خاص بالحج وليس كذلك بل الركن الخاص بالحج هو عرفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) فلو قال المؤلف ركن من أركان الحج لكان أولى في التعبير واستفيد من قوله تعالى (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) بعد قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) أن الطواف يكون بعد النحر وبعد التحلل لأن قوله (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) يعني يزيلوا الأوساخ والأذى بتقليم الأظافر وغير ذلك (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) يعني ذبائحهم (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) وهو كذلك لكن السنة وردت أنه لا بأس أن يقدم على الرمي والحلق والذبح كما سيأتي إن شاء الله لكنه لا يقدم على المبيت بمزدلفة ولا على الوقوف بعرفة لأن الله تعالى قال (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) فدل هذا على أن مزدلفة هي التي تلي عرفة ثم قال (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) وهذا لا يكون إلا بعد مزدلفة ولهذا قال العلماء من شرط صحة طواف الإفاضة أن يكون بعد الوقوف والمبيت.
واستدلاله رحمه الله جيد أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في صفية (أحابستنا هي) قال هذا عليه الصلاة والسلام استنكارا وتألماً ولهذا في بعض ألفاظ الحديث (عقرى حلقى أحابستنا هي) لأنها إذا حاضت وهي لم تطف طواف الإفاضة وجب انتظارها فإذا انتظرها النبي عليه الصلاة والسلام لزم من ذلك أن ينتظره كل الصحابة فدل ذلك على أنه إذا حاضت المرأة قبل أن تطوف طواف الإفاضة فلا بد أن تبقى حتى تطوف وأنه يلزم محرمها أن يبقى معها لقوله (أحابستنا هي).
فإن قال قائل إذا كان يلحقه في هذا ضرر بأن كان مربوطاً برحلة ولا يمكنه أن يتأخر عنها فماذا يصنع؟
قيل للعلماء في هذا أربعة أقوال:
قول أن المرأة تطوف وهي حائض وعليها دم.
وقول آخر أنها تسافر لكنها تبقى على ما بقي من إحرامها حتى تعود إلى البيت يعني لا يقربها زوجها ولا يعقد عليها إذا لم تكن متزوجة إلى أن تطوف ولا شك أن هذا مشقة عظيمة ونحن نعلم من قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) أن الدين الإسلامي لا يمكن أن يأتي بمثل هذا إطلاقاً.
القول الثالث أنها تتحلل التحلل الثاني وتكون محصرة وعلى هذا ترجع بدون حج لأنه بقى عليها ركن من أركان الحج فنقول اذبحي فدية ثم ارجعي إلى بلدك بدون حج وهذا أيضاً مشقة عظيمة ربما تكون هذه المرأة قد جمعت نفسها لهذا الحج منذ أن كانت في الصغر ثم نقول ارجعي بلا حج.
القول الرابع أنها تطوف ولاشيء عليها وهذا يقترب من القول الأول أنها تطوف وعليها دم لكنه يخالفه في أنه لا يوجب الدم والأصل عدم الوجوب فإذا قلنا بجواز الطواف هنا للضرورة قلنا أين الدليل على وجوب الدم ولا دليل عليه وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الحق لقوة أدلته ولكن لاحظ أن من كان هنا في المملكة العربية السعودية فليس عليه ضرر في أن تسافر المرأة على ما بقي من إحرامها ثم إذا طهرت رجعت وكملت النسك ولكن مع الأسف أن بعض الأخوة صاروا يتسرعون وقالوا حتى التي في هذا البلد تطوف وهي حائض للضرورة وتمشي وهذا غير صحيح فإن الذين في البلد متيسر عليهم جداً أن يرجعوا لكن مثلاً من كانت في بلاد أخرى بعيدة لا يمكن أن ترجع إلا بمشقة فهذا يتوجه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
القارئ: وأول وقته بعد نصف الليل من ليلة النحر لحديث أم سلمة والأفضل فعله يوم النحر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رمى الجمرة أفاض إلى البيت في حديث جابر وإن أخره جاز لأنه يأتي به بعد دخول وقته فإذا فرغ منه حل له كل شيء لقول ابن عمر أفاض بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه يعني النبي صلى الله عليه وسلم وعن عائشة مثله متفق عليهما وإن أفاض قبل الرمي حل التحلل الأول ووقف الثاني على الرمي فإن فات وقته قبل رميه سقط وحل التحلل الثاني بسقوطه وهذا في حق من سعى مع طواف القدوم وأما من لم يسع فعليه أن يسعى بعد طواف الزيارة ويقف التحلل على السعي.
الشيخ: وظاهر كلامه بل صريحه أنه يحصل التحلل الأول بالطواف مع الحلق في قول المؤلف وإن أفاض قبل الرمي حل التحلل الأول يعني مع الحلق على القول بأنه يتوقف عليه الحل فإن قلنا لا يتوقف عليه الحل حل بالطواف والقاعدة عند الفقهاء رحمهم الله أنه يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة: الرمي والحلق والطواف إذا فعل اثنين منها فإنه يكون حل التحلل الأول وعلى قول من يقول إن الحلق لا علاقة له بالتحلل إذا فعل واحداً من اثنين إما الطواف وإما الرمي.
فإن قال قائل السنة إنما جاءت بالرمي (إذا رميتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء) فإذا طاف ولم يرم فكيف تقولون إنه يحل التحلل الأول؟
والجواب عن هذا أن يقال نعم السنة لم ترد بذلك لكن لما كان يتوقف على الطواف الحل الثاني كان هذا دليلاً على أن له تأثيراً في التحلل ولا نعلم تأثيراً له في التحلل إلا إذا قلنا بأنه يحل به التحلل الأول إذا اقتصر عليه ولكن مع ذلك في نفسي من هذا شيء والظاهر أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالرمي ثم الحلق على حسب ما سيتبين لنا إن شاء الله في البحث وأما تعليق التحلل بالطواف والسنة لم ترد به ففيه نظر ومسائل العبادات فوق ما نتصوره من القياس والنظر.
القارئ: قال أصحابنا يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة الرمي والحلق والطواف ويحصل التحلل الثاني بالثالث إن قلنا الحلق نسك وإن قلنا ليس بنسك حصل التحلل الأول بواحد من اثنين وهما الرمي والطواف وحصل التحلل الثاني بالثالث.
فصل
(في طواف القدوم وطواف الزيارة)
القارئ: قال أحمد رضي الله عنه في المتمتع إذا دخل مكة لطواف الزيارة يبدأ قبله بطواف القدوم ويسعى بعده ثم يطوف للزيارة بعدهما وهكذا القارن والمفرد إذا لم يكونا دخلا مكة قبل يوم النحر ولا طافا للقدوم فإذا دخلاها للإفاضة بدءا بطواف القدوم وسعيا بعده ثم طافا للزيارة لأن طواف القدوم مشروع فلا يسقط بتعين طواف الزيارة إلا أنه قال في المرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت فخشيت فوات الحج أهلت بالحج وكانت قارنة ولم يكن عليها طواف القدوم واحتج أحمد رضي الله عنه بقول عائشة رضي الله عنها فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم متفق عليه قال الشيخ لم يتبين لي من هذا الحديث إلا أن طواف القدوم في حقهم غير مشروع لكونهم لم يطوفوا بعد الرجوع من منى إلا طوافاً واحداً ولو شرع طواف القدوم لطافوا طوافين ولأن عائشة لم تطف للقدوم حين أدخلت الحج على العمرة ولم تكن طافت له قبل ذلك ولأن طواف القدوم تحية المسجد فسقط بتعين الفرض كتحية المسجد في حق من دخل وقد أقيمت المفروضة.
الشيخ: وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله أصوب مما ذهب إليه الإمام أحمد فالإمام أحمد رحمه الله يرى أن من لم يطف طواف القدوم من المفرد والقارن فإنه يطوف للقدوم أولاً ثم للزيارة والمتمتع كذلك يرى أنه يطوف للقدوم ثم للزيارة ولكن هذا فيه نظر ظاهر لأنه خلاف ظاهر السنة والتعليلات التي ذكرها المؤلف في الرد عليه ظاهرة فالصواب أنه لا يطوف إلا طوافاً واحداً سواء كان متمتعاً أو قارناً أو مفرداً لم يكن طاف للقدوم أو قارناً أو مفرداً وطاف للقدوم فالمهم أنه لا يطوف إلا طوافاً واحداً فأما المتمتع فواضح لأن طواف القدوم صار في حقه في طواف العمرة وأما المفرد والقارن إذا لم يطوفا للقدوم فلأن طواف الإفاضة أغنى عن طواف القدوم وإذا كان طواف العمرة يغني عن طواف القدوم فطواف الإفاضة من باب أولى فالصواب ما ذهب إليه المؤلف وأنه ليس هناك إلا طواف واحد.
فصل
(في يوم الحج الأكبر)
القارئ: يوم الحج الأكبر يوم النحر لما تقدم من حديث ابن عمر، سمي بذلك لكثرة أفعال الحج فيه فإنه يفعل ستة أشياء الوقوف في المشعر الحرام ثم الإفاضة إلى منى ثم الرمي ثم النحر ثم الحلق ثم طواف الزيارة.
الشيخ: ثم السعي لم يذكره المؤلف لكن إذا أردنا أن نعد ما قاله رحمه الله فالسعي أيضاً لأن الذين تمتعوا مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم سعوا ذلك اليوم ولهذا قال له رجل (يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف) فصار الذي يفعل سبعة ونحن ذكرنا سابقاً أن الذي يفعل خمسة وهذه الخمسة هي التي تفعل بعد الوصول إلى منى لأن الوقوف عند المشعر الحرام والإفاضة من مزدلفة إلى منى هذه قبل الوصول إلى منى على أن عد الإفاضة إلى منى نسكاً فيه نظر لأن الإفاضة إلى منى من باب الوسائل ليست مقصودة ولهذا لو سير بالإنسان وهو نائم من مزدلفة إلى منى فحجه صحيح لا نقص فيه أما الوقوف بعد صلاة الفجر في مزدلفة فهذا صحيح هذا يكون يوم العيد فالحاصل أن الذي يفعل يوم العيد بعد الوصول إلى منى خمسة أشياء وأما الذي يفعل في يوم العيد فهو سبعة إذا عددنا الإفاضة من النسك.
القارئ: والسنة ترتيبها هكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها في حديث جابر وغيره فإن فعل شيئاً قبل شيء جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له يوم النحر في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير قال (لا حرج) متفق عليه فإن فعل ذلك عالماً ذاكراً ففيه روايتان أحدهما لا شيء عليه للخبر والثانية عليه دم لأن الله تعالى قال: (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ولأن الحلق كان محرماً قبل التحلل الأول ولا يحصل إلا بالرمي.
الشيخ: والصواب الرواية الأولى أنه لا شيء في تقديم بعضها على بعض لأن في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ما سئل عن شيء يومئذٍ قدم ولا أخر إلا قال (افعل ولا حرج) وكلمة افعل تدل على المستقبل وقوله لا حرج تدل على انتفاء الإثم ولم يقل لا تعد كما قال لأبي بكرة في الصلاة فالصواب أن ذلك الترتيب من باب المستحب وليس من باب الواجب وهو من نعمة الله عز وجل ورحمته بالخلق أن جعل الناس في حل من الترتيب من أجل أن يختلف الناس هذا يرمي وهذا ينحر وهذا يطوف وهذا يسعى.
بقي علينا مسألة النحر إذا قدمه على الرمي هل نقول لا بد أن تطلع الشمس أو لا؟ ظاهر كلام الفقهاء رحمهم الله أنه لا بد أن تطلع الشمس وترتفع قيد رمح ويمضي من الوقت ما تكون به صلاة العيد ولكن الراجح أنه يدخل الوقت من طلوع الفجر لأن أهل منى ليس عندهم صلاة عيد حتى ينتظروها وهذا هدي وليس بأضحية وهذا ما جزم به شيخ الإسلام في شرح العمدة أنه يدخل وقت النحر من فجر يوم العيد على أن بعض العلماء قال إنه يدخل من حين الإحرام بالحج وبعضهم قال يدخل من حين انتهائه من العمرة وبعضهم قال يدخل من حين شروعه في العمرة لكن كل هذه أقوال ليس عليها دليل.
السائل: بعض النساء تأخذ الحبوب لتمنع الحيض في الحج.
الشيخ: لا بأس للحاجة بشرط استئذان الطبيب.
فصل
(في المبيت بمنى)
القارئ: ثم يرجع إلى منى من يومه فيمكث بها ليالي أيام التشريق لما روت عائشة قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق.
الشيخ: انظروا إلى البركة العظيمة إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند المشعر الحرام حتى أسفر جداً ثم سار وسير الإبل تعرفون سرعتها إلا أنه أسرع في وادي محسر ثم رمى الجمرة ثم ذهب إلى المنحر فنحر ثلاثة وستين بعيراً ونحر عليٌّ ما بقي ثم أمر من كل بعير بقطعة ثم طبخت وأكل من لحمها وشرب من مرقها ثم دعا الحلاق فحلق ثم لبس وتطيب ثم نزل إلى مكة وطاف طواف الإفاضة كل هذا في ضحى يوم العيد وقد قيل إن حجته كانت في وقت الاعتدال الربيعي يعنى في وقت تساوي الليل والنهار، والنهار ليس بذاك الطويل لكن هذه بركة قد يبارك الله سبحانه وتعالى للعبد في عمله حتى ينهي في وقت قليل ما لا ينهيه غيره في وقت كثير وهذه من بركات العمر نسأل الله أن يبارك لنا ولكم في أعمارنا صلى الظهر بمكة وشرب من زمزم وخرج وفي الصحيحين من حديث أنس أنه صلى الظهر في منى فاختلف العلماء هل يرجحون حديث جابر أنه صلى في مكة الظهر لأن جابر ضبط حجته تماماً منذ خرج من المدينة حتى أنهى الحج فيكون أولى بالترجيح أو حديث أنس لأنه في الصحيحين ولكن الذي نرى أنه لا حاجة للترجيح لإمكان الجمع ومتى أمكن الجمع عدل عن الترجيح لأن الترجيح يعني إلغاء المرجوح والجمع إعمال الراجح والمرجوح والجمع بينهما أن نقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في مكة الظهر ثم خرج إلى منى فوجد بعض أصحابه لم يصل الظهر فصلى بهم الظهر معادة فيكون صلاها مرتين بمكة وهي فريضة وفي منى وبهذا يزول الإشكال.
القارئ: وهل المبيت بها واجب أم لا فيه روايتان إحداهما ليس بواجب لقول ابن عباس إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت ولأنه مبيت بمنى فلم يجب كليلة عرفة.
الشيخ: هذا وصف طردي لا يتعلق به حكم ولا يصح القياس فيه فلا نقول لما كان المبيت بمنى قبل عرفة غير واجب صار هذا غير واجب لأن المبيت بمنى ليلة عرفة غير واجب لحديث عروة بن مضرس وأما هذا فقد ثبت أن الرسول رخص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقايته والترخيص يكون في مقابلة العزيمة.
القارئ: والثانية هو واجب لأن ابن عمر روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته متفق عليه فيدل على أنه لا رخصة لغيره فعلى هذا إن تركه فقال أحمد يطعم شيئا تمراً أو نحوه وخففه وهذا يدل على أنه أي شيء تصدق به أجزأه وعنه في ليلة مد وفي الليلتين مدان وعنه في ليلة درهم وفي ليلتين درهمان لما ذكرنا في الشعر وعنه في ليلة نصف درهم فأما الليلة الثالثة فلا شيء في تركها لأنها لا تجب إلا على من أدركه الليل بها فإن تركها في هذه الحال مع الليلتين الأوليتين فعليه في الثلاث دم في إحدى الراويتين.
الشيخ: الآن تبين لنا أن المبيت بمنى أمره خفيف من وجوه:
الوجه الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس من أجل سقايته أن يبيت في مكة ولو كان واجباً لم يرخص له أن يدع الواجب العيني على نفسه من أجل مصلحة غيره.
وثانياً أن الإمام أحمد رخص فيه فمرة قال عليه قبضة من طعام يطعم شيئاً ومرة قال الليلة فيها مد وفي الليلتين مدان وعنه في الليلة درهم وفي الليلتين درهمان فالمسألة في ليالي أيام التشريق ليست بذات الأهمية الكبيرة ومن العجب أن بعض الناس الآن من حين ما يسأله السائل يا فلان إني نزلت إلى مكة لأقضي الحج ثم تعبت في الرجوع إلى منى ولم أرجع إلا عند الفجر قال عليك دم لهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله في عباد الله وأن لا يتجرأ على إيجاب شيء لم يوجبه الله أو تحريم شيءٍ لم يحرمه الله لأن الله يسألك عن ذلك فالمسألة هينة في مسألة المبيت ولهذا ليس هناك دليل على وجوب المبيت إلا حديث العباس وهو استدلال ليس بذاك القوي أيضاً لأن الرخصة قد تأتي في غير مقابلة العزيمة كما في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية أو الأهلية ورخص في لحوم الخيل مع أن لحوم الخيل لم تكن حرمت من قبل فقد يراد بالترخيص الحل مطلقاً وإن لم يسبقه تحريم والحاصل أن المسألة سهلة بالنسبة للمبيت وما أكثر ما يقع للحجاج إذا نزلوا إلى مكة في يوم العيد من أجل الطواف والسعي فيتأخرون من أجل زحام السيارات أو عدم سهولة المرور من أي طريق كان فمثل هؤلاء نقول لا شيء عليهم.
ثانياً الآن منى لا يوجد بها مكان وكثير من الناس يحاول ولا يجد مكاناً فهل نقول لهؤلاء إنكم حصرتم عن واجب فعليكم دم وانزلوا حيث شئتم أو نقول انزلوا حيث شئتم بدون دم؟
الثانية لأنه إذا رخص في ترك المبيت للحاجة فللتعذر من باب أولى لاشك لكن نرى أنه يجب أن ينزلوا أقرب ما يكون إلى مخيمات الحجاج حتى يكون الحجيج كلهم على مظهر واحد وفي مكان واحد لا نقول إنه لما سقط المبيت في منى فلهم أن يبيتوا في أي مكان كما قال الفقهاء إذا سقط عن الحادة المكث في بيت زوجها فلتكن في أي مكان بل نقول هؤلاء حجيج وينبغي أن يكون الحجيج على مظهر واحد فأنتم ليس عليكم أن تخلقوا مكاناً لكم في منى أو أن تنزلوا على رؤوس الخيام لكن انزلوا عند آخر خيمة في منتهى الحجاج وهذا والحمد لله فيه من التيسير على عباد الله ما هو ظاهر لكن بعض الناس نسأل الله لهم الهداية إذا لم يجدوا مكاناً في منى يذهبون إلى العزيزية وإلى مكة وكأنهم يقولون لما سقط عنا الوجوب لتعذره فلنسكن فيما شئنا نقول ليس هكذا بل انزلوا حيث نزل الحجاج كما نقول في المسجد إذا امتلأ.
فصل
(في وقت رمي الجمار)
القارئ: ثم يرمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق بعد الزوال كل جمرة في كل يوم بسبع حصيات يبتدأ بالجمرة الأولى وهي أبعدها من مكة وتلي مسجد الخيف فيجعلها عن يساره ويستقبل القبلة ويرميها كما وصفنا جمرة العقبة ثم يتقدم عنها إلى موضع لا يصيبه الحصى فيقف وقوفاً طويلا يدعو الله رافعاً يديه ثم يتقدم إلى الوسطى فيجعلها عن يمينه ويرميها كذلك ويفعل من الوقوف والدعاء فعله في الأولى.
الشيخ: وهذا والله أعلم أنه يجعل الثانية عن يمينه لأن في ذلك الوقت ما كان الطريق مستوياً بل كان هذا يهبط منه إلى بطن الوادي من أجل أن يأتي جمرة العقبة فكان يأتيها من قبل اليمين لكن في كلا الحالين يرمي مستقبل القبلة فيجعل الجمرة بينه وبين القبلة وفي وقتنا هذا وفي الزحام الشديد نقول اسلك ما هو أيسر لك سواء أتيتها من القبلة أو من الخلف الشرق أو من اليمين أو من الشمال المهم أن تؤدي الرمي وأنت مطمئن مستريح تعرف كيف ترمي وما تقول في رميك.
القارئ: ثم يرمي جمرة العقبة بسبع على صفة رميه يوم النحر ولا يقف عندها لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة يقف عند الأولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع ويرمي الثالثة ولا يقف عندها رواه أبو داود.
الشيخ: قيل إنه لا يقف عند جمرة العقبة لأنها آخر العبادة والدعاء إنما يكون في جوف العبادة وقيل إنه لا يقف لضيق المكان لأنها مجرى الوادي ففيه ضيق ويحتمل المعنيين جميعاً يحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقف لأنه لو وقف لوقف الناس والمقام ضيق ويحتمل أنه إنما لم يقف لأن هذا هو آخر العبادة فيكون الدعاء خارجها.
القارئ: ولا يجزئه الرمي إلا بعد الزوال مرتبا للخبر فإن نكسه فبدأ بالثالثة ثم بالثانية ثم بالأولى لم يعتد له إلا بالأولى وإن ترك الوقوف والدعاء فلا شيء عليه لأنه دعاء مشروع فلم يجب كما في سائر المشاعر.
الشيخ: قوله ولا يجزئه الرمي إلا بعد الزوال دليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال وقال (خذوا عني مناسككم) ولم يأذن لأحد أن يرمي قبله مع أن الناس في حاجة إلى الرمي قبله ولا سيما الضعفاء الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يدفعوا ليلة النحر بليل فرخص لهم في تقديم الرمي يوم النحر ولم يرخص لأحد في تقديم الرمي على زوال الشمس وهذا يدل على أنه لا يجوز أن يرمي قبل الزوال ويدل لذلك أيضاً أن الرمي بعد الزوال أشق على الناس من الرمي قبله لأن الرمي قبله في وقت الصباح وبرودة الجو بخلاف ما بعد الزوال ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لكان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله ويرخص لأمته فيه لأنه عليه الصلاة والسلام لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ولأن كون الرسول عليه الصلاة والسلام يرمي من حين أن تزول الشمس قبل صلاة الظهر يدل على أنه لا يجوز الرمي قبله كأنه يرتقب أو يترقب بفارغ الصبر أن تزول الشمس ولهذا قدم الرمي على الصلاة مع أن الأفضل في صلاة الظهر أن تقدم فعلم من هذا أن الرمي قبل الزوال لا يجزئ ولأن ابن عمر رضي الله عنهما يقول كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا يعنى نطلب الحين الذي يكون فيه الرمي فإذا زالت الشمس رموا فالقول الراجح أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال ولا يجزئ في الأيام الثلاثة كلها حتى في المتعجل لا يجوز له أن يرمي قبل الزوال خلافاً لمن قال به كعطاء بن أبي رباح رحمه الله وبعض أصحاب أبي حنيفة وراوية عن أحمد أنه يرمي قبل الزوال عن المتعجل لكن لا يخرج من منى إلا بعده ولكن الراجح أنه لا يجوز الرمي مطلقا.
فصل
(في عدد الجمار التي ترمى)
القارئ: ولا ينقص من سبع والمشهور عن أحمد أن استيفاءها غير واجب وقال من رمى بستة حصيات لا بأس وخمس حسن وأقل من خمس لا يرمي أحد وأحب إلي سبع لما روى سعد قال رجعنا من الحجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضنا يقول رميت بست وبعضنا يقول رميت بسبع فلم يعب في ذلك بعضنا على بعض رواه الأثرم وعنه أن استيفاء السبع شرط لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بسبع وقال (خذوا عني مناسككم) فعلى هذه الرواية إن أخل بحصاة من الأولى لم يصح رمي الثانية فإن لم يعلم من أي الجمار تركها حسبها من الأولى ليسقط الفرض بيقين.
الشيخ: هكذا قال رحمه الله إذا تيقن بعد انصرافه من رمي الجمرات الثلاث أنه ترك رمي حجر واحد وهو لا يدري أهو في الأولى أم في الثانية أم في الثالثة فالمؤلف يقول يجعله في الأولى لأجل أن يرمي الثانية والثالثة رمياً كاملاً فيكون قد سلك باب الاحتياط والصحيح خلاف ذلك فالصحيح أنه يجعلها من الأخيرة لأن الأصل في الرمي الصحة حتى يتيقن الفساد ونظير ذلك من استيقظ من نومه ووجد على نفسه أثر جنابة ولا يدري أهو من هذه النومة أو من النومة التي قبلها فليجعله من الأخيرة لأنه هو المتيقن فالصواب أنه يجعله من الأخيرة هذا إذا لم نقل إنه يسمح في ترك حصاة أو حصاتين كما قاله المؤلف أنه نص الإمام أحمد رحمه الله.
القارئ: فإن ترك الرمي كله حتى مضت أيام التشريق فعليه دم لأنه ترك نسكاً واجبا فإن ترك حصاة أو اثنتين فعلى الرواية الأولى لا شيء عليه وعلى الثانية يخرج فيها مثل ما ذكرنا في ليالي منى وعنه من رمى بست ناسياً فلا شيء عليه فإن تعمده تصدق بشيء وإن أخر رمي يوم إلى آخر أو أخر الرمي كله إلى اليوم الثالث ترك السنة ولا شيء عليه لكنه يقدم بالنية رمي الأول ثم الثاني ثم الثالث لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي فجاز تأخيره إلى آخر وقته كتأخير الوقوف بعرفة إلى آخر الليل وإنما وجب الترتيب بالنية لأنها عبادات يجب الترتيب فيها مع فعلها في أيامها فوجب مع فعلها مجموعة كالصلوات.
الشيخ: يقول رحمه الله إن أخر رمي يوم إلى آخر أو أخر الرمي كله إلى اليوم الثالث ترك السنة ولا شيء عليه أما كونه ترك السنة فواضح وأما قوله ولا شيء عليه فالصحيح أنه يأثم وأنه لا يجوز أن يؤخر رمي يوم إلى اليوم الآخر إلا لعذر كما لو كان منزله في أقصى منى ويشق عليه أن يتردد كل يوم وكالإنسان المريض الذي يشق عليه أن يرمي كل يوم ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوما فقوله رخص يدل على أن رميها كل يوم عزيمة والعجب أنهم رحمهم الله استدلوا على وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق بحديث رخص للعباس أن يبيت بمكة من أجل سقايته ولم يستدلوا بقوله رخص للرعاة أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً على وجوب الرمي كل يوم في يومه فالصواب أن الرمي كل يوم في يومه واجب إلا لعذر.
وأما قوله إنها عبادة واحدة فيقال إذاً صلاة ظهر يوم السبت وظهر يوم الأحد هل تقولون بجواز تأخير صلاة ظهر يوم السبت إلى ظهر يوم الأحد؟ لا يقولون بهذا إذاً لا يجوز تأخير رمي اليوم الحادي عشر إلى اليوم الثاني عشر.
وقوله رحمه الله لأن أيام التشريق كلها أيام للرمي يجب أن يعلم أنه لا يريد بذلك أن الأيام كلها سواء قبل الزوال أو بعدها أيام للرمي وإنما يقول إن الوقت الذي يرمى فيه شائع بين الأيام الثلاثة.
فصل
(فيمن يجوز له ترك المبيت بمنى)
القارئ: ويجوز لرعاة الإبل وأهل سقاية الحاج بترك المبيت ليالي منى وترك رمي اليوم الأول إلى الثاني أو الثالث إن أحبوا أن يرموا الجميع في وقت واحد والرمي في الليل فيرمون رمي كل يوم في الليلة المستقبلة لحديث ابن عمر في الرخصة للعباس وقال عاصم بن عدي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاة الإبل أن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر يرمونه في أحدهما حديث صحيح ولأنهم يشتغلون بالرعاية واستقاء الماء فرخص لهم ذلك وكل ذي عذر من مرض أو خوف على نفسه أو ماله كالرعاة في هذا لأنهم في معناهم لكن إن غربت الشمس عليهم بمنى لزم الرعاة البيتوتة دون أهل السقاية لأن الرعاة رعيهم في النهار فلا حاجة لهم في الخروج ليلا فهم كالمريض تسقط عنه الجمعة وإن حضرها وجبت عليه وأهل السقاية يستقون بالليل فلا يلزمهم المبيت.
الشيخ: مثل الرعاة والسقاة من يشتغلون في المصالح العامة كالشرط وأهل الإطفاء والممرضين والأطباء ورجال المرور وما أشبههم كل من يسعى للمصالح العامة فإنه يسقط عنه المبيت قياساً على ترخيص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للعباس في ترك المبيت من أجل سقاية الحاج وكذلك أصحاب الرعي رخص لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمن كان يشتغل بمصالح المسلمين فهو مثلهم أما من كان له عذر خاص كمريض احتاج أن يخرج من منى إلى المستشفى أو إلى بيته لأنه أريح له فهذا ألحقه بعض العلماء بمن يشتغلون بالمصالح العامة وبعضهم لم يلحقه وما دمنا سبق أن قلنا إن مسألة المبيت بمنى أمره سهل فإننا نقول لا بأس للمريض ومن ضاع له شيء وخرج ليطلبه وما أشبه ذلك لا بأس أن يدع المبيت ويشتغل بنفسه.
فصل
(في الاستنابة في الرمي)
القارئ: ومن عجز عن الرمي جاز أن يستنيب عنه لأن جابراً قال لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم والأفضل أن يضع كل حصاة في يد النائب ويكبر النائب فإذا رمى عنه ثم برئ لم يلزم إعادته لأن الواجب سقط بفعل النائب وإن أغمي على إنسان فرمى عنه إنسان فإن كان أذن له جاز وإلا فلا.
الشيخ: هذه مسألة النيابة في الرمي لا تجوز إلا عند الضرورة وذلك لأن الرمي بعض أجزاء الحج وقد قال الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة أن يوكلوا ولا للسقاة فدل هذا على أنه لا بد أن يباشر الرمي بنفسه وهو كذلك وما يفعله بعض الناس اليوم من التهاون غلط وخطأ فالواجب أن يرمي بنفسه فإذا كان يخشى من الزحام أخره إلى الليل وقد جربنا ذلك ورأينا أن الرمي بالليل أسهل وأقرب إلى الخشوع، إذاً النيابة لا تجوز إلا للضرورة فإذا قال أنا لا أستطيع أن أرمي كل يوم لكن بإمكاني أن أجعلها في آخر يوم قلنا لا تنيب غيرك ما دمت تقدر ولو في آخر يوم.
وقوله رحمه الله إنه يجعل الحصاة في يد النائب يعني معناها أن المستنيب يذهب هو والنائب ويضع الحصاة في يده ويرمي لكن في وقتنا الحاضر هذا غير ممكن لأنه إذا وصل إلى هناك يرمي بنفسه لكن لعلهم يريدون إذا كان صغيراً لا تلحق رميته إلى المرمى.
فصل
(في خطبة يوم النفر)
القارئ: ويسن أن يخطب الإمام يوم النفر وهو يوم أوسط أيام التشريق ويعلم الناس حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم لما روي عن رجلين من بني بكر قالا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته أخرجه أبو داود ولأن بالناس حاجة إلى أن يعلمهم ذلك فشرعت الخطبة فيه كيوم عرفة.
الشيخ: أوسط أيام التشريق الثاني عشر يخطبهم ليعلمهم النفر وأحكام التوديع وغير ذلك مما يحتاجون إليه والآن ولله الحمد ممكن أن يكون هذا عن طريق الإذاعة بأن يجعل في ذلك الوقت من يتكلم من أهل العلم بواسطة الإذاعة ويا حبذا لو جعلت إذاعة خاصة في المشاعر في هذه الأيام لكان هذا جيداً لأنه يكون أعم.
أيام الحج ستة الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر كل واحد منها له اسم خاص الثامن التروية، والتاسع عرفة، والعاشر النحر، والحادي عشر القر، والثاني عشر النفر الأول، والثالث عشر النفر الثاني.
فصل
(في النفر بعد الرمي)
القارئ: وإذا رمى اليوم الثاني وأحب أن ينفر نفر قبل غروب الشمس وسقط عنه المبيت تلك الليلة والرمي بعدها وإن غربت وهو في منى لزمته البيوتة والرمي من الغد بعد الزوال لقول الله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) رواه الترمذي واليوم اسم لبياض النهار وإن رحل وخرج ثم عاد إليها لحاجة لم يلزمه المبيت ولا الرمي لأن الرخصة قد حصلت له بالتعجيل.
الشيخ: إذا أراد التعجل فلا بد أن يخرج قبل غروب الشمس لقول الله تعالى (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) وفي للظرفية وإذا غابت الشمس انتهى الظرف وإذا انتهى الظرف لم يكن هناك محل للمظروف الذي هو التعجل ولكن إذا كان الرجل قد ارتحل وهدم الخيام ورحّل متاعه ومشى لكن لكثرة الزحام لم يتمكن من الخروج قبل غروب الشمس فهل يستمر في سيره أو نقول قف وانزل؟
الجواب الأول يستمر ولا حرج عليه وكذلك لو ارتحل قبل الزوال وخرج من منى فلما زالت الشمس رجع ورمى فلا بأس أيضاً لأنه يصدق عليه أنه تعجل في يومين وأما إذا غابت الشمس في اليوم الثاني عشر وهو في منى ولم يتأهب للرحيل فإنه يلزمه البقاء لأن الله جعل الحجاج لهم حالان تعجل في يومين، وتأخر فيما سوى ذلك فيجب عليه أن يبيت ويرمي من الغد.
السائل: الذين ينزلون خارج منى لضيق منى إذا أرادوا التعجل هل يكفيهم نية التعجل دون المغادرة؟
الشيخ: نعم يجزئهم ذلك لأنهم ليسوا في منى ومكانهم هذا مكان ضرورة مثل أكل الميتة بحسب الحاجة.
القارئ: قال بعض أصحابنا يستحب لمن نفر أن ينزل المحصب ثم يدخل مكة لما روى نافع قال كان ابن عمر يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم يهجع هجعةً ويذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وقال ابن عباس وعائشة ليس نزول الأبطح بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه متفق عليه وهذا لفظ عائشة رضي الله عنها.
الشيخ: هذا في زمن كان المحصب خالياً أما الآن فإنه منازل وعمائر لا يمكن للإنسان أن ينزل فيه وهذا اختلف فيه العلماء فمنهم من قال النزول فيه سنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين رمى الجمرات الثلاث في اليوم الثالث عشر نزل في هذا المكان وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة ثم قام في آخر الليل صلوات الله وسلامه عليه فنزل إلى البيت الحرام وطاف ثم صلى الفجر ثم انصرف إلى المدينة وقال بعض أهل العلم إنه ليس بسنة وإنما نزله النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أنه أسهل للخروج وليستريح وهذا رأي عائشة رضي الله عنها وابن عباس.
فإن قال قائل إذا دار الأمر بين كون فعل الشيء سنة أو من أجل مراعاة السفر فهل نقول إن الأصل فيما فعل في العبادة أنه سنة أو نقول الأصل عدم المشروعية حتى يقوم دليل على أنه مشروع؟
الظاهر الثاني خصوصاً وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يشرع فيه شيئاً زائداً على العادة يعني ليس له دعاء ولا وقوف ولا شيء فهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام نزله ليكون أسهل لخروجه ولأجل أن يستريح.
فصل
(في طواف الوداع)
القارئ: ومن أراد المقام بمكة فلا توديع عليه لأن الوداع للمفارق ومن أراد الخروج لم يجز له ذلك حتى يودع البيت بطواف لما روى ابن عباس قال أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض متفق عليه ويجعل الوداع في آخر أمره ليكون آخر عهده بالبيت فإن ودع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة لزمته إعادته للخبر وإن صلى في طريقه أو اشترى لنفسه لم يعده لأن هذا لا يخرجه عن كونه وداعا.
الشيخ: والظاهر أن مكثه لغداء أو عشاء لا بأس به لأن هذا من جنس شراء الحاجة في طريق فلو قدر أنه طاف للوداع ثم مشى ونزل على بعض أصحابه أو أقاربه وتعشى عندهم أو تغدى ثم سافر فلا بأس أو نزل مطعماً فأكل أو شرب ثم سافر فلا بأس.
القارئ: وإن خرج ولم يودع لزمه الرجوع ما كان قريباً يمكنه الرجوع فإن لم يفعل أو لم يمكنه الرجوع فعليه دم فإن رجع بعد بلوغه مسافة القصر لم يسقط عنه الدم لأن طوافه لخروجه الثاني وقد استقر عليه دم الأول والمرأة كالرجل إلا إذا كانت حائضاً أو نفساء خرجت ولا وداع عليها ولا فدية للخبر إلا أنه يستحب لها أن تقف على باب المسجد فتدعو بدعاء المودع.
الشيخ: وهذا ليس بصحيح أعني وقوفها عند باب المسجد لأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولما قيل له إن صفية قد أفاضت قال (فلتنفر إذاً) ولم يقل فلتذهب إلى باب المسجد وتدعو بدعاء المودع فالصواب أن المرأة الحائض أو النفساء ليس عليها وداع وتخرج بدون أن تذهب إلى المسجد الحرام فتدعو.
القارئ: وإن نفرت فطهرت قبل مفارقة البنيان لزمها التوديع لأنها في البلد وإن لم تطهر حتى فارقته فلا رجوع عليها لأنه لم يوجد في حقها ما يوجبه في البلد.
السائل: هل يرمي الوكيل الجمرات الثلاث عن نفسه ثم يعود ليرمي عن الموكل أو يجزئ لو رمى كل جمرة عن نفسه ثم عن الموكل؟
الشيخ: الصحيح أنه يجوز أن يرمي عن نفسه وعن موكله في موقف واحد يعني يرمي السبع عن نفسه ثم السبع عن موكله ثم يذهب إلى الجمرة الثانية فيرمي السبع عن نفسه ثم عن موكله ثم يرمي الجمرة الثالثة عن نفسه أولاً ثم عن موكله ثانياً لأن ظاهر فعل الصحابة الذين رموا عن الصبيان أنهم لم يكونوا يكملون ثم يرجعون ولأن إلزام الناس في هذا الوقت بمثل هذا العمل فيه مشقة من غير دليل بيّن.
السائل: وبالنسبة للمريض الذي لم يرم في اليوم الأول ثم أراد أن يرمي في اليوم الثاني عن يومين هل يفعل كذلك أو يجب عليه أن يرمي الجمار الثلاث ثم يعود مرة ثانية؟
الشيخ: لا هذا لا بد أن يرمي أولاً عن اليوم الأول كاملاً لأن العبادات هذه لشخص واحد فلا بد فيها من الترتيب.
فصل
(فيما يستحب للمودع أن يقول أو يفعل)
القارئ: ويستحب للمودع أن يقف في الملتزم بين الركن والباب كما روي عن عبد الله بن عمر أنه قام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطها بسطاً وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله رواه أبو داود ويدعو فيقول اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن قبل أن تنأى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فأصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني واجمع لي بين خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير وما زاد على ذلك من الدعاء فحسن ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: هذا الدعاء مما اختاره بعض أهل العلم ولكنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو دعاء مناسب وجامع ويظهر فيه الخضوع لله عز وجل والتضرع إليه فإن تيسر لإنسان فليدع به وإن لم يتيسر فليدع بما شاء ثم إن هذا الموضع الملتزم ما بين الركن والباب عند الوداع في الوقت الحاضر يصعب جداً على الإنسان أن يصل إليه إلا بإيذاء وتأذي والإيذاء والتأذي منتفيان شرعاً وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لعمر إنك رجل قوي فلا تزاحم فتؤذي الضعيف فإن وجدت فرجة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر فلا ينبغي للإنسان أن يزاحم تلك المزاحمة الشديدة التي نشاهدها ثم إن الناس يجتمعون فيضيقون المطاف أيضاً وهذه أذية أخرى.
فصل
(فيما يجزئ عن طواف الوداع)
القارئ: ومن ترك طواف الزيارة فطافه عند الخروج أجزأ عن طواف الوداع لأنه يحصل به المقصود منه فأجزأ عنه كإجزاء العمرة عن طواف القدوم وصلاة الفرض عن تحية المسجد وإن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة لقوله عليه الصلاة والسلام (وإنما لامرئٍ ما نوى) وحكمه حكم من ترك طواف الزيارة يبقى على إحرامه أبدا حتى يرجع فيطوف للزيارة إلا أن إحرامه عن النساء حسب لأنه قد حل له بالتحلل الأول كل شيء إلا النساء.
الشيخ: سبق أن طواف الوداع واجب والغرض منه أن يكون آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف ومن ثمَّ قال العلماء إذا أخر طواف الزيارة وهو طواف الإفاضة فطافه عند الخروج أجزأه عن طواف الوداع وعلل المؤلف بعلتين أولاً أنه يحصل به المقصود فأجزأ كإجزاء طواف العمرة عن طواف القدوم.
والثاني أنه حصل به المقصود حيث كان آخر عهده بالبيت الطواف وهذا واضح.
ولكن هذا العمل له ثلاثة حالات:
الحال الأولى أن ينوي طواف الإفاضة فيجزئ عن طواف الوداع.
والثاني أن ينوي طواف الوداع فلا يجزئ عن طواف الإفاضة.
والثالث أن ينويهما جميعاً.
فأما الأولى والثالثة فواضح أما الثانية وهي أن ينوي طواف الوداع فإنه لا يجزئ عن طواف الإفاضة لأن طواف الإفاضة ركن لا بد منه وهو مقصود لذاته فلا يجزئ عنه الواجب ولكن المؤلف فرع على هذا أنه يبقى على ما بقي من إحرامه حتى يرجع إلى البيت ويطوف وهذا كما قال رحمه الله.
ولكن هل إذا رجع يحتاج إلى عمرة أو نقول له أن يرجع محلاً ويدخل مكة محلاً ويطوف ويرجع؟ الأحوط الأول أنه يحرم بعمرة أولاً من الميقات ثم يطوف ويسعى ويقصر ثم يطوف للإفاضة لأنه جاء إلى الميقات أو مر بالميقات وهو يريد نسكاً فالاحتياط أن يأتي بالعمرة وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه لو أتى بعمرة بعد التحلل الأول صح وهذا أتى بعمرة بعد التحلل الأول فكان هذا صحيحاً.
فصل
القارئ: وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد وإن قتل صيداً فجزاؤه واحد وعنه عليه طوافان وسعيان لقول الله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وتمامهما بأفعالهما ولنا قول عائشة وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافاً واحداً متفق عليه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما قرنت (يسعك طوافك لحجك وعمرتك) رواه مسلم، ولأنهما عبادتان من جنس واحد اجتمعتا فدخلت أفعال الصغرى في الكبرى كالطهارتين.
الشيخ: نعم هذا هو الصحيح أن القارن عمله كعمل المفرد لا فرق وأنه إذا قتل صيداً فعليه جزاء واحد لقول الله تعالى (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ولو أوجبنا عليه جزاءين لألزمناه بأكثر من المثل وهذا يحتاج إلى دليل.
فصل
(في أركان الحج وواجباته وسننه)
القارئ: أركان الحج الوقوف بعرفة وطواف الزيارة وفي الإحرام والسعي روايتان وواجباته الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى الليل والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل والرمي وطواف الوداع وفي الحلق والمبيت بمنى روايتان.
وسننه الاغتسال وطواف القدوم والرمل والاضطباع فيه واستلام الركنين وتقبيل الحجر والإسراع والمشي في مواضعهما والخطب والأذكار والدعاء والصعود على الصفا والمروة.
وأركان العمرة الطواف وفي الإحرام والسعي روايتان.
وواجبها الحلق في إحدى الروايتين.
وسننها الغسل والدعاء والذكر والسنن التي في الطواف والسعي.
فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به ومن ترك واجباً فعليه دم ومن ترك سنة فلا شيء عليه.
الشيخ: العلماء رحمهم الله إذا ذكروا صفة العبادة ذكروا بعد ذلك ما هو الواجب فيها وما هو المستحب وهذا لا شك أنه من حسن التعليم لأن التفصيل يأتي بعد التصور فإذا تصور الإنسان العبادة بذكر الصفة حينئذ يميز له بين الواجب وغير الواجب المؤلف رحمه الله انتهى من ذكر صفة الحج والعمرة فأراد أن يميز بين الواجب والركن والسنة والحقيقة أن التمييز صعب جداً لأنه يحتاج إلى دليل يدل على هذا التميز وإلا لقلنا الجميع واجب أو الجميع سنة فلا بد أن يكون هناك دليل، يقول أركان الحج الوقوف بعرفة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) الثاني طواف الزيارة يعني طواف الإفاضة لقول الله تعالى (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ).
فإن قال قائل الآية تدل على وجوبه لكن لا تدل على ركنيته قلنا حديث صفية رضي الله عنها حين قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحابستنا هي) يدل على أنه ركن لا يتم الحج إلا به.
الثالث وفي الإحرام والسعي روايتان الإحرام لا يريد بذلك لبس الإحرام يريد بذلك نية الدخول في النسك ولا شك أنها ركن لكن من لم يقل إنها ركن يقول هي شرط لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالبنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وإلا فلا أحد يقول إنه سنة وأن الإنسان إن شاء نوى وإن شاء لم ينو لكن إما أنها شرط وإما أنها ركن وسواء هذا أو هذا فنحن نقول النية يذكرها العلماء في بعض العبادات شرطاً كما قالوا في شروط الصلاة منها النية وفي شروط الوضوء وأحياناً يذكرونها أنها ركن كما قالوا في الحج والخلاف يكاد يكون لفظياً المهم أنه لا بد من نية الإحرام فلو أن الإنسان لم ينوِ وفعل مثل ما يفعل الناس دون نية فإنه لم يحج فلا بد من النية.
الرابع السعي والسعي سبق أن فيه للعلماء ثلاثة أقوال أنه ركن أنه واجب يجبر بدم أنه سنة وأضعف الأقوال القول بأنه سنة والقول بأنه ركن أو واجب يكادان يتكافآن لأن كلاً منهما له دليل وهذه المسألة تحتاج إلى تحرير لأن الناس يحتاجون إليها وترك السعي كثير فتحتاج المسألة إلى تحرير.
أما الواجبات فيقول رحمه الله وواجباته الإحرام من الميقات لو قال المؤلف أن يكون الإحرام من الميقات لكان أوضح لأنه قد يفهم من قوله الإحرام من الميقات يفهم منها أنها صفة واحدة والواقع أن الأمر ليس كذلك بل الواجب أن يكون الإحرام من الميقات فإذا قلت الإحرام من الميقات ربما يفهم أن الواجب نفس الإحرام من الميقات فيدخل فيه الإحرام يعني الواجب الإحرام بوصفه من الميقات لكن إذا قلت أن يكون الإحرام من الميقات صار الإحرام لا يدخل في الواجب هنا لأنه سبق أنه ركن ومراد المؤلف بقوله الإحرام من الميقات مراده ما ذكرت أن يكون الإحرام من الميقات وليس مراده الإحرام نفسه.
يقول رحمه الله والوقوف بعرفة إلى الليل هنا نفس الشيء لو قال واستمرار الوقوف بعرفة إلى الليل كان أوضح يعني الواجب أن يستمر الوقوف بعرفة إلى الليل والليل يحصل بغروب الشمس لقوله تعالى في الصيام (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم).
ما هو الدليل على كون الإحرام من الميقات واجباً؟ الدليل حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة) وذكر تمام الحديث وجه الدلالة أن هذا خبر بمعنى الأمر.
ووجه كون الوقوف بعرفة إلى الغروب واجباً أولاً أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة إلى الغروب وقال (خذوا عني مناسككم).
ثانياً أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في عرفة إلى الغروب وتجشم ظلمة الليل ولو كان الدفع قبل الغروب جائزاً لدفع قبل الغروب لما فيه من التيسير والتسهيل.
ثالثاً أن في الدفع بعد الغروب مخالفة للمشركين فإن المشركين يدفعون قبل الغروب هذه ثلاثة أدلة ترجح أن البقاء في عرفة إلى الغروب واجب وأنه لا يجوز الدفع قبل ذلك.
وقال بعض أهل العلم إنه ليس بواجب واستدلوا بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مضرس (من شهد صلاتنا هذه ووقف حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولكن يقال إن هذا الحديث مطلق (وقف ليلاً أو نهاراً) هذا من العبارات المطلقة والمطلق يحمل على المقيد فيقيد هذا بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والمبيت بمزدلفة إلى نصف الليل هذا التعبير صحيح لأن أصل المبيت واجب وكونه إلى نصف الليل واجب أيضاً فيجب المبيت في مزدلفة والاستمرار إلى نصف الليل الدليل قول الله تعالى (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) والأصل في الأمر الوجوب ولحديث عائشة رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله وذكرت ترخيصه لسودة وقالت لأن أكون استأذنت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما استأذنت سودة لكان أحب إلي من مفروح به فهذا يدل على وجوب المبيت في مزدلفة ولكن قال إلى نصف الليل هذا محل نظر فإن ظاهر فعل الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبعده أنهم دفعوا في آخر الليل وإذا نظرنا في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها تنتظر غروب القمر تبين لنا أن الدفع إنما يكون بعد ثلثي الليل لأن القمر في تلك الليلة لا يغيب إلا في هذا الوقت أو نحوه وهذا أيضاً فيه خلاف من العلماء من قال إنه ركن ومنهم من قال إنه سنة وعلى الخلاف فمنهم من قال إذا نزل في مزدلفة وصلى المغرب والعشاء فله الدفع من أول الليل ولهذا نرى بعض الحجاج إذا صلى المغرب والعشاء دفع بناءً على هذا القول وعند العامة أهم شيء أن تلقط الحصى فذكر الله عندهم في المشعر الحرام هو التقاط حصى الجمرات وهو عندهم أهم من صلاة المغرب والعشاء والمراد الجهال منهم.
رمي الجمرات من واجبات الحج ودليله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى وقال (خذوا عني مناسككم) وأنه أمر أن نرمي مثل حصى الخذف ونهى عن الغلو وأنه أمر الضعفة من أهله أن يتقدموا إلى منى خوفاً من الزحام عند الرمي ولو كان الرمي أمراً مستحباً ليس بواجب لأبقاهم معه وإذا وصلوا إلى منى وكان زحاماً تركوه فكونه يثلم ليلة المزدلفة من أجل أن يتقدم هؤلاء إلى الجمرات ليرموا يدل على أن الرمي واجب وهو كذلك.
يقول رحمه الله وطواف الوداع واجب ودليله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت) وحديث ابن عباس أحد ألفاظه منه (أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض).
قال وفي الحلق وفي المبيت بمنى روايتان وقد سبق أن الراجح وجوب الحلق وأن الراجح وجوب المبيت بمنى لكن ليس تأكده كتأكد بقية الواجبات.
ثم قال رحمه الله وسننه الاغتسال عند الإحرام وعند دخول مكة وعند الوقوف بعرفة وذكر الفقهاء رحمهم الله أيضاً عند المبيت بمزدلفة ورمي الجمرات لكن هذا لا يصح إنما صح عند الوقوف ودخول مكة وعند الإحرام.
وقوله رحمه الله وطواف القدوم هكذا قال وبعض العلماء قال إنه واجب أي طواف القدوم واستدل بما استدللنا به على بقية الواجبات بأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف طواف القدوم وقال (خذوا عني مناسككم) لكن القائلين بأنه سنة يقولون إنه يدفع هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعروة بن مضرس (من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه) ولم يذكر طواف القدوم لكن للمنازع أن يقول وما الذي أدراكم أن عروة دخل مكة فربما يكون عروة جاء إلى المشاعر رأساً فالله أعلم لكن لا ينبغي للإنسان أن يدع طواف القدوم لأن القول بوجوبه ليس ببعيد وحديث عروة بن مضرس ليس فيه دلالة واضحة على أنه ليس بواجب.
يقول والرمل والاضطباع يعني في طواف القدوم ووجه كونهما سنة أنهما صفتان في واجب فهما غير مقصودين بذاتهما والمقصود هو الطواف ولهذا كانا سنة ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بهما.
قال واستلام الركنين وتقبيل الحجر استلام الركنين يعني بهما الركن اليماني والحجر الأسود وتقبيل الحجر ولم يقل وتقبيل الركن اليماني لأنه ليس بسنة وكذلك بقية الأركان لا يسن استلامهما ووجه كونهما سنة أنهما صفتان في عمل مقصود بذاته.
والإسراع والمشي في مواضعهما يعني بذلك الإسراع في وادي محسر والإسراع بين العلمين في السعي والمشي فيما عدا ذلك.
والخطب في عرفة ويوم النحر وأوسط أيام التشريق ثلاثة خطب ولم يذكر المؤلف رحمه الله الوقوف أي الوقفات في مواضعها والوقفات ست على الصفا وعلى المروة وفي عرفة وفي مزدلفة وبعد رمي الجمرة الأولى وبعد رمي الجمرة الوسطى لكنها تختلف بالطول والقصر.
وكذلك الأذكار والدعاء أيضاً سنة وظاهر كلام الأصحاب رحمهم الله أن الإنسان لو طاف ولم يتكلم بكلمة وسعى كذلك ووقف بعرفة كذلك وفي مزدلفة كذلك وفي بقية الحج كذلك أنه يجزئ لكن لا أعلم كيف يكون هذا حجاً أصبح الحج كأنه رسم لا معنى له لكن مع هذا ربما تقع من إنسان جاهل يمشي مع الناس لا يذكر ولا يدعو فلا نقول أعد حجك ومن سننه الصعود على الصفا وعلى المروة ولكن هذا للرجال فقط.
والمؤلف رحمه الله فاته شيء كثير من السنن أهم مما ذكر وأدخل شيئاً من السنن وهي خارج عن الإحرام فالاغتسال مثلاً ليس سنة في الإحرام ولكنه سنة للإحرام فهو خارج منه لكنه ترك الصلاة خلف المقام ورفع اليدين على الصفا والنزول بنمرة وابتداء الوقوف بعرفة من الزوال والوقوف عند المشعر الحرام ولذلك لو قال رحمه الله (ومن سننه الاغتسال) لكان أولى لأن من قرأ (وسننه) ظن أن هذا على سبيل الحصر وليس كذلك ولكن كما نعلم أن الإنسان مهما كان بشر يفوته الكثير ويقول الله تعالى (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ولكن المؤلف رحمه الله وغيره من العلماء يشكرون على ما بذلوا من تقريب العلم للأمة الإسلامية وسهرهم على ذلك وتعبهم فنسأل الله تعالى أن يثيبهم على هذا وأن يجزيهم عن أمة المسلمين خيرا.
قال وأركان العمرة الطواف وفي الإحرام والسعي روايتان الطواف ودليله ما سبق في دليل طواف الحج وفي الإحرام والسعي روايتان هل الإحرام شرط أوهو ركن والصحيح أنه ركن متضمن للشرط والسعي فيه روايتان وقد سبق أن السعي فيه ثلاثة أقوال وأن أضعف الأقوال القول بأنه سنة.
وواجباتها الحلق في إحدى الروايتين وفي الأخرى أنه ليس بواجب ولكنه إطلاق من محظور وسكت رحمه الله عن كون الإحرام من الميقات في العمرة لكنه ذكره في الحج والصواب أنهما سواء وأنه يجب أن يكون إحرام العمرة من الميقات كما كان إحرام الحج واجباً من الميقات.
ولم يذكر طواف الوداع للعمرة لأن طواف الوداع قد اختلف العلماء في وجوبه أصلاً هل هو واجب أو سنة؟ والصحيح أنه واجب والقائلون بأنه واجب قالوا إنه يجب في الحج ولا يجب في العمرة والصحيح أنه واجب في العمرة لأن العمرة حج أصغر كما جاء ذلك في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيه (لا يمس القرآن إلا طاهر والعمرة حج أصغر) ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ليعلى بن أمية (اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك) وهذا يشمل ما يصنع في الحج من تجنب المحظورات والطواف والسعي وخرج الوقوف والمبيت والرمي بالإجماع فلا يدخل في هذا العموم وأما قول من قال لا يجب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكره إلا في الحج فيقال هنا تأخر وجوبه فلذلك لا ينفي أن يكون واجباً في العمرة والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر مرتين أدى فيهما العمرة أداءً كاملاً الأولى عمرة القضاء والثانية عمرة الجعرانة ولم ينقل عنه أنه طاف أو لم يطف لكن يقال إن هذا قبل أن يوجب طواف الوداع لأن طواف الوداع لم يوجب إلا في حجة الوداع.
يقول فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به ومن ترك واجباً فعليه دم ومن ترك سنة فلا شيء عليه من ترك ركنا لم يتم نسكه إلا به فإن أحصر لم يتم نسكه لأنه يتحلل ويستفيد من ذلك أي من رخصة الإحصار أنه تحلل وحل له كل شيء لكن نسكه لم يتم فلو حصر عن الطواف طواف الإفاضة مثلاً وقد وقف بعرفة ومزدلفة ورمى الجمرات لكنه حصر عن طواف الإفاضة فنقول له إن حجك لم يتم فإذا رجعت إلى أهلك رجعت بغير حج.
فصل
(في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
والصلاة في مسجده)
القارئ: فإذا رجع قال آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا قفل متفق عليه ويستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من زاراني أو زار قبري كنت له شفيعا أو شهيدا) رواه أبو داود الطيالسي.
الشيخ: الحديث ضعيف.
القارئ: ويصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) وقوله عليه الصلاة والسلام (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) متفق عليه.
الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف رحمه الله ما يسن أن يقوله إذا رجع من سفره يقول آيبون أي راجعون، تائبون أي من الأعمال السيئة، عابدون أي متذللون إلى الله تعالى بالعبودية الشرعية لا بالعبودية القدرية لأن العبودية القدرية لا يمدح الإنسان عليها إذ أنها تكون في الكافر وفي المسلم والتي يمدح عليها الإنسان ويثاب عليها هي العبودية الشرعية، لربنا حامدون الحمد وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم.
ثم ذكر الدليل على ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا قفل فيقوله إذا قفل من البلد التي هي منتهى سفره ويقوله كذلك إذا أقبل على بلده.
أما قول المؤلف رحمه الله ويستحب زيارة قبر النبي وقبر صاحبيه فلا شك أنها سنة لمن كان في المدينة أو حولها ممن لا يحتاج إلى شد رحل وأما ما يحتاج إلى شد رحل فقد اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال التحريم والكراهة والإباحة والأقرب أنه حرام لأنه ذريعة إلى الغلو في القبور وربما يظن الظان أن شد الرحل إلى هذا من أجل ذات المقبور فيؤدي هذا إلى عبادته وتوليه تولي نصرة وإغاثة فالأقرب التحريم وقوله رحمه الله وقبر صاحبيه يعني بهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ومن المعلوم أن اختيار أبي بكر وعمر أن يدفنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم من كمال صحبتهما له لأن هذين الرجلين هما وزيرا رسول الله صلى الله عليه وسلم اللذان لا يذهب إلا بهما وما أكثر ما يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ورجعت أنا وأبو بكر وعمر وفعلت أنا وأبو بكر وعمر وآمنت أنا وأبو بكر وعمر كما قال في البقرة التي كان صاحبها ركب عليها وكان يؤذيها بهذا الركوب وقالت إنا لم نخلق لهذا قال وأنا أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر ولا شك أن هذا من مناقبهما والعجب أنهما عند الرافضة قاتلهم الله هما أبعد الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك أن بقاءهما صاحبين له في الحياة وبعد الممات أن ذلك من مناقبهما التي لم يدركها أحد من الصحابة رضي الله عنهم.
وأما الحديث الذي ساقه (من زارني أو زار قبري كنت له شفيعاً وشهيداً) رواه أبو داود الطيالسي فهو ضعيف جداً ولا يبعد أن يكون موضوعاً كما قال شيخ الإسلام كل حديث ورد في فضل زيارة قبره خاصة فهو حديث ضعيف أو موضوع.
وقوله يصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم استدل له بقوله (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) وهذا الحديث يدل على فضل الصلاة في مسجده واختلف العلماء في ذلك فقيل إن المراد بذلك الصلاة التي تسن في المساجد كالصلوات الخمس وقيام رمضان وما أشبهها وأما سوى ذلك فليس هكذا وهؤلاء أرادوا أن يخرجوا صلاة النافلة فإنها في البيت أفضل من المسجد حتى وأنت في المدينة صلاتك النافلة في بيتك أفضل من صلاتك إياها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك مكة صلاتك النافلة في بيتك أفضل من صلاتك إياها في المسجد الحرام ولكن يقال الحديث عام صلاة في مسجدي هذا لم تقيد فتشمل كل الصلوات ولكن ما يسن أن يكون في البيت فكونه في البيت أفضل ففائدة ذلك أن الإنسان إذا صلى في جماعة صلواته الخمس صارت خيراً من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام إذا صلى تحية المسجد فتحية المسجد خير من ألف تحية فيما سواه إلا المسجد الحرام إذا جاء وصلى ينتظر الصلاة فصلاة الانتظار هذه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام أما أن نقول اذهب وتقصد أن تصلي التطوع في المسجد دون بيتك فهذا ليس بصحيح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) وكان هو نفسه يصلي السنة في بيته وقوله (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) هذا إذا قصد المسجد أما إذا قصد شد الرحل إلى المسجد لغرض آخر لا للبقعة فلا بأس فلو شد الإنسان الرحل إلى مسجد فيه خطيب ينتفع به أكثر من غيره فلا بأس أو شد الرحل إلى مسجد ليصلي فيه ويدرك حلق الذكر والعلم فلا بأس لكن إذا شد الرحل من أجل البقعة فلا شيء يشد إليه الرحل إلا هذه المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى.
السائل: ما حكم ترتيب زيارة المدينة مع الحج؟