المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بابما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ٤

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌بابما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار

الشيخ: العلماء رحمهم الله ذكروا الزيارة هنا مع الحج لأنه فيما سبق يصعب على النائي أن يفرد الزيارة في سفر والحج في سفر فكانوا يأتون إلى الحج ويأتون إلى المدينة ولكن يجب أن يبين للعامة أنه لا علاقة بين الحج والزيارة.

السائل: قول النبي صلى الله عليه وسلم (كل منى منحر وكل مكة منحر وطريق) ما المقصود حفظكم الله بطريق؟

الشيخ: طريق يعني موصلة إلى المشاعر فلا نلزم أن نسلك إلى عرفة الطريق الذي سلكه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو إلى مزدلفة أو إلى منى مثلاً الرسول في منى سلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى جمرة العقبة ما يلزم أن نسلك الطريق الوسطى.

‌باب

ما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار

القارئ: ومن وطئ في الفرج فأنزل أو لم ينزل في إحرام الحج قبل التحلل الأول فقد فسد حجه وعليه المضي في فاسده لما روي عن ابن عمر أن رجلا سأله فقال إني واقعت امرأتي ونحن محرمان فقال أفسدت حجك انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون واحلق إذا حلقوا فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هديا فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم وقال ابن عباس وعبد الله بن عمر مثل ذلك رواه سعيد بن منصور وروي أيضا عن عمر رضي الله عنه ولا مخالف له فكان إجماعا ولأنه لا يمكنه التحلل من الإحرام إلا بأفعاله.

الشيخ: هذا الباب ذكره المؤلف رحمه الله معنونا بأمرين:

الأول ما يفسد الحج ولا يفسد الحج إلا محظور واحد وهو الجماع قبل التحلل الأول أما بقية المحظورات فلا تفسد الحج وهذا مما خرج به الحج عن العبادات فإن جميع العبادات تفسدها محظوراتها إلا الحج فلا يفسده إلا الجماع قبل التحلل الأول ومن جامع قبل التحلل الأول فإنه يترتب عليه إذا كان عامدا خمسة أمور الإثم وفساد النسك ووجوب المضي فيه والقضاء والبدنة.

ص: 82

أما إذا كان جاهلا لا يدري أن الجماع حرام فلا شيء عليه إطلاقا وإذا كان عالما بأن الجماع حرام لكن لم يعلم بما يترتب عليه فإنه لا يعذر لأنه انتهك حرمة العبادة عن قصد فلزمه ما يترتب على ذلك ويدل على هذا قصة الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان وهو يعلم أنه حرام لكنه لا يدري ما يترتب عليه فجاء يستفتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فألزمه بالكفارة.

وذكر رحمه الله الآثار الواردة في أنه يفسد الحج ويلزمه المضي فيه والقضاء من العام القادم وبدنة وقوله في الأثر (فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) هذا الأثر لا بد من تحقيقه.

القارئ: وعليه القضاء على الفور للخبر ولأنه حج واجب بالشرع فكان واجبا على الفور كحجة الإسلام ويجب عليهما الإحرام للقضاء من حيث أحرما أولاً أو من قدره إن سلكا طريقا غيرها لأنه قضاء لعبادة فكان على وفقها كقضاء الصلاة ويفسد حج المرأة للخبر ولأنها أحد المتجامعين فأشبهت الرجل وعليها القضاء ونفقة القضاء عليها إن كانت مطاوعة كالرجل وإن كانت مكرهة فعلى الزوج لأنه ألزمها ذلك فكان موجبه عليه.

الشيخ: وظاهر كلام المؤلف أن المكرهة عليها كفارة والصحيح أنه لا كفارة عليها لأن الله أسقط الحكم عن المكره في أعظم من ذلك وهو الكفر فقال (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّه) والصواب كما ذكرنا أولا في محظورات الإحرام أن من فعل محظورا من محظورات الإحرام جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا إثم عليه ولا كفارة.

القارئ: ولا فرق بين العمد والسهو والعلم والجهل للخبر.

ص: 83

الشيخ: الخبر أن الصحابة قضوا بذلك ولم يستفصلوا فيقال هذا القضاء قضاء عين يعني قضاء في قضية عين فقد يكون عند الصحابة رضي الله عنهم علم بأن هؤلاء انتهكوا الحرمة عن علم كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على المجامع دون أن يستفصله لأنه يعلم أنه جاء يعتذر لأنه عالم وما بالنا ننسى الأدلة القوية الصحيحة الصريحة الموافقة لرحمة الله وشريعة الله في أن من كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها لا حكم لفعله لماذا ننسى هذه أدلة مثل الجبال (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله قد فعلت (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وفي أصل الدين (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فلماذا ننسى هذه الأدلة العظيمة من أجل قضايا عينية قد يكون المفتي فيها عالم بحال الشخص فإذا جاءك رجل استفتاك وتعلم أنه متعمد فلا حاجة أن تستفصل ولهذا يعتبر مثل هذا الاستدلال استدلالاً ضعيفاً فالصواب أن لدينا أدلة محكمة ما استثني منها شيء في أن من كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا شيء عليه هذه أدلة محكمة عامة فلتبق على عمومها وما ورد من القضايا العينية تحمل على حال لا عذر فيها.

القارئ: ولأنه معنى يوجب القضاء فاستوى فيه ذلك كالفوائت.

ص: 84

الشيخ: الفرق بينهما ظاهر الفوائت ترك واجب فلو ترك الصلاة نسيانا يجب عليه قضاؤها لأنها واجب متعلق بذمته لا يسقطه النسيان وكذلك لا يسقطه الجهل ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسيء في صلاته أمره أن يعيد الصلاة وقال إنك لم تصل لأن هذا ترك واجباً والذمة مشغولة بهذا الواجب حتى يقوم به أما هذه فهي فعل محرم فعله الإنسان في حال يعذر بها ويسقط بها الإثم بالاتفاق فإذا كان كذلك فليسقط عنه حكم هذا المحظور لأن هذا المحظور أصبح في حال هذا الرجل ليس معصية ولا مخالفة لأنه جاهل أو ناسي فهو حين فعله لم يتعمد الإثم ولم يتجانف الإثم ولهذا لما أفطر الناس في زمن عمر قبل أن تغرب الشمس ثم ظهرت من غيم كان قد غطاها قالوا يا أمير المؤمنين ماذا نفعل قال إننا لم نتجانف لإثم هذه كلمة عظيمة يعني أننا لم نتعمد الفطر قبل غروب الشمس فإذا لم نتجانف الإثم فكيف يقال رفع عنكم الإثم ووجبت عليكم الكفارة والكفارة إنما تجب من أجل سداد الخلل الذي حصل بالإثم فلهذا القياس والمعنى والنصوص كلها تدل على أن فعل المحظور مع الجهل أو النسيان أو الإكراه لا أثر له.

القارئ: ولا فرق بين الوطء في القبل والدبر من أدمي أو بهيمة لأنه وطء في فرج أشبه وطء فرج الآدمية.

الشيخ: أما قوله لا فرق في الوطء بين القبل والدبر فهذا وجيه لأن الإنسان قد يتلذذ بالدبر أكثر من القبل ممن نكس الله فطرته فإنه يرفع إلينا رجال يطالبون زوجاتهم بأن يكون جماعهم بالدبر إكراها ولا يجامعونهم في القبل لكن هؤلاء نكس الله قلوبهم والعياذ بالله فالمهم أنه يتلذذ به.

ص: 85

أما البهيمة فالإنسان يتردد في هذا هي لا شك أنها حرام لكن هل يحصل تلذذ بوطء البهيمة كما يحصل التلذذ في وطء الآدمية لا أعتقد حتى من ابتلي بذلك ما يرى أنه يتلذذ كما يتلذذ بجماع الآدمية فهذه فيها نظر فإن كانت المسألة إجماعا فلا نخرج عن الإجماع وإن كان فيها خلاف فالصواب قول من يقول إن ذلك لا يفسد النسك لكن إن حصل إنزال فعليه فدية الأذى كما هو المعروف في الإنزال.

فصل

القارئ: ويتفرقان في القضاء لأن ابن عباس قال ويتفرقان من حيث يحرمان حتى يقضيا حجهما وفيه وجهان أحدهما أنه واجب لأن ابن عباس ذكره حكما للمجامع فكان واجبا كالقضاء والثاني لا يجب لأنه حج فلم يجب فيه مفارقة الزوجة كغير القضاء ولأن مقصود الفراق التحرز من إصابتها وهذا وهم لا يقتضي الوجوب ومعنى التفرق اجتناب الركوب معها على بعير واحد والجلوس معها في خباء ولكن يكون قريبا منها يراعي حالها لأنه محرمها.

الشيخ: الصحيح أن التفرق إن كان الإنسان يخشى على نفسه فهو واجب وإن كان آمنا فهو سنة فقط ويكون فيه نوع من العقوبة والردع لأنه كما استمتع الاستمتاع المحرم وهو أعظم الاتصالات اتصالا فينبغي أن يفرق بينهما أما إذا كان يخشى على نفسه فالواجب الحذر.

فصل

(فيمن وطئ دون الفرج)

القارئ: ومن وطئ دون الفرج أو قبل أو لمس فلم ينزل لم يفسد حجه وإن أنزل ففيه روايتان إحداهما يفسد حجه لأنه إنزال عن مباشرة أشبه الوطء في الفرج والأخرى لا يفسد وهي أصح لأنه فعل لا يجب الحد بجنسه ولا مهر ولا يتعلق به حكم بدون إنزال أشبه النظر ولا يفسد النسك بغير ما ذكرنا من المحرمات كلها بغير خلاف.

الشيخ: الصحيح في مسألة الإنزال أنه لا يفسد النسك لا حجا ولا عمرة والتعليل كما قال المؤلف رحمه الله لأنه فعل لا يجب الحد به فلا يفسد النسك.

فصل

(فيمن وطئ بعد التحلل الأول)

ص: 86

القارئ: ومن وطئ بعد التحلل الأول وقبل الثاني لم يفسد حجه لأنها عبادة لها تحللان فوجود المفسد بعد أولهما لا يفسدها كالصلاة ولكنه يخرج إلى الحل فيحرم ليطوف للزيارة بإحرام صحيح وإن وطئ المعتمر في عمرته أفسدها وعليه إتمامها وقضاؤها كالحج ويتعلق بالماضي في الفاسد من الأحكام وتحريم المحرمات ووجوب الفدية فيها مثل ما يتعلق بالصحيح سواء لأنه باق على الإحرام فتعلق به ذلك كالصحيح.

الشيخ: يعني لو جامع بعد التحلل الأول يعني بعد أن رمى على القول بأنه يحصل التحلل الأول بالرمي أو بعد أن رمى وحلق على القول الثاني فإن حجه لا يفسد لأنه قد تحلل منه وانتهاك التحريم الثاني الضعيف ليس كانتهاك التحريم الأول القوي لأن حرمة الإحرام قبل التحلل الأول أقوى من حرمته بعد التحلل الأول فحرمة الإحرام نقصت ولهذا جاز له جميع المحظورات إلا النساء فعلى هذا نقول إذا جامع بعد التحلل الأول لم يفسد نسكه لكن يقول المؤلف إنه يجب عليه أن يحرم من الحل ليطوف محرما كأنه يقول يفسد ما بقي من إحرامه فلا بد أن يجدد هذا الذي فسد وهذه مسألة في النفس منها شيء يعني لو قيل إن هذا الرجل يكون آثما وأنه يبقى على حله لأن إلزامه بالعودة إلى الإحرام يحتاج إلى دليل قوي ولا أعلم دليلاً قويا وعلى هذا الاحتمال نقول له استغفر الله وكفر ثم استمر في نسكك.

فصل

(في فوات الحج)

ص: 87

القارئ: ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر فقد فاته الحج لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع) رواه الأثرم وعليه أن يتحلل بأفعال العمرة وهي طواف وسعي وتقصير لأن ذلك يروى عن عمر وابنه وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم قال عمر لأبي أيوب حين فاته الحج اصنع ما يصنع المعتمر ثم قد حللت وقال ابن أبي موسى يمضي في حج فاسد يعني أنه يلزمه المبيت والرمي والصحيح الأول لقول الصحابة ولأن المبيت تبع للوقوف فيسقط بسقوطه ويجب عليه القضاء على الفور وعنه لا قضاء عليه إن كانت نفلا وإن كانت فرضا فعلها بالوجوب السابق قياسا على سائر العبادات والمذهب الأول لأنه قول الصحابة المسمين ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم ولأن الحج يلزم بالشروع فيلزم قضاؤه كالمنذور بخلاف غيره.

الشيخ: والصحيح الأول أنه لا قضاء عليه إذا كانت نفلا إلا أن يكون هناك تفريط منه بأن تأخر بغير عذر حتى فاته الحج فهنا نقول هو الذي فوت الحج على نفسه فيلزمه القضاء وأما إذا فاته بغير قصد وقد أدى فريضة الإسلام فإنه لا يلزمه أن يعيده مرة ثانية لكن القول بأنه يتحلل بعمرة قول وجيه فإذا فاته الحج بأن لم يصل إلى عرفة إلا بعد طلوع الفجر قلنا له الآن لا حج لك فاتك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) وقد فات لكن ادخل إلى مكة وطف واسع وقصر أو احلق وانتهت عمرتك فإذا سأل هل يلزمني أن أحج من العام القادم قلنا إن كنت لم تؤد الفريضة فحج العام القادم بالخطاب الأول أي على أنها فريضة لا أنها مقضية وإن كنت قد حججت فلا شيء عليك هذا هو الذي تدل عليه الأدلة أما ما ورد عن الصحابة فيقال فيه ما سبق أنها قضايا أعيان وتحمل على أنه فوت الحج بتفريط منه.

ص: 88

القارئ: ويجزئه القضاء عن الحجة الواجبة بغير خلاف لأن الحجة لو تمت لأجزأت عن الواجب فكذلك قضاؤها لأنه يقوم مقام الأداء ويجب على من فاته الحج هدي وعنه لا هدي عليه لأنه لو لزمه هدي لزم المحصر هديان للفوات والإحصار والصحيح الأول لأنه قول الصحابة المسمين ولأنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه هدي كالمحصر ويخرجه في سنة القضاء لما روى سليمان بن يسار أن هبار بن الأسود حج من الشام فقدم يوم النحر فقال له عمر انطلق إلى البيت فطف به سبعاً وإن كان معك هدي فانحرها ثم إذا كان عام قابل فاحجج وإن وجدت سعة فاهد وإن لم تجد فصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت إن شاء الله تعالى رواه الأثرم فعلى هذا العمل لأنه قول منتشر لم يعرف له مخالف فإن عدم الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع وقال الخرقي يصوم عن كل مد من قيمة الشاة يوما لأنه أقرب إلى معادلة الهدي كبدل جزاء الصيد وقول عمر رضي الله عنه أولى.

الشيخ: إذاً عليه دم وقيل إنه لا دم عليه وهذا أقرب إلى الصواب إلا إذا قلنا بوجوب القضاء عليه إذا كان هو الذي فرط فحينئذٍ نقول عليك القضاء وعليك هدي لأنك أنت الذي فرطت وأما إذا لم يفرط وفاته بغير اختياره وقد أدى الفريضة فليس عليه قضاء ولا هدي أما إذا كان هذا هو الفريضة فقلنا إنه يلزمه الحج من العام القادم بالخطاب الأول والهدي يلزمه إن لزمه يعني إن أتى بنسك قران أو تمتع لزمه الهدي وإلا فلا.

فصل

(فيمن أخطأ يوم عرفة)

القارئ: وإذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك لأنه لا يؤمن مثل ذلك في القضاء فيشق وإن وقع لنفر منهم لم يجزئهم لأنه لتفريطهم وقد روي أن عمر قال لهبار ما حبسك قال كنت أحسب أن اليوم يوم عرفة فلم يعذر بذلك.

ص: 89

الشيخ: هذه أيضا من نعمة الله عز وجل يعني لو أخطأ الناس فوقفوا في اليوم العاشر وبعد أن وقفوا ثبت أن هذا اليوم هو العاشر وليس اليوم التاسع بأن جاء رجلان يشهدان أنهما رأيا هلال ذي الحجة في ليلة يكون فيها هذا اليوم الذي وقفوه هو اليوم العاشر فإنه يجزئهم الحج لأن الهلال ما اشتهر عند الناس لا ما رؤي في الأفق فإذا لم يشتهر ويستهل ويتبين فهو شرعا ليس هلالا ولأن القضاء في مثل هذا يشق على الناس لو قلنا لكل الحجيج مليون نفر حجكم كله غير صحيح لأنكم وقفتم في اليوم العاشر تقضونه في السنة الثانية قالوا أيضا في السنة الثانية من يأمن أن نقف في اليوم العاشر بدلا عن اليوم التاسع وهذا صحيح فيبقى الأمر شاقا على الناس أما لو أخطأ نفر قليل فهؤلاء إذا أخطأوا نقول حجكم غير صحيح وليعلم أن كلام المؤلف رحمه الله في وقت يمكن أن يقع هذا لكن في وقتنا الحاضر والحمد لله لا يمكن أن يقع هذا لا يمكن أن يقف نفر قليل فيخطئون لأن الحكومة وفقها الله لا تأذن لأحد أن يقف بعرفة بعد الناس وحينئذٍ لا يمكن أن يقع الخطأ عمليا إلا من الجماعة كلهم.

السائل: شخص مرض قبل يوم عرفة وشعر أنه إذا واصل سيتعب فهل يلغي حجه؟

الشيخ: إذا كان قد اشترط إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني حل ولا شيء عليه وإلا لزمه أن يبقى على متابعة الحج حتى ينتهي والصحيح أنه إذا خشي مشقة كبيرة ولم يتمكن من إتمامه الصحيح أنه يكون كالمحصر بالعدو بمعنى أنه يتحلل ويذبح هديا إذا استيسر له ويحج من العام القادم إذا كان حجه فرضا.

فصل

(في الإحصار)

ص: 90

القارئ: وإذا حصر المحرم عدو من المسلمين فمنعه المضي فالأفضل التحلل وترك قتاله لأنه أسهل من قتال المسلمين وإن كان مشركا لم يجب قتاله إلا أن يبدأ به لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل الذين أحصروه وإن غلب على ظن المحرم الظفر استحب القتال ليجمع بين الجهاد والحج وإن غلب على ظنه خلاف ذلك استحب الانصراف صيانة للمسلمين عن التغرير ثم إن وجد طريقا آمنا لم يجز له التحلل قرب أم بعد لأنه قادرعلى أداء نسكه فأشبه من لم يحصر فإن كان لا يصل إلا بعد الفوات مضى وتحلل بعمرة وفي القضاء روايتان إحداهما يجب لأنه فاته الحج أشبه من أخطأ الطريق والثانية لا قضاء عليه لأنه تحلل بسبب الحصر أشبه من تحلل قبل الفوات وإن لم يجد طريقا آمنا فله التحلل لقول الله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حصره العدو بالحديبية فتحلل ولأنه لو لزمه البقاء على الإحرام لحرج لأنه قد يبقى الحصر سنين وله أن يتحلل وقت الحصر سواء كان معتمرا أو مفردا أو قارنا وعنه في المحرم بالحج لا يحل إلا يوم النحر ليتحقق الفوات لأنه لا ييأس من زوال الحصر وكذلك من ساق هديا لا يتحلل إلا يوم النحر لأنه ليس له النحر قبل وقته والصحيح الأول للآية والخبر فإن النبي صلى الله عليه وسلم ساق هديا فنحره وحل قبل يوم النحر ولأن الحج أحد الأنساك فأشبه العمرة ولو وقف الحل على يقين الفوات لم يجز الحل من العمرة لأنها لا تفوت.

الشيخ: هذا الفصل لبيان من أحصر عن إتمام النسك ذكر رحمه الله أنه إذا حصره عدو من المسلمين فالواجب الانصراف لأنه لا يمكن قتال المسلمين قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) وإن كان من المشركين فله ثلاث حالات:

الحالة الأولى أن يغلب على ظننا أنه أقوى منا فهنا ننصرف.

ص: 91

والثانية أن يغلب على ظننا أننا أقوى منه وأننا سنقضي عليه فهنا لا ننصرف وإذا قاتلنا قاتلناه لقوله تعالى (وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ).

الثالثة أن لا يغلب على ظنه لا هذا ولا هذا فهو مخير إن شاء مضى وقاتل إن قاتلوه وإن شاء انصرف وفي حال الانصراف ماذا يصنع يتحلل ينحر هديه ثم يحلق رأسه في الآية الكريمة لم يذكر الله تعالى إلا النحر ولم يذكر الحلق ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحلق وحتّم وغضب لما تأخر المسلمون وعلى هذا فيجب عند الإحصار شيئان الأول نحر الهدي والثاني الحلق أما القضاء ففيه قولان للعلماء منهم من قال إنه يقضي ومنهم من قال إنه لا يقضي والصحيح أنه لا قضاء وأن تسمية عمرة القضية أو عمرة القضاء ليس لأنه قضى ما فات فإنَّ كثيرا ممن كان معه في الحديبية لم يكونوا معه في عمرة القضاء لكنها مأخوذة من المقاضاة يعني المصالحة كما جاء في نص الصلح هذا ما قاضى عليه محمد وعلى هذا فسميت عمرة القضاء لأنها وقعت في المقاضاة أي في الصلح.

ولكن إذا لم يتحلل إلا بعد الفوات أي فوات الحج بطلوع الفجر يوم النحر فهل يعطى حكم الفوات ونقول يجب عليه القضاء لأنه فاته الحج ومن فاته الحج يجب عليه القضاء أو يعطى حكم المحصر؟ ذكر المؤلف في ذلك روايتين والصواب أنه يعطى حكم المحصر بل الصواب أنه لا يلزم القضاء إذا فات الحج إلا إن وقع ذلك بتفريط منه أو كان الذي تلبس به هو الفريضة.

فصل

(فيمن كان معه هدي)

ص: 92

القارئ: فإن كان معه هدي لم يحل حتى ينحره لقول الله تعالى (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وله ذبحه حيث أحصر وعنه إن قدر على الحرم أو على إرساله إليه لزمه ذلك ويواطئ رجلا على اليوم الذي يذبحه فيه فيحل حينئذ لأنه قادر على الذبح في الحرم فأشبه المحصر في الحرم والأول أصح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر هديه في الحديبية وهي من الحل باتفاق أهل السير ولذلك قال الله تعالى (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّه) ولأنه موضع حله فكان موضع ذبحه كالحرم ويجب أن ينوي بذبحه التحلل به لأن الهدي يكون لغيره فلزمته النية ليميز بينهما ثم يحلق لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا فحالت كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وهل يجب الحلاق أو التقصير أو لا مبني على الروايتين فيه هل هو نسك أم لا فإن قلنا هو نسك حصل الحل به وبالهدي والنية وإن قلنا ليس بنسك حصل الحل بهما دونه.

الشيخ: والصواب أنه يجب الهدي بنص القرآن ويجب الحلق بالسنة لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به ولأنه نسك فيجب فعله لأنه مقدور عليه وكل ما قدر عليه من النسك في حال الإحصار فإنه واجب.

ص: 93

ولم يذكر المؤلف رحمه الله ما إذا أحصر بغير العدو كما لو أحصر بمرض أو ذهاب نفقة أو كسر أو ما أشبه ذلك فالمشهور من المذهب أنه لا تحلل بذلك وأنه يبقى على إحرامه حتى يقدر على الوصول إلى البيت قالوا لأن الآية جاءت في صلح الحديبية والإحصار كان فيها بسبب العدو ولكن الصحيح أنه يتحلل بذلك لعموم قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) وأما قوله تعالى (فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ) فهذا ليس دليلا على أن قوله (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) خاص بالعدو وإنما هذا الحكم عاد إلى بعض أفراد العام وإذا عاد الحكم إلى بعض أفراد العام لم يلزم التخصيص كما في قوله تعالى (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء) إلى قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ) فإن هذا الحكم إنما يعود على بعض المطلقات فلا يستلزم التخصيص ومثله حديث جابر (قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) فلا يقال إن آخر الحديث يقتضي التخصيص في قوله (في كل ما لم يقسم) وأنه لا شفعة إلا في الأراضي وشبهها والصواب أن الشفعة في كل شيء على كل حال في مسألتنا هذه الصواب أن الإحصار يكون بالمرض وذهاب النفقة والكسر والعدو وغير هذا.

فائدة: إذا اشترط الإنسان أن محلي حيث حبستني ففاته الحج هل يتحلل؟ نقول نعم يتحلل لكن الأفضل له في هذا الحال أن يتحلل بعمرة حتى لا يضيع عليه النسك.

السائل: هل يعتبر الزحام من الإحصار؟

الشيخ: الجواب لا لأن الزحام يمكن أن يخف في وقت من الأوقات.

فصل

(فيمن لم يجد هديا)

ص: 94

القارئ: وإن لم يجد هديا صام عشرة أيام ثم حل لأنه دم واجب للإحرام فكان له بدل ينتقل إليه كدم التمتع ولا يحل إلا بعد الصيام كما لا يحل إلا بعد الهدي فإن نوى التحلل قبله لم يحل وكان على إحرامه حتى يذبح أو يصوم لأنه أقيم هاهنا مقام أفعال الحج.

الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف أن المحصر إذا لم يجد هديا صام عشرة أيام ثم حل ففيه مسألتان:

المسألة الأولى أنه يجب عليه أن يصوم عشرة أيام.

والثانية أنه لا يحل حتى يصومها.

والصحيح أنه لا يجب عليه صوم وإذا لم يجد الصوم حل بمجرد الإحصار ودليل ذلك أن الله تعالى قال (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) ولم يذكر بدلا وفي هدي التمتع قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) وكونه ذكر البدل في هدي التمتع وسكت عن هذا يدل على أنه لا يجب والقياس لا يصح لأن هدي التمتع هدي شكران على حصول النسكين مع التمتع بما أحل الله بينهما وهذا هدي يشبه الجبران وإن كان يتضمن الشكر لله عز وجل على إذنه بالتحلل لكن هو أيضا فيه نوع من الجبران لما فاته من بقية النسك فالصواب أنه لا يجب عليه الصيام وأن المحصر إذا لم يجد هديا حل بدون صيام.

فصل

(في قضاء العمرة أو الحج)

القارئ: وليس عليه قضاء وعنه يجب عليه القضاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى عمرة الحديبية وسميت الثانية عمرة القضية.

الشيخ: هذا الفصل غريب فإنه لا يحتاج إلى فصل لأن هذا مبني على ما سبق ولا بد أن يكون هذا من النساخ سهوا أو خطأ عادة أن الفصول يؤتى فيها بمسائل جديدة لا يبنى على ما سبق وهنا مبني على ما سبق بحرف العطف أيضا.

ص: 95

القارئ: ولأنه حل من إحرامه قبل إتمامه فلزمه القضاء كمن فاته الحج ووجه الأولى أنه تطوع جاز التحلل منه مع صلاح الوقت له فلم يجب قضاؤه كما لو دخل في الصوم يعتقده واجباً فلم يكن فأما الخبر فإن الذين صدوا كانوا ألفا وأربعمائة والذين اعتمروا معه في القضاء كانوا نفرا يسيرا ولم يأمر الباقين بالقضاء والقضية الصلح الذي جرى بينهم وهو غير القضاء ويفارق الفوات لأنه بتفريطه.

الشيخ: المؤلف رحمه الله أصاب في سياق الدليل والتعليل لكن بدأ بالتعليل قبل الدليل والحقيقة أنه لا حاجة لنا أن نعلل ولا أن نقيس هذا القياس الذي فيه نظر بل لنا أن نقول لا يجب القضاء لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يأمر به والذين قضوا في عمرة القضاء أقل من الذين أحصروا ولو كان القضاء واجباً لأمرهم بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا هو الدليل وهو دليل واضح وأما تسميتها عمرة القضاء أو عمرة القضية فلما ذكر أنها سميت بذلك لأنه من باب المقاضاة يعني المصالحة بينه وبين قريش.

فصل

(في زوال الاحصار)

القارئ: فإن لم يحل المحصر حتى زال الحصر لم يجز له التحلل لأنه زال العذر وإن زال بعد الفوات تحلل بعمرة وعليه هدي للفوات لا للحصر لأنه لم يحل به وإن فاته الحج مع بقاء الحصر فله الحل به لأنه إذا حل به قبل الفوات فمعه أولى وعليه الهدي للحل ويحتمل أن يلزمه هدي آخر للفوات.

الشيخ: والصواب أنه يلزمه هدي واحد للإحصار فقط.

القارئ: وإن حل بالإحصار ثم زال وأمكنه الحج من عامه لزمه ذلك إن قلنا بوجوب القضاء أو كانت الحجة واجبة لأن الحج على الفور وإلا فلا ومن كان إحرامه فاسدا فله التحلل بالإحصار لأنه إذا حل من الصحيح فمن الفاسد أولى فإن زال الحصر بعد الحل وأمكنه الحج من عامه فله القضاء فيه ولا يتصور القضاء للحج في العام الذي أفسده فيه إلا في هذا الموضع.

ص: 96

الشيخ: وعلى هذا فيكون مما يلغز به يقال رجل أفسد حجه وقضاه في سنة واحدة يكون هذا إذا أحصر في الحج الفاسد وتحلل منه ثم أمكنه أن يحج فهنا نقول حج وانوه قضاءً عن الفاسد وحينئذٍ يكون هذا العام حصل له حجتان ولنقل مثلا إنه أحرم بالحج في اليوم الثامن في منى وفي منى جامع زوجته هذا جماع قبل التحلل الأول فحصر أي منع من الوقوف بعرفة حيث صده عدو عن الوقوف بعرفة وحصروه فتحلل بعمرة وانتهى ثم إنه زال الحصر نقول الآن أحرم بالحج لأنه زال الحصر وينويه قضاء عن الحج الفاسد لأن الحج الفاسد تحلل منه فيكون حج وقضاء في عام واحد ولا يتصور هذا إلا في هذا الموضع.

فصل

(فيمن صد عن عرفة)

القارئ: ومن صد عن عرفة وتمكن من البيت فله أن يتحلل بعمرة لأن له ذلك من غير حصر فمعه أولى وعنه لا يجوز له التحلل بل يقيم على إحرامه حتى يفوته الحج ثم يحل بعمرة لأنه إنما جاز له التحلل بعمرة في موضع يمكنه الحج من عامه ليصير متمتعا وهذا ممنوع من الحج فلا يمكنه أن يصير متمتعا.

فصل

(في الحصر الخاص)

القارئ: والحصر الخاص مثل أن يحبسه سلطان أو غريم ظلما أو بحق لا يقدر على إيفائه والعبد إذا منعه سيده والزوجة يمنعها زوجها كالعام في جواز التحلل لعموم الآية وتحقق المعنى فيه فأما من أحصره مرض أو عدم نفقة ففيه روايتان إحداهما له التحلل لعموم الآية ولأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى) رواه النسائي ولأنه محصر فأشبه من حصره العدو والثانية ليس له التحلل لأن ابن عباس وابن عمر قالا لا حصر إلا حصر العدو ولأنه لا يستفيد بالحل الانتقال من حاله والتخلص من الأذى به بخلاف حصر العدو.

الشيخ: سبق أن الصواب أنه يحصل به الحصر.

ص: 97